قائمة
الرئيسية
ما الجديد
الأعضاء
الـتــيـــوب
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
سجل عضوية لنشر مواضيع ومشاركات ومحادثة الأعضاء بدون إزعاج الإعلانات
تم فتح باب الاشرف تقدم لطلب الاشراف علي اقسام المنتدي
قسم قصص السكس
قصص غير جنسية
مع وقف التنفيذ | السلسلة الاولى | ـ عشرة اجزاء
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابيقور" data-source="post: 42889"><p>القصه مقتبسه من الكاتبه دعاء عبد الرحمن</p><p></p><p>الفصل الأول</p><p></p><p></p><p></p><p>فى أحد أحياء القاهرة المزدحمة بالطبقة المتوسطة وما تحتها , حيث نرى سلاسل البنايات المتراصة دون تناسق, ملتحمةً بعضها ببعض وكأنها تشد أزرها وتهون عليها أثر هذا الزحام الغير مقصود من التكتلات العائلية والأسرية البسيطة, حيث تختلف العقيدة واللون والمستويات الأجتماعية منذ سنوات وسنوات , ولكن اجتمعوا على حب هذه الجيرة القديمة والآثار المترتبة عليها من ود وشهامة وتقارب روحى وصلة لا تنفك أن تنقطع أبدًا، ففيها يطيب السمر وتجتر الذكريات الجميلة وتحلو سنوات الطفولة بكل تفاصيلها التى تأبى الذاكرة على محوها يوما ما, والتى انطلق من خلفيتها شباب وفتيات فى عمر الزهور فى مجالات التعليم والعمل المختلفة, كلٌ له هدف واتجاه وطريق يتخذه سبيلاً لتحقيق طموحاته , ومن بين هؤلاء الشباب , شاب فى مقتبل العمر ذات ملامح مصرية هادئة جذابة تتميز بالرجولة والبساطة , وقف فى ساحة الجامعة ينتظر شخصٌ ما فى قلق واضح , يدور بعينيه باحثاً عنه وسط التجمعات الشبابية الكبيرة التى تتهافت متلهفة لمعرفة نتيجة اختبارات نهاية العام الدراسى وبالأخص نتيجة الليسانس التى ينبرى من أجلها منذ أربع سنوات جهد ودراسة كخطوة على طريق حلمه الكبير.</p><p></p><p>وأخيرًا ظهرت " دنيا " من وسط الزحام مبتسمة وأقبلت عليه فى لهفة تهتف به فى سعادة واضحة بعينين لامعتين:</p><p></p><p>- نجحنا يا فارس ..نجحنا نجحـنا</p><p></p><p>أتسعت ابتسامته وخفق قلبه بشدة وهو يخطو نحوها بخطوات واسعة مضطربة و يبادلها الهتاف:</p><p></p><p>- بتكلمى جد.. قوليلى بسرعة تقديرى أيه وتقديرك ايه</p><p></p><p>عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلةً بابتسامة واسعة :</p><p></p><p>- تدفع كـام</p><p></p><p>أمسكها من ذراعيها بتوتر هاتفاً:</p><p></p><p>- قولى بقى أنا خلاص أعصابى باظت</p><p></p><p>أبتسمت فى شغف قائلة:</p><p></p><p>- مبروك يا سيدى جيد جدًا زى كل سنة .. وانا طبعا مقبول زى كل سنة</p><p></p><p>ضحك فى سعادة كبيرة وهو يفرك كفيه فى بعضهما البعض قائلا:</p><p></p><p>- الحمد ***.. أنا كده حطيت رجلى على أول سلمة</p><p></p><p>ضحكت دنيا بينما أقبلت عليهما فتاة أخرى تمشى نحوهما وعينيها مثبتة على فارس وعلى السعادة التى تبدو على وجهه وما أن اقتربت حتى قالت بمرح:</p><p></p><p>- مبروك النجاح من غير ما اعرف النتيجة</p><p></p><p>ألتفت إليها فارس بمرح قائلا:</p><p></p><p>- **** يبارك فيكى يا عزة ..الحمد *** جيد جدًا</p><p></p><p>قالت بسعادة بالغة:</p><p></p><p>- الحمد *** انا كنت متأكدة</p><p></p><p>أمسكت دنيا بكف فارس ونظرات الغيرة مطلة من عينيها وهى توجه حديثها لـ عزة قائلة:</p><p></p><p>- **** يبارك فيكى يا عزة عقبال ما تباركيلنا على الخطوبة قريب إن شاء ****</p><p></p><p>أطرقت عزة برأسها وقالت بهدوئها المعتاد :</p><p></p><p>- مبروك مقدماً عن أذنكم</p><p></p><p>ألتفتت لترحل ولكن تذكرت شيئًا مهماً فاستدارت مرة أخرى وقالت له:</p><p></p><p>- أنا هروح دلوقتى وأكيد مامتك هتقابلنى وهتسألنى على النتيجة .. تحب اقولها ولا انت عاوز تكون أول واحد تبلغها ؟</p><p></p><p>نظر لها فارس بامتنان قائلا:</p><p></p><p>- قوليلها طبعا.. وهى أصلا منبهة عليا أول ما اعرف النتيجة اكلمها على طول ..</p><p></p><p>وأردف مبتسمًا :</p><p></p><p>- أنتِ عارفة بقى خالتك ام فارس مش هتستنى لما اروحلها</p><p></p><p>أبتسمت عزة قائلة :</p><p></p><p>- طبعا عارفاها زمانها قاعدة مع ماما فى البلكونة مستنين اللى يوصل فينا الأول</p><p></p><p>ضحك فارس وضحكت وهى تلوح مودعة لهما, لوح لها فأمسكت دنيا يده وهى تقف أمامه وتنظر إليه بشك قائلة:</p><p></p><p>- طبعا لو قلتلك انا مبحبش البت دى هتقولى دى جارتى ومتربين مع بعض ومينفعش مكلمهاش..مش كده</p><p></p><p>قبض على كفها ببطء وهو يقول:</p><p></p><p>- بقولك إيه سيبك من الكلام الفاضى ده وتعإلى نروح نقعد فى أى حتة</p><p></p><p>أستقلت معه أحد سيارات الأجرة وهى تهمس بتذمر واضح:</p><p></p><p>- كده يا فارس بتركبنى ميكروباص ده انا عندى أخدها مشى احسن</p><p></p><p>أشار لها أن تصمت حتى يترجلا من السيارة , ترجلت دنيا من السيارة بمعاونة فارس وقفت أمام الحديقة عاقدة ذراعيها أمام صدرها بحنق قائلة:</p><p></p><p>- هى دى المفاجأة جايبنى جنينة زى دى</p><p></p><p>أختفت الأبتسامة من محياه وهو ينظر إليها بحزن قائلا:</p><p></p><p>- ما انتِ عارفة يا دنيا انا مقدرش على غير كده .</p><p></p><p>أنتظرها تجيبه ولكنها ظلت عاقدة حاجبيها حانقة فاردف قائلا:</p><p></p><p>- يعنى هتضيعى علينا الساعة اللى خارجينها مع بعض ..أمشى يعنى؟!</p><p></p><p>قالت وهى تلوح بعدم رضى :</p><p></p><p>- لا متمشيش.. أمرى *** يلا ندخل</p><p></p><p>جلسا إلى مقعد أمام النيل مباشرةً والتفت إليها ونظر لها بحب قائلا:</p><p></p><p>- دنيا ..أنا عاوز آجى اتقدم بقى</p><p></p><p>ألتفتت إليه قائلة:</p><p></p><p>- لالا مش دلوقتى لما مرتبك يزيد شوية</p><p></p><p>- يا حبيبتى الدكتور حمدى وعدنى أول لما اتخرج هيزود مرتبى على طول يبقى نستنى ليه بقى</p><p></p><p>دنيا:</p><p></p><p>- برضة نصبر شوية</p><p></p><p>نظر لها باستنكار والتفت إلى النيل مرة أخرى ولم يتحدث , شعرت دنيا بغضبه واستنكاره فهو دائما يظهر فى عينيه ما لا يريد البوح به فقالت مستدركة:</p><p></p><p>- يا حبيبى افهمنى انا عاوزاك تصبر لما تشوف تعينات النيابة .. مش جايز حلمك يتحقق وتبقى وكيل نيابة قد الدنيا.. وساعتها تتقدم بقلب جامد لبابا</p><p></p><p>أستدار إليها بجسده دفعة واحدة وقال بعصبية:</p><p></p><p>- أنتِ كمان عاوزانا نستنى تعينات النيابة .. يعنى ندخل فى سنة كمان.. ويمكن أكتر **** أعلم</p><p></p><p>قالت دنيا بتوتر:</p><p></p><p>- طب وفيها أيه يا حبيبى فات الكتير ما بقى الا القليل</p><p></p><p>هز رأسه حانقا وهو يقول:</p><p></p><p>- غريبة أوى .. أى بنت مكانك هى اللى تحب ترتبط بالراجل اللى بتحبه .. مش عارف ليه عمالة تطولى فى المدة وانا اللى مستعجل ..المفروض العكس يا دنيا.. وبعدين كده هتطلعينى عيل قدام مامتك .. أنتِ ناسية انى وعدتها اتقدم أول ما اتخرج على طول</p><p></p><p>قالت دنيا بابتسامة تريد بها امتصاص غضبه :</p><p></p><p>- ملكش دعوة بماما.. أنا هفهمها إن التأجيل مني أنا مش منك انت ..خلاص يا سيدى ارتحت</p><p></p><p>حرك رأسه نفيا وقال باعتراض:</p><p></p><p>- مرتحتش طبعا .. مش فاهم ليه مصممة على التأجيل.. أنتِ عاوزانى وانا وكيل نيابة وبس يعنى غير كده لاء</p><p></p><p>أخذت دنيا حقيبتها بتردد وهى تقول:</p><p></p><p>- أنت عارف كويس أوى انى بحبك ومقدرش استغنى عنك</p><p></p><p>أبتسم بسخرية وقال هامسا:</p><p></p><p>- آه ماهو باين...</p><p></p><p>ثم نهض واقفاً وهو يقول بضيق:</p><p></p><p>- يلا بينا .. زمان ماما مستنيانى بفارغ الصبر</p><p></p><p>***</p><p></p><p>أقترب فارس من الحى الذى يقطن به وهو ينظر للأعلى فى تساؤل وهو يشاهد الزينة والكهرباء المعلقة فى تناغم بين ألوانها المبهجة , أستقبله صديقه عمرو وهو يفتح ذراعيه فى الهواء مداعبا:</p><p></p><p>- فارس باشا ..ألف مبروك النجاح ... عقبال النيابة وتبقى باشا رسمى وتشرفنا فى كل حتة ونتفشخر بيك كده</p><p></p><p>ضحك فارس لصديقه ورفيق طفولته وصباه عمرو , وبادله المداعبة قائلا:</p><p></p><p>- نتفشخر !! ... ده انت بيئة صحيح</p><p></p><p>صفق عمرو بمشاغبة وقال:</p><p></p><p>- أيوه هنبدأ بقى من أولها ..ماشى ياعم بكره هنقابلك بالحجز وبدفتر المواعين قصدى المواعيد</p><p></p><p>وضع فارس ذراعه على كتفه وهو يقول:</p><p></p><p>- ده انت يابنى فضيحة بجد.. الناس بتتفرج علينا .. قولى بقى هو فرح مين النهاردة</p><p></p><p>قال عمرو وهو يلوح بذراعه :</p><p></p><p>- فرحك انت يا عريس ..أمك أول ما سمعت الخبر مسكتتش وقعدت تزغرد والحبايب بقى صمموا يعلقوا الكهربا دى علشانك...</p><p></p><p>ثم رفع يديه بالدعاء قائلا:</p><p></p><p>- عقبإلى **** لما اتخرج كده وابقى مهندس قد الدنيا</p><p></p><p>ثم همس فى أذنه :</p><p></p><p>- أم عزة قاعدة مع امك وشاكلهم كده عاوزين يدبسوكوا فى بعض</p><p></p><p>نظر له فارس باستنكار قائلا:</p><p></p><p>- هما ايه مبيزهقوش .. قلت لماما مية مرة انا بحب دنيا وهجوزها ومش هتجوز غيرها</p><p></p><p>وقف عمرو ونظر إليه بتفحص قائلا:</p><p></p><p>- يعنى عزة مش على بالك خالص</p><p></p><p>فارس:</p><p></p><p>- انت صاحبى يا عمرو يعنى المفروض عارف كل حاجة عنى.. بتسألنى سؤال زى ده برضة</p><p></p><p>وبمجرد ظهورهما عند بداية المنعطف الذى يجاور منزلهما بدأ شباب الجيران فى التهافت عليه وتهنئته , وبمجرد ولوجه إلى بوابة منزلهم المتواضع استمع إلى صوت زغاريد الجارات من النساء وأقبلت عليه والدته تقبله وتحتضنه بسعادة بالغة وهى تقول:</p><p></p><p>- مبروك يا حضرة وكيل النيابة المحترم</p><p></p><p>ضحك فارس وعمرو وقال الأخير:</p><p></p><p>- شكله بالكتير أوى بشكاتب</p><p></p><p>ضربته أم فارس على كتفه وهى تقول :</p><p></p><p>- بس يا واد يا عمرو.. طب بكره تشوف فارس ده هيبقى أيه</p><p></p><p>أنتهت الإحتفالية البسيطة وما أن أغلق الباب على فارس ووالدته وحدهما حتى قالت له مؤنبة:</p><p></p><p>- كده برضة تحرجنى قدام ام عزة</p><p></p><p>أقترب فارس من والدته وقبل رأسها قائلا:</p><p></p><p>- ليه بس يا ست الكل هو انا عملت ايه</p><p></p><p>نظرت له بعتاب وقالت :</p><p></p><p>- بقى اقولك عقبال ما نفرح بيك انت وعزة ترد تقولى لاء عزة الأول.. لازم اطمن على اختى الأول.. بتستعبط يا فارس</p><p></p><p>جلس فارس على أقرب مقعد وهو يبتسم لوالدته قائلا:</p><p></p><p>- يا حجة ما انتِ عارفة من الأول ان عزة زى اختى وعارفة انا ناوى اتجوز مين</p><p></p><p>قالت والدته بانفعال وهى تجلس على الأريكة بجواره:</p><p></p><p>- انت عارف انى مبطقش البت دى يا فارس هتجيبها تعيش معايا هنا ازاى</p><p></p><p>تقدم نحوها وقبل كفها عدة قبلات سريعة وقال برجاء:</p><p></p><p>- ياماما انا بحبها وهى كمان بتحبنى وبعدين يا ست الكل مش انتِ يهمك سعادتى برضة.. وانا مش هبقى سعيد مع واحدة تانية..علشان خاطرى يا ماما حاولى تتقبليها علشان خاطرى</p><p></p><p>ربتت على رأسه وقالت بحنان:</p><p></p><p>- يابنى و**** يهمنى سعاتك.. بس انا قلبى مش مرتحلها أبدًا</p><p></p><p>رفع عينيه إليها وقال مؤكدا:</p><p></p><p>- لا و**** يا ماما انتِ ظلماها .. وبعدين بقى فى حاجة متعرفيهاش</p><p></p><p>قالت والدته باهتمام:</p><p></p><p>- حاجة أيه</p><p></p><p>تلفت حوله وكأنهما ليسا وحدهما فى المنزل وقال بصوت خفيض:</p><p></p><p>- عمرو حاطط عينه على عزة بس مستنى لما يشوف موقفى أيه</p><p></p><p>نظرت له تتفحصه بركيز وهى تقول:</p><p></p><p>- بتكلم جد يا فارس .. هو اللى قالك كده؟</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه وأغمض عينيه فى حركة مسرحية وقال بثقة:</p><p></p><p>- مش لازم يقولى يا حجة.. أنا بلقطها وهى طايره فى الهوا</p><p></p><p>ضربته على كفه وهى تقول:</p><p></p><p>- تصدق انا غلطانة انى قاعدة معاك .. هقوم ألحق **** العشاء..</p><p></p><p>لم تلبث أن نهضت واقفة حتى سمعت طرقات خفيفة على الباب فغيرت مسارها إليه وهى تقول :</p><p></p><p>- ياترى مين</p><p></p><p>فارس :</p><p></p><p>- أستنى يا ماما هفتح انا</p><p></p><p>اشارت إليه أن يجلس مكانه وهى تفتح الباب وقالت:</p><p></p><p>- أم يحيى.. تعإلى اتفضلى يا حبيبتى</p><p></p><p>أرتبكت جارتها أم يحيى وهى تقول بخجل واضح:</p><p></p><p>- و**** آسفه انى رجعت تانى يا ست ام فارس ...</p><p></p><p>ثم قالت وهى تشير لابنتها الصغيرة:</p><p></p><p>- بس البت المضروبة دى صممت أجيبها علشان تبارك للأستاذ فارس .. ورأسها وألف سيف لازم تيجى دلوقتى وعمالة تعيط وتصرخ .. مقدرتش عليها ياختى</p><p></p><p>نظرت أم فارس إلى الطفلة الصغيرة فى يد والدتها وهى تفرك عينيها من آثر النوم وتتثائب وهى تقول بصوت مرتفع :</p><p></p><p>- فين فارس يا طنط</p><p></p><p>وكزتها أمها فى يدها وهى تقول :</p><p></p><p>- يابت قولى أبيه فارس ...</p><p></p><p>دخلت الصغيرة دون استئذان وهى تجذب يد أمها قائلة بمشاغبة:</p><p></p><p>- أحنا متفقين على كده.. وهو مش بيزعل</p><p></p><p>وقف فارس ينظر إليها وهى تحاول ترتيب شعرها الأشعث وعينيها التى انتفخت من اثر البكاء والنوم وهى تقول:</p><p></p><p>- مبروك يا فارس</p><p></p><p>ضحك وقال مداعبا:</p><p></p><p>- بقى ده منظر تيجى تباركيلى بيه برضة</p><p></p><p>جذبتها أمها مرة أخرى بشدة من يدها وهى تقول لفارس باعتذار :</p><p></p><p>- معلش يا أستاذ فارس ..عيله متقصدش</p><p></p><p>قال بتفهم :</p><p></p><p>- ولا يهمك يا ام يحيى.. مُهرة صاحبتى وتقولى اللى هى عاوزاه</p><p></p><p>نظرت مُهرة إلى والدتها فى انتصاربينما اقترب فارس منها ونزل على أحدى ركبتيه وهو يتصنع الحزن قائلا:</p><p></p><p>- بس انا زعلان منك يا مُهرة .. لسه جاية تباركيلى دلوقتى</p><p></p><p>قالت باندفاع طفولى:</p><p></p><p>- وانا مإلى .. ماما سابتنى نايمة وجات لوحدها ولما صحيت صممت اجيلك..</p><p></p><p>ثم نظرت لوالدتها مؤنبة وهى تقول:</p><p></p><p>- ماشى يا ماما بكرا لما اكبر وانتوا تصغروا هسيبكوا نايمين وهاخرج لوحدى</p><p></p><p>ضحكت أم فارس وهى تربت على شعر مُهرة وتحاول عبثاً أصلاح غرتها المبعثرة على جبينها وتمسح عليه قائلة:</p><p></p><p>- معلش يا مُهرة .. ماما مرضيتش تصحيكى علشان عندك مدرسة الصبح بدرى</p><p></p><p>نظرت إليها مُهرة بعين مفتوحة والأخرى مغمضة:</p><p></p><p>- أحنا فى الأجازة يا طنطتى</p><p></p><p>جذب فارس وجهها إليه قائلاً:</p><p></p><p>- بمناسبة المدرسة يا لمضة درجات سنة رابعة معجبتنيش .. أعملى حسابك السنة الجاية سنة خامسة .. وزى ما سمعنا كده هتبقى خامسة وسادسة مع بعض .. يعنى مش هقبل أقل من الدرجات النهائية ..ها هاتذاكرى ولا هتقضيها كارتون</p><p></p><p>لوحت فى الهواء بطفولية وهى تقول:</p><p></p><p>- طبعا هذاكر وهجيب درجات أكبر من السنة اللى فاتت وماما هتعملى حفلة كبييرة ..</p><p></p><p>وأشارت له محذرة :</p><p></p><p>- وعارف لو مجتش</p><p></p><p>قاطعتها والدتها وهى تقول لها:</p><p></p><p>- يابنتى عيب كده ..</p><p></p><p>ثم نظرت إلى أم فارس قائلة:</p><p></p><p>- البت لسه مكملتش العشر سنين ومفترية أومال لما تكبر هتعمل فينا ايه</p><p></p><p>ضحك فارس قائلا لها:</p><p></p><p>- يا ستى انجحى انتِ بس وليكى عندى هدية معتبرة</p><p></p><p>قالت وهى تمسك بيد والدتها:</p><p></p><p>- ماشى لما نشوف يلا يا مامتى..تصبحوا على خير كلكوا</p><p></p><p>***</p><p></p><p>دخلت دنيا فراشها وتدثرت وهى تتذكر ملامح فارس وكلماته الحانية فابتسمت وهى تغمض عينيها, ولكن الأبتسامة سرعان ما تلاشت ,عندما تذكرت لقائهما الأخير, طرقت والدتها الباب وأطلت برأسها وهى تقول:</p><p></p><p>- نمتى يا دنيا ولا لسه</p><p></p><p>أدارت رأسها تجاه الباب وهى تقول لوالدتها:</p><p></p><p>- لا لسه يا ماما .. فى حاجة ولا ايه</p><p></p><p>دخلت والدتها وجلست على طرف فراشها وهى تقول:</p><p></p><p>- عاوزه أتكلم معاكى فى موضوع مهم وكنت مستنية لما باباكى ينام</p><p></p><p>أعتدلت دنيا فى فراشها باهتمام فقالت والدتها:</p><p></p><p>- الكلام اللى قولتيه لفارس النهاردة ده ولا هيقدم ولا هيأخر</p><p></p><p>زفرت دنيا بضيق وهى تقول:</p><p></p><p>- أنتِ كمان يا ماما وانا اللى فاكراكى فاهمانى</p><p></p><p>والدتها:</p><p></p><p>- أنا مش فاهمة تمسكك بيه ده كله ليه .. ده فى الآخر هيتجوزك مع امه فى شقتها فى مكان مش من مقامك .. أنتِ لسه فى أول العمر والدنيا فتحالك أيديها ليه تدفنى نفسك معاه</p><p></p><p>تنهدت دنيا وهى تنظر للفراغ وكأنها تنظر للمستقبل قائلة:</p><p></p><p>- يا ماما فارس عنده عزيمة قوية ..هيفضل يحارب لحد ما يبقى وكيل نيابة</p><p></p><p>ثم ابتسمت وهى تقول:</p><p></p><p>- وانا هبقى مرات البيه وكيل النيابة</p><p></p><p>مطت والدتها شفتيها وقالت بعدم رضا:</p><p></p><p>- ولحد ما يبقى وكيل نيابة .. هتقبلى انك تعيشى معاه عند امه</p><p></p><p>رفعت دنيا كتفيها وهى تقول:</p><p></p><p>- لاء طبعا .. أنا قولتله كده بس فى الأول لكن انا عمالة اهو أأجل الارتباط على قد ما اقدر لحد ما ياخد وضعه .. حتى الخطوبة عاوزه أأجلها لحد ما يتعين</p><p></p><p>ثم نظرت لوالدتها فى ثقة قائلة:</p><p></p><p>- ياماما متخافيش عليا.. أنا مش مراهقة .. أنا أه بحبه بس برضة مش هارتبط بيه غير لما احس ان المستقبل بقى مضمون.. وهيجيبلى شقة تانية فى مكان تانى .. وساعتها كل حاجة هتتغير للأحسن</p><p></p><p>قالت والدتها بعدم تصديق:</p><p></p><p>- عموما متخطيش خطوة إلا لما تتأكدى الأول</p><p></p><p>عادت الأبتسامة إليها مرة أخرى وهى تقول بعينين لامعتين:</p><p></p><p>- متخافيش عليا.. أنا عارفة انا بعمل ايه</p><p></p><p></p><p></p><p></p><p>الفصل الثانى</p><p></p><p></p><p></p><p></p><p>فى الصباح أستيقظ فارس على صوت والدته وهى توقظه وتهتف به:</p><p></p><p>- قوم يا فارس تليفون علشانك</p><p></p><p>نظر إليها بصعوبة وهو يحاول فتح عينيه قائلا:</p><p></p><p>- مين يا ماما</p><p></p><p>والدته بتأفف:</p><p></p><p>- السفيرة عزيزة بتاعتك</p><p></p><p>أبتسم وهو ينهض من فراشه واتجه مباشرة إلى الهاتف ليجيبها فقالت:</p><p></p><p>- صباح الخير يا حبيبى</p><p></p><p>- لسه فاكرة.. سايبانى طول اليوم وانتِ عارفة انى مضايق منك وجاية تتصلى تانى يوم</p><p></p><p>- خلاص بقى يا حبيبى متبقاش حمقى كده.. يالا بقى البس وانزل عاوزه اشوفك</p><p></p><p>أبتسم ولكنه صبغ صوته بنبرة جدية قائلا:</p><p></p><p>- لا مش قادر انزل</p><p></p><p>- كده برضة يعنى موحشتكش</p><p></p><p>- طيب خلاص نتقابل فى المكان بتاعنا بعد ساعة</p><p></p><p>زفرت بقوة وهى تقول:</p><p></p><p>- يا حبيبى مش هنغير بقى المكان ده.. أكيد مامتك ادتلك حلاوة النجاح</p><p></p><p>قال بحدة:</p><p></p><p>- جرى أيه يا دنيا.. هو انا عيل .. أيه حلاوة النجاح دى</p><p></p><p>- طب خلاص متتعصبش كده.. ساعة وهكون هناك.. يلا مع السلامة</p><p></p><p>أغلق فارس الهاتف واتجه إلى الحمام توضأ صلى الظهر , بدل ملابسه واتجه إلى المطبخ وجد والدته تعد طعام الغذاء , عندما رأته قالت بعبوس:</p><p></p><p>- يعنى مقولتش انك خارج النهاردة.. أنا بعمل الغدا ده لمين ان شاء ****</p><p></p><p>قبلها على وجنتها وهو ينظر للأوانى ويلتقط منها بعض الطعام ليأكله فى سرعة وهو يقول:</p><p></p><p>- معلش يا ماما مش هتأخر.. ساعتين وهتلاقينى هنا .. بس اتغدى انتِ متقعديش جعانة لحد ما ارجع</p><p></p><p>ضربته على ظهر يده وهو يعبث بالطعام وتقول:</p><p></p><p>- قولتلك قبل كده متحطش أيدك فى الأكل .. أستنى احطلك فى طبق</p><p></p><p>تناول كوب مياة مثلج ثم قال:</p><p></p><p>- لالا لما آجى بقى</p><p></p><p>ثم طبع قبلة اخرى على رأسها وغادر على الفور</p><p></p><p>هبط الدرج قفزًا كما يفعل دائما وخرج من باب البيت , وما أن خطى خطوتين حتى سمع صوت طفولى من الأعلى يصيح به :</p><p></p><p>- فااااااارس يا فاااااارس</p><p></p><p>نظر للأعلى مبتسما وقال بهتاف وهو يلوح :</p><p></p><p>- عارف عارف مش هنسى العسلية</p><p></p><p>ضحكت مُهرة بينما نهرتها والدتها التى كانت تقف بجوارها فى الشرفة:</p><p></p><p>- يابت عيب كده .. هو خلفك ونسيكى</p><p></p><p>أخذت مُهرة دميتها ولم تجيبها ودخلت لتكمل لعبتها تارة وتضايق أخيها يحيى تارة أخرى</p><p></p><p>خرج عامر من ورشته عندما سمع صوت فارس واتجه إليه فى خطوات واسعة مهنئا:</p><p></p><p>- مبروك يا أستاذ فارس .. معلش ملحقتش اكلمك امبارح كان عندى زباين واتحرجت اطلعلك فوق</p><p></p><p>أبتسم فارس متفهما وقال:</p><p></p><p>- **** يبارك فيك يا عم عامر ويارب عقبال مريان ومينا ما يتخرجوا وتفرح بيهم</p><p></p><p>قال عامر مبتسما:</p><p></p><p>- طيب مش هاعطلك بقى يا سعادة المستشار</p><p></p><p>ضحك فارس بعذوبة قائلا:</p><p></p><p>- يسمع من بؤك **** يا عم عامر ..عن أذنك انا بقى علشان مستعجل</p><p></p><p>وقبل أن يتحرك سمع جلبة من خلفة وهتاف يعرفه جيدًا:</p><p></p><p>- يا أستاذ فارس.. أستنى</p><p></p><p>ألتفت وهو يرفع حاجبيه بمرح للحاج عبد **** الذى أقبل عليه بجلبة كبيرة قائلا:</p><p></p><p>- مبروك يا أستاذ فارس يابنى.. و<strong>** و**</strong> انا فرحان زى ما يكون ابنى هو اللى اتخرج وبقى باشا قد الدنيا</p><p></p><p>ضحك فارس مداعبا:</p><p></p><p>- لسه مابقتش باشا يا حاج عبد ****.. أدعيلى انت بس</p><p></p><p>وضع الحاج عبد **** يده على كتفه وتكلم بهتاف كعادته :</p><p></p><p>- داعيلك يابنى و<strong>*<em>.. *</em></strong> يكتبلك الخير ماطرح ما تروح يابنى</p><p></p><p>ربت فارس على يده بامتنان قائلا:</p><p></p><p>- <strong>** يتقبل منك يا حاج عبد **</strong>..</p><p></p><p>ثم تنحنح واعتذر منه ليلحق بموعده الهام مع دنيا وتابع طريقه بصعوبة , فكلما خطى خطوة أوقفه أحد جيرانه مهنئا وداعيا له بالتوفيق.</p><p></p><p>وقفت دنيا تنتظر ظهور فارس وهى تنظر لساعتها اليدوية فى قلق حتى ظهر أخيرًا قادما من بعيد بابتسامته المشرقة الجذابة , وعندما رآها أسرع الخطى نحوها ووقف معتذرًا وهو يقص عليها ما حدث له مع جيرانه بمجرد خروجه من المنزل وحاول استرضائها مرارًا وعندما جلسا أخيرًا قالت:</p><p></p><p>- فارس انا ليا عندك طلب</p><p></p><p>أومأ برأسه قائلا:</p><p></p><p>- أؤمرينى يا حبيبتى</p><p></p><p>قالت بجدية:</p><p></p><p>- أنا عاوزه آجى اشتغل معاك فى المكتب</p><p></p><p>زفر بضيق قائلا:</p><p></p><p>- مش احنا اتفقنا قبل كده ان انا بس اللى هشتغل..أنتِ عارفة يا دنيا شغل المحاماة متعب ازاى.. وبصراحة كده بحس انه بهدله للبنات</p><p></p><p>قالت بعناد:</p><p></p><p>- بس انا عاوزه اشتغل.. وبعدين مانا هبقى معاك أيه اللى هيبهدلنى</p><p></p><p>رفع حاجبيه بدهشة قائلا:</p><p></p><p>- ياسلام يعنى لما تيجى تشتغلى والأستاذ حمدى يديكى شغل تعملية.. هتقوليله طب آخد فارس معايا ولا أيه مش فاهم يعنى... أنا مش حابب يا دنيا كل يوم تقعدى تتنططى ما بين الاقسام والنيابات والمحاكم .. والموظف ده يرزل عليكى والموظف ده يبصلك..لاء انا مش موافق</p><p></p><p>قالت بعناد أكبر:</p><p></p><p>- بص يا فارس أنا كده ولا كده هشتغل.. أنا مخدتش الشهادة علشان افضل قاعدة فى البيت.. فقولت اشتغل معاك احسن ما اروح اشتغل فى مكتب تانى</p><p></p><p>نظر إلى النيل متأملا وقال بهدوء:</p><p></p><p>- يعنى رأيي مش مهم عندك للدرجة دى</p><p></p><p>لمست كتفه وقالت بخفوت:</p><p></p><p>- ياحبيبى ازاى بس تقول كده .. بس انت عارف يا فارس انى لازم اساعد فى تجهيز نفسى وبابا مش هيقدر على الحمل ده كله لوحده</p><p></p><p>مط شفتيه متبرمًا وشعر بالإختناق وهو يقول:</p><p></p><p>- أنا لو عليا مخليكيش تجيبى قشاية.. لكن مفيش فى أيدى حاجة غير مرتبى وانتِ عارفة</p><p></p><p>قالت بهدوء:</p><p></p><p>- عارفة .. وبكره الدنيا هاتتغير وحياتنا هاتتغير وهانبقى من طبقة الهاى كلاس وبكره تقول دنيا قالت</p><p></p><p></p><p></p><p>***</p><p></p><p></p><p></p><p>وقف الأستاذ حمدى مهران أمام فارس وهو يربت على كتفه قائلا:</p><p></p><p>- بس كده يا سيدى خلاص.. أعتبرها اشتغلت ..خإليها تيجى من بكره لو تحب</p><p></p><p>قال فارس بامتنان:</p><p></p><p>- متشكر أوى يا دكتور</p><p></p><p>عاد الأستاذ حمدى إلى مقعده وهو يقول باهتمام:</p><p></p><p>- بس انا عاوزك بقى تسعى فى الماجيستير من دلوقتى.. يا فارس ده هيخدمك جامد فى المستقبل.. وعندك يا سيدى المكتبة بتاعتى هنا فى المكتب استعين بيها زى ما انت عايز يعنى مش هتحتاج تشترى كتب من بره</p><p></p><p>قال فارس فى تفكير:</p><p></p><p>- إن شاء **** يا دكتور بس انا دماغى مشغول دلوقتى بحكاية النيابة دى ..عاوز استنى لما اعرف راسى من رجلى فيها</p><p></p><p>قال الأستاذ حمدى بنظرة حاول أن يخفيها:</p><p></p><p>- فكر تانى فى الموضوع ده.. النيابة دى لسه قدامها وقت ..وانت لسه هتاخد دبلومتين قبل الماجيستير .. أستغل الوقت ده</p><p></p><p>بدا عليه التفكير فى الأمر وهو ينظر للأمام قائلا:</p><p></p><p>- خلاص يا دكتور انا حطيت الموضوع فى دماغى وان شاء **** هابتدى فيه على طول</p><p></p><p>أومأ الأستاذ حمدى برأسه مبتسما فانصرف فارس إلى مكتبه وجلس إلى مقعده وأخرج بعض الملفات وبدأ فى العمل , ولكن عقله مازال يدور ويبحث الأمر ولا يجرؤ أبدًا أن يتطرق إلى احتمال عدم قبوله فى النيابة , هو ليس حلمه وحده, أنما هو حلم والدته ووالده قبل أن يتوفاه ****, بل وجيرانه وأصدقائه , ودنيا , دنيا التى تحلم بأن تصبح زوجة وكيل نيابة وأن تصعد من طبقتها إلى طبقة أخرى , دنيا التى لا تتوقف عن أحلامها ولا تقف أمامها أى حدود من أجل تحقيقها.</p><p></p><p>فى اليوم التالى وعند السادسة مساء كانت دنيا تقف أمام باب مكتب الأستاذ حمدى مهران وتخطو فيه أول خطواتها, تمت المقابلة معه بنجاح وبدأت فى الاطلاع على القضايا وملفاتها فى المكتب المجاور لمكتب فارس وفى نفس الغرفة, ثم حدثته وهى تنظر له قائلة:</p><p></p><p>- أنا ماكنتش فاكره الشغل العملى كده</p><p></p><p>قال بجدية:</p><p></p><p>- متقلقيش .. أنتِ هتنزلى معايا بكره المحكمة والشهر العقارى.. وواحدة واحدة هتتعلمى</p><p></p><p>مطت شفتاها وهى تقول :</p><p></p><p>- بس المجهود ده كله على المرتب ده بس</p><p></p><p>نظر لها باستنكار قائلا:</p><p></p><p>- المرتب ده ميحلمش بيه حد لسه متخرج .. ده الدكتور كرمك علشان خاطرى</p><p></p><p>قالت بحدة:</p><p></p><p>- اه هو ياخد على قلبه الألوفات واحنا الملاليم</p><p></p><p>تعجب فارس من طريقة حديثها وهى التى لم تبذل أى جهد حتى الآن , قرر أن يخبرها بحماسه لفكرة التحضير للماجيستير فقالت بدهشة:</p><p></p><p>- دبلومة ؟! .. طب والنيابة</p><p></p><p>عاد إلى الأوراق التى بيديه وقال ببساطة:</p><p></p><p>- ياستى النيابة لسه قدامها سنة ويمكن اكتر.. وانا زى ما انتِ عارفة مابحبش اضيع وقت.. أنا هاستغل الوقت ده واخلص الدبلومة ولو النيابة جات مش هاتخسر بالعكس دى هاتزيدنى خبرة فى شغلى</p><p></p><p>أومأت برأسها بتفكير قائلة:</p><p></p><p>- أى حاجة تخلينا نقب بسرعة معنديش فيها مانع</p><p></p><p>قاطعهم دخول باسم أحد المحامين العاملين فى المكتب وهو ينادى على فارس بصخب , ولكنه توقف عندما وقع بصره على دنيا الجالسة خلف مكتبها, نهض فارس واقفا وهو يقدمها له قائلا:</p><p></p><p>- الأستاذه دنيا .. أول يوم معانا النهاردة</p><p></p><p>أبتسم باسم ابتسامة واسعة وهو يتقدم نحوها وقال مرحبا وهو يمد يده ليصافحها:</p><p></p><p>- اهلا وسهلا نورتى المكتب</p><p></p><p>صافحته بابتسامة رقيقه فبدأ فى تقديم نفسه قائلا:</p><p></p><p>- أنا باسم صفوت .. مدير المكتب هنا وابن خالة الدكتور حمدى</p><p></p><p>نظر لها فارس نظرة حادة لتسحب يدها من يده فارتبكت وهى تسحب يدها بهدوء قائلة:</p><p></p><p>- أهلا بحضرتك</p><p></p><p>لاحظ فارس نظراته المتفحصة لها والتى اشعلت مصافحته لها بداية فتيل الغيرة فى قلبه فلم يعد يحتمل نظراته فقال بعصبية واضحة:</p><p></p><p>- خير يا أستاذ باسم حضرتك كنت عاوز حاجة</p><p></p><p>ألتفت إليه باسم متعجبا من عصبيته المفاجأة ولكن الموقف لم يكن يحتاج الكثير من الذكاء فعلم على الفور أن دنيا تخصه بشكل أو بآخر</p><p></p><p>فقال بهدوء:</p><p></p><p>- خلصت الملف اللى اديتهولك امبارح قبل ما تمشى</p><p></p><p>كان يحاول السيطرة على أعصابه ولكنه لم ينجح ,فكانت كل خلجة من خلجات وجهه تنطق بالغيرة فاستدار ليتناول الملف من فوق سطح مكتبه وناوله أياه قائلا:</p><p></p><p>- أيوا خلصته اتفضل</p><p></p><p>قلب باسم صفحاته سريعًا وأشار إليه ليتبعه قائلا:</p><p></p><p>- طب تعإلى معايا مكتبى ..عاوز اناقشك فى شوية نقط فيه</p><p></p><p>ألقى عليها فارس نظرة حادة قبل أن يترك الحجرة وتبع باسم إلى حجرة مكتبه, فركت يدها فى توتر فهى تعلم ماذا ينتظرها من شلال جارف من الغيرة الساخطة يجرفها بحدة لتصبح وحيدة لا يراها غيره ولا يلمسها غيره , هكذا هو دائما</p><p></p><p>فى هذه الأثناء دخل محاميًا آخر كانت قد التقت به من قبل دخولها لمقابلة الأستاذ حمدى فابتسم لها قائلا:</p><p></p><p>- ها أخبار المقابلة أيه..أنا شايف اهو بدأتى شغلك</p><p></p><p>قالت بارتباك :</p><p></p><p>- اه الحمد *** متشكره أوى يا استاذ حسن</p><p></p><p>جلس إلى أحد المكاتب وأشار إلى المكتب الرابع والخاوى بجواره :</p><p></p><p>- ده بقى مكتب الأستاذه نورا..هى مجاتش النهاردة بس لما هاتتعاملى معاها هتحبيها أوى</p><p></p><p>قالت بفضول:</p><p></p><p>- هى شغالة معاكوا من زمان</p><p></p><p>أومأ برأسه قائلا:</p><p></p><p>- أه .. أصلها بتشتغل من وهى لسه بتدرس زى فارس كده</p><p></p><p>تصنعت الامبالاة وهى تنظر للملفات أمامها قائلة:</p><p></p><p>- واضح ان الأستاذ باسم قديم هنا فى المكتب</p><p></p><p>قال على الفور:</p><p></p><p>- ده بقالوا عشر سنين هنا.. ده غير أنه ابن خالة الدكتور حمدى وهو اللى ماسك أدارة المكتب تقريباً</p><p></p><p>تابعت حديثها بتسائل:</p><p></p><p>- طب وده أيه خلاه ميفتحش مكتب خاص بيه</p><p></p><p>أعجب حسن بفضولها الذى يشبع رغبته فى الحديث فى شئون زملاءه , نظر نحو باب حجرتهم وقال بصوت خفيض:</p><p></p><p>- ده ذكاء منه.. لو فتح مكتب هيضطر يجيب محامين وموظفين ويديهم مرتبات ده غير النور والإيجار وخلافه.. لكن كده بيشتغل فى القضايا الخاصة بتاعته واللى بياخد أتعابها كاملة لافى ضرايب ولا يحزنون</p><p></p><p>حركت رأسها بفهم بينما خرج فارس من مكتب باسم فوجدها تتحدث مع حسن فاتجه إلى مكتبه وجلس خلفه وهو ينظر إليها بتوعد مما جعلها تخفى وجهها بين أوراقها حتى لا تنظر إليه , لم يستطع حسن كتم فضوله أكثر فقال :</p><p></p><p>- هى الأستاذة دنيا تقربلك يا أستاذ فارس</p><p></p><p>نظر له فارس بحدة وقال:</p><p></p><p>- خطيبتى.. ليه؟</p><p></p><p>أرتبك حسن بسبب عصبية فارس الواضحة وقال:</p><p></p><p>- لا أبدا مفيش مجرد سؤال ..ألف مبروك</p><p></p><p>وبعد انتهاء مواعيد العمل فى المكتب انصرفت دنيا بصحبة فارس الذى ظل صامتاً وهو يمشى بجوارها وهى تحاول اللحاق بخطواته الكبيرة, فقالت وهى تحاول جاهدة ألتقاط أنفاسها :</p><p></p><p>- يا فارس براحة شوية أنا بجرى علشان الحقك</p><p></p><p>أبطء من سرعته قليلا وظل محتفظا بصمته فقالت :</p><p></p><p>- أنت مش ملاحظ انك مكبر الموضوع شوية يا فارس</p><p></p><p>توقف فجأة والتفت إليها وضغط أسنانه بغضب وهو يقول:</p><p></p><p>- يعنى انتِ مش شايفة انك عملتى حاجة غلط؟</p><p></p><p>أرتبكت وقالت بتلعثم :</p><p></p><p>- يعنى كنت اقوله ايه.. هو اللى سلم وفضل ماسك أيدى</p><p></p><p>حاول كتم غضبه بقوة وهو يقول:</p><p></p><p>- خلى بالك انتِ مبتراعيش مشاعرى ولا وجودى خالص .. وانا مش هستحمل كده كتير</p><p></p><p>حاولت أن تدافع عن نفسها مرة أخرى ولكنه لم يعطيها الفرصة , أوقف سيارة أجرة لتستقلها لمنزلها.</p><p></p><p>***</p><p></p><p>الفصل الثالث</p><p></p><p></p><p></p><p>كان فى طريقه إلى المنزل شارداً غارقاً فى تفكيره , لا يجد حصى أمام قدميه إلا وركلها يمينا أو يساراً وكأنها كرة يسددها فى أحضان مرماها , المشوار طويل والجهد ليس قليل , يا ترى يا فتاتى هل تستطيعين الصبر, ماذا سيكون مذاقه على لسانك, هل سيحلو لكِ أم ستنفرى منه ومني, أنا لست برجل كسول أو قليل الطموح ولا آبه بالمصاعب, بل تحلو لي وأتسلقها فى هدوء دائما وثبات حتى أصل لمرادى , ولكن عندما أصل إلى القمة هل سأجدك فى انتظارى , هل تعشقينى بما يكفى , لست متأكداً مع الأسف</p><p></p><p>مر بالمنعطف المؤدى إلى بيته واتجه إليه فى بطء وهو يحاول أخفاء مشاعره حتى لا تقرأها والدته فى عينيه فهى تجيد ذلك , ولم يلاحظ الفتاة التى كانت تقف فى نافذة حجرتها الصغيرة ترمقه وتتفحصه وكأنها كانت تنتظره وقد جفاها النوم واستعصى عليها ورفض التسلل إلى عينيها حتى تطمئن بعودته , تنهدت فى قوة وهى تراه يلج باب منزله والتفتت للداخل لتطمئن أن أختها مازالت غارقة فى نومها كما كانت تظن, فأغلقت نافذتها وأسدلت أستارها وأتجهت لفراشها, وما أن سكنت رأسها إلى وسادتها وأغمضت عينيها حتى سمعت أختها تقول بخفوت:</p><p></p><p>- خلاص اطمنتى أنه رجع</p><p></p><p>فزعت عزة وحدقت فى أختها فى سريرها المجاور تحاول اكتشاف عينيها فى الظلام وقالت:</p><p></p><p>- أنتِ لسه صاحية يا عبير</p><p></p><p>نهضت عبير وفتحت المصباح الصغير والذى ينبعث منه أضاءة ضعيفة وضعت الوسادة على قدميها واستندت إليها وقالت:</p><p></p><p>- أنتِ بتعذبى نفسك على الفاضى وهو ولا هو هنا</p><p></p><p>زفرت عزة بضيق وهى تقول:</p><p></p><p>- بطلى الأوهام اللى فى دماغك دى يا عبير.. أنا مكنتش مستنية حد..أنا كنت واقفة بتهوى شويه فى الشباك</p><p></p><p>شبكت عبير أصابع كفيها وقالت:</p><p></p><p>- على فكرة أنا أختك و**** .. يعنى هترتاحى لما تتكلمى معايا</p><p></p><p>نهضت عزة وأغلقت المصباح الصغير وعادت لفراشها وهى تقول:</p><p></p><p>- نامى يا عبير نامى ..وياريت تشيلى الأوهام دى من دماغك</p><p></p><p>وضعت عبير وسادتها مكانها واسترخت على فراشها وهى تقول بهمس:</p><p></p><p>- ياريت يا عزة تكون أوهام فعلاً</p><p></p><p>***</p><p></p><p>وصل فارس الشارع الذى يقطن به وقت أذان الظهر فغير وجهته إلى المسجد الذى يبعد قليلا عن منزله توضأ ووقف يصلى السنن وبعد أن انتهى وجد شخصاً يربت على كتفه بحنان قائلا:</p><p></p><p>- أيه يا عم انت مخاصمنا ولا ايه</p><p></p><p>ألتفت فارس إلى صاحب الصوت والأبتسامة تعلو شفتيه ليصطدم بأحب الوجوه إلى قلبه منذ سنوات كثيرة , فهو صديق قديم له , صافحه بحرارة مرددًا:</p><p></p><p>- مش معقول.. شيخ بلال واحشنى جدا</p><p></p><p>نهض الرجلين وتعانقا طويلاً ثم قال فارس بشغف:</p><p></p><p>- أنت كنت فين كل ده يا شيخ .. ده انا روحت سألت عليك فى بيتك.. والدتك قالتلى انك مسافر</p><p></p><p>أنحنى بلال على أذنه قائلا بمرح:</p><p></p><p>- كنت فى ألمانيا</p><p></p><p>أتسعت عينيى فارس لبرهة , فضحك بلال بصوت خفيض قائلا:</p><p></p><p>- أيه مالك اتخضيت كده ليه</p><p></p><p>أقترب منه فارس هامساً:</p><p></p><p>- ليه يا بلال .. ده انت يا أما فى المسجد يا أما فى شغلك يا أما فى البيت ياخدوك ليه</p><p></p><p>رفع بلال كتفيه قائلا:</p><p></p><p>- ما انت عارف بقى يا فارس طالما ملتحى وبتخطب فى **** لازم يتحط تحتيك مليون خط أحمر ويبقى ليك ملف عندهم</p><p></p><p>قطب فارس جبينه فابتسم بلال وهو يقول مردفاً:</p><p></p><p>- سيبك مني انا خلاص جسمى نحس .. ها قولى بقى انا سمعت انك اتخرجت .. أولا ألف مبروك .. ثانيا ناوى تعمل أيه بعد التخرج .. هتكمل فى المكتب ولا هتستنى حلمك الكبير</p><p></p><p>كاد فارس أن يتحدث ولكن الأمام أقام الصلاة فوقفا فى الصف وكبرا ليدخلا فى الصلاة</p><p></p><p>بعد أنتهاء الصلاة خرجا سويًا من المسجد فأخذ فارس ينظر لـبلال بحب وهو يقول:</p><p></p><p>- و<strong>** انا مش مصق انى شوفتك تانى يا بلال .. واحشنى جدا و**</strong></p><p></p><p>قال بلال مداعباً:</p><p></p><p>- وأنت و**** يا فارس .. ها ياعم مش هتبقى وكيل نيابة بقى علشان تبقى تحقق معايا انت أهو بدل الغريب برضة</p><p></p><p>لم يستطع فارس أن يضحك أو حتى يبتسم وهو يقول:</p><p></p><p>- أنا لو **** كرمنى عمرى ما هبقى ظالم زى اللى بيحققوا معاك ومع غيرك يا بلال</p><p></p><p>قال بلال بهدوء:</p><p></p><p>- يبقى انت لسه على عهدك يا فارس وبتحلم بالنيابة ..</p><p></p><p>كانا قد اقتربا من منزل فارس كثيراً وهما يتحدثان ويتذكرا أيامهما السابقة بينما وقف العم عامرعلى باب ورشته ينظر إليهما فى ترقب وخرج من ورشته واقترب منهما وهو يتفحص بلال ثم وقف على مقربة منهما ونادى فارس قائلا:</p><p></p><p>- أستاذ فارس.. يا أستاذ فارس</p><p></p><p>ألتفت له فارس بابتسامة فقال عامر:</p><p></p><p>- تعالى لحظة بس</p><p></p><p>قال بلال وهو يصافح فارس :</p><p></p><p>- طب اسيبك انا بقى يا فارس واشوفك بعدين</p><p></p><p>أوقفه فارس بلهفة قائلا:</p><p></p><p>- لا و**** لازم تطلع معايا ونشرب الشاى مع بعض.. ثوانى أشوف عم عامر وارجعلك</p><p></p><p>توجه فارس إلى عامر ووقف أمامه متسائلاً :</p><p></p><p>- خير يا عم عامر ؟</p><p></p><p>قال عامر بقلق:</p><p></p><p>- مين ده يابنى</p><p></p><p>قال فارس بابتسامة:</p><p></p><p>- ده صاحبى من زمان بس كان مسافر</p><p></p><p>تابع عامر بنفس القلق:</p><p></p><p>- تعرفه كويس يعنى</p><p></p><p>- أه طبعا بقولك صاحبى من زمان بس مكنش بيجى الشارع هنا كتير كنا بنتقابل فى المسجد</p><p></p><p>لاحظ بلال نظرات القلق فى عينيى عامر فنظر له وابتسم ابتسامة ودودة , وبرد فعل تلقائى وجد عامر نفسه يبتسم هو الآخر بدون سبب واضح من وجهة نظره وقال لفارس :</p><p></p><p>- شكله طيب صاحبك ده</p><p></p><p>ضحك فارس وهو يربت على كتف عامر قائلا :</p><p></p><p>- و انت كمان طيب يا عم عامر</p><p></p><p>والتفت إلى بلال وناداه فاقترب بلال منهما محتفظاً بابتسامته فقال فارس:</p><p></p><p>- عم عامر بيسأل عليك يا بلال.. أصل عم عامر ده بقى زى شيخ الحارة كده.. لازم يعرف اللى داخل واللى خارج</p><p></p><p>أومأ بلال برأسه قائلا:</p><p></p><p>- طبعا عارفه من زمان يا فارس .. أنا أه مكنتش باجى كتير.. بس انا مبنساش الوشوش بسرعة وخصوصًا وشوش الناس الطيبة</p><p></p><p>ومد يده ليصافحه, فصافحه عامر بود وقد زال قلقه بسرعة وقال :</p><p></p><p>- تعالوا بقى اشربوا معايا الشاى</p><p></p><p>قال فارس على الفور:</p><p></p><p>- لا الشاى ده عندى المرة دى .. إن شاء **** هنبقى نعدى عليك بعدين يا عم عامر</p><p></p><p>بحث بلال فى جيبه عن شىء ما ووجده أخيراً , أخرج من جيبه زجاجة مسك صغيرة وقبل أن ينصرف مد يده بها إلى عامر قائلا:</p><p></p><p>- أتفضل يا عم عامر دى هدية بسيطة كده</p><p></p><p>نظر لها عامر بدهشة قائلا:</p><p></p><p>- ايه ده.. ريحه</p><p></p><p>أبتسم فارس قائلا:</p><p></p><p>- ده أسمه مسك يا عم عامر.. بس حلو أوى هيعجبك</p><p></p><p>قال عامر وهو يتفحص بلال:</p><p></p><p>- بس بمناسبة أيه ده</p><p></p><p>قال بلال بهدوء وعينين يشعان صدقاً:</p><p></p><p>- بمناسبة انى اتعرفت على راجل طيب زيك يا عم عامر.. وبعدين الرسول عليه الصلاة والسلام قال تهادوا تحابوا ..وانا نفسى تحبنى زى فارس كده</p><p></p><p>أبتسم عامر وهو يتناول زجاجة المسك من بلال قائلا :</p><p></p><p>- متشكر يابنى **** يحميك لشبابك ...هديتك مقبولة</p><p></p><p>طرق فارس باب شقته ففتحت والدته وهى تقول :</p><p></p><p>- بتخبط ليه ما انت معاك مفتاح يا فارس</p><p></p><p>- معايا واحد صاحبى يا ماما</p><p></p><p>وضعت والدته حجابها على شعرها وهى تقول ببساطة:</p><p></p><p>- أهلا وسهلا يابنى اتفضل</p><p></p><p>تنحنح بلال وهو غاضاً لبصره قائلا:</p><p></p><p>- أهلا بيكى يا حجة .. معلش أزعجناكى</p><p></p><p>أفسحت الطريق وهى تقول بابتسامة طيبة:</p><p></p><p>- لا يابنى البيت بيتك اتفضلوا..</p><p></p><p>أخذه فارس إلى غرفته وأغلق الباب خلفه وجلس أمامه مبتسما وهو يقول:</p><p></p><p>- و**** زمان يا بلال ...ها أحكيلى بقى</p><p></p><p>تنهد بلال وقال:</p><p></p><p>- أحكيلك أيه بس **** ما يكتبها عليك ولا على حد أبدا ..أحكيلى انت وصلت لحد فين فى الدنيا</p><p></p><p>بدت علامات التوتر على فارس وكأنه يبحث عن بداية مناسبة لحديثه ويختارها بعناية وبدأ يقص على بلال ما يشعر به قائلا:</p><p></p><p>- مش عارف يا بلال من ساعة ما اتخرجت لحد دلوقتى .. فى حلمين مش متأكد انهم هيتحققوا .. النيابة ودنيا</p><p></p><p>رفع بلال حاجبيه باهتمام قائلا:</p><p></p><p>- طب النيابة وعرفناها .. مين دنيا</p><p></p><p>قال فارس بحرج:</p><p></p><p>- دى بنت اتعرفت عليها فى الكلية و.. وحبيتها</p><p></p><p>أبتسم بلال وهو يقول:</p><p></p><p>- طب ومحرج كده ليه.. أنت فاكرنى هقولك الحب حرام يعنى</p><p></p><p>زاد حرج فارس وخجله من صديقه وهو يقول:</p><p></p><p>- لا أصل أنا مش بحبها من بعيد لبعيد يعنى ..أنا بقابلها وبنخرج سوا</p><p></p><p>ثم بدأ فى الدفاع عنه نفسه على الفور قائلا:</p><p></p><p>- بس و**** انا قابلت والدتها ووعدتها انى هتقدملها بعد التخرج لولا دنيا هى اللى رفضت وقالت نأجل الحكاية لبعد النيابة</p><p></p><p>أطرق بلال لحظات ثم رفع رأسه بهدوء وقال:</p><p></p><p>- كمان هى اللى رفضت وطلبت التأجيل</p><p></p><p>نظر له فارس بصمت ولم يتكلم فتابع بلال حديثه:</p><p></p><p>- وانت فاكر لما تخطبها هتبقى خلاص تحللك يا فارس</p><p></p><p>ظهرت علامات عدم الفهم على وجه فارس وهو يقول:</p><p></p><p>- يعنى أيه يا بلال</p><p></p><p>دلك بلال لحيته وهو يتفحص علامات التوتر على وجه فارس ثم قال بهدوء:</p><p></p><p>- التوتر اللى على وشك ده حاجة كويسة.. ده دليل على أنك متأكد ان فى حاجة غلط .. فارس يا حبيبى لو بتحبها سيبها</p><p></p><p>رفع فارس رأسه إليه باستنكار قائلا:</p><p></p><p>- أسيبها ازاى ..أنا بحبها يا بلال وناوى على الجواز مش بلعب بيها ولا بعمل حاجة غلط معاها</p><p></p><p>قال بلال بتساؤل:</p><p></p><p>- وهو انت بتعمل معاها أيه صح يا فارس؟</p><p></p><p>- مش فاهمك</p><p></p><p>نهض بلال واقفا وجلس بجوار فارس وقال بجدية:</p><p></p><p>- أنت بتقابلها يا فارس .. يعنى بتبصلها مش كده ؟ .. ولا بتكلمها وانت باصص الناحية التانية</p><p></p><p>قال فارس بارتباك:</p><p></p><p>- ايوا ببصلها</p><p></p><p>بلال:</p><p></p><p>- طب **** سبحانه وتعإلى قال:</p><p></p><p>- قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ .. يبقى انت كده بتعمل حاجة غلط ولا لاء</p><p></p><p>أطرق فارس برأسه فاستطرد بلال حديثه قائلا:</p><p></p><p>- هسألك سؤال كمان.. طبعا بتمسك ايدها</p><p></p><p>تنحنح فارس بحرج فتابع بلال قائلاً:</p><p></p><p>- مع أنك يا فارس أكيد سمعت حديث النبى عليه الصلاة والسلام</p><p></p><p>" لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " .. فاضل أيه تانى يا فارس؟.. وانتوا بتحكوا سوا وبتضحكوا.. ضحكتها مش بتحرك مشاعرك؟ .. وهى بتكلمك وبتحكى معاك مش ممكن تقولك كلمة بصوت ناعم شوية؟.. ليه يابنى تحط نفسك فى الفتن دى كلها وتشق على نفسك بالشكل ده .</p><p></p><p>أطرق فارس وقد شعر بكل كلمة قالها بلال ورغم صعوبتها إلا إنها كانت حقيقية فقال :</p><p></p><p>- معاك حق يا بلال ..لكن</p><p></p><p>قاطعه بلال:</p><p></p><p>- لكن بتحبها ومش عارف تعمل ايه</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه موافقا وقال :</p><p></p><p>- بالظبط كده اعمل ايه</p><p></p><p>أبتسم بلال وهو يربط على يده قائلا:</p><p></p><p>- كلمها بصراحة .. وقولها انك مش هتخلف وعدك معاها لكن فى نفس الوقت مش هينفع تغضب <strong>** بالحب ده .. لحد ما **</strong> يكرمك وتتقدملها وتعقد عليها وتبقى مراتك</p><p></p><p>وأشار له محذرا:</p><p></p><p>- وانا بكررها تانى يا فارس .. وتعقد عليها .. يعنى تكتب كتابك .. مش تروح تلبسها دبلة وتقول خطيبتى بقى أخرج واعمل اللى كنت بعمله .. لا يا فارس الخطوبة دى كأنها لسه غريبة بالظبط</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه فى سكون وصمت وهو يستشعر كلماته وسمع بلال يقول له مرةأخرى:</p><p></p><p>- سيبها مؤقتا وعرفها انت هتسيبها لأمتى وهتسيبها ليه ..سيبها علشان <strong>** يكرمك بيها فى الحلال يا فارس بدل ما يغضب عليكم ويحرمكم من بعض طول العمر..ده لو كنت بتحبها فعلا..تخيل يا فارس لو ماتت وهى قاعدة جنبك بتغضب **</strong> هتروح تقول لربنا ايه ولو انت مت وانت قاعد جنبها وماسك ايدها هتروح تقول لربنا ايه ..هو حد ضامن عمره هيخلص أمتى يا فارس.</p><p></p><p>***</p><p></p><p></p><p></p><p></p><p></p><p>دخل فارس المكتب بعد **** المغرب وألقى التحية على الجميع ثم توجه إلى حجرة مكتبه هو وزملائه وجد دنيا ونورا يتحدثان ويتعرفان إلى بعضهما البعض وسمع دنيا تسأل نورا عن باسم قائلة:</p><p></p><p>- وأستاذ باسم متجوز من زمان ولا لسه قريب</p><p></p><p>نورا:</p><p></p><p>- لا من زمان وعنده ولد وبنت</p><p></p><p>بمجرد أن رأته نورا نهضت واقفة بابتسامة قائلة:</p><p></p><p>- حمدلله على السلامة.. أزيك يا أستاذ فارس</p><p></p><p>حاول فارس أن يتجنب النظر إليها هى ودنيا وهو يقول بود واحترام:</p><p></p><p>- **** يسلمك يا أستاذة حمد *** على السلامة</p><p>أقتربت دنيا خطوات منه قائلة :</p><p></p><p>- أيه مفيش أزيك يا دنيا ولا أيه</p><p></p><p>وضع عينيه فى الأوراق وهو يقول:</p><p></p><p>- أزيك يا أستاذة دنيا</p><p></p><p>أتكأت على المكتب وهى تقول بخفوت:</p><p></p><p>- أنت عارف انى مبقدرش على زعلك .. أنا آسفة يا سيدى فكها بقى</p><p></p><p>هز رأسه نفيا وهو يقول:</p><p></p><p>- مش زعلان من حاجة.. وياريت نأجل الكلام ده لبعدين</p><p></p><p>خرج باسم من حجرته وهو يقول لدنيا :</p><p></p><p>- من فضلك يا أستاذة دنيا عاوزك شوية</p><p></p><p>ودخل حجرته مرة أخرى وهو يقلب عدة ملفات بين يديه بلا مبالاة , نهض فارس واقفا بحدة وقال لها:</p><p></p><p>- لما تدخلى متقفليش الباب وراكى</p><p></p><p>تركتهم دنيا ودخلت حجرة مكتب باسم وتركت الباب كما أمرها فارس فنظرت نورا إليه قائلة:</p><p></p><p>- مالك يا أستاذ فارس .. قلقان من حاجة؟</p><p></p><p>هز رأسه نفيا وهو يقول:</p><p></p><p>- أبدا يا أستاذة مفيش حاجة.. دنيا خطيبتى وانا محبش يتقفل عليها باب أوضة مع أى حد حتى مع الدكتور حمدى نفسه</p><p></p><p>ابتسمت قائلة :</p><p></p><p>- هى برضة لسه كانت بتحكيلى عنك وعن غيرتك عليها ..**** يتتملكم على خير</p><p></p><p>أخذ فارس يقلب الصفحات فى شرود تام , لا يدرى من أين يبدأ معها وكيف سيكون وقع كلماته عليها, وكيف سيستمر هكذا , يراها ويتعامل معها وهى زميلته فقط وكيف سيستطيع كتم مشاعره تجاهها, هل سيستطيع الصبر عليها وكبح جماحها ام ستتفلت من بين أصابعه دون أن يدرى لتندفع إلى منسوبها الأول كما كانت .. بل وأقوى</p><p></p><p>كانت كل تلك التساؤلات تموج بها رأسه بعنف ويخفق قلبه لها بقوة , ولم تتركه إلا وعينيه كانت تنطق بالحيرة فى وجوم تام تنتظر ما سيحدث ولا تملك غير ذلك وفقط .. أيها الأنتظار لو كنت رجلا لقتلتك.</p><p></p><p>***</p><p></p><p>الفصل الرابع</p><p></p><p></p><p></p><p>أشار باسم إلى دنيا بالجلوس فى المقعد المقابل له دون أن ينظر إليها وهو يتأمل الورقة فى يده , ثم مد يده بها إلى دنيا وهو مازال ينظر للورقة ويقول باهتمام:</p><p></p><p>- عاوزك تقرأى المذكرة دى كويس وتكتبيلى ملحوظاتك عليها</p><p></p><p>مدت يدها لتمسك بها وهى تقول:</p><p></p><p>- أيوا بس أنا لسه ..</p><p></p><p>بترت عبارتها عندما شعرت بيده وهى تتلمس أصابعها من أسفل الورقة وهو يبتسم لها بهدوء وكأنه شىء عادى , تلعثمت حروفها وجذبت يدها فى ارتباك ولم تتكلم , ألتفتت إليه فوجدته يتفحصها ويتأمل ردود أفعالها الصامتة على محاولته التى كانت عينة اختبار لها ليس إلا , والنتيجة كانت مشجعة , فنهض واقفاً ودار حول مكتبه وتلمس ظهر مقعدها وهو يقول:</p><p></p><p>- معلش كل حاجة فى الأول صعبة.. بكره تتعلمى</p><p></p><p>شعرت بأصابعه تتلمس ظهرها وكتفها, فنهضت فى ارتباك وقد احمرت وجنتيها , أستدرك قائلا :</p><p></p><p>- هو الأستاذ فارس خطيبك فعلا زى ما سمعت .. مش شايفك يعنى لابسه دبلة</p><p></p><p>تنحنحت وقد زاد توترها وهى تقول:</p><p></p><p>- أيوا أحنا مخطوبين بس لسه ملبسناش دبل</p><p></p><p>رفع حاجبيه فى تصنع وقال بسخرية :</p><p></p><p>- مممم يعنى لسه مش رسمى</p><p></p><p>ثم أردف بمكر:</p><p></p><p>- يا شيخة سيبك .. جواز أيه وبتاع أيه</p><p></p><p>رفعت رأسها إليه وقالت :</p><p></p><p>- ليه بقى هو حضرتك مش متجوز برضة وعندك أولاد</p><p></p><p>أتسعت ابتسامته وكاد أن يضحك وهو يقول:</p><p></p><p>- أيه ده وكمان متابعة أخبارى</p><p></p><p>قالت على الفور:</p><p></p><p>- أنا عرفت صدفة</p><p></p><p>ثم تناولت الأوراق وهى تقول:</p><p></p><p>- طيب حضرتك انا هقرأها وهحاول افهم الموضوع</p><p></p><p>سحبها منها ببطء وهو ينظر لعينيها بجرأة قائلا:</p><p></p><p>- لا خلاص خليها بعدين</p><p></p><p>زاغ بصرها وقالت وهى تتجه نحو الباب:</p><p></p><p>- طب عن أذن حضرتك</p><p></p><p>شعرت بنظراته تخترق ظهرها وهى تدلف للخارج , فهى مثلها مثل كل أنثى تستطيع أن تشعر بنظرات الرجل وتلميحاته والأمر يعود إليها , إما تصده بقوة وإما أن تعطيه الضوء الأخضر ! .</p><p></p><p>أما هو فقد علم طبيعة الفتاة التى أعجب بجمالها ,هى مرتبطة عاطفيا ورغم ذلك لا تريد أن ترسم حدودا قوية لا يتعداها الرجال معها , تمسك العصا من منتصفها وكأنها تبحث عن فرصة أخرى أيسر وأفضل .</p><p></p><p>جلست خلف مكتبها وهى تختطف نظرات شعواء بين الحين والآخر إلى فارس القابع خلف مكتبه فى شرود تام , وقبل انتهاء العمل بحوالى الساعة, استأذن فارس لينصرف مبكرا هو ودنيا , خرج معها من المكتب وسارت بجواره فى سكون وكأنها تشعر أنه رآها ورأى ردود فعلها المتهاونة مع باسم وانتظرته ليتحدث.</p><p></p><p>صمت قليلا ليستجمع كلماته والمنطق الذى سيتحدث به , كان لا يريد فقدها أبداً لذلك فكر فى تأجيل الحديث فيما بعد ولكنه استجاب لطبيعته التى تكره التسويف والتأجيل فى الأمور الحاسمة فقال قبل أن يتراجع:</p><p></p><p>- دنيا عاوز اتكلم معاكى فى موضوع مهم</p><p></p><p>ألتفتت إليه وقد أنتشلها من شرودها قائلة:</p><p></p><p>- موضوع أيه؟</p><p></p><p>أخذ نفساً عميقاً وقال:</p><p></p><p>- تفتكرى **** راضى عن علاقتنا بالشكل ده كده</p><p></p><p>توقفت فجأة عن السير وكأنه أفرغ عليها دلو من المياة الباردة, شعرت بمشاعر مختلطة بين الحيرة ومحاولة الإستنتاج وقالت:</p><p></p><p>- تقصد ايه بالكلام ده يا فارس</p><p></p><p>هربت الكلمات منه , حاول جمع شتاتها مرة أخرى وقال بصدق:</p><p></p><p>- دنيا ...أنا عاوز <strong>** يبقى راضى عن علاقتنا.. وانا عرفت ان علاقتنا بالشكل ده تغضب **</strong> وممكن يعاقبنا ويحرمنا من بعض بسبب الحاجات الحرام اللى بتحصل.. أنا عرفت أن نظرى ليكى وكلامى معاكى حرام .. وعلشان متفهميش غلط .. أنا عاوز اتقدم رسمى ونكتب الكتاب على طول</p><p></p><p>أتسعت عينيها بدهشة وقالت :</p><p></p><p>- أفندم تكتب الكتاب.. بس احنا متفقين تستنى لما نشوف التعين بتاع النيابة وبعدين نتخطب</p><p></p><p>زفر بضيق وهو يقول:</p><p></p><p>- بصى بقى أنا مش عارف انتِ عاوزانى انا ولا عاوزه فارس وكيل النيابة ..لو بتحبينى وعاوزانا نكمل مع بعض باقى حياتنا زى ما بتقولى دايما توافقى انى اتقدم دلوقتى وقدامك أختيارين.. يأما نتخطب بس وده لحد ما تيجى تعينات النيابة ومش هينفع برضة لا نتكلم ونخرج مع بعض ولا أى حاجة من اللى كانت بتحصل.. يا أما أتقدم ونكتب الكتاب على طول وساعتها مش هيبقى فى حاجة حرام فى علاقتنا وفى كل الأحوال هنستنى النيابة .. خلى بالك دلوقتى الكورة فى ملعبك علشان نحدد بقى مين اللى عاوز يتهرب من التانى</p><p></p><p>أربكها , لا تستطيع أن تختار ثالثا لأنه لم يكن هناك ثالث , إن كانت تريد الإبقاء عليه , لكن بالتأكيد هناك أختيارمنهما ستكون فيه الخسائر أقل, حاولت أن تماطل ولكن هيهات لم يكن هناك مجالاً , هو يريد معرفة رأيها فى الحال , تنفست بعمق وهى تحاول رسم السعادة على وجهها وقالت:</p><p></p><p>- طب ممكن يا حبيبى تستنى لما أخد رأى ماما .. مش دى الأصول برضة.</p><p></p><p>قال وبجدية:</p><p></p><p>- هستناكى تردى عليا النهاردة.. مش هنام غير لما تكلمينى ..ولو متكلمتيش النهاردة هعرف انك مش عاوزانى أصلا.</p><p></p><p>رأت الجدية والحسم فى عينيه وهو يتحدث , تعلمه جيدًا إنه لا يحب المزاح فى الأمور الجدية ولا يخلط بينهما, وهذا ما يزيده رهبة فى عينيها وهو يتحدث بمثل هذا الحسم</p><p></p><p>أومأت برأسها وهى تقول:</p><p></p><p>- حاضر ..هتكلم مع ماما وهرد عليك النهاردة</p><p></p><p>قال وهو يشير لسيارة الأجرة:</p><p></p><p>- مش هنام ..هستناكى ان شا**** للفجر</p><p></p><p>***</p><p></p><p>ضربت والدتها كفاً بكف وهى تقول بغضب:</p><p></p><p>- وبعد سنة يجى يقولك عاوز اكتب الكتاب ويمكن عاوز نعمل دخلة وتروحى تقعدى فى الحارة مع امه مش كده.. وساعتها برضة هتعملى زى دلوقتى وتقوليلى هعمل ايه يا ماما ماهو مش سايبلى اختيارات تانية</p><p></p><p>عقدت دنيا ذراعيها وقالت بحنق:</p><p></p><p>- طب قوليلى اعمل ايه ..وقبل ما تقولى أى حاجة لازم تعملى حسابك انى بحبه ومش ناوية اسيبه .. أنا بس كنت بأجل لما ياخد وضعه مش أكتر</p><p></p><p>تفحصتها والدتها برهة ثم قالت:</p><p></p><p>- انا أمك وعارفاكى كويس.. أنتِ مش متمسكة بيه علشان بتحبيه.. أنتِ بس شايفاه أحسن واحد لغاية دلوقتى ومتأكدة ان لو حد غيره عجبك هتسبيه وترميه ورا ضهرك</p><p></p><p>رفضت دنيا حديث والدتها بشدة وقالت:</p><p></p><p>- لا يا ماما .. أنا بحبه وعارفة طموحه كويس ممكن يوصله لفين.. وانا عاوزه أوصل معاه يا ماما للى هيوصله .. ومش عاوزه أخسره وبعدين دى خطوبة ولا هتقدم ولا هتأخر</p><p></p><p>قالت والدتها بحنق:</p><p></p><p>- وبعدين خلاص تبقى خطيبته وتدخلوا وتخرجوا مع بعض وأى حد أحسن منه تعجبيه يقول بس يا خسارة دى مخطوبة خلاص.. وسوقك يقف على كده ..صح</p><p></p><p>ابتسمت بسخرية وقالت:</p><p></p><p>- لا متقلقيش ولا خروج ولا دخول هو أصلا مش عاوز كده.. ده داخلى فى موال حلال وحرام .. ومينفعش ابصلك ومينفعش اقابلك والكلام ده .. هو بس عاوز يطمن انى عاوزاه وموافقة على الارتباط بيه قبل ما يبقى وكيل نيابة</p><p></p><p>زفرت والدتها بضيق وهى تقول:</p><p></p><p>- استغفر **** العظيم ..أعملى اللى انتِ عاوزاه</p><p></p><p></p><p></p><p>***</p><p></p><p>كان يقف فى شرفته الصغيرة يحتسى القهوة ببطء ويدور فى عقله ألف سؤال وسؤال حين سمع رنين الهاتف ورأى والدته تخرج من غرفتها فقال على الفور :</p><p></p><p>- خليكى يا ماما التليفون ده ليا</p><p></p><p>وقفت والدته أمام باب غرفتها وهى تراه يلتقط سماعة الهاتف بلهفة ويجيبها , صمت قليلا وأرتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة وهو يقول:</p><p></p><p>- يعنى والدتك وافقت على الخطوبة بس</p><p></p><p>كانت دنيا على الطرف الآخر تنظر لوالدتها وهى تقول له عبر الهاتف :</p><p></p><p>- ايوا يا حبيبى معلش بقى حاولت معاها كتير توافق على كتب الكتاب بس رفضت جدا وقالت لاء خطوبة بس فى الأول كده زى كل الناس وبعدين بقى لما نجهز نبقى نكتب الكتاب</p><p></p><p>أبتسم فارس وهو يقول :</p><p></p><p>- خلاص نعمل الخطوبة زى ما كنا متفقين قبل كده.. حدديلى معاد مع باباكي</p><p></p><p>أغلق الهاتف وقد علت وجهه ابتسامة رضا كبيرة والتفت ليجد والدته تقف خلفه تنظر له بحزن وقالت:</p><p></p><p>- برضة هتخطبها يا فارس</p><p></p><p>تغيرت ملامحه وقد شعر بحزن والدته الذى يطل من عينيها وأقبل عليها يقبل رأسها قائلا بخفوت:</p><p></p><p>- و**** يا ماما دنيا بتحبنى مش زى ما انتِ فاكره .. وبكره تعرفى كده لما تلاقينى سعيد معاها</p><p></p><p>أومأت برأسها باستسلام وهى تقول:</p><p></p><p>- خلاص يابنى اللى يريحك</p><p></p><p>قبل يدها وهو يقول برجاء:</p><p></p><p>- مفيش حاجة هتنفع من غير رضاكى يا ماما</p><p></p><p>حاولت أن تبتسم لكنها فشلت وقالت :</p><p></p><p>- أنا عمرى ما غضبت عليك وانت عارف كده .. و**** يوفقك فى حياتك ويخلف ظنى ****</p><p></p><p>ضم رأسها فى صدره برفق وطبع قبلة عليها وهو يدعو لها بطول العمر ووافر الصحة والعافية</p><p></p><p>فى اليوم التالى طرقت دنيا باب غرفة والدها دخلت وانتظرته حتى ينهى **** العصر وما أن انتهى من صلاته حتى ابتسم لها وهو ينهض , فاقتربت منه قبلت كتفه فقال وهو ينظر إليها بابتسامة حانية :</p><p></p><p>- والدتك قالتلى على حكاية العريس ..هو محامى ولا وكيل نيابة ولا ايه بالظبط</p><p></p><p>قاطعهم دخول والدتها تدعوهما لتناول الغذاء , ألتف ثلاثتهم حول مائدة الغذاء حيث قال والدها:</p><p></p><p>- ها أحكيلى بقى</p><p></p><p>وضعت دنيا الملعقة وهى تقول:</p><p></p><p>- هو بيشتغل فى مكتب الأستاذ حمدى مهران من قبل ما نتخرج وان شاء **** سنة ويبقى وكيل نيابة</p><p></p><p>أومأ برأسه وهو يقول:</p><p></p><p>- ممتاز .. يعنى شاب مكافح</p><p></p><p>قاطعته والدتها وهى توجه حديثها لزوجها:</p><p></p><p>- بقولك أيه أحنا معندناش غيرها.. يعنى مش هنرميها كده وخلاص..عاوزاك تشد عليه شوية لما يقابلك وتطلب براحتك .. أحنا بنتنا حلوة وألف مين يتمناها</p><p></p><p>ألتفت إلى زوجته وقال:</p><p></p><p>- الموضوع مش موضوع حلاوة .. أنا بدور لبنتى على راجل يشيل مسؤليتها وابقى مطمن عليها معاه.. ولو الولد جد ومكافح وأخلاقه كويسة زى ما سمعت يبقى الطلبات دى تيجى بعدين وعلى مهلة</p><p></p><p>قالت بغضب:</p><p></p><p>- يعنى ايه الكلام ده .. أنت ناوى تتساهل معاه ولا أيه</p><p></p><p>تدخلت دنيا وقالت على الفور :</p><p></p><p>- يا ماما مش أحنا اتفقنا هتبقى خطوبة بس كده .. لما نشوف هنعمل ايه</p><p></p><p>نظر إليها والدها بتساؤل:</p><p></p><p>- يعنى ايه الكلام ده .. يعنى ايه خطوبة بس كده</p><p></p><p>ارتبكت دنيا وقالت:</p><p></p><p>- قصدى يعنى يا بابا هنعمل خطوبة لحد ما يكون نفسه يعنى مش أكتر</p><p></p><p>هز رأسه وقال وهو يكمل طعامه:</p><p></p><p>- خلاص خليه يجى بكره بعد العصر .. اللى فيه الخير يقدمه ****</p><p></p><p>بعد الغذاء هاتفته وأبلغته بميعاد مقابلة والدها , تلقى منها الخبر بسعادة كبيرة وهو يشعر بمشاعر مختلفه بين القلق والسعادة , رفضت والدته الذهاب معه ولكنه أصر بشدة أن تصحبه فى هذه الزيارة.. وقد كان</p><p></p><p>توقفت والدته تحت البناية التى تسكن بها دنيا ووقفت تنظر حولها وتقول :</p><p></p><p>- تصدق انا كنت فاكرة ان فى فرق كبير بينكم ..طريقة كلامها لما شوفتها أول مرة خلتنى افتكر انهم ياما هنا ياماهناك .. لكن طلعوا أهو ناس عادية</p><p></p><p>أبتسم فارس وهو يحثها على دخول البناية وقال :</p><p></p><p>- شوفتى بقى علشان تعرفى انها مش هتتكبر عليا زى ما كنتِ فاكره يا ست الكل</p><p></p><p>كان استقبال والدة دنيا لهما بارداً, شعرت به والدته منذ اللحظة الأولى التى وطأت بها باب بيتهم بينما أقبل عليهما والدها فى ترحاب شديد وبعد لحظات من الحديث مع فارس ووالدته شعر بالأرتياح تجاهه وبمدى احترامه لوالدته وتوقيره لها وهنا اقبلت دنيا بكامل زينتها ورحبت بهما , تشجع فارس عند حديثه مع والدها وهو يرى علامات الأرتياح على وجهه وبكلماته المشجعة الداعمة له , أنتهى اللقاء بتحديد موعد بعد ثلاثة أيام ينهى فيهم والدها سؤاله عن فارس ويعلمه بالنتيجة</p><p></p><p>مرت الأيام الثلاث وهاتفه والدها كما وعده وأخبره بأنه ينتظره لمقابلة أخرى للأتفاق على ميعاد الخطبة وبقية التفاصيل, لم تكن المقابلة بأقل توترًا من المقابلة السابقة , بل على العكس زادت عن المرة الأولى لما فيها من تفاصيل مادية , ولقد كان فارس يتوقع ذلك , لذلك لم يأخذ معه والدته حتى لا تسمع كلمة تحرجها أو تشعر معها بقلة الحيلة ولقد كان محقاً , فلقد استشاطت والدتها غضباً عندما علمت المبلغ الذى حدده فارس للذهب المطلوب للشبكة وكادت أن ترفض الأرتباط من قبل أن يبدء لولا تدخل والد دنيا بالموافقة فى اللحظة الأخيرة.</p><p></p><p>وتم تحديد موعد نهائى للخطبة بشكل رسمى بعد أسبوع وانتهت معركة الذهب وهو يحمد ربه على عدم حضور والدته مثل هذا المزاد الرباعى, عاد ليخبر والدته بالموعد النهائى الذى تم الأتفاق عليه , لم تكن تعلم هل تشعر بالسعادة لخطبة ولدها أم تشعر بالأسى لأجله فقلبها ينبأها بفشل هذه الزيجة من قبل أن تبدأ , قامت توضأت وصلت وسجدت لربها وهى تدعو بحرارة قائلة :</p><p></p><p>- **** لو فيها خير يسرله أمره ولو غير كده ابعدها عنه ومتكسرش قلبه ياارب</p><p></p><p></p><p></p><p>***</p><p></p><p></p><p>الفصل الخامس</p><p></p><p></p><p></p><p>كانت عزة تعد الطعام فى المطبخ بصحبة عبير أختها وهما يتضاحكان ويمزحان حين دخلت والدتهما وقالت:</p><p></p><p>- أعملوا شاى يا بنات لخالتكوا أم فارس</p><p></p><p>قالت عزة بهمة :</p><p></p><p>- هعملوا انا يا ماما حاضر ..ثوانى</p><p></p><p>ضحكت عبير وهى تقول :</p><p></p><p>- النشاط حل عليكى دلوقتى</p><p></p><p>نظرت لها عزة بارتباك وهى تضع براد المياة على الشعلة , أقتربت والدتها منهما وهى تقول بتردد :</p><p></p><p>- فارس هيخطب يوم الخميس اللى جاى</p><p></p><p>أرتعشت يدها وسقطت المياة على الشعلة فأطفأتها</p><p></p><p>على الفور أقتربت منها أختها بلهفة وهى تنظر ليدها وتقول:</p><p></p><p>- الحمد *** المية كانت باردة لسه</p><p></p><p>زاغت نظرات عزة وهى تشعر بحريق حقيقى , حرارة مرتفعة ليست بيدها وانما بقلبها , حرارة مرتفعة ستطفىء فى النهاية النبتة التى كانت تنبت بداخلها من مشاعر يتيمة من طرف واحد , قاومت دمعة كانت ستقفز من عينيها وقالت بأنفاس متقطعة :</p><p></p><p>- معلش يا ماما هعمل غيرها حالاً</p><p></p><p>أخذت عبير براد المياة من يدها وقالت بشفقة :</p><p></p><p>- أستنى يا عزة انا هعمل الشاى</p><p></p><p>جاهدت عزة لترسم ابتسامة مصطنعة وهى تقول:</p><p></p><p>- أنا نسيت اصلى العصر هروح اصلى</p><p></p><p>توجت إلى الحمام , دخلت بسرعة وأغلقت الباب خلفها, توضأت فاختلطت الدموع بماء الوضوء , خرجت وتوجهت لغرفتها وبدأت فى الصلاة , وقفت وركعت وسجدت بغير هدى لم تنتظرها العبرات للسماح لها بالقفزعلى وجنتيها بل انسابت بانهمار وبهدوء لا يشعر بها أحد ولا تستطيع أن توقفها كلمات العزاء و المواساة.</p><p></p><p>كانت تعلم أنها ستسمع هذا الخبر إن آجلا أو عاجلاً , ولكنها كانت تمنى نفسها بأنه لن يحدث , بل كان الأمل لديها يزداد كلما تذكرت شخصية دنيا المختلفة تماما عن فارس , لماذا تمنيت ونسجت خيوط الأمل حول أمنية بعيدة لا يراها سواى , ألقى قلبى فى بحر الأحلام فأستيقظ لأجد نفسى وقد غرقت قدماى فى لجة مظلمة , أصرخ فلا يسمعنى أحد, أستغيث ولا مغيث لى إلا <strong>** , أمن الممكن أن يكون عقابا من **</strong> ؟!.. هل ملك علي قلبى أكثر مما يجب ونسيت ربى , قفزت المزيد من العبرات على وجنتيها ولكن هذه المرة كانت دموع من نوع آخر لها مذاق آخر.. مذاق محبب</p><p></p><p>***</p><p></p><p>وقف فارس أمام المرآة يتأنق ويتألق فى حلته السوداء وهو لا يصدق نفسه ,أخيراً سيزين أصبعها بخاتم الخطبة , ألتفت ليجد والدته تقف على باب غرفته مبتسمة فى حنان وهى تقول:</p><p></p><p>- ماشاء **** زى القمر ... ياما كان نفسى أشوف اليوم ده من زمان</p><p></p><p>وبدموع الأمهات الحاضرة دائما اختلطت ابتسامتها بدموع سعادتها به , توجه فارس إليها مسرعاً وقال بلهفة وضم رأسها وهو يقبله فى حب قائلا:</p><p></p><p>- **** يخليكى ليا يا ست الكل</p><p></p><p>أبعدها عنه برفق وهو يقول ببهجة:</p><p></p><p>- الواد عمرو جه ولا لسه</p><p></p><p>أنتبهت فجأه وكأنها قد نسيته فى خضم مشاعرها المختلطة وقالت:</p><p></p><p>- صحيح و**** ده انا نسيته.. ده بره مستنيك</p><p></p><p>خرج فارس ليجد عمرو جالسا أمام التلفاز يقلب قنواته واضعاً ساقاً فوق الأخرى فهتف به وهو يضربه على كتفه:</p><p></p><p>- أيه يابنى انت قاعد على القهوة.. يلا اتأخرنا</p><p></p><p>ضحك عمرو وهو ينظر لوالدة فارس:</p><p></p><p>- مستعجل أوى على أيه .. بكره تندم يا جميل</p><p></p><p>ضربه فارس على كتفه وقال:</p><p></p><p>- طب بكره نتفرج عليك يوم خطوبتك يا أمور</p><p></p><p>ثم تابع بمكر :</p><p></p><p>- اه صحيح ساعتها مش هتبقى مستعجل.. ده البيت لزق فى البيت</p><p></p><p>ضحكت أم فارس بينما لكزة عمرو فى يده وهو يقول :</p><p></p><p>- خفيف أوى ياخويا</p><p></p><p>وما أن فتح الباب وكأنه قد فتح شلال ضرب وجوههم فجأة , أندفعت مُهرة تجاههم تدفعهم تارة وتختبأ خلف فارس تارة أخرى وتتعلق بقدمه حتى كاد أن يسقط وهى تصيح:</p><p></p><p>- ماليش دعوة هاجى معاكوا الفرح</p><p></p><p>ووالدتها تجرى خلفها مسرعة وهى ممسكة بعصا صغيرة وتهتف بها بغضب:</p><p></p><p>- و**** هتضربى يا مُهرة لو ابوكى عرف بعمايلك دى هيكسر عضمك</p><p></p><p>وضع فارس يديه بين مُهرة والدتها وهو يقول :</p><p></p><p>- فى أيه بس أيه الحكاية</p><p></p><p>قالت أم يحي بأحراج شديد :</p><p></p><p>- البت دى مش عارفة مالها كده.. مجننانى من يومها معلش متزعلش انا هقول لابوها</p><p></p><p>صرخت مُهرة من خلف فارس :</p><p></p><p>- أنا معملتش حاجة .. انا عاوزه اروح الفرح بس</p><p></p><p>تدخلت والدة فارس قائلة بحنان:</p><p></p><p>- خلاص علشان خاطرى يا ام يحيى متضربيهاش .. خليها تيجى معانا مفيهاش حاجة</p><p></p><p>قالت أم يحيى بخجل من مظهر ابنتها:</p><p></p><p>- مينفعش ام فارس مش شايفة منظرها</p><p></p><p>ألتفت عمرو وفارس ووالدته ليروها بوضوح لأول مرة منذ دخولها عليهم كالعاصفة , هى كما هى بشعرها الأشعث دائما وغرتها المبعثرة على جبينها بغير هدى ولكن زاد عليها شىء واحد جعلهم يضحكون بغير توقف , كانت تضع أحمر شفاه على شفاهها بطريقة جعلتها كمهرجين السيرك , وقفت تضع يديها فى خصرها وتقول بحنق:</p><p></p><p>- بتضحكوا على ايه</p><p></p><p>قال عمرو وهو مازال يضحك:</p><p></p><p>- ايه اللى انتِ حاطاه على بؤك ده</p><p></p><p>تلمست مُهرة أحمر الشفاه بزهو وهى تقول بثقة كبيرة فى مظهرها:</p><p></p><p>- ده روش .. أنت متعرفش المكياش ولا أيه</p><p></p><p>ضحك الجميع وهم ينظرون إلى بعضهم البعض وقال فارس لعمرو :</p><p></p><p>- كسفتنا يا جاهل .. فى حد ميعرفش المكياش</p><p></p><p>هجمت والدتها عليها وأخذت بشعرها وجذبتها منه وهى تقول :</p><p></p><p>- و**** ما هسيبك يا مُهرة لازم تضربى النهاردة</p><p></p><p>أبعدتها أم فارس عنها وخلصت شعر مُهرة من بين يدى والدتها وقالت بحسم:</p><p></p><p>- و<strong>** لتسبيها انا حلفت ب**</strong> .. وأيه رأيك بقى هتيجى معانا.. يالا خديها ولبسيها حاجة كويسة وسرحيلها شعرها</p><p></p><p>هتفت مُهرة بسعادة وهى تحتضن أرجل أم فارس, حاولت والدتها الإعتراض ولكن أم فارس حسمت الإمر بالقسم , خرجت أم يحيى بصحبة مُهرة لتبدل لها ملابسها بينما نظرعمرو إلى فارس مداعبا وقال:</p><p></p><p>- بقولك ايه احنا ممكن نهرب من مُهرة ولا دى محدش بيعرف يروح منها فين</p><p></p><p>ضحكت أم فارس وقالت:</p><p></p><p>- طب و**** البنت دى زى العسل محدش يعرفها أدى.. أنا هدخل اعملكوا شاى لحد ما تنزل</p><p></p><p>جلس فارس أمام التلفاز وهو يقول :</p><p></p><p>- وادى قاعدة ..منك *** يا مُهرة هتبقى السبب فى طلاقى فى يوم من الايام</p><p></p><p>ضحك عمرو وهو يقلب قنوات التلفاز فقال له فارس هامساً:</p><p></p><p>- مش ناوى بقى تتقدم انت كمان ولا ايه يا عم المهندس انت</p><p></p><p>جلس عمرو وظهرت علامات الشرود على وجهه قائلا:</p><p></p><p>- مش عارف يا فارس .. أولاً لسه فاضلى سنة فى الكلية ..ثانيًا مش متأكد منها .. خايف ترفضنى</p><p></p><p>ربت فارس على كتفه وقال بابتسامة :</p><p></p><p>- خلاص كلها السنة دى وتتخرج وهتبقى مهندس قد الدنيا وبعدين احنا جيران ومحدش يعرف عنك غير كل طيب هترفضك ليه بقى</p><p></p><p>زفر عمرو بضيق وهو يقول:</p><p></p><p>- مش عارف يا فارس قلقان بس مش أكتر</p><p></p><p>هتف فارس مداعباً:</p><p></p><p>- أنت هتعملى فيها بقى عندك ددمم وبتحب وكده</p><p></p><p>قفز عمرو من مكانه ووضع يده على فم فارس ليسكته قائلا:</p><p></p><p>- اسكت يابنى انت ..انت ايه عاوز تسيحلى وخلاص</p><p></p><p>خرجت أم فارس من المطبخ تحمل أكواب الشاى فتصنع عمرو انه يهندم ملابس فارس قائلا:</p><p></p><p>- لالا مظبوط متقلقش</p><p></p><p>بعد نصف ساعة كانت مُهرة تطرق باب الشقة بقوة وأزعاج أنتفض فارس ليفتح الباب وهو يقول:</p><p></p><p>- ايه يا بنتى ده.. ده انتِ خبطتك ولا خبطت المخبر</p><p></p><p>نظرت أم فارس لها بأعجاب وهى تقول :</p><p></p><p>- ماشاء ****.. أيه الفستان الحلو ده وايه الشعر الحلو ده</p><p></p><p>دارت مُهرة حول نفسها بأعجاب ليدور معها ذيل فستانها الوردى الرقيق وهى تقول:</p><p></p><p>- ده فستان العيد يا طنطى</p><p></p><p>وأشارت إلى حذائها بشغف وهى تقول:</p><p></p><p>- ودى جزمة العيد</p><p></p><p>قاطعها عمرو مداعبا :</p><p></p><p>- وطبعا ده شعر العيد مش كده</p><p></p><p>ضحك فارس ووالدته التى قالت :</p><p></p><p>- أخيرا شفتك مسرحة شعرك يا مُهرة ..</p><p></p><p>هتفت مُهرة بصياح:</p><p></p><p>- يلا بينا بقى أتأخرنا على الفرح</p><p></p><p>ثنى فارس ركبتيه بمرح وهو يمد يده إليها قائلا :</p><p></p><p>- يلا بينا يا عروستى</p><p></p><p>ضحكت بسعادة وهى تضع يدها فى يده بيد وتمسك بطرف فستانها باليد الأخرى وتقول:</p><p></p><p>- يلا يا عريسى</p><p></p><p>كان حفل الخطبة صغيرة وبسيطة وكأنها مقابلة عادية باستثناء صخب الموسيقى المرتفعة فى البيت وبعض باقات الورود فى أركان المنزل, ودنيا بفستانها الزهرى وزينتها الكاملة مما جعل فارس يشعر بالحرج بسبب وجود عمرو ورؤيته لها بهذا الشكل, كان فارس يجلس فى المنتصف بين والد دنيا ومُهرة وكان يلتفت إلى والد دنيا ويتحدث معه باهتمام بينما نهضت دنيا وجلست بجوار مُهرة وقالت بابتسامة صفراء:</p><p></p><p>- قومى يا حبيبتى اقعدى جنب ماما</p><p></p><p>رفعت مُهرة رأسها ونظرت لدنيا وهزت رأسها نفياً ولم ترد , حاولت دنيا كتم غيظها وهى تعيد أمرها مرة أخرى:</p><p></p><p>- بقولك قومى يا شاطرة</p><p></p><p>هذه المرة لم تنظر لها مُهرة من الأصل وقالت ببرود:</p><p></p><p>- مسميش شاطرة</p><p></p><p>شعرت دنيا بالدماء تغلى فى رأسها وصاحت بعصبية:</p><p></p><p>- بقولك قومى</p><p></p><p>ألتفت فارس على صوت دنيا وقال بتساؤل:</p><p></p><p>- فى ايه يا دنيا</p><p></p><p>قالت بعصبية :</p><p></p><p>- البنت دى بتعند معايا ومبتسمعش الكلام انا كنت فاكراها مؤدبة زى ما كنت بتقول عنها</p><p></p><p>صاحت مُهرة بصوت يشبه البكاء :</p><p></p><p>- انا مؤدبة والشتيمه حرام.. واللى بيشتم الكلمة بتلف تلف وترجعله</p><p></p><p>والتفتت إلى فارس وهتفت به :</p><p></p><p>- مش انت قولتلى كده يا فارس</p><p></p><p>لف فارس ذراعه حول كتف مُهرة وهو يقول:</p><p></p><p>- ايوا يا حبيبتى صح بس وطى صوتك شوية.. ممكن؟</p><p></p><p>صاحت دنيا :</p><p></p><p>- أنت بتنصرها عليا يا فارس وكمان بتستأذنها</p><p></p><p>نظرت أم دنيا لمُهرة بحدة وقالت بغضب:</p><p></p><p>- أسمعى الكلام يا بنت</p><p></p><p>فركت مُهرة عينيها وهى تصيح :</p><p></p><p>- كده حرام.. ماما قالتلى عيب نشخط فى الضيوف</p><p></p><p>نهضت أم فارس وأخذت بيد مُهرة وهى تقول لدنيا:</p><p></p><p>- معلش يا دنيا هى متقصدش</p><p></p><p>ونظرت لمُهرة وهى تجذبها إليها بلطف قائلة:</p><p></p><p>- تعالى يا مُهرة اقعدى جنبى يا حبيبتى</p><p></p><p>تشبثت مُهرة بذراع فارس وقالت ببكاء :</p><p></p><p>- عاوزه اقعد جنب فارس</p><p></p><p>نهض والد دنيا ليحل المشكلة ويفض النزاع وأخذ بيد ابنته قائلا:</p><p></p><p>- تعالى اقعدى مكانى يا دنيا</p><p></p><p>جلست دنيا بجوار فارس على الجهة الأخرى وهى ترمق مُهرة بنظرات نارية</p><p></p><p>نهض عمرو وجلس بجوار مُهرة وانحنى على أذنها قائلا:</p><p></p><p>- تيجى نتفرج من البلكونة شوية</p><p></p><p>حركت كتفيها برفض وهى تمد شفتاها بغضب وتتشبث بذراع فارس أكثر فأمسك فارس بأصبعها المحطية بيده وبدأ فى تدليكها لتسترخى وتطمأن , ظلت على هذا الوضع فترة من الوقت ومن الحين للآخر يربط فارس على شعرها أو يدها حتى وضعت رأسها على ذراعه المتشبثة بها وأغمضت عينيها ونامت.</p><p></p><p>***</p><p></p><p>حدث أول تنازل منه ووافق على طلب دنيا التى هاتفته وطلبت منه التنزه سويا قليلا , رفض فى البداية ولكنه لم يستطع مقاومة ألحاحها المتكرر وحزنها الذى ظهر فى كلماتها وهى تتهمه بالتقصير تجاهها وعدم سعادته بارتباطهما أخيراً</p><p></p><p>ألتقى بها فى أحدى المتنزهات التى أعتادا اللقاء فيها وجلسا على المقعد المعتاد لهما أمام النيل مباشرة , ألتفتت إليه وهى مبتسمة وقالت برقة:</p><p></p><p>- متقدرش تتصور وحشتنى ازاى</p><p></p><p>أبتلع ريقه وهو يتذكر كلمات بلال , حاول السيطرة على مشاعره وهو يقول :</p><p></p><p>- علشان كده يا دنيا كنت عاوز أكتب الكتاب علشان اعرف اعبرلك عن مشاعرى براحتى</p><p></p><p>نظرت إليه بجرأة وتفحصت ملامحه التى تحبها وكأنها لم تسمعه وقالت برقة وهى تتلمس ذراعه بأطراف أصابعها :</p><p></p><p>- يعنى انا موحشتكش</p><p></p><p>أختلج قلبه للمستها وشعر بحراره تسرى فى جسده, غلبه شيطانه وهواه وهو يستمع لكلماتها الرقيقة التى تلقيها بدلال :</p><p></p><p>- ياه لمستك وحشتنى أوى</p><p></p><p>قالت عبارتها الأخيرة بطريقة لم يتحملها, أنهار معها كما تنهار أبواب السدود لتغمر الأرض العطشة بالمياة ونسي كل ما كان يحذره منه بلال, كان محقاً , هو بشري وقدرته على الأحتمال محدودة , فكانت النتيجة الحتمية هى التنازل واتباع هواه.</p><p></p><p>أمسك كفيها ببطء وهو ينظر لعينيها وتعانقت أصابعهما بعضها ببعض وذابت ما بقى بداخله من مقاومة... ومـر عــام</p><p></p><p></p><p>الفصل السادس</p><p></p><p></p><p></p><p>ومر عام يحمل فى طياته الكثير , تتقلب فيه أمزجة البشر وأحوالهم وأحزانهم وأفراحهم , كما تتقلب فصوله بين رعد الشتاء وحرارة صيفه وكآبة خريفه ونسيم الربيع وشذى عبير أزهاره , هكذا هى الحياة لا تدوم على حال , لا تعطى إلا وأخذت , ولا تأخذ إلا وتمنح , يشوبها دائما بعض الملل , بعض الألم, بعض الوجوم , بعض التنحى عن الحياة , ولهذا هى دنيا , متقلبة , متجمدة , تعلو وجهها ابتسامة مودعة, أو باقية, أوقد تكون ساخرة.</p><p></p><p>و فى نهاية العام , كان الأنتظار هو أصعب شىء حقاً , بل كان جبلاً يجثو على الصدور, يكاد يزهق الأرواح , أنتظار القرار النهائى بعد مقابلات اختبارات وظيفة النيابة , والتى كانت تنبأ عن التفاؤل أحيانا , واليأس غالباً , ولكن يشوبه بعض الأمل.</p><p></p><p>وبعد ظهر أحد الأيام عاد فارس إلى بيته ليجد الباب مفتوحاً وسمع من الخارج صوت جارتهم أم يحيى وهى تطلق الزغاريد , قرع الجرس ودخل على أثره ليجد مُهرة فى استقباله هاتفةً بسعادة وهى تسرع إليه مقبلة عليه :</p><p></p><p>- أنا نجحت يا فارس وجبت درجات كبيرة أوى .. هروح أولى أعدادى</p><p></p><p>لم يكن يستطيع أن يتفاعل معها كما عهدته فى هذه المناسبات , أبتسم ابتسامة باهتة وهو يقول:</p><p></p><p>- ألف مبروك يا مُهرة</p><p></p><p>توقفت عن القفز وهى تنظر إليه بعينين حائرتين ووقفت والدته وقد تملكتها الدهشة هى الأخرى من رد فعله وقالت :</p><p></p><p>- مالك يا فارس؟</p><p></p><p>ثم قالت بتردد:</p><p></p><p>- هى نتيجة التعين طلعت؟!</p><p></p><p>أبتسم فارس وهو يقول بأجهاد:</p><p></p><p>- متقلقيش يا ماما لسه مطلعتش ..</p><p></p><p>ثم التفت إلى مُهرة وهو يحاول استعادة روحه السابقة معها قائلا:</p><p></p><p>- ها يا ستى عاوزه هدية ايه</p><p></p><p>أخفضت نظرها عنه وقالت بحزن:</p><p></p><p>- مش عاوزه حاجة</p><p></p><p>وخرجت مطأطأة رأسها تتبعها ووالدتها التى أغلقت الباب خلفها بهدوء , شرع فارس فى الذهاب إلى غرفته ولكن والدته استوقفته قائلة:</p><p></p><p>- أنت متخانق مع خطيبتك</p><p></p><p>أستدار إليها بنفس الأبتسامة الباهتة وقال:</p><p></p><p>- ولا متخانق ولا حاجة .. بس تعبان شوية ومحتاج ارتاح</p><p></p><p>أم فارس:</p><p></p><p>- مش عادتك يعنى تعامل مُهرة كده.. ده انت كنت بتذاكرلها فى الامتحانات كأنها فى ثانوية عامة</p><p></p><p>أتجه إلى غرفته مرة أخرى وهو يقول:</p><p></p><p>- هنام شوية وقبل ما اروح المكتب هصالحها ان شاء ****</p><p></p><p>دخل غرفته وأغلق الباب خلفه وهى تنظر إلى الباب المغلق بدهشة , أبدل ملابسه وألقى بجسده المرهق على فراشه وأغمض عينيه يطلب الأسترخاء قليلا , ولكن من أين تأتى الراحة فقلبه غير مستقر, والقلب المجهد يجهد معه البدن دائما , لا ينفك إلا فى التفكير فى حياته بعد يومين أو ثلاثة عند ظهور النتيجة , كيف ستكون , وماذا سيحدث إن تم رفضه</p><p></p><p>يجافيه النوم دائما عند الوصول لهذه النقطة الصماء, لا يريد التفكير فيما بعدها بل لا يريد التفكير فيها من الأصل, فى المساء وهو يغادر لعمله ذكرته والدته بمُهرة فأومأ برأسه موافقا ولكنه لم يكن لديه أى حماس للصعود إليها او مداعبتها كما كان يفعل, فتوجه للمكتب على الفور , أنهى دبلومته التى عكف عليها والتى أهلته للدبلومة الثانية ولكنه لم يكن متحمسا بالشكل المطلوب , فهو لم يحلم يوما بهذه الدرجات العلمية, بل كان حلمه الوحيد هو النيابة فإلى متى ستظل أحلامه كما هى أحكام القضاء أحيانا, مع وقف التنفيذ.</p><p></p><p>مرت شهور آخرى وبدأ فى دبلومته الثانية والحال هو الحال , النتيجة لم تظهر بعد , وهو يكاد يكون منفصلاً عن واقعه تماما , حتى حانت اللحظة الفارقة واستدعاه الدكتور حمدى إلى حجرة مكتبه , بمجرد وصوله للمكتب مساءاً طرق الباب ودخل بعد الأستأذان , نظر إلى الدكتور حمدى نظرة متفحصة وهو يقول ببطء:</p><p></p><p>- فى حاجة يا دكتور</p><p></p><p>نهض الدكتور حمدى ووقف قبالته وتنحنح قائلا:</p><p></p><p>- نتيجه النيابة طلعت يا فارس .. أنا عرفتها النهاردة الصبح بس قلت لما اشوفك بالليل ابقى ابلغك</p><p></p><p>خفق قلب فارس وزادت نبضاته بقوة وشعر بألم فى جميع أجزاء جسده ومرت الثوان عليه ساعات وهو ينظر فى عينيى الدكتور حمدى اللتان كانتا خاليتان من أى علامات البشرى وهو يقول:</p><p></p><p>- كل شىء نصيب يا فارس .. وان شاء **** تلاقى نفسك فحاجة تانية</p><p></p><p>أصابه التبلد وعدم التصديق للحظات وهو يكرر:</p><p></p><p>- يعنى قبلونى ولا لاء</p><p></p><p>ربت الأستاذ حمدى على كتفه مشجعاً داعماً له وهو يقول:</p><p></p><p>- أنت أنجزت الدبلومة الأولى بسهولة ومشيت شوط كبير فى التانية وهتكمل الماجيستير ان شاء **** وبعدها الدكتوراة ومش هتحتاج النيابة دى خالص.. أنت ليك مستقبل كبير فى المحاماة وانا أصلا كنت مستخسرك فى حكاية النيابة دى</p><p></p><p>هوى فارس إلى أقرب مقعد وهو يشعر بأنه يهوى من فوق سبع سموات , وكأن روحه فارقت جسده , حلم جميل واستيقظ على واقعه المرير, زاغت عيناه بدون هدى, هتف بداخله ولكن هتافه أصاب شفتاه وهو يقول:</p><p></p><p>- طب ليه.. ليه .. أنا جايب التقديرات المطلوبة وجاوبت كل الأسئلة اللى اتسألتها فى المقابلات من غير ولا غلطة.. يبقى ليه طيب ليه</p><p></p><p>جلس الأستاذ حمدى بجواره وهو يشعر بالأسى لأجله وقال بشفقة:</p><p></p><p>- يابنى انت مش عايش فى البلد دى ولا أيه.. بصراحة يا فارس انا من الأول وانا متأكد من النتيجة حتى من غير ما تدخل الامتحانات.. مفيش حد بيتعين فى المهنة دى إلا اذا كان ليه واسطة جامده .. عم أو خال أو قريب وكيل نيابة .. وكمان مش أى وكيل نيابة.. ده لازم يبقى وكيل نيابة مرضى عنه يابنى</p><p></p><p>ألتفت إليه فارس بحدة قائلا:</p><p></p><p>- مرضى عنه من مين</p><p></p><p>نظر إليه الأستاذ حمدى قائلاً:</p><p></p><p>- يعنى مش عارف يا فارس !</p><p></p><p>واستدرك قائلا:</p><p></p><p>- وانا يابنى لو كان مرضى عنى كنت اتوسطلك .. بس انت عارف انى طول عمر راجل دوغرى ومش تبع حد .. وهما عاوزين حد تباعهم ..علشان كده كانت وسطتى هتضرك مش هتنفعك</p><p></p><p>وضع فارس وجهه بين كفيه وهو غير مصدق ما يسمع , ها قد انهارت أحلامه على صخرة الفساد المتفشى فى المجتمع والذى توارثناه جيلاً بعد جيل حتى أصبح شىء طبيعى للغاية, فالعين عندما تعتاد على القبح لم تعد تراه قبيحًا بل لو رأت جمالاً بعده نفرت منه واستنكرته وقبحته , بدون أرادة منه وجدت العبرات طريقها لعينيه أخيراً فزفر زفرة ساخنة يائسة وقال بصوت متحشرج:</p><p></p><p>- ليه يا دكتور مفهمتنيش كده من زمان</p><p></p><p>قال الأستاذ حمدى وهو يتطلع للفراغ بحزن:</p><p></p><p>- كان عندى أمل يابنى .. ومكنتش عاوز احبطك .. كنت فاكر ان ممكن حاجة تتغير لكن مع الأسف بالعكس ده الفساد بيزيد يوم عن يوم</p><p></p><p>ثم أردف قائلا:</p><p></p><p>- أتعمل عليك تحريات فى مكان سكنك..وكان من ضمن أسباب الرفض أنك ساكن فى مكان شعبى وليك صديق ملتحى</p><p></p><p>توقفت الدموع دفعة واحدة ونظر إليه مندهشاً قائلا باستنكار :</p><p></p><p>- طب وده يخليهم يرفضونى حتى لو كنت كفأ</p><p></p><p>أبتسم الدكتور حمدى ابتسامة خلت من أى تعبيروقال بسخرية مريرة:</p><p></p><p>- هو انت فاكر ان التعين بالكفاءة.. ده انت غلبان أوى.. يالا يابنى قوم وانسى كل حاجة وابدأ حياتك من جديد.. وأيه يعنى حلم يضيع ووراه أحلام تانية كتير.. يمكن تكون أفضل منه .</p><p></p><p>نهض فارس واقفاً بوهن وقال بصوت بعيد:</p><p></p><p>- ممكن أخد باقى اليوم أجازة يا دكتور.. أنا مش هعرف اركز فى شغل النهاردة</p><p></p><p>أومأ الأستاذ حمدى وهو يربت على كتفه بعطف قائلا:</p><p></p><p>- طب خلاص روح انت ارتاح ومتشلش هم</p><p></p><p>خرج فارس من حجرة الدكتور حمدى واجماً يتحاشى النظر لزملاءه فى مكتبه وهو يجمع بعض أوراقه الخاصة وهم يتابعونه بنظراتهم المتسائلة , نهضت دنيا من خلف مكتبها واتجهت إليه وعلامات التساؤل والفضول تشع من عينيها , أقتربت منه متسائلة:</p><p></p><p>- مالك يا فارس ايه اللى حصل جوى عند الدكتور</p><p></p><p>هز رأسه نفيا وهو يقول:</p><p></p><p>- مفيش حاجة يا دنيا ...</p><p></p><p>دنيا بأصرار:</p><p></p><p>- لاء..شكلك فى حاجة</p><p></p><p>زفر بضيق وقال بعصبية:</p><p></p><p>- بقولك مفيش..</p><p></p><p>طوى أوراقه وهو يقول:</p><p></p><p>- لما ارتاح شوية هبقى اكلمك فى التليفون ..سلام</p><p></p><p>وقفت تنظر إليه بدهشة واتجهت لتعود لمكتبها , ولكن نورا لم تنتظر أكثر من هذا</p><p></p><p>تبعته للخارج ولحقت به عند المصعد وقبل أن يستقله سألته قائلة:</p><p></p><p>- أستنى يا أستاذ فارس</p><p></p><p>أستدار إليها بدهشة كبيرة ونظر إليها بصمت فقالت بتردد:</p><p></p><p>- الدكتور قالك حاجة زعلتك</p><p></p><p>هز رأسه نفيا لا يخلو من التعجب وقال:</p><p></p><p>- متشكر على سؤالك يا أستاذة .. محصلش حاجة انا بخير الحمد ***</p><p></p><p>وكاد أن يفتح باب المصعد ولكنها استوقفته مرة أخرى قائلة:</p><p></p><p>- موضوع النيابة مش كده؟</p><p></p><p>زادت دهشته ولكنها لم تنسيه ألمه بعد فقال حانقاً وهو يغادر :</p><p></p><p>- عن أذنك</p><p></p><p>أخذ المصعد طريقه للهبوط وهو بداخله وظلت هى تتابعه ببصرها فى حيرة منه ومن اندفاعها هكذا , وأخذت تلوم نفسها بشدة وهى مازالت واقفة فى مكانها فى شرود وصمت أخرجها منه صوت دنيا التى قالت بشك:</p><p></p><p>- هو فى ايه</p><p></p><p>ألتفتت نورا إليها بعدم انتباه ولكنها استعادت وعيها سريعاً وقالت بلامبالاة وهى تعود أدراجها إلى المكتب مرة أخرى:</p><p></p><p>- مفيش حاجة يا دنيا ..عن أذنك</p><p></p><p>تابعتها دنيا ببصرها وهى تضيق عينيها بارتياب وتنقل بصرها بين نورا والمصعد ولكنها سرعان ما نفضت عن عقلها تلك الأفكار وعادت لعملها من جديد ولكنها لم تستطع أن تنفضها من قلبها.</p><p></p><p>لم يشعر إلى أين تأخذه قدميه ولكنه سار فى استسلام شديد لا يعلم كم قضى من ساعات ولكنه كان يمشى فقط فى اتجاه اللاشىء , فقد الأحساس بالزمن وبمن يمر أمامه وحوله وخلفه لا يسمع لشىء ولا يرى شىء , لم يرى إلا نظرات والدته المكسورة وهى تستمع للخبر , لم يسمع إلا شهقات أصدقائه وجيرانه دهشةً ولوعةً عند معرفتهم بالخبر, ماذا سيقول لهم , هل يقول لقد رفضونى من أجل حياتى بينكم وحبكم لى وحبى لكم , ماذا سيقول لصورة والده المحتفظ بها فى غرفته تنتظر النتيجة بفارغ الصبر, هل يقول له عفواً والدى لقد رفضونى لأنهم لا ينظرون للكفاءة ولي صديقاً ملتحياً , هل يقول لقد رفضونى لأنك يا والدى لست قاضياً أو ومستشاراً أو وكيل نيابة , أو أنك ليس لك أخ أو قريب موالياً لهم يتوسط لى عندهم, وجد نفسه عائداً لمنزله , كيف ومتى لا يعلم, ولكن من الواضح أن قدميه قد حفظت الطريق عن ظهر قلب فأشفقت عليه وحملته إلى بيته بدون توجيه منه</p><p></p><p>كان الوقت قد تعدى منتصف الليل فحمد **** أن الجميع نيام ولم يراه أحد وقرأ ما كتب على جبينه من شقاء , دخل غرفته فى خفوت ولم يجرؤ على النظر لصورة والده التى يحتفظ بها بجانبه , خاف أن ينظر إليها فيرى العبرات تقفز منها لتبلل وجهه وتخنقه وتغص حلقه وتشقيه , فلقد شقى بما يكفى اليوم.</p><p></p><p>ظل يتقلب فى سهاده طوال الليل حتى كاد أن يلفظه فراشه ويطرده بعيدًا عنه ليظل خاليا للأبد , فذلك أفضل له من هذا الحانق الغاضب الذى يرقد عليه دائما, بالكاد استطاع أن ينام بعد أذان الفجر , بل ويغط فى نوم عميق , ولكن أحلامه وكوابيسه طاردته حتى فى النوم ولم تتركه ينعم به.</p><p></p><p>أستيقظ فزعاً على صوت والدته التى كانت واقفة بجوار فراشه توقظه وتهتف به:</p><p></p><p>- قوم يا فارس قوم يابنى أتأخرت على شغلك الساعة بقت تسعة</p><p></p><p>تقلب على فراشه وقال دون أن يفتح عينيه :</p><p></p><p>- معنديش شغل النهاردة يا ماما</p><p></p><p>جلست على طرف فراشه بدهشة ممزوجة بالقلق وهى تقول:</p><p></p><p>- من أمتى بقى انت بتاخد أجازات.. مالك تعبان ولا أيه</p><p></p><p>وضع الوسادة على وجهه وهو يقول:</p><p></p><p>- مجهد بس شوية .. سيبينى اصحى براحتى لو سمحتى يا ماما</p><p></p><p>تركته والدته , خرجت وأغلقت الباب خلفها , توضأت وصلت الضحى وظلت تعمل بالبيت حتى الظهيرة وعندما دخلت المطبخ لتعد طعام الغذاء استمعت لرنين الهاتف فشعرت بأن المتصل ماهو إلا دنيا بالتاكيد فقررت تجاهله ولكن الرنين ظل متواصلاً بأصرار حتى اسمعت إلى صوت باب غرفة فارس يفتح وسمعته يجيب الأتصال فخرجت من المطبخ تنظرإليه وهو يتحدث :</p><p></p><p>- أنا فى البيت يا دنيا</p><p></p><p>- ده انت تعبان بجد بقى !</p><p></p><p>قال بتردد:</p><p></p><p>- لا أنا كويس بس ....</p><p></p><p>نظر إلى والدته وركز بصره عليها وهو يخشى من ردة الفعل وقال:</p><p></p><p>- الدكتور حمدى بلغنى انهم رفضونى فى النيابة</p><p></p><p>شهقت والدته وهى تضع يدها على صدرها واتسعت عينيىها بصدمة بينما وهتفت دنيا غير مصدقة:</p><p></p><p>- بتقول ايه يا فارس</p><p></p><p>قال مؤكداً وقد لمعت عيناه بالدموع وهو ينظر إلى والدته التى بدا عليها عدم الأتزان واستندت إلى الجدار بجوارها :</p><p></p><p>- بقولك رفضوا يا دنيا رفضونى</p><p></p><p>هتفت دنيا صارخة فى نفس اللحظة التى سقطت والدته فيها مغشياً عليها.</p><p></p><p></p><p></p><p>***</p><p></p><p>الفصل السابع</p><p></p><p></p><p></p><p>"ها يا دكتور ماما عاملة ايه"</p><p></p><p>نطق فارس هذه العبارة وهو يفرك يديه فى توتر بالغ و ينظر إلى الطبيب بقلق,دَون الطبيب أسماء بعض الأدوية فى ورقة من دفتره ثم فصلها وأعطاها لفارس قائلاً:</p><p></p><p>- متقلقش والدتك كويسة الحمد *** ..الضغط بس علي عليها شوية.. بس مفيش حاجة خطر الحمد ***</p><p></p><p>ألقى فارس نظرة على الورقة بيده فقال الطبيب متابعاً:</p><p></p><p>- دى أقراص بسيطة كده للضغط لازم تواظب عليها</p><p></p><p>خرج فارس بصحبة الطبيب من غرفة والدته وهو يقول متسائلاً:</p><p></p><p>- طب هى هتفوق أمتى يا دكتور</p><p></p><p>نهض عمرو واقفاً هو ووالدته وهو يستمع لحديث الطبيب الذى كان يجيب فارس قائلاً:</p><p></p><p>- أنا ادتها حقنة تنزل الضغط وهتفوق دلوقتى ان شاء **** ..متقلقش</p><p></p><p>خرج الطبيب من المنزل وأغلق فارس الباب خلفه واستدار فى مواجهة عمرو الذى قال بلهفة:</p><p></p><p>- خير يا فارس؟؟</p><p></p><p>جلس فارس وهو يقلب الروشتة بين يديه وكأنه فى عالم آخر وقال بشرود:</p><p></p><p>- الدكتور بيقول ضغط .. كنت متأكد أنها مش هتستحمل الصدمة</p><p></p><p>توجهت والدة عمرو داخل الغرفة التى كانت أم فارس ترقد بها وهى تقول بتبرم:</p><p></p><p>- ضغط أيه وبتاع أيه .. هو حد يصدق كلام الدكاترة</p><p></p><p>شد عمرو على يده قائلا:</p><p></p><p>- بسيطه يا فارس ان شاء ****.. متشيلش نفسك أكتر من كده.. أنت ملكش ذنب ..أنت كمان اتصدمت.. بس ولا يهمك انت مجال شغلك مفتوح وانت شاطر ....مش هتقفل على حكاية النيابة دى يعنى.. ركز بقى فى الماجيستير وبعده الدكتوراه وفى جوازك</p><p></p><p>أنتبه فارس لعبارة عمرو الأخيرة وتذكر دنيا التى تركها تصرخ على الهاتف وهرع إلى والدته , سمعا صوت والدته تناديه بوهن :</p><p></p><p>- فارس يا فارس</p><p></p><p>نهضت أم فارس من فراشها بمساعدة والدة عمرو فى أثناء دخول فارس وعمرو الذى قال يداعبها:</p><p></p><p>- ألف سلامة عليكى يا بطة</p><p></p><p>حاولت أن تبتسم وهى تنظر إلى فارس ولكنها لم تستطع, ساعدها فارس على الجلوس مرة أخرى على الفراش وجلس بجوارها , قبل رأسها وقد لمعت عيناه بالدموع وهو يقول انكسار:</p><p></p><p>- أنا آسف يا أمى أنا السبب فى اللى حصلك ده..لو كان بايدى كنت...</p><p></p><p>قاطعته والدته وهى تحاول صبغ صوتها بنبرة حاسمة:</p><p></p><p>- مش عاوزه اسمع منك الكلام ده تانى.. كل شىء نصيب .. أنا كل اللى يهمنى انك تبقى مبسوط ومرتاح ومش عاوزه حاجة تانية من الدنيا.. أنا يابنى لو كنت حاطة أمل على الشغلانة دى فده كان علشان كنت شايفاك متمسك بيها وبتحلم بيها لكن انا عن نفسى مفيش حاجة تفرق معايا ولا تريحنى غير سعادتك انت وبس .. سواء كنت محامى ولا مستشار</p><p></p><p>أنحنى فارس مقبلاً كفها وقد أعطته أمه دفعة لأن يتماسك أكثر وتتراجع دموعه وتجف قبل أن تظهر مرة أخرى وقال:</p><p></p><p>- <strong>** يخليكى ليا يا ست الكل **</strong> يديكى الصحة</p><p></p><p>سمع عمرو طرق خفيف على باب الشقة فقال وهو يخرج من الغرفة :</p><p></p><p>- أنا هروح اشوف مين .. ده أكيد حد من الجيران</p><p></p><p>توجه عمرو إلى الباب وفتحه , نظر إليها غير مصدق وقال بدهشة:</p><p></p><p>- عزة!</p><p></p><p>خفضت عزة رأسها بخجل وتنحت جانباً فظهرت والدتها وأختها عبير من خلفها, حاول عمرو السيطرة على مشاعره وهو ينظر إليها وقال وهو يبتعد عن الباب:</p><p></p><p>- أتفضلوا</p><p></p><p>دخلت جارتهم أم عزة يتبعها الفتاتان وهى تقول بقلق:</p><p></p><p>- فى ايه يا بشمهندس.. ايه اللى حصل للست ام فارس</p><p></p><p>أشار إلى الغرفة قائلاً:</p><p></p><p>- الضغط بس علي عليها شوية .. أتفضلى هى جوى هنا ومعاها فارس</p><p></p><p>دخلت أم عزة مسرعة ووقفت عبير وعزة فى الخارج, حاول عمرو النظر إلى عزة مرة أخرى فخطف نظرة سريعة وهو يقول بابتسامة:</p><p></p><p>- أزيك يا أنسه عزة</p><p></p><p>شعرت عزة بالخجل لسؤاله أياها فقط , بينما قالت عبير بدهشة ممزوجة بابتسامة خفيفة :</p><p></p><p>- كويسين الحمد ***</p><p></p><p>لا يعلم لماذا شعر بعاطفة كبيرة تجتاحه تجاهها بدون سابق أنذار وكأن وقوفها بقربة قد حرك مشاعره وزاد لهفته عليها وعلى الأرتباط بها, لقد تردد كثيراً وهو غير متأكد من سبب تردده , كان يظن من وجهة نظرة أنها متعلقة بفارس ولكن لا دليل على ذلك , وقد يكون أساء بها الظنون ولكن هل يترك الظن يتلاعب به أكثر من هذا , شعر بالخوف عندما تذكر كلمات فارس له عندما أخبره بأنه ربما يتقدم لها شخصاً آخر وقد يقبله أهلها هل ينتظر لتضيع من بين يديه هكذا بسبب تردده وقلقه من شىء ليس له وجود , عندما وصل لهذه النقطة شعر باندفاع لم يشعر به من قبل, ولم لا أحياناً يكون التهور هو الحل الوحيد لأنهاء ما يدور من صراعات بداخلنا.</p><p></p><p>كانت الفتاتان ينظران إليه وهو شارداً تماماً وكأنه فى عالم آخر وقد خرجت والدتهما بصحبة والدة عمرو ويتبعهم فارس وأمه التى كانت تستند على ساعده</p><p></p><p>وقالت لعمرو بامتنان:</p><p></p><p>- معلش يابنى تعبناك معانا</p><p></p><p>نظر إليها وكأنه لم يسمعها وصوب بصرة باتجاه والدة عزة وعبير, أخذ نفساً عميقاً وقال باندفاع :</p><p></p><p>- طنط انا بحب عزة وعاوز اتقدملها موافقة ولا لاء</p><p></p><p>ثم تنفس لاهثاً وكأن وحشاً كان يطارده , صوب الجميع نظراتهم إليه ما بين دهشة وابتسامة واستنكار وحياء , وأسرعت عزة بالخروج من الشقة ووجهها كحبة الطماطم وتبعتها عبير التى كانت تبتسم بسعادة ودهشة , هتفت والدته به :</p><p></p><p>- أنت عبيط يا واد ولا أيه.. فى حد يطلب طلب زى ده قدام البنات كده ..مش فى أصول؟!</p><p></p><p>بينما ابتسمت والدة عزة وقالت موجهة كلامها لأم عمرو:</p><p></p><p>- عبيط ليه بس يا ام عمرو هو قال حاجة عيب.. هو بس استعجل شوية</p><p></p><p>ضحك فارس متناسياً همومه وهو يقول:</p><p></p><p>- يخرب عقلك يا عمرو انا كنت اعرف انك مجنون بس مش للدرجة دى</p><p></p><p>وأخيرا قال عمرو حانقاً:</p><p></p><p>- يعنى هى دى المشكلة دلوقتى .. خلاص انا آسف بس انا مصمم على طلبى على فكرة ومش هتنازل عنه</p><p></p><p>ونظر إلى أم عزة قائلاً برجاء :</p><p></p><p>- أنا صحيح لسه متخرج من كام شهر بس ان شاء **** هشتغل قريب.. أنا بس عاوز يبقى فى كلام رسمى يعنى علشان محدش يسبقنى</p><p></p><p>أكد فارس كلام صديقه وقال بثقة:</p><p></p><p>- ان شاء **** كام يوم وعمرو يروح يعمل مقابلة فى شركة هندسية بتاعة أخت الدكتور حمدى ..</p><p></p><p>نظر له عمرو بدهشة فأومأ فارس برأسه مؤكداً وقال:</p><p></p><p>- أنا كلمتلك الدكتور من يومين تقريبا .. بس اتلخمت فى اللى حصلى ونسيت اقولك</p><p></p><p>ثم نظر فارس إلى أم عزة وقال:</p><p></p><p>- الدكتور حمدى أكدلى حكاية الشغل دى يا طنط</p><p></p><p>قاطعهم صوت جرس الباب المفتوح , نظر فارس تجاهه فوجد دنيا تقف بزاوية من الباب وتنقل نظرها بينهم بتوتر , شعر بالدهشة وهو مقبل عليها حتى وقف أمامها وهو يشير إليها بالدخول قائلاً:</p><p></p><p>- تعإلى يا دنيا أتفضلى</p><p></p><p>قالت والدته معرفة أياها لهن:</p><p></p><p>- دى دنيا خطيبة فارس</p><p></p><p>أستأذن الجميع بالأنصراف وجلست دنيا وهى تنظر لوالدة فارس قائلة:</p><p></p><p>- حمد *** على سلامتك يا طنط</p><p></p><p>- **** يسلمك يا بنتى</p><p></p><p>نظر إليها فارس تدور تساؤلات كثيرة بعقله وتظهرها عينيه وقال:</p><p></p><p>- عرفتى منين ان ماما تعبانة</p><p></p><p>قالت بتوتر:</p><p></p><p>- قابلت عزة تحت وانا طالعة وقالتلى</p><p></p><p>لاحت ابتسامة سخرية على شفتى أم فارس وقد علمت أن دنيا قد أتت لشىء آخر ولاحظت نظرات التوتر فى عينيها فقالت وهى تنهض :</p><p></p><p>- طب عن اذنك يا بنتى هقوم ارتاح شوية</p><p></p><p>وقالت موجهةً حديثها لفارس:</p><p></p><p>- قوم يابنى قدملها حاجة</p><p></p><p>وتركتهم وتوجهت لغرفتها</p><p></p><p>وقف فارس قائلاً:</p><p></p><p>- هعملك شاى معايا</p><p></p><p>أشارت إليه وقد نهضت هى الأخرى فى مقابلته وقالت محاولة السيطرة على نبرة صوتها:</p><p></p><p>- الكلام اللى قلتهولى فى التليفون ده صحيح يا فارس</p><p></p><p>جلس مرة أخرى وقال دون أن ينظر إليها:</p><p></p><p>- هو الكلام حد يهزر فيه يا دنيا</p><p></p><p>سقطت العبرات من عينيها وقد تأكد لديها الخبر وقد كانت تتمنى أن يكون مازحاً أو ما شابه لقد سقطت أحلامها وهوت وانسلت من بين يديها , كانت تهوى جمع حبها بفارس مع منصبه الرفيع الذى كان يحلم به وقد جعلها تتعلق به معه وتراه ليل نهار وتضع نفسها بجانبه داخل هذا البرواز المزركش المرصع بالمنصب والمستوى المرتفع والكلمة المسموعة ,قالت بحزن وكأنها تهزى:</p><p></p><p>- يعنى أيه .. حلم السنين راح خلاص ..كل حاجة راحت من بين أيديا</p><p></p><p>نظر إليها وقد عاوده شعوره بالندم والإنكسار مع كلماتها المؤنبة وقال محاولاً أضفاء بعض الأمل على قلبها:</p><p></p><p>- لا مش كله.. أنا فاضلى كام شهر واخلص الدبلومة التانية وابدأ فى الماجيستير وان شاء **** بعدها الدكتوراة</p><p></p><p>أستطردت مقاطعةُ أياه قائلة:</p><p></p><p>- وهتفرق فى أيه ماجيستير ولا حتى دكتوراة .. برضة فى الآخر شغال بمرتب عند الأستاذ حمدى</p><p></p><p>تنفس بعمق وهو يستمع لكلماتها تشق قلبه بحروفها الحادة وقال :</p><p></p><p>- لا ما انا فى يوم من الأيام هفتح مكتب إن شاء **** وساعتها الدرجات العلمية دى هتنفعنى اوى فى شغلى</p><p></p><p>لاحت ابتسامة سخرية على شفتيها وهى تقول:</p><p></p><p>- اه ..فى يوم من الأيام</p><p></p><p>لم يعد قادراً على التحمل وكل كلمة من كلماتها تنغمس بين ضلوعه لترديه يائساً وبعنف فنهض بحدة وقال:</p><p></p><p>- أنا كنت فاكرك هتقفى جنبى يا دنيا وتشجعينى أواصل طريقى ..أه صحيح كده الطريق هيطول شوية.. بس فى الآخر هنوصل ان شاء ****</p><p></p><p>نظر إليها فوجدها واجمة صامتة فجلس بقربها وأخذ كفها بين راحتيه قائلاً:</p><p></p><p>- أنا مش عاوزك تيأسى كده .. فاكرة لما كنتِ بتقوليلى أنا واثقة انك هتوصل يا فارس انت جواك عزيمة توصلك المريخ.. فاكرة؟!</p><p></p><p>أبتسمت بضعف وهى تومأ برأسها وتقول:</p><p></p><p>- فاكرة</p><p></p><p>قال مشجعاً:</p><p></p><p>- يبقى تقفى جانبى لحد ما نوصل سوا</p><p></p><p>نظرت إليه بعينين زائغتين وقالت:</p><p></p><p>- وانت فاكر ان أهلى هيوافقوا اقعد استناك كل ده .. لحد ما تجيب مكتب وبعدين تجيب شقة ونفرشها بالمرتب اللى بتاخده من مكتب الأستاذ حمدى</p><p></p><p>قال باستنكار:</p><p></p><p>- وشقه ليه مش احنا متفقين هنعيش هنا مع ماما..وهى معندهاش مانع .. وهنيجى على نفسنا شوية وممكن أوى نأجر شقة تنفع مكتب مش لازم نشترى يعنى كفاية الإيجار.. وبكده يبقى جمعنا بين الجواز والمكتب فى نفس الوقت</p><p></p><p>صمتت وطال صمتها فحثها قائلاً:</p><p></p><p>- ردى عليا</p><p></p><p>مطت شفتيها وقالت بضيق:</p><p></p><p>- أنا لازم أمشى دلوقتى انا اتأخرت أوى</p><p></p><p>****</p><p></p><p>صاحت أمها فى وجهها وهى تقول:</p><p></p><p>- مش أنا قلتلك الواد ده هيفضل طول عمره فقرى..أنتِ اللى صممتى تتخطبى ليه مش عارفة .. وفى الآخر كلامى طلع هو اللى صح وعاوز ياخدك تعيشى معاه عند أمه فى الحارة وتستنى بقى لما يبقى يفتح مكتب</p><p></p><p>بللت العبرات وجنتيها وقالت باختناق:</p><p></p><p>- كفاية يا ماما كفاية .. اللى فيا مكفينى أرجوكِ</p><p></p><p></p><p></p><p>****</p><p></p><p>وقف عمرو أمام هذا المبنى الكبير الكائن فى أحد الأحياء الراقية فى قلب القاهرة وتنقلت عيناه بين اللافتات الكثيرة , ما بين لافتات عيادات أطباء كبار وبين شركات متنوعة أستيراد وتصدير ومقاولات وشركات هندسية , وهنا توقف نظرة عند أحدى اللافتات الكبيرة والتى من الواضح أنها تحتل أكثر من ثلاثة طوابق فى المبنى الكبير, مشى ببطء داخل ردهة الشركة يتأمل الفخامة والديكور المميز الذى يدل على ذوق رفيع وبذخ فى الإنفاق , ظل يجول ببصره حتى سمع صوت أنثوى يقول بلباقة :</p><p></p><p>- أهلا وسهلا يا فندم أقدر أساعد حضرتك أزاى ؟</p><p></p><p>أنتبه على صوت موظفة الأستقبال ونظر إليها متفاجأَ وقالال:</p><p></p><p>- هه..اه..أنا المهندس عمرو..عندى معاد النهاردة مع المهندسة إلهام</p><p></p><p>أبتسمت السكرتيرة بروتينية وهى ترفع سماعة الهاتف وتضغط أحد الازرار متحدثة لثوان ثم أعادت سماعة الهاتف مكانها وأرشدته إلى مكتب مديرة الشركة , وصل عمرو إلى مكتب سكرتيرة المهندسة إلهام والتى نهضت بابتسامة خفيفة وهى ترحب به وتنهض لتسير أمامه مشيرة للداخل , فتحت الباب الآخر وأشارت له بالدخول بابتسامة قائلة :</p><p></p><p>- أتفضل يا بشمهندس</p><p></p><p>وانسحبت مغلقة الباب خلفها, خطى عمرو داخل المكتب الفخم وهو ينظر حوله ثم إلى تلك المرأة القابعة خلف مكتبها تنظر له بابتسامة وعينين متفحصتين , مدت يدها وصافحته قائلة:</p><p></p><p>- أهلا وسهلا يا بشمهندس ..أتفضل</p><p></p><p>ثم قامت بالتعريف بشخصها قائلة:</p><p></p><p>- أنا البشمهندسة إلهام مديرة الشركة</p><p></p><p>أبتسم عمرو وهو ينظر إليها بترقب , كانت امرأة فى العقد الرابع من عمرها شارف الزمان على طوى نضارة شبابها ولكن من الواضح أنها تعانده بشدة وتصر على محاربة الأيام بالأزياء الحديثة التى لا تليق بعمرها والزينة المُتكلفة التى هى سلاحها الدائم فى هذه المعركة و من الواضح أنها قاتلت فيها باستماتة فلم تخسر منها الكثير, كانت نظرته إليها استكشافية لم تخلو من الفضول ولكن نظراتها هى قد تبدو مختلفة ومتباينة أكثر وذات معنى لم يفهمه عمرو للتو , وأخيراً تكلمت وهى تتلاعب بملفه الخاص بين أصابعها قائلة:</p><p></p><p>- مش ناقصك غير الخبرة ..ودى سهلة أوى</p><p></p><p>أبتسم عمرو بإشراق وقد تيقن من تعيينه بينما بدأت إلهام مناقشته فى طبيعة عمله لدقائق أخرى ثم ضغطت أزرار هاتفها قائلة وهى عيناها لا تفارق عمرو :</p><p></p><p>- أبعتيلى أستاذ صلاح بسرعة</p><p></p><p>أغلقت الهاتف وهى مازالت تتفحصه بابتسامتها المستكشفة , شعر عمرو بالحرج فقال:</p><p></p><p>- طيب أنا ممكن استنى بره مش عاوز اعطل حضرتك اكتر من كده</p><p></p><p>أنتبهت لعلامات الحرج التى ظهرت على ملامحه فعادوت النظر إلى ملفه مرة أخرى وهى تغلقه قائلة:</p><p></p><p>- الأستاذ صلاح هيجى دلوقتى علشان يوريك مكتبك ويعرفك على زمايلك فيه</p><p></p><p>طرق الباب ودخل صلاح , رجل فى أواخر العقد الخامس من عمره , يظهر عليه الوقار والنشاط فى نفس الوقت , دخل وهو يرمق عمرو بنظرات خالية من أى تعبير موجهاً حديثه لإلهام , فقالت بترفع وهى تشير إلى عمرو:</p><p></p><p>- البشمهندس عمرو مهندس مدنى هيبدأ معانا من النهاردة</p><p></p><p>أومأ برأسه لها ثم نظر إلى عمرو بابتسامة ودودة قائلاً:</p><p></p><p>- أهلا بيك يا بشمهندس أتفضل معايا</p><p></p><p>نهض عمرو شاكراً أياها وتوجه فى سرعة للخارج وكأنه يهرب من وحش نظراتها الملتهمة , دخل حجرة مكتبه بصحبة صلاح الذى قال :</p><p></p><p>- إن شاء **** الشغل ترتاح فى الشغل معانا يا بشمهندس</p><p></p><p>رفع الزملاء نظرهم إلى القادم الجديد فأشار صلاح إليه قائلاً:</p><p></p><p>- البشمهندس عمرو هيبقى معاكوا فى المكتب من النهاردة</p><p></p><p>ثم قام بتعريفهم لديه قائلا:</p><p></p><p>- البشمهندس أحمد.. البشمهندس نادر</p><p></p><p>صافح عمرو زملاءه فى ترحاب شديد, شعر به مع أحمد وبعكسه تجاه نادر الذى صافحه ببرود وهو يبسم له بتهكم , لم يوله عمرو اهتمام وجلس خلف مكتبه وهو ينظر له وللكمبيوتر الخاص به بنشوة وسعادة ..كانت هذه هى المرة الأولى التى يشاهد فيها الكمبيوتر خارج أسوار الجامعة فهو لم يكن قد انتشر فى هذا الوقت ليصل للجميع بعد.</p><p></p><p>****</p><p></p><p></p><p></p><p>ذهب فارس لصلاة الجمعة فى المسجد الذى اعتاد ارتياده والصلاة فيه وكان فى داخله يتمنى لقاء الشيخ بلال ليتكلم معه ويحكى له ما يجيش بصدره لعله يجد لديه الراحة التى يتلمسها فى كلماته دائماً , وبالفعل عقب انتهاء الصلاة قام يبحث عنه ووجده فى ركن من المسجد يتحدث إلى بعض الشباب ويتمازح معهم بود ويهاديهم ببعض أعواد الأراك وزجاجات المسك الصغيرة التى يحملها دائماً فى جيبه والتى تبعث له دائماً رائحة محببة لكل من يقف بجواره أو يمر بجانبه , وقف ينتظره حتى انتهى من حديثه معهم وعندما لمحه بلال ابتسم وأقبل عليه فرحاً وصافحه بحرارة قائلاً:</p><p></p><p>- واحشنى و**** يا فارس.. أيه يابنى مبقناش نشوفك ليه</p><p></p><p>ودون أن يدرى انسابت عبراته بهدوء وقال بصوت خفيض :</p><p></p><p>- أنا محتاجك أوى يا بلال</p><p></p><p>جلسا إلى أحد أركان المسجد وقال بلال وقد هاله رؤية فارس وعبراته ويستمع إلى صوت آلمه وأحزانه ويأسه وأطرق برأسه أسفاً وهو يسمع منه تجاوزاته التى كانت تحدث بينه وبين خطيبته دنيا ومخالفته لوعده معه من قبل , ظل يستمع إليه فى أنصات شديد حتى انتهى , كان فارس يظن أن بلال سيجيبه ببعض المواساة وربما بعض التقريع أيضا ولكنه وجده يبتسم قائلاً:</p><p></p><p>- أنا هحكيلك حكاية يا فارس عاوزك تسمعها بقلبك قبل ودنك ..أتفقنا</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه و بدأ بلال فى سرد حكاية عن أحد التابعين قائلاً:</p><p></p><p>- رجل يُدعى أبا نصر الصياد ، يعيش مع زوجته وابنه في فقر شديد - مشى في الطريق ذات يوم مهموما مغموما ً، يسأل **** تعإلى الفرج والرزق الحلال فزوجته وابنه يتضوران جوعاً .</p><p>مر على شيخه أحمد بن مسكين' يقول له أنا متعب يا سيدي ..</p><p>وقرأ التابعي في وجه تلميذه ما يعانيه ، فقال له اتبعني إلى البحر</p><p></p><p>فانطلقا إليه، وقال له الشيخ – راغباً في لجوء مريده إلى <strong>** تعإلى : " صلّ ركعتين على نية التيسير" واسأل تعإلى الرزق الحلال الطيب ...فصلى ، ثم قال له : "سم " ، - فكل شيئ بأمر **</strong> .. فقالها . .. ثم رمى الشبكة ، فخرجت بسمكة عظيمة . ... قال له "بعها واشتر بثمنها طعاماً لأهلك ".</p><p>فانطلق إلى السوق يبيعها ، واشترى فطيرتين إحداهما باللحم والأخرى بالحلوى وقرر أن يعود إلى الشيخ فيقدم إحداهما له اعترافاً بصنيعه . ..</p><p>رد الشيخ الفطيرة قائلاً : هي لك ولعيالك ، ثم أردف : " لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة "</p><p></p><p>وفي الطريق إلى بيته قابل امرأة تبكي من الجوع ومعها طفلها، فنظرا إلى الفطيرتين في يده</p><p>وقال في نفسه هذه المرأة وابنها مثل زوجتي وابني يتضوران جوعاً فماذا افعل ؟</p><p>ونظر إلى عيني المرأة فلم يحتمل رؤية الدموع فيهما، فقدمهما لها قائلاً:</p><p>- الفطيرتان لكما ..</p><p>ظهر الفرح والسرور على محياها ، وسعد ابنها سعادة رقصت لها أسارير وجهه..</p><p>وعاد أبو نصر يفكر بولده وزوجته .</p><p></p><p>ما إن سار حتى سمع رجلاً ينادي من يدل على أبي نصر الصياد؟</p><p>فدله الناس على الرجل.. فقال له إن أباك كان قد أقرضني مالاً منذ عشرين سنة ثم مات ، خذ يا بني هذه الثلاثين ألف درهم فهو مال أبيك .</p><p></p><p>يقول أبو نصر الصياد</p><p>وتحولت غنياً بإذن <strong>** تعإلى وكثر مالي ، و ملكت البيوت وفاضت تجارتي ، وصرت أتصدق بالألف درهم في المرة الواحدة في شكر**</strong> تعإلى ..</p><p>ومرت الأيام ، وأنا أكثر من الصدقات حتى أعجبتني نفسي!!</p><p></p><p>وفي ليلة من الليالي رأيت في المنام أن الميزان قد وضع ونادى مناد : أبا نصر الصياد هلم لوزن حسناتك وسيئاتك ، فوضعت حسناتي ووضعت سيئاتي، فرجحت السيئات ..</p><p>فقلت أين الأموال التي تصدقت بها ؟ فوضعت الأموال، فإذا تحت كل ألف درهم شهوة نفس أو إعجاب بصنيع كأنه لفافة من القطن لا تساوي شيئاً، ورجحت السيئات</p><p>وبكيَت .. بكيت حتى كادت نفسي تذهب وأحشائي تتقطع . وقلت ما النجاة ؟</p><p>وسمعت المنادي يقول : هل بقى له من شيء ؟</p><p>فأسمع الملك يقول: نعم بقيت له رقاقتان ...</p><p>وتوضع الرقاقتان (الفطيرتان) في كفة الحسنات ، فتهبط كفة الحسنات حتى تساوت مع كفة السيئات.</p><p>فبقيت خائفاً .. وأسمع المنادي مرة أخرى يقول: هل بقى له من شيء؟ فأسمع الملك يقول: بقى له شيء</p><p>قلت: ما هو؟ ...</p><p>قيل له: دموع المرأة حين أعطيتها الرقاقتين .</p><p>فوزنت الدموع، فإذا بها كالحجر الصقيل وزناً .فثقلت كفة الحسنات، ففرحت فرحاً شديداً ..</p><p>وأسمع المنادي كرة أخرى يقول: هل بقى له من شيء؟</p><p>فقيل: نعم ابتسامة الطفل الصغير حين أعطيَت أمُه الرقاقتان ...</p><p>وترجح كفة الحسنات...و ترجح ...وترجح..</p><p>وأسمع المنادي يقول: لقد نجا ... لقد نجا</p><p>فاستيقظت من النوم فزعا أقول ما قاله لي أحمد بن مسكين حين رد إليّ إحدى الفطيرتين : لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة .</p><p></p><p>أنهى بلال حكايته قائلاً:</p><p></p><p>- فهمت اللى عاوز اقوله يا فارس</p><p></p><p>كان فارس يستمع وهو يشعر بالفهم يغزو قلبه , وكلما سمع وانصت كلما شعر بالرضا, وفهم مالم يفهم من قبل وقال:</p><p></p><p>- فهمت يا بلال.. أنا كنت عايش علشان نفسى وأحلامى وبس .. وعلشان كده خدت على قد ما قدمت.</p><p></p><p>***</p><p></p><p></p><p></p><p>الفصل الثامن</p><p></p><p></p><p></p><p>عاد فارس أدراجه إلى منزله وهو شارداً فى كلام صديقه بلال وأخذ يسمعه يصدح فى عقله ويتردد صداه بداخله مرات ومرات " <strong>** بيحبك انه ابتلاك فى الدنيا علشان يفوقك وترجعله.. أحسن ما كان الحساب يجمع فى الآخرة .. وانا مش هتكلم كتير.. أنا هقولك حديث النبى صلى **</strong> عليه وسلم " و إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"</p><p></p><p>عاد من شروده إلى أرض الواقع دفعة واحدة عندما اصطدم بمهرة التى كانت تعبر بوابة بنايتهم وهى تبكى بشدة وتفرك عينيها , حاول أن يحدثها ولكنها أسرعت للداخل فى غضب , لحق بها ووقف يسد الطريق أمامها وقال بأسف حقيقى:</p><p></p><p>- متزعليش بقى خلى قلبك ابيض.. ده احنا اصحاب من زمان يعنى</p><p></p><p>صاحت وهى تبكى:</p><p></p><p>- برضة مخصماك ومش هكلمك .. وانا قلبى مش بيضا</p><p></p><p>ضحك وهو يقول:</p><p></p><p>- لاء انتِ قلبك بيضا انا عارف</p><p></p><p>جلس على أول درجة من السلم ليمنعها من العبور واستند برأسه على قبضته وقال بحزن:</p><p></p><p>- ولو مصلحتنيش هفضل زعلان على طول</p><p></p><p>نظرت له نظرة جانبيه وهى تقاوم تعاطفها معه إلى ان استسلمت فى النهاية قائلة بضجر :</p><p></p><p>- خلاص متزعلش</p><p></p><p>ضحك براحة ثم قال مستدركاً:</p><p></p><p>- قوليلى بقى كنتِ بتعيطى ليه؟!</p><p></p><p>مطت شفتاها وهى تقول بحزن:</p><p></p><p>- كنت رايحة ألعب مع البنات فى الشارع اللى ورانا بس مرضيوش يلعبونى وقالولى انتِ أوزعة وصغيرة .. قعدت احلفلهم انى عندى 11سنة بس محدش صدقنى</p><p></p><p>ونظرت إليه وقد اغرورقت عيناها بالدموع وهى تقول:</p><p></p><p>- مش بحب حد يقول عليا كدابة</p><p></p><p>حركت دموعها وطريقة بكاؤها أشجانه وقال فى عطف مغلف بالحسم:</p><p></p><p>- متروحيش تلعبى معاهم تانى ولما حد يضايقك متعيطيش أبدا خليكى قوية .. اللى مش مصدقك عنه ما صدقك</p><p></p><p>أنهمرت دموعها وهى تستمع إليه ثم قالت:</p><p></p><p>- وانا ذنبى ايه انى شكلى أصغر منهم ..حتى صحابى فى المدرسة بيضحكوا عليا</p><p></p><p>لا يعلم فارس لماذا ذكرته بنفسه وبحاله , تذكر كلماته مع الدكتور حمدى وهو يقول له " طب وانا ذنبى أيه انى ساكن فى مكان زى ده و ماليش واسطة " , شعر أنه لابد أن يعلمها درساً , لا بل يريد أن يلقن نفسه هذا الدرس أولاً , نظر لها بجدية وقال:</p><p></p><p>- شوفى يا مهرة.. أنتِ أه شكلك اصغر من سنك .. لكن انتِ ذكية جدا وكل الناس بتحبك .. وتقدرى تتفوقى وتبقى أشطر منهم كلهم .. ولما تكبرى هتبقى أحسن منهم كلهم إن شاء **** لما تتفوقى عليهم بعقلك مش بشكلك ولابجسمك .. ذاكرى وابذلى مجهود كبير وخلى المدرسين يعجبوا بيكى وبشطارتك ويحبوكى ..هتلاقى صحابك فى المدرسة هما اللى عاوزين يصاحبوكى ويلعبوا معاكى ويذاكروا معاكى كمان علشان يتعلموا منك.. أنتِ تقدرى تغيرى مستقبلك بعقلك ومجهودك مش بطولك ولا بشكلك.</p><p></p><p>نظر فى عينيها التى كانت تنظر له باهتمام وأنصات وتحاول استيعاب كلماته وقال:</p><p></p><p>- فهمتينى يا مهرة</p><p></p><p>حركت رأسها موافقةً ببراءه وهى تقول:</p><p></p><p>- فهمت</p><p></p><p>شعر بأنتشاء شديد يغزو كل كيانه وكأنه رسم صورة ذهنية لعقله ووضع فيها كل ما يحب أن يضع, كل فى مكانه تماماً , سيأخذ بالأسباب ويجتهد , وفى نفس الوقت ستكون الآخرة هى غايته وليس الدنيا كما كان يفعل من قبل , لن يجعل أحلامه تطغى على كل شىء وكل شخص حوله كما كان يفعل سابقاً .</p><p></p><p>***</p><p></p><p></p><p></p><p>جلست عبير بجوار أختها عزة وهى تتفحصها قائلة:</p><p></p><p>- يعنى مردتيش يا عزة على كلام ماما</p><p></p><p>نظرت لها عزة فى توتر وهى تقول :</p><p></p><p>- أقول أيه بس يا عبير .. أصلا بابا مش هيوافق</p><p></p><p>تدخلت والدتها قائلة:</p><p></p><p>- أختك بتسألك على رأيك مش على رأى ابوكى</p><p></p><p>فركت عزة كفيها فى توتر شديد وقالت بتلعثم:</p><p></p><p>- أنا أصلى اتفاجأت ومحتاجة وقت افكر يا ماما</p><p></p><p>أرتسمت علامات الغضب على وجه والدتها وهى تهتف بها:</p><p></p><p>- تفكرى فى أيه.. هو عمرو غريب عاوزه تعرفى أخلاقه ؟ ولا مش عارفين أهله !</p><p></p><p>أنكمشت عزة من ردة فعل والدتها الغاضبة وأحمر وجهها ولاذت بالصمت فنهضت عبير وهى تقول لوالدتها:</p><p></p><p>- معلش يا ماما سيبيها دلوقتى .. من حقها تفكر برضة</p><p></p><p>نهضت والدتهما فى تبرم وهى تتمتم:</p><p></p><p>- بنات آخر زمن</p><p></p><p>أغلقت عبير باب غرفتهم واقتربت من أختها وجلست بجوارها وهى تضع ذراعها على كتفيها وقالت بحب:</p><p></p><p>- أنا حاسة بيكى يا عزة.. متفتكريش ان محدش حاسس بيكى</p><p></p><p>تسللت دمعة خارج مقلتيها معلنة عن قلق وخوف واضح وهى تقول بخفوت:</p><p></p><p>- لا يا عبير مش اللى فى دماغك سبب ترددى</p><p></p><p>أبتسمت عبير وهى تمسح عبرتها بأناملها وقالت بحنان:</p><p></p><p>- مش مهم أيه السبب.. المهم اننا نعرف رأيك فى عمرو.. طيب انتِ حاسة بقبول ناحيته ؟</p><p></p><p>أبتعلت ريقها بصعوبة وقالت:</p><p></p><p>- عادى يا عبير مش حاسة برفض ولا بقبول عادى .. أنا أصلا طول عمرى بتعامل مع عمرو على أنه اخويا مش أكتر</p><p></p><p>أبتسمت عبير وهى تقول :</p><p></p><p>- طب أيه رأيك لو بابا وافق تدى لنفسك فرصة وتبدأى تعامليه بطريقة مختلفة</p><p></p><p>ثم ضحكت وهى تتذكره وقالت:</p><p></p><p>- وبصراحة الطريقة المجنونة اللى طلبك بيها تخلينى متأكدة أنه هيقدر يخليكى تحبيه .. أديله و ادى لنفسك فرصة</p><p></p><p>لوحت عزة بيدها متبرمة وهى تقول:</p><p></p><p>- بتكلمى كأن بابا وافق خلاص</p><p></p><p>شعرت عبير بمزيج مختلط من المشاعر وهى تقول :</p><p></p><p>- ملكيش دعوة بـ بابا .. بابا كان دايما يشكر فى عمرو وهو لو رفض يبقى مفيش غير سبب واحد وانا ان شاء **** كفيلة انى اقنعه</p><p></p><p>ثم نظرت لعينيها بعمق وهى تقول:</p><p></p><p>- أخلصى بقى من المشاعر السلبية اللى كابسة على نفسك دى.. واللى مخلياكى مش عارفة راسك من رجلك ومأجله حياتك كلها بسببها.. وصدقينى مفيش حاجة هتخرجك من الدوامة دى غير عمرو ..انا متأكدة</p><p></p><p>رفعت عزة كتفيها وهى تنظر لعبير بدهشة قائلة:</p><p></p><p>- ومالك متأكدة كده ليه</p><p></p><p>ضحكت عبير وقالت:</p><p></p><p>- منا لسه قايلالك.. مجنون وبيحبك وزى ما ماما قالت كده عنده استعداد يفضل يلف ورا بابا لحد ما يقنعه .. يعنى مُصر عليكى يعنى من الآخر كده رخم وهتحبيه يعنى هتحبيه .</p><p></p><p>****</p><p></p><p>خرج باسم من حجرة مكتبه وقال موجهاً حديثه لـ دنيا:</p><p></p><p>- تعالى شوية يا أستاذة دنيا لو سمحتى</p><p></p><p>نهضت دنيا وهى تحاول أن لا تصطدم بنظرات فارس المحذرة وتوجهت إلى حجرة مكتبه ولكنها لم تنسى تنبيهات فارس لها سابقاً بأن تترك الباب مفتوحاً , جلست أمامه بتساؤل وكانت تتوقع بحكم عمله كمسؤول عن ملفات القضايا فى المكتب أن يكون الحديث حول ذلك ولكنها وجدته ينظر لها مبتسماً وهو يقول:</p><p></p><p>- أنا هفتح مكتب خاص بيا</p><p></p><p>تعجبت للحظات وهى تنظر إليه بدهشة , فما شأنها بذلك , ثم قالت بتباطؤ:</p><p></p><p>- مبروك يا أستاذ باسم .. بس انا أيه دخلى فى الموضوع</p><p></p><p>أتسعت ابتسامته أكثر وهو يتفحصها بجرأة ويقول:</p><p></p><p>- أنا عاوزك تيجى تشتغلى معايا</p><p></p><p>باغتها بطلبه فارتبكت وصمتت برهة لتفكر فى الأمر فقطع شرودها قائلاً:</p><p></p><p>- هو انتِ مرتبك هنا كام؟</p><p></p><p>علت دهشتها وقالت بسرعة:</p><p></p><p>- حضرتك أكيد عارف</p><p></p><p>فأومأ برأسه وقال بثقة:</p><p></p><p>- مرتبك عندى هيبقى ضعف مرتبك هنا 3 مرات..ها قولتى أيه</p><p></p><p>ثم استدرك قائلا :</p><p></p><p>- بس ده فى الأول .. لكن بعد ما تاخدى خبرة .. ممكن يبقى ليكى نسبة فى القضايا وانتِ وشطارتك</p><p></p><p>أدارت عبارته رأسها وتسائلت:</p><p></p><p>- وحضرتك اخترتنى أنا ليه بالذات</p><p></p><p>قال بجرأة وصراحة:</p><p></p><p>- عجبتينى</p><p></p><p>قالت دنيا باستنكار:</p><p></p><p>- عجبتك يعنى أيه</p><p></p><p>رمم عبارته المتصدعة وحاول أن يجعلها أكثر تهذيباً وقال:</p><p></p><p>- قصدى يعنى بيعجبنى طموحك العالى .. و اللى هيموت فى المكتب ده وبالمرتب اللى بتقبضيه هنا</p><p></p><p>صمتت وهى تنظر أمامها بشرود , تفكر فيما يقول , فقال مؤكدًا :</p><p></p><p>- معايا ممكن فى يوم من الأيام تحطى يافطة بأسمك جنب يافطتى.. ويبقى ليكى مكتب خاص تستقبلى فيه زباينك .. موافقة؟</p><p></p><p>نهضت واجمة وهى تقول ببطء:</p><p></p><p>- أدينى فرصة افكر</p><p></p><p>فقال موافقاً:</p><p></p><p>- فكرى براحتك ..عموما انا لسه قدامى مش أقل من شهرين تلاتة علشان انقل شغلى هناك</p><p></p><p>***</p><p></p><p>وقفت بجواره لتستقل سيارة أجرة كما تفعل دائما, لا يرحل قبل أن يطمئن عليها , وضع بعض الحدود بينهما فى التعامل فى حدود علاقة الخطبة التى تربط بينهما ولكنه لم يستطع الأنتظار أكثر من هذا , أنها لم تجبه ولم تعطى قرارها حتى هذه اللحظة , ألتفت إليها قائلا بجدية:</p><p></p><p>- مردتيش عليا لحد دلوقتى فى موضوع كتب الكتاب</p><p></p><p>زفرت بضيق قائلة:</p><p></p><p>- أنا مش عارفة أنت مستعجل كده ليه.. أنا وافقت على كل كلامك اللى قلته.. مبقناش نتكلم ولا نتقابل حتى النظرة مبقتش تبصهالى وانا كل ده متكلمتش ووافقتك... أيه المطلوب مني تانى</p><p></p><p>شعر بكلماتها تقطر حنقاً وضيقاً من هذا الوضع فقال مؤكداً:</p><p></p><p>- ماهو علشان كده أنا مستعجل على كتب الكتاب</p><p></p><p>نظرت فى ساعة يدها تستعجل الوقت وهى تقول :</p><p></p><p>- مش هينفع يا فارس كتب كتاب دلوقتى خالص .. نستنى شوية لما ظروفنا تتحسن.. وكمان فاضلك شهرين تقريبا وتخلص الدبلومة وتبدأ فى الماجستير.. ركز بقى وحاول تخلصها بدرى ولما تخلصها يا سيدى نبقى نشوف هنعمل ايه.. أنا مش عارفة انت قلقان ليه كده !</p><p></p><p>***</p><p></p><p>أنكمشت فى فراشها كما تفعل دائما عندما تواجهها مشكلة ما , وظلت عبارات باسم تتردد فى أذنيها :</p><p></p><p>- مرتب 3 أضعاف .. وفى المستقبل يافطة جنب يافطتى.. نسبة من القضايا</p><p></p><p>ظلت تقارن هذا الوضع بتلك الذى ينتظرها فى مكتب الأستاذ حمدى مهران , إلى متى ستظل هكذا تجد وتعمل فى أرهاق وتعب والمقابل ضعيف , ولم لا تغير حظها بيدها فى مكان آخر بمقابل افضل.</p><p></p><p>ولكن ترمومتر فطرتها الأنثوية مازال يعمل , أنبأها بأن باسم لم يريدها إلا لرغبة فى نفسه وأن الأسباب التى قالها تنطق بالكذب , هل تستطيع أن تحسم أمرها وتعمل معه ولكن تنتبه لنفسها وتحسب ألف حساب لكل كلمة وكل حركة وكل ردة فعل ؟ ..أم تبقى كما هى, حتى لو وافقت هل سيوافق فارس . بالطبع لا , سيرفض أيما رفض وسيتمسك برأيه , بل ومن الممكن أن يخيرها بينه وبين العمل مع باسم, وظلت تسأل نفسها فى تردد وقلق , لا بد من حل ما يرضى جميع الأطراف ولكن أين هو؟</p><p></p><p></p><p></p><p>****</p><p></p><p>خرج والد عزة من المسجد الصغير بعد انتهاء **** العشاء وهو يبحث بعينيه عن حذاءه بين كومة الأحذية أمام المسجد حتى وجده أخيراً , أنحنى ليلتقطه ولكنه فوجىْ بمن يسبقه إليه ويناوله أياه بابتسامة ودودة فابتسم شاكراً وهو يقول:</p><p></p><p>- متشكر أوى يا عمرو يابنى</p><p></p><p>أتسعت ابتسامة عمرو وهو يقول:</p><p></p><p>- العفو يا عمى.. أستنى حضرتك أجيب الجزمة بتاعى ونروح سوا</p><p></p><p>وظل يتلفت حوله وهو يقول بتمثيل مكشوف:</p><p></p><p>- ياترى راحت فين .. مع أنى لما باجى أصلى هنا كل يوم بحطها فى نفس المكان</p><p></p><p>تبسم والد عزة وهو يشير لقدم عمرو قائلاً:</p><p></p><p>- ما انت لبسها أهى يابنى</p><p></p><p>نظر عمرو إلى قدميه بصدمة واضحة وهو يقول:</p><p></p><p>- أيه ده مش معقول .. لبستنى أمتى دى</p><p></p><p>ضحك والد عزة وهو يقول:</p><p></p><p>- طب لو ماشى يالا أنا مستعجل</p><p></p><p>سار عمرو بجوار والد عزة بمنتهى الأدب والتواضع وهو يتصنع الوقار قائلاً:</p><p></p><p>- بس انا دايما باجى اصلى هنا هو حضرتك مبتجيش بانتظام ولا ايه</p><p></p><p>ضحك الرجل مرة أخرى فـ محاولاته مكشوفة دائما وقال:</p><p></p><p>- معلش بقى يمكن مش بنتقابل من الزحمة ولا حاجة</p><p></p><p>سارا بعض خطوات فى سكون غير مناسب لشخصية عمرو ولذلك لم يحتمل كثيراً وقال بشغفه المعهود:</p><p></p><p>- حضرتك مردتش عليا يا عمى فى موضوع الآنسه عزة</p><p></p><p>وقف والد عزة ونظر إليه بملامح جامدة وقال:</p><p></p><p>- لا.. رديت عليك وقولتلك **** ييسر الأمر لما نشوف اختها الأول</p><p></p><p>قال عمرو بضيق:</p><p></p><p>- ياعمى طب انا كده مفهمتش حاجة ..أنا كده متعلق</p><p></p><p>تابع والدها بنفس ملامحه الجامدة:</p><p></p><p>- عاوزنى اكسر قلب بنتى الكبيرة ؟</p><p></p><p>قال عمرو بتبرم واضح:</p><p></p><p>- لا يا عمى اكسر قلبى انا براحتك</p><p></p><p>مشي بجواره حتى وصل إلى منزله وهم بالصعود ولكن عمرو لم يتركه , لا يزال يلح باستماتة ووالدها يؤجل باستماتة ايضاً وأخيراً قال :</p><p></p><p>- طيب يابنى **** يعمل اللى فيه الخير..سبنى أطلع بقى</p><p></p><p>أوقفه عمرو مرة أخرى وهو لا يعلم ماذا يقول , كان يأمل فى أن يقنعه بالموافقة ولكن محاولاته جميعاً باءت بالفشل الذريع , قاطع شروده صوت والد عزة وهو يقول بضيق:</p><p></p><p>- هتفضل وافقلى كده على السلالم</p><p></p><p>أبتسم عمرو ابتسامة مصطنعة وهو يقول :</p><p></p><p>- طب استنى حضرتك بس عاوز اقولك على حاجة وبعدين اطلع</p><p></p><p>عقد الرجل ساعديه أمام صدره بضيق وقال بغضب :</p><p></p><p>- أتفضل يا سيدى ...قول</p><p></p><p>رسم عمرو ملامح الجدية على وجهه وقال باهتمام:</p><p></p><p>- كان فى مرة فى بلد أوروبى أقلية *****.. وكانوا بيصلوا العصر فى المسجد</p><p></p><p>بعد ما خلصوا **** .. دخل عليهم واحد ماسك سكينة كبيرة وقال:</p><p></p><p>- مين فيكم هنا ****؟</p><p></p><p>الناس بصت للسكينة اللى مع الراجل ومحدش اتجرأ ينطق إلا واحد بس هو اللى اتشجع وقال :</p><p></p><p>- أنا ****</p><p></p><p>فالراجل أخده بره المسجد بعيد شوية عن الناس وقاله انا **** فى السر ومحدش يعرف وجبت خروف وعاوز أدبحه على الطريقة الأسلامية .. بتعرف تدبح وتسلخ؟</p><p></p><p>فالراجل قاله :</p><p></p><p>- أنا بعرف ادبح لكن مبعرفش اسلخ .. روح شوف حد تانى بيعرف يسلخ</p><p></p><p>بعد ما دبحوا الخروف الراجل رجع للمسجد تانى وكان ماسك السكينة وفيها ددمم الخروف وقال للناس:</p><p></p><p>- مين فيكم **** تانى</p><p></p><p>الناس كلها بصت للسكينة اللى فى أيده واترعبوا ومحدش نطق لكن شاوروا على الأمام اللى كان بيصلى بيهم وقالوا:</p><p></p><p>- ده ****</p><p></p><p>فالأمام اتخض وقالهم برعب:</p><p></p><p>- فى أيه ..هو علشان صليت بيكم ركعتين خلاص بقيت **** ؟!!</p><p></p><p>أنفجر والد عزة ضاحكاً وبعد أن هدأت ضحكاته , باغته عمرو مرة أخرى قائلاً بلهفة :</p><p></p><p>- ها يا عمى وافقت على الجواز !!</p><p></p><p></p><p></p><p></p><p></p><p>****</p><p></p><p></p><p></p><p>الفصل التاسع</p><p></p><p></p><p></p><p>صعد والد عزة إلى شقته أخيراً والأبتسامة تعلو شفتيه على أثر دعابة عمرو التى ألقاها عليه منذ قليل , جلس بين زوجته وبناته أمام التلفاز وهو يضرب كفاً بكف ويقول :</p><p></p><p>- أما و**** حاجة عجيبة</p><p></p><p>نظرت له زوجته باهتمام وابتسمت هى الأخرى لرؤيتها ابتسامته وقالت:</p><p></p><p>- هو أيه اللى عجيب؟</p><p></p><p>ألتفت إليها بابتسامتة وهو يستند بساعديه إلى حواف مقعده ويقول:</p><p></p><p>- البشمنهدس عمرو يا ستى.. بقاله كام يوم مش سايبنى فى حالى وعمال يلف ورايا زى النحلة</p><p></p><p>حانت منه ألتفاتة إلى عزة التى أشاحت بوجهها سريعاً ونهضت قائلة:</p><p></p><p>- طب انا هدخل انام بقى تصبحوا على خير</p><p></p><p>أقتربت عبير من والدها على المقعد المجاور له وهى تتسائل:</p><p></p><p>- هو كلمك تانى يا بابا؟</p><p></p><p>هم أن يجيبها ولكن والدتها قاطعته قائلة:</p><p></p><p>- قالك اشتغل ولا لسه يا ابو عبير</p><p></p><p>أشاح بوجهه عن زوجته ونظر إلى عبير مرة أخرة وقال:</p><p></p><p>- يشتغل ولا ميشتغلش دى حاجة تخصه هو.. وانا مالى</p><p></p><p>ثم نهض واقفاً وتوجه نحو غرفته, تبعته عبير بنظرها حتى دخل غرفته وأغلق بابها خلفه فنهضت واقفةً وهى تقول لوالدتها:</p><p></p><p>- ماما انا هدخل اتكلم مع بابا شوية .. مينفعش اسكت اكتر من كده !</p><p></p><p>وقفت عبير أمام غرفة والدها وطرقت الباب بخفة و عندما جاءها صوته يأذن بالدخول دلفت على الفور فوجدته يجلس على الأريكة بجوار النافذة ويقرأ بمصحفه قليلاً قبل النوم كما هى عادته دائماً , نظر لها مبتسماً بحنان وهو يقول:</p><p></p><p>- تعالى يا عبير</p><p></p><p>جلست بجواره على الأريكة وقالت برجاء:</p><p></p><p>- بابا أرجوك توافق على خطوبة عمرو وعزة</p><p></p><p>صمت برهة وقال بضيق:</p><p></p><p>- مين اللى قالك تيجى تقوليلى كده.. أمك ؟</p><p></p><p>أبتلعت ريقها وقالت بوجل:</p><p></p><p>- بابا ..أنا عارفة حضرتك بتأجل الموضوع ده ليه .. وصدقنى يا بابا انا الحكاية دى متفرقش معايا خالص .. بالعكس و**** .. أنا اتمنى ان عزة تتخطب النهاردة قبل بكره</p><p></p><p>وخفضت نظرها وقالت بخفوت:</p><p></p><p>- لو سمحت يا بابا متخالنيش احس انى واقفة قدام سعادة اختى ومستقبلها</p><p></p><p>هتف مستنكراً:</p><p></p><p>- ايه اللى بتقوليه ده يابنتى .. وانتِ عرفتى منين ان سعادتها فى الجوازه دى</p><p></p><p>أبتسمت بمرارة وهى تقول:</p><p></p><p>- يا بابا حضرتك طول عمرك بتشكر فى عمرو .. وزى ما حضرتك قلت من شوية انه عمال يلف زى النحلة وبيزن عليك .. ليه بقى اكون انا السبب انى اضيع على اختى واحد بيحبها وكمان عارفين أخلاقه وأهله وكل حاجة عنه ؟</p><p></p><p>تذوقت مرارة ابتسامتها لأول مرة وشعرت بها تغص حلقها فابتلعتها برضى وهى تقول:</p><p></p><p>- الحمد *** يا بابا انا عارفة ان كل شىء نصيب وانا هيجيلى نصيبى لحد عندى سواء دلوقتى ولا بعدين.. لكن انا عمرى ما هبقى سعيدة ابدًا وانا رابطة اختى جنبى كده وهى ذنبها ايه طيب</p><p></p><p>نظر لها والدها بمشاعر مختلطة بين الفخر والحزن وهو يقول:</p><p></p><p>- ونعم العقل والإيمان يا بنتى.. أنا كنت بقول لامك عبير قاعدة طول النهار تسمع فى شرايط وداخلة وخارجة تحضر دروس فى المسجد ومكنش عاجبنى .. مكنتش اعرف انك بتستفيدى بيها بالشكل ده .. **** يرضى عنك يابنتى</p><p></p><p>لمعت دموع الفرح فى عينيها وهى تقول بلهفة:</p><p></p><p>- يعنى حضرتك وافقت يا بابا</p><p></p><p>أبتسم وهو يربط على ساعدها قائلا:</p><p></p><p>- وافقت</p><p></p><p>نهضت فى سعادة وهى تهتف بفرحة حقيقية:</p><p></p><p>- أنا هروح ابشر ماما</p><p></p><p></p><p></p><p>***</p><p></p><p>كانت عبير منحنية تزيل بعض آثار التراب فى غرفة الأستقبال فاعتدلت عندما سمعت نداءات والدتها المتتالية قائلة :</p><p></p><p>- خلاص يا ماما انا خلصت أهو</p><p></p><p>أقبلت والدتها مسرعة وهى تنهرهما قائلة:</p><p></p><p>- معقوله كده الناس زامنهم جايين ولسه مخلصتوش</p><p></p><p>ونظرت إلى عزة وقالت بعتاب ثم قالت وهى تدفعها للخارج:</p><p></p><p>- جهزى نفسك بسرعة خلاص زمانهم جايين</p><p></p><p>خرجت عزة وهى تتمتم ببعض الكلمات معترضة, بينما نظرت الأم إلى عبير وهى تجتهد فى أبراز جمال الغرفة باهتمام فاقتربت منها وقالت برفق:</p><p></p><p>- عقبال يومك يا عبير يا بنتى</p><p></p><p>أستدارت لها عبير وهى مبتسمة فوجدت نظرة مشفقة تطل من عيني والدتها , غاصت تلك النظرات فى قلب عبير حتى شعرت بأنها شجته نصفين , قاتلت حتى تستطيع رسم ابتسامة عذبة على شفتيها وقالت تداعبها:</p><p></p><p>- أيه بقى يا ست ماما انتِ عاوزه تخلصى مننا كلنا علشان الجو يخلالك انتِ وحبيب القلب ولا ايه</p><p></p><p>ضحكت أمها وقد تلاشت نظرة الحزن من عينيها وقالت :</p><p></p><p>- أنتِ بس لو تعقلى كده وتشيلى البتاع ده من على وشك وانتِ خارجة.. والعرسان تشوفك بدل ما انتِ مخبية نفسك كده محدش عارف انتِ حلوة ولا وحشة</p><p></p><p>قالت عبير بثقة وهدوء:</p><p></p><p>- يا ماما اللى هيجى يتقدملى علشان انا حلوة.. و اللى هيخاف يتقدملى احسن اكون وحشة.. الاتنين ميلزمونيش وقلتهم أحسن ومش طالباهم بصراحة</p><p></p><p>فقالت أمها وهى تدفعها هى الأخرى للخارج:</p><p></p><p>- طب يالا روحى شوفى اختك بتعمل ايه يا ام لسانين</p><p></p><p>تجهز البيت وتزين لاستقبال جيرانهم الأعزاء عمرو ووالده ووالدته, وبعد الترحيب والاستقبال الحار وعبارات الود والمحبة , جلس الجميع فى غرفة الأستقبال , ثم نهضت والدة عزة واقفةَ بابتسامة واسعة وتوجهت نحو غرفة الفتيات فوجدت عزة تكاد تبكى وهى تقول لعبير:</p><p></p><p>- مش عاوزه اخرج يا عبير.. طب خلى مامته هى اللى تيجى هنا</p><p></p><p>قاطعتهما والدتهما وهى تهتف بها بصوت خفيض:</p><p></p><p>- تيجى هنا فين يا بت انتِ</p><p></p><p>حاولت عبير دفع عزة تجاه والدتهما وهى تقول بتشجيع:</p><p></p><p>- يابنتى اطلعى أومال هتكلمى معاه ازاى .. مش انتِ اللى طلبتى تقعدى معاه الأول</p><p></p><p>أخذتها والدتها من يدها كالأطفال وخرجت بها وهى خافضة لرأسها إلى الارض خجلا من الموقف , وقفت والدة عمرو واحتضنتها وقبلتها بشدة وهى تضغط على ساعديها مرة وعلى ظهرها وكتفيها مرة أخرى مرحبة بها ومستكشفة لها عن قرب وأجلستها بجوارها , أبتسمت عزة بخجل وهى تجيب أسألتهم عن أحوالها بصوت خفيض مرتبك بينما كان عمرو مسلط نظره عليها يريد منها التفاتة واحدة فقط نحوه ولكنها لم تفعل, حتى عندما سألها عن أحوالها اجابت بصوت يكاد يكون مسموعاً , لاحظ ذلك والدها , أنها لم ترفع عينيها لعمرو قط فنهض وهو يقول موجهاَ حديثه لزوجته:</p><p></p><p>- هاتلنا بقى يا حجة العصير هنا .. وخدى الولاد بره فى الصالة يقعدوا يتكلموا مع بعض شوية</p><p></p><p>نهض عمرو من فوره فى سرعة وسعادة بينما وقفت عزة على مضض , جلست عزة على المقعد المواجه لغرفة الأستقبال حيث يقع عليها نظر والدها كما تم الأتفاق مسبقاَ معه وجلس عمرو على المقعد المجاور , ذهبت والدتها للمطبخ لأحضار العصائر التى كانت عبير قد أتمت أعدادها وأعطتها لوالدتها على الفور, خرجت من المطبخ ووضعت أكواب العصير أمام عزة وعمرو وعادت لغرفة الأستقبال مرة أخرى.</p><p></p><p>ظل عمرو يعصر ذهنه ليتذكر وصايا فارس له ولكنه لم يتذكر شىء على الأطلاق , فقرر أن يتصرف بنفسه , فألقى نظرة على غرفة الأستقبال ثم نظر إليها يتفحصها وقال بصوت تسمعه هى فقط:</p><p></p><p>- أزيك يا وزة</p><p></p><p>ألتفتت إليه باستنكار فشعر أنه ارتكب جرماَ فقال بتلعثم:</p><p></p><p>- قصدى أزيك يا أنسه عزة</p><p></p><p>خفضت نظرها مرة أخرى وهى تقول:</p><p></p><p>- الحمد *** كويسة</p><p></p><p>مسح عمرو شعره وقال بتردد:</p><p></p><p>- طيب انا سامعك لو فى حاجة عاوزه تسالينى فيها</p><p></p><p>ألقت عليه نظرة خاطفة أنهتها سريعاَ وقالت بجدية:</p><p></p><p>- أنا كنت عاوزه اعرف انت عاوز تجوزنى ليه.. واشمعنى انا يعنى ؟؟</p><p></p><p>باغتته بالسؤال , شعر بالارتباك وصمت قليلا وهو ينظر إليها , فقالت :</p><p></p><p>- أيه مش لاقى أجابة ولا محرج تجاوب</p><p></p><p>رفع حاجبيه بدهشة وقال:</p><p></p><p>- يعنى أيه محرج أجاوب</p><p></p><p>أرتسمت على جانبى شفتيها ابتسامة ساخرة صغيرة وهى تقول:</p><p></p><p>- يعنى محرج تقولى أنك زيك زى شباب كتير عاوز يتجوز وخلاص ومش فارق معاك انا بالذات يعنى .. علشان كده محرج تجاوب ...صح؟</p><p></p><p>زال الارتباك الذى كان قد شعر به كلياَ وشبك أصابع كفيه أمامه وهو يتكأ إلى ركبتيه وقال بثقة:</p><p></p><p>- لا مش صح</p><p></p><p>فقالت ببطء :</p><p></p><p>- أومال سكت ليه.. مكنتش محضر أجابة</p><p></p><p>هز رأسه نفياَ وقال بثقة أكبر:</p><p></p><p>- لاء مش علشان مكنتش محضر اجابة ..علشان خايف أجابتى تسببلك أحراج</p><p></p><p>رفعت كتفيها وأخفضتهما سريعاَ وهى تنظر إليه قائلة:</p><p></p><p>- لا عادى .. مفيش أحراج ولا حاجة</p><p></p><p>نظر فى عينيها بعمق وقال بهدوء:</p><p></p><p>- علشان بحبك</p><p></p><p>أحمرت وجنتيها تلقائياَ وخفضت عينيها فتابع حديثه:</p><p></p><p>- بحبك من زمان .. من زمان أوى .. من واحنا لسه فى الثانوية العامة.. بالتقريب كده من ساعة ما مشاعرى ابتدت تتحرك أساساَ واعرف الحب</p><p></p><p>كانت تستمع إليه فى ارتباك وخجل وتكاد تقطع شفتاها من كثرة الضغط عليها بدون وعى</p><p></p><p>فقال وهو مازال ينظر إليها ويتابعها حركاتها وسكناتها:</p><p></p><p>- عرفتى بقى مكنتش عاوز اجاوب ليه</p><p></p><p>لم تستطع أن تنتظر أكثر من هذا , كلماته ونظراته اخترقت خجلها وشعرت أنه يرى قلبها من خلف ضلوعها وهو ينبض بعنف ويتابع اندفاع دماء جسدها كله من خلف شراينها إلى وجهها ورأسها , لامت نفسها على السؤال الذى طرحته والذى كان السبب فيما قال</p><p></p><p>كانت تعرف أن عمرو جرىء ومندفع ولكن لم تكن تعلم انه من الممكن أن يقول ما قال بهذا الشكل المفاجىء والصريح لابعد الحدود , بل وكأنه كان يود أن تسأله هذا السؤال ليفصح عن مكنون قلبه ومشاعره تجاهها فنهضت وقد تحشرج صوتها وهى تقول:</p><p></p><p>- طب عن أذنك</p><p></p><p>ودخلت فى سرعة لغرفتها وهى ترى ما حولها باللون الاصفر, أو هكذا يبدو!, أستقبلتها عبير وهى تنظر لوجهها بدهشة قائلة:</p><p></p><p>- جيتى بسرعة كده ليه ..هو انتِ لحقتى تتكلمى معاه</p><p></p><p>وضعت عزة كفيها على وجنتيها تتحسس حرارتهما وهى تقول باستنكار:</p><p></p><p>- لو كنتِ سمعتى كلمة واحدة من اللى قالهالى كان زمانك قمتى من بدرى</p><p></p><p>أبتسمت عبير وقالت بشغف:</p><p></p><p>- قالك ايه</p><p></p><p>نظرت لها عزة بخجل وقالت بخفوت:</p><p></p><p>- سألته سؤال واحد بس وياريتنى مكنت سألت .. أحرجنى أوى يا عبير وقالى.. قالى بحبك من زمان</p><p></p><p>ضحكت عبير ثم وضعت كفها فوق فمها لتكتم ضحكتها وقالت:</p><p></p><p>- مش بقولك رخم</p><p></p><p></p><p></p><p>غادر عمرو وأسرته منزلهم ودخلت والدة عزة غرفة بناتها وجلست بجوارهما لتعرف رأى ابنتها ولكنها وجدتها مرتبكة ولم تحدد رأيها بعد , فقالت لها عبير:</p><p></p><p>- خلاص يا ماما احنا اتفقنا انها تستخير الأول وبعدين نشوف</p><p></p><p>نظرت عزة إلى والدتها وقالت برجاء:</p><p></p><p>- ماما انا عارفة انك انتِ وبابا متحمسين لعمرو وبتحبوه .. بس من فضلكم متضغطوش عليا وسبونى افكر على مهلى</p><p></p><p>قالت والدتها بدهشة :</p><p></p><p>- ومين قالك انى جايه اضغط عليكى..انا جاية اعرف رأيك بس مش أكتر.. عمرو لسه قدامه شوية على ما يجهز</p><p></p><p>نظرت لها عزة باستنكار وقالت بحنق:</p><p></p><p>- اومال لما هو مش مستعد دلوقتى مستعجل ليه.. وكان عمال يزن على بابا كل شوية</p><p></p><p>استندت والدتها إلى ظهر السرير ورفعت حاجبيها وهى تقول مداعبة:</p><p></p><p>- أصله خايف حد تانى ياخدك منه</p><p></p><p>ضحكت عبير من أسلوب والدتها وطريقة ألقائها للعبارة وشعرت عزة بالدماء تتصاعد لوجنتيها مرة أخرى , تباَ لهذا العمرو الذى يدفع الدماء إلى رأسها بين الحين والآخر بكلماته , سواء ألقاها هو بنفسه, أم أرسلها لها عن طريق غير مباشر.</p><p></p><p>***</p><p></p><p>أنطفأت الأنوار وخلد الجميع للنوم وقد سكنت العيون, ولكنها لم تستطع , النوم جافاها وعصتها عيناها فلم تستجب لها, ظلت مفتوحةَ طوال الليل , عبير , ولكن من هو الذى سيستنشق عبيرها المقيد بداخلها, ومتى سيخرج للنور, لماذا تعانين , ما هذه المرارة التى تشعرين بها , بل وتتذوقينها على شفتيكِ , لعلها مرارة الوحدة ؟ , نعم هى ذاك , الوحدة التى تشعر بها رغم كل البشر حولها والأهل والجيرة الطيبة ..ولكن..هى امرأة.. أنثى رغم كل شىء , بداخلها طاقة حب لا تعرف كيف توجهها وإلى من تمنحها , هى أنثى أتمت الثلاثون من عمرها ومازال فراشها بارداً خالياً , بل ومتجمد , ولو لم تكن أختها تشاركها نفس الغرفة لشعرت أنها ملقاة بالصحراء تكاد وحوش وحدتها تلتهمها وهى فريسة وحيدة , بلا مأوى , فاين هو المستقر الدافىء , نعم منتقبة ولكنها ليست متبلدة المشاعر , متجمدة الحس , ليست جماد , ولكن أيضاَ ترفض أن تكون ريشة بمهب الريح لتحركها الشهوات كيف تشاء, فتذهب مترنحة وتعود خاوية , فتتلمس ركعتين فى جوف الليل تناجى ربها , **** عجل لي الخلاص والمفر.</p><p></p><p>***</p><p></p><p></p><p>الفصل العاشر</p><p></p><p></p><p></p><p>كان باسم يعلم بميعاد خروج فارس من المكتب لذهابه لصلاة العشاء فى المسجد , أنتظر حتى تأكد من ذهابه ثم أرسل فى طلب حضور دنيا إلى حجرة مكتبه , حضرت إليه كما أراد فأشار لها بالجلوس أمامه وفاجأها قائلاً:</p><p></p><p>- كل سنة وانتِ طيبة يا دنيا .. مش عيد ميلادك النهاردة برضة؟</p><p></p><p>نظرت إليه بدهشة قائلة:</p><p></p><p>- وحضرتك طيب بس عرفت ازاى ان عيد ميلادى النهاردة</p><p></p><p>قال بثقة زائدة:</p><p></p><p>- اللى بيهتم بحد .. بيحب يعرف عنه كل حاجة</p><p></p><p>أخرج علبة متوسطة الحجم من درج مكتبه وقدمها لها قائلاً:</p><p></p><p>- أتفضلى هديتك</p><p></p><p>نظرت إلى العلبة مندهشة ولمعت عيناها من المفاجأة وقالت:</p><p></p><p>- أيه ده موبايل مرة واحدة</p><p></p><p>علت الأبتسامة شفتيه وهو يقول:</p><p></p><p>- ده أقل حاجة ممكن تتقدملك</p><p></p><p>قال عبارته هذه وهو يتفحصها بجرأته المعهودة , شعرت بالخجل من نظراته وقالت بارتباك :</p><p></p><p>- بس انا أسمع انه بيبقى مع رجال الأعمال بس علشان شغلهم يعنى ..أنا بقى هعمل بيه أيه</p><p></p><p>قال ببساطة:</p><p></p><p>- لا ده كان أول ما نزل مصر .. دلوقتى ابتدى ينتشر.. وبعدين يا ستى علشان لما أحب أطمن عليكى ..أصلك لسه مردتيش عليا فى موضوع الشغل وانا خلاص شهر وماشى من هنا وعاوز أعرف أكلمك وقت ما أحب</p><p></p><p>لم تكن كلماته تحمل معنى آخر , نظرت إلى العلبة بين يديها سعيدة بها وحائرة هل تقبلها أم لا , إنها هدية ليست بالبسيطة وفى نفس الوقت ماذا ستبرر ذلك لفارس .. وكأنه قرأ أفكارها التى ظهرت جلية فى عينيها وهى تنظر للعلبة فقال باصرار:</p><p></p><p>- أنا مش هتنازل عن أنك تقلبيها ..</p><p></p><p>ألتفتت إليه فقال:</p><p></p><p>- وبعدين يا ستى لو خايفة من الإحراج مش لازم تقولى أنى انا اللى ادتهولك</p><p></p><p>وكأنه أعطاها المخرج من تلك الورطة فابتسمت وهى تقول:</p><p></p><p>- متشكرة أوى يا أستاذ باسم على الهدية</p><p></p><p>مد يده ليصافحها قبل أن تخرج وضغط على كفها بين أصابعه برقة وقال:</p><p></p><p>- دى حاجة بسيطة بالنسبة للى جاى .. لو وافقتى تشتغلى معايا</p><p></p><p>خرجت دنيا من حجرة مكتب باسم مسرعة وهى تخشى أن يكون قد عاد من **** العشاء ولكنها استرخت وهى لا ترى فى الحجرة سوى نورا فقط , والتى كانت منكبة على عملها باهتمام, حشرت العلبة فى حقيبة يدها عنوة ووضعتها تحت مكتبها الخاص حتى لا تلفت الأنتباه بانتفاخها وواصلت عملها بنظرات زائغة وكأن شيئا لم يكن.</p><p></p><p>عاد فارس وحسن من **** العشاء وجلس كل منهما خلف مكتبهما ولكن نورا لم تنسى تحييه بابتسامة قائلة:</p><p></p><p>- تقبل ****</p><p></p><p>- منا ومنكم</p><p></p><p>نظر حسن إلى الجميع باهتمام وقال وكأنه سيدلى بمعلومة سرية:</p><p></p><p>- أنتوا عرفتوا يا جماعة أن الأستاذ باسم هيسيب الشغل هنا وهيفتح مكتب خاص بيه؟</p><p></p><p>قال فارس دون أن يرفع نظره إليه بلا مبالاة:</p><p></p><p>- أيوا عارفين</p><p></p><p>قالت نورا باهتمام :</p><p></p><p>- تفتكروا مين اللى هيمسك أدارة المكتب مكانه يا جماعة</p><p></p><p>أكمل حسن حديثه وكأنه لم يستمع إليها قائلا:</p><p></p><p>- طب عارفين انى هروح معاه</p><p></p><p>نظر له فارس باستنكار وقال:</p><p></p><p>- ليه يا حسن .. أنت هنا بتاخد خبرة أكبر وبتتعلم من الدكتور حمدى</p><p></p><p>قال حسن بتهكم وهو يشير إلى حجرة باسم:</p><p></p><p>- وهناك هاخد فلوس أكتر</p><p></p><p>ردت دنيا بحماس وكأنها قد وجدت من يعينها ويفكر مثلها:</p><p></p><p>- برافو عليك ده تفكير منطقى جدااا</p><p></p><p>ألتفت فارس وقال بضيق:</p><p></p><p>- تفكير منطقى ازاى يعنى ..الفلوس مش كل حاجة</p><p></p><p>أومأت نورا موافقة لكلامه وقالت:</p><p></p><p>- ده صحيح .. الخبرة وسمعة الدكتور حمدى أكبر من المرتب بكتير</p><p></p><p>ثم التفتت إلى حسن وهى تتابع حديثها:</p><p></p><p>- وبعدين يعنى الفرق مش هيبقى كبير</p><p></p><p>عقد حسن ذراعيه أمام صدره وقال مخالفا:</p><p></p><p>- ولو جنية واحد زيادة.. هيفرق معايا..وبعدين انتوا مش ملاحظين ان الشغل هنا ابتدى يقل ..</p><p></p><p>وأخفض صوته وهو يستطرد قائلا:</p><p></p><p>- والدكتور كمان مبقاش يجى كتير</p><p></p><p>قال فارس بانفعال:</p><p></p><p>- ده علشان الدكتور مبيقبلش قضايا المخدرات والقضايا المشكوك فيها.. يعنى على الأقل يا أخى ضامن ان مرتبك من فلوس حلال</p><p></p><p>أبتسم حسن بسخرية وهو يفتح ذراعيه قائلا:</p><p></p><p>- أهلا الشيخ فارس وصل</p><p></p><p>هب فارس واقفا بغضب وأشار له محذرا وقال:</p><p></p><p>- ألزم حدودك معايا يا حسن</p><p></p><p>وقفت نورا مسرعة وهى تقول منفعلة:</p><p></p><p>- أيه يا أساتذة صلوا على النبى كده واهدوا ..كده صوتنا هيوصل للدكتور</p><p></p><p>أسندت دنيا رأسها إلى كفيها وهى تنظر إليهم مشتتة أفكارها وهى تقول فى نفسها:</p><p></p><p>- أومال لو قلتله انى عاوزه اروح اشتغل معاه هيعمل فيا أيه</p><p></p><p>***</p><p></p><p>أوت إلى فراشها ليلاً وهى تمسك بالهاتف النقال فى يد, وبالكتالوج فى اليد الأخرى محاولةً فك طلاسم هذا الهاتف وهى تتمتم بسخرية من جهلها , وفجأة صدح رنينه بين يديها, تفاجأت وهى تنظر لأسم باسم تضىء به شاشة هاتفها وهمهمت قائلة:</p><p></p><p>- معقول.. مديهولى وهو مسجل اسمه عليه</p><p></p><p>ترددت لبرهة ثم قررت الرد فقال على الفور:</p><p></p><p>- ها التليفون عجبك</p><p></p><p></p><p></p><p>أستيقظ فارس قبل الفجر بساعة وهو يمد يده ويطفىء ساعته المنبهة التى تصدح يوميا فى مثل هذا الموعد معلنةً عن وقت **** القيام , تململ فارس فى فراشه وهو يشعر بأجهاد شديد وكأنه لم ينم إلا منذ لحظات قليلة ولكنه جاهد نفسه وهب واقفاً حتى لا يفكر فى العودة إلى النوم مرة أخرى ويغلبه كسله وأجهاده , توضأ وعاد إلى غرفته وجلس وهو ممسكأ بالمصحف يقرأ ورده الليلى , شرد بعقله قليلاً وهو يفكر كيف لم يفكر فى أن يطلب من الدكتور حمدى بأن يفصل بين النساء والرجال فى مكتبه, خشية الاعتياد والألفة التى تضفى صفات خيالية محببة بين الزملاء والزميلات والتى قد تطور إلى مفهوم آخر.</p><p></p><p>وضع المصحف جانباً ووقف يصلى القيام وأطال فيه حتى ركع وأطال فى الركوع حتى سجد ولأول مرة يشعر بسجود قلبه مع سجود جبهته, أطال السجود وهو يشعر بحلاوته التى يتذوقها بقلبه وجوارحه, أغمض عينيه وهو يدعو, لا يريد أن يفارق تلك السجدة التى وجد حلاوتها ووجد نفسه يدعو" اللهم أكفنى بحلالك عن حرامك وأغننى بفضلك عمن سواك "</p><p></p><p></p><p></p><p>***</p><p></p><p></p><p></p><p>دخلت والدتها لتوقظها فى الصباح فوجدت الهاتف النقال بجانبها فأخذته وظلت تنظر إليه بأمعان وتتفحصه وباليد الأخرى توقظ دنيا وتهزها هاتفةً بها:</p><p></p><p>- قومى يا دنيا.. أيه اللى جاب التليفون ده معاكى</p><p></p><p>نهضت دنيا متكاسلة وهى تتثائب فتحت عيونها فوجدت والدتها تمسك هاتفها النقال بين يديها وتقلبه متسائلةً:</p><p></p><p>- بتاع مين ده يا دنيا؟</p><p></p><p>أنتزعته من يد والدتها وهى تقول برجاء:</p><p></p><p>- **** يخليكى يا ماما مش عاوزه بابا يعرف ليقعد يحقق معايا</p><p></p><p>نظرت لها والدتها بشك وقالت:</p><p></p><p>- وانا يعنى مش هسألك</p><p></p><p>قبلتها دنيا على وجنتها وقالت :</p><p></p><p>- أنتِ مامتى حبيبتى مش هتعقديلى الدنيا زى بابا</p><p></p><p>أبعدتها والدتها عنها قليلا وبرفق قالت:</p><p></p><p>- طب جاوبينى مين اللى أدهولك</p><p></p><p>- أستاذ باسم مدير المكتب اللى حكتلك عنه قبل كده أنه عاوز ياخدنى معاه مكتبه</p><p></p><p>- وجابهولك بمناسبة ايه ده</p><p></p><p>- بمناسبة عيد ميلادى يا حبيبتى</p><p></p><p>صمتت والدتها قليلا ثم قالت بتوجس:</p><p></p><p>- مش عارفة.. مش مرتاحة</p><p></p><p>عانقتها دنيا وقبلتها مرة أخرى وهى تنهض من الفراش قائلة بثقة:</p><p></p><p>- متقلقيش يا حبيبتى .. أنا عارفة بتعامل مع الناس ازاى</p><p></p><p>نظرت والدتها إليها وقد خرجت من الغرفة ثم التفتت إلى الهاتف الملقى على الفراش وشردت تماما , ولأول مرة تشعر بالقلق حيال تصرفات ابنتها.</p><p></p><p>***</p><p></p><p>ويوم الخميس وفى المساء كان منزل عزة مهيأ لتلك المناسبة المبهجة , حفل خطوبة عزة وعمرو, كان الحفل بسيط , ينعزل فيه الرجال عن النساء نوعا ما, فالنساء فى الصالون والرجال فى الخارج يفصل بينهما باباً لا يكاد ينغلق من الزحام , لذلك احتفظت عبير بنقابها حتى لا يراها أحد دون أن تشعر.</p><p></p><p>لم يكن هناك شخص أسعد منه فى تلك اللحظة التى طوق خاتم خطبته أصبعها, وأخيرا أصبحت له , لم يكن بحاجة إلى التعبير عن سعادته فلقد تكفلت عيناه بهذا الأمر مما جعل عزة تشعر بتأنيب الضمير لأنها لا تبادله نفس مشاعره ولا حتى جزء منها غير الأحترام وفقط!</p><p></p><p>كان فارس يجلس مع الرجال فى الخارج وفجأة شعر بمن يهزه من الخلف , نظر خلفه فوجد مُهرة , أبتسم كعادته كلما رآها واستدار إليها فى جلسته ودون أن يقف , أقتربت من أذنه وهى تشير إلى محمود أخو عمرو الأصغر والذى لم يتجاوز الثانوية بعد وهى تقول :</p><p></p><p>- ألحق يا فارس.. الواد الرخم ده بيضايقنى</p><p></p><p>نظر فارس إلى حيث تشير ثم نظر إليها مرة أخرى متعجباً وقال:</p><p></p><p>- بس هو شافك أزاى أصلاً علشان يضايقك</p><p></p><p>نظرت له بغضب ومطت شفتاها وقالت:</p><p></p><p>- أنت كمان بتتريق عليا</p><p></p><p>قال مداعباً:</p><p></p><p>- طب متزعليش بقى خلاص انا هقوم أكسرلك عضمه</p><p></p><p>ثم حك ذقنه وهو يقول:</p><p></p><p>- هو ضايقك ازاى يعنى.. خد منك حاجة؟</p><p></p><p>حركت رأسها نفيا وقالت:</p><p></p><p>- لاء بيقولى شعرك حلو أوى</p><p></p><p>نظر لها بدهشة ثم تصنع الجدية والغضب وهب واقفا وهو يقول:</p><p></p><p>- طب استنى هنا انا هروح أكسرهولك</p><p></p><p>تقدم فارس من محمود أخو عمرو وهى تتبعه كظله وقال مداعباً له :</p><p></p><p>- أنت يا أخ انت بتعاكس خطيبتى ليه</p><p></p><p>ضحك محمود وهو يقول:</p><p></p><p>- خطيبتك أيه يا أبيه فارس .. بقى الأوزعة دى خطيبتك</p><p></p><p>صاحت مُهرة من جواره بغضب:</p><p></p><p>- أنا مش أوزعة</p><p></p><p>أمسكه فارس من شعره كما يفعل به دائما كلما رآه وقال له:</p><p></p><p>- عارف لو شفتك بضايقها تانى هعمل فيك أيه ..هحلقلك شعرك اللى فرحان بيه ده زلبطة</p><p></p><p>ثم التفت إلى مُهرة وأشار لها آمراً وقال بجدية مصطنعة :</p><p></p><p>- اتفضلى يا هانم اقعدى جوه مع الستات .. أيه اللى مطلعك وسط الرجالة</p><p></p><p>أستدارت مُهرة وهى تنظر إلى محمود بانتصار وشماتة ودخلت عند النساء كما أمرها فارس</p><p></p><p>بينما قال فارس لمحمود بجدية:</p><p></p><p>- أنت من صغرك كده هتقعد تعاكس البنات.. أومال لما تكبر شوية هتعمل ايه ..وبعدين ملقتش إلا مُهرة يعنى</p><p></p><p>قال محمود بخجل:</p><p></p><p>- بصراحة يا أبيه فارس أنا ناوى اخطبها لما تكبر.. أنا رايح تالتة ثانوى وهى رايحة تالتة أعدادى.. يعنى قريبين من بعض</p><p></p><p>أمسكه فارس من كتفه وقال بجدية:</p><p></p><p>- بقولك ايه يا محمود .. أنت فى مرحلة حرجة دلوقتى .. يعنى تركز فى مذاكرتك أحسن يابنى علشان تعرف تدخل كلية محترمة , وبعدين يعنى اشمعنى مُهرة .. دى شعرها أطول منها</p><p></p><p>- ماهو ده اللى عاجبنى فيها يا أبيه</p><p></p><p>كتم فارس غيظه وهو ينظر إليه شاعراً بتفاهته وقال:</p><p></p><p>- هو انا واقف معاك ليه أصلا .. أمشي يالا من هنا</p><p></p><p>وقفت امرأة بجوار عبير عن قصد وقالت بتشفى :</p><p></p><p>- عقبالك يا حبيبتى</p><p></p><p>نظرت لها عبير بود وقالت :</p><p></p><p>- جزاكِ **** خيرا يا طنط عقبال بناتك **** كده لما تفرحى بيهم</p><p></p><p>ضحكت المرأة وهى تنوى أغاظتها وقالت:</p><p></p><p>- بناتى ! ..أنا بناتى اتجوزوا من زمان يا حبيبتى .. مفيش واحدة فيهم قعدت لبعد العشرين ..عقبالك انتِ بقى</p><p></p><p>صمتت عبير ولم ترد فقد شعرت فى نبرة المرأة شىء غير مريح فآثرت الصمت حتى لا تحدث مشكلة تعكر صفو خطبة أختها ولكن المرأة لم تصمت ولم تتوقف وقالت:</p><p></p><p>- هو انتِ عديتى التلاتين ولا لسه يا عبير</p><p></p><p>بدون شعور منها وجدت العبرات طريقها إلى عينيها , حاولت منعها حتى لا تشمت بها تلك المرأة أكثر فرفعت يدها وأنزلت البيشة على عينيها فوق ال**** وهى تقول:</p><p></p><p>- لا لسه يا طنط ..عن أذنك</p><p></p><p>مرت بهدوء لتخرج من غرفة الصالون ولكن والدتها نادت عليها قائلة :</p><p></p><p>- اطلعى يا عبير هاتى صندوق حاجة ساقعة من بره على السلم</p><p></p><p>خرجت مسرعة فى طريقها للباب الخارجى للشقة وهى تحاول دفع دموعها للتراجع ولكن بلا جدوى , حتى انعدمت الرؤيا تماما لديها واختل توازنها وهى تحاول حمل الصندوق ولم تشعر إلا وهى تسقط من أعلى درجات السلم وفقدت الوعى.</p><p></p><p></p><p>هنا انتهت السلسلة الاولى ..</p><p>تكملة الاحداث فى السلسلة الثانية</p><p>:</p><p>:</p><p>انتظروا السلسلة الجديدة</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابيقور, post: 42889"] القصه مقتبسه من الكاتبه دعاء عبد الرحمن الفصل الأول فى أحد أحياء القاهرة المزدحمة بالطبقة المتوسطة وما تحتها , حيث نرى سلاسل البنايات المتراصة دون تناسق, ملتحمةً بعضها ببعض وكأنها تشد أزرها وتهون عليها أثر هذا الزحام الغير مقصود من التكتلات العائلية والأسرية البسيطة, حيث تختلف العقيدة واللون والمستويات الأجتماعية منذ سنوات وسنوات , ولكن اجتمعوا على حب هذه الجيرة القديمة والآثار المترتبة عليها من ود وشهامة وتقارب روحى وصلة لا تنفك أن تنقطع أبدًا، ففيها يطيب السمر وتجتر الذكريات الجميلة وتحلو سنوات الطفولة بكل تفاصيلها التى تأبى الذاكرة على محوها يوما ما, والتى انطلق من خلفيتها شباب وفتيات فى عمر الزهور فى مجالات التعليم والعمل المختلفة, كلٌ له هدف واتجاه وطريق يتخذه سبيلاً لتحقيق طموحاته , ومن بين هؤلاء الشباب , شاب فى مقتبل العمر ذات ملامح مصرية هادئة جذابة تتميز بالرجولة والبساطة , وقف فى ساحة الجامعة ينتظر شخصٌ ما فى قلق واضح , يدور بعينيه باحثاً عنه وسط التجمعات الشبابية الكبيرة التى تتهافت متلهفة لمعرفة نتيجة اختبارات نهاية العام الدراسى وبالأخص نتيجة الليسانس التى ينبرى من أجلها منذ أربع سنوات جهد ودراسة كخطوة على طريق حلمه الكبير. وأخيرًا ظهرت " دنيا " من وسط الزحام مبتسمة وأقبلت عليه فى لهفة تهتف به فى سعادة واضحة بعينين لامعتين: - نجحنا يا فارس ..نجحنا نجحـنا أتسعت ابتسامته وخفق قلبه بشدة وهو يخطو نحوها بخطوات واسعة مضطربة و يبادلها الهتاف: - بتكلمى جد.. قوليلى بسرعة تقديرى أيه وتقديرك ايه عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلةً بابتسامة واسعة : - تدفع كـام أمسكها من ذراعيها بتوتر هاتفاً: - قولى بقى أنا خلاص أعصابى باظت أبتسمت فى شغف قائلة: - مبروك يا سيدى جيد جدًا زى كل سنة .. وانا طبعا مقبول زى كل سنة ضحك فى سعادة كبيرة وهو يفرك كفيه فى بعضهما البعض قائلا: - الحمد ***.. أنا كده حطيت رجلى على أول سلمة ضحكت دنيا بينما أقبلت عليهما فتاة أخرى تمشى نحوهما وعينيها مثبتة على فارس وعلى السعادة التى تبدو على وجهه وما أن اقتربت حتى قالت بمرح: - مبروك النجاح من غير ما اعرف النتيجة ألتفت إليها فارس بمرح قائلا: - **** يبارك فيكى يا عزة ..الحمد *** جيد جدًا قالت بسعادة بالغة: - الحمد *** انا كنت متأكدة أمسكت دنيا بكف فارس ونظرات الغيرة مطلة من عينيها وهى توجه حديثها لـ عزة قائلة: - **** يبارك فيكى يا عزة عقبال ما تباركيلنا على الخطوبة قريب إن شاء **** أطرقت عزة برأسها وقالت بهدوئها المعتاد : - مبروك مقدماً عن أذنكم ألتفتت لترحل ولكن تذكرت شيئًا مهماً فاستدارت مرة أخرى وقالت له: - أنا هروح دلوقتى وأكيد مامتك هتقابلنى وهتسألنى على النتيجة .. تحب اقولها ولا انت عاوز تكون أول واحد تبلغها ؟ نظر لها فارس بامتنان قائلا: - قوليلها طبعا.. وهى أصلا منبهة عليا أول ما اعرف النتيجة اكلمها على طول .. وأردف مبتسمًا : - أنتِ عارفة بقى خالتك ام فارس مش هتستنى لما اروحلها أبتسمت عزة قائلة : - طبعا عارفاها زمانها قاعدة مع ماما فى البلكونة مستنين اللى يوصل فينا الأول ضحك فارس وضحكت وهى تلوح مودعة لهما, لوح لها فأمسكت دنيا يده وهى تقف أمامه وتنظر إليه بشك قائلة: - طبعا لو قلتلك انا مبحبش البت دى هتقولى دى جارتى ومتربين مع بعض ومينفعش مكلمهاش..مش كده قبض على كفها ببطء وهو يقول: - بقولك إيه سيبك من الكلام الفاضى ده وتعإلى نروح نقعد فى أى حتة أستقلت معه أحد سيارات الأجرة وهى تهمس بتذمر واضح: - كده يا فارس بتركبنى ميكروباص ده انا عندى أخدها مشى احسن أشار لها أن تصمت حتى يترجلا من السيارة , ترجلت دنيا من السيارة بمعاونة فارس وقفت أمام الحديقة عاقدة ذراعيها أمام صدرها بحنق قائلة: - هى دى المفاجأة جايبنى جنينة زى دى أختفت الأبتسامة من محياه وهو ينظر إليها بحزن قائلا: - ما انتِ عارفة يا دنيا انا مقدرش على غير كده . أنتظرها تجيبه ولكنها ظلت عاقدة حاجبيها حانقة فاردف قائلا: - يعنى هتضيعى علينا الساعة اللى خارجينها مع بعض ..أمشى يعنى؟! قالت وهى تلوح بعدم رضى : - لا متمشيش.. أمرى *** يلا ندخل جلسا إلى مقعد أمام النيل مباشرةً والتفت إليها ونظر لها بحب قائلا: - دنيا ..أنا عاوز آجى اتقدم بقى ألتفتت إليه قائلة: - لالا مش دلوقتى لما مرتبك يزيد شوية - يا حبيبتى الدكتور حمدى وعدنى أول لما اتخرج هيزود مرتبى على طول يبقى نستنى ليه بقى دنيا: - برضة نصبر شوية نظر لها باستنكار والتفت إلى النيل مرة أخرى ولم يتحدث , شعرت دنيا بغضبه واستنكاره فهو دائما يظهر فى عينيه ما لا يريد البوح به فقالت مستدركة: - يا حبيبى افهمنى انا عاوزاك تصبر لما تشوف تعينات النيابة .. مش جايز حلمك يتحقق وتبقى وكيل نيابة قد الدنيا.. وساعتها تتقدم بقلب جامد لبابا أستدار إليها بجسده دفعة واحدة وقال بعصبية: - أنتِ كمان عاوزانا نستنى تعينات النيابة .. يعنى ندخل فى سنة كمان.. ويمكن أكتر **** أعلم قالت دنيا بتوتر: - طب وفيها أيه يا حبيبى فات الكتير ما بقى الا القليل هز رأسه حانقا وهو يقول: - غريبة أوى .. أى بنت مكانك هى اللى تحب ترتبط بالراجل اللى بتحبه .. مش عارف ليه عمالة تطولى فى المدة وانا اللى مستعجل ..المفروض العكس يا دنيا.. وبعدين كده هتطلعينى عيل قدام مامتك .. أنتِ ناسية انى وعدتها اتقدم أول ما اتخرج على طول قالت دنيا بابتسامة تريد بها امتصاص غضبه : - ملكش دعوة بماما.. أنا هفهمها إن التأجيل مني أنا مش منك انت ..خلاص يا سيدى ارتحت حرك رأسه نفيا وقال باعتراض: - مرتحتش طبعا .. مش فاهم ليه مصممة على التأجيل.. أنتِ عاوزانى وانا وكيل نيابة وبس يعنى غير كده لاء أخذت دنيا حقيبتها بتردد وهى تقول: - أنت عارف كويس أوى انى بحبك ومقدرش استغنى عنك أبتسم بسخرية وقال هامسا: - آه ماهو باين... ثم نهض واقفاً وهو يقول بضيق: - يلا بينا .. زمان ماما مستنيانى بفارغ الصبر *** أقترب فارس من الحى الذى يقطن به وهو ينظر للأعلى فى تساؤل وهو يشاهد الزينة والكهرباء المعلقة فى تناغم بين ألوانها المبهجة , أستقبله صديقه عمرو وهو يفتح ذراعيه فى الهواء مداعبا: - فارس باشا ..ألف مبروك النجاح ... عقبال النيابة وتبقى باشا رسمى وتشرفنا فى كل حتة ونتفشخر بيك كده ضحك فارس لصديقه ورفيق طفولته وصباه عمرو , وبادله المداعبة قائلا: - نتفشخر !! ... ده انت بيئة صحيح صفق عمرو بمشاغبة وقال: - أيوه هنبدأ بقى من أولها ..ماشى ياعم بكره هنقابلك بالحجز وبدفتر المواعين قصدى المواعيد وضع فارس ذراعه على كتفه وهو يقول: - ده انت يابنى فضيحة بجد.. الناس بتتفرج علينا .. قولى بقى هو فرح مين النهاردة قال عمرو وهو يلوح بذراعه : - فرحك انت يا عريس ..أمك أول ما سمعت الخبر مسكتتش وقعدت تزغرد والحبايب بقى صمموا يعلقوا الكهربا دى علشانك... ثم رفع يديه بالدعاء قائلا: - عقبإلى **** لما اتخرج كده وابقى مهندس قد الدنيا ثم همس فى أذنه : - أم عزة قاعدة مع امك وشاكلهم كده عاوزين يدبسوكوا فى بعض نظر له فارس باستنكار قائلا: - هما ايه مبيزهقوش .. قلت لماما مية مرة انا بحب دنيا وهجوزها ومش هتجوز غيرها وقف عمرو ونظر إليه بتفحص قائلا: - يعنى عزة مش على بالك خالص فارس: - انت صاحبى يا عمرو يعنى المفروض عارف كل حاجة عنى.. بتسألنى سؤال زى ده برضة وبمجرد ظهورهما عند بداية المنعطف الذى يجاور منزلهما بدأ شباب الجيران فى التهافت عليه وتهنئته , وبمجرد ولوجه إلى بوابة منزلهم المتواضع استمع إلى صوت زغاريد الجارات من النساء وأقبلت عليه والدته تقبله وتحتضنه بسعادة بالغة وهى تقول: - مبروك يا حضرة وكيل النيابة المحترم ضحك فارس وعمرو وقال الأخير: - شكله بالكتير أوى بشكاتب ضربته أم فارس على كتفه وهى تقول : - بس يا واد يا عمرو.. طب بكره تشوف فارس ده هيبقى أيه أنتهت الإحتفالية البسيطة وما أن أغلق الباب على فارس ووالدته وحدهما حتى قالت له مؤنبة: - كده برضة تحرجنى قدام ام عزة أقترب فارس من والدته وقبل رأسها قائلا: - ليه بس يا ست الكل هو انا عملت ايه نظرت له بعتاب وقالت : - بقى اقولك عقبال ما نفرح بيك انت وعزة ترد تقولى لاء عزة الأول.. لازم اطمن على اختى الأول.. بتستعبط يا فارس جلس فارس على أقرب مقعد وهو يبتسم لوالدته قائلا: - يا حجة ما انتِ عارفة من الأول ان عزة زى اختى وعارفة انا ناوى اتجوز مين قالت والدته بانفعال وهى تجلس على الأريكة بجواره: - انت عارف انى مبطقش البت دى يا فارس هتجيبها تعيش معايا هنا ازاى تقدم نحوها وقبل كفها عدة قبلات سريعة وقال برجاء: - ياماما انا بحبها وهى كمان بتحبنى وبعدين يا ست الكل مش انتِ يهمك سعادتى برضة.. وانا مش هبقى سعيد مع واحدة تانية..علشان خاطرى يا ماما حاولى تتقبليها علشان خاطرى ربتت على رأسه وقالت بحنان: - يابنى و**** يهمنى سعاتك.. بس انا قلبى مش مرتحلها أبدًا رفع عينيه إليها وقال مؤكدا: - لا و**** يا ماما انتِ ظلماها .. وبعدين بقى فى حاجة متعرفيهاش قالت والدته باهتمام: - حاجة أيه تلفت حوله وكأنهما ليسا وحدهما فى المنزل وقال بصوت خفيض: - عمرو حاطط عينه على عزة بس مستنى لما يشوف موقفى أيه نظرت له تتفحصه بركيز وهى تقول: - بتكلم جد يا فارس .. هو اللى قالك كده؟ أومأ فارس برأسه وأغمض عينيه فى حركة مسرحية وقال بثقة: - مش لازم يقولى يا حجة.. أنا بلقطها وهى طايره فى الهوا ضربته على كفه وهى تقول: - تصدق انا غلطانة انى قاعدة معاك .. هقوم ألحق **** العشاء.. لم تلبث أن نهضت واقفة حتى سمعت طرقات خفيفة على الباب فغيرت مسارها إليه وهى تقول : - ياترى مين فارس : - أستنى يا ماما هفتح انا اشارت إليه أن يجلس مكانه وهى تفتح الباب وقالت: - أم يحيى.. تعإلى اتفضلى يا حبيبتى أرتبكت جارتها أم يحيى وهى تقول بخجل واضح: - و**** آسفه انى رجعت تانى يا ست ام فارس ... ثم قالت وهى تشير لابنتها الصغيرة: - بس البت المضروبة دى صممت أجيبها علشان تبارك للأستاذ فارس .. ورأسها وألف سيف لازم تيجى دلوقتى وعمالة تعيط وتصرخ .. مقدرتش عليها ياختى نظرت أم فارس إلى الطفلة الصغيرة فى يد والدتها وهى تفرك عينيها من آثر النوم وتتثائب وهى تقول بصوت مرتفع : - فين فارس يا طنط وكزتها أمها فى يدها وهى تقول : - يابت قولى أبيه فارس ... دخلت الصغيرة دون استئذان وهى تجذب يد أمها قائلة بمشاغبة: - أحنا متفقين على كده.. وهو مش بيزعل وقف فارس ينظر إليها وهى تحاول ترتيب شعرها الأشعث وعينيها التى انتفخت من اثر البكاء والنوم وهى تقول: - مبروك يا فارس ضحك وقال مداعبا: - بقى ده منظر تيجى تباركيلى بيه برضة جذبتها أمها مرة أخرى بشدة من يدها وهى تقول لفارس باعتذار : - معلش يا أستاذ فارس ..عيله متقصدش قال بتفهم : - ولا يهمك يا ام يحيى.. مُهرة صاحبتى وتقولى اللى هى عاوزاه نظرت مُهرة إلى والدتها فى انتصاربينما اقترب فارس منها ونزل على أحدى ركبتيه وهو يتصنع الحزن قائلا: - بس انا زعلان منك يا مُهرة .. لسه جاية تباركيلى دلوقتى قالت باندفاع طفولى: - وانا مإلى .. ماما سابتنى نايمة وجات لوحدها ولما صحيت صممت اجيلك.. ثم نظرت لوالدتها مؤنبة وهى تقول: - ماشى يا ماما بكرا لما اكبر وانتوا تصغروا هسيبكوا نايمين وهاخرج لوحدى ضحكت أم فارس وهى تربت على شعر مُهرة وتحاول عبثاً أصلاح غرتها المبعثرة على جبينها وتمسح عليه قائلة: - معلش يا مُهرة .. ماما مرضيتش تصحيكى علشان عندك مدرسة الصبح بدرى نظرت إليها مُهرة بعين مفتوحة والأخرى مغمضة: - أحنا فى الأجازة يا طنطتى جذب فارس وجهها إليه قائلاً: - بمناسبة المدرسة يا لمضة درجات سنة رابعة معجبتنيش .. أعملى حسابك السنة الجاية سنة خامسة .. وزى ما سمعنا كده هتبقى خامسة وسادسة مع بعض .. يعنى مش هقبل أقل من الدرجات النهائية ..ها هاتذاكرى ولا هتقضيها كارتون لوحت فى الهواء بطفولية وهى تقول: - طبعا هذاكر وهجيب درجات أكبر من السنة اللى فاتت وماما هتعملى حفلة كبييرة .. وأشارت له محذرة : - وعارف لو مجتش قاطعتها والدتها وهى تقول لها: - يابنتى عيب كده .. ثم نظرت إلى أم فارس قائلة: - البت لسه مكملتش العشر سنين ومفترية أومال لما تكبر هتعمل فينا ايه ضحك فارس قائلا لها: - يا ستى انجحى انتِ بس وليكى عندى هدية معتبرة قالت وهى تمسك بيد والدتها: - ماشى لما نشوف يلا يا مامتى..تصبحوا على خير كلكوا *** دخلت دنيا فراشها وتدثرت وهى تتذكر ملامح فارس وكلماته الحانية فابتسمت وهى تغمض عينيها, ولكن الأبتسامة سرعان ما تلاشت ,عندما تذكرت لقائهما الأخير, طرقت والدتها الباب وأطلت برأسها وهى تقول: - نمتى يا دنيا ولا لسه أدارت رأسها تجاه الباب وهى تقول لوالدتها: - لا لسه يا ماما .. فى حاجة ولا ايه دخلت والدتها وجلست على طرف فراشها وهى تقول: - عاوزه أتكلم معاكى فى موضوع مهم وكنت مستنية لما باباكى ينام أعتدلت دنيا فى فراشها باهتمام فقالت والدتها: - الكلام اللى قولتيه لفارس النهاردة ده ولا هيقدم ولا هيأخر زفرت دنيا بضيق وهى تقول: - أنتِ كمان يا ماما وانا اللى فاكراكى فاهمانى والدتها: - أنا مش فاهمة تمسكك بيه ده كله ليه .. ده فى الآخر هيتجوزك مع امه فى شقتها فى مكان مش من مقامك .. أنتِ لسه فى أول العمر والدنيا فتحالك أيديها ليه تدفنى نفسك معاه تنهدت دنيا وهى تنظر للفراغ وكأنها تنظر للمستقبل قائلة: - يا ماما فارس عنده عزيمة قوية ..هيفضل يحارب لحد ما يبقى وكيل نيابة ثم ابتسمت وهى تقول: - وانا هبقى مرات البيه وكيل النيابة مطت والدتها شفتيها وقالت بعدم رضا: - ولحد ما يبقى وكيل نيابة .. هتقبلى انك تعيشى معاه عند امه رفعت دنيا كتفيها وهى تقول: - لاء طبعا .. أنا قولتله كده بس فى الأول لكن انا عمالة اهو أأجل الارتباط على قد ما اقدر لحد ما ياخد وضعه .. حتى الخطوبة عاوزه أأجلها لحد ما يتعين ثم نظرت لوالدتها فى ثقة قائلة: - ياماما متخافيش عليا.. أنا مش مراهقة .. أنا أه بحبه بس برضة مش هارتبط بيه غير لما احس ان المستقبل بقى مضمون.. وهيجيبلى شقة تانية فى مكان تانى .. وساعتها كل حاجة هتتغير للأحسن قالت والدتها بعدم تصديق: - عموما متخطيش خطوة إلا لما تتأكدى الأول عادت الأبتسامة إليها مرة أخرى وهى تقول بعينين لامعتين: - متخافيش عليا.. أنا عارفة انا بعمل ايه الفصل الثانى فى الصباح أستيقظ فارس على صوت والدته وهى توقظه وتهتف به: - قوم يا فارس تليفون علشانك نظر إليها بصعوبة وهو يحاول فتح عينيه قائلا: - مين يا ماما والدته بتأفف: - السفيرة عزيزة بتاعتك أبتسم وهو ينهض من فراشه واتجه مباشرة إلى الهاتف ليجيبها فقالت: - صباح الخير يا حبيبى - لسه فاكرة.. سايبانى طول اليوم وانتِ عارفة انى مضايق منك وجاية تتصلى تانى يوم - خلاص بقى يا حبيبى متبقاش حمقى كده.. يالا بقى البس وانزل عاوزه اشوفك أبتسم ولكنه صبغ صوته بنبرة جدية قائلا: - لا مش قادر انزل - كده برضة يعنى موحشتكش - طيب خلاص نتقابل فى المكان بتاعنا بعد ساعة زفرت بقوة وهى تقول: - يا حبيبى مش هنغير بقى المكان ده.. أكيد مامتك ادتلك حلاوة النجاح قال بحدة: - جرى أيه يا دنيا.. هو انا عيل .. أيه حلاوة النجاح دى - طب خلاص متتعصبش كده.. ساعة وهكون هناك.. يلا مع السلامة أغلق فارس الهاتف واتجه إلى الحمام توضأ صلى الظهر , بدل ملابسه واتجه إلى المطبخ وجد والدته تعد طعام الغذاء , عندما رأته قالت بعبوس: - يعنى مقولتش انك خارج النهاردة.. أنا بعمل الغدا ده لمين ان شاء **** قبلها على وجنتها وهو ينظر للأوانى ويلتقط منها بعض الطعام ليأكله فى سرعة وهو يقول: - معلش يا ماما مش هتأخر.. ساعتين وهتلاقينى هنا .. بس اتغدى انتِ متقعديش جعانة لحد ما ارجع ضربته على ظهر يده وهو يعبث بالطعام وتقول: - قولتلك قبل كده متحطش أيدك فى الأكل .. أستنى احطلك فى طبق تناول كوب مياة مثلج ثم قال: - لالا لما آجى بقى ثم طبع قبلة اخرى على رأسها وغادر على الفور هبط الدرج قفزًا كما يفعل دائما وخرج من باب البيت , وما أن خطى خطوتين حتى سمع صوت طفولى من الأعلى يصيح به : - فااااااارس يا فاااااارس نظر للأعلى مبتسما وقال بهتاف وهو يلوح : - عارف عارف مش هنسى العسلية ضحكت مُهرة بينما نهرتها والدتها التى كانت تقف بجوارها فى الشرفة: - يابت عيب كده .. هو خلفك ونسيكى أخذت مُهرة دميتها ولم تجيبها ودخلت لتكمل لعبتها تارة وتضايق أخيها يحيى تارة أخرى خرج عامر من ورشته عندما سمع صوت فارس واتجه إليه فى خطوات واسعة مهنئا: - مبروك يا أستاذ فارس .. معلش ملحقتش اكلمك امبارح كان عندى زباين واتحرجت اطلعلك فوق أبتسم فارس متفهما وقال: - **** يبارك فيك يا عم عامر ويارب عقبال مريان ومينا ما يتخرجوا وتفرح بيهم قال عامر مبتسما: - طيب مش هاعطلك بقى يا سعادة المستشار ضحك فارس بعذوبة قائلا: - يسمع من بؤك **** يا عم عامر ..عن أذنك انا بقى علشان مستعجل وقبل أن يتحرك سمع جلبة من خلفة وهتاف يعرفه جيدًا: - يا أستاذ فارس.. أستنى ألتفت وهو يرفع حاجبيه بمرح للحاج عبد **** الذى أقبل عليه بجلبة كبيرة قائلا: - مبروك يا أستاذ فارس يابنى.. و[B]** و**[/B] انا فرحان زى ما يكون ابنى هو اللى اتخرج وبقى باشا قد الدنيا ضحك فارس مداعبا: - لسه مابقتش باشا يا حاج عبد ****.. أدعيلى انت بس وضع الحاج عبد **** يده على كتفه وتكلم بهتاف كعادته : - داعيلك يابنى و[B]*[I].. *[/I][/B] يكتبلك الخير ماطرح ما تروح يابنى ربت فارس على يده بامتنان قائلا: - [B]** يتقبل منك يا حاج عبد **[/B].. ثم تنحنح واعتذر منه ليلحق بموعده الهام مع دنيا وتابع طريقه بصعوبة , فكلما خطى خطوة أوقفه أحد جيرانه مهنئا وداعيا له بالتوفيق. وقفت دنيا تنتظر ظهور فارس وهى تنظر لساعتها اليدوية فى قلق حتى ظهر أخيرًا قادما من بعيد بابتسامته المشرقة الجذابة , وعندما رآها أسرع الخطى نحوها ووقف معتذرًا وهو يقص عليها ما حدث له مع جيرانه بمجرد خروجه من المنزل وحاول استرضائها مرارًا وعندما جلسا أخيرًا قالت: - فارس انا ليا عندك طلب أومأ برأسه قائلا: - أؤمرينى يا حبيبتى قالت بجدية: - أنا عاوزه آجى اشتغل معاك فى المكتب زفر بضيق قائلا: - مش احنا اتفقنا قبل كده ان انا بس اللى هشتغل..أنتِ عارفة يا دنيا شغل المحاماة متعب ازاى.. وبصراحة كده بحس انه بهدله للبنات قالت بعناد: - بس انا عاوزه اشتغل.. وبعدين مانا هبقى معاك أيه اللى هيبهدلنى رفع حاجبيه بدهشة قائلا: - ياسلام يعنى لما تيجى تشتغلى والأستاذ حمدى يديكى شغل تعملية.. هتقوليله طب آخد فارس معايا ولا أيه مش فاهم يعنى... أنا مش حابب يا دنيا كل يوم تقعدى تتنططى ما بين الاقسام والنيابات والمحاكم .. والموظف ده يرزل عليكى والموظف ده يبصلك..لاء انا مش موافق قالت بعناد أكبر: - بص يا فارس أنا كده ولا كده هشتغل.. أنا مخدتش الشهادة علشان افضل قاعدة فى البيت.. فقولت اشتغل معاك احسن ما اروح اشتغل فى مكتب تانى نظر إلى النيل متأملا وقال بهدوء: - يعنى رأيي مش مهم عندك للدرجة دى لمست كتفه وقالت بخفوت: - ياحبيبى ازاى بس تقول كده .. بس انت عارف يا فارس انى لازم اساعد فى تجهيز نفسى وبابا مش هيقدر على الحمل ده كله لوحده مط شفتيه متبرمًا وشعر بالإختناق وهو يقول: - أنا لو عليا مخليكيش تجيبى قشاية.. لكن مفيش فى أيدى حاجة غير مرتبى وانتِ عارفة قالت بهدوء: - عارفة .. وبكره الدنيا هاتتغير وحياتنا هاتتغير وهانبقى من طبقة الهاى كلاس وبكره تقول دنيا قالت *** وقف الأستاذ حمدى مهران أمام فارس وهو يربت على كتفه قائلا: - بس كده يا سيدى خلاص.. أعتبرها اشتغلت ..خإليها تيجى من بكره لو تحب قال فارس بامتنان: - متشكر أوى يا دكتور عاد الأستاذ حمدى إلى مقعده وهو يقول باهتمام: - بس انا عاوزك بقى تسعى فى الماجيستير من دلوقتى.. يا فارس ده هيخدمك جامد فى المستقبل.. وعندك يا سيدى المكتبة بتاعتى هنا فى المكتب استعين بيها زى ما انت عايز يعنى مش هتحتاج تشترى كتب من بره قال فارس فى تفكير: - إن شاء **** يا دكتور بس انا دماغى مشغول دلوقتى بحكاية النيابة دى ..عاوز استنى لما اعرف راسى من رجلى فيها قال الأستاذ حمدى بنظرة حاول أن يخفيها: - فكر تانى فى الموضوع ده.. النيابة دى لسه قدامها وقت ..وانت لسه هتاخد دبلومتين قبل الماجيستير .. أستغل الوقت ده بدا عليه التفكير فى الأمر وهو ينظر للأمام قائلا: - خلاص يا دكتور انا حطيت الموضوع فى دماغى وان شاء **** هابتدى فيه على طول أومأ الأستاذ حمدى برأسه مبتسما فانصرف فارس إلى مكتبه وجلس إلى مقعده وأخرج بعض الملفات وبدأ فى العمل , ولكن عقله مازال يدور ويبحث الأمر ولا يجرؤ أبدًا أن يتطرق إلى احتمال عدم قبوله فى النيابة , هو ليس حلمه وحده, أنما هو حلم والدته ووالده قبل أن يتوفاه ****, بل وجيرانه وأصدقائه , ودنيا , دنيا التى تحلم بأن تصبح زوجة وكيل نيابة وأن تصعد من طبقتها إلى طبقة أخرى , دنيا التى لا تتوقف عن أحلامها ولا تقف أمامها أى حدود من أجل تحقيقها. فى اليوم التالى وعند السادسة مساء كانت دنيا تقف أمام باب مكتب الأستاذ حمدى مهران وتخطو فيه أول خطواتها, تمت المقابلة معه بنجاح وبدأت فى الاطلاع على القضايا وملفاتها فى المكتب المجاور لمكتب فارس وفى نفس الغرفة, ثم حدثته وهى تنظر له قائلة: - أنا ماكنتش فاكره الشغل العملى كده قال بجدية: - متقلقيش .. أنتِ هتنزلى معايا بكره المحكمة والشهر العقارى.. وواحدة واحدة هتتعلمى مطت شفتاها وهى تقول : - بس المجهود ده كله على المرتب ده بس نظر لها باستنكار قائلا: - المرتب ده ميحلمش بيه حد لسه متخرج .. ده الدكتور كرمك علشان خاطرى قالت بحدة: - اه هو ياخد على قلبه الألوفات واحنا الملاليم تعجب فارس من طريقة حديثها وهى التى لم تبذل أى جهد حتى الآن , قرر أن يخبرها بحماسه لفكرة التحضير للماجيستير فقالت بدهشة: - دبلومة ؟! .. طب والنيابة عاد إلى الأوراق التى بيديه وقال ببساطة: - ياستى النيابة لسه قدامها سنة ويمكن اكتر.. وانا زى ما انتِ عارفة مابحبش اضيع وقت.. أنا هاستغل الوقت ده واخلص الدبلومة ولو النيابة جات مش هاتخسر بالعكس دى هاتزيدنى خبرة فى شغلى أومأت برأسها بتفكير قائلة: - أى حاجة تخلينا نقب بسرعة معنديش فيها مانع قاطعهم دخول باسم أحد المحامين العاملين فى المكتب وهو ينادى على فارس بصخب , ولكنه توقف عندما وقع بصره على دنيا الجالسة خلف مكتبها, نهض فارس واقفا وهو يقدمها له قائلا: - الأستاذه دنيا .. أول يوم معانا النهاردة أبتسم باسم ابتسامة واسعة وهو يتقدم نحوها وقال مرحبا وهو يمد يده ليصافحها: - اهلا وسهلا نورتى المكتب صافحته بابتسامة رقيقه فبدأ فى تقديم نفسه قائلا: - أنا باسم صفوت .. مدير المكتب هنا وابن خالة الدكتور حمدى نظر لها فارس نظرة حادة لتسحب يدها من يده فارتبكت وهى تسحب يدها بهدوء قائلة: - أهلا بحضرتك لاحظ فارس نظراته المتفحصة لها والتى اشعلت مصافحته لها بداية فتيل الغيرة فى قلبه فلم يعد يحتمل نظراته فقال بعصبية واضحة: - خير يا أستاذ باسم حضرتك كنت عاوز حاجة ألتفت إليه باسم متعجبا من عصبيته المفاجأة ولكن الموقف لم يكن يحتاج الكثير من الذكاء فعلم على الفور أن دنيا تخصه بشكل أو بآخر فقال بهدوء: - خلصت الملف اللى اديتهولك امبارح قبل ما تمشى كان يحاول السيطرة على أعصابه ولكنه لم ينجح ,فكانت كل خلجة من خلجات وجهه تنطق بالغيرة فاستدار ليتناول الملف من فوق سطح مكتبه وناوله أياه قائلا: - أيوا خلصته اتفضل قلب باسم صفحاته سريعًا وأشار إليه ليتبعه قائلا: - طب تعإلى معايا مكتبى ..عاوز اناقشك فى شوية نقط فيه ألقى عليها فارس نظرة حادة قبل أن يترك الحجرة وتبع باسم إلى حجرة مكتبه, فركت يدها فى توتر فهى تعلم ماذا ينتظرها من شلال جارف من الغيرة الساخطة يجرفها بحدة لتصبح وحيدة لا يراها غيره ولا يلمسها غيره , هكذا هو دائما فى هذه الأثناء دخل محاميًا آخر كانت قد التقت به من قبل دخولها لمقابلة الأستاذ حمدى فابتسم لها قائلا: - ها أخبار المقابلة أيه..أنا شايف اهو بدأتى شغلك قالت بارتباك : - اه الحمد *** متشكره أوى يا استاذ حسن جلس إلى أحد المكاتب وأشار إلى المكتب الرابع والخاوى بجواره : - ده بقى مكتب الأستاذه نورا..هى مجاتش النهاردة بس لما هاتتعاملى معاها هتحبيها أوى قالت بفضول: - هى شغالة معاكوا من زمان أومأ برأسه قائلا: - أه .. أصلها بتشتغل من وهى لسه بتدرس زى فارس كده تصنعت الامبالاة وهى تنظر للملفات أمامها قائلة: - واضح ان الأستاذ باسم قديم هنا فى المكتب قال على الفور: - ده بقالوا عشر سنين هنا.. ده غير أنه ابن خالة الدكتور حمدى وهو اللى ماسك أدارة المكتب تقريباً تابعت حديثها بتسائل: - طب وده أيه خلاه ميفتحش مكتب خاص بيه أعجب حسن بفضولها الذى يشبع رغبته فى الحديث فى شئون زملاءه , نظر نحو باب حجرتهم وقال بصوت خفيض: - ده ذكاء منه.. لو فتح مكتب هيضطر يجيب محامين وموظفين ويديهم مرتبات ده غير النور والإيجار وخلافه.. لكن كده بيشتغل فى القضايا الخاصة بتاعته واللى بياخد أتعابها كاملة لافى ضرايب ولا يحزنون حركت رأسها بفهم بينما خرج فارس من مكتب باسم فوجدها تتحدث مع حسن فاتجه إلى مكتبه وجلس خلفه وهو ينظر إليها بتوعد مما جعلها تخفى وجهها بين أوراقها حتى لا تنظر إليه , لم يستطع حسن كتم فضوله أكثر فقال : - هى الأستاذة دنيا تقربلك يا أستاذ فارس نظر له فارس بحدة وقال: - خطيبتى.. ليه؟ أرتبك حسن بسبب عصبية فارس الواضحة وقال: - لا أبدا مفيش مجرد سؤال ..ألف مبروك وبعد انتهاء مواعيد العمل فى المكتب انصرفت دنيا بصحبة فارس الذى ظل صامتاً وهو يمشى بجوارها وهى تحاول اللحاق بخطواته الكبيرة, فقالت وهى تحاول جاهدة ألتقاط أنفاسها : - يا فارس براحة شوية أنا بجرى علشان الحقك أبطء من سرعته قليلا وظل محتفظا بصمته فقالت : - أنت مش ملاحظ انك مكبر الموضوع شوية يا فارس توقف فجأة والتفت إليها وضغط أسنانه بغضب وهو يقول: - يعنى انتِ مش شايفة انك عملتى حاجة غلط؟ أرتبكت وقالت بتلعثم : - يعنى كنت اقوله ايه.. هو اللى سلم وفضل ماسك أيدى حاول كتم غضبه بقوة وهو يقول: - خلى بالك انتِ مبتراعيش مشاعرى ولا وجودى خالص .. وانا مش هستحمل كده كتير حاولت أن تدافع عن نفسها مرة أخرى ولكنه لم يعطيها الفرصة , أوقف سيارة أجرة لتستقلها لمنزلها. *** الفصل الثالث كان فى طريقه إلى المنزل شارداً غارقاً فى تفكيره , لا يجد حصى أمام قدميه إلا وركلها يمينا أو يساراً وكأنها كرة يسددها فى أحضان مرماها , المشوار طويل والجهد ليس قليل , يا ترى يا فتاتى هل تستطيعين الصبر, ماذا سيكون مذاقه على لسانك, هل سيحلو لكِ أم ستنفرى منه ومني, أنا لست برجل كسول أو قليل الطموح ولا آبه بالمصاعب, بل تحلو لي وأتسلقها فى هدوء دائما وثبات حتى أصل لمرادى , ولكن عندما أصل إلى القمة هل سأجدك فى انتظارى , هل تعشقينى بما يكفى , لست متأكداً مع الأسف مر بالمنعطف المؤدى إلى بيته واتجه إليه فى بطء وهو يحاول أخفاء مشاعره حتى لا تقرأها والدته فى عينيه فهى تجيد ذلك , ولم يلاحظ الفتاة التى كانت تقف فى نافذة حجرتها الصغيرة ترمقه وتتفحصه وكأنها كانت تنتظره وقد جفاها النوم واستعصى عليها ورفض التسلل إلى عينيها حتى تطمئن بعودته , تنهدت فى قوة وهى تراه يلج باب منزله والتفتت للداخل لتطمئن أن أختها مازالت غارقة فى نومها كما كانت تظن, فأغلقت نافذتها وأسدلت أستارها وأتجهت لفراشها, وما أن سكنت رأسها إلى وسادتها وأغمضت عينيها حتى سمعت أختها تقول بخفوت: - خلاص اطمنتى أنه رجع فزعت عزة وحدقت فى أختها فى سريرها المجاور تحاول اكتشاف عينيها فى الظلام وقالت: - أنتِ لسه صاحية يا عبير نهضت عبير وفتحت المصباح الصغير والذى ينبعث منه أضاءة ضعيفة وضعت الوسادة على قدميها واستندت إليها وقالت: - أنتِ بتعذبى نفسك على الفاضى وهو ولا هو هنا زفرت عزة بضيق وهى تقول: - بطلى الأوهام اللى فى دماغك دى يا عبير.. أنا مكنتش مستنية حد..أنا كنت واقفة بتهوى شويه فى الشباك شبكت عبير أصابع كفيها وقالت: - على فكرة أنا أختك و**** .. يعنى هترتاحى لما تتكلمى معايا نهضت عزة وأغلقت المصباح الصغير وعادت لفراشها وهى تقول: - نامى يا عبير نامى ..وياريت تشيلى الأوهام دى من دماغك وضعت عبير وسادتها مكانها واسترخت على فراشها وهى تقول بهمس: - ياريت يا عزة تكون أوهام فعلاً *** وصل فارس الشارع الذى يقطن به وقت أذان الظهر فغير وجهته إلى المسجد الذى يبعد قليلا عن منزله توضأ ووقف يصلى السنن وبعد أن انتهى وجد شخصاً يربت على كتفه بحنان قائلا: - أيه يا عم انت مخاصمنا ولا ايه ألتفت فارس إلى صاحب الصوت والأبتسامة تعلو شفتيه ليصطدم بأحب الوجوه إلى قلبه منذ سنوات كثيرة , فهو صديق قديم له , صافحه بحرارة مرددًا: - مش معقول.. شيخ بلال واحشنى جدا نهض الرجلين وتعانقا طويلاً ثم قال فارس بشغف: - أنت كنت فين كل ده يا شيخ .. ده انا روحت سألت عليك فى بيتك.. والدتك قالتلى انك مسافر أنحنى بلال على أذنه قائلا بمرح: - كنت فى ألمانيا أتسعت عينيى فارس لبرهة , فضحك بلال بصوت خفيض قائلا: - أيه مالك اتخضيت كده ليه أقترب منه فارس هامساً: - ليه يا بلال .. ده انت يا أما فى المسجد يا أما فى شغلك يا أما فى البيت ياخدوك ليه رفع بلال كتفيه قائلا: - ما انت عارف بقى يا فارس طالما ملتحى وبتخطب فى **** لازم يتحط تحتيك مليون خط أحمر ويبقى ليك ملف عندهم قطب فارس جبينه فابتسم بلال وهو يقول مردفاً: - سيبك مني انا خلاص جسمى نحس .. ها قولى بقى انا سمعت انك اتخرجت .. أولا ألف مبروك .. ثانيا ناوى تعمل أيه بعد التخرج .. هتكمل فى المكتب ولا هتستنى حلمك الكبير كاد فارس أن يتحدث ولكن الأمام أقام الصلاة فوقفا فى الصف وكبرا ليدخلا فى الصلاة بعد أنتهاء الصلاة خرجا سويًا من المسجد فأخذ فارس ينظر لـبلال بحب وهو يقول: - و[B]** انا مش مصق انى شوفتك تانى يا بلال .. واحشنى جدا و**[/B] قال بلال مداعباً: - وأنت و**** يا فارس .. ها ياعم مش هتبقى وكيل نيابة بقى علشان تبقى تحقق معايا انت أهو بدل الغريب برضة لم يستطع فارس أن يضحك أو حتى يبتسم وهو يقول: - أنا لو **** كرمنى عمرى ما هبقى ظالم زى اللى بيحققوا معاك ومع غيرك يا بلال قال بلال بهدوء: - يبقى انت لسه على عهدك يا فارس وبتحلم بالنيابة .. كانا قد اقتربا من منزل فارس كثيراً وهما يتحدثان ويتذكرا أيامهما السابقة بينما وقف العم عامرعلى باب ورشته ينظر إليهما فى ترقب وخرج من ورشته واقترب منهما وهو يتفحص بلال ثم وقف على مقربة منهما ونادى فارس قائلا: - أستاذ فارس.. يا أستاذ فارس ألتفت له فارس بابتسامة فقال عامر: - تعالى لحظة بس قال بلال وهو يصافح فارس : - طب اسيبك انا بقى يا فارس واشوفك بعدين أوقفه فارس بلهفة قائلا: - لا و**** لازم تطلع معايا ونشرب الشاى مع بعض.. ثوانى أشوف عم عامر وارجعلك توجه فارس إلى عامر ووقف أمامه متسائلاً : - خير يا عم عامر ؟ قال عامر بقلق: - مين ده يابنى قال فارس بابتسامة: - ده صاحبى من زمان بس كان مسافر تابع عامر بنفس القلق: - تعرفه كويس يعنى - أه طبعا بقولك صاحبى من زمان بس مكنش بيجى الشارع هنا كتير كنا بنتقابل فى المسجد لاحظ بلال نظرات القلق فى عينيى عامر فنظر له وابتسم ابتسامة ودودة , وبرد فعل تلقائى وجد عامر نفسه يبتسم هو الآخر بدون سبب واضح من وجهة نظره وقال لفارس : - شكله طيب صاحبك ده ضحك فارس وهو يربت على كتف عامر قائلا : - و انت كمان طيب يا عم عامر والتفت إلى بلال وناداه فاقترب بلال منهما محتفظاً بابتسامته فقال فارس: - عم عامر بيسأل عليك يا بلال.. أصل عم عامر ده بقى زى شيخ الحارة كده.. لازم يعرف اللى داخل واللى خارج أومأ بلال برأسه قائلا: - طبعا عارفه من زمان يا فارس .. أنا أه مكنتش باجى كتير.. بس انا مبنساش الوشوش بسرعة وخصوصًا وشوش الناس الطيبة ومد يده ليصافحه, فصافحه عامر بود وقد زال قلقه بسرعة وقال : - تعالوا بقى اشربوا معايا الشاى قال فارس على الفور: - لا الشاى ده عندى المرة دى .. إن شاء **** هنبقى نعدى عليك بعدين يا عم عامر بحث بلال فى جيبه عن شىء ما ووجده أخيراً , أخرج من جيبه زجاجة مسك صغيرة وقبل أن ينصرف مد يده بها إلى عامر قائلا: - أتفضل يا عم عامر دى هدية بسيطة كده نظر لها عامر بدهشة قائلا: - ايه ده.. ريحه أبتسم فارس قائلا: - ده أسمه مسك يا عم عامر.. بس حلو أوى هيعجبك قال عامر وهو يتفحص بلال: - بس بمناسبة أيه ده قال بلال بهدوء وعينين يشعان صدقاً: - بمناسبة انى اتعرفت على راجل طيب زيك يا عم عامر.. وبعدين الرسول عليه الصلاة والسلام قال تهادوا تحابوا ..وانا نفسى تحبنى زى فارس كده أبتسم عامر وهو يتناول زجاجة المسك من بلال قائلا : - متشكر يابنى **** يحميك لشبابك ...هديتك مقبولة طرق فارس باب شقته ففتحت والدته وهى تقول : - بتخبط ليه ما انت معاك مفتاح يا فارس - معايا واحد صاحبى يا ماما وضعت والدته حجابها على شعرها وهى تقول ببساطة: - أهلا وسهلا يابنى اتفضل تنحنح بلال وهو غاضاً لبصره قائلا: - أهلا بيكى يا حجة .. معلش أزعجناكى أفسحت الطريق وهى تقول بابتسامة طيبة: - لا يابنى البيت بيتك اتفضلوا.. أخذه فارس إلى غرفته وأغلق الباب خلفه وجلس أمامه مبتسما وهو يقول: - و**** زمان يا بلال ...ها أحكيلى بقى تنهد بلال وقال: - أحكيلك أيه بس **** ما يكتبها عليك ولا على حد أبدا ..أحكيلى انت وصلت لحد فين فى الدنيا بدت علامات التوتر على فارس وكأنه يبحث عن بداية مناسبة لحديثه ويختارها بعناية وبدأ يقص على بلال ما يشعر به قائلا: - مش عارف يا بلال من ساعة ما اتخرجت لحد دلوقتى .. فى حلمين مش متأكد انهم هيتحققوا .. النيابة ودنيا رفع بلال حاجبيه باهتمام قائلا: - طب النيابة وعرفناها .. مين دنيا قال فارس بحرج: - دى بنت اتعرفت عليها فى الكلية و.. وحبيتها أبتسم بلال وهو يقول: - طب ومحرج كده ليه.. أنت فاكرنى هقولك الحب حرام يعنى زاد حرج فارس وخجله من صديقه وهو يقول: - لا أصل أنا مش بحبها من بعيد لبعيد يعنى ..أنا بقابلها وبنخرج سوا ثم بدأ فى الدفاع عنه نفسه على الفور قائلا: - بس و**** انا قابلت والدتها ووعدتها انى هتقدملها بعد التخرج لولا دنيا هى اللى رفضت وقالت نأجل الحكاية لبعد النيابة أطرق بلال لحظات ثم رفع رأسه بهدوء وقال: - كمان هى اللى رفضت وطلبت التأجيل نظر له فارس بصمت ولم يتكلم فتابع بلال حديثه: - وانت فاكر لما تخطبها هتبقى خلاص تحللك يا فارس ظهرت علامات عدم الفهم على وجه فارس وهو يقول: - يعنى أيه يا بلال دلك بلال لحيته وهو يتفحص علامات التوتر على وجه فارس ثم قال بهدوء: - التوتر اللى على وشك ده حاجة كويسة.. ده دليل على أنك متأكد ان فى حاجة غلط .. فارس يا حبيبى لو بتحبها سيبها رفع فارس رأسه إليه باستنكار قائلا: - أسيبها ازاى ..أنا بحبها يا بلال وناوى على الجواز مش بلعب بيها ولا بعمل حاجة غلط معاها قال بلال بتساؤل: - وهو انت بتعمل معاها أيه صح يا فارس؟ - مش فاهمك نهض بلال واقفا وجلس بجوار فارس وقال بجدية: - أنت بتقابلها يا فارس .. يعنى بتبصلها مش كده ؟ .. ولا بتكلمها وانت باصص الناحية التانية قال فارس بارتباك: - ايوا ببصلها بلال: - طب **** سبحانه وتعإلى قال: - قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ .. يبقى انت كده بتعمل حاجة غلط ولا لاء أطرق فارس برأسه فاستطرد بلال حديثه قائلا: - هسألك سؤال كمان.. طبعا بتمسك ايدها تنحنح فارس بحرج فتابع بلال قائلاً: - مع أنك يا فارس أكيد سمعت حديث النبى عليه الصلاة والسلام " لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " .. فاضل أيه تانى يا فارس؟.. وانتوا بتحكوا سوا وبتضحكوا.. ضحكتها مش بتحرك مشاعرك؟ .. وهى بتكلمك وبتحكى معاك مش ممكن تقولك كلمة بصوت ناعم شوية؟.. ليه يابنى تحط نفسك فى الفتن دى كلها وتشق على نفسك بالشكل ده . أطرق فارس وقد شعر بكل كلمة قالها بلال ورغم صعوبتها إلا إنها كانت حقيقية فقال : - معاك حق يا بلال ..لكن قاطعه بلال: - لكن بتحبها ومش عارف تعمل ايه أومأ فارس برأسه موافقا وقال : - بالظبط كده اعمل ايه أبتسم بلال وهو يربط على يده قائلا: - كلمها بصراحة .. وقولها انك مش هتخلف وعدك معاها لكن فى نفس الوقت مش هينفع تغضب [B]** بالحب ده .. لحد ما **[/B] يكرمك وتتقدملها وتعقد عليها وتبقى مراتك وأشار له محذرا: - وانا بكررها تانى يا فارس .. وتعقد عليها .. يعنى تكتب كتابك .. مش تروح تلبسها دبلة وتقول خطيبتى بقى أخرج واعمل اللى كنت بعمله .. لا يا فارس الخطوبة دى كأنها لسه غريبة بالظبط أومأ فارس برأسه فى سكون وصمت وهو يستشعر كلماته وسمع بلال يقول له مرةأخرى: - سيبها مؤقتا وعرفها انت هتسيبها لأمتى وهتسيبها ليه ..سيبها علشان [B]** يكرمك بيها فى الحلال يا فارس بدل ما يغضب عليكم ويحرمكم من بعض طول العمر..ده لو كنت بتحبها فعلا..تخيل يا فارس لو ماتت وهى قاعدة جنبك بتغضب **[/B] هتروح تقول لربنا ايه ولو انت مت وانت قاعد جنبها وماسك ايدها هتروح تقول لربنا ايه ..هو حد ضامن عمره هيخلص أمتى يا فارس. *** دخل فارس المكتب بعد **** المغرب وألقى التحية على الجميع ثم توجه إلى حجرة مكتبه هو وزملائه وجد دنيا ونورا يتحدثان ويتعرفان إلى بعضهما البعض وسمع دنيا تسأل نورا عن باسم قائلة: - وأستاذ باسم متجوز من زمان ولا لسه قريب نورا: - لا من زمان وعنده ولد وبنت بمجرد أن رأته نورا نهضت واقفة بابتسامة قائلة: - حمدلله على السلامة.. أزيك يا أستاذ فارس حاول فارس أن يتجنب النظر إليها هى ودنيا وهو يقول بود واحترام: - **** يسلمك يا أستاذة حمد *** على السلامة أقتربت دنيا خطوات منه قائلة : - أيه مفيش أزيك يا دنيا ولا أيه وضع عينيه فى الأوراق وهو يقول: - أزيك يا أستاذة دنيا أتكأت على المكتب وهى تقول بخفوت: - أنت عارف انى مبقدرش على زعلك .. أنا آسفة يا سيدى فكها بقى هز رأسه نفيا وهو يقول: - مش زعلان من حاجة.. وياريت نأجل الكلام ده لبعدين خرج باسم من حجرته وهو يقول لدنيا : - من فضلك يا أستاذة دنيا عاوزك شوية ودخل حجرته مرة أخرى وهو يقلب عدة ملفات بين يديه بلا مبالاة , نهض فارس واقفا بحدة وقال لها: - لما تدخلى متقفليش الباب وراكى تركتهم دنيا ودخلت حجرة مكتب باسم وتركت الباب كما أمرها فارس فنظرت نورا إليه قائلة: - مالك يا أستاذ فارس .. قلقان من حاجة؟ هز رأسه نفيا وهو يقول: - أبدا يا أستاذة مفيش حاجة.. دنيا خطيبتى وانا محبش يتقفل عليها باب أوضة مع أى حد حتى مع الدكتور حمدى نفسه ابتسمت قائلة : - هى برضة لسه كانت بتحكيلى عنك وعن غيرتك عليها ..**** يتتملكم على خير أخذ فارس يقلب الصفحات فى شرود تام , لا يدرى من أين يبدأ معها وكيف سيكون وقع كلماته عليها, وكيف سيستمر هكذا , يراها ويتعامل معها وهى زميلته فقط وكيف سيستطيع كتم مشاعره تجاهها, هل سيستطيع الصبر عليها وكبح جماحها ام ستتفلت من بين أصابعه دون أن يدرى لتندفع إلى منسوبها الأول كما كانت .. بل وأقوى كانت كل تلك التساؤلات تموج بها رأسه بعنف ويخفق قلبه لها بقوة , ولم تتركه إلا وعينيه كانت تنطق بالحيرة فى وجوم تام تنتظر ما سيحدث ولا تملك غير ذلك وفقط .. أيها الأنتظار لو كنت رجلا لقتلتك. *** الفصل الرابع أشار باسم إلى دنيا بالجلوس فى المقعد المقابل له دون أن ينظر إليها وهو يتأمل الورقة فى يده , ثم مد يده بها إلى دنيا وهو مازال ينظر للورقة ويقول باهتمام: - عاوزك تقرأى المذكرة دى كويس وتكتبيلى ملحوظاتك عليها مدت يدها لتمسك بها وهى تقول: - أيوا بس أنا لسه .. بترت عبارتها عندما شعرت بيده وهى تتلمس أصابعها من أسفل الورقة وهو يبتسم لها بهدوء وكأنه شىء عادى , تلعثمت حروفها وجذبت يدها فى ارتباك ولم تتكلم , ألتفتت إليه فوجدته يتفحصها ويتأمل ردود أفعالها الصامتة على محاولته التى كانت عينة اختبار لها ليس إلا , والنتيجة كانت مشجعة , فنهض واقفاً ودار حول مكتبه وتلمس ظهر مقعدها وهو يقول: - معلش كل حاجة فى الأول صعبة.. بكره تتعلمى شعرت بأصابعه تتلمس ظهرها وكتفها, فنهضت فى ارتباك وقد احمرت وجنتيها , أستدرك قائلا : - هو الأستاذ فارس خطيبك فعلا زى ما سمعت .. مش شايفك يعنى لابسه دبلة تنحنحت وقد زاد توترها وهى تقول: - أيوا أحنا مخطوبين بس لسه ملبسناش دبل رفع حاجبيه فى تصنع وقال بسخرية : - مممم يعنى لسه مش رسمى ثم أردف بمكر: - يا شيخة سيبك .. جواز أيه وبتاع أيه رفعت رأسها إليه وقالت : - ليه بقى هو حضرتك مش متجوز برضة وعندك أولاد أتسعت ابتسامته وكاد أن يضحك وهو يقول: - أيه ده وكمان متابعة أخبارى قالت على الفور: - أنا عرفت صدفة ثم تناولت الأوراق وهى تقول: - طيب حضرتك انا هقرأها وهحاول افهم الموضوع سحبها منها ببطء وهو ينظر لعينيها بجرأة قائلا: - لا خلاص خليها بعدين زاغ بصرها وقالت وهى تتجه نحو الباب: - طب عن أذن حضرتك شعرت بنظراته تخترق ظهرها وهى تدلف للخارج , فهى مثلها مثل كل أنثى تستطيع أن تشعر بنظرات الرجل وتلميحاته والأمر يعود إليها , إما تصده بقوة وإما أن تعطيه الضوء الأخضر ! . أما هو فقد علم طبيعة الفتاة التى أعجب بجمالها ,هى مرتبطة عاطفيا ورغم ذلك لا تريد أن ترسم حدودا قوية لا يتعداها الرجال معها , تمسك العصا من منتصفها وكأنها تبحث عن فرصة أخرى أيسر وأفضل . جلست خلف مكتبها وهى تختطف نظرات شعواء بين الحين والآخر إلى فارس القابع خلف مكتبه فى شرود تام , وقبل انتهاء العمل بحوالى الساعة, استأذن فارس لينصرف مبكرا هو ودنيا , خرج معها من المكتب وسارت بجواره فى سكون وكأنها تشعر أنه رآها ورأى ردود فعلها المتهاونة مع باسم وانتظرته ليتحدث. صمت قليلا ليستجمع كلماته والمنطق الذى سيتحدث به , كان لا يريد فقدها أبداً لذلك فكر فى تأجيل الحديث فيما بعد ولكنه استجاب لطبيعته التى تكره التسويف والتأجيل فى الأمور الحاسمة فقال قبل أن يتراجع: - دنيا عاوز اتكلم معاكى فى موضوع مهم ألتفتت إليه وقد أنتشلها من شرودها قائلة: - موضوع أيه؟ أخذ نفساً عميقاً وقال: - تفتكرى **** راضى عن علاقتنا بالشكل ده كده توقفت فجأة عن السير وكأنه أفرغ عليها دلو من المياة الباردة, شعرت بمشاعر مختلطة بين الحيرة ومحاولة الإستنتاج وقالت: - تقصد ايه بالكلام ده يا فارس هربت الكلمات منه , حاول جمع شتاتها مرة أخرى وقال بصدق: - دنيا ...أنا عاوز [B]** يبقى راضى عن علاقتنا.. وانا عرفت ان علاقتنا بالشكل ده تغضب **[/B] وممكن يعاقبنا ويحرمنا من بعض بسبب الحاجات الحرام اللى بتحصل.. أنا عرفت أن نظرى ليكى وكلامى معاكى حرام .. وعلشان متفهميش غلط .. أنا عاوز اتقدم رسمى ونكتب الكتاب على طول أتسعت عينيها بدهشة وقالت : - أفندم تكتب الكتاب.. بس احنا متفقين تستنى لما نشوف التعين بتاع النيابة وبعدين نتخطب زفر بضيق وهو يقول: - بصى بقى أنا مش عارف انتِ عاوزانى انا ولا عاوزه فارس وكيل النيابة ..لو بتحبينى وعاوزانا نكمل مع بعض باقى حياتنا زى ما بتقولى دايما توافقى انى اتقدم دلوقتى وقدامك أختيارين.. يأما نتخطب بس وده لحد ما تيجى تعينات النيابة ومش هينفع برضة لا نتكلم ونخرج مع بعض ولا أى حاجة من اللى كانت بتحصل.. يا أما أتقدم ونكتب الكتاب على طول وساعتها مش هيبقى فى حاجة حرام فى علاقتنا وفى كل الأحوال هنستنى النيابة .. خلى بالك دلوقتى الكورة فى ملعبك علشان نحدد بقى مين اللى عاوز يتهرب من التانى أربكها , لا تستطيع أن تختار ثالثا لأنه لم يكن هناك ثالث , إن كانت تريد الإبقاء عليه , لكن بالتأكيد هناك أختيارمنهما ستكون فيه الخسائر أقل, حاولت أن تماطل ولكن هيهات لم يكن هناك مجالاً , هو يريد معرفة رأيها فى الحال , تنفست بعمق وهى تحاول رسم السعادة على وجهها وقالت: - طب ممكن يا حبيبى تستنى لما أخد رأى ماما .. مش دى الأصول برضة. قال وبجدية: - هستناكى تردى عليا النهاردة.. مش هنام غير لما تكلمينى ..ولو متكلمتيش النهاردة هعرف انك مش عاوزانى أصلا. رأت الجدية والحسم فى عينيه وهو يتحدث , تعلمه جيدًا إنه لا يحب المزاح فى الأمور الجدية ولا يخلط بينهما, وهذا ما يزيده رهبة فى عينيها وهو يتحدث بمثل هذا الحسم أومأت برأسها وهى تقول: - حاضر ..هتكلم مع ماما وهرد عليك النهاردة قال وهو يشير لسيارة الأجرة: - مش هنام ..هستناكى ان شا**** للفجر *** ضربت والدتها كفاً بكف وهى تقول بغضب: - وبعد سنة يجى يقولك عاوز اكتب الكتاب ويمكن عاوز نعمل دخلة وتروحى تقعدى فى الحارة مع امه مش كده.. وساعتها برضة هتعملى زى دلوقتى وتقوليلى هعمل ايه يا ماما ماهو مش سايبلى اختيارات تانية عقدت دنيا ذراعيها وقالت بحنق: - طب قوليلى اعمل ايه ..وقبل ما تقولى أى حاجة لازم تعملى حسابك انى بحبه ومش ناوية اسيبه .. أنا بس كنت بأجل لما ياخد وضعه مش أكتر تفحصتها والدتها برهة ثم قالت: - انا أمك وعارفاكى كويس.. أنتِ مش متمسكة بيه علشان بتحبيه.. أنتِ بس شايفاه أحسن واحد لغاية دلوقتى ومتأكدة ان لو حد غيره عجبك هتسبيه وترميه ورا ضهرك رفضت دنيا حديث والدتها بشدة وقالت: - لا يا ماما .. أنا بحبه وعارفة طموحه كويس ممكن يوصله لفين.. وانا عاوزه أوصل معاه يا ماما للى هيوصله .. ومش عاوزه أخسره وبعدين دى خطوبة ولا هتقدم ولا هتأخر قالت والدتها بحنق: - وبعدين خلاص تبقى خطيبته وتدخلوا وتخرجوا مع بعض وأى حد أحسن منه تعجبيه يقول بس يا خسارة دى مخطوبة خلاص.. وسوقك يقف على كده ..صح ابتسمت بسخرية وقالت: - لا متقلقيش ولا خروج ولا دخول هو أصلا مش عاوز كده.. ده داخلى فى موال حلال وحرام .. ومينفعش ابصلك ومينفعش اقابلك والكلام ده .. هو بس عاوز يطمن انى عاوزاه وموافقة على الارتباط بيه قبل ما يبقى وكيل نيابة زفرت والدتها بضيق وهى تقول: - استغفر **** العظيم ..أعملى اللى انتِ عاوزاه *** كان يقف فى شرفته الصغيرة يحتسى القهوة ببطء ويدور فى عقله ألف سؤال وسؤال حين سمع رنين الهاتف ورأى والدته تخرج من غرفتها فقال على الفور : - خليكى يا ماما التليفون ده ليا وقفت والدته أمام باب غرفتها وهى تراه يلتقط سماعة الهاتف بلهفة ويجيبها , صمت قليلا وأرتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة وهو يقول: - يعنى والدتك وافقت على الخطوبة بس كانت دنيا على الطرف الآخر تنظر لوالدتها وهى تقول له عبر الهاتف : - ايوا يا حبيبى معلش بقى حاولت معاها كتير توافق على كتب الكتاب بس رفضت جدا وقالت لاء خطوبة بس فى الأول كده زى كل الناس وبعدين بقى لما نجهز نبقى نكتب الكتاب أبتسم فارس وهو يقول : - خلاص نعمل الخطوبة زى ما كنا متفقين قبل كده.. حدديلى معاد مع باباكي أغلق الهاتف وقد علت وجهه ابتسامة رضا كبيرة والتفت ليجد والدته تقف خلفه تنظر له بحزن وقالت: - برضة هتخطبها يا فارس تغيرت ملامحه وقد شعر بحزن والدته الذى يطل من عينيها وأقبل عليها يقبل رأسها قائلا بخفوت: - و**** يا ماما دنيا بتحبنى مش زى ما انتِ فاكره .. وبكره تعرفى كده لما تلاقينى سعيد معاها أومأت برأسها باستسلام وهى تقول: - خلاص يابنى اللى يريحك قبل يدها وهو يقول برجاء: - مفيش حاجة هتنفع من غير رضاكى يا ماما حاولت أن تبتسم لكنها فشلت وقالت : - أنا عمرى ما غضبت عليك وانت عارف كده .. و**** يوفقك فى حياتك ويخلف ظنى **** ضم رأسها فى صدره برفق وطبع قبلة عليها وهو يدعو لها بطول العمر ووافر الصحة والعافية فى اليوم التالى طرقت دنيا باب غرفة والدها دخلت وانتظرته حتى ينهى **** العصر وما أن انتهى من صلاته حتى ابتسم لها وهو ينهض , فاقتربت منه قبلت كتفه فقال وهو ينظر إليها بابتسامة حانية : - والدتك قالتلى على حكاية العريس ..هو محامى ولا وكيل نيابة ولا ايه بالظبط قاطعهم دخول والدتها تدعوهما لتناول الغذاء , ألتف ثلاثتهم حول مائدة الغذاء حيث قال والدها: - ها أحكيلى بقى وضعت دنيا الملعقة وهى تقول: - هو بيشتغل فى مكتب الأستاذ حمدى مهران من قبل ما نتخرج وان شاء **** سنة ويبقى وكيل نيابة أومأ برأسه وهو يقول: - ممتاز .. يعنى شاب مكافح قاطعته والدتها وهى توجه حديثها لزوجها: - بقولك أيه أحنا معندناش غيرها.. يعنى مش هنرميها كده وخلاص..عاوزاك تشد عليه شوية لما يقابلك وتطلب براحتك .. أحنا بنتنا حلوة وألف مين يتمناها ألتفت إلى زوجته وقال: - الموضوع مش موضوع حلاوة .. أنا بدور لبنتى على راجل يشيل مسؤليتها وابقى مطمن عليها معاه.. ولو الولد جد ومكافح وأخلاقه كويسة زى ما سمعت يبقى الطلبات دى تيجى بعدين وعلى مهلة قالت بغضب: - يعنى ايه الكلام ده .. أنت ناوى تتساهل معاه ولا أيه تدخلت دنيا وقالت على الفور : - يا ماما مش أحنا اتفقنا هتبقى خطوبة بس كده .. لما نشوف هنعمل ايه نظر إليها والدها بتساؤل: - يعنى ايه الكلام ده .. يعنى ايه خطوبة بس كده ارتبكت دنيا وقالت: - قصدى يعنى يا بابا هنعمل خطوبة لحد ما يكون نفسه يعنى مش أكتر هز رأسه وقال وهو يكمل طعامه: - خلاص خليه يجى بكره بعد العصر .. اللى فيه الخير يقدمه **** بعد الغذاء هاتفته وأبلغته بميعاد مقابلة والدها , تلقى منها الخبر بسعادة كبيرة وهو يشعر بمشاعر مختلفه بين القلق والسعادة , رفضت والدته الذهاب معه ولكنه أصر بشدة أن تصحبه فى هذه الزيارة.. وقد كان توقفت والدته تحت البناية التى تسكن بها دنيا ووقفت تنظر حولها وتقول : - تصدق انا كنت فاكرة ان فى فرق كبير بينكم ..طريقة كلامها لما شوفتها أول مرة خلتنى افتكر انهم ياما هنا ياماهناك .. لكن طلعوا أهو ناس عادية أبتسم فارس وهو يحثها على دخول البناية وقال : - شوفتى بقى علشان تعرفى انها مش هتتكبر عليا زى ما كنتِ فاكره يا ست الكل كان استقبال والدة دنيا لهما بارداً, شعرت به والدته منذ اللحظة الأولى التى وطأت بها باب بيتهم بينما أقبل عليهما والدها فى ترحاب شديد وبعد لحظات من الحديث مع فارس ووالدته شعر بالأرتياح تجاهه وبمدى احترامه لوالدته وتوقيره لها وهنا اقبلت دنيا بكامل زينتها ورحبت بهما , تشجع فارس عند حديثه مع والدها وهو يرى علامات الأرتياح على وجهه وبكلماته المشجعة الداعمة له , أنتهى اللقاء بتحديد موعد بعد ثلاثة أيام ينهى فيهم والدها سؤاله عن فارس ويعلمه بالنتيجة مرت الأيام الثلاث وهاتفه والدها كما وعده وأخبره بأنه ينتظره لمقابلة أخرى للأتفاق على ميعاد الخطبة وبقية التفاصيل, لم تكن المقابلة بأقل توترًا من المقابلة السابقة , بل على العكس زادت عن المرة الأولى لما فيها من تفاصيل مادية , ولقد كان فارس يتوقع ذلك , لذلك لم يأخذ معه والدته حتى لا تسمع كلمة تحرجها أو تشعر معها بقلة الحيلة ولقد كان محقاً , فلقد استشاطت والدتها غضباً عندما علمت المبلغ الذى حدده فارس للذهب المطلوب للشبكة وكادت أن ترفض الأرتباط من قبل أن يبدء لولا تدخل والد دنيا بالموافقة فى اللحظة الأخيرة. وتم تحديد موعد نهائى للخطبة بشكل رسمى بعد أسبوع وانتهت معركة الذهب وهو يحمد ربه على عدم حضور والدته مثل هذا المزاد الرباعى, عاد ليخبر والدته بالموعد النهائى الذى تم الأتفاق عليه , لم تكن تعلم هل تشعر بالسعادة لخطبة ولدها أم تشعر بالأسى لأجله فقلبها ينبأها بفشل هذه الزيجة من قبل أن تبدأ , قامت توضأت وصلت وسجدت لربها وهى تدعو بحرارة قائلة : - **** لو فيها خير يسرله أمره ولو غير كده ابعدها عنه ومتكسرش قلبه ياارب *** الفصل الخامس كانت عزة تعد الطعام فى المطبخ بصحبة عبير أختها وهما يتضاحكان ويمزحان حين دخلت والدتهما وقالت: - أعملوا شاى يا بنات لخالتكوا أم فارس قالت عزة بهمة : - هعملوا انا يا ماما حاضر ..ثوانى ضحكت عبير وهى تقول : - النشاط حل عليكى دلوقتى نظرت لها عزة بارتباك وهى تضع براد المياة على الشعلة , أقتربت والدتها منهما وهى تقول بتردد : - فارس هيخطب يوم الخميس اللى جاى أرتعشت يدها وسقطت المياة على الشعلة فأطفأتها على الفور أقتربت منها أختها بلهفة وهى تنظر ليدها وتقول: - الحمد *** المية كانت باردة لسه زاغت نظرات عزة وهى تشعر بحريق حقيقى , حرارة مرتفعة ليست بيدها وانما بقلبها , حرارة مرتفعة ستطفىء فى النهاية النبتة التى كانت تنبت بداخلها من مشاعر يتيمة من طرف واحد , قاومت دمعة كانت ستقفز من عينيها وقالت بأنفاس متقطعة : - معلش يا ماما هعمل غيرها حالاً أخذت عبير براد المياة من يدها وقالت بشفقة : - أستنى يا عزة انا هعمل الشاى جاهدت عزة لترسم ابتسامة مصطنعة وهى تقول: - أنا نسيت اصلى العصر هروح اصلى توجت إلى الحمام , دخلت بسرعة وأغلقت الباب خلفها, توضأت فاختلطت الدموع بماء الوضوء , خرجت وتوجهت لغرفتها وبدأت فى الصلاة , وقفت وركعت وسجدت بغير هدى لم تنتظرها العبرات للسماح لها بالقفزعلى وجنتيها بل انسابت بانهمار وبهدوء لا يشعر بها أحد ولا تستطيع أن توقفها كلمات العزاء و المواساة. كانت تعلم أنها ستسمع هذا الخبر إن آجلا أو عاجلاً , ولكنها كانت تمنى نفسها بأنه لن يحدث , بل كان الأمل لديها يزداد كلما تذكرت شخصية دنيا المختلفة تماما عن فارس , لماذا تمنيت ونسجت خيوط الأمل حول أمنية بعيدة لا يراها سواى , ألقى قلبى فى بحر الأحلام فأستيقظ لأجد نفسى وقد غرقت قدماى فى لجة مظلمة , أصرخ فلا يسمعنى أحد, أستغيث ولا مغيث لى إلا [B]** , أمن الممكن أن يكون عقابا من **[/B] ؟!.. هل ملك علي قلبى أكثر مما يجب ونسيت ربى , قفزت المزيد من العبرات على وجنتيها ولكن هذه المرة كانت دموع من نوع آخر لها مذاق آخر.. مذاق محبب *** وقف فارس أمام المرآة يتأنق ويتألق فى حلته السوداء وهو لا يصدق نفسه ,أخيراً سيزين أصبعها بخاتم الخطبة , ألتفت ليجد والدته تقف على باب غرفته مبتسمة فى حنان وهى تقول: - ماشاء **** زى القمر ... ياما كان نفسى أشوف اليوم ده من زمان وبدموع الأمهات الحاضرة دائما اختلطت ابتسامتها بدموع سعادتها به , توجه فارس إليها مسرعاً وقال بلهفة وضم رأسها وهو يقبله فى حب قائلا: - **** يخليكى ليا يا ست الكل أبعدها عنه برفق وهو يقول ببهجة: - الواد عمرو جه ولا لسه أنتبهت فجأه وكأنها قد نسيته فى خضم مشاعرها المختلطة وقالت: - صحيح و**** ده انا نسيته.. ده بره مستنيك خرج فارس ليجد عمرو جالسا أمام التلفاز يقلب قنواته واضعاً ساقاً فوق الأخرى فهتف به وهو يضربه على كتفه: - أيه يابنى انت قاعد على القهوة.. يلا اتأخرنا ضحك عمرو وهو ينظر لوالدة فارس: - مستعجل أوى على أيه .. بكره تندم يا جميل ضربه فارس على كتفه وقال: - طب بكره نتفرج عليك يوم خطوبتك يا أمور ثم تابع بمكر : - اه صحيح ساعتها مش هتبقى مستعجل.. ده البيت لزق فى البيت ضحكت أم فارس بينما لكزة عمرو فى يده وهو يقول : - خفيف أوى ياخويا وما أن فتح الباب وكأنه قد فتح شلال ضرب وجوههم فجأة , أندفعت مُهرة تجاههم تدفعهم تارة وتختبأ خلف فارس تارة أخرى وتتعلق بقدمه حتى كاد أن يسقط وهى تصيح: - ماليش دعوة هاجى معاكوا الفرح ووالدتها تجرى خلفها مسرعة وهى ممسكة بعصا صغيرة وتهتف بها بغضب: - و**** هتضربى يا مُهرة لو ابوكى عرف بعمايلك دى هيكسر عضمك وضع فارس يديه بين مُهرة والدتها وهو يقول : - فى أيه بس أيه الحكاية قالت أم يحي بأحراج شديد : - البت دى مش عارفة مالها كده.. مجننانى من يومها معلش متزعلش انا هقول لابوها صرخت مُهرة من خلف فارس : - أنا معملتش حاجة .. انا عاوزه اروح الفرح بس تدخلت والدة فارس قائلة بحنان: - خلاص علشان خاطرى يا ام يحيى متضربيهاش .. خليها تيجى معانا مفيهاش حاجة قالت أم يحيى بخجل من مظهر ابنتها: - مينفعش ام فارس مش شايفة منظرها ألتفت عمرو وفارس ووالدته ليروها بوضوح لأول مرة منذ دخولها عليهم كالعاصفة , هى كما هى بشعرها الأشعث دائما وغرتها المبعثرة على جبينها بغير هدى ولكن زاد عليها شىء واحد جعلهم يضحكون بغير توقف , كانت تضع أحمر شفاه على شفاهها بطريقة جعلتها كمهرجين السيرك , وقفت تضع يديها فى خصرها وتقول بحنق: - بتضحكوا على ايه قال عمرو وهو مازال يضحك: - ايه اللى انتِ حاطاه على بؤك ده تلمست مُهرة أحمر الشفاه بزهو وهى تقول بثقة كبيرة فى مظهرها: - ده روش .. أنت متعرفش المكياش ولا أيه ضحك الجميع وهم ينظرون إلى بعضهم البعض وقال فارس لعمرو : - كسفتنا يا جاهل .. فى حد ميعرفش المكياش هجمت والدتها عليها وأخذت بشعرها وجذبتها منه وهى تقول : - و**** ما هسيبك يا مُهرة لازم تضربى النهاردة أبعدتها أم فارس عنها وخلصت شعر مُهرة من بين يدى والدتها وقالت بحسم: - و[B]** لتسبيها انا حلفت ب**[/B] .. وأيه رأيك بقى هتيجى معانا.. يالا خديها ولبسيها حاجة كويسة وسرحيلها شعرها هتفت مُهرة بسعادة وهى تحتضن أرجل أم فارس, حاولت والدتها الإعتراض ولكن أم فارس حسمت الإمر بالقسم , خرجت أم يحيى بصحبة مُهرة لتبدل لها ملابسها بينما نظرعمرو إلى فارس مداعبا وقال: - بقولك ايه احنا ممكن نهرب من مُهرة ولا دى محدش بيعرف يروح منها فين ضحكت أم فارس وقالت: - طب و**** البنت دى زى العسل محدش يعرفها أدى.. أنا هدخل اعملكوا شاى لحد ما تنزل جلس فارس أمام التلفاز وهو يقول : - وادى قاعدة ..منك *** يا مُهرة هتبقى السبب فى طلاقى فى يوم من الايام ضحك عمرو وهو يقلب قنوات التلفاز فقال له فارس هامساً: - مش ناوى بقى تتقدم انت كمان ولا ايه يا عم المهندس انت جلس عمرو وظهرت علامات الشرود على وجهه قائلا: - مش عارف يا فارس .. أولاً لسه فاضلى سنة فى الكلية ..ثانيًا مش متأكد منها .. خايف ترفضنى ربت فارس على كتفه وقال بابتسامة : - خلاص كلها السنة دى وتتخرج وهتبقى مهندس قد الدنيا وبعدين احنا جيران ومحدش يعرف عنك غير كل طيب هترفضك ليه بقى زفر عمرو بضيق وهو يقول: - مش عارف يا فارس قلقان بس مش أكتر هتف فارس مداعباً: - أنت هتعملى فيها بقى عندك ددمم وبتحب وكده قفز عمرو من مكانه ووضع يده على فم فارس ليسكته قائلا: - اسكت يابنى انت ..انت ايه عاوز تسيحلى وخلاص خرجت أم فارس من المطبخ تحمل أكواب الشاى فتصنع عمرو انه يهندم ملابس فارس قائلا: - لالا مظبوط متقلقش بعد نصف ساعة كانت مُهرة تطرق باب الشقة بقوة وأزعاج أنتفض فارس ليفتح الباب وهو يقول: - ايه يا بنتى ده.. ده انتِ خبطتك ولا خبطت المخبر نظرت أم فارس لها بأعجاب وهى تقول : - ماشاء ****.. أيه الفستان الحلو ده وايه الشعر الحلو ده دارت مُهرة حول نفسها بأعجاب ليدور معها ذيل فستانها الوردى الرقيق وهى تقول: - ده فستان العيد يا طنطى وأشارت إلى حذائها بشغف وهى تقول: - ودى جزمة العيد قاطعها عمرو مداعبا : - وطبعا ده شعر العيد مش كده ضحك فارس ووالدته التى قالت : - أخيرا شفتك مسرحة شعرك يا مُهرة .. هتفت مُهرة بصياح: - يلا بينا بقى أتأخرنا على الفرح ثنى فارس ركبتيه بمرح وهو يمد يده إليها قائلا : - يلا بينا يا عروستى ضحكت بسعادة وهى تضع يدها فى يده بيد وتمسك بطرف فستانها باليد الأخرى وتقول: - يلا يا عريسى كان حفل الخطبة صغيرة وبسيطة وكأنها مقابلة عادية باستثناء صخب الموسيقى المرتفعة فى البيت وبعض باقات الورود فى أركان المنزل, ودنيا بفستانها الزهرى وزينتها الكاملة مما جعل فارس يشعر بالحرج بسبب وجود عمرو ورؤيته لها بهذا الشكل, كان فارس يجلس فى المنتصف بين والد دنيا ومُهرة وكان يلتفت إلى والد دنيا ويتحدث معه باهتمام بينما نهضت دنيا وجلست بجوار مُهرة وقالت بابتسامة صفراء: - قومى يا حبيبتى اقعدى جنب ماما رفعت مُهرة رأسها ونظرت لدنيا وهزت رأسها نفياً ولم ترد , حاولت دنيا كتم غيظها وهى تعيد أمرها مرة أخرى: - بقولك قومى يا شاطرة هذه المرة لم تنظر لها مُهرة من الأصل وقالت ببرود: - مسميش شاطرة شعرت دنيا بالدماء تغلى فى رأسها وصاحت بعصبية: - بقولك قومى ألتفت فارس على صوت دنيا وقال بتساؤل: - فى ايه يا دنيا قالت بعصبية : - البنت دى بتعند معايا ومبتسمعش الكلام انا كنت فاكراها مؤدبة زى ما كنت بتقول عنها صاحت مُهرة بصوت يشبه البكاء : - انا مؤدبة والشتيمه حرام.. واللى بيشتم الكلمة بتلف تلف وترجعله والتفتت إلى فارس وهتفت به : - مش انت قولتلى كده يا فارس لف فارس ذراعه حول كتف مُهرة وهو يقول: - ايوا يا حبيبتى صح بس وطى صوتك شوية.. ممكن؟ صاحت دنيا : - أنت بتنصرها عليا يا فارس وكمان بتستأذنها نظرت أم دنيا لمُهرة بحدة وقالت بغضب: - أسمعى الكلام يا بنت فركت مُهرة عينيها وهى تصيح : - كده حرام.. ماما قالتلى عيب نشخط فى الضيوف نهضت أم فارس وأخذت بيد مُهرة وهى تقول لدنيا: - معلش يا دنيا هى متقصدش ونظرت لمُهرة وهى تجذبها إليها بلطف قائلة: - تعالى يا مُهرة اقعدى جنبى يا حبيبتى تشبثت مُهرة بذراع فارس وقالت ببكاء : - عاوزه اقعد جنب فارس نهض والد دنيا ليحل المشكلة ويفض النزاع وأخذ بيد ابنته قائلا: - تعالى اقعدى مكانى يا دنيا جلست دنيا بجوار فارس على الجهة الأخرى وهى ترمق مُهرة بنظرات نارية نهض عمرو وجلس بجوار مُهرة وانحنى على أذنها قائلا: - تيجى نتفرج من البلكونة شوية حركت كتفيها برفض وهى تمد شفتاها بغضب وتتشبث بذراع فارس أكثر فأمسك فارس بأصبعها المحطية بيده وبدأ فى تدليكها لتسترخى وتطمأن , ظلت على هذا الوضع فترة من الوقت ومن الحين للآخر يربط فارس على شعرها أو يدها حتى وضعت رأسها على ذراعه المتشبثة بها وأغمضت عينيها ونامت. *** حدث أول تنازل منه ووافق على طلب دنيا التى هاتفته وطلبت منه التنزه سويا قليلا , رفض فى البداية ولكنه لم يستطع مقاومة ألحاحها المتكرر وحزنها الذى ظهر فى كلماتها وهى تتهمه بالتقصير تجاهها وعدم سعادته بارتباطهما أخيراً ألتقى بها فى أحدى المتنزهات التى أعتادا اللقاء فيها وجلسا على المقعد المعتاد لهما أمام النيل مباشرة , ألتفتت إليه وهى مبتسمة وقالت برقة: - متقدرش تتصور وحشتنى ازاى أبتلع ريقه وهو يتذكر كلمات بلال , حاول السيطرة على مشاعره وهو يقول : - علشان كده يا دنيا كنت عاوز أكتب الكتاب علشان اعرف اعبرلك عن مشاعرى براحتى نظرت إليه بجرأة وتفحصت ملامحه التى تحبها وكأنها لم تسمعه وقالت برقة وهى تتلمس ذراعه بأطراف أصابعها : - يعنى انا موحشتكش أختلج قلبه للمستها وشعر بحراره تسرى فى جسده, غلبه شيطانه وهواه وهو يستمع لكلماتها الرقيقة التى تلقيها بدلال : - ياه لمستك وحشتنى أوى قالت عبارتها الأخيرة بطريقة لم يتحملها, أنهار معها كما تنهار أبواب السدود لتغمر الأرض العطشة بالمياة ونسي كل ما كان يحذره منه بلال, كان محقاً , هو بشري وقدرته على الأحتمال محدودة , فكانت النتيجة الحتمية هى التنازل واتباع هواه. أمسك كفيها ببطء وهو ينظر لعينيها وتعانقت أصابعهما بعضها ببعض وذابت ما بقى بداخله من مقاومة... ومـر عــام الفصل السادس ومر عام يحمل فى طياته الكثير , تتقلب فيه أمزجة البشر وأحوالهم وأحزانهم وأفراحهم , كما تتقلب فصوله بين رعد الشتاء وحرارة صيفه وكآبة خريفه ونسيم الربيع وشذى عبير أزهاره , هكذا هى الحياة لا تدوم على حال , لا تعطى إلا وأخذت , ولا تأخذ إلا وتمنح , يشوبها دائما بعض الملل , بعض الألم, بعض الوجوم , بعض التنحى عن الحياة , ولهذا هى دنيا , متقلبة , متجمدة , تعلو وجهها ابتسامة مودعة, أو باقية, أوقد تكون ساخرة. و فى نهاية العام , كان الأنتظار هو أصعب شىء حقاً , بل كان جبلاً يجثو على الصدور, يكاد يزهق الأرواح , أنتظار القرار النهائى بعد مقابلات اختبارات وظيفة النيابة , والتى كانت تنبأ عن التفاؤل أحيانا , واليأس غالباً , ولكن يشوبه بعض الأمل. وبعد ظهر أحد الأيام عاد فارس إلى بيته ليجد الباب مفتوحاً وسمع من الخارج صوت جارتهم أم يحيى وهى تطلق الزغاريد , قرع الجرس ودخل على أثره ليجد مُهرة فى استقباله هاتفةً بسعادة وهى تسرع إليه مقبلة عليه : - أنا نجحت يا فارس وجبت درجات كبيرة أوى .. هروح أولى أعدادى لم يكن يستطيع أن يتفاعل معها كما عهدته فى هذه المناسبات , أبتسم ابتسامة باهتة وهو يقول: - ألف مبروك يا مُهرة توقفت عن القفز وهى تنظر إليه بعينين حائرتين ووقفت والدته وقد تملكتها الدهشة هى الأخرى من رد فعله وقالت : - مالك يا فارس؟ ثم قالت بتردد: - هى نتيجة التعين طلعت؟! أبتسم فارس وهو يقول بأجهاد: - متقلقيش يا ماما لسه مطلعتش .. ثم التفت إلى مُهرة وهو يحاول استعادة روحه السابقة معها قائلا: - ها يا ستى عاوزه هدية ايه أخفضت نظرها عنه وقالت بحزن: - مش عاوزه حاجة وخرجت مطأطأة رأسها تتبعها ووالدتها التى أغلقت الباب خلفها بهدوء , شرع فارس فى الذهاب إلى غرفته ولكن والدته استوقفته قائلة: - أنت متخانق مع خطيبتك أستدار إليها بنفس الأبتسامة الباهتة وقال: - ولا متخانق ولا حاجة .. بس تعبان شوية ومحتاج ارتاح أم فارس: - مش عادتك يعنى تعامل مُهرة كده.. ده انت كنت بتذاكرلها فى الامتحانات كأنها فى ثانوية عامة أتجه إلى غرفته مرة أخرى وهو يقول: - هنام شوية وقبل ما اروح المكتب هصالحها ان شاء **** دخل غرفته وأغلق الباب خلفه وهى تنظر إلى الباب المغلق بدهشة , أبدل ملابسه وألقى بجسده المرهق على فراشه وأغمض عينيه يطلب الأسترخاء قليلا , ولكن من أين تأتى الراحة فقلبه غير مستقر, والقلب المجهد يجهد معه البدن دائما , لا ينفك إلا فى التفكير فى حياته بعد يومين أو ثلاثة عند ظهور النتيجة , كيف ستكون , وماذا سيحدث إن تم رفضه يجافيه النوم دائما عند الوصول لهذه النقطة الصماء, لا يريد التفكير فيما بعدها بل لا يريد التفكير فيها من الأصل, فى المساء وهو يغادر لعمله ذكرته والدته بمُهرة فأومأ برأسه موافقا ولكنه لم يكن لديه أى حماس للصعود إليها او مداعبتها كما كان يفعل, فتوجه للمكتب على الفور , أنهى دبلومته التى عكف عليها والتى أهلته للدبلومة الثانية ولكنه لم يكن متحمسا بالشكل المطلوب , فهو لم يحلم يوما بهذه الدرجات العلمية, بل كان حلمه الوحيد هو النيابة فإلى متى ستظل أحلامه كما هى أحكام القضاء أحيانا, مع وقف التنفيذ. مرت شهور آخرى وبدأ فى دبلومته الثانية والحال هو الحال , النتيجة لم تظهر بعد , وهو يكاد يكون منفصلاً عن واقعه تماما , حتى حانت اللحظة الفارقة واستدعاه الدكتور حمدى إلى حجرة مكتبه , بمجرد وصوله للمكتب مساءاً طرق الباب ودخل بعد الأستأذان , نظر إلى الدكتور حمدى نظرة متفحصة وهو يقول ببطء: - فى حاجة يا دكتور نهض الدكتور حمدى ووقف قبالته وتنحنح قائلا: - نتيجه النيابة طلعت يا فارس .. أنا عرفتها النهاردة الصبح بس قلت لما اشوفك بالليل ابقى ابلغك خفق قلب فارس وزادت نبضاته بقوة وشعر بألم فى جميع أجزاء جسده ومرت الثوان عليه ساعات وهو ينظر فى عينيى الدكتور حمدى اللتان كانتا خاليتان من أى علامات البشرى وهو يقول: - كل شىء نصيب يا فارس .. وان شاء **** تلاقى نفسك فحاجة تانية أصابه التبلد وعدم التصديق للحظات وهو يكرر: - يعنى قبلونى ولا لاء ربت الأستاذ حمدى على كتفه مشجعاً داعماً له وهو يقول: - أنت أنجزت الدبلومة الأولى بسهولة ومشيت شوط كبير فى التانية وهتكمل الماجيستير ان شاء **** وبعدها الدكتوراة ومش هتحتاج النيابة دى خالص.. أنت ليك مستقبل كبير فى المحاماة وانا أصلا كنت مستخسرك فى حكاية النيابة دى هوى فارس إلى أقرب مقعد وهو يشعر بأنه يهوى من فوق سبع سموات , وكأن روحه فارقت جسده , حلم جميل واستيقظ على واقعه المرير, زاغت عيناه بدون هدى, هتف بداخله ولكن هتافه أصاب شفتاه وهو يقول: - طب ليه.. ليه .. أنا جايب التقديرات المطلوبة وجاوبت كل الأسئلة اللى اتسألتها فى المقابلات من غير ولا غلطة.. يبقى ليه طيب ليه جلس الأستاذ حمدى بجواره وهو يشعر بالأسى لأجله وقال بشفقة: - يابنى انت مش عايش فى البلد دى ولا أيه.. بصراحة يا فارس انا من الأول وانا متأكد من النتيجة حتى من غير ما تدخل الامتحانات.. مفيش حد بيتعين فى المهنة دى إلا اذا كان ليه واسطة جامده .. عم أو خال أو قريب وكيل نيابة .. وكمان مش أى وكيل نيابة.. ده لازم يبقى وكيل نيابة مرضى عنه يابنى ألتفت إليه فارس بحدة قائلا: - مرضى عنه من مين نظر إليه الأستاذ حمدى قائلاً: - يعنى مش عارف يا فارس ! واستدرك قائلا: - وانا يابنى لو كان مرضى عنى كنت اتوسطلك .. بس انت عارف انى طول عمر راجل دوغرى ومش تبع حد .. وهما عاوزين حد تباعهم ..علشان كده كانت وسطتى هتضرك مش هتنفعك وضع فارس وجهه بين كفيه وهو غير مصدق ما يسمع , ها قد انهارت أحلامه على صخرة الفساد المتفشى فى المجتمع والذى توارثناه جيلاً بعد جيل حتى أصبح شىء طبيعى للغاية, فالعين عندما تعتاد على القبح لم تعد تراه قبيحًا بل لو رأت جمالاً بعده نفرت منه واستنكرته وقبحته , بدون أرادة منه وجدت العبرات طريقها لعينيه أخيراً فزفر زفرة ساخنة يائسة وقال بصوت متحشرج: - ليه يا دكتور مفهمتنيش كده من زمان قال الأستاذ حمدى وهو يتطلع للفراغ بحزن: - كان عندى أمل يابنى .. ومكنتش عاوز احبطك .. كنت فاكر ان ممكن حاجة تتغير لكن مع الأسف بالعكس ده الفساد بيزيد يوم عن يوم ثم أردف قائلا: - أتعمل عليك تحريات فى مكان سكنك..وكان من ضمن أسباب الرفض أنك ساكن فى مكان شعبى وليك صديق ملتحى توقفت الدموع دفعة واحدة ونظر إليه مندهشاً قائلا باستنكار : - طب وده يخليهم يرفضونى حتى لو كنت كفأ أبتسم الدكتور حمدى ابتسامة خلت من أى تعبيروقال بسخرية مريرة: - هو انت فاكر ان التعين بالكفاءة.. ده انت غلبان أوى.. يالا يابنى قوم وانسى كل حاجة وابدأ حياتك من جديد.. وأيه يعنى حلم يضيع ووراه أحلام تانية كتير.. يمكن تكون أفضل منه . نهض فارس واقفاً بوهن وقال بصوت بعيد: - ممكن أخد باقى اليوم أجازة يا دكتور.. أنا مش هعرف اركز فى شغل النهاردة أومأ الأستاذ حمدى وهو يربت على كتفه بعطف قائلا: - طب خلاص روح انت ارتاح ومتشلش هم خرج فارس من حجرة الدكتور حمدى واجماً يتحاشى النظر لزملاءه فى مكتبه وهو يجمع بعض أوراقه الخاصة وهم يتابعونه بنظراتهم المتسائلة , نهضت دنيا من خلف مكتبها واتجهت إليه وعلامات التساؤل والفضول تشع من عينيها , أقتربت منه متسائلة: - مالك يا فارس ايه اللى حصل جوى عند الدكتور هز رأسه نفيا وهو يقول: - مفيش حاجة يا دنيا ... دنيا بأصرار: - لاء..شكلك فى حاجة زفر بضيق وقال بعصبية: - بقولك مفيش.. طوى أوراقه وهو يقول: - لما ارتاح شوية هبقى اكلمك فى التليفون ..سلام وقفت تنظر إليه بدهشة واتجهت لتعود لمكتبها , ولكن نورا لم تنتظر أكثر من هذا تبعته للخارج ولحقت به عند المصعد وقبل أن يستقله سألته قائلة: - أستنى يا أستاذ فارس أستدار إليها بدهشة كبيرة ونظر إليها بصمت فقالت بتردد: - الدكتور قالك حاجة زعلتك هز رأسه نفيا لا يخلو من التعجب وقال: - متشكر على سؤالك يا أستاذة .. محصلش حاجة انا بخير الحمد *** وكاد أن يفتح باب المصعد ولكنها استوقفته مرة أخرى قائلة: - موضوع النيابة مش كده؟ زادت دهشته ولكنها لم تنسيه ألمه بعد فقال حانقاً وهو يغادر : - عن أذنك أخذ المصعد طريقه للهبوط وهو بداخله وظلت هى تتابعه ببصرها فى حيرة منه ومن اندفاعها هكذا , وأخذت تلوم نفسها بشدة وهى مازالت واقفة فى مكانها فى شرود وصمت أخرجها منه صوت دنيا التى قالت بشك: - هو فى ايه ألتفتت نورا إليها بعدم انتباه ولكنها استعادت وعيها سريعاً وقالت بلامبالاة وهى تعود أدراجها إلى المكتب مرة أخرى: - مفيش حاجة يا دنيا ..عن أذنك تابعتها دنيا ببصرها وهى تضيق عينيها بارتياب وتنقل بصرها بين نورا والمصعد ولكنها سرعان ما نفضت عن عقلها تلك الأفكار وعادت لعملها من جديد ولكنها لم تستطع أن تنفضها من قلبها. لم يشعر إلى أين تأخذه قدميه ولكنه سار فى استسلام شديد لا يعلم كم قضى من ساعات ولكنه كان يمشى فقط فى اتجاه اللاشىء , فقد الأحساس بالزمن وبمن يمر أمامه وحوله وخلفه لا يسمع لشىء ولا يرى شىء , لم يرى إلا نظرات والدته المكسورة وهى تستمع للخبر , لم يسمع إلا شهقات أصدقائه وجيرانه دهشةً ولوعةً عند معرفتهم بالخبر, ماذا سيقول لهم , هل يقول لقد رفضونى من أجل حياتى بينكم وحبكم لى وحبى لكم , ماذا سيقول لصورة والده المحتفظ بها فى غرفته تنتظر النتيجة بفارغ الصبر, هل يقول له عفواً والدى لقد رفضونى لأنهم لا ينظرون للكفاءة ولي صديقاً ملتحياً , هل يقول لقد رفضونى لأنك يا والدى لست قاضياً أو ومستشاراً أو وكيل نيابة , أو أنك ليس لك أخ أو قريب موالياً لهم يتوسط لى عندهم, وجد نفسه عائداً لمنزله , كيف ومتى لا يعلم, ولكن من الواضح أن قدميه قد حفظت الطريق عن ظهر قلب فأشفقت عليه وحملته إلى بيته بدون توجيه منه كان الوقت قد تعدى منتصف الليل فحمد **** أن الجميع نيام ولم يراه أحد وقرأ ما كتب على جبينه من شقاء , دخل غرفته فى خفوت ولم يجرؤ على النظر لصورة والده التى يحتفظ بها بجانبه , خاف أن ينظر إليها فيرى العبرات تقفز منها لتبلل وجهه وتخنقه وتغص حلقه وتشقيه , فلقد شقى بما يكفى اليوم. ظل يتقلب فى سهاده طوال الليل حتى كاد أن يلفظه فراشه ويطرده بعيدًا عنه ليظل خاليا للأبد , فذلك أفضل له من هذا الحانق الغاضب الذى يرقد عليه دائما, بالكاد استطاع أن ينام بعد أذان الفجر , بل ويغط فى نوم عميق , ولكن أحلامه وكوابيسه طاردته حتى فى النوم ولم تتركه ينعم به. أستيقظ فزعاً على صوت والدته التى كانت واقفة بجوار فراشه توقظه وتهتف به: - قوم يا فارس قوم يابنى أتأخرت على شغلك الساعة بقت تسعة تقلب على فراشه وقال دون أن يفتح عينيه : - معنديش شغل النهاردة يا ماما جلست على طرف فراشه بدهشة ممزوجة بالقلق وهى تقول: - من أمتى بقى انت بتاخد أجازات.. مالك تعبان ولا أيه وضع الوسادة على وجهه وهو يقول: - مجهد بس شوية .. سيبينى اصحى براحتى لو سمحتى يا ماما تركته والدته , خرجت وأغلقت الباب خلفها , توضأت وصلت الضحى وظلت تعمل بالبيت حتى الظهيرة وعندما دخلت المطبخ لتعد طعام الغذاء استمعت لرنين الهاتف فشعرت بأن المتصل ماهو إلا دنيا بالتاكيد فقررت تجاهله ولكن الرنين ظل متواصلاً بأصرار حتى اسمعت إلى صوت باب غرفة فارس يفتح وسمعته يجيب الأتصال فخرجت من المطبخ تنظرإليه وهو يتحدث : - أنا فى البيت يا دنيا - ده انت تعبان بجد بقى ! قال بتردد: - لا أنا كويس بس .... نظر إلى والدته وركز بصره عليها وهو يخشى من ردة الفعل وقال: - الدكتور حمدى بلغنى انهم رفضونى فى النيابة شهقت والدته وهى تضع يدها على صدرها واتسعت عينيىها بصدمة بينما وهتفت دنيا غير مصدقة: - بتقول ايه يا فارس قال مؤكداً وقد لمعت عيناه بالدموع وهو ينظر إلى والدته التى بدا عليها عدم الأتزان واستندت إلى الجدار بجوارها : - بقولك رفضوا يا دنيا رفضونى هتفت دنيا صارخة فى نفس اللحظة التى سقطت والدته فيها مغشياً عليها. *** الفصل السابع "ها يا دكتور ماما عاملة ايه" نطق فارس هذه العبارة وهو يفرك يديه فى توتر بالغ و ينظر إلى الطبيب بقلق,دَون الطبيب أسماء بعض الأدوية فى ورقة من دفتره ثم فصلها وأعطاها لفارس قائلاً: - متقلقش والدتك كويسة الحمد *** ..الضغط بس علي عليها شوية.. بس مفيش حاجة خطر الحمد *** ألقى فارس نظرة على الورقة بيده فقال الطبيب متابعاً: - دى أقراص بسيطة كده للضغط لازم تواظب عليها خرج فارس بصحبة الطبيب من غرفة والدته وهو يقول متسائلاً: - طب هى هتفوق أمتى يا دكتور نهض عمرو واقفاً هو ووالدته وهو يستمع لحديث الطبيب الذى كان يجيب فارس قائلاً: - أنا ادتها حقنة تنزل الضغط وهتفوق دلوقتى ان شاء **** ..متقلقش خرج الطبيب من المنزل وأغلق فارس الباب خلفه واستدار فى مواجهة عمرو الذى قال بلهفة: - خير يا فارس؟؟ جلس فارس وهو يقلب الروشتة بين يديه وكأنه فى عالم آخر وقال بشرود: - الدكتور بيقول ضغط .. كنت متأكد أنها مش هتستحمل الصدمة توجهت والدة عمرو داخل الغرفة التى كانت أم فارس ترقد بها وهى تقول بتبرم: - ضغط أيه وبتاع أيه .. هو حد يصدق كلام الدكاترة شد عمرو على يده قائلا: - بسيطه يا فارس ان شاء ****.. متشيلش نفسك أكتر من كده.. أنت ملكش ذنب ..أنت كمان اتصدمت.. بس ولا يهمك انت مجال شغلك مفتوح وانت شاطر ....مش هتقفل على حكاية النيابة دى يعنى.. ركز بقى فى الماجيستير وبعده الدكتوراه وفى جوازك أنتبه فارس لعبارة عمرو الأخيرة وتذكر دنيا التى تركها تصرخ على الهاتف وهرع إلى والدته , سمعا صوت والدته تناديه بوهن : - فارس يا فارس نهضت أم فارس من فراشها بمساعدة والدة عمرو فى أثناء دخول فارس وعمرو الذى قال يداعبها: - ألف سلامة عليكى يا بطة حاولت أن تبتسم وهى تنظر إلى فارس ولكنها لم تستطع, ساعدها فارس على الجلوس مرة أخرى على الفراش وجلس بجوارها , قبل رأسها وقد لمعت عيناه بالدموع وهو يقول انكسار: - أنا آسف يا أمى أنا السبب فى اللى حصلك ده..لو كان بايدى كنت... قاطعته والدته وهى تحاول صبغ صوتها بنبرة حاسمة: - مش عاوزه اسمع منك الكلام ده تانى.. كل شىء نصيب .. أنا كل اللى يهمنى انك تبقى مبسوط ومرتاح ومش عاوزه حاجة تانية من الدنيا.. أنا يابنى لو كنت حاطة أمل على الشغلانة دى فده كان علشان كنت شايفاك متمسك بيها وبتحلم بيها لكن انا عن نفسى مفيش حاجة تفرق معايا ولا تريحنى غير سعادتك انت وبس .. سواء كنت محامى ولا مستشار أنحنى فارس مقبلاً كفها وقد أعطته أمه دفعة لأن يتماسك أكثر وتتراجع دموعه وتجف قبل أن تظهر مرة أخرى وقال: - [B]** يخليكى ليا يا ست الكل **[/B] يديكى الصحة سمع عمرو طرق خفيف على باب الشقة فقال وهو يخرج من الغرفة : - أنا هروح اشوف مين .. ده أكيد حد من الجيران توجه عمرو إلى الباب وفتحه , نظر إليها غير مصدق وقال بدهشة: - عزة! خفضت عزة رأسها بخجل وتنحت جانباً فظهرت والدتها وأختها عبير من خلفها, حاول عمرو السيطرة على مشاعره وهو ينظر إليها وقال وهو يبتعد عن الباب: - أتفضلوا دخلت جارتهم أم عزة يتبعها الفتاتان وهى تقول بقلق: - فى ايه يا بشمهندس.. ايه اللى حصل للست ام فارس أشار إلى الغرفة قائلاً: - الضغط بس علي عليها شوية .. أتفضلى هى جوى هنا ومعاها فارس دخلت أم عزة مسرعة ووقفت عبير وعزة فى الخارج, حاول عمرو النظر إلى عزة مرة أخرى فخطف نظرة سريعة وهو يقول بابتسامة: - أزيك يا أنسه عزة شعرت عزة بالخجل لسؤاله أياها فقط , بينما قالت عبير بدهشة ممزوجة بابتسامة خفيفة : - كويسين الحمد *** لا يعلم لماذا شعر بعاطفة كبيرة تجتاحه تجاهها بدون سابق أنذار وكأن وقوفها بقربة قد حرك مشاعره وزاد لهفته عليها وعلى الأرتباط بها, لقد تردد كثيراً وهو غير متأكد من سبب تردده , كان يظن من وجهة نظرة أنها متعلقة بفارس ولكن لا دليل على ذلك , وقد يكون أساء بها الظنون ولكن هل يترك الظن يتلاعب به أكثر من هذا , شعر بالخوف عندما تذكر كلمات فارس له عندما أخبره بأنه ربما يتقدم لها شخصاً آخر وقد يقبله أهلها هل ينتظر لتضيع من بين يديه هكذا بسبب تردده وقلقه من شىء ليس له وجود , عندما وصل لهذه النقطة شعر باندفاع لم يشعر به من قبل, ولم لا أحياناً يكون التهور هو الحل الوحيد لأنهاء ما يدور من صراعات بداخلنا. كانت الفتاتان ينظران إليه وهو شارداً تماماً وكأنه فى عالم آخر وقد خرجت والدتهما بصحبة والدة عمرو ويتبعهم فارس وأمه التى كانت تستند على ساعده وقالت لعمرو بامتنان: - معلش يابنى تعبناك معانا نظر إليها وكأنه لم يسمعها وصوب بصرة باتجاه والدة عزة وعبير, أخذ نفساً عميقاً وقال باندفاع : - طنط انا بحب عزة وعاوز اتقدملها موافقة ولا لاء ثم تنفس لاهثاً وكأن وحشاً كان يطارده , صوب الجميع نظراتهم إليه ما بين دهشة وابتسامة واستنكار وحياء , وأسرعت عزة بالخروج من الشقة ووجهها كحبة الطماطم وتبعتها عبير التى كانت تبتسم بسعادة ودهشة , هتفت والدته به : - أنت عبيط يا واد ولا أيه.. فى حد يطلب طلب زى ده قدام البنات كده ..مش فى أصول؟! بينما ابتسمت والدة عزة وقالت موجهة كلامها لأم عمرو: - عبيط ليه بس يا ام عمرو هو قال حاجة عيب.. هو بس استعجل شوية ضحك فارس متناسياً همومه وهو يقول: - يخرب عقلك يا عمرو انا كنت اعرف انك مجنون بس مش للدرجة دى وأخيرا قال عمرو حانقاً: - يعنى هى دى المشكلة دلوقتى .. خلاص انا آسف بس انا مصمم على طلبى على فكرة ومش هتنازل عنه ونظر إلى أم عزة قائلاً برجاء : - أنا صحيح لسه متخرج من كام شهر بس ان شاء **** هشتغل قريب.. أنا بس عاوز يبقى فى كلام رسمى يعنى علشان محدش يسبقنى أكد فارس كلام صديقه وقال بثقة: - ان شاء **** كام يوم وعمرو يروح يعمل مقابلة فى شركة هندسية بتاعة أخت الدكتور حمدى .. نظر له عمرو بدهشة فأومأ فارس برأسه مؤكداً وقال: - أنا كلمتلك الدكتور من يومين تقريبا .. بس اتلخمت فى اللى حصلى ونسيت اقولك ثم نظر فارس إلى أم عزة وقال: - الدكتور حمدى أكدلى حكاية الشغل دى يا طنط قاطعهم صوت جرس الباب المفتوح , نظر فارس تجاهه فوجد دنيا تقف بزاوية من الباب وتنقل نظرها بينهم بتوتر , شعر بالدهشة وهو مقبل عليها حتى وقف أمامها وهو يشير إليها بالدخول قائلاً: - تعإلى يا دنيا أتفضلى قالت والدته معرفة أياها لهن: - دى دنيا خطيبة فارس أستأذن الجميع بالأنصراف وجلست دنيا وهى تنظر لوالدة فارس قائلة: - حمد *** على سلامتك يا طنط - **** يسلمك يا بنتى نظر إليها فارس تدور تساؤلات كثيرة بعقله وتظهرها عينيه وقال: - عرفتى منين ان ماما تعبانة قالت بتوتر: - قابلت عزة تحت وانا طالعة وقالتلى لاحت ابتسامة سخرية على شفتى أم فارس وقد علمت أن دنيا قد أتت لشىء آخر ولاحظت نظرات التوتر فى عينيها فقالت وهى تنهض : - طب عن اذنك يا بنتى هقوم ارتاح شوية وقالت موجهةً حديثها لفارس: - قوم يابنى قدملها حاجة وتركتهم وتوجهت لغرفتها وقف فارس قائلاً: - هعملك شاى معايا أشارت إليه وقد نهضت هى الأخرى فى مقابلته وقالت محاولة السيطرة على نبرة صوتها: - الكلام اللى قلتهولى فى التليفون ده صحيح يا فارس جلس مرة أخرى وقال دون أن ينظر إليها: - هو الكلام حد يهزر فيه يا دنيا سقطت العبرات من عينيها وقد تأكد لديها الخبر وقد كانت تتمنى أن يكون مازحاً أو ما شابه لقد سقطت أحلامها وهوت وانسلت من بين يديها , كانت تهوى جمع حبها بفارس مع منصبه الرفيع الذى كان يحلم به وقد جعلها تتعلق به معه وتراه ليل نهار وتضع نفسها بجانبه داخل هذا البرواز المزركش المرصع بالمنصب والمستوى المرتفع والكلمة المسموعة ,قالت بحزن وكأنها تهزى: - يعنى أيه .. حلم السنين راح خلاص ..كل حاجة راحت من بين أيديا نظر إليها وقد عاوده شعوره بالندم والإنكسار مع كلماتها المؤنبة وقال محاولاً أضفاء بعض الأمل على قلبها: - لا مش كله.. أنا فاضلى كام شهر واخلص الدبلومة التانية وابدأ فى الماجيستير وان شاء **** بعدها الدكتوراة أستطردت مقاطعةُ أياه قائلة: - وهتفرق فى أيه ماجيستير ولا حتى دكتوراة .. برضة فى الآخر شغال بمرتب عند الأستاذ حمدى تنفس بعمق وهو يستمع لكلماتها تشق قلبه بحروفها الحادة وقال : - لا ما انا فى يوم من الأيام هفتح مكتب إن شاء **** وساعتها الدرجات العلمية دى هتنفعنى اوى فى شغلى لاحت ابتسامة سخرية على شفتيها وهى تقول: - اه ..فى يوم من الأيام لم يعد قادراً على التحمل وكل كلمة من كلماتها تنغمس بين ضلوعه لترديه يائساً وبعنف فنهض بحدة وقال: - أنا كنت فاكرك هتقفى جنبى يا دنيا وتشجعينى أواصل طريقى ..أه صحيح كده الطريق هيطول شوية.. بس فى الآخر هنوصل ان شاء **** نظر إليها فوجدها واجمة صامتة فجلس بقربها وأخذ كفها بين راحتيه قائلاً: - أنا مش عاوزك تيأسى كده .. فاكرة لما كنتِ بتقوليلى أنا واثقة انك هتوصل يا فارس انت جواك عزيمة توصلك المريخ.. فاكرة؟! أبتسمت بضعف وهى تومأ برأسها وتقول: - فاكرة قال مشجعاً: - يبقى تقفى جانبى لحد ما نوصل سوا نظرت إليه بعينين زائغتين وقالت: - وانت فاكر ان أهلى هيوافقوا اقعد استناك كل ده .. لحد ما تجيب مكتب وبعدين تجيب شقة ونفرشها بالمرتب اللى بتاخده من مكتب الأستاذ حمدى قال باستنكار: - وشقه ليه مش احنا متفقين هنعيش هنا مع ماما..وهى معندهاش مانع .. وهنيجى على نفسنا شوية وممكن أوى نأجر شقة تنفع مكتب مش لازم نشترى يعنى كفاية الإيجار.. وبكده يبقى جمعنا بين الجواز والمكتب فى نفس الوقت صمتت وطال صمتها فحثها قائلاً: - ردى عليا مطت شفتيها وقالت بضيق: - أنا لازم أمشى دلوقتى انا اتأخرت أوى **** صاحت أمها فى وجهها وهى تقول: - مش أنا قلتلك الواد ده هيفضل طول عمره فقرى..أنتِ اللى صممتى تتخطبى ليه مش عارفة .. وفى الآخر كلامى طلع هو اللى صح وعاوز ياخدك تعيشى معاه عند أمه فى الحارة وتستنى بقى لما يبقى يفتح مكتب بللت العبرات وجنتيها وقالت باختناق: - كفاية يا ماما كفاية .. اللى فيا مكفينى أرجوكِ **** وقف عمرو أمام هذا المبنى الكبير الكائن فى أحد الأحياء الراقية فى قلب القاهرة وتنقلت عيناه بين اللافتات الكثيرة , ما بين لافتات عيادات أطباء كبار وبين شركات متنوعة أستيراد وتصدير ومقاولات وشركات هندسية , وهنا توقف نظرة عند أحدى اللافتات الكبيرة والتى من الواضح أنها تحتل أكثر من ثلاثة طوابق فى المبنى الكبير, مشى ببطء داخل ردهة الشركة يتأمل الفخامة والديكور المميز الذى يدل على ذوق رفيع وبذخ فى الإنفاق , ظل يجول ببصره حتى سمع صوت أنثوى يقول بلباقة : - أهلا وسهلا يا فندم أقدر أساعد حضرتك أزاى ؟ أنتبه على صوت موظفة الأستقبال ونظر إليها متفاجأَ وقالال: - هه..اه..أنا المهندس عمرو..عندى معاد النهاردة مع المهندسة إلهام أبتسمت السكرتيرة بروتينية وهى ترفع سماعة الهاتف وتضغط أحد الازرار متحدثة لثوان ثم أعادت سماعة الهاتف مكانها وأرشدته إلى مكتب مديرة الشركة , وصل عمرو إلى مكتب سكرتيرة المهندسة إلهام والتى نهضت بابتسامة خفيفة وهى ترحب به وتنهض لتسير أمامه مشيرة للداخل , فتحت الباب الآخر وأشارت له بالدخول بابتسامة قائلة : - أتفضل يا بشمهندس وانسحبت مغلقة الباب خلفها, خطى عمرو داخل المكتب الفخم وهو ينظر حوله ثم إلى تلك المرأة القابعة خلف مكتبها تنظر له بابتسامة وعينين متفحصتين , مدت يدها وصافحته قائلة: - أهلا وسهلا يا بشمهندس ..أتفضل ثم قامت بالتعريف بشخصها قائلة: - أنا البشمهندسة إلهام مديرة الشركة أبتسم عمرو وهو ينظر إليها بترقب , كانت امرأة فى العقد الرابع من عمرها شارف الزمان على طوى نضارة شبابها ولكن من الواضح أنها تعانده بشدة وتصر على محاربة الأيام بالأزياء الحديثة التى لا تليق بعمرها والزينة المُتكلفة التى هى سلاحها الدائم فى هذه المعركة و من الواضح أنها قاتلت فيها باستماتة فلم تخسر منها الكثير, كانت نظرته إليها استكشافية لم تخلو من الفضول ولكن نظراتها هى قد تبدو مختلفة ومتباينة أكثر وذات معنى لم يفهمه عمرو للتو , وأخيراً تكلمت وهى تتلاعب بملفه الخاص بين أصابعها قائلة: - مش ناقصك غير الخبرة ..ودى سهلة أوى أبتسم عمرو بإشراق وقد تيقن من تعيينه بينما بدأت إلهام مناقشته فى طبيعة عمله لدقائق أخرى ثم ضغطت أزرار هاتفها قائلة وهى عيناها لا تفارق عمرو : - أبعتيلى أستاذ صلاح بسرعة أغلقت الهاتف وهى مازالت تتفحصه بابتسامتها المستكشفة , شعر عمرو بالحرج فقال: - طيب أنا ممكن استنى بره مش عاوز اعطل حضرتك اكتر من كده أنتبهت لعلامات الحرج التى ظهرت على ملامحه فعادوت النظر إلى ملفه مرة أخرى وهى تغلقه قائلة: - الأستاذ صلاح هيجى دلوقتى علشان يوريك مكتبك ويعرفك على زمايلك فيه طرق الباب ودخل صلاح , رجل فى أواخر العقد الخامس من عمره , يظهر عليه الوقار والنشاط فى نفس الوقت , دخل وهو يرمق عمرو بنظرات خالية من أى تعبير موجهاً حديثه لإلهام , فقالت بترفع وهى تشير إلى عمرو: - البشمهندس عمرو مهندس مدنى هيبدأ معانا من النهاردة أومأ برأسه لها ثم نظر إلى عمرو بابتسامة ودودة قائلاً: - أهلا بيك يا بشمهندس أتفضل معايا نهض عمرو شاكراً أياها وتوجه فى سرعة للخارج وكأنه يهرب من وحش نظراتها الملتهمة , دخل حجرة مكتبه بصحبة صلاح الذى قال : - إن شاء **** الشغل ترتاح فى الشغل معانا يا بشمهندس رفع الزملاء نظرهم إلى القادم الجديد فأشار صلاح إليه قائلاً: - البشمهندس عمرو هيبقى معاكوا فى المكتب من النهاردة ثم قام بتعريفهم لديه قائلا: - البشمهندس أحمد.. البشمهندس نادر صافح عمرو زملاءه فى ترحاب شديد, شعر به مع أحمد وبعكسه تجاه نادر الذى صافحه ببرود وهو يبسم له بتهكم , لم يوله عمرو اهتمام وجلس خلف مكتبه وهو ينظر له وللكمبيوتر الخاص به بنشوة وسعادة ..كانت هذه هى المرة الأولى التى يشاهد فيها الكمبيوتر خارج أسوار الجامعة فهو لم يكن قد انتشر فى هذا الوقت ليصل للجميع بعد. **** ذهب فارس لصلاة الجمعة فى المسجد الذى اعتاد ارتياده والصلاة فيه وكان فى داخله يتمنى لقاء الشيخ بلال ليتكلم معه ويحكى له ما يجيش بصدره لعله يجد لديه الراحة التى يتلمسها فى كلماته دائماً , وبالفعل عقب انتهاء الصلاة قام يبحث عنه ووجده فى ركن من المسجد يتحدث إلى بعض الشباب ويتمازح معهم بود ويهاديهم ببعض أعواد الأراك وزجاجات المسك الصغيرة التى يحملها دائماً فى جيبه والتى تبعث له دائماً رائحة محببة لكل من يقف بجواره أو يمر بجانبه , وقف ينتظره حتى انتهى من حديثه معهم وعندما لمحه بلال ابتسم وأقبل عليه فرحاً وصافحه بحرارة قائلاً: - واحشنى و**** يا فارس.. أيه يابنى مبقناش نشوفك ليه ودون أن يدرى انسابت عبراته بهدوء وقال بصوت خفيض : - أنا محتاجك أوى يا بلال جلسا إلى أحد أركان المسجد وقال بلال وقد هاله رؤية فارس وعبراته ويستمع إلى صوت آلمه وأحزانه ويأسه وأطرق برأسه أسفاً وهو يسمع منه تجاوزاته التى كانت تحدث بينه وبين خطيبته دنيا ومخالفته لوعده معه من قبل , ظل يستمع إليه فى أنصات شديد حتى انتهى , كان فارس يظن أن بلال سيجيبه ببعض المواساة وربما بعض التقريع أيضا ولكنه وجده يبتسم قائلاً: - أنا هحكيلك حكاية يا فارس عاوزك تسمعها بقلبك قبل ودنك ..أتفقنا أومأ فارس برأسه و بدأ بلال فى سرد حكاية عن أحد التابعين قائلاً: - رجل يُدعى أبا نصر الصياد ، يعيش مع زوجته وابنه في فقر شديد - مشى في الطريق ذات يوم مهموما مغموما ً، يسأل **** تعإلى الفرج والرزق الحلال فزوجته وابنه يتضوران جوعاً . مر على شيخه أحمد بن مسكين' يقول له أنا متعب يا سيدي .. وقرأ التابعي في وجه تلميذه ما يعانيه ، فقال له اتبعني إلى البحر فانطلقا إليه، وقال له الشيخ – راغباً في لجوء مريده إلى [B]** تعإلى : " صلّ ركعتين على نية التيسير" واسأل تعإلى الرزق الحلال الطيب ...فصلى ، ثم قال له : "سم " ، - فكل شيئ بأمر **[/B] .. فقالها . .. ثم رمى الشبكة ، فخرجت بسمكة عظيمة . ... قال له "بعها واشتر بثمنها طعاماً لأهلك ". فانطلق إلى السوق يبيعها ، واشترى فطيرتين إحداهما باللحم والأخرى بالحلوى وقرر أن يعود إلى الشيخ فيقدم إحداهما له اعترافاً بصنيعه . .. رد الشيخ الفطيرة قائلاً : هي لك ولعيالك ، ثم أردف : " لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة " وفي الطريق إلى بيته قابل امرأة تبكي من الجوع ومعها طفلها، فنظرا إلى الفطيرتين في يده وقال في نفسه هذه المرأة وابنها مثل زوجتي وابني يتضوران جوعاً فماذا افعل ؟ ونظر إلى عيني المرأة فلم يحتمل رؤية الدموع فيهما، فقدمهما لها قائلاً: - الفطيرتان لكما .. ظهر الفرح والسرور على محياها ، وسعد ابنها سعادة رقصت لها أسارير وجهه.. وعاد أبو نصر يفكر بولده وزوجته . ما إن سار حتى سمع رجلاً ينادي من يدل على أبي نصر الصياد؟ فدله الناس على الرجل.. فقال له إن أباك كان قد أقرضني مالاً منذ عشرين سنة ثم مات ، خذ يا بني هذه الثلاثين ألف درهم فهو مال أبيك . يقول أبو نصر الصياد وتحولت غنياً بإذن [B]** تعإلى وكثر مالي ، و ملكت البيوت وفاضت تجارتي ، وصرت أتصدق بالألف درهم في المرة الواحدة في شكر**[/B] تعإلى .. ومرت الأيام ، وأنا أكثر من الصدقات حتى أعجبتني نفسي!! وفي ليلة من الليالي رأيت في المنام أن الميزان قد وضع ونادى مناد : أبا نصر الصياد هلم لوزن حسناتك وسيئاتك ، فوضعت حسناتي ووضعت سيئاتي، فرجحت السيئات .. فقلت أين الأموال التي تصدقت بها ؟ فوضعت الأموال، فإذا تحت كل ألف درهم شهوة نفس أو إعجاب بصنيع كأنه لفافة من القطن لا تساوي شيئاً، ورجحت السيئات وبكيَت .. بكيت حتى كادت نفسي تذهب وأحشائي تتقطع . وقلت ما النجاة ؟ وسمعت المنادي يقول : هل بقى له من شيء ؟ فأسمع الملك يقول: نعم بقيت له رقاقتان ... وتوضع الرقاقتان (الفطيرتان) في كفة الحسنات ، فتهبط كفة الحسنات حتى تساوت مع كفة السيئات. فبقيت خائفاً .. وأسمع المنادي مرة أخرى يقول: هل بقى له من شيء؟ فأسمع الملك يقول: بقى له شيء قلت: ما هو؟ ... قيل له: دموع المرأة حين أعطيتها الرقاقتين . فوزنت الدموع، فإذا بها كالحجر الصقيل وزناً .فثقلت كفة الحسنات، ففرحت فرحاً شديداً .. وأسمع المنادي كرة أخرى يقول: هل بقى له من شيء؟ فقيل: نعم ابتسامة الطفل الصغير حين أعطيَت أمُه الرقاقتان ... وترجح كفة الحسنات...و ترجح ...وترجح.. وأسمع المنادي يقول: لقد نجا ... لقد نجا فاستيقظت من النوم فزعا أقول ما قاله لي أحمد بن مسكين حين رد إليّ إحدى الفطيرتين : لو أطعمنا أنفسنا هذا ما خرجت السمكة . أنهى بلال حكايته قائلاً: - فهمت اللى عاوز اقوله يا فارس كان فارس يستمع وهو يشعر بالفهم يغزو قلبه , وكلما سمع وانصت كلما شعر بالرضا, وفهم مالم يفهم من قبل وقال: - فهمت يا بلال.. أنا كنت عايش علشان نفسى وأحلامى وبس .. وعلشان كده خدت على قد ما قدمت. *** الفصل الثامن عاد فارس أدراجه إلى منزله وهو شارداً فى كلام صديقه بلال وأخذ يسمعه يصدح فى عقله ويتردد صداه بداخله مرات ومرات " [B]** بيحبك انه ابتلاك فى الدنيا علشان يفوقك وترجعله.. أحسن ما كان الحساب يجمع فى الآخرة .. وانا مش هتكلم كتير.. أنا هقولك حديث النبى صلى **[/B] عليه وسلم " و إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" عاد من شروده إلى أرض الواقع دفعة واحدة عندما اصطدم بمهرة التى كانت تعبر بوابة بنايتهم وهى تبكى بشدة وتفرك عينيها , حاول أن يحدثها ولكنها أسرعت للداخل فى غضب , لحق بها ووقف يسد الطريق أمامها وقال بأسف حقيقى: - متزعليش بقى خلى قلبك ابيض.. ده احنا اصحاب من زمان يعنى صاحت وهى تبكى: - برضة مخصماك ومش هكلمك .. وانا قلبى مش بيضا ضحك وهو يقول: - لاء انتِ قلبك بيضا انا عارف جلس على أول درجة من السلم ليمنعها من العبور واستند برأسه على قبضته وقال بحزن: - ولو مصلحتنيش هفضل زعلان على طول نظرت له نظرة جانبيه وهى تقاوم تعاطفها معه إلى ان استسلمت فى النهاية قائلة بضجر : - خلاص متزعلش ضحك براحة ثم قال مستدركاً: - قوليلى بقى كنتِ بتعيطى ليه؟! مطت شفتاها وهى تقول بحزن: - كنت رايحة ألعب مع البنات فى الشارع اللى ورانا بس مرضيوش يلعبونى وقالولى انتِ أوزعة وصغيرة .. قعدت احلفلهم انى عندى 11سنة بس محدش صدقنى ونظرت إليه وقد اغرورقت عيناها بالدموع وهى تقول: - مش بحب حد يقول عليا كدابة حركت دموعها وطريقة بكاؤها أشجانه وقال فى عطف مغلف بالحسم: - متروحيش تلعبى معاهم تانى ولما حد يضايقك متعيطيش أبدا خليكى قوية .. اللى مش مصدقك عنه ما صدقك أنهمرت دموعها وهى تستمع إليه ثم قالت: - وانا ذنبى ايه انى شكلى أصغر منهم ..حتى صحابى فى المدرسة بيضحكوا عليا لا يعلم فارس لماذا ذكرته بنفسه وبحاله , تذكر كلماته مع الدكتور حمدى وهو يقول له " طب وانا ذنبى أيه انى ساكن فى مكان زى ده و ماليش واسطة " , شعر أنه لابد أن يعلمها درساً , لا بل يريد أن يلقن نفسه هذا الدرس أولاً , نظر لها بجدية وقال: - شوفى يا مهرة.. أنتِ أه شكلك اصغر من سنك .. لكن انتِ ذكية جدا وكل الناس بتحبك .. وتقدرى تتفوقى وتبقى أشطر منهم كلهم .. ولما تكبرى هتبقى أحسن منهم كلهم إن شاء **** لما تتفوقى عليهم بعقلك مش بشكلك ولابجسمك .. ذاكرى وابذلى مجهود كبير وخلى المدرسين يعجبوا بيكى وبشطارتك ويحبوكى ..هتلاقى صحابك فى المدرسة هما اللى عاوزين يصاحبوكى ويلعبوا معاكى ويذاكروا معاكى كمان علشان يتعلموا منك.. أنتِ تقدرى تغيرى مستقبلك بعقلك ومجهودك مش بطولك ولا بشكلك. نظر فى عينيها التى كانت تنظر له باهتمام وأنصات وتحاول استيعاب كلماته وقال: - فهمتينى يا مهرة حركت رأسها موافقةً ببراءه وهى تقول: - فهمت شعر بأنتشاء شديد يغزو كل كيانه وكأنه رسم صورة ذهنية لعقله ووضع فيها كل ما يحب أن يضع, كل فى مكانه تماماً , سيأخذ بالأسباب ويجتهد , وفى نفس الوقت ستكون الآخرة هى غايته وليس الدنيا كما كان يفعل من قبل , لن يجعل أحلامه تطغى على كل شىء وكل شخص حوله كما كان يفعل سابقاً . *** جلست عبير بجوار أختها عزة وهى تتفحصها قائلة: - يعنى مردتيش يا عزة على كلام ماما نظرت لها عزة فى توتر وهى تقول : - أقول أيه بس يا عبير .. أصلا بابا مش هيوافق تدخلت والدتها قائلة: - أختك بتسألك على رأيك مش على رأى ابوكى فركت عزة كفيها فى توتر شديد وقالت بتلعثم: - أنا أصلى اتفاجأت ومحتاجة وقت افكر يا ماما أرتسمت علامات الغضب على وجه والدتها وهى تهتف بها: - تفكرى فى أيه.. هو عمرو غريب عاوزه تعرفى أخلاقه ؟ ولا مش عارفين أهله ! أنكمشت عزة من ردة فعل والدتها الغاضبة وأحمر وجهها ولاذت بالصمت فنهضت عبير وهى تقول لوالدتها: - معلش يا ماما سيبيها دلوقتى .. من حقها تفكر برضة نهضت والدتهما فى تبرم وهى تتمتم: - بنات آخر زمن أغلقت عبير باب غرفتهم واقتربت من أختها وجلست بجوارها وهى تضع ذراعها على كتفيها وقالت بحب: - أنا حاسة بيكى يا عزة.. متفتكريش ان محدش حاسس بيكى تسللت دمعة خارج مقلتيها معلنة عن قلق وخوف واضح وهى تقول بخفوت: - لا يا عبير مش اللى فى دماغك سبب ترددى أبتسمت عبير وهى تمسح عبرتها بأناملها وقالت بحنان: - مش مهم أيه السبب.. المهم اننا نعرف رأيك فى عمرو.. طيب انتِ حاسة بقبول ناحيته ؟ أبتعلت ريقها بصعوبة وقالت: - عادى يا عبير مش حاسة برفض ولا بقبول عادى .. أنا أصلا طول عمرى بتعامل مع عمرو على أنه اخويا مش أكتر أبتسمت عبير وهى تقول : - طب أيه رأيك لو بابا وافق تدى لنفسك فرصة وتبدأى تعامليه بطريقة مختلفة ثم ضحكت وهى تتذكره وقالت: - وبصراحة الطريقة المجنونة اللى طلبك بيها تخلينى متأكدة أنه هيقدر يخليكى تحبيه .. أديله و ادى لنفسك فرصة لوحت عزة بيدها متبرمة وهى تقول: - بتكلمى كأن بابا وافق خلاص شعرت عبير بمزيج مختلط من المشاعر وهى تقول : - ملكيش دعوة بـ بابا .. بابا كان دايما يشكر فى عمرو وهو لو رفض يبقى مفيش غير سبب واحد وانا ان شاء **** كفيلة انى اقنعه ثم نظرت لعينيها بعمق وهى تقول: - أخلصى بقى من المشاعر السلبية اللى كابسة على نفسك دى.. واللى مخلياكى مش عارفة راسك من رجلك ومأجله حياتك كلها بسببها.. وصدقينى مفيش حاجة هتخرجك من الدوامة دى غير عمرو ..انا متأكدة رفعت عزة كتفيها وهى تنظر لعبير بدهشة قائلة: - ومالك متأكدة كده ليه ضحكت عبير وقالت: - منا لسه قايلالك.. مجنون وبيحبك وزى ما ماما قالت كده عنده استعداد يفضل يلف ورا بابا لحد ما يقنعه .. يعنى مُصر عليكى يعنى من الآخر كده رخم وهتحبيه يعنى هتحبيه . **** خرج باسم من حجرة مكتبه وقال موجهاً حديثه لـ دنيا: - تعالى شوية يا أستاذة دنيا لو سمحتى نهضت دنيا وهى تحاول أن لا تصطدم بنظرات فارس المحذرة وتوجهت إلى حجرة مكتبه ولكنها لم تنسى تنبيهات فارس لها سابقاً بأن تترك الباب مفتوحاً , جلست أمامه بتساؤل وكانت تتوقع بحكم عمله كمسؤول عن ملفات القضايا فى المكتب أن يكون الحديث حول ذلك ولكنها وجدته ينظر لها مبتسماً وهو يقول: - أنا هفتح مكتب خاص بيا تعجبت للحظات وهى تنظر إليه بدهشة , فما شأنها بذلك , ثم قالت بتباطؤ: - مبروك يا أستاذ باسم .. بس انا أيه دخلى فى الموضوع أتسعت ابتسامته أكثر وهو يتفحصها بجرأة ويقول: - أنا عاوزك تيجى تشتغلى معايا باغتها بطلبه فارتبكت وصمتت برهة لتفكر فى الأمر فقطع شرودها قائلاً: - هو انتِ مرتبك هنا كام؟ علت دهشتها وقالت بسرعة: - حضرتك أكيد عارف فأومأ برأسه وقال بثقة: - مرتبك عندى هيبقى ضعف مرتبك هنا 3 مرات..ها قولتى أيه ثم استدرك قائلا : - بس ده فى الأول .. لكن بعد ما تاخدى خبرة .. ممكن يبقى ليكى نسبة فى القضايا وانتِ وشطارتك أدارت عبارته رأسها وتسائلت: - وحضرتك اخترتنى أنا ليه بالذات قال بجرأة وصراحة: - عجبتينى قالت دنيا باستنكار: - عجبتك يعنى أيه رمم عبارته المتصدعة وحاول أن يجعلها أكثر تهذيباً وقال: - قصدى يعنى بيعجبنى طموحك العالى .. و اللى هيموت فى المكتب ده وبالمرتب اللى بتقبضيه هنا صمتت وهى تنظر أمامها بشرود , تفكر فيما يقول , فقال مؤكدًا : - معايا ممكن فى يوم من الأيام تحطى يافطة بأسمك جنب يافطتى.. ويبقى ليكى مكتب خاص تستقبلى فيه زباينك .. موافقة؟ نهضت واجمة وهى تقول ببطء: - أدينى فرصة افكر فقال موافقاً: - فكرى براحتك ..عموما انا لسه قدامى مش أقل من شهرين تلاتة علشان انقل شغلى هناك *** وقفت بجواره لتستقل سيارة أجرة كما تفعل دائما, لا يرحل قبل أن يطمئن عليها , وضع بعض الحدود بينهما فى التعامل فى حدود علاقة الخطبة التى تربط بينهما ولكنه لم يستطع الأنتظار أكثر من هذا , أنها لم تجبه ولم تعطى قرارها حتى هذه اللحظة , ألتفت إليها قائلا بجدية: - مردتيش عليا لحد دلوقتى فى موضوع كتب الكتاب زفرت بضيق قائلة: - أنا مش عارفة أنت مستعجل كده ليه.. أنا وافقت على كل كلامك اللى قلته.. مبقناش نتكلم ولا نتقابل حتى النظرة مبقتش تبصهالى وانا كل ده متكلمتش ووافقتك... أيه المطلوب مني تانى شعر بكلماتها تقطر حنقاً وضيقاً من هذا الوضع فقال مؤكداً: - ماهو علشان كده أنا مستعجل على كتب الكتاب نظرت فى ساعة يدها تستعجل الوقت وهى تقول : - مش هينفع يا فارس كتب كتاب دلوقتى خالص .. نستنى شوية لما ظروفنا تتحسن.. وكمان فاضلك شهرين تقريبا وتخلص الدبلومة وتبدأ فى الماجستير.. ركز بقى وحاول تخلصها بدرى ولما تخلصها يا سيدى نبقى نشوف هنعمل ايه.. أنا مش عارفة انت قلقان ليه كده ! *** أنكمشت فى فراشها كما تفعل دائما عندما تواجهها مشكلة ما , وظلت عبارات باسم تتردد فى أذنيها : - مرتب 3 أضعاف .. وفى المستقبل يافطة جنب يافطتى.. نسبة من القضايا ظلت تقارن هذا الوضع بتلك الذى ينتظرها فى مكتب الأستاذ حمدى مهران , إلى متى ستظل هكذا تجد وتعمل فى أرهاق وتعب والمقابل ضعيف , ولم لا تغير حظها بيدها فى مكان آخر بمقابل افضل. ولكن ترمومتر فطرتها الأنثوية مازال يعمل , أنبأها بأن باسم لم يريدها إلا لرغبة فى نفسه وأن الأسباب التى قالها تنطق بالكذب , هل تستطيع أن تحسم أمرها وتعمل معه ولكن تنتبه لنفسها وتحسب ألف حساب لكل كلمة وكل حركة وكل ردة فعل ؟ ..أم تبقى كما هى, حتى لو وافقت هل سيوافق فارس . بالطبع لا , سيرفض أيما رفض وسيتمسك برأيه , بل ومن الممكن أن يخيرها بينه وبين العمل مع باسم, وظلت تسأل نفسها فى تردد وقلق , لا بد من حل ما يرضى جميع الأطراف ولكن أين هو؟ **** خرج والد عزة من المسجد الصغير بعد انتهاء **** العشاء وهو يبحث بعينيه عن حذاءه بين كومة الأحذية أمام المسجد حتى وجده أخيراً , أنحنى ليلتقطه ولكنه فوجىْ بمن يسبقه إليه ويناوله أياه بابتسامة ودودة فابتسم شاكراً وهو يقول: - متشكر أوى يا عمرو يابنى أتسعت ابتسامة عمرو وهو يقول: - العفو يا عمى.. أستنى حضرتك أجيب الجزمة بتاعى ونروح سوا وظل يتلفت حوله وهو يقول بتمثيل مكشوف: - ياترى راحت فين .. مع أنى لما باجى أصلى هنا كل يوم بحطها فى نفس المكان تبسم والد عزة وهو يشير لقدم عمرو قائلاً: - ما انت لبسها أهى يابنى نظر عمرو إلى قدميه بصدمة واضحة وهو يقول: - أيه ده مش معقول .. لبستنى أمتى دى ضحك والد عزة وهو يقول: - طب لو ماشى يالا أنا مستعجل سار عمرو بجوار والد عزة بمنتهى الأدب والتواضع وهو يتصنع الوقار قائلاً: - بس انا دايما باجى اصلى هنا هو حضرتك مبتجيش بانتظام ولا ايه ضحك الرجل مرة أخرى فـ محاولاته مكشوفة دائما وقال: - معلش بقى يمكن مش بنتقابل من الزحمة ولا حاجة سارا بعض خطوات فى سكون غير مناسب لشخصية عمرو ولذلك لم يحتمل كثيراً وقال بشغفه المعهود: - حضرتك مردتش عليا يا عمى فى موضوع الآنسه عزة وقف والد عزة ونظر إليه بملامح جامدة وقال: - لا.. رديت عليك وقولتلك **** ييسر الأمر لما نشوف اختها الأول قال عمرو بضيق: - ياعمى طب انا كده مفهمتش حاجة ..أنا كده متعلق تابع والدها بنفس ملامحه الجامدة: - عاوزنى اكسر قلب بنتى الكبيرة ؟ قال عمرو بتبرم واضح: - لا يا عمى اكسر قلبى انا براحتك مشي بجواره حتى وصل إلى منزله وهم بالصعود ولكن عمرو لم يتركه , لا يزال يلح باستماتة ووالدها يؤجل باستماتة ايضاً وأخيراً قال : - طيب يابنى **** يعمل اللى فيه الخير..سبنى أطلع بقى أوقفه عمرو مرة أخرى وهو لا يعلم ماذا يقول , كان يأمل فى أن يقنعه بالموافقة ولكن محاولاته جميعاً باءت بالفشل الذريع , قاطع شروده صوت والد عزة وهو يقول بضيق: - هتفضل وافقلى كده على السلالم أبتسم عمرو ابتسامة مصطنعة وهو يقول : - طب استنى حضرتك بس عاوز اقولك على حاجة وبعدين اطلع عقد الرجل ساعديه أمام صدره بضيق وقال بغضب : - أتفضل يا سيدى ...قول رسم عمرو ملامح الجدية على وجهه وقال باهتمام: - كان فى مرة فى بلد أوروبى أقلية *****.. وكانوا بيصلوا العصر فى المسجد بعد ما خلصوا **** .. دخل عليهم واحد ماسك سكينة كبيرة وقال: - مين فيكم هنا ****؟ الناس بصت للسكينة اللى مع الراجل ومحدش اتجرأ ينطق إلا واحد بس هو اللى اتشجع وقال : - أنا **** فالراجل أخده بره المسجد بعيد شوية عن الناس وقاله انا **** فى السر ومحدش يعرف وجبت خروف وعاوز أدبحه على الطريقة الأسلامية .. بتعرف تدبح وتسلخ؟ فالراجل قاله : - أنا بعرف ادبح لكن مبعرفش اسلخ .. روح شوف حد تانى بيعرف يسلخ بعد ما دبحوا الخروف الراجل رجع للمسجد تانى وكان ماسك السكينة وفيها ددمم الخروف وقال للناس: - مين فيكم **** تانى الناس كلها بصت للسكينة اللى فى أيده واترعبوا ومحدش نطق لكن شاوروا على الأمام اللى كان بيصلى بيهم وقالوا: - ده **** فالأمام اتخض وقالهم برعب: - فى أيه ..هو علشان صليت بيكم ركعتين خلاص بقيت **** ؟!! أنفجر والد عزة ضاحكاً وبعد أن هدأت ضحكاته , باغته عمرو مرة أخرى قائلاً بلهفة : - ها يا عمى وافقت على الجواز !! **** الفصل التاسع صعد والد عزة إلى شقته أخيراً والأبتسامة تعلو شفتيه على أثر دعابة عمرو التى ألقاها عليه منذ قليل , جلس بين زوجته وبناته أمام التلفاز وهو يضرب كفاً بكف ويقول : - أما و**** حاجة عجيبة نظرت له زوجته باهتمام وابتسمت هى الأخرى لرؤيتها ابتسامته وقالت: - هو أيه اللى عجيب؟ ألتفت إليها بابتسامتة وهو يستند بساعديه إلى حواف مقعده ويقول: - البشمنهدس عمرو يا ستى.. بقاله كام يوم مش سايبنى فى حالى وعمال يلف ورايا زى النحلة حانت منه ألتفاتة إلى عزة التى أشاحت بوجهها سريعاً ونهضت قائلة: - طب انا هدخل انام بقى تصبحوا على خير أقتربت عبير من والدها على المقعد المجاور له وهى تتسائل: - هو كلمك تانى يا بابا؟ هم أن يجيبها ولكن والدتها قاطعته قائلة: - قالك اشتغل ولا لسه يا ابو عبير أشاح بوجهه عن زوجته ونظر إلى عبير مرة أخرة وقال: - يشتغل ولا ميشتغلش دى حاجة تخصه هو.. وانا مالى ثم نهض واقفاً وتوجه نحو غرفته, تبعته عبير بنظرها حتى دخل غرفته وأغلق بابها خلفه فنهضت واقفةً وهى تقول لوالدتها: - ماما انا هدخل اتكلم مع بابا شوية .. مينفعش اسكت اكتر من كده ! وقفت عبير أمام غرفة والدها وطرقت الباب بخفة و عندما جاءها صوته يأذن بالدخول دلفت على الفور فوجدته يجلس على الأريكة بجوار النافذة ويقرأ بمصحفه قليلاً قبل النوم كما هى عادته دائماً , نظر لها مبتسماً بحنان وهو يقول: - تعالى يا عبير جلست بجواره على الأريكة وقالت برجاء: - بابا أرجوك توافق على خطوبة عمرو وعزة صمت برهة وقال بضيق: - مين اللى قالك تيجى تقوليلى كده.. أمك ؟ أبتلعت ريقها وقالت بوجل: - بابا ..أنا عارفة حضرتك بتأجل الموضوع ده ليه .. وصدقنى يا بابا انا الحكاية دى متفرقش معايا خالص .. بالعكس و**** .. أنا اتمنى ان عزة تتخطب النهاردة قبل بكره وخفضت نظرها وقالت بخفوت: - لو سمحت يا بابا متخالنيش احس انى واقفة قدام سعادة اختى ومستقبلها هتف مستنكراً: - ايه اللى بتقوليه ده يابنتى .. وانتِ عرفتى منين ان سعادتها فى الجوازه دى أبتسمت بمرارة وهى تقول: - يا بابا حضرتك طول عمرك بتشكر فى عمرو .. وزى ما حضرتك قلت من شوية انه عمال يلف زى النحلة وبيزن عليك .. ليه بقى اكون انا السبب انى اضيع على اختى واحد بيحبها وكمان عارفين أخلاقه وأهله وكل حاجة عنه ؟ تذوقت مرارة ابتسامتها لأول مرة وشعرت بها تغص حلقها فابتلعتها برضى وهى تقول: - الحمد *** يا بابا انا عارفة ان كل شىء نصيب وانا هيجيلى نصيبى لحد عندى سواء دلوقتى ولا بعدين.. لكن انا عمرى ما هبقى سعيدة ابدًا وانا رابطة اختى جنبى كده وهى ذنبها ايه طيب نظر لها والدها بمشاعر مختلطة بين الفخر والحزن وهو يقول: - ونعم العقل والإيمان يا بنتى.. أنا كنت بقول لامك عبير قاعدة طول النهار تسمع فى شرايط وداخلة وخارجة تحضر دروس فى المسجد ومكنش عاجبنى .. مكنتش اعرف انك بتستفيدى بيها بالشكل ده .. **** يرضى عنك يابنتى لمعت دموع الفرح فى عينيها وهى تقول بلهفة: - يعنى حضرتك وافقت يا بابا أبتسم وهو يربط على ساعدها قائلا: - وافقت نهضت فى سعادة وهى تهتف بفرحة حقيقية: - أنا هروح ابشر ماما *** كانت عبير منحنية تزيل بعض آثار التراب فى غرفة الأستقبال فاعتدلت عندما سمعت نداءات والدتها المتتالية قائلة : - خلاص يا ماما انا خلصت أهو أقبلت والدتها مسرعة وهى تنهرهما قائلة: - معقوله كده الناس زامنهم جايين ولسه مخلصتوش ونظرت إلى عزة وقالت بعتاب ثم قالت وهى تدفعها للخارج: - جهزى نفسك بسرعة خلاص زمانهم جايين خرجت عزة وهى تتمتم ببعض الكلمات معترضة, بينما نظرت الأم إلى عبير وهى تجتهد فى أبراز جمال الغرفة باهتمام فاقتربت منها وقالت برفق: - عقبال يومك يا عبير يا بنتى أستدارت لها عبير وهى مبتسمة فوجدت نظرة مشفقة تطل من عيني والدتها , غاصت تلك النظرات فى قلب عبير حتى شعرت بأنها شجته نصفين , قاتلت حتى تستطيع رسم ابتسامة عذبة على شفتيها وقالت تداعبها: - أيه بقى يا ست ماما انتِ عاوزه تخلصى مننا كلنا علشان الجو يخلالك انتِ وحبيب القلب ولا ايه ضحكت أمها وقد تلاشت نظرة الحزن من عينيها وقالت : - أنتِ بس لو تعقلى كده وتشيلى البتاع ده من على وشك وانتِ خارجة.. والعرسان تشوفك بدل ما انتِ مخبية نفسك كده محدش عارف انتِ حلوة ولا وحشة قالت عبير بثقة وهدوء: - يا ماما اللى هيجى يتقدملى علشان انا حلوة.. و اللى هيخاف يتقدملى احسن اكون وحشة.. الاتنين ميلزمونيش وقلتهم أحسن ومش طالباهم بصراحة فقالت أمها وهى تدفعها هى الأخرى للخارج: - طب يالا روحى شوفى اختك بتعمل ايه يا ام لسانين تجهز البيت وتزين لاستقبال جيرانهم الأعزاء عمرو ووالده ووالدته, وبعد الترحيب والاستقبال الحار وعبارات الود والمحبة , جلس الجميع فى غرفة الأستقبال , ثم نهضت والدة عزة واقفةَ بابتسامة واسعة وتوجهت نحو غرفة الفتيات فوجدت عزة تكاد تبكى وهى تقول لعبير: - مش عاوزه اخرج يا عبير.. طب خلى مامته هى اللى تيجى هنا قاطعتهما والدتهما وهى تهتف بها بصوت خفيض: - تيجى هنا فين يا بت انتِ حاولت عبير دفع عزة تجاه والدتهما وهى تقول بتشجيع: - يابنتى اطلعى أومال هتكلمى معاه ازاى .. مش انتِ اللى طلبتى تقعدى معاه الأول أخذتها والدتها من يدها كالأطفال وخرجت بها وهى خافضة لرأسها إلى الارض خجلا من الموقف , وقفت والدة عمرو واحتضنتها وقبلتها بشدة وهى تضغط على ساعديها مرة وعلى ظهرها وكتفيها مرة أخرى مرحبة بها ومستكشفة لها عن قرب وأجلستها بجوارها , أبتسمت عزة بخجل وهى تجيب أسألتهم عن أحوالها بصوت خفيض مرتبك بينما كان عمرو مسلط نظره عليها يريد منها التفاتة واحدة فقط نحوه ولكنها لم تفعل, حتى عندما سألها عن أحوالها اجابت بصوت يكاد يكون مسموعاً , لاحظ ذلك والدها , أنها لم ترفع عينيها لعمرو قط فنهض وهو يقول موجهاَ حديثه لزوجته: - هاتلنا بقى يا حجة العصير هنا .. وخدى الولاد بره فى الصالة يقعدوا يتكلموا مع بعض شوية نهض عمرو من فوره فى سرعة وسعادة بينما وقفت عزة على مضض , جلست عزة على المقعد المواجه لغرفة الأستقبال حيث يقع عليها نظر والدها كما تم الأتفاق مسبقاَ معه وجلس عمرو على المقعد المجاور , ذهبت والدتها للمطبخ لأحضار العصائر التى كانت عبير قد أتمت أعدادها وأعطتها لوالدتها على الفور, خرجت من المطبخ ووضعت أكواب العصير أمام عزة وعمرو وعادت لغرفة الأستقبال مرة أخرى. ظل عمرو يعصر ذهنه ليتذكر وصايا فارس له ولكنه لم يتذكر شىء على الأطلاق , فقرر أن يتصرف بنفسه , فألقى نظرة على غرفة الأستقبال ثم نظر إليها يتفحصها وقال بصوت تسمعه هى فقط: - أزيك يا وزة ألتفتت إليه باستنكار فشعر أنه ارتكب جرماَ فقال بتلعثم: - قصدى أزيك يا أنسه عزة خفضت نظرها مرة أخرى وهى تقول: - الحمد *** كويسة مسح عمرو شعره وقال بتردد: - طيب انا سامعك لو فى حاجة عاوزه تسالينى فيها ألقت عليه نظرة خاطفة أنهتها سريعاَ وقالت بجدية: - أنا كنت عاوزه اعرف انت عاوز تجوزنى ليه.. واشمعنى انا يعنى ؟؟ باغتته بالسؤال , شعر بالارتباك وصمت قليلا وهو ينظر إليها , فقالت : - أيه مش لاقى أجابة ولا محرج تجاوب رفع حاجبيه بدهشة وقال: - يعنى أيه محرج أجاوب أرتسمت على جانبى شفتيها ابتسامة ساخرة صغيرة وهى تقول: - يعنى محرج تقولى أنك زيك زى شباب كتير عاوز يتجوز وخلاص ومش فارق معاك انا بالذات يعنى .. علشان كده محرج تجاوب ...صح؟ زال الارتباك الذى كان قد شعر به كلياَ وشبك أصابع كفيه أمامه وهو يتكأ إلى ركبتيه وقال بثقة: - لا مش صح فقالت ببطء : - أومال سكت ليه.. مكنتش محضر أجابة هز رأسه نفياَ وقال بثقة أكبر: - لاء مش علشان مكنتش محضر اجابة ..علشان خايف أجابتى تسببلك أحراج رفعت كتفيها وأخفضتهما سريعاَ وهى تنظر إليه قائلة: - لا عادى .. مفيش أحراج ولا حاجة نظر فى عينيها بعمق وقال بهدوء: - علشان بحبك أحمرت وجنتيها تلقائياَ وخفضت عينيها فتابع حديثه: - بحبك من زمان .. من زمان أوى .. من واحنا لسه فى الثانوية العامة.. بالتقريب كده من ساعة ما مشاعرى ابتدت تتحرك أساساَ واعرف الحب كانت تستمع إليه فى ارتباك وخجل وتكاد تقطع شفتاها من كثرة الضغط عليها بدون وعى فقال وهو مازال ينظر إليها ويتابعها حركاتها وسكناتها: - عرفتى بقى مكنتش عاوز اجاوب ليه لم تستطع أن تنتظر أكثر من هذا , كلماته ونظراته اخترقت خجلها وشعرت أنه يرى قلبها من خلف ضلوعها وهو ينبض بعنف ويتابع اندفاع دماء جسدها كله من خلف شراينها إلى وجهها ورأسها , لامت نفسها على السؤال الذى طرحته والذى كان السبب فيما قال كانت تعرف أن عمرو جرىء ومندفع ولكن لم تكن تعلم انه من الممكن أن يقول ما قال بهذا الشكل المفاجىء والصريح لابعد الحدود , بل وكأنه كان يود أن تسأله هذا السؤال ليفصح عن مكنون قلبه ومشاعره تجاهها فنهضت وقد تحشرج صوتها وهى تقول: - طب عن أذنك ودخلت فى سرعة لغرفتها وهى ترى ما حولها باللون الاصفر, أو هكذا يبدو!, أستقبلتها عبير وهى تنظر لوجهها بدهشة قائلة: - جيتى بسرعة كده ليه ..هو انتِ لحقتى تتكلمى معاه وضعت عزة كفيها على وجنتيها تتحسس حرارتهما وهى تقول باستنكار: - لو كنتِ سمعتى كلمة واحدة من اللى قالهالى كان زمانك قمتى من بدرى أبتسمت عبير وقالت بشغف: - قالك ايه نظرت لها عزة بخجل وقالت بخفوت: - سألته سؤال واحد بس وياريتنى مكنت سألت .. أحرجنى أوى يا عبير وقالى.. قالى بحبك من زمان ضحكت عبير ثم وضعت كفها فوق فمها لتكتم ضحكتها وقالت: - مش بقولك رخم غادر عمرو وأسرته منزلهم ودخلت والدة عزة غرفة بناتها وجلست بجوارهما لتعرف رأى ابنتها ولكنها وجدتها مرتبكة ولم تحدد رأيها بعد , فقالت لها عبير: - خلاص يا ماما احنا اتفقنا انها تستخير الأول وبعدين نشوف نظرت عزة إلى والدتها وقالت برجاء: - ماما انا عارفة انك انتِ وبابا متحمسين لعمرو وبتحبوه .. بس من فضلكم متضغطوش عليا وسبونى افكر على مهلى قالت والدتها بدهشة : - ومين قالك انى جايه اضغط عليكى..انا جاية اعرف رأيك بس مش أكتر.. عمرو لسه قدامه شوية على ما يجهز نظرت لها عزة باستنكار وقالت بحنق: - اومال لما هو مش مستعد دلوقتى مستعجل ليه.. وكان عمال يزن على بابا كل شوية استندت والدتها إلى ظهر السرير ورفعت حاجبيها وهى تقول مداعبة: - أصله خايف حد تانى ياخدك منه ضحكت عبير من أسلوب والدتها وطريقة ألقائها للعبارة وشعرت عزة بالدماء تتصاعد لوجنتيها مرة أخرى , تباَ لهذا العمرو الذى يدفع الدماء إلى رأسها بين الحين والآخر بكلماته , سواء ألقاها هو بنفسه, أم أرسلها لها عن طريق غير مباشر. *** أنطفأت الأنوار وخلد الجميع للنوم وقد سكنت العيون, ولكنها لم تستطع , النوم جافاها وعصتها عيناها فلم تستجب لها, ظلت مفتوحةَ طوال الليل , عبير , ولكن من هو الذى سيستنشق عبيرها المقيد بداخلها, ومتى سيخرج للنور, لماذا تعانين , ما هذه المرارة التى تشعرين بها , بل وتتذوقينها على شفتيكِ , لعلها مرارة الوحدة ؟ , نعم هى ذاك , الوحدة التى تشعر بها رغم كل البشر حولها والأهل والجيرة الطيبة ..ولكن..هى امرأة.. أنثى رغم كل شىء , بداخلها طاقة حب لا تعرف كيف توجهها وإلى من تمنحها , هى أنثى أتمت الثلاثون من عمرها ومازال فراشها بارداً خالياً , بل ومتجمد , ولو لم تكن أختها تشاركها نفس الغرفة لشعرت أنها ملقاة بالصحراء تكاد وحوش وحدتها تلتهمها وهى فريسة وحيدة , بلا مأوى , فاين هو المستقر الدافىء , نعم منتقبة ولكنها ليست متبلدة المشاعر , متجمدة الحس , ليست جماد , ولكن أيضاَ ترفض أن تكون ريشة بمهب الريح لتحركها الشهوات كيف تشاء, فتذهب مترنحة وتعود خاوية , فتتلمس ركعتين فى جوف الليل تناجى ربها , **** عجل لي الخلاص والمفر. *** الفصل العاشر كان باسم يعلم بميعاد خروج فارس من المكتب لذهابه لصلاة العشاء فى المسجد , أنتظر حتى تأكد من ذهابه ثم أرسل فى طلب حضور دنيا إلى حجرة مكتبه , حضرت إليه كما أراد فأشار لها بالجلوس أمامه وفاجأها قائلاً: - كل سنة وانتِ طيبة يا دنيا .. مش عيد ميلادك النهاردة برضة؟ نظرت إليه بدهشة قائلة: - وحضرتك طيب بس عرفت ازاى ان عيد ميلادى النهاردة قال بثقة زائدة: - اللى بيهتم بحد .. بيحب يعرف عنه كل حاجة أخرج علبة متوسطة الحجم من درج مكتبه وقدمها لها قائلاً: - أتفضلى هديتك نظرت إلى العلبة مندهشة ولمعت عيناها من المفاجأة وقالت: - أيه ده موبايل مرة واحدة علت الأبتسامة شفتيه وهو يقول: - ده أقل حاجة ممكن تتقدملك قال عبارته هذه وهو يتفحصها بجرأته المعهودة , شعرت بالخجل من نظراته وقالت بارتباك : - بس انا أسمع انه بيبقى مع رجال الأعمال بس علشان شغلهم يعنى ..أنا بقى هعمل بيه أيه قال ببساطة: - لا ده كان أول ما نزل مصر .. دلوقتى ابتدى ينتشر.. وبعدين يا ستى علشان لما أحب أطمن عليكى ..أصلك لسه مردتيش عليا فى موضوع الشغل وانا خلاص شهر وماشى من هنا وعاوز أعرف أكلمك وقت ما أحب لم تكن كلماته تحمل معنى آخر , نظرت إلى العلبة بين يديها سعيدة بها وحائرة هل تقبلها أم لا , إنها هدية ليست بالبسيطة وفى نفس الوقت ماذا ستبرر ذلك لفارس .. وكأنه قرأ أفكارها التى ظهرت جلية فى عينيها وهى تنظر للعلبة فقال باصرار: - أنا مش هتنازل عن أنك تقلبيها .. ألتفتت إليه فقال: - وبعدين يا ستى لو خايفة من الإحراج مش لازم تقولى أنى انا اللى ادتهولك وكأنه أعطاها المخرج من تلك الورطة فابتسمت وهى تقول: - متشكرة أوى يا أستاذ باسم على الهدية مد يده ليصافحها قبل أن تخرج وضغط على كفها بين أصابعه برقة وقال: - دى حاجة بسيطة بالنسبة للى جاى .. لو وافقتى تشتغلى معايا خرجت دنيا من حجرة مكتب باسم مسرعة وهى تخشى أن يكون قد عاد من **** العشاء ولكنها استرخت وهى لا ترى فى الحجرة سوى نورا فقط , والتى كانت منكبة على عملها باهتمام, حشرت العلبة فى حقيبة يدها عنوة ووضعتها تحت مكتبها الخاص حتى لا تلفت الأنتباه بانتفاخها وواصلت عملها بنظرات زائغة وكأن شيئا لم يكن. عاد فارس وحسن من **** العشاء وجلس كل منهما خلف مكتبهما ولكن نورا لم تنسى تحييه بابتسامة قائلة: - تقبل **** - منا ومنكم نظر حسن إلى الجميع باهتمام وقال وكأنه سيدلى بمعلومة سرية: - أنتوا عرفتوا يا جماعة أن الأستاذ باسم هيسيب الشغل هنا وهيفتح مكتب خاص بيه؟ قال فارس دون أن يرفع نظره إليه بلا مبالاة: - أيوا عارفين قالت نورا باهتمام : - تفتكروا مين اللى هيمسك أدارة المكتب مكانه يا جماعة أكمل حسن حديثه وكأنه لم يستمع إليها قائلا: - طب عارفين انى هروح معاه نظر له فارس باستنكار وقال: - ليه يا حسن .. أنت هنا بتاخد خبرة أكبر وبتتعلم من الدكتور حمدى قال حسن بتهكم وهو يشير إلى حجرة باسم: - وهناك هاخد فلوس أكتر ردت دنيا بحماس وكأنها قد وجدت من يعينها ويفكر مثلها: - برافو عليك ده تفكير منطقى جدااا ألتفت فارس وقال بضيق: - تفكير منطقى ازاى يعنى ..الفلوس مش كل حاجة أومأت نورا موافقة لكلامه وقالت: - ده صحيح .. الخبرة وسمعة الدكتور حمدى أكبر من المرتب بكتير ثم التفتت إلى حسن وهى تتابع حديثها: - وبعدين يعنى الفرق مش هيبقى كبير عقد حسن ذراعيه أمام صدره وقال مخالفا: - ولو جنية واحد زيادة.. هيفرق معايا..وبعدين انتوا مش ملاحظين ان الشغل هنا ابتدى يقل .. وأخفض صوته وهو يستطرد قائلا: - والدكتور كمان مبقاش يجى كتير قال فارس بانفعال: - ده علشان الدكتور مبيقبلش قضايا المخدرات والقضايا المشكوك فيها.. يعنى على الأقل يا أخى ضامن ان مرتبك من فلوس حلال أبتسم حسن بسخرية وهو يفتح ذراعيه قائلا: - أهلا الشيخ فارس وصل هب فارس واقفا بغضب وأشار له محذرا وقال: - ألزم حدودك معايا يا حسن وقفت نورا مسرعة وهى تقول منفعلة: - أيه يا أساتذة صلوا على النبى كده واهدوا ..كده صوتنا هيوصل للدكتور أسندت دنيا رأسها إلى كفيها وهى تنظر إليهم مشتتة أفكارها وهى تقول فى نفسها: - أومال لو قلتله انى عاوزه اروح اشتغل معاه هيعمل فيا أيه *** أوت إلى فراشها ليلاً وهى تمسك بالهاتف النقال فى يد, وبالكتالوج فى اليد الأخرى محاولةً فك طلاسم هذا الهاتف وهى تتمتم بسخرية من جهلها , وفجأة صدح رنينه بين يديها, تفاجأت وهى تنظر لأسم باسم تضىء به شاشة هاتفها وهمهمت قائلة: - معقول.. مديهولى وهو مسجل اسمه عليه ترددت لبرهة ثم قررت الرد فقال على الفور: - ها التليفون عجبك أستيقظ فارس قبل الفجر بساعة وهو يمد يده ويطفىء ساعته المنبهة التى تصدح يوميا فى مثل هذا الموعد معلنةً عن وقت **** القيام , تململ فارس فى فراشه وهو يشعر بأجهاد شديد وكأنه لم ينم إلا منذ لحظات قليلة ولكنه جاهد نفسه وهب واقفاً حتى لا يفكر فى العودة إلى النوم مرة أخرى ويغلبه كسله وأجهاده , توضأ وعاد إلى غرفته وجلس وهو ممسكأ بالمصحف يقرأ ورده الليلى , شرد بعقله قليلاً وهو يفكر كيف لم يفكر فى أن يطلب من الدكتور حمدى بأن يفصل بين النساء والرجال فى مكتبه, خشية الاعتياد والألفة التى تضفى صفات خيالية محببة بين الزملاء والزميلات والتى قد تطور إلى مفهوم آخر. وضع المصحف جانباً ووقف يصلى القيام وأطال فيه حتى ركع وأطال فى الركوع حتى سجد ولأول مرة يشعر بسجود قلبه مع سجود جبهته, أطال السجود وهو يشعر بحلاوته التى يتذوقها بقلبه وجوارحه, أغمض عينيه وهو يدعو, لا يريد أن يفارق تلك السجدة التى وجد حلاوتها ووجد نفسه يدعو" اللهم أكفنى بحلالك عن حرامك وأغننى بفضلك عمن سواك " *** دخلت والدتها لتوقظها فى الصباح فوجدت الهاتف النقال بجانبها فأخذته وظلت تنظر إليه بأمعان وتتفحصه وباليد الأخرى توقظ دنيا وتهزها هاتفةً بها: - قومى يا دنيا.. أيه اللى جاب التليفون ده معاكى نهضت دنيا متكاسلة وهى تتثائب فتحت عيونها فوجدت والدتها تمسك هاتفها النقال بين يديها وتقلبه متسائلةً: - بتاع مين ده يا دنيا؟ أنتزعته من يد والدتها وهى تقول برجاء: - **** يخليكى يا ماما مش عاوزه بابا يعرف ليقعد يحقق معايا نظرت لها والدتها بشك وقالت: - وانا يعنى مش هسألك قبلتها دنيا على وجنتها وقالت : - أنتِ مامتى حبيبتى مش هتعقديلى الدنيا زى بابا أبعدتها والدتها عنها قليلا وبرفق قالت: - طب جاوبينى مين اللى أدهولك - أستاذ باسم مدير المكتب اللى حكتلك عنه قبل كده أنه عاوز ياخدنى معاه مكتبه - وجابهولك بمناسبة ايه ده - بمناسبة عيد ميلادى يا حبيبتى صمتت والدتها قليلا ثم قالت بتوجس: - مش عارفة.. مش مرتاحة عانقتها دنيا وقبلتها مرة أخرى وهى تنهض من الفراش قائلة بثقة: - متقلقيش يا حبيبتى .. أنا عارفة بتعامل مع الناس ازاى نظرت والدتها إليها وقد خرجت من الغرفة ثم التفتت إلى الهاتف الملقى على الفراش وشردت تماما , ولأول مرة تشعر بالقلق حيال تصرفات ابنتها. *** ويوم الخميس وفى المساء كان منزل عزة مهيأ لتلك المناسبة المبهجة , حفل خطوبة عزة وعمرو, كان الحفل بسيط , ينعزل فيه الرجال عن النساء نوعا ما, فالنساء فى الصالون والرجال فى الخارج يفصل بينهما باباً لا يكاد ينغلق من الزحام , لذلك احتفظت عبير بنقابها حتى لا يراها أحد دون أن تشعر. لم يكن هناك شخص أسعد منه فى تلك اللحظة التى طوق خاتم خطبته أصبعها, وأخيرا أصبحت له , لم يكن بحاجة إلى التعبير عن سعادته فلقد تكفلت عيناه بهذا الأمر مما جعل عزة تشعر بتأنيب الضمير لأنها لا تبادله نفس مشاعره ولا حتى جزء منها غير الأحترام وفقط! كان فارس يجلس مع الرجال فى الخارج وفجأة شعر بمن يهزه من الخلف , نظر خلفه فوجد مُهرة , أبتسم كعادته كلما رآها واستدار إليها فى جلسته ودون أن يقف , أقتربت من أذنه وهى تشير إلى محمود أخو عمرو الأصغر والذى لم يتجاوز الثانوية بعد وهى تقول : - ألحق يا فارس.. الواد الرخم ده بيضايقنى نظر فارس إلى حيث تشير ثم نظر إليها مرة أخرى متعجباً وقال: - بس هو شافك أزاى أصلاً علشان يضايقك نظرت له بغضب ومطت شفتاها وقالت: - أنت كمان بتتريق عليا قال مداعباً: - طب متزعليش بقى خلاص انا هقوم أكسرلك عضمه ثم حك ذقنه وهو يقول: - هو ضايقك ازاى يعنى.. خد منك حاجة؟ حركت رأسها نفيا وقالت: - لاء بيقولى شعرك حلو أوى نظر لها بدهشة ثم تصنع الجدية والغضب وهب واقفا وهو يقول: - طب استنى هنا انا هروح أكسرهولك تقدم فارس من محمود أخو عمرو وهى تتبعه كظله وقال مداعباً له : - أنت يا أخ انت بتعاكس خطيبتى ليه ضحك محمود وهو يقول: - خطيبتك أيه يا أبيه فارس .. بقى الأوزعة دى خطيبتك صاحت مُهرة من جواره بغضب: - أنا مش أوزعة أمسكه فارس من شعره كما يفعل به دائما كلما رآه وقال له: - عارف لو شفتك بضايقها تانى هعمل فيك أيه ..هحلقلك شعرك اللى فرحان بيه ده زلبطة ثم التفت إلى مُهرة وأشار لها آمراً وقال بجدية مصطنعة : - اتفضلى يا هانم اقعدى جوه مع الستات .. أيه اللى مطلعك وسط الرجالة أستدارت مُهرة وهى تنظر إلى محمود بانتصار وشماتة ودخلت عند النساء كما أمرها فارس بينما قال فارس لمحمود بجدية: - أنت من صغرك كده هتقعد تعاكس البنات.. أومال لما تكبر شوية هتعمل ايه ..وبعدين ملقتش إلا مُهرة يعنى قال محمود بخجل: - بصراحة يا أبيه فارس أنا ناوى اخطبها لما تكبر.. أنا رايح تالتة ثانوى وهى رايحة تالتة أعدادى.. يعنى قريبين من بعض أمسكه فارس من كتفه وقال بجدية: - بقولك ايه يا محمود .. أنت فى مرحلة حرجة دلوقتى .. يعنى تركز فى مذاكرتك أحسن يابنى علشان تعرف تدخل كلية محترمة , وبعدين يعنى اشمعنى مُهرة .. دى شعرها أطول منها - ماهو ده اللى عاجبنى فيها يا أبيه كتم فارس غيظه وهو ينظر إليه شاعراً بتفاهته وقال: - هو انا واقف معاك ليه أصلا .. أمشي يالا من هنا وقفت امرأة بجوار عبير عن قصد وقالت بتشفى : - عقبالك يا حبيبتى نظرت لها عبير بود وقالت : - جزاكِ **** خيرا يا طنط عقبال بناتك **** كده لما تفرحى بيهم ضحكت المرأة وهى تنوى أغاظتها وقالت: - بناتى ! ..أنا بناتى اتجوزوا من زمان يا حبيبتى .. مفيش واحدة فيهم قعدت لبعد العشرين ..عقبالك انتِ بقى صمتت عبير ولم ترد فقد شعرت فى نبرة المرأة شىء غير مريح فآثرت الصمت حتى لا تحدث مشكلة تعكر صفو خطبة أختها ولكن المرأة لم تصمت ولم تتوقف وقالت: - هو انتِ عديتى التلاتين ولا لسه يا عبير بدون شعور منها وجدت العبرات طريقها إلى عينيها , حاولت منعها حتى لا تشمت بها تلك المرأة أكثر فرفعت يدها وأنزلت البيشة على عينيها فوق ال**** وهى تقول: - لا لسه يا طنط ..عن أذنك مرت بهدوء لتخرج من غرفة الصالون ولكن والدتها نادت عليها قائلة : - اطلعى يا عبير هاتى صندوق حاجة ساقعة من بره على السلم خرجت مسرعة فى طريقها للباب الخارجى للشقة وهى تحاول دفع دموعها للتراجع ولكن بلا جدوى , حتى انعدمت الرؤيا تماما لديها واختل توازنها وهى تحاول حمل الصندوق ولم تشعر إلا وهى تسقط من أعلى درجات السلم وفقدت الوعى. هنا انتهت السلسلة الاولى .. تكملة الاحداث فى السلسلة الثانية : : انتظروا السلسلة الجديدة [/QUOTE]
إدراج الإقتباسات…
التحقق
1+1
رد
قسم قصص السكس
قصص غير جنسية
مع وقف التنفيذ | السلسلة الاولى | ـ عشرة اجزاء
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
موافق
معرفة المزيد…
أعلى
أسفل