ج
جدو سامى 🕊️ 𓁈
عنتيل زائر
غير متصل
طلب المرأة الرّجل للزواج... عادة عربية تحاول العشائر وأدها
تخطر ببال كثيرين فكرة أن جميع التّقاليد ضمن العشائر العربية، مجحفة في حق المرأة، فهي تتزوج قاصراً، وتنجب وهي ****، ولا حق لها في اختيار شريك حياتها في كثير من الأحيان، وغالباً لا ميراث لها، وتتمتع بحياء مفرط وباللهجة العامية "مكسورة عينها". لكن ماذا لو قلنا لك إن هنالك عادةً في العشائر العربية تجبر فيها المرأة الرّجل الذي تشير إليه بأصبعها على الزّواج منها، حتى لو كان غير راغب في ذلك؟
ما كُتب في المقدمة ليس خيالاً أو ترهات، إنه الواقع. فما أن تدخل المرأة العربية في شمال سوريا وشرقها، على رجل وهو جالس في "ربعة" أو "جمعة"، وتقول له كلمة "طلبتك" فقط، حتى يُجبَر الرّجل المقصود على الزّواج منها، حتى لو كان لا يريدها أو لم يرَها من قبل، وذلك خوفاً من العار.
كثيرون لم يسمعوا بذلك من قبل، من شبّان اليوم وشاباته من أبناء العشائر، وذلك لأن هناك تكتماً كبيراً على الأمر، وإخفاءً للحالة برغم ندرتها بين العائلات أو ضمن أفراد العشيرة الواحدة، حتى أنه من الصّعب على المرأة التي تفعل ذلك أن تتحدث في الموضوع علناً، إلا نادرا.
تقول خديجة الخلف (35 عاماً)، وهي من مدينة الرقة، وتقطن حالياً في ألمانيا: "زوجي هو أحد أبناء عمومتي وقريبي، كانت له زوجة أولى له منها أربعة أطـفال، وهو من ريف القامشلي. في إحدى المرات وهو في زيارة لأقاربنا في الرقة، وفي أثناء جلوسه بينهم، دخلت وجلست معهم وقلت له خلال الحديث: طلبتك، وتعني أريد الزواج منك. أخذ الأمر بالمزاح بينما كنت جادّةً. كان ذا مظهر جميل وشخصيته جيدة، فضلاً عن سلاطة لسانه وذكائه. آمنت بأن هذا الرّجل سيسعدني، وبأنه نصفي الآخر".
كان في زيارة لأقاربنا في الرقة، وفي أثناء جلوسه بينهم، دخلت وجلست معهم وقلت له خلال الحديث: طلبتك، وتعني أريد الزواج منك. أخذ الأمر بالمزاح بينما كنت جادّةً، وتزوجته!
وتضيف في حديثها إلى رصيف22: "حدث هذا برغم أني كنت في العشرين من عمري، وهو في الأربعين آنذاك. نعم، إحدى بناته من زوجته الأولى كانت في عمري"، ثُم تُكمل: "لم يستجِب لطلبي، بحكم أنه كان متزوجاً وأنا صغيرة، لكنني ألححت عليه. كنت أرسل له وأؤكد عليه في كل مرة يذهب فيها أحد أقاربنا إلى القامشلي. استمر ذلك لمدة أربع سنوات بعد طلبي الأول".
وتقول: "أصبح الكل يعرفون بقصتي، وأقصد بالكل؛ أقاربنا وأصدقاءنا المُقربين، ولأن هؤلاء بدأوا بتعييره، بالفعل أرسل في طلبي من عائلتي بعد أن قرر الزواج بي. نعم كان مجبراً نوعاً ما، لأن عيار رجال العرب من العيار الثقيل".
وتوضح خديجة: "كنت موافقةً، لكن عائلتي اشترطت عليه إن أراد الزواج بي أن يزوّج إحدى بناته لأخي وهو ما يُعرف عندنا بالبدل. ربما خشيت أسرتي أن أُظلَم معه بسبب فارق العمر، وكوني أنا من بادرت إلى طلبه، وبالفعل وافق، وتم الزواج الذي لم أندم عليه يوماً، والآن ابنته هي زوجة أخي أيضاً".
وينتشر زواج البدل بين العشائر العربية، وهو أنك إن طلبت فتاةً من عائلتها، فإن من حق العائلة الأخرى أن تطلب فتاةً من أسرتك أيضاً، أي نعطيك الزوجة مقابل زوجة، إلا أن أسوأ ما في هذه العادة أن 90 في المئة من النساء اللواتي يتزوجن زواج البدل مهددات بالطلاق، في حال حدثت خلافات وصلت إلى الطّلاق بين الطرفين الآخرين، اللذين تزوّجا معهما ضمن إطار البدل نفسه.
لدى خديجة ثلاثة أطـفال الآن، وتروي أنها تعيش "في منزل زوجها معززةً مكرمةً، لأن العِشرة أكدت لها صحة خيارها"، وتقول: "لكنني عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، أحزن على زوجته الأولى التي لم تتقبل الأمر فانفصلت عنه، إلا أن ذلك لم يدفعني في السابق ولا الآن للتراجع، لأنني وضعت في حسابي الاحتمالات كلها التي قد أتعرّض لها".
هل يمكن رفض الطّلب؟
يسرد الثلاثيني ماجد محمد، من ريف مدينة الحسكة، من عشيرة المعامرة، موقفاً مشابهاً حدث له: "كنت جالساً بين رفاقي، وإذ بفتاة مارّة من أمامنا تتوقف. نادتني باسمي ونطقت كلمة طلبتك. المفاجأة وقتها بدت جليةً على ملامح وجهي، لا سيما بعد أن نظرت إلى رفاقي الذين راحوا ينظرون إليّ باستغراب، مركّزين على ما سأقوله".
وعن ردّه، يقول محمد لرصيف22: "رفضت الأمر بسرعة، لأن الفتاة لم تكن تعجبني نوعاً ما، وذلك برغم معرفتي بأن التعيير ينتظرني، لذا بقيت أياماً أبحث عن حل". ويضيف: "أنقذني والدها، الذي أخبرها بأنني 'حيرت' إحدى بنات عمومتي، فتراجعت عن الطلب من تلقاء نفسها".
ينتشر زواج البدل بين العشائر، وهو أنك إن طلبت فتاةً من عائلتها، فإن من حق العائلة الأخرى أن تطلب فتاةً من أسرتك
ويُعدّ "الحيار" عادةً شهيرةً بين العشائر العربية، إذ يطلب العم ابنة أخيه عندما تولد، وغالباً لتكون زوجةً لابنه عندما تبلغ أو عندما يكون الوقت مناسباً لزواجها، ولا يُفكّ "الحيار" إلا بتراجع العريس عنه أو موت الفتاة أو الشاب.
ويقول محمد إنه شعر وقتها بـ"الفخر وزيادة الثقة بالنفس"، ويشرح ذلك: "تنتابك مشاعر بأنك مرغوب، إذ من شبه المستحيل في عشائرنا أن تُقدِم فتاة على هذه الخطوة، لأنها قائمة على الكثير من المخاطرة، وربما لذلك هي نادرة الحدوث".
وللرجل الذي تطلبه المرأة العربية للزواج، صفات يجب أن يتمتع بها من وجهة نظرها، كأن يكون كريماً أو وسيماً أو له خلق ودين، ولديه شخصية قوية، ومشهوراً بين الناس بذلك، وبالطبع يتوقف ذلك على رؤيتها.
يقول ماجد: "لا يمكن رفض طلب الزواج إلا إن هي تراجعت عنه، وإن كانت الفتاة غير جميلة إطلاقاً وتشكو من علّة ما، أو إن كنت متزوجاً من أربع نساء ولا تريد أن تطلّق إحداهن. في الواقع من شبه المستحيل الرّفض، لأنك ستتحول إلى أضحوكة، وإلى موضوعٍ للسخرية في كل جلسة".
سلبيات وانتقادات
يقرّ ماجد بأن لمثل هذا العمل الكثير من السلبيات؛ "يُجبَر الرّجل على الزّواج، لكنه مع أول خلافٍ معها سيعيّرها على أقل تقدير ويقول: 'أنت اللي حفيتي وراي لحتى تزوجتك، ما حدا ضربك عإيدك'، أي 'بالمشرمحي' يعيّرها مهما كانت دوافعها، وسيكون من الصّعب أن تلجأ إلى أسرتها، لأنها تسببت في إخجال ذويها أمام العشائر الأخرى في منطقتها".
زينب الحميد (27 عاماً)، التي تسكن في تركيا، وهي من عشيرة الجبور، تنتقد بشدة إقدام المرأة على طلب الرجل، وتُرجع السّبب إلى أنّ "النساء حساسات في أمور الحب والعشق أكثر من الرّجال عموماً، وبحكم عاداتنا فإن الرّجل مُجبَر على الزّواج إن طلبته امرأة، ولا يمكن له التّراجع إلا في حال تراجعت هي، وهذا من شأنه أن يسبب نفور الرّجل منها وأن ينظر إليها باستحقار".
وتضيف في حديثها إلى رصيف22: "من الممكن أن يطلقها أو يتزوج عليها ربما واحدةً أو اثنتين أو ثلاثاً، حتى لو أنجب منها أطـفالاً، ذلك أن رجالنا معروفون بتعدد الزيجات، كونهم دائماً ما يستعملون الشّرع كذريعة، وتالياً لن تجني من حبّها لهذا الشّخص سوى وصمة العار التي ستلاحقها حتى آخر نفس، إن لم يكن من الناس فمنه هو، لذا فهذه الحالة من الزواج لا تحدث إلا مع واحدة من أصل ألف امرأة في عشائرنا".
وتقول: "أعرف شابةً طلبت قريباً لها في أحد المجالس، وهو لا يريدها، لكنه أُجبر على الزّواج منها، خوفاً من تعيير أقربائه"، وتضيف: "ناهيك عن نعتها بصفات كـ'البرعة'، وقليلة الحياء، والوقحة وأقوال كـ'المخرز لا يبط عينها'... وغيرها، وإن لم يكن هذا أمامها فسيكون من وراء ظهرها. وإن كان واحد من كل مئة شخص يرون هذه الخطوة جرأةً، فإن البقية لا يعتقدون ذلك، برغم أنها من التقاليد الموجودة لدينا".
"يزوّجون الفتاة قاصراً، أو لرجال يملكون المال، بحجة أنها ستكون سعيدةً وتنعم بالرغد، أو بحجة أن زواج البنت سترة، ولكنهم يحاولون وأد تقليد أن تطلب هي شريك حياته"
كذلك، تنتقد زينب تشرذم العادات والتقاليد في مجتمعاتنا: "يزوّجون الفتاة قاصراً، أو لرجال يملكون المال، بحجة أنها ستكون سعيدةً وتنعم بالرغد، أو بحجة أن زواج البنت سترة، ولكنهم يحاولون وأد تقليد أن تطلب هي شريك حياتها".
وبرغم ندرتها ووشوكها على الاندثار وكثرة الانتقادات الموجهة إليها اليوم بين العشائر العربية، إلا أن طلب المرأة للزواج من الرّجل أمرٌ موجود في قصص التّاريخ.
ولعل أشهر قصة يمكننا ذكرها هي قصة طلب خديجة بنت خويلد، وهي في الأربعين من عمرها، للنبي محمد بن عبد الـله، وهو في الـ25، لما لمسته من الصّدق والأمانة فيه، بعد أن أرسلته في تجارة لها، ربحت أضعاف ما كانت تربحه سابقاً، الأمر الذي استجاب له الأخير، ولعل العرب أخذوا هذا التقليد من هذه القصة.
وهناك أمثلة عدة أخرى، كطلب زليخة للنبي يوسف، والتي أفنت شبابها في سبيل عشقه وحاولت بكل الطّرق الوصول إليه، حتى استجاب الأخير لطلبها.
وهنا يطرأ سؤال إلى الأذهان: هل يا ترى النساء هن أكثر حياءً وكرامةً من خديجة بنت خويلد، أول من آمن بالإسـلام، ومن زليخة التي كانت يوماً ما من أعزّ نساء مصر وأقواهنّ وأكثرهنّ سطوةً؟ أم أن مقاييس العرب هي التي تغيرت؟
حاولنا كثيراً التواصل مع شيوخ العشائر للحديث عن الموضوع وتوضيح الأمر وفهمه أكثر، إلا أنّ هذه الجهود باءت بالفشل، وقوبلت بالرفض وعدم الرّد في كثير من الأحيان.
تخطر ببال كثيرين فكرة أن جميع التّقاليد ضمن العشائر العربية، مجحفة في حق المرأة، فهي تتزوج قاصراً، وتنجب وهي ****، ولا حق لها في اختيار شريك حياتها في كثير من الأحيان، وغالباً لا ميراث لها، وتتمتع بحياء مفرط وباللهجة العامية "مكسورة عينها". لكن ماذا لو قلنا لك إن هنالك عادةً في العشائر العربية تجبر فيها المرأة الرّجل الذي تشير إليه بأصبعها على الزّواج منها، حتى لو كان غير راغب في ذلك؟
ما كُتب في المقدمة ليس خيالاً أو ترهات، إنه الواقع. فما أن تدخل المرأة العربية في شمال سوريا وشرقها، على رجل وهو جالس في "ربعة" أو "جمعة"، وتقول له كلمة "طلبتك" فقط، حتى يُجبَر الرّجل المقصود على الزّواج منها، حتى لو كان لا يريدها أو لم يرَها من قبل، وذلك خوفاً من العار.
كثيرون لم يسمعوا بذلك من قبل، من شبّان اليوم وشاباته من أبناء العشائر، وذلك لأن هناك تكتماً كبيراً على الأمر، وإخفاءً للحالة برغم ندرتها بين العائلات أو ضمن أفراد العشيرة الواحدة، حتى أنه من الصّعب على المرأة التي تفعل ذلك أن تتحدث في الموضوع علناً، إلا نادرا.
تقول خديجة الخلف (35 عاماً)، وهي من مدينة الرقة، وتقطن حالياً في ألمانيا: "زوجي هو أحد أبناء عمومتي وقريبي، كانت له زوجة أولى له منها أربعة أطـفال، وهو من ريف القامشلي. في إحدى المرات وهو في زيارة لأقاربنا في الرقة، وفي أثناء جلوسه بينهم، دخلت وجلست معهم وقلت له خلال الحديث: طلبتك، وتعني أريد الزواج منك. أخذ الأمر بالمزاح بينما كنت جادّةً. كان ذا مظهر جميل وشخصيته جيدة، فضلاً عن سلاطة لسانه وذكائه. آمنت بأن هذا الرّجل سيسعدني، وبأنه نصفي الآخر".
كان في زيارة لأقاربنا في الرقة، وفي أثناء جلوسه بينهم، دخلت وجلست معهم وقلت له خلال الحديث: طلبتك، وتعني أريد الزواج منك. أخذ الأمر بالمزاح بينما كنت جادّةً، وتزوجته!
وتضيف في حديثها إلى رصيف22: "حدث هذا برغم أني كنت في العشرين من عمري، وهو في الأربعين آنذاك. نعم، إحدى بناته من زوجته الأولى كانت في عمري"، ثُم تُكمل: "لم يستجِب لطلبي، بحكم أنه كان متزوجاً وأنا صغيرة، لكنني ألححت عليه. كنت أرسل له وأؤكد عليه في كل مرة يذهب فيها أحد أقاربنا إلى القامشلي. استمر ذلك لمدة أربع سنوات بعد طلبي الأول".
وتقول: "أصبح الكل يعرفون بقصتي، وأقصد بالكل؛ أقاربنا وأصدقاءنا المُقربين، ولأن هؤلاء بدأوا بتعييره، بالفعل أرسل في طلبي من عائلتي بعد أن قرر الزواج بي. نعم كان مجبراً نوعاً ما، لأن عيار رجال العرب من العيار الثقيل".
وتوضح خديجة: "كنت موافقةً، لكن عائلتي اشترطت عليه إن أراد الزواج بي أن يزوّج إحدى بناته لأخي وهو ما يُعرف عندنا بالبدل. ربما خشيت أسرتي أن أُظلَم معه بسبب فارق العمر، وكوني أنا من بادرت إلى طلبه، وبالفعل وافق، وتم الزواج الذي لم أندم عليه يوماً، والآن ابنته هي زوجة أخي أيضاً".
وينتشر زواج البدل بين العشائر العربية، وهو أنك إن طلبت فتاةً من عائلتها، فإن من حق العائلة الأخرى أن تطلب فتاةً من أسرتك أيضاً، أي نعطيك الزوجة مقابل زوجة، إلا أن أسوأ ما في هذه العادة أن 90 في المئة من النساء اللواتي يتزوجن زواج البدل مهددات بالطلاق، في حال حدثت خلافات وصلت إلى الطّلاق بين الطرفين الآخرين، اللذين تزوّجا معهما ضمن إطار البدل نفسه.
لدى خديجة ثلاثة أطـفال الآن، وتروي أنها تعيش "في منزل زوجها معززةً مكرمةً، لأن العِشرة أكدت لها صحة خيارها"، وتقول: "لكنني عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، أحزن على زوجته الأولى التي لم تتقبل الأمر فانفصلت عنه، إلا أن ذلك لم يدفعني في السابق ولا الآن للتراجع، لأنني وضعت في حسابي الاحتمالات كلها التي قد أتعرّض لها".
هل يمكن رفض الطّلب؟
يسرد الثلاثيني ماجد محمد، من ريف مدينة الحسكة، من عشيرة المعامرة، موقفاً مشابهاً حدث له: "كنت جالساً بين رفاقي، وإذ بفتاة مارّة من أمامنا تتوقف. نادتني باسمي ونطقت كلمة طلبتك. المفاجأة وقتها بدت جليةً على ملامح وجهي، لا سيما بعد أن نظرت إلى رفاقي الذين راحوا ينظرون إليّ باستغراب، مركّزين على ما سأقوله".
وعن ردّه، يقول محمد لرصيف22: "رفضت الأمر بسرعة، لأن الفتاة لم تكن تعجبني نوعاً ما، وذلك برغم معرفتي بأن التعيير ينتظرني، لذا بقيت أياماً أبحث عن حل". ويضيف: "أنقذني والدها، الذي أخبرها بأنني 'حيرت' إحدى بنات عمومتي، فتراجعت عن الطلب من تلقاء نفسها".
ينتشر زواج البدل بين العشائر، وهو أنك إن طلبت فتاةً من عائلتها، فإن من حق العائلة الأخرى أن تطلب فتاةً من أسرتك
ويُعدّ "الحيار" عادةً شهيرةً بين العشائر العربية، إذ يطلب العم ابنة أخيه عندما تولد، وغالباً لتكون زوجةً لابنه عندما تبلغ أو عندما يكون الوقت مناسباً لزواجها، ولا يُفكّ "الحيار" إلا بتراجع العريس عنه أو موت الفتاة أو الشاب.
ويقول محمد إنه شعر وقتها بـ"الفخر وزيادة الثقة بالنفس"، ويشرح ذلك: "تنتابك مشاعر بأنك مرغوب، إذ من شبه المستحيل في عشائرنا أن تُقدِم فتاة على هذه الخطوة، لأنها قائمة على الكثير من المخاطرة، وربما لذلك هي نادرة الحدوث".
وللرجل الذي تطلبه المرأة العربية للزواج، صفات يجب أن يتمتع بها من وجهة نظرها، كأن يكون كريماً أو وسيماً أو له خلق ودين، ولديه شخصية قوية، ومشهوراً بين الناس بذلك، وبالطبع يتوقف ذلك على رؤيتها.
يقول ماجد: "لا يمكن رفض طلب الزواج إلا إن هي تراجعت عنه، وإن كانت الفتاة غير جميلة إطلاقاً وتشكو من علّة ما، أو إن كنت متزوجاً من أربع نساء ولا تريد أن تطلّق إحداهن. في الواقع من شبه المستحيل الرّفض، لأنك ستتحول إلى أضحوكة، وإلى موضوعٍ للسخرية في كل جلسة".
سلبيات وانتقادات
يقرّ ماجد بأن لمثل هذا العمل الكثير من السلبيات؛ "يُجبَر الرّجل على الزّواج، لكنه مع أول خلافٍ معها سيعيّرها على أقل تقدير ويقول: 'أنت اللي حفيتي وراي لحتى تزوجتك، ما حدا ضربك عإيدك'، أي 'بالمشرمحي' يعيّرها مهما كانت دوافعها، وسيكون من الصّعب أن تلجأ إلى أسرتها، لأنها تسببت في إخجال ذويها أمام العشائر الأخرى في منطقتها".
زينب الحميد (27 عاماً)، التي تسكن في تركيا، وهي من عشيرة الجبور، تنتقد بشدة إقدام المرأة على طلب الرجل، وتُرجع السّبب إلى أنّ "النساء حساسات في أمور الحب والعشق أكثر من الرّجال عموماً، وبحكم عاداتنا فإن الرّجل مُجبَر على الزّواج إن طلبته امرأة، ولا يمكن له التّراجع إلا في حال تراجعت هي، وهذا من شأنه أن يسبب نفور الرّجل منها وأن ينظر إليها باستحقار".
وتضيف في حديثها إلى رصيف22: "من الممكن أن يطلقها أو يتزوج عليها ربما واحدةً أو اثنتين أو ثلاثاً، حتى لو أنجب منها أطـفالاً، ذلك أن رجالنا معروفون بتعدد الزيجات، كونهم دائماً ما يستعملون الشّرع كذريعة، وتالياً لن تجني من حبّها لهذا الشّخص سوى وصمة العار التي ستلاحقها حتى آخر نفس، إن لم يكن من الناس فمنه هو، لذا فهذه الحالة من الزواج لا تحدث إلا مع واحدة من أصل ألف امرأة في عشائرنا".
وتقول: "أعرف شابةً طلبت قريباً لها في أحد المجالس، وهو لا يريدها، لكنه أُجبر على الزّواج منها، خوفاً من تعيير أقربائه"، وتضيف: "ناهيك عن نعتها بصفات كـ'البرعة'، وقليلة الحياء، والوقحة وأقوال كـ'المخرز لا يبط عينها'... وغيرها، وإن لم يكن هذا أمامها فسيكون من وراء ظهرها. وإن كان واحد من كل مئة شخص يرون هذه الخطوة جرأةً، فإن البقية لا يعتقدون ذلك، برغم أنها من التقاليد الموجودة لدينا".
"يزوّجون الفتاة قاصراً، أو لرجال يملكون المال، بحجة أنها ستكون سعيدةً وتنعم بالرغد، أو بحجة أن زواج البنت سترة، ولكنهم يحاولون وأد تقليد أن تطلب هي شريك حياته"
كذلك، تنتقد زينب تشرذم العادات والتقاليد في مجتمعاتنا: "يزوّجون الفتاة قاصراً، أو لرجال يملكون المال، بحجة أنها ستكون سعيدةً وتنعم بالرغد، أو بحجة أن زواج البنت سترة، ولكنهم يحاولون وأد تقليد أن تطلب هي شريك حياتها".
وبرغم ندرتها ووشوكها على الاندثار وكثرة الانتقادات الموجهة إليها اليوم بين العشائر العربية، إلا أن طلب المرأة للزواج من الرّجل أمرٌ موجود في قصص التّاريخ.
ولعل أشهر قصة يمكننا ذكرها هي قصة طلب خديجة بنت خويلد، وهي في الأربعين من عمرها، للنبي محمد بن عبد الـله، وهو في الـ25، لما لمسته من الصّدق والأمانة فيه، بعد أن أرسلته في تجارة لها، ربحت أضعاف ما كانت تربحه سابقاً، الأمر الذي استجاب له الأخير، ولعل العرب أخذوا هذا التقليد من هذه القصة.
وهناك أمثلة عدة أخرى، كطلب زليخة للنبي يوسف، والتي أفنت شبابها في سبيل عشقه وحاولت بكل الطّرق الوصول إليه، حتى استجاب الأخير لطلبها.
وهنا يطرأ سؤال إلى الأذهان: هل يا ترى النساء هن أكثر حياءً وكرامةً من خديجة بنت خويلد، أول من آمن بالإسـلام، ومن زليخة التي كانت يوماً ما من أعزّ نساء مصر وأقواهنّ وأكثرهنّ سطوةً؟ أم أن مقاييس العرب هي التي تغيرت؟
حاولنا كثيراً التواصل مع شيوخ العشائر للحديث عن الموضوع وتوضيح الأمر وفهمه أكثر، إلا أنّ هذه الجهود باءت بالفشل، وقوبلت بالرفض وعدم الرّد في كثير من الأحيان.