C
CESAR
عنتيل زائر
غير متصل
اقولها الان و بكل صدق
اقولها الان و بكل صدق
سيزر يضرب و لا يبالي لمن استغني عن خدماتي التي كانت بالمجان ،،، اقولها له الأن سيكون هذا المكان افضل من مكانكم و منتداكم الذي انا عامود من الأعمدة التي شيدته ،،، لذا أعلن من اليوم أني سأنشر كتاباتي حصريا لمنتديات العنتيل فقط (حقوق النشر محفوظة).
سيزر يضرب و لا يبالي لمن استغني عن خدماتي التي كانت بالمجان ،،، اقولها له الأن سيكون هذا المكان افضل من مكانكم و منتداكم الذي انا عامود من الأعمدة التي شيدته ،،، لذا أعلن من اليوم أني سأنشر كتاباتي حصريا لمنتديات العنتيل فقط (حقوق النشر محفوظة).
يوجد عالم أخر! هل سمعتم هذه الجملة من قبل؟ لأنني سمعتها كثيراً في قريتي، لدرجة أنني أصبحتُ أمِل منها و كل مرة اسمعها اضحك و اجعل من الشخص الذي يقولوها اضحوكة امام الجميع. منذ ان كنتُ صغيرة، الناس تتكلم انه يوجد و بكل تأكيد عالم اخر غير عالمنا هذا. لكن لما كُل هذه الثقة؟ اين الاِثبات على وجوده؟ عندما كنت صغيرة سألتُ والِداي عن هذا الشيء لكنهم كانو يضحكو و يلعبو بِشعري قائلين انها مجرد قصص و ان الناس تُحب ان تخلق الاساطير حول امور لا وجود لها من الاصل كي يخيفوا الناس من حولهم او يجعلوهم فضوليين حول امور غبية، من دون سبب اعتقد. لكن عندي سر صغير لم اخبر احد عنه، اخفيه دوماً او احاول ان اتجاهله قدر الامكان. احياناً عندما اذهب للصيد مع ابي في الغابة الكبيرة الموجودة بجانب كوخنا الصغير، اسمع اصوات من خلف الاشجار، اصوات غريبة، كَصوت احد ما يضحك و لكن يوجد خطب ما بصوته....و احياناً اشعر ان اعيُن تراقبني من بعيد. يبدو الامر سخيف، لكنه حقيقي اشعر به كل مرة اذهب مع ابي للصيد، لقد اخبرت ابي عن الامر اكثر من مرة، لكنه في كل مرة يَنفي انه يسمع اية صوت و ان الذي اشعر به ربما فقط خوف من الغابة لانها في الحقيقة كبيرة جداً و يبدو انه لا نهاية لها ابداً. كل مرة اقول لنفسي انه ربما مُحق، ربما لدي خوف من الغابة لهذا انا اتوَهَم بِوجود اصوات غريبة و اعيُن تراقبني، لكن سوف اخبرك عن امر لم اتكلم عنه الى الان.....في مملكتنا او بالأحرى في قريتنا، كانت تحدُث بعض الامور الغامضة، مثل اختفاء الاغراض من اكواخ و من منازل كل شخص او عائلة تعيش بجانب الغابة. و الاسواء، اختفاء الصيادين من دون سبب! هنالك صيادين يذهبو للغابة كي يصطادو الحيوانات، و لكنهم لا يعودو ابداً!! البعض يقول انهم يهربو من مسؤلياتهم اتجاه عائلتهم الفقيرة و الاكثر يقول ان الحيوانات تأكلهم و تأخُذ عِظامهم معها كي تبني بيوتها منهم. انا مع تخمين الاكثرية، ولكن المريب ان جميع الصيادين أما يعودو بعد فترة طويلة او لا يعودو. الصيادين الذين يعودو، يكونو اشخاص مُختلفة تماماً، يتصرفون و كأن شيء لم يحدث لهم من قبل، و كأن ذاكرتهم قد مُسِحت. عندما يسألهم الجميع و يضغطو عليهم، يُجِنو و يتصرفو بغير عقلانية و حساسية فائضة عن الطبيعي. هذا كلام الناس التي تعيش في القرية، انا شخصياً لم ارى او اشهد عن حادثة كهذه. حتى عائلتي لم ترى شيء يحدث من قبل، لكنهم دوماً ما يسمعون على ما اعتقد. بقيت الامور طبيعية في حياتي و حياة عائلتي، و أامل ان تبقى هكذا لبقية حياتي، لأني في الواقع اعتقد انها مجرد قِصَص كي تُخيف الناس و بالاخص الاطفال عندما يرفضو النوم باكراً. " اليوم جميل جداً، ما رأيك ان نتنزه قليلاً قبل ان نعود الى منازلنا؟ " سألت صديقتي كانيلا و نحن في طريق عودتنا بعد ان ذهبنا للسوق من اجل شِراء بعض التوابل لِعشاء اليوم. نظرتُ لها ببتسامة ثم اجبتها" اسفة، لكن لا أعتقد انني استطيع هذه المرة، فأمي تحتاج التوابل من اجل ان لا تتأخر عن تحضير الطعام و يجب عليّ مساعدتها في ذلك"نفخت الهواء كانيلا من فمِها ثم قالت" نعم معك حق، اتذكر المرة الماضية عندما تأخرنا عن احضار المستلزمات..."ضحِكت بصوت عالي جعلت المارة ينظرو الينا بِنظرات الاشمئزاز، ثم اكملت كلامها " امك جعلتنا ننظف فضلات الدجاج كعِقاب بسبب تأخرنا بالقدوم مما ادى لاحتراق الطعام "
يوجد عالم أخر! هل سمعتم هذه الجملة من قبل؟ لأنني سمعتها كثيراً في قريتي، لدرجة أنني أصبحتُ أمِل منها و كل مرة اسمعها اضحك و اجعل من الشخص الذي يقولوها اضحوكة امام الجميع. منذ ان كنتُ صغيرة، الناس تتكلم انه يوجد و بكل تأكيد عالم اخر غير عالمنا هذا. لكن لما كُل هذه الثقة؟ اين الاِثبات على وجوده؟ عندما كنت صغيرة سألتُ والِداي عن هذا الشيء لكنهم كانو يضحكو و يلعبو بِشعري قائلين انها مجرد قصص و ان الناس تُحب ان تخلق الاساطير حول امور لا وجود لها من الاصل كي يخيفوا الناس من حولهم او يجعلوهم فضوليين حول امور غبية، من دون سبب اعتقد. لكن عندي سر صغير لم اخبر احد عنه، اخفيه دوماً او احاول ان اتجاهله قدر الامكان. احياناً عندما اذهب للصيد مع ابي في الغابة الكبيرة الموجودة بجانب كوخنا الصغير، اسمع اصوات من خلف الاشجار، اصوات غريبة، كَصوت احد ما يضحك و لكن يوجد خطب ما بصوته....و احياناً اشعر ان اعيُن تراقبني من بعيد. يبدو الامر سخيف، لكنه حقيقي اشعر به كل مرة اذهب مع ابي للصيد، لقد اخبرت ابي عن الامر اكثر من مرة، لكنه في كل مرة يَنفي انه يسمع اية صوت و ان الذي اشعر به ربما فقط خوف من الغابة لانها في الحقيقة كبيرة جداً و يبدو انه لا نهاية لها ابداً. كل مرة اقول لنفسي انه ربما مُحق، ربما لدي خوف من الغابة لهذا انا اتوَهَم بِوجود اصوات غريبة و اعيُن تراقبني، لكن سوف اخبرك عن امر لم اتكلم عنه الى الان.....في مملكتنا او بالأحرى في قريتنا، كانت تحدُث بعض الامور الغامضة، مثل اختفاء الاغراض من اكواخ و من منازل كل شخص او عائلة تعيش بجانب الغابة. و الاسواء، اختفاء الصيادين من دون سبب! هنالك صيادين يذهبو للغابة كي يصطادو الحيوانات، و لكنهم لا يعودو ابداً!! البعض يقول انهم يهربو من مسؤلياتهم اتجاه عائلتهم الفقيرة و الاكثر يقول ان الحيوانات تأكلهم و تأخُذ عِظامهم معها كي تبني بيوتها منهم. انا مع تخمين الاكثرية، ولكن المريب ان جميع الصيادين أما يعودو بعد فترة طويلة او لا يعودو. الصيادين الذين يعودو، يكونو اشخاص مُختلفة تماماً، يتصرفون و كأن شيء لم يحدث لهم من قبل، و كأن ذاكرتهم قد مُسِحت. عندما يسألهم الجميع و يضغطو عليهم، يُجِنو و يتصرفو بغير عقلانية و حساسية فائضة عن الطبيعي. هذا كلام الناس التي تعيش في القرية، انا شخصياً لم ارى او اشهد عن حادثة كهذه. حتى عائلتي لم ترى شيء يحدث من قبل، لكنهم دوماً ما يسمعون على ما اعتقد. بقيت الامور طبيعية في حياتي و حياة عائلتي، و أامل ان تبقى هكذا لبقية حياتي، لأني في الواقع اعتقد انها مجرد قِصَص كي تُخيف الناس و بالاخص الاطفال عندما يرفضو النوم باكراً. " اليوم جميل جداً، ما رأيك ان نتنزه قليلاً قبل ان نعود الى منازلنا؟ " سألت صديقتي كانيلا و نحن في طريق عودتنا بعد ان ذهبنا للسوق من اجل شِراء بعض التوابل لِعشاء اليوم. نظرتُ لها ببتسامة ثم اجبتها" اسفة، لكن لا أعتقد انني استطيع هذه المرة، فأمي تحتاج التوابل من اجل ان لا تتأخر عن تحضير الطعام و يجب عليّ مساعدتها في ذلك"نفخت الهواء كانيلا من فمِها ثم قالت" نعم معك حق، اتذكر المرة الماضية عندما تأخرنا عن احضار المستلزمات..."ضحِكت بصوت عالي جعلت المارة ينظرو الينا بِنظرات الاشمئزاز، ثم اكملت كلامها " امك جعلتنا ننظف فضلات الدجاج كعِقاب بسبب تأخرنا بالقدوم مما ادى لاحتراق الطعام "
انضممتُ انا لها بالضحك ثم اكملت عنها " نعم، لهذا اكلنا خبز محمص مع بذور محمصة على العشاء" انا و كانيلا دوماً ما نخرج سوياً للسوق، ليس لأنني احب ان اذهب معها فقط، بل لأنني انسى الاشياء اللازمة التي تخبرني عنها امي. كانيلا لديها ذاكرة قوية، لهذا اعتمد عليها بعض الاحيان ان طَلَبت امي مني ان اتسوق من اجل الطعام. امي طباخة ماهرة، مشهورة بِأطباقها في القرية لدرجة انها طهت للملك عندما سمع عن مهارتها في الطبخ. لقد ارسل حارساً لقريتنا كي يحضر امي للقصر الملكي و تطبخ له الكثير من اطباقها المشهورة و اللذيذة. و عندما طلب الملك منها ان تبقى في القصر و تعمل هناك كَرئيسة للطباخين، رفضت ان تبقى في القصر لأن ابي لا يستطيع العيش معها، ان قبِلت العمل هناك لبقية حياتها، هكذا كان شرط بقائها و عملها في القصر، ان تترك كل شخص تعرِفُه خلفها مقابل المال، لكن امي لم تدع الشهرة و المال يبعدها عن احبائها.
انضممتُ انا لها بالضحك ثم اكملت عنها " نعم، لهذا اكلنا خبز محمص مع بذور محمصة على العشاء" انا و كانيلا دوماً ما نخرج سوياً للسوق، ليس لأنني احب ان اذهب معها فقط، بل لأنني انسى الاشياء اللازمة التي تخبرني عنها امي. كانيلا لديها ذاكرة قوية، لهذا اعتمد عليها بعض الاحيان ان طَلَبت امي مني ان اتسوق من اجل الطعام. امي طباخة ماهرة، مشهورة بِأطباقها في القرية لدرجة انها طهت للملك عندما سمع عن مهارتها في الطبخ. لقد ارسل حارساً لقريتنا كي يحضر امي للقصر الملكي و تطبخ له الكثير من اطباقها المشهورة و اللذيذة. و عندما طلب الملك منها ان تبقى في القصر و تعمل هناك كَرئيسة للطباخين، رفضت ان تبقى في القصر لأن ابي لا يستطيع العيش معها، ان قبِلت العمل هناك لبقية حياتها، هكذا كان شرط بقائها و عملها في القصر، ان تترك كل شخص تعرِفُه خلفها مقابل المال، لكن امي لم تدع الشهرة و المال يبعدها عن احبائها.
بسبب هذه القصة التي حكاها لي والدي عنها، اصبحت اتفاخر بِامي في كل مرة اتكلم عنها مع الجميع. و أيضاً هنالك ابي، صياد قوي ليس مشهوراً لكنه يملك ذكاء بالاصطياد. احياناً اعتقد انه يتكلم لغة الحيوانات عندما اذهب معه للصيد. يستطيع ان يصطاد بسرعة و بِخفة، لقد تعلمتُ بعض المهارات منه و مع ذلك لم استطيع ان اتعلم كل شيء لانه صياد منذ ان كان شاب صغير. و انا في الحقيقة لا املك حب للصيد، و انما اتعلمه من اجل الحاجة فقط و من اجل ان اقضي وقت اكثر مع ابي. عندما وصلنا لجانب منزلي، اعطتني كانيلا الاغراض التي تحملها ثم عانقتني و قالت " حسناً....أراكِ لاحقاً و سلِمي على الجميع من اجلي" عانقتُها بالمقابل و ردَدتُ عليها "بِكل تأكيد، كنتُ اريد منكِ ان تبقي و تتناولي العشاء معنا اليوم" ابتسمت و قالت واضِعة يدها على كَتِفي " في المرة المقبلة، فيجب علي ان اعود الان من اجل العفاريت الصغيرة التي لدي" ضحِكت على طريقة تسيمتها لاخواتها الصغار بالعفاريت. كانيلا لديها خمسة اخوة اصغر منها. انها تحبهم و تهتم بهم، لكنهم يصبحو ألم للرأس في بعض الاحيان، لانهم مازالو صغار جداً و مُشاكِسون كثيراً. عندما اخذت كانيلا طريق عودتها لمنزلها، اكملتُ انا طريقي لِباب الكوخ. رفعتُ يدي و دققته.
لم يجب احد بِسرعة، لكني بدأتُ اسمع اصوات أمي و اختي صوفي العالية من الداخل. يبدو انهم يتشاجرو مرة اخرى! قلتُ لنفسي. فجأة الباب فتح و بِقوى يظهِر لي اخي ليام و علامات الغضب على وجهه. " اوه هذا انتي تاليا؟ لماذا تأخرتي! " قال ليام بِغضب بعد ان دخلتُ الكوخ و اغلقت الباب بهدوء من خلفي. سألتُ ليام " ما الذي يحدث؟ لماذا يتشاجرو الان؟ " نفخ هو الهواء من فمه، اخذ الاغراض من يدي ثم دخل للمطبخ من دون حتى ان يجيب على سؤالي. ان شِجار امي و اختي ليسَ بالشيء الجديد او غير المُعتاد. انهم دوماً هكذا، اصواتهم لا تتوقف عن الخروج و جعل جميع من يسكُن القرية يسمعهم. لكن غضب اخي ليام هو الذي يُحَيرُني الان. لماذا هو غاضب؟ مع ان لا دخل له على ما اعتقد. في هذه الاوقات دوماً ما اتمنى من ابي ان يكون موجوداً لانه يجعل من الامور المعقدة سهلةَ الحلول. لكنه في هذا الوقت غير موجود لانه يصطاد و لا يمكننا ان نستخدم مساعدته و هدوئه عند الصِعاب. عكس امي التي تمتلك مزاج سيء و تغضب بِسرعة. في ثانية تكون سعيدة و تضحك و قوس قزح يكون حولها، و في الثانية الاخرى تصبح متعصبة و ذات نظرات مخيفة تجعل من الارض التي اسفلك تهتز. و ايضاً توجد اختي صوفي التي لا تصمُت او تدع الامور تجري كَجري الماء بِسَلاسة. لديها هواية الاستفزاز و بالاخص مع امي. لا تستطيع ان لا تجادلها في كل شيء، لذلك امي تتشاجر معها كل يوم و كأن المشاجرة معها هواية لا يمكن الاستغناء عنها. اخذتُ نفساً عميقاً من اجل ان استعد لمشاهدة الذي يحدث في الداخل، و مَشيت لغرفة الجلوس، المكان الذي يحدث القتال الملحمي بينهما. دخلتُ الغرفة، و اول شيء يضربني هو الهواء الساخن مع ان المدفَئة لا تحتوي على نار هناك. لذلك قَررت ان اقف امام مدخل الغرفة التي لا يوجد لها ابواب كي لا احترق اكثر من حرارة الغرفة. وقفت على جانب المدخل اتكىء على الحائط مشابكة ذراعيي ببعضها. " هذا لن يحدث صوفي!! توقفي عن المناقشة.... لن اجعلك تذهبي بعد الان " قالت امي. رفعت صوفي ذِرعيها بِأحباط ثم اجابت بِصراخ
" كيف لكِ ان تأخذي قرار هكذا من دون أية سبب مُقنع؟ و كيف يُسمح له هو ان يذهب و انا لا؟ هذا ليسَ عادلاً " وضعت امي اصابعها على جسر انفها و كأنها تُخفف الم رأس عن طريق ضغط انفها ثم رفعت رأسها و قالت بعد صمت طويل " اسمعي جيداً، انا خائفة على سلامتك، لانك تذهبين لوحدك و لا تعودين بِوقت باكر. ذهابُكِ الى هناك وحدك خطير و انا اقلق عليكِ دوماً " اخذت نفساً عميقاً، بعدها ضَبَطت طريقة وقوفها خلف أريكة ابي المفضلة ثم اكملت بصوت هادئ " عزيزتي ارجوكِ افهمي انني لا اقول لكِ هذا الكلام لانني اريد ان احرمك من الذي تريدينه، لكنه خَطَر عليكي و على عائِلتـ--" توقفت فجأة عندما انتبهت انني موجودة، اعيُنها مُتبحلقة و كأنها رأت شبحاً. ادارت صوفي ايضاً رأسها لي و تعابير وجهها مطابقة لِأمي. ما الذي يحدث لهما؟ لماذا ينظرا الي بهذه الطريقة؟ انا تسألت. " اوه....تاليا، لقد عدتي بِسرعة! "
قالت امي بعد ان اختفت تعابير الدهشة عن وجهها. ابتعدتُ عن الحائط، بعدها اجبت
" نعم لقد عدت منذ قليل، ما الذي يحدث؟ " اعادت امي نظرها لِصوفي و كأنها تتكلم معها بِصمت ثم قالت و هي تمشي بِتِجاهي "سوف نكمل حديثنا في المرة المقبلة صوفي، و انتي..." اشارت امي لي بأصبعها ثم أكملت " اتبعيني الى المطبخ، احتاج مساعدتك " بعدها اكملت طريقها للمطبخ بسرعة مُتفادية النظر لصوفي. فتَحتُ فمي كي اسأل صوفي عن سبب المشاجرة بينهما، لكنها رَمَت لي نظرة ثم غادرت الغرفة من دون اية كلمة. رائع، الوضع اصبح اكثر غرابة و اعتقد ان صوفي تَلومني على قدومي و قطع الشجار بينهما. يا له من يوم عجيب، هل له ان يكون اسوء؟. اخرجت الهواء من فمي ثم استَدَرت و قررت الذهاب للمطبخ من اجل ان اساعد امي و احاول ان اخرج بعض الاجوبة للاسئلة التي تُحيرُني الان. عندما دخلت المطبخ، شممت رائحة خشب يحترق و الدخان الذي يخرج منه بدأ بحرق عيناي. مطبخنا ليس كبير الحجم، لكنه واسع بعض الشيء. فيه طاولة و من حولها اربعة كراسي خشبية قديمة جداً، احد الكراسي يملك بعض المشاكل، لانه يخرج اصوات كل مرة يجلس عليه احد. و حتى اقدامه تتحرك. الشخص الذي يجلس عليه هو انا لانني الاخف بين عائلتي. لذلك ما زلت لم اقع او اكسِره بالكامل في كل مرة اجلس عليه. وفي المنتصف طاولة اكبر، لتقطيع الطعام عليها. و يوجد بعض اللأغراض لا مكان لها. على اليمين يوجد نافذة مربعة الشكل، هي التي تدع ضوء الشمس يدخل للمطبخ و يُضيء المكان بِأكمله. على اليسار خزائن كثيرة، صغيرة و كبيرة مليئة بالتوابل و اغراض المطبخ الازِمة. اكملتُ طريقي الى امي التي تقف امام المَغسلة، و وقفت بجانبها الايسر. قبل ان افتح فمي، اشارت لي بيدها لِخزنة التوابل و قالت و هي تُنَظف السمكة
" هل لكِ ان تجلبي لي بعض الملح و الفلفل من هناك!" هززتُ برأسي ثم ذهبت لخزنة التوابل المختلفة ثم عدت لها بالملح و الفلفل. أخذت امي التوابل من يدي وبدأت بِوضعهم على السمكة التي امامها. رفعتُ جسَدي بِذراعي و جلست على الطاولة بِجانبها و انا أُفَكر كيف لي ان اسألها، بِطريقة اجعلها تجيب من دون لَفٌ و دوران. أخذتُ قطعة من الخس الموجود في طبق دائري مليئ بالخضار المغسولة و الماء يسقط من الخس لِيدي و ينزلق مُكمِلاً طريقه الى كوعي. قبل ان اسأل اخذت قضمة بعدها قلت لها
" لماذا ليام غاضب؟ هل تشاجر هو ايضاً معكم؟ " لم تجبني امي بسرعة، انما اخذت وقتها بالعمل على السمكة من دون ان تنطق بكلمة، و كأنني غير موجودة معها. " لا، لم يتشاجر مع احد " قالت امي مُختصِرة الاجابة. ازحتُ نظري لمدخل المطبخ ثم سألت مرة أخرى " و ماذا عن صوفي؟ " " ماذا عنها؟ "
سألتني هي." اعني، لماذا كنتم تتشاجرو ؟ و لماذا قررتي ان لا تدعيها تخرج مجدداً؟ " مرة اخرى لم تجبني بسرعة و انما اكتفت بالصمت الطويل، جاعلة من صبري ينفذ. " امي!! لماذا لا تجيبي؟ هل سألت عن شيء لا يعنيني ؟" انا قلت بتذمُر. توقفت هي على تتبيل السمكة، و نظرت لي بِعيون ناعسة، و قالت
" لا ان الامر ليس هكذا، لكنه غير مهم... شجار صغير يحدث كل مرة مع ام و ابنتها. " اشارت لي بيدها لِدُرج عند اقدامي " احضري لي صحن من هناك، كي اضع السمكة عليه " نفختُ الهواء من فمي بِأحباط ثم نزلت من على الطاولة واحضرت الصحن لها. هي لن تجيبني بهذه الحالة، كل مرة تتفادى الاجابة بالكامل. و انا صبري قد نفذ ان لم اتوقف عن السؤال، لن احصل على الشيء منها بِشكل عام. لذلك قررت ان اتكلم مع ابي عندما يعود ربما يعرف عن سبب عدم سماح امي لصوفي بالخروج مرة اخرى، و عن الخطر الذي تكلمت عنه امي. نعم صحيح! انا تذكرت. لماذا قالت امي ان خروج صوفي مرة اخرى خطر عليها و على العائلة؟ ما الذي تفعله صوفي عندما تخرج كل مرة لوحدها؟ انا لم افكر بهذا الامر او لم اسأل صوفي الى اين تذهب في كل مرة تخرج لوحدها من دون مرافقة. يبدو ان الامر جِدي و ليس مجرد شجار صغير يحدث كل مرة مع ام و ابنتها. فأنا لم أرى شَرارت تخرج من كلامهم عند الشجار هكذا كل مرة. ما الذي يخفيه الجميع عني؟ انتهينا من تناول الطعام وتنظيف المائدة. صوفي لم تنضَم لنا اليوم، و الجميع كانو كئيبين على المائدة من عدا ابي الذي ضلَ يتكلم عن صيده اليوم و كيف رأى طائر غريب الشكل يُراقبه من بعيد. انا طيلة فترة تناولنا العشاء لم انصت جيداً لكل شيء يقوله، كنتُ افكر بكلش شيء ان كان مهم او لا و بالأخص، الخطر الذي ليس لدي فكرة عنه. ظللتُ اتسأل، ما إذا امي تعني كل شيء قالته لصوفي او انها كانت تقول ذلك من اجل حمايتها فقط. كالعادة انا اخر من يعلم عن اية شيء يحدُث في المنزل و دوماً بِحيرة. امي لم تبقى معي انا و ابي، انما ذهبت كي تستَريح في غرفتها. ليام قال انه متعب و يريد النوم. انا و ابي الوحيدان في غرفة الجلوس، نجلس امام المدفئة الصغيرة. ابي على كرسيه المفضل و انا على الارض قريبة من النار و ظهري لِابي. " كيف كان يومُكِ تاليا؟ " سأل ابي بأبتسامة صغيرة على شفتيه. لم ادر وجهي له عندما اجبته
" جيد على ما اعتقد. " هَمهَم ابي قليلاً ثم قال بِنبرة تسائُل " على ما تعتقدي؟ هل كل شيء على ما يُرام؟ هنا ادَرتُ وجهي لهُ و شابكت ساقاي، بعدها نظرتُ بِجدية ثم قلت " في الحقيقة لا. ليس كل شيء على ما يرام.... اظن انك سمعت بِشجار صوفي و امي اليوم قبل العشاء صحيح؟ " اعاد ظهره الى الخلف و أراح رأسهُ على الكرسي ثم أجاب " نعم صحيح، اخبرني ليام عن الامر. " " جيد، و هل اخبرك عن السبب؟ " فكَر قليلاً قبل ان يجيب " نعم، لقد قال انه مجرد شجار بسيط بينهما، فهذه ليست اول مرة يتشاجرو. " نفختُ الهواء بقوة ثم قلت له بِصرامة و انا انظر لعينيه العسلية من دون كسر نظري له
" ابي، انت لم تخبرني عن السبب! هل تتفادى الاجابة انت ايضاً؟ " نظرة لي بِدهشة و ضحك فجأة و كأنني اخبرته نكتة. تقدم هو للأمام واضعاً ذِراعيه على رُكبتَيه و قال لي بصوت هادىء
" لا انا لا احاول ان اتفادى الاجابة عزيزتي. انا فقط لا ارى سبب فضولك في الامر، انه مجرد شجار و ليام لم يخبرني عن السبب، فهو قال نفس الشيء الذي قلته لك الان. " اخذ نفساً ثم اكمل
" اعتقد انه لا سبب او هو فقط لا يعلم ايضاً. هل حاولتي ان تسألي والدتك؟ " حنيتُ رأسي للأسفل مستسلمة لانني اعلم انه لا يعرف، فلقد اتى عند وقت العشاء و ليام لم يكن له نفسٌ ان يتكلم من الاصل. لذلك انا اصدق ابي. ليس لديه سبب ليكذب علي، بيني و بينه ثقة عمياء، منذ ان كنتُ صغيرة، اعتمد عليه و هو في المقابل ايضاً. بعض الاحيان استطيع ان اعلم ما الذي يُفكر فيه و شعوره عندما انظر لعينيه او حتى عن طريق نبرة صوته عند الكلام. لكني تذكرت عندما ذَكَرت امي الخطر الذي سَيُصيبنا ان خرجت صوفي مرة اخرى. انا اعلم انه لا يعرف....ربما، لكن ما المشكلة في المحاولة و سؤاله عن الامر. ربما لديه معلومة و لو حتى سطحية. " لقد ذكرت امي شيء غريب عند الشجار مع صوفي." انا قلت. " ما هو؟ " سأل ابي. " لقد قالت انه خطير على صوفي و علينا ان خرجت مرة اخرى. ما الذي تعنيه بالخطير؟ " نظر ابي للنار من خلفي بتمَعُن و قال " خطير؟ انه دوماً خطير عندما تخرج لوحدها هكذا. فهي فتاة و انه دوماً خطر على الفتيات في قريتنا ان تخرج حتى المساء. " يبدو انه لم يفهم عليي جيداً. لكن لن اضغط و اسأل المزيد من الاسئلة، يبدو ان لا احد سوف يطعم فضولي . لذلك قررت ان استكشف بنفسي. انا عندما يبني فضولي نفسه في داخلي، ابدأ بِكسره شيئاً فشيء على طريقتي الخاصة. اِما بالاسئلة الى ان اتلقى الجواب الذي اريده ( و طبعاً هذا لم يحدث هذه المرة)، او احاول ان اجد الاجوبة بِطرق اخرى. لكني مُحتارة، اختي توقفت عن الذهاب منذ الأسبوع الماضي بعد ان قررت امي ان خروجها من المنزل لوحدها غير مسموح بعد الان، لذلك لا استطيع مراقبها عندما تذهب لاية مكان. اخي لن يُجب علي في كل مرة اسئله او عندما احاول ان اخذ بعض المعلومات منه بِطريقة غير مباشرة. صوفي مثل امي تتفاداني في كل مرة احاول. و ها انا هنا عاجزة عن فعل اية شيء. " ما الذي تفكري فيه؟ " سألتني كانيلا و نحن نجلس على العشب الاصفر في حديقة منزلها الصغيرة. انها صغيرة لكنها جميلة حتى في الخريف. يوجد شجرة كبيرة في المنتصف تَحجُب الشمس من اية شيء اسفلها، كَبعض الفطر الابيض المُنَقط بالاسود الموجود على جذعها العملاق، و الأعشاب المليئة بالاشواك من حولِها. وضعتُ كفوف يداي الاثنتان على وجهي اخفي غضبي عنها. " لا اعلم....انا حقاً عاجزة! " انا اخبرتها. وضعت يدها على ظهري و بدأت بِفركه بحركة دائرية ثم قالت بصوت ناعم
" لا باًس، ربما انه حقاً امر غير مهم. لذلك توقفي عن التفكير به و دعينا نستمتع بِأواخر دفء الشمس، فالشتاء قادم. " " اعلم هذا، ربما غير مهم، لكن شعور في داخلي يخبرني العكس تماماً. كل مرة احاول ان اتوقف عن التفكير في الامر، اجد نفسي افكر فيه اكثر و اكثر من الاول. " " يبدو ان الوضع جدي حقاً. "
قالت هي بِتساؤل تنظر للسماء و انا حاولت تصفية ذهني، بالتحديق بالغيوم لأنه توجد القليل من الغيوم اليوم. بعضها ليس لديها اشكال و بعضها صغيرة مُقارنَ بِغيرها. و القليل من الطيور تحلق بِمجموعات مختلفة و لكن بِتناغم و كأنهم يرقصون. ادرت وجهي لأشعة الشمس الدافئة، و اغمضتُ عيناي مُحاولة التفكير بأمر اخر. لم يشغل اية شيء تفكيري بهذه الطريقة في حياتي، ربما لان طريقة امي في الكلام مع صوفي ذلك اليوم كان غريب. او ربما لان عينيها كانت تتكلم اكثر، كان يوجد بهما امر و مشاعر لم اراها من قبل. كانت اكثر من خائفة.....كانت اكثر من قلقة، كانت مرعبة! مرعبة بالنسبة لي، و بالاخص عندما توقفت فجأة لِرؤيتي اقف معهم في الغرفة و استمع للذي تقوله. ما الذي تخفيه عني هي و صوفي؟ ما الذي يُخيفُها لذلك الحد؟ هل انا انفعلت بالتفكير؟ ربما هي فقط قلقة على اختي لذهابها لوحدها. فتحتُ عيناي و نظرت للأفُق البعيد ثم قلت " ربما يجب ان لا افكر كثيراً، لان هذا يؤلم رأسي. لكني لا استطيع ان امنع نفسي بسبب ذلك الشعور الغبي الذي لدي " ضحِكت كانيلا ضحكَ صغيرة لكنها لم تتفوه بشيء. هَمهَمت قليلاً بتفهم ثم أخذت قطعتا خبز اسمر من سلة الطعام، ثم وضعت عليهما القليل من مُربة الورد، و اعطتني اياه. " لا تقلقي، فقط دعي الامور تجري على طريقَتِها. و تفكيرك هذا دعيه الى ان يَمِل من نفسه. ربما سبب شجارهم سر لا يعنيكِ. انا لا اقول هذا كي اجعلك فضولية اكثر، لكن ارجوكِ حاولي ان تنسي و تشغلي نفسك بشيء اخر." توقفت للحظة بعدها ابتسمت ابتسامتها المشرقة ثم أكملت " انا حقاً لا افهم لِما كل التفكير...ليس و كأنه اكبر سر في العالم، او انه سر خطير. لذلك فقط توقفي " كانيلا صديقتي الوحيدة التي اعتبرها مثل اختي التوأم. فنحن نعرف بعضنا منذ ان كنا ***** لا تستطيع التكلم بعد. احب ان اتكلم معها عندما انزعج او اكون حزينة، انها جيدة في جعلي انسى بسرعة، و في تحسين مزاجي في كل شيء. دوماً ما تكون اول شخص يعلم بِكل شي يحدث لي. اذكر انها اول شخص عَلِم بِحُبي الاول و اول شخص يعلم بِتركي لهُ. فهي من تُسانِدني و تشعرني انني لستُ وحدي. لهذا اتيت اليوم اليها كي اخبرها عن الذي حدث الاسبوع الماضي بين اختي و امي. ربما اخباري لها يتعدى الخصوصية المنزلية بين العائلة، لكنني اعتبرها جزء منها. لا اخشى ان اخبرها عن اية شيء، فأنني اعلم انها لن تُخبر احد عن اسراري و مشاكلي الشخصية. بدأت نسمة هواء باردة بِتحريك الغطاء الذي نجلس عليه، و بجعل شعرنا يتطاير على وجوهِنا، حاجِباً الرؤيا. نظرت لكانيلا و هي تحاول امساك الغطاء و منعه من ان يلمس الطعام و يتسخ. و بنفس الوقت تحاول ان تُبعد شعرها الاسود الطويل من على وجهها الهادئ. لديها عيون بنية واسعة و حواجب سميكة، انف عريض من الاسفل و نحيل من الاعلى، شفتان مملوئة زهرية و بشرتها ناعمة، احب لون بشرتها الحنطية، مع انها دائماً تقول انها سمراء و ليست حنطية. عكسي انا التي تمتلك بشرة بيضاء و عيون خضراء مائلة للاصفر مشابهة لِعيون أمي، و وجه صغير. لدي حواجب كأنها مرسومة لكنها ليست سميكة مثل حواجب كانيلا. شفاهي متوسطة الحجم لكنها ايضاً ممتلئة، انفي عادي الشكل و رفيع و عليه القليل من النمش، املك شعر فاتح فيه خُصلات ذهبية بعض الشيء يصل لنصف ظهري، كنت اظنه اشقر الى ان رأيت شعر احد فتيات القرية، التي تملك شعر اشقر فاتح جداً، احياناً اراه كالذهب عندما يضرب ضوء الشمس عليه. " ماذا بكِ؟ لماذا تنظرين الي هكذا؟ هل يوجد شيء في شعري؟ " قالت كانيلا بِحيرة موجودة بِصوتها. ابتسمت لها ثم تحركت كي اساعدها بِتثبيت الغطاء و هززتُ بِرأسي قائلة " لا، لا شيء، لا تقلقي. انا فقط سعيدة انك بِجانبي اليوم. " فجأة وضعت كانيلا يدها على جَبيني ثم نظرت لي و قالت بمُزاح "يبدو ان حرارتك ارتفعت، دعينا نجمع الاغراض و نعود للداخل، الهواء لن يتوقـف و اصبح بارد جداً. لم اعد اشعر بِأنفي. " أومأتُ لها بعدها بدأنا بِاعادت الاغراض للسلة. اليوم غائم و يبدو انها سوف تمطر قريباً. لذلك قرر والدي ان نذهب للصيد ابكر من العادة. كل يوم أحد نأخذ استراحة من الصيد لأننا نصطاد كل يوم من الصباح حتى قبل العشاء بِقليل. انا لا اذهب معه كل مرة و انما يأخذ اخي احياناً، لكن اليوم استثناء، لان البارحة لم يصطد ابي الكثير كي يكفينا لبضعة ايام، و الدجاج الذي لدينا غير كافي. لذلك سوف اذهب مع ابي كي اساعده بالصيد. فتحت انا باب المخزن الذي يقع بجانب قفص الدجاج الكبير، و اخرجت بعض الادوات اللازمة للصيد كالأفخاخ، السكاكين، و اهمها الاقواص و الأسهم التي صنعها ابي بنفسه و انا بدوري صنعت خاصتي. قوصي مصنوع من خشب الطقسوس لان نوعية هذا الخشب قوي يتحمل الشد. السهم من خشب جاف و مستقيم بقدر الامكان و خيط القوس المطاطي صنعته من الحرير. لقد تحمل هذا القوس سنين معي و لم يتلف او يحدث له اية مكروه.
سمعت صوت ابي من خلفي ينادي بأسمي، لذلك هرعت له بسرعة كي نبدأ الصيد. " هل احضرتِ كل شيء؟ " سأل ابي بعد ان اخذ قوصه و سكاكينه. شبثت السكاكين بمكانها في جزمتي و على خصري ثم وضعت الافخاخ بالحقيبة على ظهري و القوص بيدي بعدها اجبته " نعم، و لم انسى شيء " ابتسم لي ثم اشار برأسه للغابة التي امامنا كي ندخل لها و نبدأ صيدنا لليوم. قبل ان احرك اقدام، اوقفني بذراعه التي تحمل القوس و قال " انتبهي تاليا، لا اريد ان اذكرك بالخطر الذي حولنا كل مرة ندخل للغابة. لكن فقط ابقي بجانبي و لا تتركيني مهما يحدث. الحيوانات تأخذ حذرها اكثر منا، و بالاخص الحيوانات المفترسة، انها لن نتتظر من احد كي تهجم و تشبع بطونها الكبيرة. هل فهمتي؟ " اومأت برأسي بالتفهم بعدها اخذنا خطواتنا ببطء و حذر لقلب الغابة. الغابة تسمى أبيرو و تعني لا نهاية باللغة اليونانية، لان لم يستطيع احد الى الان ان يكتشف نهايتها. بعض الناس استغرق وقت وصولها لنصف الغابة فقط، ما يقارب الاربع اشهر و خمسة ايام. حتى بعض عُلماء المملكة يقولوا، انها فقط البداية و ليست نصف الغابة. لِماذا ليس لديها نهاية؟ لا احد يعلم....انا اعتقد اننا ندور و ندور بِدوائر كل مرة ندخلها. و اعتقد ان الناس التي اخذ من وقتها اربع اشهر و خمسة ايام للوصول للمنتصف، قد تكون ضائعة و لم تعد تعرف الامام من الوراء و الشرق من الغرب.
او ربما هي حقاً غابة ليس لها نهاية كالبِحار، كل جهاته تبدو كبِداية. هذه الغابة هي الغابة الوحيدة التي يمكنك ان تصطاد الكثير في يوم واحد إن كنت محظوظاً. لأنها مليئة بالحيوانات الغريبة و المتوحشة. لذلك يجب علينا ان نتوخَ الحذر كل مرة نصطاد. ابي قد أُصيب عدة مرات عند الصيد بسبب الحيوانات الخطيرة، و ينجو دوماً بفضل **** و بفضل قوته و ذكائه. امي دائماً قلقة عليه، لكنها اعتادت ان تراه ملئ بالدماء و الجروح عندما يعود بعد صيد طويل. انا مازلت اخاف عليه، و اشعر بالحزن كلما عاد مُصاب. " دعينا نبدأ من هنا. المكان مناسب و يوجد فواكه عند الشجرة هناك. " قال ابي بعد ن وصلنا للمكان الذي سوف نبدأ صيدنا فيه. الحيوانات تحفظ مكان الصيادين في كل مرة يصطادو بِأماكن مختلفة. عندما يكونو في مجموعات، الحيوانات التي تهرب عند الصيد، تحفظ مكان الحيوانات الأخرى التي صادوها و ماتت هناك، لذلك لا تعود لنفس المكان دوماً. اليوم اخترنا ان نبدأ عند اشجار الفواكه مثل: التفاح، الدُراق و العِنب.
نظرتُ من حولي اتمعن بِجمال الغابة و الازهار التي لا يوجد منها اِلا في غابة أبيرو.
اخضر، اخضر، في كل مكان و اشجار ضخمة تُغطي ضوء السماء و اشعة الشمس. اعشاب طويلة تصل لِفوق الاقدام. ازهار كبيرة و بتلات ملونة بِألوان جميلة لِناظِرها. اصوات شلالات و انهار صغيرة في كل مكان، زقزقت العصافير لبعضها البعض، اصوات طنين الحشرات و صريرها. و اخيراً اصوات هزيز اوراق الاشجار الكبيرة عندما يمُر نسيم هواء يجعلها تتحرك و تضرب بِأوراق اخرى. لو امكنني ان اعيش في هذه الغابة، لكنت وافقت وعشت هنا للأبد، لكنه مستحيل لانها خطيرة و لا نعلم ما الذي سوف يحدث لك ان اغلقت عينيك لبضع ثواني. تحركنا لِخلف الشُجيرات كي نختبىء الى ان يأتي غزال قد رأه ابي و نحن في طريقنا لهذا المكان. " كيف لك ان تعلم انه سوف يأتي الى هنا؟ لقد رأيته يذهب بِأتجاه مُختلف قبل وصولنا. "
قلتُ له بِقلق. ابتسم بوجهي و قال بِثقة كالعادة " نعم صحيح، لقد ذهب في اتجاه مُختلف، لكنه سوف يأخذ طريق اخر كي يبحث على الطعام، لقد كان يمشي و رأسه يدور في كل الاتجاهات باحثاً عن اية شيء ليأكله "اخرج سهمه من حقيبته التي على ظهره، و وضعه في مكانه على القوس ثم اكمل كلامه " انه قريب و لا يوجد أقرب من هذه الاشجار هنا، لذلك سوف يُضطر الى ان يبحث في اماكن اخرى." لقد قلت من قبل ان ابي ذكي، و احياناً اعتقد انه يتكلم لغة الحيوانات و يفكر مثلهم. اخرجتُ السهم انا ايضاً و وضعته على القوس مستعدة. اخذنا وضعية القُرفُصاء كي لا يرانا الغزال إن اتى.
بدأتُ اشعر فجأة بشيء غريب، قلبي يُرفرف بِقوة، و كأنه يوجد عصفور يحاول ان يطير ولكن شي ما يمنعه. حتى انني بدأت اتعرق من جبيني و ظهري. احسستُ ان عيون احدٍ ما تُراقِبُني...التفت برأسي للجانب محاولة رؤية إن كان احداً ما خلفي، لكنه لا يوجد غير المزيد من الشجيرات الصغيرة. لا تخافي...فقط ركزي على الغزال القادم، انك فقط تهولسي مرة اخرى.
انا قلت لنفسي. اغمضت عيني و فتحتهم كي أتخلص من الشعور المخيف في داخلي، لكنه مازال و ما زلت اشعر بهذه العيون. لمستُ ذراع ابي كي ينظر لي، لكنه قال من دون ان يلتفت الي
" ماذا بكِ تاليا؟ لا تدعيني اخسر تركيزي، ان الغزال قادم. " ازحتُ نظري للمكان الذي ينظر ابي له، فَرأيت الغزال يمشي بِخطوات حذرة، ينظر لليمين و اليسار كي يتأكد ان لا احد موجود كي يُعَرقل طريقه. بعدها اكمل طريقه لشجرة التفاح ثم اخذ قضمة من تفاحة جعلتها تقع للأرض و تتدحرج قليلاً.
حرك ابي ذراعيه و وضع القوس و السهم امام رأسه كي يطلق السهم على الغزال بِدقة. قبل ان يطلق السهم سمعتُ انا صوت شجيرات تتحرك بسرعة من خلفي، من شدة الخوف وقفت فجأة، صرخت و اطلقت السهم على المكان الذي خرج الصوت منه، و بسبب فعتلي تلك جعلتُ من ابي يطلق السهم على جذع شجرة التفاح قريب من الغزال. الغزال رأى السهم و سمع الصراخ، لذلك فرَ هارباً منا. لعنو ابي تحت انفاسه و نظر لي بخوف " تاليا ماذا دهاكِ؟ انظري لقد هرب الغزال مني. " اشرتُ بيدي لخلفي ثم قلت له بتوتر
" لقد سمعتُ صوت من خلفي، ظننت انه حيوان او شيء سوف يهجم علينا. " نفثَ هو الهواء من فمه بِقوة ثم قال بِهدوء " لا تخافي، كنت سوف اسمع الصوت ايضاً ان اتى حيوان، كنت اسوف اعلم، لكن صُراخك هذا جعل سهمي يضرب الشجرة بدل الغزال " اخذ ابي سكينة من الحقيبة على الارض ثم قال لي و هو يبتعد عني مُتجِهاً للطريق الذي اخذه الغزال عندما هرب " ابقي هنا، لا تترحكي ابداً الى ان اتي. سوف اذهب خلف الغزال، لن اتأخر اعدك " " لكن ابي ماذا لو..." لم ينصت لي و اكمل طريقة راكضاً بسرعة. لم تتحملني ارجلي لذلك جلست على الارض بِأحباط. ماذا دهاني اليوم؟ وضعت يداي على رأسي و افسدت شعري اكثر لأنني غاضبة. بسببي هرب الغزال و الان انا وحدي في غابة مليئة بالمخلوقات التي ترى كل شيء خَطر عليها. وقفت مرة اخرى كي اذهب للحقيبة و اخرج قارورة الماء، فخوفي جعل حلقي جاف كالرِمال و اشعر بأن وجهي بارد. و انا امشي للحقيبة سمعت صوت حيوان من خلف ظهري بعيد قليلاً لكنه قوي و ذا صدى. التفتُ ببطء كي ارى ما المصيبة الاخرى التي تنتظرني، فأتفاجئ بِأسد كبير ذو بنية قوية، اصفر اللون و بِشعر كستنائي كثيف. عينيه الصفراء المخيفة تنظر لي. رأسه لمستوى جسده العملاق و يمشي بخطوات بعيدة عن بعضها. امسكتُ انا القوص بقوة و حاولت ان اسحب السهم من على الارض من دون ان يشعر بِخوفي. اذاً عيون هذا الاسد هي التي شعرت بها من قبل. لكن لما لم يهجم علينا عندما كنا غير منتبهين؟ عندما وصلت يدي للأرض، لم استطيع ان اعثر على السهم! أزحت نظري للأرض و لا سهم!! " تباً لكي تاليا " انا قلت بصوت منخفض السهم عند الحقيبة، و الحقيبة بعيدة عني، لن استطيع ان اصل لها قبل ان يلتهمني هذا الاسد و ينظف اسنانها بِعظامي. حاولت ان افكر في اية طريقة كي اهرب منه او حتى ابعده عني......لكن لا يوجد، انه اسرع و اقوى و انيابه الحادة لن تدعني اعيش ان غرزت في جسدي. لكن ليس لدي حل غير الركض بِأسرع ما يمكن للحقيبة و اخراج سهم كي اقتله به. قبل ان اخطو أول خطوة نحوى الحقيبة. هجم الاسد بِسرعة علي و صوته يرن في اذاني، هذه اللحظة مرت بسرعة شديدة، و من خوفي الذي لم اعد استطيع كبته صرخت اخر مرة و وضعت ذِراعيي امام وجهي ظناً ان هذا سوف يخفف خوفي منه و اغمضت عيناي. لما لم اذهب خلف ابي؟ لما اتيت اليوم معه؟ لما نهايتي سوف تكون هكذا؟ ما الذي فعلته في حياتي كي استحق ان اموت على فك و انياب هذا الاسد الغبي؟ كل هذه الاسئلة دارت في لحظة هجومه علي. عمَ الصمت المكان.....لم أعُد اسمع او اشعر بِشيء غير انفاسِه القذرة على ذراعيي التي تُغطي رأسي. فتحتُ عيوني و ابعدتُ ذراعيي كي اراه امامي، ينفُثُ الهواء من انفه الاسود و ينظر لي بِضَجر. رأسه الكبير قريب من رأسي جداً، لكنه لم يأكلني او يقتلي. انه فقط يقف هكذا امامي من دون حِراك. و كأنه مُتجمد ليست لديه القدرة على التحرك. انا لم اعد افكر بشيء غير ان هذا المنظر مُخيف و يجعل من قلبي يدق بسرعة، جاعِلاً كل جسدي يتحرك من قوته. حتى يمكنني ان اسمع صوته في اذني و كأنه هناك في عقلي بدل صدري. لماذا يقف هكذا؟ لماذا لم يلتهمني بعد؟ انفاسه تضرب وجهي و عيونه لا تتركني، لم ارى في حياتي اسد بهذا القرب، دوماً اراهم من بعيد. فجأة رفع رأسه و كأنه سمع صوتاً. بعدها ابتعد عني و هو مازال ينظر للأفق، ثم جرى عائداً من الطريق الذي اتى منه.
كل هذا حدث ببطء، و انا مازلت مندهشة من هذا المشهد الاغرب في حياتي البائسة. لم استطع ان اتحرك ابداً، ما زلت على الارض، جسدي لا يريد ان يتحرك و رأسي يؤلمني كثيراً. " تاليا!! تاليا!! اين انتي؟ تاليا!! " سمعت صوت ابي، لكني لم ارد عليه. مازلت جالسة على الارض. احسست بيدين ابي تمسك بي من الخلف بِقوة جعل قبضته تؤلم اكتافي. تحرك ابي لأمامي ينظر لوجهي، جسدي و كل مكان، يتأكد من ان لا شيء قد اصابني. و عندما لم يجد اية اصابة، عصرني بِعناق و هو يُتَمتم كلمات لم اسمعها على شعري. ابتعد عني و هو يتنفس بِصعوبة و عينيه عليها القلق ثم سأل " هل هجم عليكِ حيوان؟ هل تأذيتي؟ انا اسف لأنني تأخرت و لتركك وحدك هنا. ارجوكِ تكلمي! " نظرتُ له بعيون متعبة و قلت بصوت منخفض جداً " انا بخير.....فقط متعبة، اريد العودة للمنزل " اقترب لي اكثر و كأنه لم يسمع الذي قلته. اعدتُ له كلامي مرة أخرى " اريد العودة للمنزل ارجوك، رأسي يؤلمني جداً و لا استطيع ان اشعر بِجسدي......اريد ان استلقي على فراشي قليلاً. " نظرات ابي لي تقول انني جننت او بي خطب ما، لكنه لم يسأل المزيد سوا انه أومأ بِرأسه بالموافقة بعدها رفعني كي اقف على قدماي الضعيفة و ذهبنا. الذي حدث معي في الغابة مازال عالق في رأسي كاللحم على العظم، انه كمشهد الرعب الذي نراه في المسرحيات التي تؤديها الناس في الطرق و بجانب المنازل. انه يطاردني في احلامي و احياناً عندما استيقظ اظل اشعر بتلك العيون تُراقبني.
بسبب ذلك مَرِضت و بقيت في غرفتي لأيام، لم اعد استطيع او اهتم بِعدِها. حراراتي لم تتوقف و انا لم اعد استطيع ان اشعر بِجسدي او اتحرك من فِراشي. أمي دوماً بجانبي تهتم بي و تطعمني الاعشاب و جميع انواع الادوية كي تتوقف حرارتي، كانيلا بقيت تزورني كل يوم كي تطمأن علي و ذلك اسعدني كثيراً و جعلني اشعر بِتحسن، لكن لم يكن كافيٍ. يتبع
بسبب هذه القصة التي حكاها لي والدي عنها، اصبحت اتفاخر بِامي في كل مرة اتكلم عنها مع الجميع. و أيضاً هنالك ابي، صياد قوي ليس مشهوراً لكنه يملك ذكاء بالاصطياد. احياناً اعتقد انه يتكلم لغة الحيوانات عندما اذهب معه للصيد. يستطيع ان يصطاد بسرعة و بِخفة، لقد تعلمتُ بعض المهارات منه و مع ذلك لم استطيع ان اتعلم كل شيء لانه صياد منذ ان كان شاب صغير. و انا في الحقيقة لا املك حب للصيد، و انما اتعلمه من اجل الحاجة فقط و من اجل ان اقضي وقت اكثر مع ابي. عندما وصلنا لجانب منزلي، اعطتني كانيلا الاغراض التي تحملها ثم عانقتني و قالت " حسناً....أراكِ لاحقاً و سلِمي على الجميع من اجلي" عانقتُها بالمقابل و ردَدتُ عليها "بِكل تأكيد، كنتُ اريد منكِ ان تبقي و تتناولي العشاء معنا اليوم" ابتسمت و قالت واضِعة يدها على كَتِفي " في المرة المقبلة، فيجب علي ان اعود الان من اجل العفاريت الصغيرة التي لدي" ضحِكت على طريقة تسيمتها لاخواتها الصغار بالعفاريت. كانيلا لديها خمسة اخوة اصغر منها. انها تحبهم و تهتم بهم، لكنهم يصبحو ألم للرأس في بعض الاحيان، لانهم مازالو صغار جداً و مُشاكِسون كثيراً. عندما اخذت كانيلا طريق عودتها لمنزلها، اكملتُ انا طريقي لِباب الكوخ. رفعتُ يدي و دققته.
لم يجب احد بِسرعة، لكني بدأتُ اسمع اصوات أمي و اختي صوفي العالية من الداخل. يبدو انهم يتشاجرو مرة اخرى! قلتُ لنفسي. فجأة الباب فتح و بِقوى يظهِر لي اخي ليام و علامات الغضب على وجهه. " اوه هذا انتي تاليا؟ لماذا تأخرتي! " قال ليام بِغضب بعد ان دخلتُ الكوخ و اغلقت الباب بهدوء من خلفي. سألتُ ليام " ما الذي يحدث؟ لماذا يتشاجرو الان؟ " نفخ هو الهواء من فمه، اخذ الاغراض من يدي ثم دخل للمطبخ من دون حتى ان يجيب على سؤالي. ان شِجار امي و اختي ليسَ بالشيء الجديد او غير المُعتاد. انهم دوماً هكذا، اصواتهم لا تتوقف عن الخروج و جعل جميع من يسكُن القرية يسمعهم. لكن غضب اخي ليام هو الذي يُحَيرُني الان. لماذا هو غاضب؟ مع ان لا دخل له على ما اعتقد. في هذه الاوقات دوماً ما اتمنى من ابي ان يكون موجوداً لانه يجعل من الامور المعقدة سهلةَ الحلول. لكنه في هذا الوقت غير موجود لانه يصطاد و لا يمكننا ان نستخدم مساعدته و هدوئه عند الصِعاب. عكس امي التي تمتلك مزاج سيء و تغضب بِسرعة. في ثانية تكون سعيدة و تضحك و قوس قزح يكون حولها، و في الثانية الاخرى تصبح متعصبة و ذات نظرات مخيفة تجعل من الارض التي اسفلك تهتز. و ايضاً توجد اختي صوفي التي لا تصمُت او تدع الامور تجري كَجري الماء بِسَلاسة. لديها هواية الاستفزاز و بالاخص مع امي. لا تستطيع ان لا تجادلها في كل شيء، لذلك امي تتشاجر معها كل يوم و كأن المشاجرة معها هواية لا يمكن الاستغناء عنها. اخذتُ نفساً عميقاً من اجل ان استعد لمشاهدة الذي يحدث في الداخل، و مَشيت لغرفة الجلوس، المكان الذي يحدث القتال الملحمي بينهما. دخلتُ الغرفة، و اول شيء يضربني هو الهواء الساخن مع ان المدفَئة لا تحتوي على نار هناك. لذلك قَررت ان اقف امام مدخل الغرفة التي لا يوجد لها ابواب كي لا احترق اكثر من حرارة الغرفة. وقفت على جانب المدخل اتكىء على الحائط مشابكة ذراعيي ببعضها. " هذا لن يحدث صوفي!! توقفي عن المناقشة.... لن اجعلك تذهبي بعد الان " قالت امي. رفعت صوفي ذِرعيها بِأحباط ثم اجابت بِصراخ
" كيف لكِ ان تأخذي قرار هكذا من دون أية سبب مُقنع؟ و كيف يُسمح له هو ان يذهب و انا لا؟ هذا ليسَ عادلاً " وضعت امي اصابعها على جسر انفها و كأنها تُخفف الم رأس عن طريق ضغط انفها ثم رفعت رأسها و قالت بعد صمت طويل " اسمعي جيداً، انا خائفة على سلامتك، لانك تذهبين لوحدك و لا تعودين بِوقت باكر. ذهابُكِ الى هناك وحدك خطير و انا اقلق عليكِ دوماً " اخذت نفساً عميقاً، بعدها ضَبَطت طريقة وقوفها خلف أريكة ابي المفضلة ثم اكملت بصوت هادئ " عزيزتي ارجوكِ افهمي انني لا اقول لكِ هذا الكلام لانني اريد ان احرمك من الذي تريدينه، لكنه خَطَر عليكي و على عائِلتـ--" توقفت فجأة عندما انتبهت انني موجودة، اعيُنها مُتبحلقة و كأنها رأت شبحاً. ادارت صوفي ايضاً رأسها لي و تعابير وجهها مطابقة لِأمي. ما الذي يحدث لهما؟ لماذا ينظرا الي بهذه الطريقة؟ انا تسألت. " اوه....تاليا، لقد عدتي بِسرعة! "
قالت امي بعد ان اختفت تعابير الدهشة عن وجهها. ابتعدتُ عن الحائط، بعدها اجبت
" نعم لقد عدت منذ قليل، ما الذي يحدث؟ " اعادت امي نظرها لِصوفي و كأنها تتكلم معها بِصمت ثم قالت و هي تمشي بِتِجاهي "سوف نكمل حديثنا في المرة المقبلة صوفي، و انتي..." اشارت امي لي بأصبعها ثم أكملت " اتبعيني الى المطبخ، احتاج مساعدتك " بعدها اكملت طريقها للمطبخ بسرعة مُتفادية النظر لصوفي. فتَحتُ فمي كي اسأل صوفي عن سبب المشاجرة بينهما، لكنها رَمَت لي نظرة ثم غادرت الغرفة من دون اية كلمة. رائع، الوضع اصبح اكثر غرابة و اعتقد ان صوفي تَلومني على قدومي و قطع الشجار بينهما. يا له من يوم عجيب، هل له ان يكون اسوء؟. اخرجت الهواء من فمي ثم استَدَرت و قررت الذهاب للمطبخ من اجل ان اساعد امي و احاول ان اخرج بعض الاجوبة للاسئلة التي تُحيرُني الان. عندما دخلت المطبخ، شممت رائحة خشب يحترق و الدخان الذي يخرج منه بدأ بحرق عيناي. مطبخنا ليس كبير الحجم، لكنه واسع بعض الشيء. فيه طاولة و من حولها اربعة كراسي خشبية قديمة جداً، احد الكراسي يملك بعض المشاكل، لانه يخرج اصوات كل مرة يجلس عليه احد. و حتى اقدامه تتحرك. الشخص الذي يجلس عليه هو انا لانني الاخف بين عائلتي. لذلك ما زلت لم اقع او اكسِره بالكامل في كل مرة اجلس عليه. وفي المنتصف طاولة اكبر، لتقطيع الطعام عليها. و يوجد بعض اللأغراض لا مكان لها. على اليمين يوجد نافذة مربعة الشكل، هي التي تدع ضوء الشمس يدخل للمطبخ و يُضيء المكان بِأكمله. على اليسار خزائن كثيرة، صغيرة و كبيرة مليئة بالتوابل و اغراض المطبخ الازِمة. اكملتُ طريقي الى امي التي تقف امام المَغسلة، و وقفت بجانبها الايسر. قبل ان افتح فمي، اشارت لي بيدها لِخزنة التوابل و قالت و هي تُنَظف السمكة
" هل لكِ ان تجلبي لي بعض الملح و الفلفل من هناك!" هززتُ برأسي ثم ذهبت لخزنة التوابل المختلفة ثم عدت لها بالملح و الفلفل. أخذت امي التوابل من يدي وبدأت بِوضعهم على السمكة التي امامها. رفعتُ جسَدي بِذراعي و جلست على الطاولة بِجانبها و انا أُفَكر كيف لي ان اسألها، بِطريقة اجعلها تجيب من دون لَفٌ و دوران. أخذتُ قطعة من الخس الموجود في طبق دائري مليئ بالخضار المغسولة و الماء يسقط من الخس لِيدي و ينزلق مُكمِلاً طريقه الى كوعي. قبل ان اسأل اخذت قضمة بعدها قلت لها
" لماذا ليام غاضب؟ هل تشاجر هو ايضاً معكم؟ " لم تجبني امي بسرعة، انما اخذت وقتها بالعمل على السمكة من دون ان تنطق بكلمة، و كأنني غير موجودة معها. " لا، لم يتشاجر مع احد " قالت امي مُختصِرة الاجابة. ازحتُ نظري لمدخل المطبخ ثم سألت مرة أخرى " و ماذا عن صوفي؟ " " ماذا عنها؟ "
سألتني هي." اعني، لماذا كنتم تتشاجرو ؟ و لماذا قررتي ان لا تدعيها تخرج مجدداً؟ " مرة اخرى لم تجبني بسرعة و انما اكتفت بالصمت الطويل، جاعلة من صبري ينفذ. " امي!! لماذا لا تجيبي؟ هل سألت عن شيء لا يعنيني ؟" انا قلت بتذمُر. توقفت هي على تتبيل السمكة، و نظرت لي بِعيون ناعسة، و قالت
" لا ان الامر ليس هكذا، لكنه غير مهم... شجار صغير يحدث كل مرة مع ام و ابنتها. " اشارت لي بيدها لِدُرج عند اقدامي " احضري لي صحن من هناك، كي اضع السمكة عليه " نفختُ الهواء من فمي بِأحباط ثم نزلت من على الطاولة واحضرت الصحن لها. هي لن تجيبني بهذه الحالة، كل مرة تتفادى الاجابة بالكامل. و انا صبري قد نفذ ان لم اتوقف عن السؤال، لن احصل على الشيء منها بِشكل عام. لذلك قررت ان اتكلم مع ابي عندما يعود ربما يعرف عن سبب عدم سماح امي لصوفي بالخروج مرة اخرى، و عن الخطر الذي تكلمت عنه امي. نعم صحيح! انا تذكرت. لماذا قالت امي ان خروج صوفي مرة اخرى خطر عليها و على العائلة؟ ما الذي تفعله صوفي عندما تخرج كل مرة لوحدها؟ انا لم افكر بهذا الامر او لم اسأل صوفي الى اين تذهب في كل مرة تخرج لوحدها من دون مرافقة. يبدو ان الامر جِدي و ليس مجرد شجار صغير يحدث كل مرة مع ام و ابنتها. فأنا لم أرى شَرارت تخرج من كلامهم عند الشجار هكذا كل مرة. ما الذي يخفيه الجميع عني؟ انتهينا من تناول الطعام وتنظيف المائدة. صوفي لم تنضَم لنا اليوم، و الجميع كانو كئيبين على المائدة من عدا ابي الذي ضلَ يتكلم عن صيده اليوم و كيف رأى طائر غريب الشكل يُراقبه من بعيد. انا طيلة فترة تناولنا العشاء لم انصت جيداً لكل شيء يقوله، كنتُ افكر بكلش شيء ان كان مهم او لا و بالأخص، الخطر الذي ليس لدي فكرة عنه. ظللتُ اتسأل، ما إذا امي تعني كل شيء قالته لصوفي او انها كانت تقول ذلك من اجل حمايتها فقط. كالعادة انا اخر من يعلم عن اية شيء يحدُث في المنزل و دوماً بِحيرة. امي لم تبقى معي انا و ابي، انما ذهبت كي تستَريح في غرفتها. ليام قال انه متعب و يريد النوم. انا و ابي الوحيدان في غرفة الجلوس، نجلس امام المدفئة الصغيرة. ابي على كرسيه المفضل و انا على الارض قريبة من النار و ظهري لِابي. " كيف كان يومُكِ تاليا؟ " سأل ابي بأبتسامة صغيرة على شفتيه. لم ادر وجهي له عندما اجبته
" جيد على ما اعتقد. " هَمهَم ابي قليلاً ثم قال بِنبرة تسائُل " على ما تعتقدي؟ هل كل شيء على ما يُرام؟ هنا ادَرتُ وجهي لهُ و شابكت ساقاي، بعدها نظرتُ بِجدية ثم قلت " في الحقيقة لا. ليس كل شيء على ما يرام.... اظن انك سمعت بِشجار صوفي و امي اليوم قبل العشاء صحيح؟ " اعاد ظهره الى الخلف و أراح رأسهُ على الكرسي ثم أجاب " نعم صحيح، اخبرني ليام عن الامر. " " جيد، و هل اخبرك عن السبب؟ " فكَر قليلاً قبل ان يجيب " نعم، لقد قال انه مجرد شجار بسيط بينهما، فهذه ليست اول مرة يتشاجرو. " نفختُ الهواء بقوة ثم قلت له بِصرامة و انا انظر لعينيه العسلية من دون كسر نظري له
" ابي، انت لم تخبرني عن السبب! هل تتفادى الاجابة انت ايضاً؟ " نظرة لي بِدهشة و ضحك فجأة و كأنني اخبرته نكتة. تقدم هو للأمام واضعاً ذِراعيه على رُكبتَيه و قال لي بصوت هادىء
" لا انا لا احاول ان اتفادى الاجابة عزيزتي. انا فقط لا ارى سبب فضولك في الامر، انه مجرد شجار و ليام لم يخبرني عن السبب، فهو قال نفس الشيء الذي قلته لك الان. " اخذ نفساً ثم اكمل
" اعتقد انه لا سبب او هو فقط لا يعلم ايضاً. هل حاولتي ان تسألي والدتك؟ " حنيتُ رأسي للأسفل مستسلمة لانني اعلم انه لا يعرف، فلقد اتى عند وقت العشاء و ليام لم يكن له نفسٌ ان يتكلم من الاصل. لذلك انا اصدق ابي. ليس لديه سبب ليكذب علي، بيني و بينه ثقة عمياء، منذ ان كنتُ صغيرة، اعتمد عليه و هو في المقابل ايضاً. بعض الاحيان استطيع ان اعلم ما الذي يُفكر فيه و شعوره عندما انظر لعينيه او حتى عن طريق نبرة صوته عند الكلام. لكني تذكرت عندما ذَكَرت امي الخطر الذي سَيُصيبنا ان خرجت صوفي مرة اخرى. انا اعلم انه لا يعرف....ربما، لكن ما المشكلة في المحاولة و سؤاله عن الامر. ربما لديه معلومة و لو حتى سطحية. " لقد ذكرت امي شيء غريب عند الشجار مع صوفي." انا قلت. " ما هو؟ " سأل ابي. " لقد قالت انه خطير على صوفي و علينا ان خرجت مرة اخرى. ما الذي تعنيه بالخطير؟ " نظر ابي للنار من خلفي بتمَعُن و قال " خطير؟ انه دوماً خطير عندما تخرج لوحدها هكذا. فهي فتاة و انه دوماً خطر على الفتيات في قريتنا ان تخرج حتى المساء. " يبدو انه لم يفهم عليي جيداً. لكن لن اضغط و اسأل المزيد من الاسئلة، يبدو ان لا احد سوف يطعم فضولي . لذلك قررت ان استكشف بنفسي. انا عندما يبني فضولي نفسه في داخلي، ابدأ بِكسره شيئاً فشيء على طريقتي الخاصة. اِما بالاسئلة الى ان اتلقى الجواب الذي اريده ( و طبعاً هذا لم يحدث هذه المرة)، او احاول ان اجد الاجوبة بِطرق اخرى. لكني مُحتارة، اختي توقفت عن الذهاب منذ الأسبوع الماضي بعد ان قررت امي ان خروجها من المنزل لوحدها غير مسموح بعد الان، لذلك لا استطيع مراقبها عندما تذهب لاية مكان. اخي لن يُجب علي في كل مرة اسئله او عندما احاول ان اخذ بعض المعلومات منه بِطريقة غير مباشرة. صوفي مثل امي تتفاداني في كل مرة احاول. و ها انا هنا عاجزة عن فعل اية شيء. " ما الذي تفكري فيه؟ " سألتني كانيلا و نحن نجلس على العشب الاصفر في حديقة منزلها الصغيرة. انها صغيرة لكنها جميلة حتى في الخريف. يوجد شجرة كبيرة في المنتصف تَحجُب الشمس من اية شيء اسفلها، كَبعض الفطر الابيض المُنَقط بالاسود الموجود على جذعها العملاق، و الأعشاب المليئة بالاشواك من حولِها. وضعتُ كفوف يداي الاثنتان على وجهي اخفي غضبي عنها. " لا اعلم....انا حقاً عاجزة! " انا اخبرتها. وضعت يدها على ظهري و بدأت بِفركه بحركة دائرية ثم قالت بصوت ناعم
" لا باًس، ربما انه حقاً امر غير مهم. لذلك توقفي عن التفكير به و دعينا نستمتع بِأواخر دفء الشمس، فالشتاء قادم. " " اعلم هذا، ربما غير مهم، لكن شعور في داخلي يخبرني العكس تماماً. كل مرة احاول ان اتوقف عن التفكير في الامر، اجد نفسي افكر فيه اكثر و اكثر من الاول. " " يبدو ان الوضع جدي حقاً. "
قالت هي بِتساؤل تنظر للسماء و انا حاولت تصفية ذهني، بالتحديق بالغيوم لأنه توجد القليل من الغيوم اليوم. بعضها ليس لديها اشكال و بعضها صغيرة مُقارنَ بِغيرها. و القليل من الطيور تحلق بِمجموعات مختلفة و لكن بِتناغم و كأنهم يرقصون. ادرت وجهي لأشعة الشمس الدافئة، و اغمضتُ عيناي مُحاولة التفكير بأمر اخر. لم يشغل اية شيء تفكيري بهذه الطريقة في حياتي، ربما لان طريقة امي في الكلام مع صوفي ذلك اليوم كان غريب. او ربما لان عينيها كانت تتكلم اكثر، كان يوجد بهما امر و مشاعر لم اراها من قبل. كانت اكثر من خائفة.....كانت اكثر من قلقة، كانت مرعبة! مرعبة بالنسبة لي، و بالاخص عندما توقفت فجأة لِرؤيتي اقف معهم في الغرفة و استمع للذي تقوله. ما الذي تخفيه عني هي و صوفي؟ ما الذي يُخيفُها لذلك الحد؟ هل انا انفعلت بالتفكير؟ ربما هي فقط قلقة على اختي لذهابها لوحدها. فتحتُ عيناي و نظرت للأفُق البعيد ثم قلت " ربما يجب ان لا افكر كثيراً، لان هذا يؤلم رأسي. لكني لا استطيع ان امنع نفسي بسبب ذلك الشعور الغبي الذي لدي " ضحِكت كانيلا ضحكَ صغيرة لكنها لم تتفوه بشيء. هَمهَمت قليلاً بتفهم ثم أخذت قطعتا خبز اسمر من سلة الطعام، ثم وضعت عليهما القليل من مُربة الورد، و اعطتني اياه. " لا تقلقي، فقط دعي الامور تجري على طريقَتِها. و تفكيرك هذا دعيه الى ان يَمِل من نفسه. ربما سبب شجارهم سر لا يعنيكِ. انا لا اقول هذا كي اجعلك فضولية اكثر، لكن ارجوكِ حاولي ان تنسي و تشغلي نفسك بشيء اخر." توقفت للحظة بعدها ابتسمت ابتسامتها المشرقة ثم أكملت " انا حقاً لا افهم لِما كل التفكير...ليس و كأنه اكبر سر في العالم، او انه سر خطير. لذلك فقط توقفي " كانيلا صديقتي الوحيدة التي اعتبرها مثل اختي التوأم. فنحن نعرف بعضنا منذ ان كنا ***** لا تستطيع التكلم بعد. احب ان اتكلم معها عندما انزعج او اكون حزينة، انها جيدة في جعلي انسى بسرعة، و في تحسين مزاجي في كل شيء. دوماً ما تكون اول شخص يعلم بِكل شي يحدث لي. اذكر انها اول شخص عَلِم بِحُبي الاول و اول شخص يعلم بِتركي لهُ. فهي من تُسانِدني و تشعرني انني لستُ وحدي. لهذا اتيت اليوم اليها كي اخبرها عن الذي حدث الاسبوع الماضي بين اختي و امي. ربما اخباري لها يتعدى الخصوصية المنزلية بين العائلة، لكنني اعتبرها جزء منها. لا اخشى ان اخبرها عن اية شيء، فأنني اعلم انها لن تُخبر احد عن اسراري و مشاكلي الشخصية. بدأت نسمة هواء باردة بِتحريك الغطاء الذي نجلس عليه، و بجعل شعرنا يتطاير على وجوهِنا، حاجِباً الرؤيا. نظرت لكانيلا و هي تحاول امساك الغطاء و منعه من ان يلمس الطعام و يتسخ. و بنفس الوقت تحاول ان تُبعد شعرها الاسود الطويل من على وجهها الهادئ. لديها عيون بنية واسعة و حواجب سميكة، انف عريض من الاسفل و نحيل من الاعلى، شفتان مملوئة زهرية و بشرتها ناعمة، احب لون بشرتها الحنطية، مع انها دائماً تقول انها سمراء و ليست حنطية. عكسي انا التي تمتلك بشرة بيضاء و عيون خضراء مائلة للاصفر مشابهة لِعيون أمي، و وجه صغير. لدي حواجب كأنها مرسومة لكنها ليست سميكة مثل حواجب كانيلا. شفاهي متوسطة الحجم لكنها ايضاً ممتلئة، انفي عادي الشكل و رفيع و عليه القليل من النمش، املك شعر فاتح فيه خُصلات ذهبية بعض الشيء يصل لنصف ظهري، كنت اظنه اشقر الى ان رأيت شعر احد فتيات القرية، التي تملك شعر اشقر فاتح جداً، احياناً اراه كالذهب عندما يضرب ضوء الشمس عليه. " ماذا بكِ؟ لماذا تنظرين الي هكذا؟ هل يوجد شيء في شعري؟ " قالت كانيلا بِحيرة موجودة بِصوتها. ابتسمت لها ثم تحركت كي اساعدها بِتثبيت الغطاء و هززتُ بِرأسي قائلة " لا، لا شيء، لا تقلقي. انا فقط سعيدة انك بِجانبي اليوم. " فجأة وضعت كانيلا يدها على جَبيني ثم نظرت لي و قالت بمُزاح "يبدو ان حرارتك ارتفعت، دعينا نجمع الاغراض و نعود للداخل، الهواء لن يتوقـف و اصبح بارد جداً. لم اعد اشعر بِأنفي. " أومأتُ لها بعدها بدأنا بِاعادت الاغراض للسلة. اليوم غائم و يبدو انها سوف تمطر قريباً. لذلك قرر والدي ان نذهب للصيد ابكر من العادة. كل يوم أحد نأخذ استراحة من الصيد لأننا نصطاد كل يوم من الصباح حتى قبل العشاء بِقليل. انا لا اذهب معه كل مرة و انما يأخذ اخي احياناً، لكن اليوم استثناء، لان البارحة لم يصطد ابي الكثير كي يكفينا لبضعة ايام، و الدجاج الذي لدينا غير كافي. لذلك سوف اذهب مع ابي كي اساعده بالصيد. فتحت انا باب المخزن الذي يقع بجانب قفص الدجاج الكبير، و اخرجت بعض الادوات اللازمة للصيد كالأفخاخ، السكاكين، و اهمها الاقواص و الأسهم التي صنعها ابي بنفسه و انا بدوري صنعت خاصتي. قوصي مصنوع من خشب الطقسوس لان نوعية هذا الخشب قوي يتحمل الشد. السهم من خشب جاف و مستقيم بقدر الامكان و خيط القوس المطاطي صنعته من الحرير. لقد تحمل هذا القوس سنين معي و لم يتلف او يحدث له اية مكروه.
سمعت صوت ابي من خلفي ينادي بأسمي، لذلك هرعت له بسرعة كي نبدأ الصيد. " هل احضرتِ كل شيء؟ " سأل ابي بعد ان اخذ قوصه و سكاكينه. شبثت السكاكين بمكانها في جزمتي و على خصري ثم وضعت الافخاخ بالحقيبة على ظهري و القوص بيدي بعدها اجبته " نعم، و لم انسى شيء " ابتسم لي ثم اشار برأسه للغابة التي امامنا كي ندخل لها و نبدأ صيدنا لليوم. قبل ان احرك اقدام، اوقفني بذراعه التي تحمل القوس و قال " انتبهي تاليا، لا اريد ان اذكرك بالخطر الذي حولنا كل مرة ندخل للغابة. لكن فقط ابقي بجانبي و لا تتركيني مهما يحدث. الحيوانات تأخذ حذرها اكثر منا، و بالاخص الحيوانات المفترسة، انها لن نتتظر من احد كي تهجم و تشبع بطونها الكبيرة. هل فهمتي؟ " اومأت برأسي بالتفهم بعدها اخذنا خطواتنا ببطء و حذر لقلب الغابة. الغابة تسمى أبيرو و تعني لا نهاية باللغة اليونانية، لان لم يستطيع احد الى الان ان يكتشف نهايتها. بعض الناس استغرق وقت وصولها لنصف الغابة فقط، ما يقارب الاربع اشهر و خمسة ايام. حتى بعض عُلماء المملكة يقولوا، انها فقط البداية و ليست نصف الغابة. لِماذا ليس لديها نهاية؟ لا احد يعلم....انا اعتقد اننا ندور و ندور بِدوائر كل مرة ندخلها. و اعتقد ان الناس التي اخذ من وقتها اربع اشهر و خمسة ايام للوصول للمنتصف، قد تكون ضائعة و لم تعد تعرف الامام من الوراء و الشرق من الغرب.
او ربما هي حقاً غابة ليس لها نهاية كالبِحار، كل جهاته تبدو كبِداية. هذه الغابة هي الغابة الوحيدة التي يمكنك ان تصطاد الكثير في يوم واحد إن كنت محظوظاً. لأنها مليئة بالحيوانات الغريبة و المتوحشة. لذلك يجب علينا ان نتوخَ الحذر كل مرة نصطاد. ابي قد أُصيب عدة مرات عند الصيد بسبب الحيوانات الخطيرة، و ينجو دوماً بفضل **** و بفضل قوته و ذكائه. امي دائماً قلقة عليه، لكنها اعتادت ان تراه ملئ بالدماء و الجروح عندما يعود بعد صيد طويل. انا مازلت اخاف عليه، و اشعر بالحزن كلما عاد مُصاب. " دعينا نبدأ من هنا. المكان مناسب و يوجد فواكه عند الشجرة هناك. " قال ابي بعد ن وصلنا للمكان الذي سوف نبدأ صيدنا فيه. الحيوانات تحفظ مكان الصيادين في كل مرة يصطادو بِأماكن مختلفة. عندما يكونو في مجموعات، الحيوانات التي تهرب عند الصيد، تحفظ مكان الحيوانات الأخرى التي صادوها و ماتت هناك، لذلك لا تعود لنفس المكان دوماً. اليوم اخترنا ان نبدأ عند اشجار الفواكه مثل: التفاح، الدُراق و العِنب.
نظرتُ من حولي اتمعن بِجمال الغابة و الازهار التي لا يوجد منها اِلا في غابة أبيرو.
اخضر، اخضر، في كل مكان و اشجار ضخمة تُغطي ضوء السماء و اشعة الشمس. اعشاب طويلة تصل لِفوق الاقدام. ازهار كبيرة و بتلات ملونة بِألوان جميلة لِناظِرها. اصوات شلالات و انهار صغيرة في كل مكان، زقزقت العصافير لبعضها البعض، اصوات طنين الحشرات و صريرها. و اخيراً اصوات هزيز اوراق الاشجار الكبيرة عندما يمُر نسيم هواء يجعلها تتحرك و تضرب بِأوراق اخرى. لو امكنني ان اعيش في هذه الغابة، لكنت وافقت وعشت هنا للأبد، لكنه مستحيل لانها خطيرة و لا نعلم ما الذي سوف يحدث لك ان اغلقت عينيك لبضع ثواني. تحركنا لِخلف الشُجيرات كي نختبىء الى ان يأتي غزال قد رأه ابي و نحن في طريقنا لهذا المكان. " كيف لك ان تعلم انه سوف يأتي الى هنا؟ لقد رأيته يذهب بِأتجاه مُختلف قبل وصولنا. "
قلتُ له بِقلق. ابتسم بوجهي و قال بِثقة كالعادة " نعم صحيح، لقد ذهب في اتجاه مُختلف، لكنه سوف يأخذ طريق اخر كي يبحث على الطعام، لقد كان يمشي و رأسه يدور في كل الاتجاهات باحثاً عن اية شيء ليأكله "اخرج سهمه من حقيبته التي على ظهره، و وضعه في مكانه على القوس ثم اكمل كلامه " انه قريب و لا يوجد أقرب من هذه الاشجار هنا، لذلك سوف يُضطر الى ان يبحث في اماكن اخرى." لقد قلت من قبل ان ابي ذكي، و احياناً اعتقد انه يتكلم لغة الحيوانات و يفكر مثلهم. اخرجتُ السهم انا ايضاً و وضعته على القوس مستعدة. اخذنا وضعية القُرفُصاء كي لا يرانا الغزال إن اتى.
بدأتُ اشعر فجأة بشيء غريب، قلبي يُرفرف بِقوة، و كأنه يوجد عصفور يحاول ان يطير ولكن شي ما يمنعه. حتى انني بدأت اتعرق من جبيني و ظهري. احسستُ ان عيون احدٍ ما تُراقِبُني...التفت برأسي للجانب محاولة رؤية إن كان احداً ما خلفي، لكنه لا يوجد غير المزيد من الشجيرات الصغيرة. لا تخافي...فقط ركزي على الغزال القادم، انك فقط تهولسي مرة اخرى.
انا قلت لنفسي. اغمضت عيني و فتحتهم كي أتخلص من الشعور المخيف في داخلي، لكنه مازال و ما زلت اشعر بهذه العيون. لمستُ ذراع ابي كي ينظر لي، لكنه قال من دون ان يلتفت الي
" ماذا بكِ تاليا؟ لا تدعيني اخسر تركيزي، ان الغزال قادم. " ازحتُ نظري للمكان الذي ينظر ابي له، فَرأيت الغزال يمشي بِخطوات حذرة، ينظر لليمين و اليسار كي يتأكد ان لا احد موجود كي يُعَرقل طريقه. بعدها اكمل طريقه لشجرة التفاح ثم اخذ قضمة من تفاحة جعلتها تقع للأرض و تتدحرج قليلاً.
حرك ابي ذراعيه و وضع القوس و السهم امام رأسه كي يطلق السهم على الغزال بِدقة. قبل ان يطلق السهم سمعتُ انا صوت شجيرات تتحرك بسرعة من خلفي، من شدة الخوف وقفت فجأة، صرخت و اطلقت السهم على المكان الذي خرج الصوت منه، و بسبب فعتلي تلك جعلتُ من ابي يطلق السهم على جذع شجرة التفاح قريب من الغزال. الغزال رأى السهم و سمع الصراخ، لذلك فرَ هارباً منا. لعنو ابي تحت انفاسه و نظر لي بخوف " تاليا ماذا دهاكِ؟ انظري لقد هرب الغزال مني. " اشرتُ بيدي لخلفي ثم قلت له بتوتر
" لقد سمعتُ صوت من خلفي، ظننت انه حيوان او شيء سوف يهجم علينا. " نفثَ هو الهواء من فمه بِقوة ثم قال بِهدوء " لا تخافي، كنت سوف اسمع الصوت ايضاً ان اتى حيوان، كنت اسوف اعلم، لكن صُراخك هذا جعل سهمي يضرب الشجرة بدل الغزال " اخذ ابي سكينة من الحقيبة على الارض ثم قال لي و هو يبتعد عني مُتجِهاً للطريق الذي اخذه الغزال عندما هرب " ابقي هنا، لا تترحكي ابداً الى ان اتي. سوف اذهب خلف الغزال، لن اتأخر اعدك " " لكن ابي ماذا لو..." لم ينصت لي و اكمل طريقة راكضاً بسرعة. لم تتحملني ارجلي لذلك جلست على الارض بِأحباط. ماذا دهاني اليوم؟ وضعت يداي على رأسي و افسدت شعري اكثر لأنني غاضبة. بسببي هرب الغزال و الان انا وحدي في غابة مليئة بالمخلوقات التي ترى كل شيء خَطر عليها. وقفت مرة اخرى كي اذهب للحقيبة و اخرج قارورة الماء، فخوفي جعل حلقي جاف كالرِمال و اشعر بأن وجهي بارد. و انا امشي للحقيبة سمعت صوت حيوان من خلف ظهري بعيد قليلاً لكنه قوي و ذا صدى. التفتُ ببطء كي ارى ما المصيبة الاخرى التي تنتظرني، فأتفاجئ بِأسد كبير ذو بنية قوية، اصفر اللون و بِشعر كستنائي كثيف. عينيه الصفراء المخيفة تنظر لي. رأسه لمستوى جسده العملاق و يمشي بخطوات بعيدة عن بعضها. امسكتُ انا القوص بقوة و حاولت ان اسحب السهم من على الارض من دون ان يشعر بِخوفي. اذاً عيون هذا الاسد هي التي شعرت بها من قبل. لكن لما لم يهجم علينا عندما كنا غير منتبهين؟ عندما وصلت يدي للأرض، لم استطيع ان اعثر على السهم! أزحت نظري للأرض و لا سهم!! " تباً لكي تاليا " انا قلت بصوت منخفض السهم عند الحقيبة، و الحقيبة بعيدة عني، لن استطيع ان اصل لها قبل ان يلتهمني هذا الاسد و ينظف اسنانها بِعظامي. حاولت ان افكر في اية طريقة كي اهرب منه او حتى ابعده عني......لكن لا يوجد، انه اسرع و اقوى و انيابه الحادة لن تدعني اعيش ان غرزت في جسدي. لكن ليس لدي حل غير الركض بِأسرع ما يمكن للحقيبة و اخراج سهم كي اقتله به. قبل ان اخطو أول خطوة نحوى الحقيبة. هجم الاسد بِسرعة علي و صوته يرن في اذاني، هذه اللحظة مرت بسرعة شديدة، و من خوفي الذي لم اعد استطيع كبته صرخت اخر مرة و وضعت ذِراعيي امام وجهي ظناً ان هذا سوف يخفف خوفي منه و اغمضت عيناي. لما لم اذهب خلف ابي؟ لما اتيت اليوم معه؟ لما نهايتي سوف تكون هكذا؟ ما الذي فعلته في حياتي كي استحق ان اموت على فك و انياب هذا الاسد الغبي؟ كل هذه الاسئلة دارت في لحظة هجومه علي. عمَ الصمت المكان.....لم أعُد اسمع او اشعر بِشيء غير انفاسِه القذرة على ذراعيي التي تُغطي رأسي. فتحتُ عيوني و ابعدتُ ذراعيي كي اراه امامي، ينفُثُ الهواء من انفه الاسود و ينظر لي بِضَجر. رأسه الكبير قريب من رأسي جداً، لكنه لم يأكلني او يقتلي. انه فقط يقف هكذا امامي من دون حِراك. و كأنه مُتجمد ليست لديه القدرة على التحرك. انا لم اعد افكر بشيء غير ان هذا المنظر مُخيف و يجعل من قلبي يدق بسرعة، جاعِلاً كل جسدي يتحرك من قوته. حتى يمكنني ان اسمع صوته في اذني و كأنه هناك في عقلي بدل صدري. لماذا يقف هكذا؟ لماذا لم يلتهمني بعد؟ انفاسه تضرب وجهي و عيونه لا تتركني، لم ارى في حياتي اسد بهذا القرب، دوماً اراهم من بعيد. فجأة رفع رأسه و كأنه سمع صوتاً. بعدها ابتعد عني و هو مازال ينظر للأفق، ثم جرى عائداً من الطريق الذي اتى منه.
كل هذا حدث ببطء، و انا مازلت مندهشة من هذا المشهد الاغرب في حياتي البائسة. لم استطع ان اتحرك ابداً، ما زلت على الارض، جسدي لا يريد ان يتحرك و رأسي يؤلمني كثيراً. " تاليا!! تاليا!! اين انتي؟ تاليا!! " سمعت صوت ابي، لكني لم ارد عليه. مازلت جالسة على الارض. احسست بيدين ابي تمسك بي من الخلف بِقوة جعل قبضته تؤلم اكتافي. تحرك ابي لأمامي ينظر لوجهي، جسدي و كل مكان، يتأكد من ان لا شيء قد اصابني. و عندما لم يجد اية اصابة، عصرني بِعناق و هو يُتَمتم كلمات لم اسمعها على شعري. ابتعد عني و هو يتنفس بِصعوبة و عينيه عليها القلق ثم سأل " هل هجم عليكِ حيوان؟ هل تأذيتي؟ انا اسف لأنني تأخرت و لتركك وحدك هنا. ارجوكِ تكلمي! " نظرتُ له بعيون متعبة و قلت بصوت منخفض جداً " انا بخير.....فقط متعبة، اريد العودة للمنزل " اقترب لي اكثر و كأنه لم يسمع الذي قلته. اعدتُ له كلامي مرة أخرى " اريد العودة للمنزل ارجوك، رأسي يؤلمني جداً و لا استطيع ان اشعر بِجسدي......اريد ان استلقي على فراشي قليلاً. " نظرات ابي لي تقول انني جننت او بي خطب ما، لكنه لم يسأل المزيد سوا انه أومأ بِرأسه بالموافقة بعدها رفعني كي اقف على قدماي الضعيفة و ذهبنا. الذي حدث معي في الغابة مازال عالق في رأسي كاللحم على العظم، انه كمشهد الرعب الذي نراه في المسرحيات التي تؤديها الناس في الطرق و بجانب المنازل. انه يطاردني في احلامي و احياناً عندما استيقظ اظل اشعر بتلك العيون تُراقبني.
بسبب ذلك مَرِضت و بقيت في غرفتي لأيام، لم اعد استطيع او اهتم بِعدِها. حراراتي لم تتوقف و انا لم اعد استطيع ان اشعر بِجسدي او اتحرك من فِراشي. أمي دوماً بجانبي تهتم بي و تطعمني الاعشاب و جميع انواع الادوية كي تتوقف حرارتي، كانيلا بقيت تزورني كل يوم كي تطمأن علي و ذلك اسعدني كثيراً و جعلني اشعر بِتحسن، لكن لم يكن كافيٍ. يتبع
التعديل الأخير: