مكتملة واقعية حب وثبات على طريق الحق” (1 مشاهد)

ق

قيصر ميلفات

عنتيل زائر
غير متصل

Jaumsqu.jpg


بعنوان “حب وثبات على طريق الحق”


ما أجمل من الحب الذي يحمل جميع المعاني، يحمل في طياته المعاني الدنيوية الجميلة، ويحمل على عاتقه هم الدعوة لطريق **** القويم، وبذلك ينجى المحب ومن أحب من تقلبات الدهر، ويحظى بالثبات العقيدي ويصبح ممن قيل فيهم (المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر).
ولا تحلو الدنيا دون حب يضمن لك آخرة برفقة أشرف الخلق، ولا بآخرة تقضيها بجنة ولكن تخلو من حبيبك.

حب وثبات على طريق الحق

يحكي المحب ويقول…
لقد عرفتها صغيرة ابنة الثالثة عشر سنوات، تأتي لزيارة والدها من وراء القضبان.
كنت حينها في فتىً في ريعان عمري، لم أتجاوز عامي العشرين بعد، وحمداً *** أنني كنت أصغرهم سناً، فكنت الأصغر سناً ولكني كتساوي بالأكبر سناً والأكثر حكمة وخبرة في الابتلاء بالمحن والشدائد الطويلة.
وبكل مرة رأيتها فيها تأتي لوالدها متلهفة لرؤيته لم أرها إلا **** بريئة، محبة لوالدها ومشتاقة إليه.
ومرت الأيام وإذا بالطفلة الصغيرة قد صارت عروسا جميلة، وجاءني والدها يخطبني لها.
فسألته متعجباً من أمره: “أأفعل ما تطلبه مني وأنا وراء القضبان؟!”
فأجابني قائلا: “قال تفعل، وما كل الرجال برجال، وقد اخترتك لابنتي”.
وشاء رب العباد أن تنفرج الغمة، خرجت من وراء القضبان ولم أنسى لحظة كلمات أبيها، ففاتحت والدتي في أمرها، وقالت لي: “يا بني وما لنا بالغريبة؟!، وبنت خالك أنت أولى بها وهي أولى بك، تعرفنا ونعرفها، والأكثر من ذلك أنها ستنسيك الطريق الذي أذاقنا أسوأ الأيام وأصعبها وأكثرها ظلمة ومراً”.
قلت لها: “لا و**** يا أمي، فإنني أريد من تعينني على الطريق”.
وجدتها تقول لي: “إذاً أنت وشأنك، افعل ما يحلو لك”.
ذهبت للفتاة في الحال، نظرت إليها فأخفضت عينيها خجلا واحمرت وجنتيها، فسألتها قائلا: “هل ترتضينني زوجا لك؟”
فقالت لي: “لقد ارتضاك أبي، فكيف لي ألا أرتضيك؟!”
ونظرت إلي مبتسمة وقالت: “لقد ارتضيتك زوجا لي”.
فأخبرتها: “إنني يا ابنة الناس يوم معك وأيام كثيرة وراء القضبان”.
فقالت: “ولهذا الأمر تحديداً قد ارتضيتك”.
قلت لها: “وأنا مطارد”!
سألتني: “ولم؟!”
قلت لها: “لأنني على الحق”.
فقالت لي: “عرفت فالزم”.
فقلت لها: “قد يعدمونني، قد يزهقون روحي، وقد يطيرون رقبتي”!
فقالت بتعجب: “وماذا جنيت ليفعلوا هذا بك”.
قلت: “لم أفعل شيئا إلا أنني أقول *** ****”.
فقالت لي: “إذا طريقك طريقي، وتسبقني للجنة”.
فقلت لها: “إن أمي لا تحبك”!
فقالت لي: “أصبر وأحتسب عند ****”.
قلت لها: “إذا توكلت على ****”.
وتم عقد قراننا، وفور ذلك سألتها قائلا: “يا ابنة الناس إنني لا أعرف كلام الغزل”!
فأجابتني بحب: “ولكن عينيك تخبراني بالكثير والكثير”.
وكنت لاأزال مترددا من فحمها معي بحياتي الصعبة فسألتها: “يا ابنة الناس إننا لانزال على البر، وحياتي صعبة للغاية وأخف عليكِ منها”.
فقالت لي: “لا و****، بل نحن في عرض البحر، وإنني لأحب حياتك”.
فأخبرتها قائلا: “ولكنها محنن كثيرة وشدائد أكثر”.
قالت: “فمن لها غيري؟!”
تزوجنا، ويشاء **** سبحانه وتعالى أن يرزقنا بحملها بطفل فما كان هناك على ظهر الأرض من إنسان أسعد منا.
وجاءتني المحنة في الحال، لقد جروني أمام عينيها مكبل بالسلاسل، ترقرق الدمع في عينيها.
قلت لها: “ألم أقل لكِ؟!”
قالت لي: “قيدك كأنه حول رقبتي، فاثبت إنك على الحق المبين”.
فذهبوا بي لمكان بعيد للغاية، كانت تأتيني بكل زيارة، وما بين كل زيارة وزيارة كانت تتحايل بكل ما أوتيت من قوة لرغبتها في رؤيتي ولو حتى بنظرة خاطفة من بعيد.
وذات مرة في الزيارة قلت لها: “زوجتي وحبيبتي لقد ثقل حملكِ، والطريق لزيارتي بعيد طويل وشاق ومرهق للغاية، استريحي لأجلي”.
فقالت لي: “وهل من راحةٍ بكل الدنيا إلا في جوارك؟!”
وشاءت الأقدار بأن كانت مشقة الطريق للسجن بطرقاته العسرة أن تكون سببا في وفاة الجنين ببطنها.
وجاءتني زيارة وكانت حزينة مهمومة، وقالت لي: “سامحني فقد أضعت أمانتك”.
طيبت من خاطرها وأخبرتها قائلا: “إنها مشيئة ***”.
وانفرجت المحنة، وخرجت من غيابات السجون، ومرت العديد من الأيام ولم يرد **** سبحانه وتعالى ويأذن لنا بحمل آخر.
أصرت على الذهاب للطبيبة للاطمئنان، وحدثت المفاجأة والتي كانت بمثابة اختبار من **** سبحانه وتعالى على الثبات، لقد أخبرتها الطبيبة بأنها لن تكون أماً مرة أخرى.
وعلى الفور فور خروجنا من عند الطبيبة قالت لي: “تزوج”!
ولكني لم أجب عليها، فكررتها ثانية وأرادت الرد وألحت في طلبه.
فقلت لها: “ومن قال لكِ أنني لم أتزوج؟!”
زاغت عيناها وبدا عليه الضيق والقلق، وقالت بصوت متقطع يغلب عليه الأنين والرغبة في البكاء: “منذ متى وأنت متزوج؟!”
فأجبتها قائلا: “إنني متزوج من قلب أن أتزوجكِ، وعندي من البنين والبنات الكثير والكثير”.
فقالت لي: “إنك تمزح معي”
فقلت لها: “لا و****، لقد تزوجت هذه الدعوة، وبنيها كلهم بني”.
فقالت لي فرحة: “إذاً أربيهم معك”.
فقلت لها: “وهكذا أنا أريدكِ”.
وبيوم من الأيام جئتها فرحا مسرورا تلمع عيناي، وأخبرتها قائلا: “زوجتي الحبيبة إن بيدي عقد عمل، سنسافر سويا ونبتعد عن كل الخوف والقلق”.
نظرت إلي وبدا على ملامحها الصرامة والحزن، وقالت لي: “ما على هذا اتبعتك”!
فسألتها: “وعلام اتبعتني إذاً؟!”
فأجابتني: “لقد اتبعتك على الجهاد والابتلاء في سبيل ****، لقد اتبعتك على الصبر والاحتساب عند ****، وإن فعلنا نحن هذا فمن للصبر والثبات والابتلاء؟!”
فقلت لها: “أحبكِ”.
وتأتي إلينا المحنة، ومن جديد أسحب أمام عينيها وراء القضبان، ولكن بهذه المرة لم أكن أدري كم ستطول المدة بها، وتمر وتتواتر الأيام، فقلت لها ذات مرة: “يا ابنة الناس إنني لا أعلم كم ستطول هذه المدة، وإني أخشى عليكِ لذا فأنتِ في حل”.
فقالت بحزن: “لا، لا تكمل ليتني مكانك”.
فقلت لها: “قد أعدم”!
فقالت: “تسبقني للجنة إذاً”
فقلت لها: “على شرط أن تتزوجي بعيد”.
فقالت لي: “وهل للرجال مكان بعدك؟!”
ألاحظها الزيارة تلو الأخرى وهي تذبل ويصفر وجهها، أسألها عن حالها والسبب وراء ما آلت إليه، تقول لي: “من شدة قلقي عليك”.
كان قد داهمها المرض الخبيث، ولكنها لم تخبرني بذلك ورغم كل آلامها إلا أنها لم تتخلف زيارة واحدة عني.
إنني أكره هذه الأسلاك الشائكة التي تمنعني أن ألمس يديها، أطلب منها وأسألها: “اكشفي وجهكِ، إنني في اشتياقٍ لأراكِ”.
تقول لي: “الناس من حولنا ينظرون إلينا”، ولكنها تخفي عني الحقيقة.
وفي إحدى الأيام تفاجأت بزيارتها لي على غير الموعد، وما كان غريبا أن مأمور السجن يتلطف في معاملته معي وكأنه يخفي عني شيئا.
والمفاجأة الأكبر أنها زيارة من غير سلك!، أخيراً سألمس يديها يا ****.
وأخيراً لمست يديها، ولكنها عندما كشفت عن وجهها، ورأيته صعقت!
أين وجهها؟!، لم يعد له معالم، إن الألم يعتصر قلبي عصراً، ماذا حل بها، وما الذي واجهته في غيابي؟!
فسألتها: “ما بكِ يا حبيبة قلبي؟!”
فقالت لي: “إن من حقك أن تعرف، إن أيامي صارت بالحياة معدودة، أأنت راضٍ عني؟!”
أخبرتني بالحقيقة، ثرت وانهرت بالبكاء، فسألتها: “لماذا جعلتني آخر من يعلم؟!”
فقالت لي: “وما كان سيجيدك إن علمت، ما كلن يجيدك إلا بالألم، إنني الآن هنا لأطلب منك رضاك، ولا أدري إن كنت سأراك بعد اليوم أم لا”.
انهرت بالبكاء وصرخت ببضع الكلمات: “سأحطمكِ أيتها القضبان، إنني أكرهكم أيها الظلمة”.
فشدت على يدي وقالت مودعة إياي: “أنت لها”.
وبنفس اليوم جاءوني بخبرها، فلم يتحمل جسدها الهزيل مشقة الطريق.
جادوا علي بالسماح بحضور جنازتها، مشيت بجنازتها كالشيخ القعيد، وضع أخوها خطاباً منها في يدي.
وبالخطاب كانت توصيني بالصبر وتترك لي بأسماء زوجات قد اختارتهن لي؛ مزقت الورقة وعدت لزنزانتي، وما غابت عني ثانية.

عن نفسي تمنيت قصة حب مثلها وطريقا كطريقها فماذا عنك؟
 

الميلفاوية الذين يشاهدون هذا الموضوع

مواضيع متشابهه

أعلى أسفل