ص
صبرى فخرى
عنتيل زائر
غير متصل
فائزة بالمركز الاول لمسابقة القصة الجنسية المتسلسلة 2020
الطابق الرابع( السطوح)
" أمي هذا السندويتش غير لذيذ " ... جملة إلتقطتها عصافير بطني ... تبعت مصدرها ... ولد صغير يجاور أمه ... شورت وقميص عليها رسوم متحرّكة ... مربع أصفر بعيون زرقاء يرتدي شورت بني وحذاء أسود ...
كثرة تذمّره تنبأ بإقتراب الفرج لإعتصار أمعائي ... كل حواسي ترقب الحركة على المقعد المجاور لي ... لم يخب تقديري ... العادة التونسية الأصيلة في التخلّص من شيء غير مرغوب ... سيدة في بداية الثلاثينات تبتعد تمسك يد إبنها ذي السبع أو الست سنين ... خطوات واثقة ثابتة حثيثة توهم الناس أنها لم تفعل شيئا ...
إلتقاتة حذرة منها تراقب ما تركته على المقعد ثم نظرة عن يمين وشمال وإنطلقت مسرعة لتبتعد عن مكان جريمتها ... جرائم قوم عند قوم ولائم ... قفزت بسرعة للمقعد المجاور ... يدي تتسلّل بحذر وخجل تتحسس الكيس البلاستكي المهمل على خشب المقعد ...
مجموعة من الفتيان يملأ صراخهم المكان أجّلت معرفة نتيجة غنيمتي ... نصف سندويتش قضمه الطفل بإهمال ... فتحته ... لم أنظر ما بداخله ... المهم أن يملأ بطني .... رفعت رأسي للجهة المقابلة في الطريق ... علبة عصير صغيرة مهملة على حافته ... مقاومتها لهبّات الرياح الخفيفة تؤكّد إحتوائها على كمية منه ... الجوع علمني قوانين الفيزياء ...
تأبّطت حقيبتي الصغيرة وكيس الأكل ... خطوات ثابتة قطعت بها الطريق وبسرعة إلتقطت العلبة وهربت من ذلك المكان .... خشيت عينا فضولية تتبعني فيزيد الإحراج في ربط عقدة تخنق روحي الهامدة أصلا ...
حديقة البلفيدير في العاصمة هي المتنفّس الأخضر الوحيد لأهلها ... حديقة الحيوان ... كنت أسمع بها ... أردت الدخول لكن الحارس طلب مني دفع الثمن ... أصلا كل ما تبقى لي هي ورقة ذات 20 دينار أخفيتها بعناية حتى موعد الحافلة للعودة لقريتي ...
أصلا هي لا تغطي مصاريف عودتي ... كنت أخطط لركوب الحافلة للعودة للمدينة القريبة ثم سأمشي على قدمي للعودة لبيتي ... يكفيني ما نلت من مغامرتي هذه ... أسبوعان أتخبّط فيهما بين الشوارع علي أجد عملا ... فلم أجد ما أسد به جوعي سوى ما تجود به القمامة أو ما يهمله أحدهم ... حبست دمعة قهر تتسلل من جفني ...
شجرة فارعة في المساحة الخضراء المجانية حول الحديقة كانت ملجئي ... جلست تحتها أتناول ما تركه لي ذلك الطفل ... بدأت أصارع نفسي أن لا تقرف منه ... رشفات من العصير الذي تغيّر طعمه من اثر تركه في الشمس ...
هدأ جوع بطني ... وبدأت حرب ضميري ... ألم اقلّ لك لا تذهب ؟؟؟ ليتك سمعت الكلام قبل مغامرتك ؟؟؟ ليتك بقيت في القرية ؟؟؟ كنت ستوفّر ما أنفقت في رحلتك هذه ؟؟؟ ستعود خالي الوفاض ... ستثقل روحك من سخرية الجيران منك ؟؟؟
أسنان عم صلاح الصفراء وهو يضحك من خيبتي كأنياب دراكولا تثقب أوردتي ... صلاح ذلك الرجل الذي يفهم كل شيء سيجعلني محور جلساته تحت الشجرة وهو يلعب الخربع¨ة... لعبة شعبية تلعب بالحجارة ... يقول صلاح دائما أنه بطل العالم فيها ...
حركة خفيفة على العشب بجانبي جعلتني أرفع رأسي ... عصفور الدوري المعروف عندنا بالبضويش أو البزويش ... يلتقط فتات الخبز الذي تساقط من لمجتي الملتقطة ...
دورة الحياة مضحكة في هذه العاصمة ... إلتقاط الفتات ... لم أصل أصلا لأتساوى مع هذا العصفور ... هو بنى عشا يأوي له عند الليل ... أنا لم أنم منذ مدّة ... لا البرد ولا الخوف ولا الرصيف سمحى لي بذلك ...
صوت طنين أفزع الطير ... رجل يبدو شخصا محترما من ملابسه يضغط على مفتاح سيّارته التي إشتعلت أنوارها مرحبة به وأصدرت صوتا تعلمه انه تحت أمرها ... يده تمسك الهاتف يتحدّث بطريقة صارمة ... ملامح وجهه المنزعجة تؤكّد انه يكلّم زوجته ...
أغلق الباب ورحل ما إن دار المحرّك ... رائحة سيجارة تدغدغ أنفاسي متحدية روائح عوادم السيّارات .. سيجارة شبه مكتملة على حافة الرصيف ... هدية أخرى تجود بها هذه المدينة الكريمة ... تبا ...
زحفت على مؤخرتي حتى وصلت لها ... إلتقطتها ... مسحت مبسمها ... ثم قبّلتها ... شفتاي تعصرانها بشوق ... أوّل أنفاسها بعثت شبه غيبوبة في رأسي لم أدخّن منذ 4 أيّام ... أسندت ظهري للشجرة ونظرت للأعلى ...
سخيفة هي أحكامك أيها العالم ... أصلا أنا هربت من قريتي منزعجا أن لا شيء فيها سوى الشجر ... نمت على العشب ونظري يعانق أوراقها في صراعها الأزلي مع أشعة الشمس ... لا الأوراق إستسلمت وتركتها تمرّ ولا الأشعة تراجعت عن محاولتها الإختراق ...
تركت معركتهم الأبدية وأرجت نظري أتابع أغصانها ... حروف كثيرة ... عهود حب رسمت بحد السكاكين على لحائها .... تشهد على لحظات إختلسها عشّاق كثر ... شجرة تجاوز سنها المائة ... كلّ الأشجار هنا هكذا ...
نظام غرسها وترتيبها ليست من إنتاج فكر عربي ... مخلّفات الإستعمار ... أصلا كل شيء هنا مخلّفات الإستعمار ... مستشفيات ... ثكنات ... طرقات ... سكك الحديد ... الجسور ... ماذا فعلنا بعد 60 سنة من الحكم الذاتي لا شيء ...
رحت أراجع صراع المرحومين .... عمّ بوشوشة الع¨ومي ... الع¨ومي هي التسمية الشعبية لعملاء فرنسا ... وعم فتّاح المناضل ... بوشوشة كان جنديا في الفيلق الإفريقي للجيش الفرنسي ... ثم عمل عند معمّر فرنسي حتى جلت القوات عن أرضنا ... المعمّر باع أرضه الخصبة لبوشوشة ... وصار ملكا على أهل القرية ....
و فتّاح كان مناضلا ... فلاقا ... مقاوما ... رفع السلاح في وجه الإستعمار ...
أبناء عمومة ... جمعها الدم ... الشبه ... لقب العائلة وفرّقهما الموقف ...
متعة القرية كانت لما يشتدّ الصراع بينهما ... صراع إمتدّ أكثر من خمسين سنة ... إنتهت الحرب وإنسحبت فرنسا ... وتصالحت الحكومات ونصف شباب القرية هاجر إليها ... وشركاتها إنتصبت عندنا وسلبت خيرنا .... ومعاركهما لم تنتهي ...
بوشوشة يتقاضى تقاعدا من الحكومة الفرنسية يكفي لإطعام كل سكّان القرية سنتين ... وفتّاح كرّمته تونس بوسام وبطاقة علاج مجّاني في مستشفى يبعد عن مقرّ سكناه مسافة يقطعها في نفس التوقيت الذي تتمكن الطائرة من الوصول فيه من قرطاج لباريس ...
ربما كنت أستحسن كلام بوشوشة عن ما تركه الإستعمار ... تورّد وجهه وصحته الجيدة وهو الذي قارب القرن أكبر دليل ... ربما لو لم تفارقنا فرنسا لكان حال شباب هذا البلد أحسن حالا ...
فتّاح كان ينفعل وتخرج قذفات اللعاب من فمه الأسود ... متهما بوشوشة وأمثاله بالطحين ... الطحين هي أرذل الصفات في الرجل التونسي ... تهمة تطير معها الرقاب لو لم يتراجع قائلها ... الطحّان ... هو الخائن سياسيا ... والديوث إجتماعيا ... والواشي أمنيا ...
عذرا أصدقائي بالمشرق ... فنحن لا نعجن خبزنا بالطحين ... بل إستعرنا الإسم من فرنسا ليصبح الفارينة ... مفارقة عجيبة أن فرنسنا الكلمة ... وإتهمنا من يتعامل مع فرنسا بالطحين ... لا يمكن تفسيره سوى بالطحين ...
مؤخرات الفتيات تهتز جيئة و ذهابا ... يمكنك معرفة الدرجة الإجتماعية لفتاة من خلال ليونة مؤخرتها ... نتيجة مغامرتي أني صرت خبيرا في المؤخرات ...
قلب كبير يشقه سهم تتقاطر منه قطرات ددمم ... حروف بالفرنسية ... حافظ + فاطمة = حب للأبد ... فاطمة ؟؟؟؟ فاطمة التي كسرت قلبها يوم ودعتها عند البئر منذ أيّام ... تعلّقت بقدمي ألا أذهب ...
شعرها الأصفر وعيناها الزرقاوان ... كل أهل قريتنا على تلك الشاكلة ... ملامحنا أروبية سرقت طبيعتنا القاسية منها الجمال ... العرق الأشقر متواجد بكثرة في تونس ... لا أحد يعرف مصدره ... إذا أردنا الفخر ننسب أنفسنا للأندلس .. وإذا أردنا الإنتساب أكثر لهذا التراب تاريخيا ننسب أنفسنا للموحدين الوندال ... أثارهم لا تزال تشهد على حضارتهم في قريتنا ...
بينما يتهمنا البعض الآخر بأننا أحفاد زنا جدّاتنا مع جيوش الغزات يوما " أولاد العسكر " ... أو ضحية إغتصاب قراصنة بيض لهن يوما ... لكن الأكيد أننا منذ قرون ونحن هكذا ... جلود محروقة وعيون زرق وشعر أصفر .... خليط عجيب ...
فاطمة هي الوحيدة التي كان جلدها أبيض ناصعا ... كيف لا وهي حفيدة بوشوشة الغني من إبنه الوحيد ... ووريثته الوحيدة أيظا ... المستوى الإجتماعي يؤثر على منسوب الجمال ...
فاطمة ... ؟؟؟ العشق الممنوع ؟؟؟ هي تحبني فعلا ؟؟؟ لم أقدر يوما أن أحبها ؟؟ ربما توقيا من كسرت قلب يعرف صاحبه أن لا مستقبل لتلك العلاقة ...
تلك الدمعة التي أحرقت خدّها وأنا أتركها وحيدة عند البئر مسرعا الخطى لألحق بسيّارة النقل الريفي ... تلك الورقة النقدية التي دسّتها في يدي كانت آخر لمست بيننا ... وهي آخر ما أملك ...
قالت لي لو عدت يوما أن أجلب لها قصص " عبير" الرومانسية ... طريقة جميلة كي لا تجرح كرامتي ... بدأ صوتها يهدهدني ... حركات الطيور بجانبي تدغدغ جفوني ... النسيم يسحبني لعالم آخر ... أغمضت عيني وتهت في نوم عميق ... أحلام إختلطت بكل الأصوات حولي ... منبهات و صراخ ودوي محركات كلها كانت مؤثرات صوتية في حلمي معدوم الملامح ...
صوت غلق باب سيّارة بعنف ورجل يسب الميكانيك ومن إكتشفه ... فتحت عيني وقد بدأت النسمات الباردة تخز عظامي ... رجل يقارب الخمسين يصارع سيّارة نقل بيضاء ... تبدو اكبر منه سنا ...
نظرت للسماء ... الليل أسدل ستاره ... موعد الحافلة ... محطة باب سعدون ... ضاع أملي في العودة ... بدأ قلبي يفقد نبضه رعبا من ليلة أخرى في هذه المدينة التي لا تريد تركي ... صوت مؤدّب يعيدني للواقع " شباب ... ممكن مساعدة ... يرحم والديك "
إقتربت منه مستفسرا طلبه .... قال فقط دفعة بسيطة تساعد العجلات على الدوران لكي يشتغل المحرّك ... ركب شاحنته ... وضعت حقيبتي في الصندوق الخلفي لها ... وإستجمعت ما بقي في من قوّة ودفعت العربة ... بدأت سرعتها تزيد ليمتلأ حلقي بدخان أسود كثيف تزامن مع صوت محرّكها الذي زعزع صمت المكان ...
أخرج يده من شبّاك الشاحنة ... مناديا بأعلى صوته ... " يرحم والديك " ... لم أسترجع أنفاسي من أثر السعال و****اث حتى غابت السيّارة عن المكان ... الحقيبة ؟؟؟ ملابسي ؟؟؟
بدأت بالجري ورائه ككلب يطارد طائرة ... توقّف في إشارة حمراء ... زادت سرعتي للحاق به ... ما إن قاربت الوصول له حتى إخضرّت الإشارة ... أصوات المنبهات تربك خطواتي ...
أرجل تطارد شاحنة ... كسباق مداومة غير متكافئ... لم تجعلني الإشارات أسلّم أمري ولا هي مكنتني من اللحاق به ... بدأت خطواتي تثقل بفعل الإنهاك وبفعل الربوة التي كان الطريق يشقها ...
ضاعت الشاحنة وضاعت حقيبتي ... توقفت أسترجع أنفاسي ... خنقتني العبرة ... كل شيء ضاع ... بدأت أمشي على غير هدى ... الطريق شبه مقفرة ... لكن الأنوار تسمح لي بالرؤيا ...
المكان يبدو فخما ... أسوار عالية تحجب ما ورائها ... الطريق تعتبر جيّدة مقارنة بباقي أرجاء المدينة ... بدأت أتسلّق تلك الربوة ... وصلت لنهايتها ... نزل يبدو فخما جدا ... علامة إتجاه تشير أنه الشيراتون ... إسمه فقط يرعبني .... خفت من نظرات الحارسين ... فأسرعت الخطى مبتعدا عنهما ...
وقفت أنظر حولي ... يمكنني رؤية كل أرجاء المدينة ... على إمتداد البصر تصلك أضواء المنازل ... أنوار حمراء وخضراء رفافة ... هذه لشركة والأخرى إعلان ... عن يساري يقع مبنى ضخم ... مبنى التلفزيون ... كان يوما ما مخصصا لإحتضان الجامعة العربية أيّام القطيعة العربية مع مصر ... ثم بعودة العرب لها وعودتها لهم ... بقي مهجورا لسنوات حتى حوّلته تونس لمبنى التلفزيون ... بجانبه تقبع وزارة الخارجيّة ... إنقلبت تضاريس المكان فصارت خطواتي نزولا أسرع فأسرع لكن دون وجهة ...
مفترق طرقات ... إشارات لا تشير لشيء ... فقط من يسكن تلك المنطقة يمكنه أن يفهمها ... ومن يسكنها لا يحتاج إشارات ... الفكر التونسي العبيط ...
علامة إتجاه كبيرة تشير للمطار ... وضعت يدي في جيبي أداعب ورقة النقود ... نعم سأقطع تذكرة للذهاب للندن ويتبقى معي ما يمكنني من بدأ مشروع هناك ...
إختلطت دموع اليأس بضحكات السخرية ... لكني لم أتوقف ... قدمي بدأت تؤلمني ... المكان الخالي أشعرني بالوحشة ... سيّارات تطير بجانبي تمنعني حتى التسلية في وجوه راكبيها ... قطعت الطريق بحثا عن حي سكني ... يمكنني من إفتراش أحد أرصفته بشكل من الآمان ...
كحالة بلدنا في فصل الخريف بدأت السماء تجود بخيرها .. تهاطل حمما عليا ... كنت أسعد دوما بهطول المطر لكن في هذا الظرف وفي هذا المكان ... بدأت ألعن حظي ... لم أجد مكانا ألجأ له ...
لا مفرّ من الجري ... الحقيقة سواء أن تجري أو أن تسير أو تقف ... لن تخطأك أسهم المطر ... لكني واصلت الجري ... إختلط الدمع بالمخاط مع سيل الماء المنهمر على رأسي ...
ما إن قفزت فوق الحاجز الحديدي للطريق السريعة مقتربا من إحدى العمارات أختبأ فيها ... حتى توقف المطر ... نظرت للسماء أعض شفتي السفلى ... كأني أهدد السماء بالإنتقام من تآمرها عليا ...
لم أتمالك نفسي من الضحك ساخرا من حظي العاثر ... خلعت قميصي أعصره علّه يجف قليلا ... حذائي الرياضي الفخم تحوّل لونه من الأبيض إلى البني بفعل الطين ... جواربي القصيرة صارت سوداء حتى إختفت ماركتها ... بنطالي الرياضي الرمادي إلتصق بلحمي حتى صار يخزني ...
أروع إستقبال تودعيني به يا قبلة الطامحين ... حتى فرصة النوم على رصيف صلب حرمت منها ... قطعت ذلك الشارع الهادئ ... الماء منحصرا بين قدمي والحذاء يصدر صوتا مع كل خطوة كالمكاء ... المكاء هو الصوت الذي يصدر عندما تنفخ بين راحتيك ... نسميه في تونس " تَعْفيط " ... وهي حركة سخرية من غيرك حينما يفشل في شيء ... تضع يدك مقابلا شفتيك وتُعَفّط عليه ونضحك لفشله ...
أنا لم يكفيني تعفيط العالم من حولي ... حتى تطاردني السخرية كلما خطوت ... وجدت حديقة عمومية كبيرة مهملة أمامي ... خلتها ستكون ملجأي لهذه الليلة ... جلست على أحد المقاعد الإسمنتية ... خلعت حذائي أعصر جواربي ...
بدأ الصقيع يقضم أظافري ... رجفة شديدة سرت في مفاصلي ... أغمضت عيني متخيّلا دفء سريري ... علّ الخيال يغالب مرارة الواقع ... صوت هزّ كياني ... بوم ناعقة تقف عند رأسي ... عيناها الصفراوان تراقبان حركاتي ... رقبتها تلف متابعة ما أفعل ...
أصلا أنا أتشائم منها ... أقرف من شكلها ويرعبني وجودها ... كل ذكريات خرفات الرعب التي روتها جدّتي في طفولتي تجسّدت أمامي .... بدأت مسامي جلدي تتحوّل لشوك جارح مع نعيقها .... جواربي في الحذاء وقميصي على كتفي ... ورحت أتسحّب هربا من الروح الشريرة التي تسكنها ... هكذا حدثتني جدتي يوما وجدتي لا تكذب ...
قالت أن الجن تسكن فيها ... تنعق جالبة الخراب ... إبتعدت عنها قليلا ... لحقني صوتها المفزع ... رفعت رأسي رأيتها تحط على عمود بجانبي ...
الأمر صار مؤكدّ الجن سينهي مغامرتي في هذا البلد الغريب ... حثثت الخطى علها ترحمني ... لكنها تصر على مطاردتي ... بدأت الصورة تتضح ... هي جلبتني لمصيدتها ... فكرة ترك القرية ... الملابس التي أرسلها لي حاتم إبن عمي من الخارج بعد طول خصام ... خاتم أمي الذي رهنته عند صلاح لأتمكّن من السفر ... كل التفاصيل تؤكّد أنها من تنسيق قوة عجيبة ...
هذا النحس الذي طاردني منذ قدومي ... ضياع ملابسي ... عينا ذلك الرجل صاحب الشاحنة تشبه عيني البوم ... لم يكن رجلا ... كان روحا ... كان جنيّا ... بدأت أحث الخطى مبتعدا عن الأشجار القليلة في الحديقة ...
كنت أتوقع ان تغرس مخالبها في رقبتي ... ساحة مظلمة وسط الحديقة لا شجر فيها ... هربت نحوها ... إن كان يجب أن تهاجمني فل تهاجمني في مكان مفتوح ... رجل لرجل ... وجها لوجه .... إستبسال الموت ... بدأت أسرع الخطى محاولا العودة لمكان مأهول ...
كتفيا تثقلان كل ما ولجت أكثر ... الأرض تحوّلت لطين زلق بفعل المطر ... قدمي تغوص فيها حتى الكعبين ... يد صلبة تقبض على قصبة رجلي ... توقفت لا إراديا ... كنت أستشعر ملمسها البارد يطبق على كاحلي ...
عجز لساني على نطق الشهادة ... حتى يدي عجزت عن رسم الصليب ولا رقبتي تحرّكت للخضوع على شريعة موسى ... توقّف الدم في عروقي سأموت كافرا ... أردت الفرار ... حاولت الجري لكنها كانت تمسكني ... الطين والرعب والبرد منعاني من الهرب ... تعثّرت قدمي ووقعت على وجهي أشرب من طين الأرض ... نظرت خلفي ... إن كنت سأموت فلأمت وعيني تنظر ...
يد قوية لا تزال تمسك بقدمي ... رجل عجوز يحاول الزحف نحوي ... آهات ألم تصدر من حلقه المتحشرج ... يريد أن يقول شيئا ... هل هو بشر أم البومة تجسّدت لي كذلك ...
رفعت جسدي الممرغ في الطين محاولا الوقوف ... كلمات قليلة تخرج من حلق الشيخ ... " أرجوك ساعدني ... بيتي ليس بعيدا من هنا " ... كنت أنتظر أن يترك قدمي لأنطلق هاربا ...
وقفت متأهبا للفرار عندما لحقتني كلماته " عاوني يرحم والديك " ... البوم أسلمت ... نعم القادر القدير قادر على كل شيء ... وضعت يدي بين إبطي الشيخ ساعدته في الوقوف ... بدأ ألمه يتحوّل لصراخ ... صراخ يؤكد انه كائن حي مصاب ...
جاهدت حتى خرجنا من بركة الطين تلك ... وصلنا حافة الطريق ... الشيخ مصرّ أن أجلب له كيسا وقع منه ... تركته جالسا على الحافة وعدت أبحث عن طلبه ... فرصة للهرب لا يخزني الضمير بعدها ... وجدت فردة حذائي التي كنت سأنساها...
كيس به بعض المعدّات ... تؤكّد انه سمكري ... لعنت الفقر الذي فرض على هذا الرجل العجوز العمل في مثل هذا السن وتلك الظروف ... عدت إليه ... حملته على ظهري ... لم يكن ثقيل الوزن لكني كنت منهكا ...
أنيني بدأ يصل أذنه ... كان يعتذر مني عما سببه لي ... يمينا وشمالا ... للأمام ... كنت أتّبع إشاراته ... شارع طويل في آخره دائرة تحيط بها عمارات ... ليست عمارات تقليدية ... ثلاث طوابق مزينة بالشرفات المدورة ...
كلها متشابهة ... وصلنا أمام باب إحداها ... باب بلوري سميك مغلق ... بجانبه لوحة إلكترونية عليها أرقام ... طلب مني الضغط على أرقام معيّنة ففتح الباب ... لقد عشت هذا المشهد يوما ...
أحد أفلام نادي السينما بالمعهد ... نفس التفاصيل عندما حطّت السفينة الفضائية ... دخلت الباب ... كنت متأكدا .... هي سفينة فضاء لا ريب ... أنوار خافتة عجيبة أنارت بمجرّد وصولنا ... رائحة المعقمات في كل مكان ... بعض النباتات موضوعة على أركان الفسحة المدوّرة ...
باب معدني تعلوه شاشة كتب عليها الرقم صفر ... تقدمت منه حسب طلب من يركبني ... ضغطت على زر به شكل معيّن مقلوب ... فتح الباب ... دخلت مترددا وقد جف الدم في عروقي ... حسب طلب الشيخ ضغطت على الرقم ثلاثة ...
أغلق الباب وبدأت رحلت الرقي للسماء ... لقد طارت السفينة ... واحد ... إثنان ... ثلاثة ... رعبي من حركة الصعود أنساني ثقل حملي ... توقف التابوت المقدّس بعد رجة خفيفة وفتح الباب ... ممر عريض .. تلمع أرضيته المرمرية ... يتوسطه بابان ... ما إن خطونا خارج الصندوق وأغلق الباب حتى إشتعلت الأنوار من تلقاء نفسها ...
فمي فتح عن آخره ... المبنى فخم لدرجة أني عجزت عن تخيّل رابط واحد بين هذا الرجل وذلك العالم ... لا بد أنه يشتغل حارسا أو معينا في إحدى الشقتين ... بدأت السير بخطى مثقلة من الحمل في تفكيري ... الباب رقم 6 ... باب خشبي بني عريض ... عريض لدرجة لم أتقبّلها ...
دققت الجرس ... كنت أسمع خطوات قادمة نحوي ... أردت أن ألقي ذلك الرجل وأهرب ... غير أني لا أعرف طريق العودة ... فتح الباب لتطلّ منه سيدة تضع وشاحا على رأسها .... تلف وسطها بمنديل غسل الأواني ... الخادمة ... لا بدّ أنه زوجها ...
نظرت لي متعجبة من وجود شيء على شاكلتي في ذلك العالم العجيب ... كلمات صارعت لكي تخرج من فمي " أصلي لقيت زوجك واقع على الأرض " ...
رفعت المرأة عينها ... إصفرّ وجهها ... لتتركني واقفا عند الباب صارخة ... " مادام فريال ... مادام فريال ... إلحقي سي توفيق "
سي توفيق ؟؟؟ هذا الشيء الذي أحمله إسمه السي توفيق ؟؟؟ هو إسم توفيق وحده يعتبر غريبا على شكله ناهيك لو ربط بالسيادة ...
بدأت أكتشف ما يظهر لي من محتويات البيت ... أثاث فخم ... لم أتبينه بعد حتى هجمت عليا سيدة ... شعرها أحمر ... وجهها أبيض ناصع ... شفتاها حمراوان على شكل هلال ... تنقصه نجمة على أنفها ونرفع شعار الجمهورية ....
هجومها أربكني وشكلها ولهفتها ... " توفيق خير ... مالك ؟؟؟ " ... لم تنتظر أن يجيبها زوجها ... هجمت عليا مرعوبة ... " عملت فيه إيه ؟؟؟ حصلو إيه ؟؟؟ " وكادت أن تنشب أظافرها في وجهي ...
لولا خشيتي أن يموت ذلك الرجل فأعدم بتهمة لم أرتكبها ... لألقيته من على ظهري وصفعت صفاقتها ... بصوت ثابت " أنا لقيته واقع على الأرض في الحديقة ... هو طلب مني أوصله هنا ... لو حتخدوه خدوه ..وإلا حأسييه وأمشي " ...
تراجعت حدة نظراتها نحوي ... أفسحت لي المجال للدخول ... كدت أنزلق من نعومة رخام الأرضية ... بدأت المرأة تقودني في الممر ... كنت أنظر للأرض خجلا وتعبا ... غرفة نوم تضاهي مساحتها ساحة مدرستنا ... سرير أبيض مدور يتوسطها ...
حاولت وضع الرجل المصاب عليه ... جاهدت أن لا أزيد ألمه ... أجلسته بعناية ... أردت أن أرفع رجليه من على الأرض ... لعبة صوفية بنية على شكل كلب تقبع فوق السرير ... دفعتها بيدي لأفسح المجال له ... بدأت تعوي هاربة من حركتي ... ثم كثر نباحها ...
هو كلب حقيقي ... عالم عجيب بكل ما فيه ... كلب لا يتجاوز حجمه راحة يدي ... تذكّرت كلاب قريتنا ... يمكن أن يبتلعه أحدهم وهو يتثائب ...
صوت مفزوع يصلني من داخل الغرفة ... السيدة تحدّث الطبيب ... تؤكد عليه سرعة القدوم ... الثاني كذلك ... ثم الثالث ... نعم ثلاث أطباء ... " سي توفيق متاع زبي هذا" شكله كمتسوّل ... إستنفرت وزارة الصحة لأجله ...
كثرة الأثاث والديكور بالغرفة منعني من إكتشاف كل تفاصيلها ... لم يبالي بوجودي أحد ... إسورة ذهبية على طاولة السرير تغمزني أن أسرقها ... لن يهتم أحد ثم سأنسحب ... هممت بذلك لكني خفت ...
فريال الصهباء هذه لم تترك هاتفها ... لم يبقى سوى الرئيس ومبعوث السلام بليبيا لم يعلما بالحادث ... إنسحبت من الغرفة ... باب الشقة مفتوح ... أسرعت الخطى هربا من ثقل الغربة في هذا المكان ... فتاة حمراء صغيرة تقف مشدوهة وقد أفزعت الجلبة نومها ... رعبها من وجود أحد أهل الكهف أمامها منعها من الصراخ ... لم أفهم سبب نظرتها ...
وقفت أمام صندوق الزمن ... ضغطت على الزر ... فتح الباب بسرعة ... وقفت أمامه ... ترددت كثيرا في الدخول ... خفت أن أخطئ في شيء فأحبس داخله ... إنتظرني حتى ملّ الوقوف فأغلق أبوابه نحوي ...
إلتفت يمينا وشمالا ... إشارة خضراء عليها رسم رجل يجري ... " خروج النجدة " ... النجدة ... النجدة ... هكذا كانت تصرخ روحي مهرولا نحوه ... سرداب مظلم أنار إحتراما لهيبة قدومي ... سلالم طويلة نزلتها قفزا هربا ... وصلت الباب ... مغلق وعاند محاولاتي لفتحه ... يفتح بالرقم السري ... لا أعلم السر لكني تذكّرته ...
شممت هواء الحرية المنعش ... كدت أسجد على الأرض مقبلا إياها شكرا على السلامة ... الحي هادئ جدا ... ضوء خفيف يرمش بهدوء " مقهى الملوك 24/24" ... نعم أنهم الملوك ... لا شك في ذلك .... من يسكن هذا المكان لا يكون سوى ملكا ...
تقدّمت منه ... مكان مفتوح ... فيه بشر ... لا يهم إن كانوا من سكان المكوكات الفضائية المهم أن أشعر بالأمان حتى نهاية هذه الليلة ... ومع أوّل ضوء سأرحل ... غابتي ..والأغنام ... الحياة في قرية أبسط بكثير ... لا تجوع فيها ولا تظمئ... لا خوف عليا ولا يحزنون ...
إقتربت من الباب ... جرّتان كبيرتان عن يمين ويسار الباب ... جلست القرفصاء بجانب أحدهما ... مغص بدأ يقطع أمعائي ... نعم هذا ما ينقص لتختم آلام هذه الليلة ... الأكل من القمامة ... العصير الفاسد ... الرعب ... الصقيع في القدمين ... كلها إجتمعت لتستخرج من بطني إسهالا يستحيل تأجيل نتيجته ...
لم أجد من بد سوى المقامرة ودخول المقهى ... دفعت الباب الذي رسمت عليه كلمت ... إدفع ... لم ينتبه أحد لدخولي ... بضعة شباب يتابعون مقابلة كرة قدم في الطرف الآخر من العالم ...
بابان أحدهم عليه رسم رجل والآخر امرأة ... هو الحمام لا ريب ... دفعت باب الرجال ... الأنوار في هذه البقة من المجرّة كلها تعترف بقيمتي ...تنير لمجرّد قدومي ... الحمام من كثرة أناقته وفخامته إستحيت أن أقضي حاجتي فيه ...
لكن الطبيعة هزمتني ... ذهب الألم وشفيت وعوفيت ... كنت انوي الخروج متسللا كدخولي ... منظر مرعب في المرآة ... خنزير خرج من حصة تمرّغ في الطّين ... لست أنا حتما ... هي صورة إشهارية عن مضار شرب مياه المستنقعات لا شك ...
حرّكت يدي .. قفزت ... إنه أنا للأسف ... إقتربت من الحوض ... الماء كما النور .. يقدّر وجودي ... الحنفية تعمل من تلقاء نفسها ... غسلت يدي ... تحوّل لون الحوض للأصفر ... الصابون متوفّر ... تخلّصت من الطين على وجهي الماء الساخن شجعني بعث الروح في أوصالي ...
بجانب الباب ... صندوق معدني كبير ... أثارني سبب وجوده ... كنت سأخرج لكن رغبتي في إكتشافه جذبتني ... مررت يدي فوقه بجانبه ... ما إن وضعت يدي تحته حتى نفخ .. أرعبتني الحركة المفاجأة ... هواء حار لفح يدي ...
فكرة لا تخطر على بال الجن الساكن في البومة نفسها ... خلعت ثيابي ... غسلتها في الحوض ... الماء موجود والصالون متوفر بكثرة .... ثم إستعملت المجفف لتجفيفها ... معتزا بذكائي ... لا أعلم كم إستهلك تخفيف حذائي من جهد ذلك الجهاز .... أفرغت حاوية المناديل ... ملأتها بالماء الساخن وإستحممت ... أصلا رحت أفرك لحمي مستخرجا الوسخ خيوطا وكورا ...
تأكدت قبل خروجي أني لم أسبب ضررا لأحد ... كل شيء عاد كما كان ... فتحت الباب برفق .. متأهبا للتسلل ... الكل مركز مع المقابلة ... كافيه لا عمّال فيه ... نصف خطوة تفصلني عن الباب وأهرب ... سأنعم بدفئ ونظافة نسيتها ...
ما إن وضعت يدي على الباب ... حتى قابلتني مجموعة من الشباب من الجنسين ... هم داخلون وأنا خارج ... جلبتهم وضوضائهم سحبت نظر النادل الذي تقدّم مستقبلا الركب ببشاشة ...
وجودهم منعني من الخروج كما أن آثار البلل على ملابسهم تأكّد أن المطر سيعاود حملته على رأسي ثانية ... ترددت في الخروج ... النادل لم يفهم أين كنت ... إعتقد أني وافد مع الوافدين ... فتبعتهم حسب أمره ... يعني مالذي يمكن أن يحدث ؟؟؟؟
ملابسي نظيفة وشكلي مقبول ... وسني ليس بعيدا عن سنّهم ... تحلّق الجمع حول طاولة ... فجلست قربهم ... النادل يشير من وراء المصرف ... " قهوة الأولاد كي العادة " ... إشارات بالموافقة من الجميع ...
حشرت رأسي بين كتفي خوفا أن يكتشفني ... رحت أتابع التلفاز كأني أفهم ما يجري ... أذني تلتقط دبيب النمل ... عينا ذالك الشاب لم تخطأ وجودي ... تقدّم مني مسرعا كأنه يطارد هدفا كاد يفلت منه ...
وقف يسألني عن طلبي ... وضع أمامي ورقة عليها عدة رسوم .... تحسست تلك الورقة النقدية الندية في جيبي كأني أودعها ... أملي الأخير في العودة لقريتي ذهب قربانا لكرامتي ... نظرت على الطاولة ... المشروبات .... سعر القهوة 1.5 دينار ... الحلويات تتراوح بين 1 و 5 ... الأسعار تبدو مقبولة ...
عملا بالمثل التونسي الشهير " إلي مات على شبعة لا قام " ... نقص مليم واحد من ثمن التذكرة سيحرمني حق العودة ... إذن فلتكن نهاية مميزة لهذه الليلة العجيبة ... طلبت منه قهوة كبيرة بالحليب ... وقطعتي كيك بالشكولاطة ... وعلبة سجائر ...
نعم ... سأنفق كما ينفقون ... أكلت وشربت ودخّنت ... بل صرت أصفّق وأتقهر وأتابع مقابلة كرة القدم ... نعم هم ليسو أحسن مني ...
شبعت بطني ... أجّلت التفكير في مصيري ... جلت بنظري في صفوف الحاضرين ... ملابس فخمة رغم كونها عجيبة ... سراويل ممزقة ... بنات تدخن الشيشة ... فتيان أهملوا قص شعرهم .... أعمارهم لا تتجاوز الثامنة عشر لو أسرفت في التقدير ...
الساعة الثانية ونصف فجرا ... ماذا يفعلون ؟؟؟ ... أكيد أنهم تسللو خلسة من بيوتهم ... قرب المقهى من المباني ... جعله وكرا لهم ... مجموعات مجموعات يتحلّقون حول طاولات ... النادل يعرفهم بالإسم ويبدو أنهم متآلفون معه ... فكّرت بسؤال النادل إن كان بإمكانه إيجاد عمل لي ؟؟؟
ماذا سأعمل هنا ؟؟؟ وأين هنا هذه ؟؟؟ لا الناس تشبه الناس ولا المباني تشبه المباني ؟؟ لولا الكلام الذي يشبه لهجتنا لتيقنت أني خرجت من القارة أصلا ... طبقة غنية ثرية حاكمة متحكمة نأت بنفسها وذويها عن الخراء المنتشر في البلاد ...
سأذكر هذه الليلة ... ربما ستكون إحدى نوادري عندما أكبر وأصبح بعمر صلاح ... سأرويها للشباب وسيعجبون بي .. تستحق ما أنفت فيها ...
إنتهت المقابلة ... خرج الجميع ... بقيت أنا والنادل وشاب آخر ... صوت المطر يؤجل مغادرتنا ... آذان الفجر يؤكد لي أني لم أهاجر ولم أترك أرض الوطن ... على أقل تقدير في المحيط المغاربي ... عيني مركّزة على التلفاز أداعب سيجارة لم أشعلها ...
رفعت عيني فرأيت ذلك الشاب ينظر نحوي ... كأنه يتابعني ... خفت منه ؟؟ لا أدري لماذا شعوري بالنقص أمامهم يحرجني ... أشحت بنظري ... لكني كنت اشعر بعينيه تراقباني ... وإن يكن ... كما قال عادل إمام إن كنت أملك ثمن ما أستهلك فليسو خيرا مني ...
نظرت في عينه مباشرة فكأنما غمزت صنارته ... وضع إصبعيه حول شفتيه يطلب سيجارة ... إنكساره أمامي جعل قلبي يرقص طربا ... أشرت برأسي بالموافقة ... حمل فنجان قهوته وإقترب مني مبتسما على حياء ... النادل رسم بسمة سخرية على وجهه ...
جلس قبالتي ... مددت له السيجارة ... أشعلها ... تبسم لي وقال " يرحم والديك " ... إسمه يوسف ... يدرس بالجامعة لكنه لا يريد المواصلة ... جسمه نحيل جدا ... أصابعه ترتعش ... يسكن هنا ... له أختان واحدة أكبر والثانية أصغر ...
إن كنت أطلقت العنان لشهوتي في الإنفاق ... فلن أكبح جماح كذبي ... رحت أروي خرافات عن حياتي وسبب قدومي لهذا المكان ... أصلا أنا لم أصدّق نفسي لكنه صدّقني ...
بدأ النور يطغى على الكون ... حركة بعض السيّارات تنطلق ... تقدّم منا النادل يطالب بحقه ... مددت له الورقة النقدية ... نظر في عيني يوسف ... " دجو ؟؟؟ كيف العادة ؟؟؟ حسابك ثقل برشة ؟؟؟ " ....
ورطتي بالكذب وإنكسار عيني دجو ... جعلتني أطلب من النادل أن يأخذ ثمن قهوته أيظا... هي تناكت تناكت ... أقل شيء أترك إنطباعا في ذاكرة هذا الشاب ... أعاد لي بضع قطع نقدية ... تغيّر وجهه لما أخذتها منه ...
وخرجت ... كنت أخطط لشراء بعض الخبز و الجبن وقارورة ماء والعودة على قدمي للقرية ... 170 كلم لا غير ... ثلاث أيّام سيرا ...
فقط سؤال واحد أطرحه ؟؟؟ أين أنا ؟؟؟ ... من أين أذهب إلى أين ؟؟؟ ... لحقني دجو يشكر كرمي معه .. أردت أن أسأله ؟؟؟ ... لكني خجلت ... قطعنا الشارع ... نافورة هامدة ملأ المطر حوضها ...
ودعني عندها وإنصرف داخلا لإحدى العمارات ... مررت من أمام العمارة التي يسكنها سي توفيق ... وقفت أنظر لشرفاتها المدورة أودع ليلة ستؤثث ذاكرتي لسنين ... صفّارة سيّارة إسعاف تهز المكان وتربك حركاتي ...
تسبقها سيّارة أخرى تبدو غالية جدا ... نزلت مدام فريال منها على عجل .. وجهها أصفر والحزن يبدو على محيّاها .... وإلتحقت بالمسعفين اللذان فتحا الباب الخلفي للعربة ... سي توفيق مات ...
أردت أن ألقي نظرة الوداع على من كان سببا في أحداث هذه الليلة ... سرير طبي كامل ... إقتربت منه غير آبه ... سمعت صوت أحد المسعفين ... " لاباس سي توفيق ما تخافش " ... لم يمت ...
نظرت في عينيه ... لا أدري كيف نطقت متسائلا " سي توفيق لاباس ؟؟؟ " ... نظر في عيني مستغربا ... وأمسك يدي ... كان المسعفان يدفعان عجلات السرير وهو ييسحبني ... نفس قوّة الضغط على قدمي ... ليلة أمس ...
دخلنا العمارة ... باب المصعد ... الطابق الثالث ... باب الشقة ... الممر ... غرفة النوم ... حتى وصلنا لسريره لم يترك يدي ... جرّني معه عنوة وسط دهشة مدام فريال ... إنسحب المسعفان ... بقيت أنا وهو والمدام ... لم يترك يدي رغم إغلاق عينيه ...
كل ما حاولت سحب يدي منه ... نطق جهاز يطن عند رأسه ... حركة من يد فريال تمنعني من تكرار المحاولة ... سحبت كرسيا وأجلستني عليه ... كنت أنظر لمظهر هذا الشيخ ؟؟؟
سي توفيق ؟؟؟ هل يعقل ؟؟؟ شكله لا يتطابق مع المكان ولا مع سكانه ؟؟؟ مثلي تماما ؟؟؟ خرجت فريال تحدّث الخادمة ... وجهه بدا مألوفا ... ربما هو مجرّد شعور بالرحمة نحوه ... بدأ ضغط أصابعه يخف عن معصمي ... تسللت يدي بحذر ... إنتظرت قليلا أراقب الجهاز عله يطن ثانية ... على أطراف أصابعي خرجت أتسلل ...
رغم حذري فقد سحبت خطواتي مدام فريال لتقابلني في الممر ... أصابعها وعيناها تسألني عما حدث ... وضعت كفي تحت خدي مشيرا أنه نام ... أبشر وجهها لكنها دخلت لتتأكد من صحة كلامي ... بدأت أسرع الخطى نحو الباب ...
قبل وصول يدي لمقبضه لحقني صوت صارم رغم همسه " وين ماشي ؟؟ " ... تسمرت مكاني ... كدت أن أرفع يدي للأعلى مستسلما ... ركبي إضطربت ... نظرت خلفي ... مدام فرال تحث الخطى نحوي ...
يبدو أن وجودي أزعجها ... أو ربما إحتقرت هيئتي ... وضعت أمامي بكل صفاقة طبق به بعض البسكويت وكأس به مشروب ساخن ... لم تمتد يدي نحوه حتى دخلت سيدة المنزل ... شعرها الأحمر الناعم يتدلى فوق كتفيها ... مكياج أسود خفيف يغطي أثر السهاد في عينيها ... وجهها عاد لإشراقة يوم أمس ... خدودها توردت قليلا ... شفتاه الحمراوتان ترسمان إبتسامة خفيفة ... رقبتها الطويلة يزينها عقد من المرجان الأحمر ...
منعني الحرج وجلوسها أن أتملى في باقي جسدها ... كانت تركز مع حركاتي ... نظرات عينيها جعلتني أتجمّد ... خشيت أن اخطأ حركة فتجعلني محطّا للسخرية في هذا العالم ...
كل شيء في هذا العالم غريب ... المباني ... الأثاث ... الديكورات ... حتى السكّان ليسو مثلنا ... ربما أنا لست مثلهم ...
أحست المدام بالثقل على صدري ... ربما برز ذلك على وجهي دون أن أعلم ... تبسمّت شفتاها ربما لتشعرني ببعض الألفة ...
كانت تضع يديها على فمها ... تحبس صوت ضحكها من طرافة كلامي وأنا أروي كيف إستحممت في دورة المياه ... وكيف إكتشفت ذلك الصندوق الذي نشّفت تحته ملابسي .... عيناها الناعستان تقطران نعومة ودموعا سببتها الكحة من كثرة الضحك ... حتى حبيبة الكئيبة دخلت معنا في الجو ...
إحساسي أن أجدت الحديث جعلني ألعب دور المهرّج ... سألتني عن أهلي وقريتي ... تأثّرت لما علمت أني يتيم وفقير معدم ... بدأت يدي تتحسس الطبق ... قطعة بسكويت غمستها في الشاي جعلت فريال تسقط أرضا من على الكرسي من كثرة الضحك .قبل وصول القضمة لفمي ....
حركة غبية جعلتني أغرق في الحرج ... حرج لم أستطع كتمه ... أحست المدام بما يعتريني ... عدّلت جلستها وأصابعها تمسح الدمع عن أطراف عينيها ...
فصل فيه واحد وأربعون تلميذا ... منذ إلتحاقهم بمقاعد المدرسة ... تعرف مستقبلهم من مهنة ذويهم ... من سيفشل معروف ومن سيواصل أيضا ... ومن عاند مصيره سينسحب من وسط الطريق ...
مجانية التعليم ... أكبر كذبة روج وهمها للشعب ... التعليم كما هو في عهد الحسينيين ... لأبناء الأغنياء فقط ... سينجحون غصبا عن الكل ... وأبناء الفقراء ربما يفلت أحدهم من كمّاشة الفشل ... لكنه لن ينجح ... حتى وإن توج بشهادة وعمل .... فهو لن ينجح
كيف كنت سأنجح ... أربعة آلاف متر بين الجبال أقطعها يوميا حافي القدمين للوصول للمدرسة ... جهاد لا يتحمّله أعتا الرجال ... أصلا وصولي للثانوي إعتبرته معلمتي إنجازا ...
الثانوي ؟؟؟ ... مرارة ذكرياته تخنقني ... جائع في بطني ... أنتظر ما يجود به مطبخ مبيت المعهد ... برد وغربة ووحشة في الليل ... زده ما يفعله القيمون فينا ... من يستسلم لدعوتهم الليلية ينال كل رعاية ... ومن يرفض .... لا علينا ...
لقد درست في أشرس فرق أمن الدولة ... وهذه الصهباء تريدني أن أفهم كلامها بالفرنسية ...
أغلب الحصص قضيتها في آخر الفصل أقف على رجل كالبجعة ووجهي للحائط ... ثم تلومني الأستاذة على نيل أضعف الدرجات ... عدالة السماء ستنتقم لي ... ربما إنتقمت
كانت صورة فريال الجميلة تتحرّك أمامي وصور أخرى من الماضي القريب تشوش البث في عقلي ... طنين الجهاز سحب فريال وحبية جريا نحو غرفة النوم ... لحقتهما بخطى مثقلة ... هل أفاق سي زبي هذا وأطلق سراحي ...
كانت فريال تمسك يده بحنان شديد ... تربت على كتفه بحركات خفيفة ... حبيبة تعدّل وضعية نومه خوفا أن تنفلت إحدى الآلات المعلّقة في كل جزء من جسده ... عيناه الزرقاوان ترمقاني بتملي ثابت ... حرّك يده اليسرى بصعوبة ... رفعها للأعلى وحاول جاهدا تحريك أصابعه ...
فريال وحبيبة تنظران نحوي ... فهمت أنّه يريدني أن أقترب ... إقتربت منه ... أمسك يدي يتحسسها ... جلده شبه بارد كبرودة الموت ... لكن أصابعه قوية ضغط على معصمي ثانية ... وأغمض عينيه ... طنين الجهاز بدأ يخف ...
أعتقد أن نبضي يؤثّر على الجهاز ... هكذا قال صلاح يوما وهو يمرر يده على لاقط مذياعه ... فتتحسّن جودة الصوت ... كنت أظن هذا سحرا ... صلاح المبارك دمه إيجابي ... كل البشر يمكنهم فعل ذلك .. مادامت نوعية دمهم إيجابية ... الجهل مرتع للدجل ...
تسللت فريال من جانبه ... تفتح درج في الحائط ... ما خلته حائطا إتضح أنه خزانة ... كيف لي أن أعرف وجدتي كانت تضع ملابسها في صندوق خشبي ... وملابسي فوقه ...
خرجت فريال وتبعتها حبيبة وتركتاني حبيس قبضة هذا الشيخ المسكين ... رغم كونه مصابا فإني لم أسامحه على ما تسبب لي به ... بدأت الآلة تهدأ ونفسه ينتظم ... فتح عينيه ... لا أعلم كم لبث يتطلّع في وجهي ... حتى عيني تعبت من متابعته ...
بدأت شفتاه تتحرّك ... لم يصلني صوت لكنني كنت متأكّدا أنه يتكلّم ... حاولت فهم ما يقول ... صعب عليا ذلك ... رحت أتابع حركة شفتيه ... لم أفهم ... قرّبت أذني منه ... خلت أنه سيطلق سراحي ... كلمة من قاضي تنفيذ العقوبات هذا وأكون خارج أسوار هذا العالم العجيب ...
جاهدت كي تلتصق أذني بشفته ... وقفت على رجل وسويت الأخرى ويدي على حرف السرير الطبي ... خشيت أن أتسبب في مصيبة لتلك الآلات ... كالواقف على حبل غسيل أوازي نفسي ... ألم في جنبي بسبب شد عضلي في بطني ... رجلي بدأت تنمّل ...
إقتربت أذني من فمه ... لكنه صمت ... بعد كل هذا الجهد ؟؟؟ ... رجعت لمجلسي ... فعاود الكلام ... نفس العملية تكررّت ... كلما إقتربت منه بعد مجهود بهلواني يصمت ... أنهكتني المحاولات ...
أخيرا نطق ... " ي.." ... " ر" ... ثم يصمت يلتقط انفاسه ... " ير" ... ير ماذا ؟؟؟ يرحل ؟؟؟ يريد ؟؟؟؟ ... بعد جهد مضني وأنا على وضعية الصلب المعكوس تلك ... نطق
" يرحم والديك " وأغمض عينيه ... يلعن والديك على والدين إلي جابوك ... أكثر من الساعة أجاهد أن أفهم ما يقول ... رحمة لوالدي ....
لا أحد من أبناء آدم جمع رحمات لوالديه مثلي ... كل من يريد شحن كمية من التبن يناديني ... ثم ينقدني أجرا جزيلا ... يرحم والديك ... كل عمليات صب الخرسانة بقريتنا شاركت فيها رحمة للوالدين ... بذرت الحبوب ... جمعت التين الشوكي ... رعيت الأغنام للجميع ... نقلت الماء من البئر للبيوت ... ضاعت حقيبة ملابسي ...
رحمة للوالدين ... أعتقد أني أبي يرفرف بجناحين بين قصور جناته ... جلست على الكرسي ورفعت رأسي للأعلى ... " إتنعّم إنت فوق ... وأنا بأشتغل عليك من تحت " ... هذا واجب الإبن البار ... أنا لا أعرف أبي أصلا ... قالوا أنه توفي قبل مولدي بأيّام ... وقع عليه بئر قديم في منطقة الآثار ... كان يحفره متوهما وجود كنز به ...
حتى أمي لا أذكرها ... جدتي قالت أنها توفيت وعمري سنتان ... ثم لحقتهم جدتي قبل بلوغي العاشرة ... وعشت أصارع وحدي ... حقيقة لم أصارع ... بإستثناء عذاب الذهاب للدراسة فحياتي كانت بسيطة لا عذاب فيها ...
من ضاقت ملابسه عليه يتبرّع لي بها ... الخبز والطعام ليسا بالمعضلة ... الغابة تجود أحينا بغلال تكون طعامي ... الأطفال تتقاسم معي الحلوى التي كنا نتسابق للحصول عليها من شاحنة تأتي أسبوعيا تزود القرية بما يلزمها ....
إستسلم سي زبي هذا للنوم ... نظرت في ديكور غرفة النوم ... سرير مدوّر يملأ نصف الغرفة ... خشب صلب ... يبدو ثمينا ... الخزانة تحيط الغرفة من ثلاث جهات تغطي كل جدرانها ...
صورة كبيرة معلّقة ... مدام فريال وسي توفيق ... صورة الزفاف ... تقف أمامهما تلك البنت الصغيرة ... عجبا ... أول مرّة أشاهد طفلا حضر زفاف أبويه ... لم أفكّر كثيرا ... أطلقت أصابعه معصمي ...
تسللت بعد أن تأكدّت من نومه ... البيت هادئ لا حركة فيه ... تسللت بخطى بطيئة نحو الباب ... ما إن وضعت يدي على القفل ... حتى لحقني صوت حانق ... " فين ماشي ؟؟؟ " .... مسلسل prison break هذا لن ينتهي ... لن أفلت من مركز إيقافي ...
حبيبة تتمطى طاردت كسل قيلولة ... لباسها الأبيض تسلّق رجليها للأعلى ... بياض جلدها يضاهي بياض لباسها ... قالت وهي تفك مشبكا تعدّل شكل شعرها المنكوش ...
فتحت صندوقا آخر ووضعت فيهما ... بدأت رائحة الطعام تداعب أنفي متسللة من باب ذلك الصندوق ... أنا في الفضاء لا ريب ... كل شيء بالأزرار ... أين النار والحطب ... الأغنياء عندنا يطبخون بالغاز ... والأقل فقرا بالبترول ... لكن نطبخ في الصناديق هذه أعجوبة لو شهدها صلاح سيمضي تسع سنين يتحدث عنها والجمع مشدوهون ...
وضعت أمامي طبقا فيه بعض الزيتون ... هريسة فلفل ... شيء أبيض لا هو بالزبدة ولا بالجبن ... ثم طبق فيه خبز مدور لا يتجاوز حجمه أصابعي ... ثم لحقتني بطبقين ...
الأوّل فيه شيء مستدير يشبه اللحم يسبح في ماء أحمر ... لم أفهم شكله حتى أستوعب إسمه الذي قالته .... والثاني فيه بطاطا مهروسة وبقدونس وفلفل ... نسميه التسطيرة أو الكفتاجي ...
وقفت طويلا أنظر لأطباق الأكل ... أريد العودة للديار ... حتى الأكل هنا عجيب ... مددت يدي وقطعت قطعة خبز ... الخبز يعتبر لقمة واحدة بالنسبة لخبزنا ...
غمست بحذر ... في كل الأطباق معا ... بدأ لساني يستسيغ الطعم بوجل ... نزول أوّل لقمة في حلقي جعل أهل جهنّم ببطني يتسلقون حلقي طلبا للمزيد ... رغم غرابة الشكل لكن الطعم لذيذ ... لم يتبقى سوى الأطباق لإلتهامها ...
حبيبة تنظر لي بتعجّب شديد ... وضعت كأس شاي أمامي وإنسحبت ... ثقلت عيني ... قلّة النوم وثقل بطني دفعا أجفاني للنعاس ... صوت مفتاح يدور عند الباب يؤكّد أن حبسي سيطول ...
ألصقت ثلاث كراسي ببعض وإستخدمتها كفراش ... فراش يعتبر وثيرا لمن تعوّد النوم على الرصيف ... غريب أمر هذا البيت كأنك تعيش في عالم منفرد ... لا منبهات سيّارات ... لا ضجيج ... لا ضوضاء من أي نوع ... هدوء النوم في جبل قريتنا ... لا أحينا صوت حفيف الأعشاب أو طير يصل سمعك عندما تتوسد الأرض ...
أطعمت من جوعي وآمنت من خوفي ... فنمت ... سبات ... غيبوبة ... راحة عجيبة في بيت غريب ... أنا أصلا غريب عن كل شيء ... لم أشعر أني أنتمي للعاصمة منذ قدومي ... ولم تنتمي قريتي لي منذ ولدت ...
حلم جميل رأيت فيه جدتي الحنونة ... تهدهدني ... تحضنني ... شباب فاشل يحن لطفولة معذّبة ... يدها الناعمة تهز كتفي بخجل ... صوتها صار عذبا لما ماتت ... الموت يعيدنا لأصلنا ... يجردنا مما حصّلناه في دنيانا ...
فتحت عيني ... جدتي تحوّلت لحورية في الجنة ... أغمضت عيني مستنكرا ذلك ... جدتي تدخّن ... تشم النفّة ... أعتقد أنها لم تركع يوما ... ربما هي حسنات تربيتها لي من جعلها تتمتع بتلك المكانة المرموقة في النعيم ... تحوّل تربيتها على كتفي لهزّات شبه عنيفة ... صوتها يعلو شيئا فشيئا ...
جاهدت نعاسي ... فتحت عيني ثانية ... خصلات من الشعر الأحمر تدلى على كتفها الأبيض الجميل ... لا تشبه جدتي أبدا ...
مدام فريال ؟؟؟ أين أنا ؟؟؟ ... تبسمت السيدة المحترمة خجلا أو كانت تكبت ضحكة سخرية مني ... قفزت من مخدعي مرعوبا ... ماذا أفعل هنا ؟؟ ... تراجعت المدام للخلف ... وقفت أنظر للأرض ثم للسقف ...
فتحت حبيبة باب الشقة وأمرتني بإتباعها ... توجهت نحو المصعد ... ثم نحو خروج النجدة ... أخيرا ... كنت أهم بالنزول ... لكن حبيبة وضعت رجلها في المدرج للأعلى ... صعدت درجتين ... كنت مصدوما لما يحصل ... لم أنتبه أن فخذيها العاريين زادا عريهما بفعل صعودها ...
كنت أتمطى خلفها ... أضع يدي وراء رقبتي أمطط عضلات ظهري التي تضررت من النوم على الكراسي ... لم أنتبه أن بقية إنتصاب نومي لا تزال بارزة تحت بنطلوني ...
لم أنتبه إلا ونظراتها تطبق على رقبتي تريد خنقي ... آشارت بيدها تأمرني بإتباعها ... صعدت تلك الدرجات القليلة مطأطأ الرأس كأسير حرب لم تنطلق رصاصته فيها بعد ... ستتهمني حبيبة بقلّة الأدب ...
شعور بالخزي يخز صدري ... هي حركة عفوية ... لم أقصد ذلك ... هو حظي النحس من صوّرني بتلك الصورة ...
صعدنا لسطح العمارة ... فتحت حبيبة غرفة صغيرة على السطح ... أشعلت النور وتركتني هناك دون كلمة ...
دخلت الغرفة ... كراتين كثيرة مكدّسة بها ... سرير يئن من ثقل أكياس وضعت عليه ... باب صغير في طرفها ... يفتح على حمام صغير ... رغم إهمالها فإن هذه الغرفة تبدو فخمة ...
المهملات الملقاة بها جعلتها تضيق بحركتي ... تركتها ... قررت نزول السلّم والهرب ... لكني تراجعت ... أين سأذهب في هذا الليل ... سأؤجّل هربي ... سأنتظر أشعّة الشمس الأولى ...
بدأت أجيل النظر في الأفق ... وضعت مرفقي على حافة سور السطح وتاه نظري ... عمارات متراصفة بدقّة ... تتساوى في الإرتفاع ... تشّكل دائرة ... تتوسطها حديقة بها تلك النافورة المعطلة ... النافورة تشكل محور لأربع طرق متقاطعة تشق الحي في الإتجاهات الأربعة ...
هذه العمارة تتوسط هذا المركّب السكني ... لا يحتاج الأمر لفطنة حتى تكتشف أن سكّانه هم علية القوم ... هدوء السطح والطقس الهادئ فسحا لي المجال في التفكير ... تفكيري البسيط ...
فتّشت في جيبي ... علبة سجائري قاربت على النفاذ ... أشعلت سيجارة وبدأت أنفث توتري في دخانها ... صوت خطوات خفيفة تجرح صمت المكان رفعت رأسي ... في الجهة المقابلة ... فتاتان أو سيدتان تتسللان من باب العمارة ...
لم أتبين وجوههما ... لكني فخذيهما يطلان من تحت ملابسهما القصيرة ... الأكيد أن أمرا جللا جعلهما يخرجان هكذا بملابس النوم ... يسيران ملاصقين للحائط ... خطوات سريعة حذرة نحو العمارة الأخرى ... همتهما في المشي وحذرهما ... جعلتني أركّز فيما يحدث ...
إقتربتا من الطريق المؤدية نحو الشرق ... نور أحمر أنار فجأة ... ثم إختفى الجميع ... ركبتا سيّارة كانت تنتظرهما ... ربما تعملان ليلا في مستشفى ... أخلاقهما منعتهما من إزعاج السكّان ... فتسللتا حذرتين ...
أيقظتني لسعة جمرة تطايرت من سيجارتي ... كنت أهم بترك مكاني ... مجموعة من الشباب بدأت تتجمّع ... هذا يخرج من اليمين ... وتلك من اليسار ... الأخرى من الشمال وهذه من الجنوب ... سلام غريب بطرق القبضات أو بضرب الأرجل ...
بدأ تسللهم نحو الكافيه ... نعم إنهم شلّة الأنس الذين قابلتهم ليلة أمس ... أنهوا دروسهم وخرجوا يروحون عن أنفسهم ...
قطرة مطر شديدة البرودة ثقبت أم رأسي ... نظرت للسماء التي تلبدت فجأة ... ليلة ماطرة أخرى ... هرعت لداخل الغرفة أحمي نفسي من بلل قد يعيق هروبي ...
جاهدت كي أفسح مجالا يسمح لي بالجلوس بين الأكياس ... تقرفصت فيه ... لم أترك مجالا لعقلي بالتفكير ... سأنتظر الفجر وأترك هذا العالم الغريب لأهله الأكثر غرابة ...
بعض الدفء... وأغمضت عيني متخيّلا كمية السخرية من أهل القرية ورموزها ... سخرية صلاح ستكون أرحم من الأكل من القمامة ... فقط هي فاطمة التي أشعر بالغثيان كلّما ذكرتها ... لا يهم إن كانت تحبني كما تقول فستغفر لي فشلي ...
رفعت رأسي أتفقد محتويات الغرفة ... فكرة مجنونة سكنت عقلي ... ربما إحدى هذه الكراتين تحتوي كتبا ... لو وجدت بها بعض القصص سأحفظ كرامتي أمام فاطمة ... صورة وجهها وهي تستقبلني منتصرا بهديتها بعثت في روحي نشاطا لم أعهده ...
فتحت الصندوق الأوّل أفرغت محتواه ... كتب دراسية قديمة لأحد أبناء سكان العمارة ... خطّه جميل ... أعداده تؤكد أن أبناء الأغنياء دائما متفوقون ... رغم خيبة أملي لكني لم أستسلم ... أعدت تنظيم محتوياتها وفتحت الثانية ... نفس الشيء ... كنت أعيد رصف تلك الكراتين فوق بعضها لأفسح المجال لحركة أكثر راحة ...
كدت أقفز من الفرحة ... ألف ليلة وليلة ... رسالة الغفران ... الحي اللاتيني ... عدّة عناوين لكتب كبيرة الحجم ... ليست روايات عبير لكنها تفي بالغرض ... أن تخطأ الهدف خير من أن لا تصيب شيئا ...
رحت أبحث عن كيس أضع فيه غنيمتي ... أفرغت ما كان موضوعا على السرير ... لعب قديمة ... ملابس ***** ... ملابس كثيرة ... خاب أملي أن أحدها لا يناسبني ... رحت أعيدها بعناية ... تناقص حجمها ... فرغ السرير كليّا ...
فتحت خزانة إكتشفت وجودها بعد تنظيم الغرفة ... ملابس تبدو كملابس الشرطة ... كمية هائلة من الأجهزة الإلكترونية القديمة ... مسجلات ... لواقط فضائية ... خيوط ووصلات لا تحصى ...
لم أصدّق عيني وأنا أشاهد ورقة صغيرة مطوية ... ورقة ذات عشرين دينارا ... كنت متأكد أنها ورقة مزيفة من مخلّفات دروس أحد الأطفال ... رفعتها قبالة الفانوس ... هكذا كان يفعل صلاح وهو يتأكد من سلامة الأموال عند إتمامه لأحد صفقات التبن أو الفحم أو بعض الخراف ...
حركة لا أعرف نتيجتها لكني أقنعت نفسي أنها سليمة ... وضعت الكتب في كيس يبدو متينا ... دسست الورقة النقدية مع بعض القطع المتبقية ... صوت الفجر يأتي بعيدا من إحدى المآذن ...
هممت بتنفيذ خطتي بالهرب ... بعض السحب لازالت تلقي بحممها الباردة ... من يسرق كتابا يسرق ثوبا ... فتحت الخزانة ... إخترت بدلة من الملابس المعلّقة فيه ... قماشها المتين سيحمي ملابسي من البلل ... سألبسها حتى ينتهي المطر ثم أتخلّص منها ...
نظرت لنفسي في مرآة صغيرة ... بللت شعري وسرّحته ... أشبه ضباط الشرطة في الأفلام الأمريكية ... أشرت بسبابتي لصورتي في المرآة ... منذر 007 ... هههه ليس أحسن مني ...
قطعت السطح محاذرا البرك للكبيرة المتجمعة فيه ... السلّم ثم الباب وأصبح طليقا ... ما إن وضعت قدمي على الدرجة الأولى حتى أضيء الفانوس ... وقع القدام سبق الصورة ... رجل أصلع ... حواجب بيضاء ... عينان يقطر الدم من حمرتهما ... معطف أسود ... يحمل بين يديه الصلبتين عصى طويلة ...
توقف قلبي رعبا ... بدأ يصعد السلّم نحوي ... خطواته الواثقة ونظرته المباشرة في عيني تنذر أن أمري إنتهى ... تجمّدت مفاصلي مع يقيني بعدم وجود منفذ ... إقترب مني وعينه الحمراء ترمقني بنظرات يمتزج شررها بوميض البرق ...
رفع عصاه للأعلى ...ألقيت الأكياس ووضعت يدي على وجهي متحفزا لضربة تهوي على أم رأسي ... صوت ضحكة مبحوحة جعلتني أفتح عيني ... دفع العصا بين يدي ... وسحبني من مرفقي ...
لم أجد بدا من الإستسلام ... سحبني نحو أنبوب تصريف المياه ... ووقف خلفي ... لم أفهم ما يريده مني ... هل سيرميني من السطح ؟؟؟ وقف دون حراك ... لم تطل حيرتي ... صوت جوهري ثابت يعكس الشخصية القوية لصاحبه ...
" ماهو لوكان سي توفيق سمع كلامي .. ماكناش نوصلو لهذا " ... نظرت في عينيه مستفسرا عما يقول ... " قتلو من أوّل الصيف نظفها " ... زادت حيرتي ... أجابني بحيرة أشدّ ... " الحلقوم ... المجاري ... ميزاب الماء " ...
لم أنتظر أوامره وبدأت أحشر العصا في فتحة الأنبوب ... مع كلّ حركة مني بدأ الماء يسيل ببطئ ... تزايدت سرعة حركتي فتزايدت سرعة الماء ... بدأت البرك تنحسر بسرعة .... كنت أنفّذ أوامره دون كلام ...
وقف وسط السطح ينظر لنتيجة عملي ... " شفت ... خدمة متاع نصف ساعة كانت ترتحنا ملي جرى .. " لم ينتظر سؤالي عما جرى ... " إيجا ورايا فيسع " ... فيسع كلمة تدلّ على السرعة ... لا أحد يعلم مصدرها في لهجتنا لكن الشعب كلّه يقولها ...
بفيسع شديدة نزل السلم وأنا أتبعه ... الممر المؤدي لبيت سي توفيق ... الشقة رقم 5 ... فتح الباب وأمرني بالدخول خلفه ... نفس هندسة بناء شقة سي توفيق ... غير أن أثاثها يفوقه فخامة بمرّات ...
ريقي إستعصم أن ينزل في حلقي ... قلبي يدق غير أني لا أسمع نبضه ... تبعته حتى دخلنا المطبخ ... بركة كبيرة من المياه يسبح فيها المطبخ ... هو ليس مطبخا بل مختبر طبي ... مد ممسحة في يدي ... " فيسع وما تعملش حس ... الجماعة مازالو راقدين " ...
لم أجد بدا من تطبيق أوامره ... نفذت أمره بسرعة ودون ضوضاء كما قال ... يجب عدم إزعاج الجماعة ... من هم الجماعة ؟؟؟ ... متى ينتهي هذا الكابوس ... ماذا أفعل هنا ...
نشّفت أرضية المطبخ ... رخام أسود فخم يزّينه ... نعم يبنون مطبخا بالع¨رانيت الأسود سعر المتر فيه بألف دينار ليقطع عليه البصل بألف مليم ... الأغبياء ... عفوا الأغنياء ...
وقفت أنظر لمحتوى ما سمّاه مطبخا ... دخل الأصلع ثانية ... " شفت ؟؟؟ عاجبك إلي جرالي " ... وذهب نحو صندوق يشبه ما سخّنت حبيبة به الطعام ... سحبه من مكانه وضعه في يدي ... " لوكان ضربنا الضو ... شتنفعني إنت وإلا السي توفيق متاعك " ... كانت عيني تعتذر منه ... كأني أنا من تسببت في نزول المطر .... وسببت خطر أن تصعقهم الكهرباء ....
وضع تلك الآلة في يدي ... وضع يده في جيبه ... أخرج ورقة من جيبه ... وضعها في يدي قائلا " يعطيك الصحة ... يرحم والديك " ... أخيرا ... أجر مضاعف ... والدي في السماء وأنا على الأرض ...
كنت أهم بالخروج غير مستوعب ما أفعل ... يدي تحمل آلة التسخين ... وأصابعي تمسك بالورقة النقدية الزرقاء ... إقتربت من الباب ... كدت أخرج منه ... صوت يلحقني ...
" إيجا هنا وين ماشي ؟؟؟ " ... إلتفت خلفي وقد خنقني الضجر من هذه الجملة التي تمنعني من الحرية كلما إقتربت منها ... وضع في يدي الأخرى ورقة مكتوب عليها بقلم وورقة نقدية ... أمرني أن ألبي طلباته بسرعة قبل أن يفيق الجماعة ...
خرجت مسرعا من باب الشقة ... نزلت السلالم جريا ... خرجت من باب العمارة ... بدأت أفكّر بالهرب بجدية ... أملك ثمن تذكرة الحافلة و ما أشتري به القصص ... مازالت الفكرة تتخمّر في رأسي حتى لحقني صوت من الأعلى ...
" يلى ماعادش وقت ... هذيكا حطها غادي تو تهزها البلدية " ... رحت أجري نحو إتجاه إصبعه مطيعا أمره ... ألقيت الصندوق بجانب مقلب قمامة عند مدخل المركب السكني ... وضعت يدي في جيبي ... ورقة نقدية من فئة 10 دينارات مكافأة على جهدي ... وورقة عليها طلبات مكتوية بالفرنسية ...
أنا قدراتي في الفرنسية محدودة وخطه يصعب قراءته ... بدأت أجري لأجلب طلباته ... لكن من أين ؟؟؟ ... وأين أتجه ؟؟؟ ... رجل يدفع عربة حديدية وضع داخلها بعض المهملات ... كراسي بلاستيكية محطمة وسطل وأشياء أخرى ...
صبّحت عليه بأدب ... شكله ولهجته تؤّكد أنه من عمال البلدية ... أكيد أنه يجول هذه الشوارع ويعرفها جيّدا ... مددت له الورقة مستفسرا عن مكان بيع تلك الأشياء ... تملى فيها ببطئ ثم أشار لي أن أتجه يمينا ... على بعد 200 متر توجد مخبزة ...
رغم تعجبي من أن المخبزة تبيع الدواء .. لكني أرشدته لمكان وجود آلة التسخين ... مسرعا نحو هدفي سعيدا بوجود هذا الرجل الطيب الذي ساعدني في التخلّص من طلبات الأصلع هذا ...
وضعت عاملة تبدو ودودة طلباتي في كيس ... أرجعت لي الباقي ثم طرت عائدا للعمارة ... إستوقفني الرجل وهو يقلّب الآلة ... قال بصوت ثابت " ما تسواش أكثر من 10 " ...
نظرت إليه مندهشا ... صار يقسم بكل المقدّسات أنها لا تساوي أكثر من ذلك ... وضع عشرة دنانير في يدي قائلا " خلينا ناكلو معاك خبزة " .... ووضع الآلة في عربته وإنصرف غير مبالي من دهشتي ... البلدية هنا تدفع لك ثمن قمامتك ... خضراء أنت يا تونس ...
دسست الورقة في جيبي وعدت أهرول ... الأصلع في الشرفة يشير لي بمواصلة الركض بتحريك قبضتيه ... صعدت السلّم قافزا ... وجدته ينتظرني عند الباب ... مددت له الكيس وأردت إرجاع الباقي له ...
ربّت على كتفي ليمنعني ... لم أنطق بعد حتى فتح باب شقّة سي توفيق ... حبيبة التي غمرتها الدهشة من وجودي ... من الزي الذي ألبسه ... من وقوفي أما بيت جارهم ... سؤال توجهت لي به عبر تقطيب حاجبيها ونطقت ...
أخبرتها حبيبة بما جرى ... تحوّل لونها للأصفر ... وضعت جبينها بين كفيها من هول المصيبة ... بدأت أفتح أزرار السترة ... كنت سألقي بها أرضا ..وأصرخ في وجهيهما أني مغادر ... لا أحد يمتلك حق إحتجازي وإهانتي هكذا ...
مدام فريال أسعدها الخبر ... حبيبة أيضا تبدو سعيدة لغرض ما ... أنا فقط لم أكن سعيدا ... لا أعلم السبب ...
غيّرت المدام ملابسها ... نزلت معي في المصعد ثانية ... راحت تفهمني طبيعة عملي ... تنظيف المدخل ... العناية بالنباتات ...
مراقبة الدخول ليست مهمة لا يدخل إلا السكان عبر الرقم السري والزوار يفتح لهم مضيفوهم من الأعلى ... إخراج القمامة ... مهام تبدو بسيطة ... يمكنني النوم في غرفة السطح ...
سعيد بمهمتي الجديدة ... شهر أو شهران يؤجلان مواجهتي لأهل القرية ... سيمنحانني فرصة لإختلاق كذبة مقنعة عن سبب فشلي ... سأوّفر بعض المال من عملي ... البلدية ستدفع لي ثم ما يلقيه هؤلاء ...
وضعت كرسيا ... أمام العمارة ... أمسك عصى بيدي ... كحارس ضيعة ... بدأت بذور أحلامي تنبت ... وبدأت أراقب الخارجين من العمارة ... عرض أزياء يمر أمامي ... الميني جيب ... الصدور المفتوحة ... وجودي دفع همهمة في حناجر الثلاثة أزواج الخارجين .... كان الدكتور آخر المغادرين ... قمت من مجلسي إكبار له ... قابل حركتي بإبتسامة جامدة .... كان يقف مفسحا المجال لمرأة تبدو إبنته ... شعرها أسود وتلبس معطفا أسود يغطي رقبتها حتى أسفل قدميها ...
فتح لها الباب وإنتظر حتى تجلس ... منعني وقوفه خلفها أن أتملى وجهها ... دار مسرعا ليركب من الجهة الأخرى ... زجاج السيّارة القاتم يستر ما بداخله ... إحترمت هذا الدكتور ... حريص على شرفه ...
إنطلقت السيّارة ... كنت أتابع حركة عجلاتها ... توقفت بجانبي حافلة ... الرسوم التي نزينها تدلّ على أنها لإحدى المدارس ... ما إن توقفت حتى فتح الباب ... ولد وبنت متقاربان في الأعمار لم يتجاوزا العاشرة ... ملابسهما تشبه ما تلبسه تلك الرؤوس المطلة من نوافذ الحافلة ...
ستنجحان يا ولداي ... المدرسة تأتي لكما لتنقلكما ... نفس الوضعية بالنسبة لأترابكما في قريتي ... أصلا كنا نصل المدرسة لا نعي شيئا من فرط التعب ...
الباب البلوري يفتح ... سيّدة ***** تخرج منه ... تجاوزتني بخطوتين ثم تراجعت نحوي ... سيدة في منتصف الثلاثينات على ما يبدو ... ***** تستر رأسها بخمار ... ملابسها الطويلة تستر جسدها .. وجهها الجميل مزين بمكياج خفيف ...
إنهزمت نظراتي المتفحصة أما نظرة عينها الثاقبة ... تقدّمت نحوي وتوقفت تسألني ... كنت أغرس عيني في الأرض خوفا منها لا أدري لماذا ... خشيت على مهنتي الجديدة ...
بدأت مؤخرتي تقرصني من الجلوس ... قمت أتمطىّ ... بدأت أتمشى أمام باب العمارة مقلدا الحرس الإنجليزي ممسكا بعصاي ... أنظر لإنعكاس صورتي في بلور الباب ... أقدّم التحية العسكرية لنفسي ثم أواصل خطواتي ...
أسعدتني لعبتي الجديدة ... روحة وجيئة ... تسلية جميلة ... شكلي جذّاب في البدلة ... ليتني إلتحقت بالجيش كرائد ... رائد يروي لي قصص مدهشة عن مغامرته ... رائد الذي رافقني طيلة طفولتي و مراهقتي ... تطوّع بالجيش كجندي ... إسمه ورتبته لا يتقابلان .... هرب من الفقر للفقر ...
خط أحمر صغير يزيّن كتف بدلته الخضراء ... والده صار يرفع رأسه عاليا فخورا بإنجاز إبنه ... أنا أصررت أن أواصل التعليم ... حلمت أن تزيّن نجمة كتفي يوما ... إحباطي لا يوصف لما تيقنت إستحالة إلتحاقي بالأكادمية العسكرية ... إبن من أنت حتى تصبح ضابطا في بلدنا ... هكذا هي حياتنا ... مستقبلك يرسم مذ كنت تتخبط في خصية والدك ....
ليتني تبعت رائد ... طموحي أكبر منه ... ثم ماذا ... لا نجحت في هذا ولا ذاك ؟؟؟؟
بدأت أتجوّل بين العمارات ... علني أجد زميلا أتسلّى معه وأفهم طبيعة هذا المكان ... سبع أبواب متشابهة خالية ... كلّها تفتح بنفس الطريقة ... بدأ الجوع يقرصني ... تذكّرت تلك المخبزة ... واجهاتها تسيل اللعاب ... وجه البائعة يسر القلوب ... سأضحي بقليل من المال لأشبع بطني وأسرّ قلبي ...
لم أفهم أي إسم مكتوب على المعروضات ... المهم لم أحرج نفسي ... إخترت لونين لفتهما لي البائعة البشوشة ... ثم إنصرفت ... قبل وصولي لمدخل المركب ... شاحنة البلدية تقف أمام الباب تفرغ الحاوية الخضراء ...
لقد وضعت فيها أكياس ستعود عليا بالمال الوفير ... العمال يتسلّقون جوانب العربات ... والسائق يهم بالإنصراف ... رحت أزفّر وأصرخ عليهم بالتوقف ... إحمرّت فوانيسها الخلفية كما إحمرّت عينا العاملين وهما يسمعان سؤالي " فين ماشيين ؟؟؟ ما خلّصتوش " ...
الحمرة الأكثر كانت على وجنتي خجلا وأنا اسمع أحد العمال يرد على جوابي لسؤاله عن الثمن الذي يتوجب عليهما دفعه ... " ما خلصتوش حق الزبلة ... " ... نظر لصاحبه وإنفجرا ضاحكين ... صوت أحدهما يصرخ على السائق يأمره بالإنطلاق ...
" إمشي ... إمشي ... هاو واحد جبري ينيك في أمه عالصباح " ... الجبري هو الإسم الذي يطلقه أهل المدن على القادم من وراء الإشارات ... ما يغيض أن الذي نعتني بالجبري ... يبدو من شكله ولهجته أنه نازح من إحدى مجاهل الأرياف ...
أنا جبري ... هل تفقد تلك الصفة بحكم الأقدمية ... آلمتني عنصريته ... كما آلمتني خيبة أملي في تحصيل المال من القمامة ... لماذا دفع لي ذلك الرجل ثمن ما أخذه ... سؤال طاردني حتى منتصف النهار ...
لا أحد يعود للغذاء في بيته ... المركب زاد هدوئه ... كنت تائها في هذه التجربة ... تلفحني بعض أشعة شمس هذه الظهيرة ... أغمضت عيني متوسدا مرفقي على حافة الكرسي ... الفراغ من حولي جعلني أغط في النوم ...
صوت يدخل حلمي الملخبط ... كائن فضائي ينادني بالإسم ... " منذر ... منذر " .. فتحت عيني ضاحكا من حلمي ... لحقني نفس الصوت ثانية ... منذر منذر ... إلتفت يمينا وشمالا ... نظرت للأعلى ... للأسفل ... لا أحد هنا ...
بدأت أشك في سمعي .... " منذر فينك ؟؟؟ " صوت ممزوج بحشرجة يأتيني من قرب الباب ... بدأت أتبع مصدره ... وقعت على أربع عاجزا عن الزحف هربا ... الحائط يتكلّم ...
" منذر إنت فين ؟؟ " مربع قرب الباب يكلّمني ... أكبر كذبات صلاح لم تصل لهذا الخيال ... كنت أتحسس الحائط باحثا عن مصدره متأكدا أني لا أزال أعي ... لمست أصابعي أحد الأزرار ...
صوت شديد القوة يصدر منه " وين كنت عندي ساعة نلوّج عليك ؟؟ " ... لم أفهم ماذا أقول ؟؟؟ .. لماذا يبحث عني الحائط منذ ساعة ؟؟ ماذا يريد مني وأنا لم أفارقه .... " أنا هنا ما عندي وين مشيت " ... " باهي إطلعلي حاجتي بيك " ... أين سأصعد ... الحائط يريدني ... " فين نطلع ؟؟؟ ... " للدار ؟؟؟ هاني نستنى فيك ؟؟؟ " ...
تلقف عقلي البسيط أن ذلك جهاز إستدعاء ... حبيبة أو المدام تنادياني ... لا أحد يعرف إسمي غيرهما والدكتور وتلك السيدة ... تشجعت وركبت المصعد ... الأمر ليس معقدا فقط إضغط على الزر المناسب للطابق ...
وجدت حبيبة تنتظرني عند الباب ... وضعت في يدي قائمة طلبات وورقات نقدية ... طلبت مني الذهاب بسرعة للمغازة لجلبها ... كولد مطيع خرجت أجري ... متوجها للمغازة ... أين المغازة ؟؟ أين موقعي من خريطة الكون ...
صوّر لي ذكائي الخارق أن المغازة لن تبعد عن المخبزة ... وفعلا صدقت توقعاتي ... المغازة وحدها عالم آخر ... لن أنسى كمية الإحراج التي تعرضت لها ...
ماوكلي شخصيا يجري بين رفوفها المزينة بكل ألوان الأشياء ... تبيع كلّ شيء ... رحت أقلّد أحد الزبائن ... حبيبة دخلت قلبي ... تكتب بالعربي ... خطها واضح وطلباتها مفهومة ... أشياء أعرفها ... طماطم فلفل ... دجاج ...
خرجت مثقلا بالأكياس ومصدوما من إكتشافي الجديد ... وضعت حملي على طاولة المطبخ ... حشرت حبيبة القطع النقدية المتبقية في جيبها ... يئست أن تجود بشيء منها ... فقراء نسلب بعضنا ...
حافلة المدرسة تقف أمام الباب ... السائق سلّمني الطفلين وإنصرف ... بدأت دموع البنت تنهمر بمجرّد علمها أنهما سينتظران معي ... عبثا حاولت ترضيتها ... رقصت ... قفزت ... أخرجت لساني ... وضعت إبهامي في أذني ونفخت حلقي ... كف يد الطفل تنزل هاوية على خدي المنتفخ ...
وإنفجرا ضاحكين ... لا يهم المهم أن لا تأتي والدتهما وتتهمني بسوء معاملتهما ... تورمت خدودي من الضرب ... هربت للحديقة أمام العمارة مازحا معهما ... لم ينتهي الطفل من متعته في ضربي ...
هددته إن لم ينتهي أني سأخبر والده ... تلك الكلمة في قريتنا تساوي حكم الإعدام لطفل أساء التصّرف مع من هو أكبر منه ... دمعت عيني عندما وضعت الطفلة يديها في محزميها تهزهما نكالة بي " بابا عند *** " ...
يتيمان مثلي ... عانقتهما دون أن أشعر ... ثنيت ركبي لأوازي طولهما ... إنسحبت البنت وتعلّقت بظهري ... وقعت أرضا ... كنت أقلّد حركة الحمار وهي تركب ظهري ... ضحكها وسعادتها جعلاني أنسى الذل ...
ملائكة الجنة ... ويتيمان ... أجري سيكون سخيا لقاء معروفي فيهما ... أمسك أخوها العصى التي أستعملها للحراسة ... راح يشوي مؤخرتي ضربا وهو يقول " إر... تعتع" أقسم أن جدهما كان فلاحا ... حركة حشر العصا في مؤخرة الحمار ليزيد السرعة لا يعرف سرّها إلا من كان فلاحا إبن فلاح ...
العرق يمد لسابع جد ... والعصا بدأت تمتد سبعة أذرع في مؤخرتي ... صوت محرّك سيارة يقف بجانبي ... أنهى تعذيبي ... " ماما جات ... ماما جات " ... كدت أن أعانقها بدل عنهما سعادة بوصولها ...
نظرت في وجهي ... خدودي الحمراء ... عيوني المبللة بدموع الألم ... لم أتمكن من إمساك يدي لتخفيف الألم عن مؤخرتي ... إقتربت منها مؤديا تحية إنهاء المهمة ...
كدت أصفع نفسي ألف مرّة ... ربما هي تخفي عن ولديها سر موت والدهما ... ليتني صمت ... تلك النظرة جعلتني أفكّر بطريقة تجعلني أعرف كلّ أسرار السكّان حتى لا أقع في مأزق جديد ... كيف كنت سأعرف ؟؟؟ ... البنت هي من أخبرتني بذلك ؟؟؟
عاد السكّان تباعا مع إقتراب الظلام ... بدأ التعب ينهكني ... والجوع ... قرعت جرس بيت فريال ... طلبت منها أن تعلمني بمواعيد العمل المضبوطة ... المسكينة راحت تشرح لي بالتفصيل ... العمل ليس شاقا ولا يتطّلب جلوسي طوال الوقت بالباب ... كل شيء هنا إلكتروني لو إحتاجني أحد سيناديني بالإنترفون ... جهاز المناداة ... واحد عند الباب والثاني بالغرفة ...
صعدت السلّم لغرفتي وقد تورمت قدماي ... حكة وألم في مؤخرتي بسبب عبث الصبي بها ... نزعت ملابسي ... دخلت الحمام ... قطعة صابون تعود للعهد البونيقي ملتصقة بأرضه كانت وسيلة نظافتي الوحيدة ...
تخلّصت من رائحتي ... غسلت ثيابي ... وكل ثياب الحارس السابق ... نظرت لبوكسري المهترء... كل ثقب فيه يشهد على سنين العشرة بيننا ... لففت وسطي بفوطة وجدتها بين المهملات ... حملت كدس الثياب أريد نشرها ...
لا يوجد حبل غسيل هنا ... ربطت بعض الأسلاك من الخزانة ببعض ... إستعملت صندوقا خشبيا أعتلي عليه لربط السلك بعمود حديدي ... كنت أهم بنقله للجهة الأخرى ... حين رفعت رأسي ليصدم نظري بركبتين مدوّرتين ... يعلوهما فخذان بيض مدورة ... ناعمان كالثلج ... يستر وسطهما شورت أسود يغوص في مفرق منتفخ بينهما ...
هززت رأسي علي أفيق من حلمي ... وجه عابس ... عينان صارمتان غاضبتان تنظران نحوي ... شعرها أسود لدرجة لا تصدّق ... الألوان هنا كلها بتقنية HD... ليست كما تعودت رأيتها ... لم أفهم بعد ما يجري ... حتى سمعت صوتها العذب الرقراق رغم تصنعها الغضب ...
فهمت بالنظر أني لو أعدته مكانه سأصلح ما أفسدته بغير قصد ... أعلمتها أن تنزل وتتأكد إن كان الموضوع قد سوي ... رحت أراقب إهتزاز ردفيها الطريين وهي تتمشى أمامي ... لا يمكنني المقاومة ...
وضعت الصندوق تحتي وعدت لما بدأت فيه ... محاولا الوصول لمسمار أعلى حائط غرفتي ... واقفا على أطراف أصابعي ... صورة الركبتين لا تفارقان عيني ... إنتصاب بدأ يدغدغ قضيبي ... لم أستسلم لتلك المتعة بعد ... صوت من خلفي بعث رعبا في نفسي جعلني أسقط أرضا ...
ضحكها ملأ المكان ... السيدة تنحني على ركبتيها وتمسك بطنها تضحك من منظري ...خدودها البيضاء تورّدت ... عيونها الناعسة تبللت أجفانها ... حاولت الوقوف لكن الفوطة إنسحبت من وسطي ... إعتقدت أني أدركتها قبل أن أتعرى ...
حركة شفتي السيدة وتغيّر ملامح وجهها يؤكدان العكس ... سترت نفسي مرتبكا خجلا خائفا مرعوبا مشدوها ... لففت الفوطة من جديدة ... نبرة صوتها تغيّرت ... ذبذبات تغيّر مسار حيتان العنبر في أقصى الأرض ...
لم أتحرّك من مكاني لمدة يمكن أن تكون أنهت فيها حلقة مسلسلها المفضل ... هي زوجة الدكتور ... الجماعة شخصيا ؟؟؟؟ ... محضوض هو ذلك الأقرع بهذه التحفة ... إن كانت يدها ناعمة هكذا فكيف هو الباقي ؟؟؟
قبل أن أنتبه من سكرتي ... ضربت خدي بكفي ... أكيد أنت تحلم ؟؟ ... سيدة بمكانتها لا يمكن أن تنجذب نحوك ... هي لا تراك أصلا في قائمة المخلوقات .... ربما هي طبيعتها هكذا ... خنقت كل أفكاري خوفا من مصير مجهول لو تبعت أي فكرة منها ...
بدأت أنشر ملابسي ... صوت يأتي من باب السطح يناديني ... حبيبة تصعد لتقدّم العشاء ... وقفت طويلا تتأمل شكلي والفوطة ملفوفة بوسطي ... ما خلّفته فيا شظايا سهام بدأ يبرز بين فخذي ...
لم تكن تحتاج لتصعد عندي ... كان يمكن أن تعلمني بذلك عبر الإنترفون ... تقدّمت مني تتملى في صدري العاري ... دخلت غرفتي معجبة بالتنظيم الذي قمت به ... إنحنت تضع طبق الطعام على الطاولة ... طالت فترة إنحنائها عن اللازم ...
إلتفت للخلف تتأكّد أني أراقبها ... كشفتني رغم حذري ... خلتها ستوبخني ... تبسّمت ثم خرجت تجيل النظر في الأفق ... وضعت يديها على سور السطح ... تأخرت برجليها قليلا وفتحتهما ... بان عري فخذيها من فتحة تنورتها ...
نظرت في عيني وقالت ... " المنظر من هنا جميل جدّا …إنت بتسهر وإلا بتنام بدري "
الجزء الثاني
الطابق الثالث (الشقة رقم 6)
نزلت السلّم المؤدي للممر ... بمجرّد أن أضاءت أنواره تلقائيا أفقت من غفوتي ... ماذا دهاني ؟؟؟ ... بمثل هذا الإبتذال ؟؟؟ أنا حبيبة التي كانت أقدام الرجال تحفى لنيل بسمة من شفتيها ... لم أفهم ما حدث لي ...
فتحت باب الشقة ... مدام فريال تطلّ من باب غرفتها ... لتطمئن أني أنا القادمة ... توجهت المطبخ بعد أن بادلتها الإبتسامة ... وضعت إبريق الماء يغلي فوق النار ... وجلست ... لا شيء في عقلي يعمل ...
رفعت رأسي أتملّى في تفاصيل المطبخ ... أنا من أمضت عمرها كلّه في المطابخ ... تلك الإبتسامة الحنونة التي ودعتني بها أمي وهي تمسح دمع عينيها ... صوت محرّك السيّارة يبعد صورتها عني ... أبي يعدّ ورقات نقدية كانت ثمن بيعي ... لم يهتمّ حتى بوداعي ...
نظرة ذلك الرجل وهو يلتفت من المقعد الأمامي ينهرني عن البكاء لن أنساها ما حييت ... بنت الإثني عشرة سنة تخطف من حضن أمها لتقودها هذه العجلات لمصير مجهول ... لم أكن وحدي ولم أكن الإستثناء ... كل بنات قريتي ... كل بنات جهتي ... كان هذا مصيرهن ...ما إن تبلغ إحدانا الثانية عشر خريفا حتى تقاد للسخرة ... نعم إنها سخرة وليست عملا ... مقاول العاملات يأتي للقرية يختار الأنسب ... يدفع أجر سنة لوالدها ... ثم يعرضها على إحدى البيوت الغنية للعمل كمعينة منزلية ... الحظ فقط هو من يتحكّم في مستقبلك ...
حظي أوقعني في بيت سيّدة مجتمع ... بل سيّدة كل المجتمعات ... كنت سعيدة جدا بملابسي الجديدة ... لن أنسى أوّل إغتسال لي في بانيو الحمام ... أول مرّة آكل في صحن خزفي ... سيدتي الأولى كانت حنونة جدّا ... نفس حنية من يربي خروفا ليذبحه في العيد ... إهتمام شديد بنظافتي و أكلي ومظهري ... أمي نفسها لم تكن بتلك الدرجة من العناية بي ... ولا أبي الذي وئدني ... نعم هي نفس الفكرة السائدة منذ الجاهلية ... لكنها صارت توفّر بعض المال ... أشهر طويلة وسيدتي الجديدة تعلّمني الطبخ ... إعداد المرطبات ... إستعمال معدّات التنظيف ... الآلات ... لم تكن تنجب ... هي أصلا لم تتزوّج لتنجب ... حتى خلت أنها ستتبناني ... حنيتها كانت بهدف فعل الخير ... رحت أتفانى في تنفيذ ما تطلبه مني ... سريعا ما تعلّمت وكنت سعيدة بذلك ... هي كذلك كانت سعيدة ... كانت تتفاخر بي أمام صديقاتها الكثر ...
كانت عضوا بارزا في عدّة منظمات خيرية ... حقوق المرأة ... حقوق الطفل ... حقوق الطبقات الهشة ... بدأت تتخلّى عن مساعدتي ... كنت أظنّ أنها تثق بي ... كلمات الإطراء كانت ترطّب جفاف قلبي ... بدأت أنسى أهلي ... قريتي ... دجاجاتي ... عروستي الخشبية التي تركتها وحيدة قرب الموقد تتدفى ...
كنت أضع الأطباق المنمّقة أمام الحاضرات في صالون بيت السيدة ... كنت أقف قرب الباب أراقب حركاتهن المنمقة ... كلامهن الشيّق ... لبسهن الراقي ... زينتهن ... شعرهن ... لا يشبهن نسائنا في شيء ... لا يشبهن بعضهن ... يتنافسن في تفاصيل بسيطة ... الضحكة ... مسك الفنجان ... قضم قطة حلويات ... عشقت أصابعهن تداعب سجائرهن ... هن عالم آخر ... كل واحدة منهن عالم ...
مرّت سنتان ونصف وأنا في ذلك البيت ... أنام على حشيّة بالمطبخ لكني أنام دافئة مطمئنة ... آكل لوحدي بالمطبخ لكني بطني لا تقرصني من الجوع ... ألبس القديم لكنه يستر جسدي كما أن شكلي صارا جميلا ... أشقى طول النهار في التنظيف والتضييف لكني أنام مرتاحة البال ... تآكلت ذكريات صغري إلا من مشهد الوداع ذاك ...
" يجب علينا الضغط على الحكومة لسن قانون يحمي الأطفال " ... " يجب الضغط لمنع تشغيل القصّر " ... " يجب توفير مناخ يحمي حقوق المرأة " ... " الطبقات الهشة هي برنامج عملنا في السنة المقبلة " ... شعارات كانت تدغدغ أذني ... تتشدّق إحداهن بها ثم تنهرني لأجلب لها كأس شاي أو أفرغ مطفئة رماد سجائرها الفخمة ...
ألست **** ؟؟؟ ... ألست من الطبقات الهشّة ؟؟؟ ... أصلا أن أكثر الناس هشاشة ... بدأت ملامح جسدي تنحت ... كنت ككل صبية سعيدة ببروز صدري ... تدور فخذي ...
لأوّل مرّة أفتح خزانة سيدتي ... كانت تحاضر لينال المعدمون حقوقهم ... وتعدم حقي بإحتجازي في بيتها .... إخترت فستان قصيرا ... حذاءا بكعب عالي يزيد في تدوّر مؤخرتي الصغيرة ... سوتيان رفع صدري للأعلى ... كيلوت ناعم يدغدغ رغبتي أن أتحوّل لإمرأة ...
كاد قلبي يرقص فرحا لنعومة شعري ... عطر أخّاذ يسبقني ... تجرّأت ودخلت الصالون ... جلست في مقعد السيدة ... أخذت سيجارة من علبتها ... وضعتها بين إصبعي ... وضعت رجلا على رجل ... رحت أقلّد كل واحدة منهن ... ناديت على الخادمة بلهجة التعالي ...
لا إحداهن تزيد في قدرتها عني شيئا سوى أنّها ولدت في مناخ سمح لها بالتعالي على الناس ... أشعلت السيجارة ... أوّل نفس أزهق روحي ... إنحشر في رئتي ... سعالي وصل صداه الأفق ... إحمرّ وجهي من الإختناق ... وتوقّف قلبي عن النبض ... رعبا ...
سيدتي تقف أمامي في باب الصالون ...
صفير بخار الإناء جذب نظري ... سكبت كأس شاي ... عدة لطاولتي بعد أن تأكدت أن مدام فريال نامت ... وضعت يدي على خدي أتحسس أثر تلك الصفعة التي هوت بها سيدتي الأولى على خدّي ... لا يمكن لعقلي أن يمحو شدة غضبها ... حنقها ... عنفها وهي تنزع عني ملابسها ... مزقتها ... أحرقتها في برميل الفضلات بالحديقة ... لتتخلّص من نجاستي الملتصقة بها ...
عينيا تورّمت من شدة البكاء ... فخذاي تلونت بالأزرق والبنفسجي من أثر الركل والسحّل ... عقوبة لا إنسانية ... ثلاث أيّام أجول في البيت عارية ... إنتهاك لكل الأعراف الدولية من سيدة تطالب بحق الدود أن يعيش بسلام ...
كرهتها ... لم أعد أطيق تواجدي بجانبها ... رائحة سجائرها صارت تخنقني ... عطرها صار يطبق على صدري ... آخر الأسبوع موعد جلسات نفاق سيدات المجتمع ... أرسلتني بعد إنتهاء عقوبة العري القصري لشراء لوازم الإستقبال ...
تظاهرت بمغص شديد ... دخلت صيدلية ... صاحبها شيخ طيب جدا ... أعطاني علبة دواء ... قال أن قطرة واحدة لمدة يومين بمعدل ثلاث مرات يوميا ستقضي على حالة الإمساك التي أعانيها .... أنفقت عليها كل مدخراتي البسيطة ...
أخفيتها بين ثنيات صدري ... تعانق حنقي ورغبتي في الإنتقام ... إجتهدت مبتسمة سعيدة متحمّسة ... لم أبالي بقولها " ريت روحك كيف تعقال وتخدم على روحك ما أحلاك " ... نعم أن أحلى منكن جميعا ... لكني لن أكون عاقلة ولن أعمل عندك ثانية ...
تجمعت حلقة النفاق تلك ... الصالون معطّر وأرضيته تلمع ... مخداته مرصوفة بدقة ... أعددت الشاي والبسكويت ... دموعي تنسكب مع قطرات الدواء في كل كوب ... تسعة ... عشرة ... خمسة عشر ... عشرون ... لا أعلم كم سكبت .... لكني أفرغت محتوى العلبة في كل الفناجين ... أفرغت قهري وإحساسي بالنقص معها ...
أغلقت باب الحمام بالمفتاح من الداخل وتسللت من شبّاكه الصغير ... أغلقت باب البيت من الخارج ... وجلست قرب شبّاك الصالون ... أشعلت سيجارتي الثانية ... لم أسعل ... بل ضحكت ... تقلّصت عضلات بطني زهوا على صوت صراخهن ... الطرق على الباب بدأ يهمد ... الأصوات بدأت تخفت معلنة إستسلامهن لأثر الدواء ...
تجاوزت باب الحديقة ... تخيّلتهن يسبحن في قرف بطونهن في كلّ ركن ... هذه حقيقتهن ... مقرفات ... هذا أصلكن ومنبتكن ...
جلت المدينة لأوّل مرّة ... فراشة حرّة ترفرف ... يمامة منطلقة تحلّق ... غزال تقفز ... روحي تخلّصت من سجنها ...
أمسكت كأس الشاي بقوّة حتى كاد زجاجه يتحطّم بن كفي ... ألم شديد ... إهتز صدري ... هززت رأسي لطرد تلك الصورة ... تلك الرائحة ... ذلك الشيخ الذي توسّمت فيه الخير ... ظننته سيساعدني ... لكنه سلبني روحي قبل جسدي ...
قام من فوقي ولم يلتفت ورائه ... تركني تحت سلّم تلك العمارة ... أنزف جرح كرامتي من بين فخذي ... دمي إختلط بقرفه .... نعم لم أصل للسادسة عشرة وأنهكت وانتهكت ... عرفت حينها أن سجن العمل خير من حرية العذاب ... كرهت الرجال ... كرهت الحياة ...
مسحت دمعة تسللت من عيني ... أحرقت مسام خدي ... أشعلت سيجارة أطفأ بها شموع ذكرياتي الحلوة ... نعم بعض السعادة مرّت يوما ما في حياتي ... ثاني البيوت التي عملت بها ... كانت عائلة عادية ... ليسو بالاثرياء لكنهم ميسورون ... زوجان يعملان ... ولد وبنت ... البنت في مثل سني والولد أكبر مني بسنتين ... دفئ غمرتني به تلك العائلة ... لكني كنت أبيت في المطبخ ....
رافقتهم في رحلاتهم ... ألبس مثل بنتهم ... أطفأت شموع أعيادهم ... جالست سهراتهم ... شاركتهم فرحهم وحزنهم ... بل وقرارتهم .... والد حنون وأم لطيفة ... أخت محببة ... عائلة متكاملة ... نسيت معهم حزني وهمي ...
تجرّأت ... نعم تجرّأت ... شاب في الثامنة عشر ... وصبية في بيت واحد ... أحببته ... نعم أحببته وهو عشقني ... رافقت سهراته وهو يراجع للبكالوريا ... شجعته ... وشجعني ... إكتشفته وإكتشفني ... علّمته وتعلّمت فيه ...
ليالي طويلة كان جسدي مكافئة لإجتهاده وجائزة لصبري ... حب جارف غمرنا ... إختلسنا ليالي طوال ... قبلات حارّة ... لمسات حارقة ... سريره الصغير ... مكتب دراسته … كل الأماكن وكل الوضعيات ... الممكن وغير الممكن ...
حب جارف أخذني ... وسرقه ... سنة طويلة رائعة ... سطّرنا فيه كتابا لا تقرئ حروفه ... عشت فيه وعاش بي ... شجعته وأنعشني ... نموت فيه ونضج في ...
رفرفت بي أجنحة السعادة يوم دوت زغاريد نجاحه ... غيابه ترك في قلبي فراغا وفي جسدي عطشا وفي روحي تيها ... ثلاث أشهر وعشرة أيّام لم تكحّل رموشي بصورته ... شممت ملابسه ... حضنت مخدّته ... تغطيت بلحافه على ريحه تعيد لي بصري ... بحثت عن خياله في كل أرجاء البيت ...
لن أنسى ذلك اليوم الذي رن فيه جرس البيت ... حبيبي واقف أمامي ... بدلة الأكاديمية العسكرية غيّرت ملامحه ... لونه إكتسب سمرة ... عينه تشع حياة ... عضلاته رسمت تحت ملابسه ...
تركته في حضن أمه وخرجت دون التفاتة ... قرار صعب ومر مرارة العلقم ... وئدت حبي له ... وعدني بالزواج ... كنت أثق في وعده ومتأكّدة من وفائه به ... صورته وهو يضع قدمه على أولى خطوات مستقبله أيقظتني ... أنا مني حبيب شامخ واثق الخطوة يمشي ملكا ... هو يستحق من هي أحسن مني ... لا تقل شئنا فإن القدر شاء ...
حب مبتور ... مبتور كأحلامي ... عشر سنين لم تفارق أثار قبلاته شفتي ... عشر سنين لازلت أسمع كلمات غزله تطرب قلبي ... حب كلوحة فسيفساء لم يؤثر فيها الزمن ... شامخة شموخ قصر الجم ... محفورة في صخر قلبي كقصور مطماطمة ... تزودني بالروح كحنايا ماء زغوان تسقي حدائق قرطاج ...
تقلّبت بين أحضان ألف رجل ... غرقت في ماء شهوتهم ... ألف رجل بألف لون ... لا أحد يشبه حبيبي ... لا غنيهم ولا معدمهم ... لا كبيرهم ولا شابهم ... صحراء روحي تبللت بمجرّد أن نطق هذا القروي المعدم إسمه "منذر" ...
لن أستطيع إقناع نفسي بسبب وجيه ... لماذا ركّزت في كلامه والمدام تحاوره ... بسيط مثلي منطلق كحبيبي ... مقهور كقهري وحالم كحلم الماضي الجميل ...
تلك الصورة وذلك الرسم وهو يلبس بدلة الحارس ... وقفة شامخة ... عين منكسرة ذكرتني بعين حبيبي يوم داعبت حلمة صدره أوّل مرّة ... أوّل لمسة حب ...
فقط لو قال " نعم سأسهر" ... لكنت الآن أعلّمه من أين تأكل المرأة .... سأعلّمه كما تعلّم فيا الكثير غيره .... لكنه إعتذر بالتعب ... إعتذار جعلني أتراجع ... تراجعت حتى ذكرت لبن أمي ندما ...
ربما هكذا أحسن ... لقد تعجّلت راهنت بحياتي الهادئة في بيت فريال .... زوجها شيخ مريض ... لا خوف منه بل الخوف عليه ... إبنتها كالبلسم لا يسمع لها صوت ... أوّل بيت أسكنه ولا أفترش أرض مطبخه ...
غرفة خاصة ... معاملة جيّدة ... فريال سيدة طيّبة أكثر من اللزوم أحيانا ... يكفي أنها تفني شبابها تعتني بزوجها رغم فارق السن ... مغامرتي مع هذا الشاب الغريب يمكن أن تهدم قصر أحلامي هذا ... رغم حنقي لرفضه عرضي لكني أغلقت باب غرفتي سعيدة بالنتيجة ... أطفأت النور ...
إستلقيت على فراشي أريح رجلي من تعب الوقوف طيلة اليوم ... رفعت رأسي لأعلى السقف أراقب أشعة فوانيس تتراقص قادمة من بعيد ... شفاهي تتبسم فخرا بنصري ... بإفلاتي من فخّ تلك الخادمة ...
لم أنسى نظرة عينها وهي تضع الباقي في جيبها بالمطبخ ... هي أقدم مني بالعمارة ... تعرف كلّ التفاصيل .. تحسدني على ما أجنيه من الخدمات البسيطة ...
خدعة قديمة ... تطلب مني السهر معها ثم تتهمني أني كنت قليل الأدب أو حاولت معها شيئا ... تعتقد أني غرّ صغير ... لكن هيهات ... صلاح حدثنا بألف قصّة حصلت معه هكذا ... سأحاول أن أتجنبها ولنرى ما يكون ... على أثر تلك الفكرة أغمضت عيني ... لا أعلم كم الساعة لكني أريد النوم ... سريري يسحبني ... وجفوني تثقل ... المكان مريح ... فقط تلك الكراتين هي التي تزعجني ... تخنق براح الغرفة ....
على صوت الفجر فتحت جفوني ... نشاط عجيب يملأ صدري ... رغبة في الحياة تشدني ... بللت وجهي طاردا أثر نعاس يرسم على عيوني ... خرجت أتسحب عاريا ألتقط ملابسي من على السلك بالسطح ...
ضوء سيّارة يمر على حافة سور السطح ... مددت رأسي مستطلعا الأمر ... الفتاتان رجعتا من عملهما ... تخرجان منتصف الليل وتعودان فجرا ... عدت لغرفتي شاكرا قبّلت قطعت خبز بقيت في طبق العشاء ... حالك أحسن من حال بعض الأغنياء ... أقل شيء أنت تنام ليلا كبقية الخلق ...
قضمت تلك القطعة أخدع بها عصافير بطني ... غسلت الأطباق ... ربما تستعملهم حبيبة ضدي إن تركتهم على حالهم ... الإهمال ربما يكون ورقتها الثانية لمحاولة طردي ... نزلت أتفقد مدخل العمارة ... نظّفت الأرضية ... المدرج الخارجي ... رويت بعض النباتات ... لمّعت زجاج الباب ... جلست انتظر نداء الدكتور ... الوقت تأخّر ولم يصح من نومه بعد ...
ربما هو يوم راحته ..وإن يكن ألن يطلب مني شيئا ... ألن يعطيني شيئا مقابل الخدمة ؟؟؟ بدأت حسابتي تتلخبط وقرص الشمس يصارع بعض الغيوم ... حركة السكان بدأت تنشط ... ندمت على ساعات نوم أهدرتها عبثا ...
خرج ثلاث أزواج دفعة واحدة لم يكن الدكتور أحدهم ... لم أركز في وجوههم رغم أن حناجرهم أكثرت من الهمهمة ... همهمة إختفت بدوي محركات سيّارتهم ...
سؤال واحد يشغل تفكيري ... أين الدكتور ؟؟؟ سيّارته غير موجودة ؟؟؟ ربما غادر مبكرا ... طبيعة عمله صعبة ... ربما حالة مستعجلة تطلّبت مغادرته ...
قطع توقف حافلة المدرسة تفكيري ... العفريتان ينطلقان بأدب شديد من باب العمارة مباشرة نحو الحافلة التي غادرت مخلّفة رائحة عجيبة ...
السيدة المحجبة تخرج دون الإلتفات نحوي ... لم توصني بالعناية بأطفالها ... يوم عمل مثقوب لا بقشيش فيه ... خاب أملي ...
كعادة هذه الرقعة السحرية ... الفراغ القاتل ... فراغ بدأ يصرخ في بطني ... داعبت بعض القطع النقدية في جيبي ... ربما سأنفق القليل لتدليل نفسي ... توجهت نحو المخبزة ... قابلتني البائعة البشوشة بوجه ألف قدومي ...
وجهها بلل جفاف الغربة في صدري ... أخذت ما إشتهت نفسي وإنصرفت حرجا من عينيها اللتان تتبعاني ... في آخر الطريق لمحت عربة ذلك الرجل ... ينظر يمينا وشمالا ... إبتسمت في وجهه أداري خجلي من جهلي ... رد الإبتسامة مصبحا عليا ...
رجعت لمكاني قرب باب العمارة ... لا شيء في هذا المكان يتحرّك ... لا أحد يحتاجني ... صعدت للسطوح ... تأمّلت المكان ... الأفق كلّه جامد ... إلا من طائرة تشق طريقها عبر السحاب ...
دخلت الغرفة وبدأت أسحب الكراتين خارجها أرصفها تحت الحائط ... قسّمتها أكداسا حسب محتوياتها ... الكتب لوحدها ... الملابس القديمة لوحدها ... اللعب في مكان آخر... آلات كهربائية قديمة لا تحصى ... مسجلات ... تلفزيون قديم ... لواقط فضائية ... بالإضافة لكيلمترات الأسلاك الكهربائية ...
كنت منهمكا بلف شبكة من الأسلاك ... أصابع تزيّنت أظافرها بطلاء أحمر تقف أمامي ... رفعت رأسي تدريجيا ... قدمان متينتان ... قصبتا رجل متوازيتان ... ركبتان مدورتان يتلامس جلدهما الناعم مع قماش أبيض ...
رفعت رأسي فجأة وقد تملّكني الرعب ... حبيبة تقف أمامي تراقب ما أفعل ... إلتقت عيني المرتعشة بعينها المكتشفة ... كنت انتظر النهاية من شفتيها ... شفتاها اللتان إبتسمتا لي ...
تلك البسمة أعادت الدم لعروقي ... نهضت أقف على قدمي ... تقابلت عينانا ... لم أستطع الكلام فبادرتني هي ...
ورقة صغيرة من الطلبات الكثيرة ... وورقة نقدية ... طرت نحو المغازة ... تجوّلت في تلك النواحي إكتشفت السوق ومحلات الجزارة ... الخضروات ... هي تشبه الأسواق التي رأيتها في أرجاء العاصمة في الأحياء الشعبية ... لكنها نظيفة ومرتبة أكثر ...
رجعت بسرعة البرق سعيدا بنجاحي ... وضعت الطلبات على الطاولة والباقي ... لم أفكّر في الحصول على قطعة منه ... تنازلت عنه لحبيبة ... وصعدت للسطح ... أخرجت كل محتويات الغرفة ...
لحقتني حبيبة تحمل سطلا وممسحة ... أصّرت أن تنظّف هي الغرفة بيديها ... لم أستطع إقناعها رغم محاولاتي ... إنشغلتُ في ترتيب الكراتين بينما تركتها تعمل ...
سمعتها تناديني من الداخل ... وقفت طويلا أراقب شكلها ... تنورة سوداء قصيرة يكتنز لحم فخذيها الطريين تحتها ... تيشرت أبيض شفاف تطلّ من تحته حلمات صدرها البنية دون خجل ... لقد تخلّصت من الميدعة البيضاء التي كانت تخفي جمالها تحتها ...
جمالها هزم خوفي منها ... أطلت الوقوف عند الباب ... لم تستمع ركبي لطلباتي عقلي بالتحرّك ... طلبت مني أن أنظف بعض بقايا العنكبوت في أركان السطح ... قالت أني أطول منها وسيكون الأمر سهلا ...
إستعنت بذلك الصندوق لأعتلي عليه ... بدأ الصندوق يرتجف من تحتي ... كدت أقع من فوقه ... تقدّمت حبيبة وسندتني خوفا عليا ... يدها تلامس بطني ... حرارة جسدي بدأت ترتفع كالحمى ... دون أن تشعر لامست أصابعها حلمة صدري ...
إرتعاش الصندوق تحتى كان أهون من رعشة القشعريرة التي هزتني ... تسع على سلّم رشتر عطّلت عمل أعضائي ... أنهيت تنظيف ذلك الجزء بسرعة ... نزلت متحاشيا أن ألتصق بها أكثر ... حاولت جاهدا أن لا أرتعش في بقية أرجاء الغرفة ... لم أرد على أسئلتها لم أسمعها أصلا ... الحرارة ولّدت طنينا أصمني ...
إحمّر وجهي وإحترقت خدودها ... حملت معداتها وإنصرفت ... لم تودعني ولم تكلّمني ... كنت متأكدا أنها ستغضب مني ... إنتصاب قضيبي لا يمكن أن لا تكون قد لاحظته ... غصصت بمرارة الخجل ... ماذا ستقول عني ؟؟؟ ...
مرت بقية ذلك اليوم و ضميري يخزني كلما تذكّرت ذلك الموقف ... حبيبة سيدة محترمة ... أكبر مني سنا بكثير ... ربما أنا أخطات التقدير ... هي تتقرّب مني كأخ صغير يونس وحدتها ... ربما تشعر أننا ننتمي لنفس الطبقة ... لم تكن تريد الشرّ لي ... ولا يمكن أن تنظر سيدة بجمالها وفي سنّها لمن هو مثلي ...
إنتظرت قدومها ليلا ... عبثا ... لم تناديني حتى لأخذ طبق العشاء ... عقوبة صارمة منها على فعلتي ... لم أفعل شيئا بمحض إرادتي ... لمساتها البريئة هي من فعلت بي ذلك ... أغمضت عيني محاولا النوم ... بطني الفارغة بدأت تقرصني ... ندمت على فعل لم أرتكبه
خنقني الندم حتى طار النوم من عيني ... السيدة فريال تشاهد التلفاز في الصالون ... هي أيظا تفكّر ... دخلت المطبخ دون إحداث جلبة ... وضعت كأس الشاي على الطاولة ... وتهت في التفكير ...
بدأت أجلد نفسي على تسرّعي ثانية ... كيف يراني ذلك الشاب ... كنت قررت صرف النظر عنه ... من تجاهلني في المرة الأولى لن يرضخ في الثانية ... لم أستطع كبح جماح نفسي ... نظراته لقدمي أثارتني ... هدمت كل سدود المقاومة في روحي ... نظراته وهو يرمقني في غرفته تخرق صدري ... رعشته أول ما لمست يدي صدره ... هي نفس الحركة التي صدرت عن حبيبي منذ سنين خلت ... تلك القبة تحت بنطاله سحرتني ... سحبت عقلي وتفكيري ...
بين منذر هذا ومنذر ذاك ... أشعلت سيجارة ... وحاولت عدم التفكيرفيه ثانية ... هل سأقدر ؟؟؟... هو يمرّ أمامي في كل مكان ... وجوده أصبح يأسرني ... وضعت يدي على خدي ورحت أتخيّل ليالي حمراء نذكي نارها معا ... في كل مكان ... في السرير ... في المصعد ... على السلّم ... تلك القبة تخفي كنزا ثمينا ...
لم أستوعب بعد أن ذلك الشاب الصغير يرفضني ... ألم أعجبه ؟؟؟ ... لا أبدا لقد رأيت قضيبه ينتصب تحت بنطاله ؟؟؟ ربما كنت أتخيّل ؟؟؟ أحرقتني الأسئلة ولسعتني جمرة عقب سيجارتي ...
رفعت رأسي من على الطاولة ... مدام فريال تنظر لي بحنيّة مستفسرة عن سبب حالتي ... رأسها يطلّ من باب المطبخ ... تقدّمت نحوي بخطوات هادئة ... سحبت كرسيا وجلست تقابلني ...
كنت على قاب قوسين أن أخبرها لكني تراجعت ... علاقتي بمدام فريال شبه رسمية رغم أنها سيدة ودودة ... ربما تقاربنا في السن فرض ذلك ... لكن لم أتخيّل أن أشاركها مشاعري ... هي ليست مشاعر ... هي رغبة تتقد كلما نظرت في وجهه ...
ربما أسترجع ذكرياتي مع حبيبي فيه ... الشوق لحضن دافئ ... لعضلات شابة ... للمسات تستكشف الدنيا بين ثنايا جسدي ... شعور عجزت عن تفسيره لنفسي فكيف سأشرحه لغيري ... أنا أصلا لم أشارك أبدا في حياتي أحدا في ما أحس ...
جرفني التفكير ... يجب إنهاء الأمر ... سأحاول أن أغلب رغبتي وينتهي الموضوع ... سأعود كما كنت فلا فريال تنزعج ... ولا منذر يضطرب ... ولا أنا أتألّم ....
لكن هل سأقدر ... إستجمعي قوتك ... أنت التي تركت حبيبها وغادرت دون وداع ... أنت التي عافرت الزمن وغالبت أمواج الحزن ... ربما هو الفراغ العاطفي والجسدي من يقودني .... تركت المطبخ ... ودخلت غرفتي ... تخلّصت من ثيابي كلّها .... ودلفت سريري .... أستجدي نوما ينقذ عقلي من التفكير
أغمضت عيني محاولة النوم ... شيء ما يبدو غير طبيعي في ما يحدث ... حبيبة متغّيرة منذ أيّام ... منذ إصابة توفيق وهي على غير طبيعتها ... تائهة تفكّر ... فيما تفكّر .... كنت متأكدة من يوم دخلت بيتي أنها تعمل لصالح إخوة توفيق ... لم تترك البيت لحظة منذ دخولها .... تراقب حركاتي ... تتابع دخولي وخروجي ... لم تأخذ يوم راحة ... إصرارها على رفض عرضي بالخروج للتنزه وتغيير الجو يؤكد شكوكي ...
هي موفدة من قبل أحد إخوة توفيق ... تتجسس عليا ... تنقل أخباري لهم ... إصرار توفيق على تعيينها معينة في البيت رغم أني لم أطلب منه يوما ذلك ... منذ دخلت البيت وأنا متوترة .... لم أجد معها وسيلة ... لصالح من تعمل ؟؟؟؟
سؤال لم أجد له إجابة ... كنت دائمة ودودة معها أعاملها كأخت علّها تميل لصالحي ... خلت أن كرمي معها سيجعل ولاءها لي ... لم أنجح بعد في ما أخطط له ...
ضوء رفاف يخرق ظلمة الغرفة .... رفعت عيني للسقف ... رائحة الأدوية التي طالما خرقت أنفي ... نفس الرائحة منذ دخولي لهذا البيت منذ 5 سنوات ... نفس الدهان والأثاث والألوان ...
توفيق ينام في سريره الطبي ... نصف حياتي معه في المستشفيات ونصفها أمرّضه في البيت ... لم يكن يوما سيّئا معي ... رغم بخله لكنه لم يحرمني من شيء يقدر على توفيره ... الملابس ... العطور ... المجوهرات ... لكن ما نفعها ... لمن تتزين المرأة إن لم يجاورها رجل ... رجل يهز كيانها ... يرجّ دمها ... تئن تحته ... يخرق هدوء جسدها يلهب نارها ... نار لم تزل تشتعل بداخلي منذ طلاقي من زوجي الأوّل ...
كان رجلا ... أو لنقل ذكرا بحق ... ليالي طويلة لم أجد فيها الفرصة لإراحة رجليا من التعلّق في السقف ... رغم كل ما فعله بي فإني أحن إليه ... أموالي وبيتي وكل ما ورثته عن أهلي ضاع وراء مغامراته ... بورصة ومشاريع فاشلة ... مطعم ثم كافيتيريا ثم مقاولات ... بددت وراء أفكاره مالا لا يحصى ولا يعد ... كان يقودني بزبه ... نعم بزبه .... لم أكن أستطيع رفض طلباته ... كنت أخشى أن أحرم من تلك المتعة ... متعة لم أذق مثلها رغم مغامراتي العديدة قبله ...
تقلّبت على سريري أشيح بوجهي عن شبه جثّة توفيق ... نظرت نحو الشباك ... نور خفيف يجاهد ليخترق ستائره ... نور إشارة بنفسجية شفاف ... نفس النور الذي إنعكس على قميصه الأبيض يوم قابلته أوّل مرّة ... في علبة ليلية ... حياتي كانت ملاهي وعلب ليلية ... كافيهات وطاعم والشلّة ....
أفيق من نومي عند العشاء ... أتقابل مع شلّة بنات من طينتي ... نذهب لأحد الكافيهات ... ندخّن ... نأكل ... نسهر حتى يقترب منتصف الليل ... ثم نلج ملهى ليلي صرنا أحد أعمدته ... طاولة خاصة بنا تتصدّره ... نشرب حتى نثمل ... نرقص حتى ننهك ثم أفيق لأجد نفسي بين أحضان شاب ... شباب الملاهي أغلبهم من الطبقة الراقية ... رخويات في شكل بشر ... نحن رخويات وهم رخويات ... لا نعمل لا ندرس لا نفكّر ... فقط نصرف ما يجنيه أهلنا ...
مروره أمامي يعانق فتاة أجنبية سحرني ... كرهتها ... وعشقته ... حفت رجلي للوصول له ... شاب صلب ... يدرس ويعمل ويسهر ويخرج ويجتهد ... يمتعن عمل التبزنيز ... دولاب كامل كان يدور حول السياحة أيام كانت عندنا سياحة ... شبّان يعتمدون الوسامة طريقا ... يتعرّفون على الأجنبيات ... يتقنون كل لغات العالم نطقا ... يتقربون منهن ... يقضمون أموالهن ... يوفرون لهن ما جئنا لبلدنا بحثا عنه ....
جاذبية عنيفة جعلتني ألتصق به ... عضلاته صلبة ... رقبته متينة ... أكتافه عريضة .... وسيم لدرجة لا تقاوم ... لم يقاوم عرضي بالزواج منه ... لم يمنعني أحد رغم أن الكل عارضو ذلك ... كنت أعشق تراب رجليه ... فوضع التراب على رأسي ...
ينيكني ليل نهار ... متعة نيك الليل تنسيني خيبة نيك النهار ... في الليل ينيك جسدي وفي النهار ينيك أموالي ... ثروة كنت أتباهى أمام صديقاتي بأنها لا تنفذ ... لكني أخطأت هن لم يكن صديقات و ثروتي تبددت ... ذابت ... أحرقتها نيران عشقي لرجل مغرور غبي ... لكنه كان رجلا ... بالمعنى الجسدي ...
يوم نطقت القاضية حكم الطلاق وصلني إعلان من محكمة أخرى بالحجز على قصر والدي ... نعم قصر بأتمّ معنى الكلمة ... لم يكن هناك من بد سوى الطلاق ... إنتهت الأموال وفشلت مشاريعه تباعا ... فإنتهى الحب ... وبالطبع إنتهى الجنس ... كثيرا ما سمعت أن ملايين الرجال حطّمتهم أزبارهم ... أنا فقط من دمرها كسّها ... كسي الذي إقتصرت علاقتي به الآن للدخول للحمام ... رغم أن ناره لا تنطفئ ... إنتقام منه تركته يشتعل ... يغلي ... علّه يتوب .... لم يقف بجانبي أحد ... تخلّى عني العالم ... فقط توفيق هو من ساندني ... لم أجد حلا سوى الزواج به ... وإن كنت يوما أناديه عمي ... كان صديق والدي ... وإن كانت ثروته لا توازي ثروة أبي لكنه من أثرياء القوم ... زواجي منه كان لحفظ ماء الوجه أمام المعارف ... لكني سيرتي بقيت تلاك في جلساتهم ... إعتزلتهم رويدا رويدا ... ثم إعتزلت العالم ...
هذه هي حياتي ... من تبعت قلبها لترضي كسّها ... خسرت كلّ شيء ... زوج عجوز و إبنة تذكرني بخيبتي مع زوجي الأوّل ... لقد فشل في كل شيء حتى في أن يزرع في بطني بذرة سليمة ... مشاكل ذهنية ومشاكل في النطق ...
منذ تعكّر حالة توفيق بدأ إخوته يتحلّقون حوله ... يحومون حولي ... لو علموا أنه تنازل لي عن كلّ ممتلكاته ستكون نارا وأضرمت حولي ... من سيقف معي ضدّهم ... توفيق لم ينجب رغم تعدد زيجاته سوى بنت تركته وهربت بعد إنتحار أمها منذ أكثر من عشرين سنة ... عاهدته أني سأحافظ على ثروته لحين عودتها لو عالجه الموت ... عهد قطعته أمامه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ... لكن بمجرّد آن أمضى ذلك العقد حتى نسي ملك الموت مهمته ... أصلا صار يقوم بأعمال الصيانة بنفسه ويمارس رياضة المشي ... ومادام حيا يمكنه التراجع في العقد ... وإن مات موت غير طبيعي لن يتهم أحد غيري بقتله ... صرت مرعوبة من ذلك ... إخوته ذوو نفوذ وأنا وحيدة لا سند لي ...
هكذا سرقت سنوات عمري وأنا أمرّضه وأحرص عليه ... فجأة دخلت حبيبة هذه حياتي ... لم أضبطها تفتش أوراقي ... لم أرى منها ما يؤكد شكوكي لكني متأكدة أنها موفدة مدسوسة عليا من قبل إخوته ... لم أفهم لماذا ؟؟؟ لا سبب مقنع رغم أن تصرّفاتها كلّها طبيعية لكني أشك فيها ... نور أحمر يضيء من سرير توفيق يعلمني أن كيس السائل المغذي يكاد ينفذ ... قمت متثاقلة لتغييره ... لون توفيق شاحب جدّا ... كسر في الحوض مع كلّ تلك الأمراض لن ينجو منها ... ولن أترك ذلك الشاب يغادر حتى أتأكد أن كل شيء سينتهي لصالحي ... هو من أحضره مصابا ... شاهد إثبات ونفي لصالحي ... كاميرات المراقبة تؤكّد ذلك ... إن حوّل إخوته القضية لقتل من أجل الإرث ... سيحمل هو وزرها أو يؤكد سلامة موقفي ... مسكين ...
لست شريرة لكنها آخر رصاصة في جيبي ... حقيقة أتمنى أن ينتهي الأمر بسلام ... لا أريد الضرر لأحد ... كلما ذكرت إقتراح حبيبة بأن نعينه حارسا بالعمارة ... يرقص قلبي طربا ... لا هذه العمارة ولا مثيلاتها تحتاج حارسا ... هذا ما قاله توفيق عندما طرد الحارس السابق ... لكني وافقت ... وجوده ضروري إلى أن ينتهي الأمر ...
فقط هي حبيبة من أخشاها ... أه لو تفتح قلبها لي ... لو تصارحني بما يخططون ضدي ... سأكافئها حتى تنسى الفقر ... لكني لا أضمن ولائها ... أصلا أنا لا أصدّق أنها معينة منزلية رغم براعتها في عملها ... لكن عينيها تقول أنها من طينة أخرى ... تراقبني بعين ثاقبة ... تتملى في كل تفاصيلي ...
إحترت ماذا أفعل ... لمن ألجأ ... من يريح قلبي ... رحت أجول بممر البيت ... دخلت الصالون ... المطبخ ... غرفة إبنتي ... ملاك مسكين ينام غير مبالي بما يعتريني ... جثة هناك وجسد بلا روح هنا ... دخلت سريرها ... هي جميلة رغم كلّ شيء ... تخيلوا أمّا لم تسمع كلمة ماما ... وزوجة بلا زوج ... وغنية بلا ثروة ... ما هذا الوضع ... أغمضت عيني .... صوت الفجر يحث الكون على النهوض ...
على صوت ينادي من مئذنة بعيدة فتحت عيني مثقلا بأفكار حوّلت سريري لأشواك ... ذكرى ما فعلته بحبيبة أو ما فعلته بي قض مضجعي لم أستطع النوم إلا النزر اليسير ... عليا إصلاح الأمر ... يجب أن أصالحها ... يجب أن أجد طريقة للإعتذار ... لم أفعل شيئا قصدا ... هي إمرأة ناضجة وستفهم ... قمت متكاسلا ... بعض الماء البارد على وجهي أطرد به كسلي ... لبست ثيابي وخرجت ... حملت الكراتين ... وضعتها تباعا أمام المصعد في الطابق الثالث ... عيني تراقب باب شقة فريال ... تمنيت خروج حبيبة لتنهي ألمي ... سأعتذر منها ... سأقبّل قدميها أن تسامحني ...
تطلّب مني إخراج الكراتين وقتا وجهدا طويلا ... نقلتها قرب مدخل المجمع ... وعدت أرابط مكاني ... الشمس برزت في السماء ولم يخرج احد من العمارة ... ولا من العمارات الأخرى ... لم أفهم السبب ...
لمحت صديقي تاجر الخردوات يقف قرب باب المجمع ... هرولت نحوه ... إستبشر بوجودي بعد يئس ... راح يقلّب ما وضعته أمامه ... بدأ بالآلات الكهربائية ... يضعها ثم يكتب في ورقة صغيرة ... رصفها بعناية ... ثم كراتين الملابس .. ثم الألعاب ... حاول جاهد إيجاد مكان للكتب والأوراق ...
راح يعد ويحسب ... يجمع ويضرب .. بدا وجهه يتقطّب ويعبس قليلا ... ظننت أني بضاعتي لم تعجبه ...
بدأت بطني تقرصني من الجوع ... الحي فارغ إلا من ظلي .. ركضت نحو المخبزة ... المال يعطيك جناحين ... روحي تطير فرحا ... قابلتني البائعة بسرور العادة ... كانت لوحدها ... إخترت بعض المرطبات ... لفتها لي ... جوعي دفعني لقضم أحدها ... أشارت لي بالبقاء لتناول فطوري ...
قدّمت لي كأس عصير من وعاء يدور أمامها ... وجهها جميل ... قصيرة القامة ... مملوءة قليلا لكنها ليست سمينة ... إستغلّت إنعدام الزبائن في ذلك الوقت وتقدمت نحوي تسألني من أكون ... حصّة تعارف قصيرة ... إرتحت لتلك الفتاة ... شعرت بالألفة نحوها ... ربما لتقارب الوضعيات ... تذكّرت حبيبة ... يجب الإعتذار لها ... هدية قيمة ربما تنسيها ما حصل ... تجرّأت وسألت صديقتي الجديدة ... قالت بخجل أن علبة مكياج وزهرة تفي بالغرض ... ربما علبة شكولاطة ... أنكرت إقتراح العطر ... قالت أنه يفرّق الأحبة ... خرجت معي ترشدني لمحلّ سأجد فيه ضالتي ...
توجهت نحوه ... سكان العمارة في سبات ... اليوم عطلة نهاية الأسبوع ... لا أحد يعمل ... دخلت المحل المحدد ... روائح شموع عطرة تسحر القلوب ... بائعتان أنيقتان ... استقبلتاني بترحاب رغم إمتعاضهما من شكلي .. طرحت عليهما طلبي ... وضعت إحداهن أمامي صندوقا على شكل قلب حب أحمر ... كريمات ترطيب ... مكياج ... علبة عطر صغيرة ... قالت أن سعره مناسب ... لم أهتم ... المهم أن يعجب حبيبة وتسامحني ...
دفعت ثمنه ورحت أراقب دقة عمل البائعة وهي تغلّفه ... همهمات ساخرة مني وصلتني رغم حذرهما وأنا أغادر ... رجعت للحي طائرا من الفرحة ... إعترضتني سيدة تجري ... لباس رياضي رمادي مخطط بالأسود .... وجهها شديد البياض رغم حمرة قليلة على الخدود بسبب الجري ... سمّاعات تتدلى من أذنها ... صدرها يهتز مع كلّ خطوة تخطوها ... إهتزاز دغدغ ما بين فخذي ... تنفست الصعداء عندما مرّت بجانبي ولم تلاحظ وجودي أصلا ... إن كانت الخادمة كلّفتني ربع ما أملك علّها ترضى ... هذه ربما أبيع إحدى كليتي ولا أوفي ثمن إرضائها ... يجب إيجاد حل لقضيبي هذا ...
صعدت للغرفة وصورة الثديين يهتزان أمام عيني ... أخفيت الهدية ورجعت أرابط قرب الباب ... جلست على الكرسي أراقب تلك الفاتنة تلف ركضا حول الحديقة ... إهتزت الدنيا من حولي مع إهتزاز ثدييها وهي تقفز درجات السلّم قرب الباب ... عينان ناعستان رمقتني بهما وصوت عذب وصل مبتسما لأذني " صباح الخير " ... تصلّب لساني ... ربما نطقت بالرد على تحيتها وهي في بيتها ... إبتسامة سحرتني .... جلد أبيض ناصع حرق بصري بمرور زندها الطري أمامي ... من تكون ؟؟؟ لم أرها سابقا ؟؟؟ أين تقيم بالعمارة ؟؟؟ ... صوت نداء من الجهاز أفزعني ... حبيبة تطلب مني الصعود ... دخلت الشقّة وجلا ... قابلتني ببرود شديد ... هي تدبّر لي أمرا ... قالت أن اليوم يوم عطلة يمكنني الراحة قليلا ... ثم وضعت في يدي ورقة طلبات من السوق ... قالت أنها ليست مستعجلة ...
خرجت وقد ملأني الرعب ... حبيبة تدبّر لي أمرا يجب معالجة الموقف .... ساقتني قدمي لا أدري أين ... كنت كأطفال تلك القصّة أعلّم طريق عودتي بعلامات خشية الضياع ... على مسافة ليست بالبعيدة ... يسكن بعض الشعب ... أناس مثلنا ... جلبة وضوضاء ... حركة وحركية ... صراخ ولعب ... مقاهي تنصب كراسي على ناصية الطريق ... وجوه روّادها مشققة أكثر من أرصفة الطرق ...
توقّفت كثيرا أمام محلّ حلاّق ... شعري طال حتى صار يؤلمني ... بعض شعيرات بدأت تغزو ذقني ... كان المحلّ فارغا ... لم أشعر إلا بصوت يسحبني للداخل ... ثلاثيني يستقبلني بترحاب شديد ... نبرة صوته أقرب للأنثى منها للرجل ... أجلسني على الكرسي ... بدأ يمطط عضلاتي ... حركات يديه الرقيقة لا تعكس القوة الكامنة في أصابعه ... إستسلمت له غصبا عني ... فقط طلبت منه أن يحسن عمله ... تهلل وجهه لثقتي به ...
أعمل المقص وآلة القص في شعري ... موس الحلاقة يمر على جلد خدي ... قناع أسود على وجهي ... *** وطين وروائح تدخل منخاري ... طال عذابي تحت يديه ... رفعت رأسي من المغطس محاولا إرضاء فضولي مطلا من تحت المنشفة التي يمسح بها شعري ... أتم تسريح شعري وتثبيته بمادة لزجة ...
لم أعرف نفسي ... وسيم وجميل ... هكذا قال الحلاّق ... وقفت طويلا أمام المرآة أراقب التغيير في وجهي ... تغيير أسعدني ... سعادتي قادتني لمحلّ ملابس غير بعيد ... أسلوب جميل وخبيث إعتمدته ... من لا يعرف ما يفعل يترك غيره يفعل له ... فقط إمدح ذوق الآخر وسترى العجب ... هكذا كان البائع يتفانى في توليم الملابس على قياسي وذوقه ... أسعاره مقبولة رغم أن بضاعته جيّدة ... أعطاني كيسا فيه شمبو وعطر وآلات حلاقة وصابون ومثبت شعر ... لا أعلم السبب لكنه قال أنها هدية من المحلّ ... طرت للبيت مثقلا بأكياسي وأكياس طلبات حبيبة ... ما جنيته صباحا أنفقته مساءا ... لم يتبقى لي سوى ثمن علبة سجائر ... إشتريتها وإنتهى موضوع المال ... رغم فلسي كنت سعيدا ... دخلت شقّة فريال ... حبيبة مشغولة بالمطبخ ... لم تلتفت نحوي ... وضعت الطلبات فوق الطاولة ... وخرجت مسرعا ... صعدت غرفتي قفزا ...
نزعت ملابسي إستحممت ... أوّل مرّة أستعمل الشامبو ... شعري ناعم جدا ... وجهي ناعم جدّا ... حلقت إبطي ... نظرت ما بين فخذي ... غابة من الشعر الكثيف ... لم يتبقى سواك ... سأحلقك ... كانت هذه أوّل مرّة ... دهنت المكان بالصابون جيّدا إستعملت آلة الحلاقة بحذر ... أعتقد أن الشعر كان يقلل من حجم قضيبي ... تغيّر شكله كما تغيّر شكل صاحبه ... تنشّفت ... لبست بوكسرا جديدا ... ودعت ثقوب الزمن في القديم ... تيشرت أبيض عليه رسم نسر لمّاع ... بنطلون أسود من القطن ... جوارب بيضاء ناصعة ... إستعملت المثبت سرّحت شعري ... تعطّرت ... وقفت أمام المرآة ... عضلات صدري بارزة كتفاي مشدودان للأعلى رقبتي ناعمة نعومة الحرير ... شعري منسدل على جنب كبطل أفلام إيطالي ... كرة صغيرة بين فخذي ... لم أهتم للأمر ... حتى مؤخرتي شكلها جميل ...
حملت الهدية مستجمعا شجاعتي ... ضغطت الجرس ... ثواني الإنتظار مرّت عليا دهرا ... صوت حبيبة يأتي منزعجا لما علمت أني بالباب ... عيناها في الأرض غضبا مني ... بدأت ترفع رأسها ... فمها يفتح تصاعديا مع نظرها ... تراجعت خطوة للوراء ويدي خلف ظهري ...
رجعت للمقهى ... حملت فنجان قهوتي ... جلست قرب التلفاز ... أشعلت سيجارة ورحت أتابع برنامج وثائقيا عن الغابات ... شخص يبني بيتا من الشجر والتحدي هو أن يعيش أسبوعا دون مساعدة ... ما يعتبره تحديا هو الحياة اليومية لأهل قريتي ... دخل رجلان أصلعان يبدو أنهما مهمان ... طلبا من النادل تغيير القناة ... قناتنا الوطنية الثانية تنقل مداولات مجلس الشعب ... الحق يقال أن الشعب لم يعد يجد مجلسه في مجلسه ... رحت أتابع دون إهتمام ... بدأت ذكريات ذلك العناق الحميم تسرقني ... خفق قلبي بقوّة لما تذكّرت مدام سهام ... هل رأتني أعانق حبيبة ؟؟؟ ... لو أخبرت مدام فريال سنكون كلانا في الشارع صباح الغد ... ندمت على إنفاق كل مالي ... القهوة بدأ طعمها يصبح اكثر مرارة ... رفعت رأسي للتلفاز ... وجه مألوف يلقي كلمة ... كلامه يبدو ناريا ... يهاجم الجميع ... الحكومة والمعارضة والشعب معا ... نعم إنه هو ؟؟؟ الدكتور ... ساكن الشقة 5 ... زوج سهام ؟؟ ... هل هو نائب موقّر ... مباشرة لعبت أحلام اليقظة في رأسي ... ربما لو تقرّبت منه سيساعدني بحكم موقعه لإيجاد عمل قار ومسكن آخر ...
بدأت شمس هذا النهار العجيب تغرب ... منتشيا بشكلي الجديد ... رحت أجول بجانب الحي ... أكتشف المكان ... أو ربما أسمح للمكان أن يكتشفني ... بعض أحياء جهة الجنوب تشبه حينا ... نعم العمارة في تونس لم تتخلى عن طابعها الفينيقي ... وسط المدينة هو مركز الأعمال والمال ... السواحل تجتمع فيها قصور الحكام ... الأطراف شرقيها وجنوبيها للأعيان ... الشمال مسكن العمال وصغار الموظفين ... الغرب مسكن الفقراء والمقابر ... يعني موتى وهم أحياء ... إشارة جميلة للمستقبل وجيرة هادئة ...
رجعت العمارة ... لا حركة فيها ... كأن أهلها هجروها ... صعدت السطح تأمّلت الشمس وهي تغرب ثم دخلت غرفتي ... رتبت ملابسي الجديدة في الخزانة ... وضعت مستلزمات الحمام في مكانها ... نظرت لنفسي في المرآة ألاف المرّات ثانية ... كأني أتعرّف على نفسي من جديد ... بعض الملابس وتسريحة ... غيّرت شكل وقلبت كياني ... تذكّرت عناق حبيبة .... تنهدّت وأغلقت الباب ....
أغلقت الباب بقوّة ... قلبي يخفق بسرعة ... خوف وشوق وسعادة ... كلّها إجتمعت لتثير نبضي ... الدم يغلي في عروقي ... أوّل مرّة في تاريخي يقدّم احدهم لي هديّة ... هديّة أسرت قلبي كما أسرني شكله الجديد ... تسريحته ... ملابسه ... عضلاته ... رائحته التي ألهبت رغبتي لما عانقته ... هديته كانت بسبب ما حصل أمس ... هو تفاعل مع لمساتي ... ضحكت من نفسي وأن أتذكّر رعشة جسده بين يدي ... ولد قوي لكن تنقصه الخبرة ... دخلت المطبخ أحمل الهديّة ... فتحت غلافها ... شكل قلب الحب الأحمر لا يمكن تفسيره أني كنت مخطأة في الحكم عليه ... منذر تجاوب معي منذ البداية ... ربما خجله وقلّة تجربته جعلته يصدني ... ثم فكّر وقرر ... عندما إتخذت قرارا بتجاوز الموضوع من أصله ... أجده يقف أمامي متأنقا بعين حالمة يقدّم لي هدية ... تجاوب معي ... لا يهم إن كان متاخرا ... أحسست بإنتصاب قضيبه يحتك بأسفل بطني ... إشتعلت نار الرغبة في عروقي ...
أنهيت أعمال المنزل بسرعة ... المدام كعادتها تشغل نفسها بالتلفزيون ... أعددت العشاء ثم
دخلت الحمام ... نظّفت جسدي ... نفضت غبار السنين عنه ... أزلت بعض الشعيرات عن جلدي ... هذّبت شعر كسي ... إهتممت بحلاقته ... لبست أحسن ما عندي ... كيلوت حريري أبيض ... سوتيان يرفع همة صدري للأعلى .... فستان طويل رمادي ... فتحتان طويلتان حتى منبت الفخذين عن يمين وشمال ... تركت أزرار فتحة صدره مفتوحة ... سأفتح صدري للحياة ثانية ...
سرّحت شعري ... إستعملت الماكياج الجديد من علبة الهدية ... قطرات من العطر الجديد الأخّاذ تحت رقبتي ... وضعت أطباق العشاء فوق إناء كبير وفتحت باب الشقّة كفراشة يسحبها الضوء ... تقدّمت بخطى ثابتة في الممر ... نظرت لباب الشقّة المقابلة ... كأني أطمئن أن لا يفتح ثانية ويفسد عليّا فرحتي ... وضعت قدمي اليمنى على أوّل درجات السلّم المؤدي للسطح ... بدأ قلبي يخفق بقوّة ... لم أعلم السبب ... ربما خشيت أن يصدني منذر ثانية ... قررت أن أنتظر حتى يبادرني بحركة .... إشارة تؤكّد رغبته في ... لن أحرج نفسي مرّة أخرى... وصلت باب السطح ... طاولة وكراسي ... أوّل مرّة أجدها هنا ... باب غرفته مغلق ... وضعت الأطباق على الطاولة ... تقدّمت بخطى مترددة ... صارعت قبضتي التي أبت أن تطرق الباب ... لكنها إستسلمت أخيرا... صوت خافت يأتيني من الدّاخل ... إنفتح الباب قليلا ... عينا منذر تفتحان عن آخرهما وهو يتملّى في وجهي ... بدأ يكتشف جسدي من فوق الثياب ... إحمرّت وجنتاه لما تقابلت أعيننا ... حبس الكلام في حلقه ... أحسست بما يشعر به ... فبادرته بالكلام ...
جلس على سريره بينما سحبت أحد الكراسي ... جلست أقابله على بعد نصف متر منه ... أمسكت كأس شاي دافئ بين يدي ... خيبة أمل تعلو وجهه حين إختفى مفرق صدري بفعل تغيير الجلسة ... سرعان ما دبت الحياة في عروقه عندما وضعت رجلا على رجل ... إنحسر الفستان كاشفا كل قدمي وفخذي العاريين أمامه ... لم يجد مكانا يهرب عينيه من نور الجلد الأبيض أمام عينيه ... أحسست بحرجه ... يده تسلل بين فخذيه بحذر يعدّل وضع قضيبه ... راح يسألني عن سكّان العمارة ... محاولة ذكية منه لتغيير الموضوع ... أفرغت جعبة المعلومات له ... أعلمته بكل ما أعلم عنهم ... أعمالهم أصولهم ... أموالهم ... علاقاتهم ...كل ما أعرفه وضعته أمامه ... كنت أحكي له ويداه لا تنفكان تفركان بين فخذيه ... إنتهت فترة جس النبض ... هو يريد ما أريد لماذا العذاب ... وقفت وتوجهت للحمام كأني أغسل يدي ... عند عودتي لم أجلس على الكرسي بل جلست بجانبه ... كنت أواصل حديثي رغم مفاجأته لم يتحرّك ولم يعترض ... بدأت أزحف تدريجيا لألتصق به ... تلك السنتمترات القليلة كانت كمحيط يفصل بيننا ... تلامس جلد فخذي العاري بقماش بنطلونه الناعم ... أوّل لمسة كانت زلالا هز كيانينا .... وضعت يدي على كتفه ... بدت كحركة عفوية بين صديقين مقربين ... وضع رأسه في الأرض ... بدأت أناملي تمر بين خصلات شعره الناعمة ... نعومة جرحت صبري ... مررت إصبعي على رقبته ... على أذنيه ... كان يقبض بعضلات فخذيه على ما بينهما كأنه يحاول حبس مارد يريد الإنطلاق ... واصلت تعمّد تعذيبه ... أو تعزييب نفسي ... بدأت يدي تداعب عضلات ذراعيه ... ثم صدره ... لم يجد حلا سوى أن حشر يديه بين فخذيه ... بدأ الإنتفاخ يرسم تلك قبّة فوق القماش .... لم أعد أنظر لوجهه كنت أستشعر رغبته من مكمنها مباشرة ... بدأت الخيمة في الإرتفاع ... إرتفاع يؤكد علو كعب وتدها ... من فارقت مشهدا كهذا منذ سنين لا يمكنها أن تصبر أكثر ... دون مقدمات ... تسللت يدي نحو قضيبه ... إنتفض لحركتي وزلزل كياني مع أوّل لمسة ... دائرة صلبة ناعمة بين سبابتي وإبهامي ... حاول منعي بيديه ... لكن حركتي الخبيرة جعلته يستسلم ... رحت أعصر رأس زبه بين أصابعي ... ألقى بيديه للخلف ... ونظر للأعلى مستمتعا بما يحدث .... لم أتمالك نفسي ... نار تشتعل بين أصابعي تحرق ما بين ضلوعي وفخذي في آن واحد ....تسللت يدي تحت بنطلونه ... ملمس اللحم باللحم له مفعول مختلف ... روحي تتوق لأكتشف ما أداعب ... دون تردد شجعني عليه إستسلام منذر لعبثي ... أنزلت بنطاله حتى الركبتين ... منظر ذلك الوحش المنحوت تحت قماش البوكسر يأسر نظر المرأة لسنين تمنع عينيها أن ترمش فيهما خشيت أنت تضيع المتعة لحظة ... دائرة الرأس كبرعم زهرة ضخمة فوق غصن صلب برزت عروقه ... نحت عجيب نحتته الطبيعة ... العين تلهب الرغبة ولا تطفئها ... سحبت مطاط البنطلون برفق ... إنتفض ذلك المارد للأعلى ... تحرره من قماش البوكسر أسر نظر عيني التي كادت تقلع من محجريها ... أنا الخبيرة في الرجال ... لم أرى مثيلا لهذا من قبل ... منذر الذي إستسلم لمداعبتي لقضيبه لم يقل كلمة ... فقط تقاسيم وجهه تؤكّد أنه متمتع ... قربت وجهي من زبه ... لفحتني حرارته ... رائحته أسرتني ... شممت ريحه التي أعادت للهفتي بصرها ... مررت لساني ...تذوّقت قطرة زيت الحياة تطلّ من فتحت رأسه ... قبلته ... لحست وريده الأزرق ... خنقته فزادا تشبثا بالحياة ... شفتاي تلثمان رأسه ... لساني يبلل عطش روحي في جسده ... رضعت رحيق الحياة بلعابي ... بدأت أنفاسه تتصاعد ... خفت أن تنتهي الجولة قبل بدأها ... تراجعت للخلف ... فتحت أزرار فستاني ... فككت صدري من محبس سوتياني ... إنطلق ثدي طالبا قبلة الحياة ... نظرت في وجه منذر الذي لم يفهم مالمطلوب ... دون تفكير هجمت على شفتيه ... الأنثى الجائعة تلتهم فريستها ... شفتاه تاهتا في حركة لساني ... سرعان ما تعوّد ... وسرعان ما تعلّم ... لسانه يخبر لساني أني تأخّرت كثير في التعبير عن رغبتي ... رحيقنا إمتزج ... سحبت يده تداعب ثدي ... أصابعه المبتدئة تعبث في حلماتي ... هنا الخبرة تخنق المتعة ... الأصابع المتشوقة للمعرفة والإكتشاف ... تصل لكل مسامي جلدي ... رفعت ظهري قليلا وألقمته إحدى حلمتي ... لسانه اللزج يجول على غير هدى في صدري ... أحيانا عدم معرفة الطريق خير من تتبع خطوات تحفظها ... إشتعلت نار جسدي ... قضيبه بدأ يرتفع للأعلى شامخا متحديا ... عادت يدي تصارعه ... إنتفخ بين يدي ... دعكته راحتي فإزداد عنادا ... لم أذكر كيف تخلّصت من فستاني ... ولا أين ألقيته ... وقفت أمام منذر لا يسترني إلا قماش الكيلوت ... نظرة عينيه تتابع حركتي ... تخلّصت من ستاري ... أبواب الرغبة مفتوحة منذ فكّرت فيه ... ستائر الشوق تباعدت لتفسح المجال لشعاع الشبق يتسلل إلى رحمي ... حمم تتدفق معلنة نشاط بركان الرغبة في داخلي .... دفعت منذر ليستلقي على السرير ... فتحت رجليا ليفتح باب المتعة على مصرعيه ... رأس زبه يطرق دون هدى ... لامس مؤخرتي جوانب كسي ... وضعت يدي قرب كيس بيضاته أثبت حركته ... ثم بدأت بالنزول فوقه ... طرف رأسه المدببة كسهم يخرق جانبي كسي ... يلضم جرحا لم يندمل منذ عهد ... بدأت حركتي بالسرعة مع ألم لذيذ ممتع ... ألم شق طريق نسيت الخطوات خريطتها فيه ... كأرض تشتاق للحرث ... بدأت صعودا ونزولا ... غزت طلائع زبه أراضي في رحمي لم يصلها مستكشف قبلا ... وضعت يدي خلفي ... لا يزال الكثير من قضيبه خارجي ... شوقي ولهفتي لا يرويها إلا أن يكون كلّه في داخلي ... مع إختلاط ماء رغبتي بلعابي على جسم قضيبه ... إستسلمت لجاذبية الأرض والكون ... غُرس زبه فيا حتى لامست مؤخرتي فخذيه ... صرخة ألم ممتع دوّت في الفضاء ... صرخة أطلقتها وكبتها هو ... سرعان ما تعودت جنبات كسي حجم هذا الفارس المغوار ... ترحيب شديدي بقدومه بدفقات من الماء الحار اللزج ... لزوجة سرّعت الحركة الميكانيكية ... الأمر مجهد لكنه ممتع ... رحت أرفع مؤخرتي في حركة صعود ونزول محورها قضيبه المثبت لجسدي ... بدأ يتجاوب معي ... عكس رهزه في ... إشتعلت ناري ... يداه تعبثان في صدري ... شفتي تبحث عن شفتيه ..عن رقبته عن أذنه ... أريد إلتهامه كلّه ... أنفاسي الحارة دفعته لحركة أقوى وأكثر عنف ... عنف تكرهه المرأة إلا في هذه الحالة ... إنقباض في عضلات ردفي وأسفل فخذي ... رعشة شديدة بدأت تهزني ... مع رعشتي زادت حركته ... آهات تنطلق دون رقابة من صدري ... لم أعد أحتمل ... قفزت بجانبه على السرير أتلوى كذيل سحلية قطع وترك وحيدا ... نظرت في عينيه ... إستغربت ما حدث ... أوّل رجل أعرفه في حياتي ... أصل لذروة النشوة وهو لا يزال ينتظر ... أحسنهم قدرة كان يجهد نفسه أن يعدّل توقيته معي ... هذا العجب لم أشهده قبلا
نظرة عينيها أحرجتني ... إحراج لم يفارقني منذ صعودها ... إصرارها على البقاء معي وقت العشاء ... نظراتها التي تطاردني ... كنت سعيدا أن هديتي أعجبتها ... لم أستطع كبت جماح عيني أن تنغرس في صدرها ... كنت خائفا أن تفسّر حركاتي خطأ ... تلك الحكة العجيبة التي أمسكت بين فخذي ... ندمت على حلاقة شعر عانتي ... لهيب يحرق جلدي ... حاولت جاهدا التظاهر أني بخير لكني لم أوفّق ... رأيت عينها تتبع يدي كل ما حاولت حك الإلتهاب ... فخذها الأبيض الناعم ... ملمس ثدييها الطري وهي تلتصق بصدري ... إشتدت الحرقة بين فخذي ... إعتقدت أنها فهمت ما أعانيه فأنزلت يدها تكتشف علّتي ... خلتها ستساعدنا لكنها أنقذتني ... كم من خطأ كان نتيجته أحلى من الصواب ... لكن هذه النظرة الأخيرة تقتلني ... هي أشبعت رغبتها مني ... أنا لم أنتهي بعد ... ستتهمني بقلّة الرجولة ... يجب أن أتصرّف ... يجب أن لا أخسر مصدر المتعة الوحيد هذا ...متعة إكتشفتها ولن أفرّط فيها ... لحم طري ... حرارة رحمها أعادت الدفء في أطراف عمري التي قضمها الصقيع ... نظرة في عينيها متحديا ... لن أتركها تظن أني لست بالرجل ... وضعت يدي تحت رقبتها وسحبت رأسها نحوي ... غطست في بحر شفتيها الطريتين ... رائحة عطرها الممزوج بعرقنا تستفز رغبتي ... داعبت حلماتها ... تصلّبت كحصى طريق وعرة ... نزلت بيدي أتحسس لزوجة ما بين فخذيها ... أعاجيب الطبيعة تكمن هناك ... مزيج من الخشونة اللينة والرطوبة الحارة ... نعم هناك تجتمع الأضداد ... بدأت آهاتها تتصاعد ... تريد المزيد ... أنا أريد أكثر ... لا أعلم ماذا أفعل لكن زبي سيهتدي لطريقه لوحده ... بركت فوقها ... فتحت رجليها ورفعتهما للأعلى ... كمن يعرف طريق عودته ... بدأ رأس زبي يشق طريقه... لم أعلم أن الوضعية هي السبب أم شيئ آخر ... فتحة متعتها تعاند دخول الوافد ثانية ... عناده زاد إصراري ... ضغطت بمؤخرتي عليها ... بدأت شفرتاه تستسلم ... بدأ قضيبي يخترق اللحم الرطب الحار ... كلما دخل قليلا عانقته جوانب رحمها ... دخول الفاتحين قابلته آهازيج الرغبة من آهات صدرها ... كمدرجات ملعب تفانى المشجعون في إلهاب المنافسة ... آهات ترتفع تشد أزري أن أزيد ... كلما طعنتها لضم جرحها ... أنين السرير القديم إختلط بآهاتها وأنفاسي ... صوت متوازن يعجز أمهر الملحنين على توزيعه ... بدأت ناري تغلي ... إنتفخ قضيبي ... حمم تتحضر للإنطلاق ... رعشة أسفل ظهري ورعشتها تلتقطها مسام بطني من جلد بطنها ... خاب أملي عندما دفعتني لأقذف خارج رحمها ... سيل عارم من ماء شهوتي يشوي جلد صدرها وبطنها ... وقفت طويلا أتملى تلك اللوحة ... نهدان مفروشان فوق بطن مدورة تحتها رسم مثلّث غامق ... أغمضت عينيها ترتاح ... نمت بجانبها ... حلم جميل هو ما عشته في الواقع ...
رائحة عطرها تدغدغ أنفي ... مددت يدي أتحسس مكانها ... السرير فارغ ... لا أحد بجانبي ... هل كنت أحلم أم هو واقع لونها أحلى من ورد الخيال ؟؟؟ ... ككلب صيد شممت المخدة ... الغطاء ... رائحتها تلتصق بها لكنها رحلت ...
حكة شديدة تلهب بين فخذي ... دخلت الحمام ... الطقس بارد والماء بارد ... برودة شدت عظامي ... على مرآة المغسل صورة قلب ... خطّته حبيبة بإصبعها ... لم أكن أحلم ... نور يتسلل تحت الباب ... صوت خفيف يصلني من جهاز الإتصال ... الشقة رقم 5 ... صوت الدكتور يطلب مني النزول بسرعة ...
وجدته عند الباب هامسا ... وضع ورقة في يدي ونقودا ... طلباته مجابة بسرعة ... هرولت نحو المخبزة ... تغيّر وجه البائعة البشوش لما دخلت ... لم أفهم سبب تغيرها معي ... مجهود ليلة ساخنة دفعني أن أتجرّأ وأشتري ما يسد جوعي بمال الدكتور ... لم يطالب بالباقي بل دخل محاذرا إحداث جلبة ... ألصقت خدّي بباب بيت فريال ... عل أذني تلتقط دبيب قدم حبيبة ... حبيبتي ... الكل نيام ... خشيت أن لا أكون أحسنت الأداء ... يجب أن أراها ثانية لأتأكد ... لا... لا ... رسم القلب يؤكّد أني قمت بما يجب ...
أتممت كل أعمال الصباح ... نظّفت وسقيت الورد ... رابطت مكاني ... صوت عجلات العربة يصلني من باب المجمع ... صديقي التاجر يلوّح لي ... هرولت نحوه ... وضع في يدي مبلغ ثلاثين دينار ... قال إنها ثمن الكتب ... ثم وضع ورقتين من فئة عشرين متمنيا أن أصبر قليلا حتى يكمل الباقي ... أنا لا أعرف بكم هو مدين لي ... لكني كنت سعيدا ... ساعدته في وضع تلك الكراسي والطاولات ... عاهدني أن يدفع الباقي كلّه مع بعض بعد أسبوع فقبلت ... أصلا الأمر جيّد بالنسبة لي هكذا ...
غادر السكان تباعا ... صبّحت عليهم جميعا ... لم يرد أحدهم سوى بحركات من الرأس ... صوت حبيبة المحبب يأتيني طالبا الصعود ... دخلت الشقة وجدتها بالمطبخ ... لم أعلم كيف تجرّأت وضعت يدي على مؤخرتها وقرصتها ... تألّمت بدلال ... ثم همست بأذني " مش هنا ... شتفضحنا " ... كلماتها برّدت ناري وأشعلتها في آن ... جولاتنا ستستمر ...
طرت نحو المغازة تحيطني الزهور والقلوب الحمراء تتطاير حولي ... وضعت الطلبات ... حبيبة وحيدة في المطبخ تجرّأت وأعدت قرص مؤخرتها ... وهربت منها ... حركة إصبعي تشير أني أنتظرها ليلا فوق السطح ... لو أمكنني سحب قرص الشمس الذي إستعصم أن يتحرّك لفعلت ... أعتقد أن الأرض توقفت عن الدوران ... قرص الشمس ثبت عند العصر ... طال الوقت ... حافلة المدرسة تقف ليقفز منها القردان الصغيران ... دخلا مسرعين للعمارة ... نظرت فلم أجد سيّارة أمهما ... صعدت ورائهما ... صوت بكائهما لما وجدا باب بيتهما مغلقا جعلني أرأف بحالهما ... رافقاني سعيدين حتى مدخل العمارة ... بدأت حفلة التعذيب ... حمارهما البشري جاهز للركوب ... صوت ضحكهما سحب بعض الرؤوس الصغيرة من العمارة المجاورة ... الولد الذي إنزعج لعدم وجود العصى شوى جلد مؤخرتي بكف يده ... حال أهون من حال ... صوت محرّك السيارة أنهى عذابي ... " ماما جات " ... نظرت الأم نحوي ... كأنها تشكرني ... فتحت حقيبتها ووضعت في يدي قطعة نقدية ... كدت أرفضها لكني تذكّرت ذلي فقبلتها ... رافقت ولديها وإختفت ...
حلّ الليل وإقترب الموعد ... موعد إنتظرته وتحضّرت له ... إستحممت .. لبست بوكسرا جديدا ... وتيشرت فوقه ... سرّحت شعري وتعطّرت ... رتبت سريري ... فراشنا ... طال إنتظاري ... الوقت يعاندك عندما تتلهف لسرعة مروره ... بدأ سكون الليل يطبق على المكان الساكن أصلا ... قضيبي إنتصب لمجرّد سماع خطوة حبيبة على السلّم ... تركتها تسير أمامي ... لم تلاحظ أني إختفيت بجانب الباب ... تلك الميدعة البيضاء خيّبت أمالي ... لا يهم الغلاف فأنا أعشق المحتوى ... وضعت طبق العشاء على الطاولة ... قبل أن تلتفت بحثا عني ... كنت فاجأتها بحضن من الخلف ... قبل أن تشهق من الصدمة ... وضعت يدي تحي إبطيها والأخرى تحت فخذيها وطرت بها للغرفة ... كانت تتمنع بدلال وتضرب صدري ... ألقيتها على السرير بعنف ... فتحت أزرار ميدعتها البيضاء ... طقم ثنائي بنفسجي يلمع بلمعان جلدها الناعم ... طبق يسيل اللعاب ... شربت ريق شفتيها حتى أجهدت أنفاسها ... قبلة طويلة بطول عطشي ... إرتويت ورويت ... عضت في صدرها ... شربت الحنان وسقيت الحنية ... لا أذكر كيف طار مشبك سوتيانها لتفتح شبابيك صدرها على مصرعيها ... يدي تسللت لما بين فخذيها ... كم عشقت تلك الرطوبة الحارة ... النعومة الخشنة ... بدأت يدها تتسلل تبحث عن قضيبي ... لمسة بسيطة من أناملها الناعمة ... ووجدت نفسي عاريا ... عري بعري ... تخلّصت من كيلوتها ... فركت زبي بأطراف كسها ... مررت أسفل جسمه بين شفرتيها ... كيس بيضاتي عانق فتحته ... آهاتها تطلب بداية إنهاء الأمر ... خرس العالم إجلال لصوت رغبتنا ... إمتزجت آهاتنا ... أحرقت أنفاسنا برد ليل الخريف ... إهتزّت وإهتززت دفقت وقذفت ... أكلنا ولم نشبع ... ليلة ستسجّل في تاريخ العشّاق ....
طعم الليلة الثانية يختلف عن الأولى ... والثالثة عن الثانية ... تعلّمت فيها وتعلّمت منها ... جرّبت وإكتشفت وإختبرت ... تداولت ليالينا ... رغم الروتين إلا أن حياتي صارت بطعم آخر ... الجنس كالبهارات في الحياة ... يغيّر الطعم ويزيد من لذة التناول ...
في النهار كالعادة ... عمل بسيط .... أشغال قليلة ... وليل دافئ ... نور يسطع من سطح العمارة معلنا للكون عشقا لا ينضب ... نعم صرت أحب حبيبة ... نسيت العالم بين فخذيها ... تغذيت من رحيق رغبتها ... تعالجت بإكسير شبقها .... حتى وجهي تورّد وجلدي صار أنعم ... نعومة الحياة تؤثّر في الجسد ... هي كذلك عادت لها نظارتها ... بدأت ثروتي تتكاثر ... ما أجنيه من عطايا السكّان ... صرت أقوم بكل أعمال أهل الحي ... تجارة الخردوات إزدهرت بدخولي بقية العمارات ... حقيقة لم أعد أعلم بما يدين لي التاجر ... يضع الأوراق في يدي ثم يقول سنتحاسب فيما بعد ... فيما بعد يجد دفعة جديدة وهكذا ... لا يهم ... أين بدأت وأين أصبحت ...
أكل لذيذ وصحي تتفنن حبيبة في إعداده .... لبس أنيق ... حلاقة دورية ... عطر ... قهوة مجانية لقاء خدمات بسيطة ... أكثر أحلامي تفاؤلا لم تصل لهذا الحد ... إكتسبت خبرة في المكان ... تشغيل الآلات ... مجالسة الأطفال ... التنظيف ... إعتنيت بحديقة الحي ... نظفت حوض النافورة لكني عجزت عن تشغيلها ... زرعت الأشجار ... كنت أسرقها من حدائق الأحياء المجاورة ... صرت معروفا لدى الجميع .... والأهم أني صرت أعرف كيف تتمتع المرأة ... هكذا كانت حبيبة تقول لي ...
" إنت كنز ونزلتلي من السماء " ... تلك هي الحقيقة .... وجود منذر غيّر شكل حياتي ... صرت أهتم بنفسي بالدنيا ... رجل متكامل ... حنون وقوي ... بسيط وخبير ... دافئ وصارم ... والأهم ... قضيب تحلم الأميرات بالحصول عليه ... رغم أخذه لزمام المبادرة لم أنزعج .... صرت أكثر نشاطا في أعمال البيت ... فقط لا أريد أن تلاحظ المدام شيئا ... تعكّر حالة سي توفيق تطلّب نقله للمصحّة ... صار غيابها أكثر بحكم مبيتها بجانبه ... هذه المرأة تخجلني بتفانيها ... غيرها وفي وضعها ووضع زوجها لكانت تتمتع من حضن لحض دون رقيب ...
وجود ذلك الرقيب المزعج في حياتي أثقل كاهلي ... صرت أعدّ حركاتي .. أخشى أن تفسّر حبيبة أي حركة مني خطأ ثم تنقلها لمن وظفها من أقارب زوجي ... لم أجد طريقة أتقرّب بها منها ... أفهم فيما تفكّر ماذا تريد وماذا يريد من أرسلها لي ... فكّرت بطردها ... أي تعلّة والسلام ... لكني تراجعت ... يكفيني ما سببته من ضرر لنفسي كي أخطأ في حق غيري ...
لم يكن ينقصني سوى مرض توفيق هذه الأيّام ... لو تركته بالمستشفى وحيدا ربما أفاق بين براثن إخوته ... وترك حبيبة لوحدها بالمنزل سيمكنها من تفتيش كل متعلقاتي بحرّية ... أغلقت عيني مثقلة ... رائحة الدواء والمعقمات صارت لا تفارقني ... المصحة الفخمة رغم ما توفره من سبل الراحة لكني أتوق للنوم في سريري ... فجأة خطف خاطر عقلي ... ماذا لو وجدت حبيبة العقد ... إطلّعت على كل تفاصيله ... بنوده ... لو أخبرت مشغليها إنتهى أمري ... كنت أنتظر طلوع النهار على أحر من الجمر ...
إنتهى إنتظاري الطويل ... غادر كل السكّان إلى أعمالهم ... كنت أنتظر نداء حبيبة بالصعود ... إشتقت لها ... أكلة السمك ليلة أمس أتت أكلها صبيحة هذا اليوم ... الرغبة تهزني هزا ... قضيبي يكاد ينفجر ... لا يمكنني الصبر حتى الليل ... لا أقدر على الإحتمال ... لا أحد بالشقة غيرها ... مالضرر لو جربنا مرّة خلال النهار ... جربنا كل الوضعيات وكل الأماكن ... بقيت تجربة النهار ...
تلك التجربة الوحيدة التي لم أخضها ... خاطر غريب سكن عقلي ... صور مدام فريال في ألبوم قديم ... ملابس بحر ... ميني جيب ... صديقاتها جميلات ... العناق والقبلات تؤكّد أن هن كن مقربات إلى أبعد الحدود ... لكن هل ما خامرني صحيح .... رغم تقلبي في البلاد والبيوت ... مارست الجنس مع جميع أصحاب العمل ... شباب وكهول وشيوخ ... لم أخض تلك التجربة أبدا ... إمرأة مقابل إمرأة ... صورة لمدام فريال قبل سنين خلت على شاطئ البحر تأسر تفكيري ... لم تفارقني ... بدأ عقلي يدور ومسام جلدي تتفتح ... أنا أحب مدام فريال لكن ... أنا لم أجرّب شعورا كهذا قبلا ... وهي سترفض بكل تأكيد ... فكرة لم تزل تتخمر برأسي حين رن جرس الباب ... منذر يقف أمامي مبتسما ... تلك النظرة أعرفها في عينيه جيّدا ... حضنني بيمناه ويساره تغلق الباب خلفه ... " شتعمل يا مهبول ؟؟؟ ... لم يجبني ذلك المجنون ... دفعني بحنية ويده التي خبرت تفاصيل جسدي تداعب ما بين فتحتي ... إلتهبت نار رغبتي الموقدة أصلا ... لم أجد بدا من الإستسلام ... دون مقدمات ولا مقبلات ... وقف منذر خلفي ... وضعت يدي على الطاولة ورأسي مقابل الباب ... فتحت رجلي ... يده الناعمة تداعب فتحة كسي ثم تنشل كيلوتي الصغير ... لم يمنحني فرصة للكلام ... بدأ رأس زبه الضخم يطرق باب فرجي ... حلاوة الطعن جعلتني أستسلم ... أوّل مرّة أنتهك حرمة بيت مشغلتي ... لكنه إنتهاك لذيذ ... حركات سريعة قوية ثابتة من مؤخرة منذر ... تلك الوضعية أعشقها أحس بقضيبه يطرق سقف رحمي ... يعصر سحب ماء رغبتي من عليائها ... رفعت رأسي للأعلى ... عيناي تبحثان عن الخلاص في السقف ... ركبي ترتعش وقفت على أطراف أصابعي لأفسح المجال لزب منذر بحرية الحركة .... بدأت أصعد سلّم الرغبة ...وصلت ذروة النشوة .... أهات أبواب النعيم تفتح أمامي ...
فتحت الباب وجلة متوجسة خيفة أن تكون حبيبة تفتش خزانتي ... العقد أخفيته في المكان الوحيد الذي لن تبحث فيه ... المطبخ ... خلعت حذائي حتى لا تسمعني ... سآخذ العقد وأخفيه في صندوق بالبنك ... وصلت باب المطبخ لأتسمّر هناك ... منذر يقف وراء حبيبة ... نصف ظهرها عاري ... الطاولة ترتج تحتها ... رأسها مرفوعة للأعلى ... عيناه مقلوبتان للخلف ... منذر يغلق عينيه متعة ... نفس الوجه كنت آراه في مرآتي وزوجي الأوّل يفعل بي ما يفعله منذر بحبيبة ... لم أعي ما أفعل ... وقفت متسمرة مكاني ... لم أصرخ فيهما ولم أهرب ... لم أشأ قطع متعتهما ... أنا أعلم الناس بالمتعة ... أنا أكثرهم شوقا لها ... آهات حبيبة تخز لأذني ... تهز صدري ... عيناها تشبهان عيني يوم كنت مثلها سابقا ... حاولت الإنسحاب لكن منذر فتح عينيه ... إنسحب للخلف رعبا لينسلّ قضيبه من داخل حبيبة مرتجا أمامي ... إنفتحت عيوني دهشة أو رغبة ... وضعت يدي على وجهي أداري ردة فعلي ... هربت نحو غرفتي ... خفت منهما نعم خفت ...
قتلني الخوف ومدام فريال تخفي وجهها قرفا مني ... نظرت لحبيبة المسكينة تحاول لملمة ملابسها ... نظرنا في عيني بعضنا ... قضي الأمر علينا مواجهة مصيرنا ... سأتحمّل المسؤولية إما تسامحنا المدام أو سأطرد لوحدي ... حبيبة لا ذنب لها ...
الذنب كلّه ذنبي ... أنا الراشدة الخبيرة ... راودت هذا الشاب ... كان يمكن أن امنعه من إتباع هواه بتدنيس حرمة بيت سيدتي ... سأتحمّل المسؤولية ... سأخبرها بكلّ شيء ... أنا المذنبة ... لا بد من مصارحتها ... هي إمرأة متفهمة وستقدّر ... ستفهمني ...
لم أفهم ما حدث لي ... المفروض أن يهربا هما خجلا بفعلتهما .... هربت أخفي وجهي الذي قطعا كان سيفضح مكنون صدري ... وإن يكن ... فرصة لوضع حبيبة تحت جناحي ... سأتفهمها و أقرّبها مني حتى تسرّني بكل ما تعرف عن خطط أهل زوجي ... صورة وجهها أمامي وهي تستمتع لا تفارقني ... طرق خفيف على الباب ... خرجت محاولة تصنّع الغضب ... نظرت في عيني حبيبة التي ملأها الدمع ... وجه منذر غاب عنه الدم فتحوّل لأصفر ليموني ... سأمسك بزمام الأمور ... سأوجه حبيبة للإنضواء تحت لوائي ...
إجتمعنا ثلاثتنا على العشاء ... منذر إهتم بإطعام إبنتي ... على غير عادتها سمعت كلامه وهدأت فوق ركبته ... فائدة أخرى لم أتوقعها ... سهرنا جميعا أمام التلفاز ... رغم أن حبيبة ومنذر كانا محرجين لكني سعدت بوجودهما بجانبي ... الونس جميل حتى لو كان بالغصب ... بدأ التثائب يثقل جو السهرة ... أطلقت سراحهما ... وحاولت النوم ...
وضعت رأسي على سريري ... موازنة لما حصل هذا اليوم ... كدت أخسر وضيفة وأتسبب لتلك المسكينة في فضيحة وأحمل ذنبها ما حييت... قرار الفصل بيننا أزعجني لكنه خير من فصلنا سويا ... السهر في بيت سي توفيق ممتع رغم ثقل الجو ... مسامرتهما خير من التقلّب على الفراش لوحدي ... لكن هل سأقاوم ؟؟؟
ليتني قاومت رغبته ... لو أجلّنا تلك الجولة السريعة ... لكنت الآن بين أحضانه ... حضنت المخدة وحاولت النوم ... حال أهون من حال ... بما أن مدام فريال لم تطردنا فبمرور الوقت ستخف مراقبتها ... كم هي عظيمة تلك المرأة ... حبي لها يزداد يوما بعد يوم ...
مرّت الأيّام تباعا ... منذر يقوم بعمله اليومي بنشاط ... بعض المال يجنيه من هنا وهناك ... حبيبة على حالها ... تعمل ما يجب فعله ... فريال بدأت تتعود وجودهما بجانبها طوال الوقت ... صارت تحس أن حبيبة أقرب لها من قبل ... توفيق على حاله ... لا هو حي ولا هو ميت ... سهرات السمر بدأت تصبح أكثر ألفة ... منذر ينعش الجو بحكاياته الطريفة عن قريته والمغامرات فيها ... فريال صارت تضحك ملأ شدقيها ... تجالسهما في طاولة الطعام ... تقاسمهما الشاي ... تدخن معهما ... شيئا فشيئا ذهب الحرج بينهم ... كانت حبيبة تجتهد في أصناف الأكل ... منذر بدأ يحلو شكله أكثر ... العز يظهر على الخدود ... لكن الجفاف بدأ يغزو صدره وصدر حبيبة ... أسبوعان بلا لقاء وهما من تعودا الجنس يوميا ولمرات متعددة ... ليلة السبت كانت باردة ... الكل يلزم منزله ... السماء لم تبخل بمائها ... أغرقت الٍأرض بكرمها ... رياح عنيفة تهز الشبابيك ... صفير عالي ... البنت الصغيرة نامت بصمت العادة على فخذ منذر ... كعادة ليالي الشتاء بتونس ... قليل من الريح وصاعقة واحدة تغرق كلّ أحيائها في الظلام ... بنية تحتية هشة لبلد هش ... حتى الأحياء الراقية متصلة بشبكة تزود الجميع فقيرهم وغنيهم ... عبثا أنفقوا على كل تلك التجهيزات في غياب الكهرباء .... الظلمة تغمر غرفة الصالون ... طنين آلات سرير سي توفيق تصم الآذان ... تدخّل سريع من فريال ... عدّلت تزويد الآلات فخفت ضجيجها ... شمعة كبيرة تنير الصالون ... الجو ينبأ بنهاية العالم ... حاول منذر الإنسحاب لكن فريال منعته ... قالت أنها تخاف الظلمة ... وجوده بالبيت سيشعرها بالأمان كما أن الغرفة فوق السطح ستكون باردة ... قرار لا يقبل المناقشة ... رغم محاولته التملّص لكنها رفضت رفضا قطعيا ... حبيبة فرشت أرضية الصالون بحشيات متلاصقة ... رغم حرج منذر من الوضعية الغريبة المفروضة عليه ... تخلّصت مدام فريال من روبها ... لم يسعفه نور الشمعة الخفيف وسرعة حركتها من تصوير اللقطة في ذاكرته ... إختفت تحت اللحاف القطني الناعم ... حبيبة فعلت كسيدتها ... هو فقط دخل السرير بملابسه ... ثم تخلّص منها بخجل ... بوكسر مطاطي وصدره عاري ... نعومة الغطاء بعثت الدفء في أوصاله ... طلبت منه فريال أن يروي لها قصّة ... الظلمة ونور الشمعة لا يتماشى معها سوى قصص الرعب ... إسترجع ما ترويه جدّته عن الجن والعبيثة والرهبان ... جمعها كلّها في قصة واحدة ... مع صفير الريح وتراقص ضوء الشمعة بدأ الرعب يدب في أوصال السيدتين ... فريال تزحف لتلتصق بحبية وحبيبة يسحبها جلد منذر الناعم ... إنتصفت القصّة ... ونصف الفراش خاوي ... ثلاثتهما على حشية واحدة بغطاء واحد ... نار حبيبة تلتهب ... منذر عن يسارها يشوي جلده الحارق قلبها ... وفريال عن يمينها ... يلامس طرف ثديها صدر سيدتها ... كلحم يشوى على جانبين ... خرست أذناها عن سماع قصة منذر ... بدأت فريال تخاف بحق ... إلتصقت أكثر بحبيبة ... حركة غير محسوبة العواقب مررت يدها تحت رقبة سيدتها وحضنتها ... تفاعلت معها فريال بأن أسندت خدها على كتف حبية ... أنفاسها الحارة تلفح قبة ثدييها الأيمن ... أطلق منذر العنان لخياله مستجيبا لرغبة المدام رغم رعبها بالمواصلة ... حبيبة التي تاهت بين نارين ... تسللت يدها لتبحث بين فخذي منذر ... إرتعش المسكين من حركتها المفاجأة ... لكنه إستسلم لمداعبة حبيبته ... بدأ كلامه يتقطع مع جولات أنامل حبيبة على طول قضيبه ... فريال التي إلتقطت ما يحدث أرادت إنهاء الأمر ... سحبت روبها ولفت به نفسها ... وإستأذنت للذهاب للحمام ... قبل مغادرتها الصالون ... برق شديد أنار الكون ... وصوت رعد زلزل زجاج النوافذ ... صرخت من خوفها تنادي منذر الذي هب مسرعا لمساعدتها ... حمل الشمعة ووقف عند باب الحمام كحارس لها ... تاركين حبيبة لوحدها بالصالون ... عند عودته لاحظت فريال إنتصاب قضيبه ... نحت جميل تحت القماش المطاطي ... تعثرت خطاها محاولة إخفاء صدمتها ... وضع منذر الشمعة بمكانها ... ودخل مكانه مرتجفا من البرد ... بعض الدفء وصله ... إلتصق بحبيبة ليصدم أنها خلعت سوتيانها ... كاد الدم يتجمد في عروقه ... فريال التي تخلّصت من روبها ... عادت لمكانها ... وضعت رقبتها على ذراع حبية وأخفت وجهها بالغطاء مستندة صدرها ... إحترق خدها بحرارة الجلد ... لم تتحرّك ولم تصدّق ... ثدي حبيبة عاري أمام عينها ... صمتها دفع حبيبة لمزيد الضغط على رقبتها لتضمها ... حلمتها اليمنى تتصلّب مقابلة شفة سيدتها ... وواصل منذر حكايته ... يدها تعبث بزب منذر والأخرى بدات تتحس جلد ظهر فريال ... فريال لم تمانع ... يد حنونة دافئة تهدهدها ... كطفلة صغيرة أغمضت عينيها وإستسلمت لما يحدث ... صوت منذر ولمسات حبيبة سحبتها لشبه النوم ... نومها حسبته حبيبة تشجيعا ... بدأت يدها تنزل تدريجيا متبعة فقرات ظهرها ... وصلت لمنطقة الحوض ... حركات دائرية خفيفة بأطراف إصبعها على الجلد الناعم سحبت تنهيدة حارقة من صدر فريال ... تنهيدة فهمها منذر على أنها نفس نوم ... تجرّأ ومرر يده بين فخذي حبيبة صعودا ... لم يعترضه شيء ... حبيبة عارية ... لا مجال للخوف أو التردد ... مرر أصابعه بين شفرتي كسها ... حركة إرتعشت معها حبيبة ليرتج صدرها وتستقر حلمتها فوق شفتي فريال ... لمسة صلبة على شفتيها الناعمتين دغدغتهما ... مدت لسانها تلحسهما فلامس حلمة ثدي حبيبة التي فهمت حركتها إستجابة ... تسللت يدها بحذر تفتح مشبك صدرها ... فريال التي سرقها النوم لم تتحرّك ... بدأت يد حبيبة تداعب جانبي صدرها اللين ... تفاعلت فريال لحركتها وإلتصقت بصدر حبيبة ... تلامس النهدان فإشتعلت نار الخادمة ... أهملت زب منذر الذي يتفانا في فرك كسها ... يد تداعب ظهرها والأخرى تدغدغ بطنها ... سحبت الغطاء تدريجيا ... على ضوء الشمعة منذر يرى نصف جسد سيدته العلوي عاريا ... ويد حبيبة تداعب خياطة كيلوتها الأسود ... لحم طري ناعم لم يعتده ... وضع يده تحت مؤخرة حبيبة وأدارها ناحية سيدتها .. رفع رجلها اليسرى للأعلى ... وبدأ يدغدغ شفرتي كسها بقضيبه وعينه تلتهب بمشهد جسد فريال ... ضغط ببطئ ليحشر رأس زبه المنتفخ بينهما ... آه عنيفة أفلتت من حلق حبيبة لتفتح فريال عينيها مدهوشة ...
" هو إلي حصل حصل ... كملو ... أنا عارفة إنكم مشتاقين لبعض ..." نظر منذر في عين حبيبة غير مصدقين ما حدث ... وضعت فريال يديها على كتفي فريال التي كانت تبرك على ركبتيها أمامها وسحبتها للأسفل ... نظرت في عين منذر آمرة " يلى كملو ... إعتبروني مش موجودة ... مش كنتو فاكريني نايمة... إعتبروني نايمة " ... لم يفهم منذر ما المطلوب هل هو فخ أم هو حقيقة ما تبغي ... حبيبة التي تراجعت بمؤخرتها للخلف ... أمسكت زب منذر كانها تنتقم من رفض فريال لها ... هي أصلا لم تحس بكل تلك المداعبات ... لم تلاحظها ... كانت نائمة ....
وضعت زبه بين شفرتي كسّها ... وضغطت للخلف ... منذر الذي إستجاب بغير وعي ... دفع وسطه للأمام لينغرس زبه دفعة واحدة داخلها ... آه عنيفة هزت جدران الغرفة ... إنقلبت عينا حبيبة للأعلى وعضت شفتها من ألم الرغبة ... تلك النظرة هزّت كيان فريال ... نار سرت بين مفاصلها ... تفتحت مسامها وتباعدت شفرات كسها ...
فريال جالسة على حافة الكنبة ... تفتح رجليها الموضوعتين على الأرض ... حبيبة تبرك على ركبتيها ورأسها بين فخذي سيدتها ... منذر يثني ركبتيه يحشر زبه في كس حبية ... عيناه تبتهمان صدر فريال العاري ... عينا فريال تحترقان بمشهد وجه حبيبة التي تغرس عينيها بين فخذي سيدتها ...
خط مستقيم جمع كل الرغبات المستحيلة ... بدأ منذر يرهز خلف حبيبة ... زبه الصلب يخرق نعومة جنابات كسها الرطب ... عيناه تتمنيان صدر فريال ... يدا حبيبة تمسكان بقصبتي أرجل المدام كوتدي تثبيت من أثر رهز منذر خلفها ... فريال التي تاهت في إنعكاس متعة خادمتها على وجهها ... بدأت يدا حبيبة تزحف للأعلى ... لم تتحرّك فريال رغم أنها شعرت بهما ... أصابعها تصل فوق الركبتين ... وسط فخذها تغوص في لحمهما ... أغمضت عينيها وألقت بظهرها للأسفل لتسلّم كسها لشفتي حبيبة ...
قماش الكيلوت لم يمنع لسانها أن يعزف على أوتار رغبتها ... بضرها الطري يسبح في لعاب حبيبة ... يرقص معانقا شفتيها ... توقّف الزمن وإنهارت الحدود ... إجتمعت كل الطبقات على خط واحد .... المتعة لا تعترف بقيود ... دوّى الرعد ممتزجا بآهات ثلاثية متزامنة ... زخّات المطر تسيل فوق ظهر حبيبة وعلى صدر فريال منطلقة من حميم رغبة منذر ... أودية رحيق الشبق تختلط بزبد ريق المتعة على شفتي حبية ... فريال تطبق برجليها على رقبة خادمتها تحبس رأسها بين فخذيها للأبد ...
نور ساطع يتلوه رعد هزّ الأرض ... ما بدأ بالرعد إنتهى به ... عاد التيار الكهربائي ... أنارت الغرفة ... الخدود حمراء ... رائحة النيك تعبق بالمكان ... العرق يتصبب من اثر معركة طويلة ... إلتقت العيون بلا كلام .. لا حركات ... لا رمشة واحدة بين ثلاثتهما ... أجساد عارية غارقة في ماء الشهوة ... طنين عنيف يصم الآذان قادما من سرير سي توفيق ...
الجزء الثالث
الطابق الثالث ( الشقة 5)
هرولت مدام فريال نحو غرفة نومها ... تلفلف جسدها النصف عاري بروبها الحريري ... بدأت أجهزة الإنذار على السرير الطبي تزداد طنينا ... سي توفيق أفاق من غيبوبته ... دخلنا مسرعين خلفها ... عيناه صفراوان ... لونه شاحب للغاية لكن لسانه بتحرّك بطلاقة ... نظر في وجهي مستغربا وجودي ... أعلمته مدام فريال بكل التفاصيل ... منذ أمطرت تلك الليلة حتى قبل أن تمطر في هذه ... هز رأسه شاكرا معروفي .. لم يحتج ولم يحترز على تعييني كحارس للعمارة ... لكنه لم يسعد للخبر ... نظر في وجهي طويلا كأنه يتذكّر ما حصل تلك الليلة ... شيء غريب يجذبني نحوه ويجذبه نحوي ...
أراد النزول من سريره لكن فريال منعته ... كسر الحوض لم يجبر بعد ... الساعة تشير للسادسة صباحا ... وصلت سيّارة الإسعاف والطبيب والمدلكون ... فريق طبي كامل ... حبيبة تكفّلت بإخفاء آثار جريمة ليلة أمس ... أنا كنت أتابع الحركات الخبيرة للطبيب يتفقد جسد سي توفيق ... لوى شفتيه وهو ينظر لمدام فريال التي صارت ترتعش خوفا ... إبتسم في وجه سي توفيق يطمئنه ...
تجاوز الخطر لكنه لن يستطيع المشي ثانية إلا بعد مدة طويلة وعلاج طويل ... ملامح إستسلام توفيق للقدر رسمت على وجهه ... لكن الحزن إعتراه ... الموت أهون من العجز ... كرسي دوّار ... الحل الوحيد للحركة ... هو كرسي بالعجلات ... سرعان ما تم الإتصال بمن يحظره ... ربما هو محضوض .... لو إختلط عجزه بفقره لكان الحال غير الحال ... مع ضوء الصباح الأوّل إنسحبت أتبع الطبيب وطاقم الإسعاف ...
ما حصل ليلة أمس لن يفارق مخيلتي للأبد ... لحم فريال ... نوعية أخرى ولون مختلف ورغبة لا تقاوم ... لحم الهوانم كما يقول إخوتنا المصريون ... الغلال الناضجة تحت الظل ... بياض جلد ثدييها وحمرة حلمتيها تحرقان قلبي ... تدور صرتها الوردية وسط بطنها البيضاء كقمر يسطع في سماء ليلة صيف ... وقفت طويلا أمام المصعد ... لم أحدد إتجاهي ... هل أصعد ... أم أنزل ... بقائي في مكاني سيسمح لي بمواصلة العلاقة والتمتع بجسد حبيبة ... وصعودي سيعتبر مخاطرة كبرى ... مدام فريال ؟؟؟ ... هل أحاول التسلّق للوصول لها ... ربما أسقط فتكسر رقبة أحلامي ...
قطع صوت فتح الباب خلفي ضياعي وتيهي ... صوت خافت أعادني لحجمي ... أوامر لا تقبل النقاش من الدكتور ... رغم هدوئه وإنخفاض صوته ... لكنه أعادني للواقع ... أعادني لحجمي ... أنا بواب ... حارس ... لو أردت إصباغ الفخامة على عملي سأقول مسؤول أمن ... لن أصل لمستواهم حتى لو طرت ...
أسرعت ملبيا طلب الدكتور من المخبزة ... راجعت كلمات السيد زيّان وهو ينصح عادل إمام في فيلم المتسوّل ... " أي وحدة بتاعة غرزة ... بتبيع حمص الشام ... بتبيع ذرة ... بتلم سبارس بتتمناك " ... ذلك هو التقسيم العادل ... تذكّرت يوم قَتلت كلبة الرعي الألمانية الخاصة بعم بوشوشة كلبا بلديا شاردا ... أراد معاشرتها فقتلته ... حتى الكللابب لو لم تقتنع بك ... لم تنظر لك بعين الإعجاب ستقتلك ... أصلا أنت لم تصدّق في بداية الأمر أن حبيبة الخدّامة قد أعجبت بك ... لولا توفّر تلك الظرفية العجيبة لم تكن لتحلم أصلا أن تنظر لك ... حبيبة الخادمة ؟؟؟ ... حبية ؟؟؟؟ حقا أين ذهب كل ذلك الحب ؟؟؟ ... حب ؟؟؟؟ هو لم يكن حبا ؟؟؟ ... هو نفس شعور الرضيع الجائع ... يعشق الحليب منذ ولادته لكن بمجرّد أن يتذوق الأطعمة الأخرى يتخلّى عنه .... بل يصبح تناوله عقوبة بالنسبة له كلما تواصل نموه ...
نظرة عتاب رمقتني بها البائعة التي تعودت بشاشتها ... لم أفهم سببها ومغزاها ... وضعت طلباتي أمامي وإنشغلت بغيري ... رجعت غير مدرك لطريقي ... خطواتي لا تتحاشى البرك المنتشرة على الطريق ... تشهد على سخاء السماء ليلة أمس ... ليلة سخية بكل ما فيها ... جسد مدام فريال لا يفارق نظري ... وجدت الدكتور ينتظرني عند الباب ... أخذ مني طلباته وأنسحب بهدوء شديد .... لم أفهم بعد سبب حرصه على عدم إحداث جلبة ... أتممت أعمال الصباح الباكر ... حفظتها وأتقنتها ... لا تحتاج عقلا أو مجهودا ... فقط عضلاتي تتحرّك لوحدها ...
خرج زوجان مسرعان ... كأنهما يطاردان شيئا ... ثم تلاهما آخران ... توقّفت حافلة المدرسة ... طار القردان الصغيران نحوها ... لحقتهما أمهما التي صبّحت عليا على غير عادتها ... ثم خرج الدكتور لوحده ... أين زوجته ؟؟؟ مدام سهام ؟؟؟ ... ربما لا تعمل هذا اليوم ... خلت ساحة الحي من أي أثر ... لم أنتظر نداء حبيبة ... صعدت ودققت الجرس ... إستقبلني وجه حبيبة ... وجه جامد لم أفهم من نظراته شيئا ... تبعتها نحو المطبخ ... خطواتها ثابتة على غير العادة ... أردافها لا تهتز ... بدأت ألوم نفسي على خواطري ... ربما إستشعرت رغبتي في فريال فغضبت مني ... لكني لم أغضب منها ... لم أشعر بالغيرة وهي تحتسي خمر الرغبة بين فخذي المدام ... المدام تأمرني بالإنسحاب بيديها ... تراجعت حتى الباب ... لم أفهم ما حدث ؟؟؟ ماذا يحاك في الشقّة من خلفي ... هل أمرهم سي توفيق بطردي ؟؟؟ ... لكنه لم يعترض على وجودي باكرا ...
عدت لأجلس مكاني ... كل شيء جامد إلا عقلي ... كل محركاته تدور ... فكّرت في كل شيء ... وضعت كل الإحتمالات ... وإن يكن ... ؟؟؟ ... فراق مؤلم ... ؟؟؟ ... ضاقت بي الدنيا ... " صباح الخير" ... كلمة أخرجتني من دوّامة التفكير ... رفعت رأسي مستكشفا مصدرها ... " دجو" ... ذلك الشاب الذي سامرته أوّل ليلة في المقهى ... أول لقاء كثانيه ... وضع إصبعيه مقابل شفتيه يطلب سيجارة ... رغم إنزعاجي منه لكني أردت أن أتحدّث مع أي أحد ... وضعت يدي في جيبي وطلبت منه أن يحضر علبة سجائر وقهوة من المقهى في الطرف المقابل ... ذهب مهرولا ... خطواته وهو يهرول لتلبية طلبي أشعرتني بالغبطة ... الخادم يأمر سيده ... العزري أقوى من سيده ... هكذا كانت جدتي تصف مثل هذه المواقف ...
مجرّد شعوري بالتفوق عليه أخرجني من حالتي ... ذلك التفوق تجسّم في بقائي جالسا على الكرسي بينما هو برك على الأرض ... على حافة السلّم ... فهمت الآن لما الملوك تضع عروشها فوق درجات ... أن ترى رقاب الناس تحتك شعور بالعظمة لا يقاوم ...
راح يؤنس وحشتي ذلك الصباح ... حقيقة لم أفهم ما هي مشكلته بالتحديد ... هو لا يعجبه شيء في حياته ... يسكن عمارة فخمة ... أهله من علية القوم ... لكنه مفلس دائما هكذا فهمت ... يشحت السجائر ... النادل يسخر منه ويذلّه بسبب ديونه ... قضمت حكاياته ساعات الصباح الثقيلة ... وإستنزفت علبة سجائري الجديدة ... ثمن باهظ مقابل نفخ الخصيتين الذي سببه لي ... إنسحب مع وقوف سيّارة عند بوابة عمارتهم ... لم أتبيّن من نزل منها لكنه هرول نحو بيته دون وداع ولا شكر ...
لم أزل أراقب خطواته حتى توقفت أمام العمارة سيّارة صفراء ... سيّارة تاكسي ... نزلت منها سيّدة عجوز رغم محاولتها رتق فتق السنين على جسدها بالكريمات والملابس ... يبدو أنها من طبقة بورجوازية متأصّلة ... البورجوازيون لا يركبون التاكسي ... وقفت تنظر للعمارة بتملّي ... وضع السائق حقائب أمام الباب وإنسحب ... لم تعطني الفرصة لأسألها عن بغيتها ... أمرتني بلهجة مفزعة أن أحمل حقائبها واللحاق بها ... كانت تعرف كود فتح الباب ... ربما هي من سكّان العمارة وكانت مسافرة قبل قدومي ... لم تخبرني حبيبة عنها ... كتفاي تؤلماني وذراعي تئن بثقل حملي ... عيناها تعكس إشمئزازها من ركوبي معها في المصعد ... الطابق الثالث ... تخيّلت أنها من عائلة الدكتور ... لكنها توجّهت نحو الباب 6 ... بيت سي توفيق ...
نظرة الصدمة على وجه حبيبة و إصفرار وجه فريال بقدومها تؤكدان حبهما لها ... أخت سي توفيق ... دخلت مستعجلة نحو غرفة أخيها ... رغم أني لا أعرفها لكن نبرة التمثيل و التملّق في كلامها لا يخطئها الأصم ... راحت تشكر السماء على عنايتها به ... معتذرة عن عدم زيارته داعية عمن كان السبب في منعها ... فريال بالتأكيد ... التأكيد وصل من لوي شفتيها بعد هذه الجملة .... لم تمنحني فرصة إكتشاف أسرار أكثر ... طردتني من البيت ... نبرة متعالية مليئة بالإحتقار وهي تأمرني بالإلتحاق بعملي ...
ككلب أجرب طرد من أمام **** ... إنسحبت وصدري يعوي ألما ... هذا ما كان ينقصني ... أصلا مجرّد أن يفيق سي توفيق من غيبوبته سيقلل من فرص إجتماعي بحبيبة ويعدم فكرة الوصول لفريال نهائيا ... ومع وجود عجوز النحس بحقائبها الثقيلة ... نظرت لزبي وقلت له ... " نحن مقدمون على سنين جدب وقحط " ... أنا لم أزرع ولم أخزن ما أواجه به القحط ... لا في سنبله ولا مطحون ... أصلا لازلت أتعلّم الحرث ... وسنوات الخصب إنتهت في ليلتها الأولى ...
قرار بتأجيل كل اللقاءات الودية والرسمية ... هكذا أبلغتني حبيبة ما جاء على لسان المدام ... قالت أن وجود العجوز وحالة توفيق يستحيل معها أي نوع من التواصل ... فقط الطعام ... يمكنني أخذه من باب المطبخ سرّا ...
باب المطبخ هو نفسه باب النجدة ... يمكن الوصول إليه من السلالم ... ثقل صدري بهذا القرار ... هكذا هو الإنسان ... أصلا طموحي كان إيجاد مكان أنام فيه .. ولما وجدته صرت أطمح لعمل ... ولما عملت صرت أبغي المآنسة ... ولما ونست تعثّرت في الجنس ... ولما خبرته صرت أبغي غير حبيبة شريكا ... والأدهى أني صرت أشتهي زوجة صاحب العمارة ....
مدام فريال ... لست مخطأ ... كانت تنظر لزبي وانا أحشره في حبيبة ... نظرتها كانت تؤكّد أنها تريده وتشتهيني ... ربما هي رغبة طائشة زائلة ... لو كان غير ذلك لما إتخذت مثل هذا القرار ....
قرار كان يجب إتخاذه ... أصلا لم أستوعب ما حصل ... كيف سمحت لهما بممارسة الجنس في بيتي وأمام عيني ... رغبة شديدة تملكتني وأنا أرى إنعكاس متعة حبيبة على عينيها ... متعتها التي نقلتها لي بلسانها ... وهي تداعب بين فخذي ... إنتفض قلبي لذكرى تلك الدقائق ... لسان حبيبة هز وجداني ... كنت أنتظر الشوط الثاني لأطالب بحقي في ذلك القضيب الضخم الشاب ... قضيب أضعت عمري للحصول على أقلّ منه ... هكذا دون **** يرقص شامخا أمامي ... ليتني لم أتردد ... ليتني مددت يدي ولمسته ... خفت أن تفسّر رغبتي بأنه ضعف منهما ... خصوصا وأني لم أضمن ولائهما بعد فقررت تأجيل تلك الجولة قليلا ... تأجيل قطعت عودة النور القيام به ... ثم حالة توفيق زادت في مدّته ... وأخير قدوم هذه العجوز ... فسخ التاريخ منه ليؤجل لأجل غير مسمى ... لن أضيع ما صبرت لأجله سنين مقابل رغبتي مرّة أخرى ... لن أسمح لحبيبة أن تتمتع لوحدها ثانية .... يجب إتخاذ هذا القرار ....
رغم أنّه قرار ظالم لكني لم أنزعج ... شيء ما تغيّر في بمجرّد ملامسة لما بين فخذي فريال ... صرت أتوق للمزيد معها ... أين ذهبت كل تلك الرغبة وذلك الحب لمنذر ... لم يكن حبا ... هي محاولة لإسترجاع ما خطفته مني الظروف و السنين ... لكن ما ذنب ذلك الفتى سيفطر قلبه ... قدوم العجوز أعطاني فرصة لتأجيل إصدار حكم الإعدام على علاقتنا ... لكنه سيحرمني من متعة لم تبدأ بعد مع فريال ... كيف سأحتمل ...
لا أحد يحتمل ذلك ... أن تصبر على الجنس وأنت لم تمارسه عذاب لا يقارن بأن تحرم منه بعد أن تعودّته ... هكذا مرّت تلك الليلة طويلة جدا ... تقلّبت على سريري حتى سئمت أنينه ... خرجت للسطح ... تأمّلت النجوم ... تأمّلت الأضواء ... رفعت عيني للسماء وألقيتها تعانق الأفق ... صدر فريال يرسم في كل شيء ... أسرني ... حرق فؤادي ... أغمضت عيني أحرق صدري بأنفاس سيجارتي الأخيرة ... تخيّلتها ... تخيلتنا ... وجها لوجه ... عروس جميلة ... وإن يكن عمرها أكثر من نصف عمري ... فارق الطبقات يوازي فارق العمر ... مهاترات أكذب بها على نفسي ... ألقيت عقب سيجارتي ... رحت أراقب مصير جمرته التي يقودها تيّار الهواء ... كذلك أنا ... يقودني تيّار بلا قدرة على التحكّم ... ضاق صدري وضاق بي السطح ... نظرت للجهة المقابلة ... دجو يدخل المقهى ... ثم تبعته الشلّة ... صدى ضحكاتهم الخفيفة يصلني ... لن أسهر لوحدي ...
غيّرت ملابسي ... تأنّقت وتعطّرت ... نزلت المصعد مسرعا ... هرولت نحو المقهى ... إستقبلني النادل بترحاب ... جلست في ركن لوحدي ... لم يلبث دجو إلا وإلتحق بي ... لا يهم ما يسببه حديثه لي من إنتفاخ لكنه سيسليني ... سينسيني ألمي وفراغي ... لم يشعل سيجارته الأولى إلا وصوت يأتي من خلفه ...
صوت سحب رقابنا قصرا أن تلتفت إليه ... وجه أنثوي جميل ... شابة في الخامسة والعشرين ... سحبت الكرسي وجلست دون إذن ... وكأني غير موجود راحت تقرّعه على أفعاله ... تعدد هفواته أمامي ... لم تتحرج من وجودي ولا من حمرة الخجل على وجهه ... درس في حسن السلوك تابعت كل فصوله بإهتمام ... هي أخته الكبرى ومنزعجة من تصرّفاته ... تريده أن يكون ولدا مطيعا يفخر به أهله .... طال الدرس و طال الحوار ... كنت أترشّف قهوتي مستمتعا بهذا البرنامج الإجتماعي على أرض الواقع ... لم يتجاوب يوسف مع أخته ... حاول إقناعها بتركه لحاله لكنها إستماتت ... سحبته من يده بقوّة ... يبدو انه خشي أن ينتبه له الباقون فإنسحب حفاظا على ماء وجهه ....
أكبرت تلك الشابة ... حريصة على مستقبل أخيها ... مؤيداتها وطريقتها في الكلام أقنعتني أنا الذي لا علاقة لي بالموضوع ... وضعت يدي على خدي وتهت في التفكير ... لكل طبقة مشاكلها ... ولكل بيت أسراره ... سئمت الوحدة وتذكّرت مصيبتي فقررت العودة ... توقف المصعد عند الطابق الثالث ... قست الممر جيئة وذهابا ... نظرت لباب الشقة 6 مرارا ... قلبي يغني بحزن موال أغنية " وأني مارق مرّيت ... جنب أبواب البيت " ... قلبي لا يزال يسكن هناك رغم صدور الحكم بنفيه قبل أن يستقرّ ... جررت خطى خيبتي نحو السّلم ... ما إن وصلت قدمي للدرجة الأخيرة حتى سمعت صوتا عجيبا ... كأن أحدا يتحرّك فيه ... هل هي حبيبة ؟؟؟ ... لا صوت أشبه بمحرّك المصعد ... مددت رأسي من باب السطح متحفّزا إما للقتال أو الهرب والصراخ .... السطح فارغ ... جلت بعيني رغم بعض الظلمة لكن لا أحد فيه ... الصوت قادم من طرفه .... إحدى تلك الأواني البيضاء تتحرّك ... جميعها تتجه نحو الشرق إلا أحدها يخرق صف وحدتها ويتحرّك تلقائيا نحو الغرب ...عقلي البسيط لم يستوعب ما يحدث ... لكن الأمر غير عادي ...
دخلت غرفتي ... صارعت النوم حتى هزمته وإستسلمت له ... روتين الصباح كالعادة ... لبيت طلبات الدكتور ... نظّفت وسقيت وقلّمت وألقيت ... فطرت وجلست ... ودّعت السكّان كلّهم ... قررّت التقرّب أكثر من الدكتور ... ربما يكون طوق نجاة لي إذا طرأ أمر في بيت سي توفيق ... أو ربما يكون فرصة لتغيير وضعيتي نحو الأفضل ... أمضيت طول النهار أفكّر وأخطط كيف أتقرّب منه أكثر ... سأنظّف سيارته ... بيتهم بدون خادمة ... سأقدّم خدماتي مجّانا ... شخصية سياسية بارزة مثله يجب تملّقها ...
قبل المغيب بقليل ... توقّفت سيّارة تاكسي أمام العمارة ... كاد قلبي يتوقّف رعبا ... ما هي المصيبة الجديدة التي ستفد علينا ... تركّز نظري على الباب الخلفي ... شعر أنثى يطل من خلف بلور الشبّاك ... فُتح الباب ونزلت فتاة في منتصف العشرينيات ... شعر بني ناعم يلامس رقبتها البيضاء مشكلا نصف دائرة حولها ... حواجب كالهلالين المعكوسين منمقان بدقة شديدة ... عينان ضيقتان يؤكدان وجود الدم الآسوي في عروقها ... أنف مدببة تعلو شفتين ورديتين بلونهما الطبيعي ... أسنانها الأمامية ناتئة قليلا للأمام تدفع شفتها العلي للفوق ... ترتدي قميصا حريريا خفيفا أبيض عليه رسوم ريشة سوداء ... ريشة تدغدغ صدرها النافر رغم صغر حجمه للأعلى ... تحته بنطلون جينز أزرق ... فرض إرتفاع مؤخرتها على جيبيه الخلفيين التوجه لليمين واليسار ...
نور وسطع فجأة في عيني ... إنحنت تحاسب السائق من خلف الشباك ... تكورت مؤخرتها التي جلعت قلبي يقفز محاولا الفرار من ضلوعي ... وقفت من مجلسي محاولا أن أخفي نظراتي قبل أن تكشفني ... إنسحبت التاكسي مخلّفة ورائها سحابا من الدخان وأكداسا من الحقائب ... وكأنه لا يكفيها ما أحدثه وجودها بكياني حتى تزيد نار عذابي .. تبسمت فأشرق بياض أسنانها ... زادتها تلك الفتحة بين سنيها الأماميتين نورا ... أغمضت عيني وهززت رأسي محاولا أن أفيق من حلمي ... قبل أن أفتح عيني بادرتني بالتحية ... تتكلّم بلساننا ... خلتها يابانية أو بطلة إحدى المسلسلات الكورية المترجمة .... وقفت دون حراك كصنم أمامها ... كنت أرى شفتيها تتحرّكان لكني لا أسمع ... حركة من يدها أمام عيني مباشرة وكلمة تخرج بلحن رقيق من شفتيها " أوأو " ... أفقت من سكرتي بجمالها ... لكني لم أتحرّك ...
" تنجّم تطلّعهم معايا ... ثقال برشة عليا " ....
كم الحنان في نبرة صوتها يجعلني أحمل الجبال وأصعد بها للسماء ... رغم أن حقائبها كانت ثقيلة لكني تحاملت ... قوة غريبة سكنتني ... حملتها كلّها دفعة واحدة وسبقتها للمصعد ... رصفتها بجانب بعض ... أفسحت لها المكان لتدخل ... وجود الحقائب جعلنا نتلاصق تقريبا ... مددت يدي للضغط على الزر رقم واحد حسب طلبها ... أدارت كتفيها لتمنحني حرية الحركة ... إحتك صدري بحلمة صدرها ... صعد الدم لرأسي مع تلك اللمسة الحنونة ... أكاد أنفجر ... لا أعلم سبب حمرة وجهي أهو الخجل من إنتصابي أم شيء آخر ...
حاولت أن تساعدني في حملي لكني رفضت ببسالة ... سبقتني للممر ... لو كنت أعمى ستعيد هزات ردفيها لي بصري ... لم أعلم أهي حاسة لدى المرأة تمكنها من إكتشاف متلصص يمشي خلفها ... أم هي ثقة في ما تملك جعلتها تلتفت فجأة لتضبطني بالجريمة المشروعة ... مؤخرة كهذه يعاقبك القانون لو لم تتمتع بالنظر لها ...
أدارت وجهها ... أقسم أني أحسست بها تبتسم ... وقفت أمام الشقة رقم 2 ... فتحت محفظة يديها ... قبل أن تتم فتحها نطق لساني " لا لا مش لازم ... هذا أقلّ واجب " ... سحبت سلسة المفاتيح وفتحت باب الشقّة ... ثم سحبت الحقائب للداخل وودعتني بنظرة قتلتني حرجا ... يا ليتني كنت ترابا ...
عدّت للمصعد ... أغلق الباب ... نظرت لنفسي في مرآته ... لطمت خدي على حمقي ... خلتها ستقدّم لي بقشيشا ... لم أرد أن تشعر أني أقلّ منها ... فتأكدت أني أحمق غبي ... لطمت وجهي وبدأت بالصراخ ... خرجت من باب العمارة يقضم الندم أطراف صدري ويجرح الحرج داخله ... أمسكتني الغصة ... جلست على الكرسي أضع جبيني على أصابعي ... من تكون تلك اللوحة ؟؟؟ ... الشقة واحد ؟؟؟ ... صاحبة البيت أصغر من أن تكون أمّها وهي أبعد بالشبه من أن تكون أخت صاحبه ؟؟؟ لا يهم فقد خسرت كل نقاطك قبل البداية ...
صوت فرامل سيّارة تقف أمامي ... فتح باب التاكسي في نفس اللحظة التي رفعت فيها رأسي ... الفردة اليمنى لحذاء بكعب عالي أبيض تحط على الأرض ... جوارب سوداء شفافة تعلو حتى منتصف الفخذ ... فخذ أبيض إنحسر عنه قماش تنورة زرقاء قصيرة ... الفردة الثانية تجتهد للخروج من السيّارة ... إرتفعت الرجل اليسرى للأعلى قليلا ... مثّلث قماش كيلوت رمادي يصوب نحو عيني كرصاصة قناص ... عشر جزء من الثانية سيرسم صورة تسكن خيالي لسنين ... تجمدت حركات الكون كلّه ... إلتقت فردتا الحذاء ببعض متجاورتين ... ركبتان متاسقتان تغالطين العين بقماش الجوارب الشفافة ... فجأة نزل الستار على المشهد ... معطف طويل أنهى لقاء عيني بأجمل ما رأت ...
جف حلقي وعينان تراقباني مشدوهتين ... السيدة سهام زوجة الدكتور ... تضع بعض أكياس المشتريات على الأرض ... لم تقدر ركبي على حملي وذبذبات ذلك الصوت الحنون تدغدغ أوتار رغبتي ... " إيجا هز معايا ... شتقعد تتفرّج فيا برشة " ...
إنتهى أمري لقد ضبطتني أختلس النظر لها ... قفزت نحوها وحملت عنها الأكياس كلّها ... تنفيذا لأصول الإتيكيت .. تركتها تسير أمامي ... خشيت أن تضبطني أتلصص على مؤخرتها فيقضى على أحلام الوصول لزوجها ... فغرست عيني في الأرض ... كدت أسجد شكرا لحظي أني أفلت من الرصاصة حين إلتفت ووجدتني أنظر للأرض ...
يبدو أن أيّامي صارت معدودة بهذه العمارة ... وجهها تحوّل للون الأسود غضبا من فعلتي ... كأن المصعد صار يزحف صعودا ... عيناها تخنقانني رغم أنها تشيح بنظرها للإتجاه الآخر ... توقف المصعد ... جاهدت نفسي أن لا أنظر لخلفيتها المبهرة ... لم أفهم سرّ غضبها ... إعتقدت أن أدبي سيمثل إعتذارا عن قلته الغير مقصودة وهي تنزل من التاكسي ... وجهها زاد سوادا ...
وضعت الأكياس أمام باب الشقة وهممت بالهرب ... ما إن خطوت خطوتين حتى لحقني صوتها الذي يبقى عذبا رغم غضبها ... " إيجا هنا وين ماشي ؟؟ " ... تراجعت نحوها مطيعا أمرها بالعودة ... فتحت حقيبة يدها ... لم أتحرّك حتى أتبيّن ما ستفعله ... مرارة إحراجي قبل قليل لم تزل تغطي حلقي ... سحبت كيس نقودها ... وضعت في يدي ورقة نقدية ... " عيشك يا مدام ... مش لازم ... هاذي خدمتي " ...
نظرت في عيني نظرة إحتقار و كره ... نطق حلقها بغلّ حارق ... " إجري جيب زوز خبزات وباكو مالبورو أبيض " ... قبل أن يصل المصعد للطابق السفلي ... نزفت خدودي دما من كثرة لطمي لها ... كل تلك التفاعلات النفسية دفعتني للجري ... أن تحرج نفسك مرّتين في وقت قصير وبنفس الطريقة .... شيء لا يحتمل .... إنقباض وتقلّص في كل عضلات جسدي ... أفرغت حالتي في الجري ... وضعت الخبزتين وعلبة السجائر ... بين يديها ... لم أرفع رأسي فيها وهي تقف عند الباب ....
خنقتني الغصة ... وخنقت نفسي ... صعدت لغرفتي ... أجرّ قدمي ... الماء البارد تبخّر بفعل حرارة وجنتي ... كل تصرّفاتي خاطئة ... لم أتعلّم شيئا رغم الثلاث أسابيع التي مرّت عليا في هذه العمارة ... أشعلت سيجارة ووقفت قرب سور السطح ... الأواني البيضاء كلّها في إتجاه واحد ... ذلك الطبق قرر التوبة والعودة لصف إخوته ...
نزلت أسفل العمارة ... رغم أنه ليس هناك من داعي لذلك لكني لزمت مكاني ... ثم رحت أجول كل الحي ... كطواف أغسل به ذنوبا إرتكبتها عيني ... لم أرفعها من الأرض ... طفت وجلت وطفت وجلت ... حتى تعبت قدمي ...
صعدت غرفتي غيّرت ملابسي ... نزلت عبر سلّم المطبخ ... تسلّمت طبق عشائي من حبيبة ... نظرت في عينيها مستجديا حضورها ... مرارة هذا اليوم يجب أن تغسل بشيء من الحنان ... إشتقت لحبيبة ... لأي حبيبة كانت ... لم تعدني بشيء ... خاب أملي ... شحن جنسي و مرار خيبة وفراغ ... لم أستطع الأكل ...
نزلت للشارع ... خرجت من الحي ... تجوّلت حتى تعبت قدمي ... دخلت مقهى شعبي في حي الفقراء ... لا أحد يهتم ... صراخ وسباب وشتم ... لعب ورق ... عراك ... دخان الشيشة يغطي المكان كسحب ... وضع النادل قهوتي أمامي ... وقف ينتظر ثمنها ... في مثل هذا الحي يجب عليه التصرّف بهكذا فضاضة لتتجنّب الخسارة ... الأمر اكثر من عادي أن يهرب زبونك دون سداد ... تركني سعيدا بما أعطيته ... أشعلت سيجارة ورحت أندب حمقي ... غريب أمر نفسية الإنسان ... عندما تجلد نفسك ... يتحفّز فيك شيء يدافع عنك ... كمحكمة داخلية ... لسان دفاع ولسان إدعاء ... مرافعة الدفاع بعثت في شيئا من الأمل ...رجل عجوز يدخن سجائر مهرّبة يسعل حتى كادت رئتاه تخرج من حلقه ... ترك رقعة بصاق صفراء على الأرض أمامي .... تركت ذلك المكان بضوضائه وقرفه ورائحته ...
في الطريق نطق لسان الإدعاء ثانية ... مجرّد أسابيع قليلة في حياة الرفاهة جعلتك تقرف ممن هم أشبه بك ... تخيّل كيف يراك سكان العمارة ... مدام فريال ... مدام سهام ... اليايانية التونسية هذه ... ناهيك عمن يمرون بجانبك ولا يرونك ... ضع قدميك على الأرض ولا تحلم ...
ما إن وضعت قدمي على السطح ... نور غرفتي مضاء ... هل تركت الباب مفتوحا عند خروجي ؟؟؟ ... لا يمكن ؟؟؟ هناك من فتحه وأشعل النور ... حبيبة ؟؟؟ هل إستجابت لدعوتي ؟؟؟ ... كنت متأكدا أنها لن تصبر على فراقي ... خرقت الهدنة وصعدت ... مجرّد تخيلها معي دفع إنتصابي على أشدّه ...
دخلت الباب ... مؤخرة مرفوعة للأعلى ... ورأسها على السرير ... هي هكذا تعودت الترتيب ... لم تجدني فراحت ترتب الفراش ... تحضيرا لمعركتنا ...
وقفت خلفها ... وضعت يدي على وسطها ... سحبتها نحوي و غرست زبي بين جانبي مؤخرتها ... فركت رأسه بينهما ... قبل أن أنطقي بشوقي لها ... أفلتت من يدي ... رأس يطلّ من خلف كتفيها ... عينان تشتعلان نارا ... مدام سهام ؟؟؟؟
توقف الدم في عروقي وقلبي عني النبض والأرض عن الدوران ... تفتحت عيناها على آخرها مصدومة مما فعلت ... أراد لساني التحرّك معتذرا ... " أنا آسف كنت فاكر... " ... فجأة تداركت نفسي ... سأفضح نفسي و أفضح حبيبة ... وقفت تعدّل ملابسها ... غرست عيني في الأرض والحرج يقتلني ... صدق المثل التونسي " تقدّم تجي في الواد ... توخّر تجي في حجر عبشّة ... (سبق وأن أعلمتكم أني لا أعلم من هو عبشّة وجاري البحث عنه) ... لو إعترفت سأناك ولو صمت سأناك ... بما أني مناك من الناحيتين ... سأحفظ سرّ حبيبة وأتحمّل وزر تسرعي بنفسي ...
نظرت مدام سهام في عيني مباشرة ... سهام عديدة إخترقت قلبي ... لم اعرف أين أذهب وماذا أفعل ... دفعتني بعنف لأفسح المجال لها للخروج من الباب ... مرّت أمامي بسرعة البرق ... ألقيت بنفسي على السرير منهكا ... لا يمكن لقلبي الصغير أن يحتمل كل هذا التقريع ... لطمت ضميري .. إخرس فلست مذنبا في شيء ... هو القدر يدفع تجربتي في هذه العمارة لنهاية سريعة ... تبا لك من حظ ...
مجرّد تخيّل منظري وأنا أقف مطأطأ رأسي أمام الدكتور وهو يقرّعني ... يقرّعني ... سيعدمني ... تحرّشت بزوجة نائب موقّر ... سأدفن في السجن على أقلّ تقدير ... مصير أسود بسواد هذا الليل الثقيل ...
هل سيكتفي بطردي ... يستحيل ... سيشتكى للشرطة ... سأنال جزاء سنمار منهم ... ثم سيسلّط القاضي عليا أقصى عقوبة ... لن يقبل أحد إعتذاري ... المرّة السابقة نجوت بأعجوبة من مدام فريال ... هذه المرّة الوضع مختلف ... لا زوجها عجوز ولا مقعد ... ولم تعتدني أو أتقرّب منها حتى يدفعها جنون رغبتها نحوي ...
فريال نفسها لم تندفع نحوي ... جرذ مثلي سيلوث قداستهم ... ما الحل ؟؟؟ جبت السطح جيئة وذهابا ... الساعة لم تتجاوز التاسعة والنصف ... سألملم أدباشي ... لا أحد يعرف هويتي الكاملة ولا عنواني ... يفيقون غدا فلن يجدوني ... غيابي سيحلّ كل المشاكل ... لا أعتقد أن شخصية مهمة كالدكتور سيلوث سمعته من أجلي ... سأهرب وينتهي الأمر ....
دخلت الغرفة ... لملمت ملابسي الجديدة ... حشرتها بسرعة في كيس قماش ... سحبت ثروتي الصغيرة من مخبأها ... عددتها قاربت الألف دينار ... تكفي لشراء عنزات أرعاها بالقرية ... وأعود سيرتي الأولى ... يبدو أن هذه المدينة لا تتقبل وجودي ... دخلت الحمام أتخلّص من ألم إسهال سببه الرعب ... إسهال أبى أن يتركني أرحل ... كلّما وصلت الباب دفعني للعودة للحمام ... فرغت بطني لكن أمعائي لا زالت تعتصر ... ركبي بدأت ترتعش ... لم أعرف ما أصابني ... فترت عضلاتي .... جاهدت نفسي للوقوف ... أي تأخير سيفسد خطتي للهرب ... وقفت أجاهد نفسي ... نظرت لنفسي في مرآة الحمام ... لوني أصفر ... عيناي غائرتان ... إقتربت من باب الغرفة ... وقفت عنده قليلا ... قبل إطفاء نورها رحت أجيل النظر بين أرجائها كأني أودّعها ... ما إن أطفأت النور حتى وصلني مربع ضوء قادم من باب السلّم ... ظلّ رأس طويل يزحف نحو رجلي ... جف حلقي وتوقّف قلبي ... ما هي المصيبة القادمة نحوي ... رفعت رأسي أتبع الظل الطويل ... إنتهت رجلاه بحذاء منزلي نسائي ... رفعت عيني تدريجيا ... جزء صغير من جلد أبيض يعكسه نور السلّم الخفيف ... قماش حريري لروب منزلي أبيض ... رفعت رأسي لأصدم بعيني سهام تخرق نظري بسهام عينيها ... دمعت عيني رعبا دون رغبة مني في البكاء ... حاولت إخفاء دماء عيني بأن لحقتها في طرف مقلتي قبل أن تفلت ...
لم أجد ما أقول ولا ما أفعل ... كنت انتظر وصول ظل زوجها نحوي ... غرست عيني في الأرض أرتّل كل الأذكار التي أعرفها مودعا الدنيا ... سكرة الموت جعلت أقدامي تضطرب ... أصابني الصمم والعمى معا ... لا أدري كم لبثت ... فجأة إلتقطت أذني ذبذبات صوت عذب ... صوت لا غضب فيه رغم جدّيته ....
" شوفلي الفيشة بتاع سلك التفزيون وقعت تحت سريرك " ...
لم أصدّق أذني ... كنت أنتظر إطلاق الرصاص علي ... لم أتحرّك ... حتى نهرني الصوت آمرا بسرعة التحرّك ... لم أفهم ما المطلوب لكني ألقيت كيس ملابسي من يدي ... دخلت غرفتي أبحث عن الفيشة ... رعبي ورهبتي وإرتباكي انسياني إشعال الأنوار ... رغم الظلمة فقد تحسست يدي مكانها... قطعة معدنية صغيرة ... تقدّمت من مدام سهام التي لازالت تقف عند الباب ... أمسك القطعة المعدنية بحذر بين سبابتي وإبهامي ... ركبي تصطك كلّ ما تقدّمت خطوة منها ... وقفت أمامها مكسور العين ... ومددت لها الفيشة وبقيت أنتظر ... لم تأخذها من يدي ... بقيت تنظر لي أهتز أمامها كفرخ سقط من عشّه ...
" مدادهالي شنعمل بيها ؟؟؟ تحرّك رجعلي الإرسال المسلسل قريب يبدى "
أرجع الإرسال ؟؟؟ ... نعم سأفعل ؟؟؟ ... سأرجع الإرسال ... سأغيّر مدار القمر الصناعي ... ولو إستوجب الأمر ... سأمثّل لها المسلسل لو فاتتها منه لقطة ... المهم أن لا تخبر زوجها ... زحفت على ركبي نحو الطبق اللاقط ... وجدت السلك ملقى على الأرض ... جاهدت رعشة يدي حتى ثبتُ الفيشة على السلك ... إن إستجاب السلك لي أوّل الأمر ... لكن حشره في ذلك الثقب الضيق على رأس أعلى الطبق .. يتطلّب تركيزا لا أمتلكه ... رعشة يدي وإرتجاف ركبي من الرعب و ما خلّفه الإسهال في عضلاتي ... زده وقوف مدام سهام خلفي ... لم أوفّق رغم تكراري المحاولة ... ضجرت مدام سهام من إنتظاري ...
أزعجتها قلّة أدبي قبل قليل وأضحكتها زلّتي العفوية ... لم أتمالك نفسي عن الضحك ... تركتني مشدوها وإنسحبت نازلة السلّم ... لم تزل تضحك من اللقطة الطريفة ... حتى غاب خيالها عني ... راحة شديدة شعرت بها ... سعادة من أفلت من حبل المشنقة ... دخلت غرفتي مرتعشا ... كلما تذكّرت تلك الكلمة إنتفظت ضاحكا ... ضحك ممزوج بالسعادة ... بدأت بطني تقرصني ... تريد تعويض ما خسرته بسبب الإسهال ... تناولت عشاءي ... حتما لن يكون العشاء الأخير ....
فتحت باب الشّقة أشهق من الضحك ... عفوية هذا الشاب تأسرني ... بسيط لدرجة الغموض ... رغم أنه منذ تعيينه حارسا بالعمارة لم يرفع نظره في ... لكنه اليوم كان مختلفا .... فتحت التلفاز ... مسلسلي التركي اليومي بدأ منذ قليل ... فاتتني منه بضع لقطات ... لم أغضب من الأمر ... على غير العادة ....
الشقة فارغة ... هادئة كعادتها ... هدوء أقرب للموت ... ماجد لا يحدث صوتا ... منذ إرتبطت به وهو هادئ ... هادئ في كلّ شيء ... هدوء أقرب للرتابة ... هو يظن انه بذلك يوفّر لي الراحة ... لكني أفتقد ونسه ونفسه ... صوت عالي ... موسيقى عالية ... ضجيج ... عنف ... إنطلاق ؟؟؟ ...
لم يكن هكذا وهو يلقي علينا الدروس ... صوته كان يهز أرجاء المدرّج ... يل الجامعة ككل الكل كان يهابه ... شخصيّة قوية ... يلسع أذاننا بنقده اللاذع ... كنا وكأن الطير تحط على رؤوسنا وهو يلقي كلماته الفصيحة علينا ... أستاذ في العلوم السياسية والقانون الدستوري ... لم يتجرّأ أحد من الطلبة على التغيّب عن حصّة واحدة له ... أحيانا بعض طلاّب الإختصاصات الأخرى يتسللون للنهل من معارفه ... كان متزوّجا ... سيّارته القديمة تقف أمام الجامعة ... الكل يعرفها ... تلك السيّارة كانت سببا في معرفتنا ... تعطّلت به في يوم ماطر ... كنت رفقة زميلتي نمضي بعض الوقت في مقهى ...
توقّفت بجانبه بسيّارتي رباعية الدفع ... كنت ساعاتها أغيٍّر السيارات ... كما الأحذية والرجال ... مانع في الركوب معنا ... أقسمنا له أننا لا نخبر أحدا ... مذ جلس بجانبي ... أحسست أنه مختلف ... رجل من طينة أخرى ... صارم ... قوي ... يتكلّم بطريقة يصعب تقليدها ... حتى عندما يمزح .... مزاحه يختلف ... أذكر أني لم أنم ليلتها ... شخصيته سكنت روحي ... سيطرت على تفكير ... قادت حركاتي كلعبة يتحكّم بخيوطها .... المحاضرة القادمة ... الكل يغرس رأسه يكتب ما يمليه من تعليمات ... إلا أنا ... ثلاث ساعات لم أمسك قلمي لأخط كلمة ... لم أبعد عيني عن عينيه ... طاردته أينما حلّ ... كل ما وقعت عينه في عيني تلبك وتلعثم كلامه ... أحسست أن سهامي أصابته ...
سرعان ما وصلته رسائلي ... جذبه جمالي ... موقعي ... نسبي ... ثروتي .... تخلّى عن زوجته الأولى ... فكرة الإرتباط برجل أكبر مني سنا ... مطلّق ... فقير ... كانت بمثابة القفز من أعلى المئذنة للوقوع في قاع البئر ... مانع الجميع ذلك ... مجلس العائلة طردني من دائرة الحظوة ... لا يهم كنت أحبه حبا لم أقدر على كبح جماحه ...
ثم بدأت الصدمات .... إكتشفت أنه لم يكن دكتورا هو معيد بالكليّة ... خمسة عشر سنة لم يرتقي فيها درجة ... إنسان بلا طموح ... فاشل على جميع النواحي ... إحساسه بالنقص أمامي يخنقه ... لا يرفع صوته بالبيت ... أكلت أطراف أصابعي ندما .... خسرت كلّ شيء ... وحظيت به هو ... قرار متسرّع مني وطمع متزايد منه ... عملت موظفة بالمحكمة ... موظفة إدارية بشؤون الموظفين ... أنا التي كانت تنفق بلا حساب صرت أقسّم الراتب الشهري ... هذه للكراء وهذه للطعام ... دفعته للنجاح نكاية بنفسي ... صبرت فقط كي اثبت لأهلي أني على حق ...
بعد الثورة وفي خضم تلك التخمة السياسية ... إستعملت إحدى معارفي ليصل لشاشة التلفاز ... الكل كان يحلل ويناقش ساعتها ... أنا أوصلته وهو تألّق .... سرعان ما نجح في الإنتخابات وصار نائبا ... بارك أهلي زواجي حينها ... بعد خمس سنين .... خصوصا وأن ثروتنا تشوبها عدّة شبهات ... صهرهم المحقور سابقا صار سندا لهم ... بدأت الهدايا تتهاطل عليه ... سيّارة ... شقّة ... قطعة أرض ... فجأة صار نسخة مقيتة من أبي ... فاسد جديد بنكهة ثورية .... أبي كان فاسد بطعم وطني ... ذهبت كلّ تلك المثل التي صدّع بها أذني يوما ... رغم ذلك بقي تحت حذائي ... لا يكح إذا كنت موجودة ... حتى النفس يحاول كتمه ....
كم جلدت نفسي وأنا أتابع خطبه الرنانة عن الفساد والفاسدين ... لم يتغيّر شيء سوى أن الثورة فتحت الباب لكل الرعاع أن يتسلّقوا السلطة فتزاوجت سلطتهم بالفساد القديم ... رعاع كانوا سابقا يزحفون تحت الأرض ثم تحولوا لأبطال الورق والكلام ... فقط من لم يرضخ لهم وقع حسابه على فساده ...و بالتأكيد الكل خضع ...
أمر غريب أن يصدر هذا الكلام من بنت أحد سادة الفساد ... لم أكن أبالي بأحد في الماضي ... في عائلتنا كل شيء مباح ... الخمر ... التدخين ... المخدرات ... الزنا ... لا حدود ... كنت أمقط تلك الحياة .... ربما إستقامة ماجد سابقا هي التي شدتني له ... رجل بطعم آخر ورائحة أخرى ...
كم صرت أمقط رائحته ... منذ وئدت تلك الرضيعة وأنا أمقطه ... إحدى العاملات بالوزارة طلبت مني أن أتوسط عند زوجي أن يجد سريرا لإبنتها في مستشفى الأطفال ... حقّك في العلاج في تونس يمر عبر التدخلات ليصبح منة عليك الشكر من أجلها .... منظومة صحية هي إحدى ضحايا الفساد ... بل أبرزها ... وفعلا فعل ... كان صديقا لمزود وزارة الصحة بالأدوية ....
توقف قلب الشعب يوما ... مجزرة في حق الملائكة ... دواء فاسد تسبب في وفاة رضع قادهم فقر ذويهم لمستشفى تشرف عليه الدولة ... لجئوا لها ... فأرسلتهم لمن يحميهم أكثر منها ...
لن أنسى أبدا عين تلك العاملة وهي تتخبط وراء شاشة التلفاز ... أنجبتها بعد 18 سنة من العقم ... قالت أنها باعت كل شيء ... حرمت نفسها من كل شيء لتجمع ثمن عملية تلقيح صناعي ... زوجها يرتجف كاليتيم ... قامت الدنيا ولم تقعد ساعتها ... برامج .... إذاعات ... جرائد ... الشعب كلّه يصرخ ... ثمّ هدأ كل شيء ... حكومتنا تعاملنا كصيّاد الذئاب ... الرصاصة الثانية تنسيك الأولى ... مصيبة وراء مصيبة حتى نسينا من أين بدأ الألم ...
لا أعلم أيحق لي أن أتكلّم بصيغة الجمع .. هل أنا من الشعب ... أم من الحكومة ؟؟؟ ... هل أنا ضحية أم مسؤولة .... حب ماجد لي جعله يسرني أنه يمسك دليل إثبات على تورّط شركة صديقه في إهمال تسبب في فساد الدواء ... التستر على الفساد يدرّ المال الوفير ... المكافأة ... فيلا فخمة بصدد البناء في حي فخم ... مبروك عليا ددمم الأطفال ... فهمت الآن لماذا حرمتني السماء من القدرة على الإنجاب ... ربما هي طريقة السماء في محاربة الفساد ... لا نتكاثر ربما ننقرض ... أنجع حلّ ... حتى لو إنقرضنا سينبت غيرنا ...
من المذنب حقا ؟؟؟ الشعب هو من يختار الفاسدين ... ديمقراطيتنا يشهد بها العالم ... العملية نزيهة وشريفة... لكن الطرفين هما الفاسدان .... المرشحون والشعب ... صبيحة هذا اليوم قدّمت إستقالتي من الوزارة ... لن أعمل ثانية ... سأنفق كل ما يجمعه ماجد من الفساد ... في الفساد ... سأمتّع الشعب ...
مذ وقفت سيّارة التاكسي أمام العمارة وكياني المبعثر تشقلب رأسا على عقب ...تلك النظرة الثاقبة من منذر الشاب هذا بين فخذي تثقب قلبي ... لم أفهم السبب ... ألف عين وألف قضيب غاصت فيه قبل زواجي ... لكن هذه العيون الزرقاء تختلف ... لها طعم آخر ولون آخر ... سرعان ما خاب أملي لما أشاح بوجهه عن مؤخرتي ... كل العيون تتوجه لها إلا هذه البحرية ... هل يعقل أن يكون يحب خادمة فريال لهذه الدرجة ؟؟؟
... من خطفت أستاذا من زوجته يمكنها خطف بواب من الخادمة ... لكنه يتجاهلني ... كدت أخنقه بالمصعد ... صببت جام غضبي عليه ... رغم قسوتي معه وقف صامدا أمامي ... صموده هز كياني ... هزم كبريائي ... تجاهله لي يخنقني ... مكثت أراقب بيت فريال ... حبيبة لم تسلل للسطح كعادتها ولا هو دخل شقتها ... قررّت الصعود سأستعمل سلك التلفاز كتعلّة تفسّر تلصصي ... السطح فارغ ... دفعت باب غرفته بحذر ... الغرفة خالية ... أشعلت النور ... لا أحد هناك ... بقعة دائرية على لحافه ... لن تخطأها عيني ... هي مائه لا شك ... قرّبت أنفي أتشمم رائحتها ... فجأة غرس بين فردتي مؤخرتي تلك العضلة الضخمة ... لم أفهم ما عليا فعله ... دفعته وهربت لشقتي ... روحي تتصارع ... صراع بلا نتيجة ... المصيبة أن الإرسال مقطوع عن التلفاز ... ما سيسليني تلك الليلة ... صعودي للسطح ثانية كان بعد مجهود حاولت فيه أن أتمالك نفسي ... لن أكون فريسة سهلة له ... ليس منذ المرّة الأولى ... صعدت السلّم والرهبة تملأني ... وعدت والضحك يخنقني ... عجيب هذا الفتي ... مستسلم و ممانع ... مطيع وعنيد ... صلب وناعم ... بارد لدرجة محرقة ...
منذ رأيته وهو يعانق حبيبة قرب الباب وأنا متأكّدة أن شيء مريبا يحصل بينهما ... ليس مريبا بل هو طبيعي ... إمرأة وحيدة وشاب صغير ... دخوله العمارة كان فجأة ودخوله عقلي كان بترتيب ... لا أعلم أهو ترتيبي أم ترتيب الأقدار ... مذ رأيته على السطح ... تلك الفوطة القديمة ... صدره العاري ... عضلات منمقة من صنع الطبيعة ... لا قصد فيها ... وضوح غامض ... شرارة وقدحت في صدري ... عفويته ... لم أعلم ما السبب ... محاطة بخيرة الرجال ... روائح عطرة وملابس فخمة ... ربما هو شوق من تعودّت الأكل الفخم لتذوق سندويتش شعبي على قارعة الطريق ...
ليلة طويلة مرّت عليا ... ما حدث قد حدث ... لا مجال للتراجع ... ولا مجال للتقدّم ... سأتبع خطوات القدر ... لكني لن أحاول تغيير الطريق ولا عرقلة تلك الخطوات ... الفرصة تأتي مرّة واحدة ... ربما هي فرصته ؟؟؟ أو فرصتي ؟؟؟
فرصة لا يمكنني تفويتها .... مدام سهام لم تغضب مني ... لم تطردني ... لم تنزعج من هفوتي بل ضحكت في وجهي ... ضحكة أنارت روحي ... المصباح الخفيف في الغرفة يرسم ظلي على الحائط ... مسحت فمي ونظّفت مكان الطاولة ... أشعلت سيجارة وخرجت للسطح ... ثلث الليل لم يمضي بعد ... حبيبة لم تأتي وفريال تاهت ... عجوز النحس هذه ... قدومها لم يكن في الوقت المناسب أبدا ... عرقلت خطوات لم تخطى بعد في طريقنا ...
طريق حياتي يجب أن يبدأ عبرها ... زوجها شخصية مرموقة وسيساعدني ... هو يبدو شخصا ودودا لكن دفعة من زوجته سيجعله يلبي طلبي ... طلب بسيط ... حقي في عمل يحفظ كرامتي ... كرامة تولد فينا ثم سرعان ما تسرق ... دولتنا تعاملنا كمتسوّلين ... نستجدي حقنا في التعليم ... حقنا في نقل مريح ... حقنا في تسلّق درجات طموحاتنا ... حقنا في الأكل ... في الأمن ... في الصحة ... الحياة لم تعد حقا بل منة يمنون بها علينا ...
ألقيت بظهري على الفراش ... رفعت نظري للسقف ... عنكبوت صغيرة يجاهد لبناء بيت في ركنه الأيسر ... تابعت حركاتها ... بدأت عيني تثقل تدريجيا ... تقلّبت على جانبي مقابلا الحائط ... تكاسلت عن إطفاء النور ... إنعكاس ظلي على الحائط رسم تموجات كجبال الأفق في قريتنا ... مخلفات الدهن التي نحتتها إسطوانة دهان مستعجل على الحائط ... تتشكّل في خيالي وجوها ورسوما ... هذه وجه سيدة ... *** ... عنزة ... جبل ... نجمة ... لعبة ممتعة سرقت تفكيري المنهك ...
أجري بين سفوح الجبال في قريتنا ... أطارد قنفذا صغيرا ... دخل في أكمة خضراء ... تبعته ... مدام فريال تقف أمامي متأنقة تلبس فستان عرس أبيض ... فستان عجيب ... صدرها الأبيض يطلّ منه بحلمتيه الورديتين عاريا ... حبيبة بلباس رحالي رسمي أسود ترفع الخامة الشفافة عن وجهها ... تنظر لوجهها مباشرة ... القنفذ بلباس شيخ المدينة يعلنهما زوجين حتى يفرقهما الموت ... تقابلت شفتاهما في قبلة الزواج الكاثوليكي ... بكت عيني حتى وقعت دموعي بين حجري ... مدام سهام في روب حريري أبيض شفاف يمنعني من التملي في جسدها ... خارجة من تحت الطاولة التي يخط عليها القنفذ بنود عقد الزواج ... وجهها يبتسم لي ... همست في أذني " ما تكبرش كرشك باش ما تموتش بالشرّ " ... أنا بطني ليست كبيرة ... لست طمّاعا ... رغم أني ميت من الجوع منذ ولدت ... زغردودة بربرية تصم أذني ... فاطمة فوق شجرة صنوبر تطالع رواية كعادتها لكنها تبكي ... سرب ذئاب يعوي مرددا صوت زغاريدها ... ثديان يهتزان خلفه ... يطاردانه ... تلك السيدة التي قابلتها تجري في ساحة الحي يوما ... تمرّ أمامي بسرعة البرق تريد اللحاق بثدييها ... نظرت في وجهي وحركت أصابعها دائريا ... مرّة أخرى ... فرصة أخرى ... وقت آخر ... ما تقصد ...
تلك الفتاة اليابانية ... عارية تمارس اليوغا بين قدمي فريال التي ذابت بين شفاه حبيبة ... ثلاث نساء لم أحدد ملامحهما تبركن تحت قدمي ... تركعن تحتي ... إحداهن وقد غطّت رأسها تخرج حديدة من بين فخذيها وتهوي بها على خصيتي ... رغبة شديدة في التبوّل ... أمسكت زبي وتبوّلت على وجههما ... سعيد بتخلصي من الألم ... من القهر ... تبوّلت عليهن جميعا ... حتى القنفذ القديس ... رششت مائي على الجميع ... عمّدت رؤوسهم ... تطهرت من ذنوبهم ....
فتحت عيني مستغربا هذا الحلم العجيب ... الحلم الوحيد الذي تحقق في حياتي هو أني تبوّلت في فراشي ... قفزت من مكاني مفزوعا ... غارقا حتى الإبطين في القذارة ... رائحة الشياط تعمي العيون ... فضيحة سريّة ... يجب تفاديها ... هرولت نحو الحمام ... خلعت ملابسي وفتحت ماء الحنفية عليها .... كأني أخدع نفسي بأن الماء هو سبب بللها ... إغتسلت ولبست ملابسي ... نظرت لحشية السرير ... مبلولة حتى صارت تقطر من تحتها .... نزعت اللحاف وألحقته بالملابس تحت الحنفية ... يجب إخراج الحشية لتجف تحت نور الشمس ... لكن الرائحة ستبقى ... سحبتها حتى وسط السطح ... سطل من الماء وبعض الصابون وتخلّصت من عطر الغفلة ...
يجب إخفائها حتى لا يكتشف امري زائر للسطح ... لم أجد حلا سوى سطح الغرفة ... جاهدت لرفعها وقد تضاعف وزنها بفعل الماء ... أنهيت مهمتي الشاقة وقد بدأت الشمس تسطع ... كنت أهم بالنزول ...
نظرة بسيطة على اليمين ... شبابيك صغيرة متراصفة فوق بعض ... أحدها ينبعث منه نور ... زجاجها الصلب يخفي ما بداخلها ... شكل جسد يتحرّك خلفها ... يرفع يديه للأعلى ثم ينحني ... ينزع تيشرت عن لحمه ... ثديان بارزان منه ... هي أنثى ... حسب ترتيب الشبابيك هي شقّة في الطابق الثاني ... لكن هي أيهما ... الثالثة أو الرابعة ... دخلت صاحبة الجسد تحت الدش ... فهمت ذلك من ضباب كثيف شكّله بخار الماء الساخن على البلّور البارد ... مشهد ضبابي لكنه شدني لمتابعته ... تمركزت فوق السطح أتابع حركات مموهة ... غسل للشعر ... فرك طويل للثديين ... طول فترة الإنحناء تؤكد عناية بغسل الرجلين أو ما بينهما ...
أطلقت العنان لخيالي ... قضيبي الذي خنقه البعد إنتصب على أشدّه ... وضعت يدي أداعبه برفق ... وتهت ... فارقت أرض الواقع رفعني محرّك الحلم البخاري بقوة 60 حصانا للسماء ... وقعت من سطح الغرفة متفاديا أن تكشفني صاحبة البيت عندما فتحت الشباك فجأة ... حاولت الوقوف متألّما ... عظامي تكسّرت ... سقوط حرّ من علو منخفض على أرض صلبة ... كرة صغيرة خلف أذني بدأت تدفع لتذكرني بحقها في الألم ...
محاولا إكتشاف الأضرار في جسدي ... وقفت و أنيني يملأ المكان ... صوت رنين من جهاز المناداة في الغرفة ... الشقة 5 تريد خدمة ... نزلت أعرج وألعن حظي والدكتور معا ... مدشدش الجسد ... تائه الفكر ... وقفت أمام الباب ... فتح ببطئ وهدوء كالعادة ... وجه مدام سهام يطلّ بخجل وأثار النوم على عينيها ... سحبتني من يدي بعنف للداخل ... توقّف قلبي ... حركة غير متوقعة منها ... ما تريد مني ؟؟؟
لصقت الحائط أنظر للأعلى منتظرا حركتها الثانية دون نفس .... تخيّلتها ستضع يدها على صدري وتداعب قضيبي ... أو هكذا تمنيّت ...
" تفهم في الماء ؟؟؟ " ... جملة لم أستسغها ولم أفهم مقصدها ... نظرة نحوها مندهشا ... وجهها دون رتوش لكنه رائع ... أثار النوم على عينيها ... شعرها منكوش ... تيشرت أخضر قصير تطلّ منه ذراعاها الناعمتان من كتفيها حتى معصميها .... حلمات صدرها موجّهة نحوي كمنظومة صواريخ ... صرّة بطنها مكمشة تسحب جلد بطنها العاري بين التيشرت والبنطلون الحريري ... لم أتمالك نفسي ولم أستطع النطق ... الحلم والتبوّل والشباك والسقوط ... كل هذا ينتهي في ممر بيت مدام سهام الشبه نائمة أمامي .... لا شي يعمل في عقلي ...
دخلت الباب ... لم أقدر أن أدوس أرضيته بقدمي ... هو أصلا ليس بالحمام ... لا يمكن تشبيهه بشيء ... غرفة واسعة مغلّفة بسيراميك مزركش ترى إنعكاس وجهك عليه ... أرضية رخامية تحسبها لجّة من نقائها ... حوض كبير بدرجات في جانبه الأيمن ... مغسل مدور في يساره ... كرسي حمام مزركش بجانبه ... مصعد كهربائي أمامي ... أو ثلاجة ؟؟؟ ...
حنفياته مذهبة ... وقفت لا أعلم كم من الوقت لكني متأكد أن عضلات وجهي آلمتني من كثرة فتح فمي دهشة ... كيف سأصلح الماء هنا ؟؟؟ هل هي متأكدة أنه كان يوجد هنا ماء قبلا ؟؟؟ ... تقدّمت محاذرا السقوط وسهام تراقب حركاتي المتوجسة من خلفي ... وضعت يدي على حنفيّة المغسل ... نظرة لكفي قبل ذلك خشية تلويثه ... لا ماء فيها ... أصلا الماء يستحي للوصول إليها ... أجلت نظري في الأرجاء ... معرض لعلب الصابون والشانبو والكريمات في خزانة بلورية ... ومحلّ لبيع الفوط والمناشف والبشاكير بجانبه ...
الماء يأتي عبر القنوات بكل تأكيد ... تبعت أحدها خلف المصعد ... لم أجد شيئا ... كيف الحل لإيجاد العطب في هذه المتاهة ... علبة صغيرة تحت خزانة الصابون مثبتة في الحائط ... تبدو كعداد أو شيء مماثل ... فتحتها فيها زر أحمر والأخر أخضر ... ما إن لامست الأخضر حتى سمعت صوت غرغرة في الأنابيب ... أنبوب مثبت على الحائط إنطلق كثعبان هائج ... يقذف الماء بقوة في كل ركن من الحمام ... وقفت مصدوما ثواني أراقب حركته ... تلك الثواني كانت كافية لأستحم من شعري حتى قدمي ... صوت صارم من حلق سهام الحنون ... " إزرب سكرو ... سكرو " ... نظرت نحوها وهي تشير لحنفية مثبتتة في الحائط فوقه ... دفعتان إضافيتان رشني بهما ذلك الأنبوب المجنون حتى تمكنت من إخماد روحه ... ملابسي إلتصقت بجسدي ...
تقدمت مني مدام سهام معتذرة وقد بدت مبتسمة من طرافة الموقف ... قالت أنها فتحت الحنفية ونسيت إغلاقها بما أن الماء مقطوع ... أرضية الحمام صارت بحيرة صغيرة ... بعض القطرات تتساقط من حيطانه الناعم زاحفة كحلازين خرجت تستقبل ندى الفجر ... هي فرصة وقدّمت لي على طبق ... بعض الخدمات المجّانية ستقربني من مدام سهام وبالتالي أحقق هدفي مع زوجها ...
خرجت مسرعا نحو المطبخ ... صرت أعرف مكان حفظ أدوات التنظيف من المرّة السابقة ... سرعة عودتي منعت كلمات أن تخرج من حلق سهام التي إندهشت من فعلي ... قبل أن تنتهي دهشتها ... بدأت أنشف حيطان الحمام ... ثم أشفط الماء بالممسحة من الأرض ... دخلت تغسل وجهها تتخلّص من أثار النوم ... جاهدت رقبتي ألا تستدير نحو المغسل لتسترق النظر لها ... لكن جاذبية الحرير على تلك المؤخرة قادرة على تغير مسار الطائرات في عليائها ...
طول الفترة التي قضتها تعتني بفرك وجهها بأنواع الصابون العديدة ... سمح لي بأن أشبع رغبتي الشقية ... سحبت منشفة وخرجت تتقي بقع الماء على الأرض ... تمشي على أطراف أصابعها ... إرتفعت مؤخرتها للأعلى فإرتفعت القبّة على بنطالي ...
سعدت أن وجهها كان مخفيا وراء المنشفة ... لم تلحظ ما أصابني منها ... بدأ إلتصاق تيشيرتي بلحمي يزعجني ويعيق حركتي ... خلعته وشمّرت سروالي ... صدري عاري وقصبتى رجلي كذلك ... كنت أشبه بمن يتأهب لقطع وادي... بدأت أركّز على عملي محاولا تناسي رغبتي ... نعومة رخام الأرضية صعّبت الأمر عليا ... رفعت عيني أبحث عن شيء أنشّفه به ...
سهام تقف قرب الباب تضع مرفقها على حافته وقبضتها تحت خدّها ... لم تغيّر ملابسها ... أفزعني وجودها الشبه مفاجئ ... كانت تراقب حركاتي بعين ثابتة ... خشيت أن لا يعجبها صنيعي ... فطلبت منها " ما عندكمش خيشة ؟؟؟ " ... لم تجبني إلا بعد تكرار الجملة ثلاث مرّات ... غابت لدقيقة في المطبخ ثم مدّت لي ممسحة قماشية إستخسرتها في مسح الأرض من فخامتها ... ثم إنسحبت ... للمطبخ ....
دخلت المطبخ هربا من حرجي ... وجود هذا الشاب النصف عاري أمامي في بيتي لوحدنا يلهب ناري ... خدودي إحمرّت لتعكس حرارة جسدي ... لن أتبع خطوات القدر ولن أمنعها ... بل أنا من سيسطرها ... لن أترك هذه الرغبة المجنونة تحرق روحي ... يحب أن لا أتركه يخرج ... رغبتي به تحرقني ... وبنطلونه يعكس رغبته بي ...
وضعت إيناء الحليب على النار ... بعض البسكويت والحلويات ... الزبدة ومعجون التوت ... حمّصت بعض الخبز البائت ... أعددت طاولة الإفطار لأوّل مرّة في حياتي ... إحساس جميل بأني سيدة بيت ... الدلال في بيت أبي منعني وإنبطاح زوجي جعله خادما لي ... أفيق فأجد فطوري حاضرا ... هذا حدث تاريخي سببه وجود منذر بجانبي ...
أتم عمله بالحمام وقف أمامي يحمل تيشرته وحذائه المبلولين ... يطلب الإذن بالإنصراف أو إن كانت لي طلبات أخرى ...
تجرّأ ومدّ يده يقضم بعض ما قدّمت له ... جوعه أطلق يديه تلتهمان ما أمامه ... إكتفيت أنا بفنجان القهوة ... وضعت يدي على خدي ومرفقي على الطاولة أراقب صمته ... عيناه تتحاشيان النظر لي ... هل حبيبة أجمل مني ... هل يحبها ... ألم يثره جسدي ؟؟؟ ...
بدأت نار أخرى تلتهب في صدري وهو يتحاشى النظر لي ... كدت أنطق وأفسح عما يختزنه صدري ... فجأة سمعت صوت باب الشقة يفتح ... ماجد عاد ؟؟؟ ... أمر غير معقول ... أسبوع الجلسات في البرلمان يبيت في النزل مع زملائه ... ما الذي آتى به ؟؟؟ مصيبة لو ضبط منذر في البيت معي ..... أمرت منذر بالخروج من باب المطبخ ... تركته يستعد لذلك وهرولت للممر مرعوبة ...
قفزت من مكاني مرعوبا من هذه المصيبة ...لو ضبطني زوجها هكذا نصف عاري سأعدم على المكان ... صوت مدام سهام ترحّب به مستغربة عودته يصلني من الممر يؤكد أنه على بعد خطوتين مني ... فتحت باب المطبخ ... لم يكن باب المطبخ بل باب الثلاجة ... صوته يؤكد أنه في عتبة الباب ... أجلت عيني باحثا عن المفرّ ... بعيد عني ... سيضبطني ... فحشرت نفسي بسرعة في الثلاجة وأغلقت الباب من الداخل ...
هي ليست ثلاجة بل شاحنة نقل بضائع ... بركت متقرفصا في جزء صغير متحاشيا إحداث جلبة ... أحسست بتنهيدة الراحة تخرج من صدر سهام أننا لم نضبط ... دخل زوجها للمطبخ مستغربا ما تفعل ...
حشوة للأعماق من سهام عندما أعلمته أن الحمام فاض وقد قامت بتنشيفه لوحدها ... حشوة حارة منها جزاء لعملي ... آخرة خدمة الغز علقة على رأي المثل المصري ... المصيبة أن هذا الأقرع وضع الأواني في آلة التنظيف ... ونظفها بنفسه معتذرا لسهام عن الجهد الذي بذلته ... لم ينتبه لملابسي في الغسّالة ولا لكون الآواني تكفي شخصين ... ولا حتى لوجودي أسفل الثلاجة وهو يعيد بعض العلب لها ...
فقط سهام تغيّر لونها للأسود رعبا ... أُغلقت الثلاجة في وجهي وغاب الصوت ... بدأت برودة جدرانها تخز ضلوعي والظلمة تطبق على روحي ... تابوت فرعوني بارد ... بقايا البلل على صدري و هذا البرد وإنعدام القدرة على التنفس ... إنتهى أمري ... لو صرخت ضبطت ولو سكت قتلت ...
صوت غلق الباب الخارجي بقوّة يؤكّد نهايتي ... نور ساطع وظلّ رأس سهام تسحبني من يدي وتفتح باب المطبخ وتدفعني خارجا ... لم أتمالك نفسي ... ألم السقوط ... والبرد والجلوس متقرفصا في درج الثلاجة ... كل ما في يؤلمني ... لم أستطع تقويم عمودي الفقري إلا بصعوبة ... صوت صراخ يأتيني من السطح ... الدكتور يناديني ... قفزت الدرجات قفزا رغم الألم ... عيناه تشتعلان غضبا وسط وجهه الأحمر البغيض ... صلعته الصفراء يخرج الدخان منها ... ما إن لمحني حتى أسرع نحوي أمسك رقبتي يخنقني ...
تحاملت على نفسي حتى دخلت الغرفة ... إصاباتي تؤلمني وروحي تنزف ... جلست على حافة السرير أضغط بيدي على مكان الألم في رأسي ... دموعي تنهمر ... كرهت هذا الرجل حتى وددت قتله ... هذه حقيقتهم ... متعالون متكبرون ... نحن العبيد وهم الأسياد ...
غرقت في دموعي ... حين خلت أن الحياة تفتح شفتيها تنوي التبسم لي ... أسقى كلّ هذا العلقم ... ما ذنبي ؟؟؟ .... بدأت ألعن العمارة بساكنيها على الحي على العاصمة على البلد بأسرها ... ربما هو عقاب السماء لي ... لم أفعل شيئا يستحق هذا ...
ربما هو عقاب على علاقتي بحبيبة ؟؟؟ ... لا بل رغبتي في مدام فريال هي السبب ... الأكيد أنه طموحي ... كنت أنوي التقرّب منه ليرفعني فلطمني ... رسالة واضحة أن ألزم حدودي ... لو ضبطني عنده في الشقة لقتلني ... مجرّد أنه توهم أني قصّرت في خدمة زوجته كانت نتيجتها هكذا ... يجب أن أراجع حساباتي ... لكن لا يحق له أن يشتم أمي ...
صوت خطوات يأتي من بعيد ... تصعد السلّم ببطء ... صرت أرتعب من قدوم أحدهم ... هل هو الدكتور عاد ليكمل صب جام غضبه ... لو كان هو سأكسر يديه وألقيه من السطح ... وليكن ما يكون ...
نار الغضب تشتعل في صدري ... رفعت رأسي لألمح مدام سهام تقف عند باب السطح ... صوتها الحنون الخافت يناديني ... موجة الغضب منعتني أن أرد ... باب الغرفة يقابل باب السطح ... رفعت رأسي لألمحها تقدم نحوي ... وقفت عند الباب طويلا تنتظر أن أرفع رأسي وأنظر لها ... عيناي تلتصقان بالأرض كأنهما موثقتان نحوها ... صوتها الحنون يطفئ ألسنة غضبي ...
وضعت يدها على كتفي العاري ... ثم بدأت تداعب شعري كأم حنون ... لا بل كصديقة مقرّبة ... لم يربّت احد على أحزاني من قبل ... لم أشعر بتلك الحنية والحنان سابقا ... أصابعها اللينة تدغدغ جلدة رأسي تغوص في خطواتي ... حاولت كبت نحيبي إحتراما للمساتها فلم أقدر ... فإنفلت غصبا عني زفرة حارقة إهتز لها صدري ... وإهتز لها كيانها ... أظافرها تغوص في رأسي .. كأنها تحاول إقتلاع الذلّ من ذاكرتي ...
هي تقولّ " يزي " وأنا أقول " سيّب " ... لا أنا توقّفت وإكتفيت ولا هي أطلقتني .... يداها الناعمتان لن تقدرا على كبح حركتي طويلا حتى لو تساهلت معها في نزال ودي ... حركة بسيطة مني وإنفلت من قبضتها ... إلتفت نحوها ... عيني تنظر في عينها مباشرة ... أمسكت يديها بقوّة ... ضغطت على أصابعها حتى سمعت طرقتهما في كفي ... عينها بدأت تلمع من دمع سببه الألم ... لا أدري كيف تجرّأت ودفعتها بعنف على السرير ... كنت انوي إبعادها عني ...
سقطت على السرير بقوة ... رباط روبها القطني إنفك بفعل الصراع الطويل بيننا ... إنفرد روبها القطني الناعم تحتها على السرير ... صدرها الأبيض الناعم مفرود أمام عيني ... جسدها الطري عاري أمامي إلاّ من كيلوت أزرق صغير ... فخذان مدوران وقصبتا رجل كعيدان المرمر ... أذهلني المنظر ... السياق كلّه لا يحتمل إلا إتجاها واحدا ... لم أشعر بنفسي إلا وقد إرتميت فوقها ... وضعت يدي على معصميها أشلّ حركتها ... غاصت شفاهي في رقبتها ... كنت أتوّقع مقاومة منها ... لكنها لم تتحرّك ... إغتصاب ناعم ... قرّبت شفتي الساخنتين بفعل الغضب من شفتيها ... لم تستجب ولم تشح بوجهها لتمنعني ... عقلي توقّف عن التفكير ... لن أفسّر شيئا ولن أقرأ عواقب خطوتي ... فل يكن ما يكون .... رحت أقبّل رقبتها نزولا بعنف ... عنف الجائع ... عنف السجين ... عنف الفقير ...هو عنف الثائر لا ريب ... وصلت شفتاي لمفرق صدرها ... مفرق لا فرق في إختيار الإتجاهات فيه ... هو سراط سواءا سقط عن يمينه أو شماله وجدت النعيم ... نعيم رضعت عسله من حلمتها الوردية ... تصلّبت وإنطلقت تعانق لساني أوّل ما لامستها ... إرتخاء عضلاتي يديها جعلني أطلق سراح معصميها ... يدي اليمنى تداعب ثديها الأيسر تعصر الخمر من نعومته ... خمر وصلتني رائحتها الفوّاحة من تحتها ... رائحة جذبت فمي ليزحف زحفه المقدس نحو بطنها ... طاف لساني بصرّتها ....وخزت الرائحة أنفي أكثر سرعان ما لبيت النداء ... بركت أرضا على ركبي ... غطس رأسي بين فخذيها ... قماش الكيلوت الناعم يبدو خشنا أمام نعومة جلدها ... دوائر قاتمة تؤكّد أن العسل فاض من شمع شفرتي كسها ... بضر صغير ناتئ تحت القماش الناعم ...
لم أخلع عنها الكيلوت ... مزقته بأسناني ... كذئب جائع في ليلة شتاء قارس ... عواء زعزع أركان الغرفة أوّل ما وصل طرف لساني للمفرق الوردي ... مفرق يزداد حمرة كلما غصت فيه ... كأنهر عسل مهل نار جحيم الجنة ... شفتاي عذّبت بضرها ... سحبته للأعلى .. عضضته بعنف ... حركت رأسي كسمكة تريد التخلّص من خيط صنّارة ... كلما صارعته سحبني نحوه ...
بدأت تخرج عن حيادها ... أصابعها الناعمة تحيط برأسي ... تقبض على رقبتي .. تريد حشر رأسي داخلها ... بطنها تهتز ... صدرها يرتفع للأعلى ... تواتر حركتها أنبأني أني أحسنت عملا ... قلّدت حركة حبيبة مع فريال مع لمسة ذكورية ريفية عنيفة ... إختلط لعابي بلبن جحيم رغبتها ...
توقفت فجأة وإنسحبت للوراء ... كنت أحرّك رجليا بعنف للتخلّص من بنطلوني حين رفعت رأسها من على السرير مستفسرة في خجل عن سبب توقفي ... عيناها الخجلتان إنفتحتا عن آخرهما ... قضيبي موجه نحوها كرمح يتأرجح ... أعتقد أن شفتيها أرادت الحركة ... لكني أمسكت برجليها من الأسفل ورفعتهما للأعلى متلاصقتين ... دون مقدّمات ودون إعتراض ... إنغرس قضيبي دفعة واحدة داخل كسّها ... حرارة جدران رحمها إلتقت بنيران الغضب والرغبة في دمي ... حركات سريعة دخولا ونزولا ... تقوسّت بطنها معها لترفعها للأعلى معتمدة على كتفيها ... صدرها مال يمينا ويسارا ... وضعت رجليها على كتفي ... وأمست بوسطها ... ضغط مضاعف في حركة عكسية ... طعن عنيف يدك رحمها ... كنت أستشعر حركتها من وقع ضرب كعب رجلها على كتفي ... حركات إهتزازية تزيد في عنفي ... بدأت آهاتها المكتومة تنفلت مع زلزلة أصابت جسدها ... كذبيحة تتخبط بين يدي ... أنا تعمّدت كتم آهاتي ... كتمت آهاتي وأفرغت رغبتي ... أفرغت كبتي وقهري ... جوعي وذلي ... نعم السيطرة لها طعم آخر ... سيل لبني يندفع نحو وجهها ... صدرها ... بطنها ... بين فخذيها ... ماء الرغبة المقدّسة يعمد خصلات شعر على جبينها ...
تراجعت خطوتين للوراء ... الحالة الطبيعية للإنسان ... يساورك الندم بمجرّد إنتهاءك من المتعة ... الغضب أول الفعل و الندم آخره لم يتركا لي الفرصة للتملي في جسدها الغض الطري ... حملت خوفي وهربت من أمامها تركتها مضرجة بماء رغبتينا وإنسحبت ... لم أجد مخرجا وأنا عاري سوى الحمام ...
لم يعد هناك مجال للتراجع ... لقد وقع ما وقع ... سأنتظر النتيجة .... فتحت ماء الدش ودخلت تحته بسرعة غير مبالي بغليان دمي وتجمّد الماء .... حركة خفيفة تأكّد أنها بعثت من مرقدها ... وقع خطواتها يقترب مني ... رأسها يطلّ من باب الحمام ...
وجهها جامد لا حركة فيه ... خمسة عشر سنة سجنا على أقلّ تقدير مع الرحمة والتخفيف ... طال صمتها وموتي ... نظرت نحوي طويلا قاستني من الأعلى للأسفل ... لم تتغيّر ملامحها .... ثم إنسحبت ... كاد يدركني الموت قبل أن يصلني صوتها ...
" الماء في الحمام عندي سخن ... بس تعالى من باب المطبخ ... "
على كلماتها عاد النبض لقلبي ثانية ... قبل أن أتحسس صدري لتأكّد أنه فعلا ينبض ... أطّل رأسها من باب الحمام ثانية ... أشارت بكف يدها اليمنى وبسبابة اليسرى ووسطها للرقم سبعة .... قبل أن أستفسر عن الأمر إنسحبت ... فراغ كبير أصابني لغيابها عني لثواني ... قبل مغادرتها باب الغرفة ....
" الساعة سبعة بالضبط ... بس من باب المطبخ مش من باب الثلاجة "
الجزء الرابع
سهام
---------------------------------------------
نزلت من سلّم السطح ... كل خطوة أخطوها للأسفل تصعد بروحي للسماء ... نزول المنتصر ... كفريق هزم في المباراة لكنه ترشّح للدور المقبل ... أهداف سجّلها منذر في شباك رغبتي ... لكنها رفعت رصيدي من النقاط ... مفارقة عجيبة وغريبة ...
فتحت باب الشقة بعجل ... سرعة من تريد الإنفراد بنفسها ... أغلقته خلفي وإستندت بظهري عليه ... أغمضت عيني أسترجع ذكريات ملحمتي القريبة ... كل تلك القوة في الفعل منه والإستسلام مني ... كل جزء في جسدي صار عبدا له ... خلعت الروب ... ودخلت غرفتي ... وقفت أمام المرآة أتأمّل جسدي ... بقايا مائه المقدّس تلتصق بجلدي ... على رقبتي ... حلمات صدري ... بطني ....
خلعت كيلوتي وقرّبته من أنفي ... أثار أسنان منذر التي نحتت رسما في صخر عمري ... قشعريرة أصابت جلدي لمجرّد ذكرى تلك اللحظات القريبة ....
إستلقيت على سريري وأغمضت عيني .... لم أنم ولم أصحو ... ذلك الشعور الجميل بالإستسلام يرفعني ... يمنحني جناحين أرفرف بهما في جنّة المتعة ... متعة من حصلت على جائزتها دون تعب .... ما كنت أراه بعيدا صار من الماضي ... بعض الأخطاء تكون نتيجتها أصوب من الصواب ... لولا تدخّل ماجد في سيرورة الحركة لكنت الآن أخطط لإستدراجه ... غضبه وما فعله بمنذر جعل الموضوع يسير بشكل مختلف لكني وصلت لما أريد ... يجب أن أشكر ماجد على ذلك ... هدية من الحجم الثقيل أهدانيها دون قصد ... لم أستطع النوم ... ولم أستطع متابعة التفكير ... دخلت الحمام ... كطفلة خلعت عنها ملابس العيد غصبا ... أزلت ما تركه منذر على جلدي ...
نظرت للساعة ... لم تتجاوز العاشرة ... ليتني سبّقت الموعد ... ساعات الإنتظار طويلة ... غيّرت ملابسي عشرات المرّات ... مثارة حتى ****يب ... كمراهقة تنتظر لقاء حبيبها أوّل مرّة ... رغم أن رائحته لم تفارق أنفي إلا منذ ثواني ... لففت نفسي بروب منزلي ... وخرجت للشرفة ... المنظر جميل ... والطقس رائع ... أشعة الشمس تداعب مسام جلد وجهي ورقبتي ... تبعث فيهما الحياة التي زرعها منذر في شراييني منذ قليل ...
رحت أراقب الحي الساكن لا حركة فيه ... لا شيء سوى بعض الأعشاب الخضراء تداعبها نسمات صباح خريفي إستعار يوما من الربيع ... نور سطع في قلبي ... منذر يجول بالحي ... حركته نشيطة ... يحمل الأكياس يضعها في مقلب القمامة ...صوت مكنسته يعزف على أوتار قلبي سنفونية الخلود العاشرة ... يعرج قليلا ... يبدو أن ماجد قد كان عنيفا معه ... شعره الأشقر الناعم يعكس نور الشمس ليرسم طريقي ... مكافأة أنت يا منذر ... آخرة صبري ... أي صبر بل هو صوم ... صوم على شريعة مجهولة .... نفس الطعم يجعلك تملّ ... وإن كان لذيذا ... ناهيك لو كان دون بهارات كطعم ماجد ...
بدأت حالة من الرهبة تسكن قلبي ... ذلك الإنقباض الذي يزيد ألم الإنتظار مرارة ... خشيت أن يتراجع منذر ... ربما يعاتبه ضميره ... ربما يعتريه الخوف مما فعل فلا يأتي ... لم أشبع منه ... لم أتذوقه ... مراقبتي له تزيد في عذابي ... لم أعد قادرة على الصبر ...
دخلت البيت ... كجارية تعد الجلسة تنتظر قدوم سيّدها ... نظّفت الصالون ... فرشت غرفة النوم ... مسحت الأرضية ... خلت ان تلك الأعمال ستخفف توتري ... لكن هي آماني ؟؟؟ كنت أرى صورته في كل مكان ... حتى صرت أهز رأسي لطردها ... فتحت الثلاجة ... لا شيء يصلح للطبخ ... كل شيء معلّب ... كرهت الاكل الجاهز ... و الجنس الجاهز ... أريد أن أتمتع بإعداده ...
قائمة طويلة من الطلبات ... لحم وخضار وفواكه ... كل ما يلزم سيدة بيت لتعد سهرة لرجلها ... نعم هو رجلي منذ الآن ... ضغطت على زر جهاز المناداة ... لم يصلني صوت منذر من تحت ... لم يجبني بدأ قلبي يرتجف خوفا ... كنت متأكدة أنه سيتراجع سيخاف عواقب فعلته ... سيخشى سطوتي والأدهى سيخاف زوجي ...
منذر
-------------------------------------------------------------------
زوجها سيقتلني لو ضبطني ... هي لم تمانع ... لم تقاوم إغتصابي لها ... إستسلامها جعل للفعل طعما آخر ... بدأت أوصالي ترتجف وأنا أضغط على زر المصعد ملبيا ندائها ... كنت متأكدا أنها غلطة ستندم عليها ... ربما ستنتقم مني .... على أقلّ تقدير ستسوي الأمر معي كأن شيئا لم يكن ... ربما هي أمنية مني ... الميزان تكافئ ... هو ضربني وأنا إغتصبت زوجته ... لن تواصل علاقتها معي ... أي علاقة ... بواب يغتصب إحدى سيدات المجتمع الراقي ... ويطمع أن تواصل معه ... لكنها طلبت مني الحضور مساءا ... الأكيد أنها كانت مجرّد نشوة عابرة ... تلك الساعات التي أمضتها لوحدها كفيلة أن تعيد فيها حساباتها ...
خطوات ثقيلة متثاقلة ... تمنين لو طالت المسافة بين باب المصعد وباب الشقّة ... إرتعشت أصابعي وأنا أضغط على زر الجرس ... ثواني طالت كالسرمد ... أطلّ رأس سهام من فتحة الباب الضيقة ... نظرة لوم وعتاب رمقتني بها ... كاد قلبي يتوقف رعبا ... لم أشعر إلا بيدها الناعمة تسحبني بقوة من ياقة قميصي للداخل ... تغيّر الزمن و النور والمكان جعلني أغمض عيني للحظات ... قبل أن أدرك ما يحصل وصلني صوتها العذب ...
مش قتلك ماعادش تجيني من الباب هاذا ؟؟؟
أمال أجي منين ؟؟؟
من الباب لآخر ؟؟؟ هو مش مسكّر ... كيف تحب تجي إيجا من غادي
أحب آجي ؟؟؟
إنت ما تحبش تجي أحذايا ؟؟؟
لا مش القصد ... بس الدكتور ...
(رمقتني بنظرة سخرية حنونة) يا خوّاف ...
(تلك النظرة إستفزّت كرامتي ... وأعتقد انها قصدت ذلك) إلي خاف نجا (وغمزتها وعضضت شفتي السفلى) ...
لا ما تخافش ... اليوم عندهم جلسة مسائلة الحكومة ومش باش يرجع إلا غدوة
يعني إيه ؟؟؟؟
يعني ؟؟؟؟ يعني ؟؟؟ (أخفضت رأسها حياءا ... لم يكن حياءا بل كانت تركّز نظرها على أسفل بطني )
(نظرتها وحدها كفيلة برفع نسبة همّة جيوشنا العربية ... إستعد ذلك الطليع تطبيقا لتعليمات عينيها ... رغم غرابة الموقف لكنه مثير) ... يعني إيه ؟؟؟
يعني ... طول الليل حأكون لوحدي ؟؟؟
طب النهار ؟؟؟؟
لم أعلم كيف سحبتني نحوها ... حركة سريعة سحبت بها رباط روبها الحريري ... كأني أراها لأوّل مرّة ... ستارة نافذة راقية إنفتحت يمينا ويسارا ... تفتحت عيناها عن آخرهما ... نظرة تقطر رغبة ودلالا ... بياض جلدها يشع لينير ممر شقتها ... غضروف رقبتها يتراقص صعودا ونزولا يعكس أنها تجاهد لإبتلاع ريقها ... صدرها النافر جمد تحت سوتيانها الأسود الشفاف ... شبكة سوداء تلّف قبتي لحم طري أبيض ... ربما حركتي أو رغبتها قطعت عنها النفس ... كانت تنظر في عيني مباشرة ... تلك الرجفة الخفيفة على شفتيها كريشة صيّاد تستفز أعتى الأسماك للإبتلاع الطعم ...
غرّ مثلي يتلبك في خطواته الأولى في الجنس ... لن يقاوم كل هذا الإغراء ... الجنس لا يخضع لمنطق ... ولا لعلم ولا لتخطيط ... قدرة تضعها الطبيعة في مكان ما في عقلك تقودك دون وعي ... هجمت على تلك الشفتين كقرش جائع منذ خلق ... تلامس شفتي الجائعة بطرف شفتيها الناعمتين ... الجاذبية وحدها تتكفّل بتعديل الوضعيات ... حركة بسيطة من رقبتها وهي تلف يديها بأسفل رقبتي ... وضعت الشفتين متقابلتين ... لا أعلم هل كنت أرتوي منها أو أسقيها ... يداها الناعمتان تعبثان في شعري كأصابع **** أضاعت خاتم زواج أمها على رمال الشاطئ ... تجول دون هدى لكنها تصل لبغيتها ...
لم أعلم كيف إنزلق الروب الناعم عن جسدها ... لم تهتم لمكان وقوعه ... بل ساعدتني في التخلّص من مشبك سوتيانها ... كنت لا أزال أهتم بشفتيها حين تراجعت للخلف قليلا ... أصابعها تتحرّك بسرعة عجيبة تفتح أزرار قميصي ... كأنها هي من خاطتها وفصّلتها ... تعرف مكانها دون إرشاد مغمضة العينين وشفتاها تعصران رغبتي بين شفتي ... فجأة إلتصقت حلماتها الصلبة الناعمة ... نعم الطبيعة وضعت كلّ التناقضات في جسد المرأة ... وتفننت في نحت جسد سهام تحديدا ... حلماتها تخزني في صدري تستحث همتي أن أواصل ... تسللت يدي لأسفل ... أمسكت تلك المؤخرة بكلتا يدي ... عصرتهما كغريق يتشبّث بآخر أمل له بالحياة ... سحبتها نحوي ... بدأ قضيبي يتوق للحرية من محبسه ... فركته بين فخذيها ... حركة ثلاثية لو تدربنا عليها سنين لن نتقنها بتلك الدقة ...
أصابعها تفتح أزرار بنطلوني وأصابعي تغوص بين قماش كيلوتها المشبّك تسحبه للأسفل ... آهات مزدوجة خرجت من صدرينا عبر أنوفنا ... حرارتي أحرقتها وحرارتها أثلجت حنقي الأبدي ...
لم أعلم كيف تخلّصت من ملابسي ... عاري تماما ملتصقا بمركز حرارة الكون بين يدي ... زبي يضطرب بين أصابعها ... كأنه يشكرها على صنيعها مكتفيا بذلك مطالبا بالمزيد ... فتحت عيني أبحث عن ملجأ ... عن مكان مناسب أنهي فيه هذه اللحظات الوردية ... أو أبدأها ...
باب الصالون بعيد ... وباب الغرفة موصد ... أحسست أني لو تحرّكت سيتغيّر طعم تلك اللحظة ... ستتغيّر رائحة تلك المتعة ... ستخفت حرارة تلك الرغبة ... وضعت يدي على وسطها ورفعتها للأعلى ... كانت كالريشة بين يدي ... **** صغيرة تتعلّق برقبة أبيها تستشعر الأمان ... شفتها تورّمت من الإحتكاك الناعم .... رحيقها سال على ذقني ... حلمتها تلتصق بصدري ... زبي يدق أبواب مفرق مؤخرتها ... حرارة ماء شهوتها يصليه نعيما ... وضعت يدي تحت مؤخرتها وهي متعلّقة برقبتي ... رفعتها للأعلى قليلا ... رأس زبي عرف طريق مدفنه ... سائر لحتفه طوعا كإنتحاري أقسم على أحد الخيارين ... النصر أو الإستشهاد .... نصرك وإستشهادك سواء ...
بدأت شفرات كسّها تتباعد معانقة طرف رأس زبي ... ما إن إستشعرت أن نصف حجم رأسه بدأ يشوى في حرارته ... حتى تركت يدي من تحت مؤخرتها ... دون مقدّمات إنغرس قضيبي بأكمله فيها ... آه عنيفة دوّت بالمكان ... خلت أن زبي المائل أفقيا سيخرق بطنها ويخرج منها ... أظافرها إنغرست في كتفي من خلف ... ألم ... أم متعة ؟؟؟ ... كنت أشعر أنها تحترق بين يدي ... أسندت ظهري للحائط ... لأحافظ على توازني ثم بدأت بالحركة ... أمسكتها من مؤخرتها ... ورحت أرفعها للأعلى والأسفل في حركة ميكانيكية مضبوطة الإيقاع والتوقيت ... زبي كالجذع المعقوف يغوص في زيت رغبتها ... بدأت ركبها تهتز ... وركبي تنساب ... بدأت أنسلّ تدريجيا حتى جلست أرضا ... ثم مددت رجليا وهي فوقي لا تجد من زبي فرارا ولا تبغيه ... تركتها تتولى الأمر ... كجنيّة تهتز فوق حرمه ... مؤخرتها الطرية تضرب فخذي ثم تهرب منها للأعلى ... بدأت أهتز ... وبدأت ترتعش ... رعشتها منعتها من مواصلة الحركة ... ألقت برأسها على صدري ثم ذابت ... روحي إنسحبت مع دفق مائي ...
ثقل رأسها على صدري لكن قوانا خارت ... على موكيت الممر كانت جولتنا الأولى ... نعم ما قبلها لا يحتسب ... أحسست بحبها برغبتها بشبقها بعطشها بجوعها يرويني ... نامت على صدري ونمت على البلاط ... سهام أفلتت من قوس حذرها ...
رفعت عينيها تنظر في عيني ... غرست أصابعها في رأسي تداعب شعري ... بدأ زبي يتراجع مفلتا من قبضة شفرتي كسها الرطبتين ... قامت متثاقلة من فوقي كأنها لا تبغي الفراق ... إنحنت تلتقط روبها من على الأرض ثم إلتفتت نحوي ... كنت أتبع جلد مؤخرتها الناعم ... لم أنتبه إلا وهي تختفي داخل الحمام ... كنت ألملم شتات روحي ... ما خلته إنتقام كان عربون حب يبدو أنه سيطول ... إغتصاب كدخلة شعبية ... فتح بابا تزيّن ما بداخله باللون الوردي ... صوتها الناعم يدعوني من الداخل ... خطوات سريعة كطير تجذبه دودة في فخ حريري ...
رغوات الصابون وروائحه تسحر أنفي تسحب روحي ... شعرها الأحمر يلقي بإنعكاسه الوردي على الماء ... حركة المائي تخلق دوائر كدوامات تسحب عيني ... تنويم مغنطيسي ... جاذبية الكون كلّها لا توازي جاذبية حركة إبهامها يدعوني للتقدّم ... لم أدرك نفسي إلا وأنا أقفز بجانبها في الحوض الساخن ... حرارة الماء لا تعادل حرارة ريقها ونحن ننهل القبلات ... هذه المقابلة تحتاج شوطا ثالثا وربما عديد الركلات الترجيحية ...
خرجت مثقل الخطوات ... منهك الحركات ... فقط قلبي يطير مرفرفا في الأرجاء ... نزلت لأرابط باب العمارة ... طعم اللحم البورجوازي لا يقارن ... صدق المصريون في وصفهم " لحم الهوانم " ... لا وصف أصدق منه ... جلست على الكرسي ورفعت رأسي للأعلى وأغمضت عيني ... روحي تحلّق فوق السحاب ... سعيد ... كلمة لا تكفي لوصف غبطتي ... الشمس تميل للعصر تعلن قرب موعدنا هذه الليلة ...
فجأة توقفت حافلة المدرسة ... نزل القردان الصغيران بصخبهما المعتاد ... هما إعتادا وجودي وانا إعتد وجودهما ... لكن حالتي لا تسمح بتسليتهما كالعادة ... منهك القوى ... طلبت منهما الجلوس بجانبي ... لم يتقبلا الأمر في البداية ثم وافقا مرحبين بإقتراحي أن أروي لهما قصّة ...
من تربى على يد جدتي ... سيكون حكواتيا لامعا ... قصّة أمي سيسي والقط (هي شخصية أسطورية لا علاقة لها بأحد حكام هذا الزمن) ... سيدة عجوز تكنس أمام البيت فوجدت قطعة نقود ... إشترت بها لحما وطبخته لإبنها فسرقه منها القط ... قصّة طريفة يعرفها كل الشعب إلا هاذين الطفلين ... إرتخاء أعصابي جعلني أرويها بطريقة أعجبت الطفلين ... يبدو أن شغفهما لم ينتهي بنهاية قصّتي ... كنت سأبدأ قصّة جديدة لكن سيّارة والدتهما توقفت أمام العمارة ... لم ينطلقا مسرعين نحوها مرحبين كعادتهما ... إنزعاج شديد بدى على وجهها ... رغم محاولتها التضاهر بعكس ذلك ... أمسكت يد إبنها الصغير وسحبته عنوة نحو باب المصعد ... أوّل مرّة أراها بتلك الحالة ....
سيّدة جميلة ... السيدة أمل .... هي الوحيدة في هذه الأنحاء التي تضع خمارا ... وجهها الأبيض يزداد تألقا تحت سواد غطاء رأسها ... عيناها الكستنائيتين على شكل قلبي لوز ... رموش سوداء داكنة تزينهما ببعض الماسكرا الخفيفة ... أنف مثلّث يتوسط وجنتيها الورديتين ... ويعلو شفتين حمراوتين ... رغم لبسها الواسع لكنه لم يستطع أن يخفي حجم صدرها الضخم ... لم أركز في سبب غضبها ... كل تفكيري كان منصبا في الجزء الثاني من هذا اليوم هذه الليلة الموعودة ...
أمل
--------------------------------------------------------------------
ليلة طويلة أخرى ... وحدة قاتلة ... حتى الولدان صارا أكثر إزعاجا ... منذ إنتقلنا لهذا الحي وأنا أشعر بالوحدة ... وحدة طالما رافقتني ... طفولتي المدللة عشتها وحيدة لا إخوة لي ... تربية صارمة ... أبعدتني عن الجميع ... عائلة ملتزمة حد النخاع ... كل شيء محرّم ... صديقاتي سيشوهن سمعتي بتصرفاتهن ... هكذا وصفت أمي علاقتي بهن ... من باب المدرسة لباب البيت ... والخروج يكون برفقة العائلة ...
أغلقت باب الغرفة بعد أن إطمئننت أن الولدين يراجعان دروسهما ... ضاق بي البيت على وسعه ... وحدة خانقة ... تخلّصت من حجابي من ملابسي ... وقفت طويلا أتملى شكلي أمام المرآة ... خطوط داكنة أسفل ظهري ... تعكس تغييرات في وزني ... مخلفات الحمل ... و فترة طويلة من اليأس ... يأس جعلني أدمن الطعام حتى تضاعف وزني ... ثم تداركت ... لم أعد لشكلي الطبيعي ... لكن شكلي صار جميلا ... تدور تضاريس جسدي يعكس ذلك ...
ما فائدة الجمال والجاذبية .... زوج بعيد لم أره منذ سنتين ... ملحق بالسفارة في الأراضي المقدّسة ... زواج أكثر من التقليدي ... والده خطبني من والدي ... قالت أمي أنه الأنسب لي ... ربما كان هذا صحيحا لو أني عاشرته وعرفت أخلاقه ...
زواج مرّت عليه إثنتا عشر سنة ... ولا زلت أشعر أنه غريب ... العري عيب ... حتى لو تعريّت أمام نفسك ... هكذا أوصتني أمي ... أسلاك شائكة زرعت على الحدود بيني وبين جسدي ... لففت نفسي بروب خفيف وإستلقيت على السرير ...
ألبوم صور زفافي يطل خجلا من رف يزين حائط الغرفة ... ذكريات لا ذكرى فيها ... وجوه لا ملامح فيها ... مشاعر لا أشعر بها ... خالد يبدو وسيما في الصور ... فستان زفاف أبيض لا يضهر منه سوى وجهي الأبيض ... وجه لا يعكس أي شعور ولا يحمل أي تعبير ...
ذكرى الليلة الأولى ... الرجل الأوّل ... القبلة الأولى ... الخيبة الكبرى ... خيبة من أجلت كل شيء لتلك اللحظة ... أوّل قبلة ... أوّل لمسة ... أول حضن ... أوّل رجل في حياتي ... دخلة لا روح فيها ... ككل النساء ذكراها لا تفارقني ... لكنها ذكرى مرّة ... فعل سريع ولا مبالات ... زواج كحكم بالسجن المخفف ... عزباء وأم لولدين ...
العزاء الوحيد هو أنه يجتهد لأجل مستقبله ومستقبل أولاده ... عمله في الخارجية يدر أموالا تكفي الجميع ... كثيرا ما طالبني هو واهلي بترك العمل .... لست بحاجة له ... هم يظنون ذلك ؟؟؟ ... العمل كان متنفسي الوحيد ... فرصتي الوحيدة للخروج من الأسر ... تسليتي الوحيدة ...
دخلت الحمام ... وقفت طويلا أمام الشباك الصغير ... ركزت نظري على السطح ... صدمت صباحا حين إكتشفت أن سطح غرفة السطح يطل على شبّاك حمامي ... أي مهندس رسم مخطط هذه العمارة ... أين درس الهندسة ...
أشعلت النور وأطفأته مرارا ... خلت أن تلك الإشارة ستسحب ذلك المتلصص الصغير ... لم أفهم شعوري ولم أتقبّله ... إثارة أن تكتشفي أن أحدهم يجهد نفسه بالتسلّق لذلك المكان لمراقبة جسدك كفيل وحده برفع منسوب الرغبة المنفجرة أصلا ... ألف سؤال طرحته هذا اليوم على نفسي ... هل كنت أنا المقصودة ؟؟؟ ... ربما كان يتلصص على غيري من الجارات ؟؟؟ ... في ذلك التوقيت كلّهن يكنّ في الحمام ... لا فقد وقعت عيني في عينه ... رغم المسافة أحسست بها ... لكن ما السبب ؟؟؟ مالذي دفعه لذلك ... حتى لو كان فظوله وشغفه لجسد مرأة مبررا بالنسبة لشاب في سنّه ... لكن لست أجملهن ...
وقفت أمام المرآة طويلا في حمام المكتب ... هذا الموقف سكن تفكيري ... هل أنا جذّابة ؟؟؟ سؤال لم أطرحه على نفسي قبلا ... مجرّد طرحه يعتبر إثما تجلد الروح بسببه ... تربية صارمة وتفكير عقيم ...
لم أستسغ لقمة من طعام العشاء ... لم أبالي بدموع الولدين وهما يخلدان للنوم دون قصّة ... أوّل مرّة أتفرّغ فيها لنفسي ...
دخلت غرفة النوم تطيّبت ... رطبّت جلدي بمراهم فوّاحة ... رائحتها تدغدغ الرغبة مرورا بخياشيمي ... وقفت طويلا أمام المرآة ... جسد أبيض جميل ... شعر أسود ناعم ... صدر كبير تئن بثقله كتفاي ... بطني هي الوحيدة التي شوّهت المنظر ... مؤخرتي رغم بعض الترهلات لكنها تبدو جذّابة ... جذابة لمن ؟؟؟ ... لا أحد يراني ... لباس " محتشم " فرض عليا فرضا ...
حتى في البيت رغم خلوه كنت أخاف العري ... كأن جسدي خطأ يجب عليا مداراته ... هذه اليلة لم تكن عادية ... لم ألبس شيئا ... عارية إلا من رغبتي تلفني ... نور خفيف ينبعث من فانوس بحانب السرير ... تتراقص تحت سلطته ظلال الأثاث ... ستارة النافذة ترقص في خجل مستجيبة لنغمات النسيم المتلصص من فتحات الشبّاك ...
نسيم يداعب مسام جلدي ... يبعث قشعريرة تتشوّك معها الشعيرات المجهرية على جسدي ... إستلقيت وقمت ... تقلّبت ... كمن تصارع النوم عبثا ... عقرب ساعة على الحائط يتحرّك ثابتا ... صوته صار يوازي دقات قلبي ... وضعت يدي على صدري أتصنت عزفه ... سنفونية حزينة تتخللها تنهيدة تحرق الظلوع ...
السرير البارد صار يشوي صبري ... كسجين إنفرادي رحت أجول الغرفة ... نعم عارية ... صدري يهتز ومؤخرتي تتأرجح ... مثّلت بظلي على الحائط مسرح الظلام ... هكذا حياتي هي ... إنعكاس مظلم لواقع مكبوت ... الكل يراني سعيدة ... لم أهتم يوما كيف يراني الناس ...
ولم أرى نفسي يوما ... فتحت كل الأدراج محاذرة أن يفيق أحد الطفلين ... مزاجي معكّر أصلا دون شغبهما ... فتّشت كل ملابسي ... لا روح ولا رائحة فيها ... فتحت خزانة خالد ... عبق الكمكمة يفوح منها ... كحياتي معه ... ركن لا يدخله النور ...
علبة صغيرة مغلّفة على شكل هدية ... كانت الحل الأمثل بالنسبة له للتعويض عن غيابه الطويل عني ... هي أوّل صدمة وآخرها ... زب إصطناعي ... فتحت العلبة ... شكل ذلك الشيء غريب لكنه جذّاب ... خليط سحري من مادة بلاستيكية لينة ... دقة تصميمه تجعل يشبه الحقيقي كثيرا لكنه بلا روح ... أصلا الحقيقي الذي جرّبته كان بلا روح ...
وضعت العلبة على السرير ووقفت طويلا أتملاها ... رجل يهدي زوجته قضيبا صناعيا للتعويض عن غيابه ... ألا يعتبر ذلك خيانة مني أو دياثة منه ؟؟؟ ... جسم غريب يخترق حرمة جسد زوجته برضاه ؟؟؟ ... هو رضي بذلك لكني لم أرضى ... سخرت منه كثيرا ... غروره ورجولته المزعومة جعلته يختار حجمه أقرب لحجم قضيبه ... ربما كي لا أكتشف شيئا جديدا في جسدي أو جسده ...
تهت في تلك الفكرة ... أليست تحيلا على الأخلاق ... أليست مراوغة للعرف والدين ... في النهاية ستعتبر خيانة ... كيف وصلت تلك الفكرة لرأسه ... أمسكت ذلك القضيب بين يدي قلّبته ... شممت ريحه ... تحسست روحه ... لم أشعر به ولم يجذبني ... ألقيته بعيدا عني وأغمضت عيني ... أصارع النوم حتى يطلع الفجر ...
منذر
--------------------------------------------------------------------
مع نور الفجر أطلقت سهام سراحي ... ليلة لن أنساها ما حييت .... حب ورغبة ونعومة ودفئ ... هكذا هي الحياة ... أو هي الجنّة ... كل ما فيها جميل ... رائحتها ... ملمسها ... نعومة جلدها ... حرارة جسدها ... طعم ريقها ... بقايا ماء شهوتها على شفتي ... أثار أحمر شفاهها على رقبتي ... خربشة أظافرها على كتفي ... لوحة رسمتها في حياتي ستتصدّر جدارية بطولاتي للأبد ...
فقط هو ذلك المجهود الذي بذلته ... لا أحد يمكنه أن يقوم بما قمت به أنا اليوم ... صعدت درجات السلّم لاهثا منهكا ... لكني طائر مرفرف سعيد ... جلست على حافة آخر درجة قرب باب السطح ... أحداث أربع وعشرون ساعة ... خوف و رغبة ... حزن وسعادة ... إغتصاب ونعومة ... حقد وحب ... جوع ونهم ... كل تناقضات الكون بين فجرين ... فجر الأمس وفجر اليوم ...
تحاملت ووقفت رغم إنهاكي ... لقد سحبت سهام عروقي ... توقّفت طويلا أنظر للسماء ... سحب داكنة تعلن إنتصاف فصل الخريف ... برودة هذا الصباح أكبر دليل ... فتحت باب غرفتي ... ضربت رأسي بكفي عندما رأيت أخشاب السرير عارية ... لقد نسيت تماما أني وضعتها على السطح لتنشف ... مجرّد تذكّر المعانات لتسلّق السطح تجعل مفاصلي تئن تلقائيا ...
جاهدت نفسي لأضع الصندوق الخشبي قرب الحائط ... ذراعي لم تستجيبا لرغبتي في التسلّق إلا بعد جهد ...الإجهاد جعلني أستلقي على الحشية بعد أن تأكدت من جفافها ... برودة قماشها من أثر ندى الفجر البارد بعثت قشعريرة في جسدي ... أشعلت سيجارة ... نفثت دخانها لكن مشاعري لم تنفث معها ... شيء ما يخنقني ...
البالونات الوردية ترتفع في الهواء خارجة من صدري ... روحي ترتعش مع كل ثانية أذكرها ... ما حصل مع سهام لا يوصف ...
بدأت أشعة الشمس الخجلة تصارع بعض سحب الصباح ... شيء من الدفئ يسري بين أوصالي المرتخية ... رفعت رأسي بجهد ... نظرت للأفق ... الصباح ينادي الكادحين ... كذلك الطامعين والراغبين ...
سحبني نور الشبّاك الصغير ... خيال جسد تلك المرأة تحت مياه الدش ... صورة مبهمة كظل فاتح ... الملامح غير واضحة لكنه مثير ... نمت على بطني وكفاي تسندان خدي ... نظري مركّز على تلك الشاشة الصغيرة ... شعور ممزوج بين الإرتخاء و الفتور ... لكن مشهدها مثير ... غريبة تلك الإثارة المبكرة لمن أمضى ليلة كليلتي ...
طالت فترة إستحمامها عن المتوقع ... طالت فترة تنشفها ... وترطبها ... تسريحها ... لا أعلم السبب لكن المشهد أثارني ... المجهود الجسدي وكثرة الإنفعلات النفسية ليوم أمس عطّلت كل آليات التفكير ورد الفعل في عقلي ...
دون مقدمات وفي حركة مفاجأة فتحت النافذة الصغيرة ... تقابلت عينانا لثواني ... لم أستوعب الموقف ولم أتحرك ... السيدة أمل تضبطني أتلصص عليها وهي تستحم ... نظرت في عيني مباشرة ... أعتى المنجمين يعجزون أمام تفسير تلك النظرة ...
ثواني أصبت فيها بالشلل ... شلل ممزوج بفتور العظلات ... الغريب في الأمر أني لم أخشى النتيجة ... تلبك الأمعاء الذي يستشعر المصائب لم يصبني ... فلم أتحرّك ...
أشعلت سيجارة وجلست مقرفصا ركبي تحت ذقني وعيني مسمّرة بذلك المربّع ... أين كانت أمل تقف منذ دقائق ... سحب وردية تحيط بعيني ... نفس ذلك الشعور الذي يعقب إستيقاضك من النوم بعد سكر طويل ... ثمالة الجنس أقوى من ثمالة الخمر ....
دقائق وسحبتني الحركة ثانية ... السيدة أمل تدخل الحمام كأنها تبحث عن شيء ... دون مقدمات رفعت نظرها نحوي ... أقسم أني رأيت حاجبيها يرتفعان للأعلى ... رغم بعد المسافة ... أغلقت الشبّاك في وجهي بعنف ... لم يبدأ قلبي في الخفقان رعبا ... حتى فتح ثانية ....
طال تحديقها بي ... ثم إنسحبت ... إنسحابها جعلني أفيق من غفوتي ... سيبدأ السكان في المغادرة ... قفزت من السطح ... لم أعلم كيف ردت الروح في عظلاتي ثانية ... دقيقة وكنت متهندما واقف باب العمارة كعادتي ... الغريب في الأمر أن المغادرين فقط هم الأزواج ... ربما هو يوم عيد للنساء ... لم تغادر إحداهن ... فقط هي أمل ...
فتح باب المصعد ... كنت أمسح أرضية المدخل ... تلك الثواني كانت أصعب من ألم الولادة ... تقابلت العينان دون خجل .. لم أعلم من أين أتتني الشجاعة ... لم أنزل عيني للأرض إنكسارا كعادتي ... بل حدّقت فيها ... غاصت نظراتي في عينيها حتى داعبت أوتار خجلها ... فإنسحبت عيناها هي ...
حركة قماش الخمار المحيط بوجهها تدلّ أنها تبسمت ... سحبت ولديها من يدهما محاولة جرّهما للخارج ... إنفلتت البنت من يد أمها وهرولت نحوي ... فاتحة ذراعيها ...
" عمي منذر شتحكيلنا قصّة اليوم " ... بركت على ركبتي معانقا إيّاها ...
" عينيا ليكم " ... مع تلك الكلمة رفعت نظري من الطفلة نحو والدتها ... إلتقت العينان ثانية ... هزيمة أخرى منها ... أشاحت بنظرها مبتسمة ... سحبت الولد من يده نحو باب العمارة ... " أيا زينب مكانش نمشي ونخلّيك " ... إنسحبت الطفلة ... قبل اللحاق بأمها ...طبعت قبلة على يديها ونفختها ... قلّدت فعلها ... في نفس الوقت الذي إلتفتت فيه السيدة أمل للتأكد من لحاق إبنتها بها ... فإستقبلت الأم القبلة الهوائية ...
قطبت حاجبيها للأسفل وعضت شفتيها ... كأنها تقول لي " عيب " ... هززت رأسي محاولا تفادي الصدمة في عقلي ... لم يلحق نظري خيالهم وهم يركبون السيّارة التي سرعان ما توارت خارج الحي ...
لم أفهم ما يحدث ... السيدة أمل ؟؟؟؟ ... هل يعقل ؟؟؟ ... متدينة ... متحجبة ... ملتزمة ؟؟؟ ... لكنها أرملة ؟؟؟ ... هل هي الوحدة ؟؟؟ ... لم أجد تفسيرا لتلك الحركات البسيطة المفاجأة ؟؟ ...
وقوف سيّارة الدكتور أمام العمارة منعني من التفكير ... كنت أتظاهر بالعمل بتنظيف المدخل ... صوت خطواته الثابتة أعاد ذكرى إهانته لي ... إمتلأ صدري غيضا وهو يمر بجانبي ... لم يتظر نحوي إحتقار لي ... مع صوت طنين باب المصعد معلنا إغلاقه ... ألقيت الممسحة على الأرض و ضربت كفي بمرفقي ... " عصبة ليك " ...
لقد إنتهكت حرمة بيتك ... لقد ركبت زوجتك ... مرّة غصبا ... ومرّات بطلبها ... مهما تسلّقت سلّم المجد والرقي الإجتماعي ... فرجولتي غلبت رجولتك ... فحولتي أشد من فحولتك ... وبشهادة رسمية موثقة من زوجتك .... لكن ما الذي أتى به اليوم ؟؟؟ ... سهام قالت انه سيغيب أيّاما ؟؟؟
عقلي لم يستوعب ما يحدث ... سهام وليلتها الحمراء ... أمل ؟؟؟ ... والتصرفات غير المبررة من كلينا ؟؟؟ ... باب المصعد أخرجني من تفكير الذي لم أفكّره ...
تلك العجوز المقيتة ... أخت سي توفيق ... تقف أمامي ترمقني بعين ثابتة ... أجالت نظرها تتفقد ما قمت به ... نظرة رضا في وجهها برّدت نار حنقي عليها ... وجودها حرمني من حبيبة ... ومنع وصولي لفريال ... لكنه فتح باب سهام وشباك أمل ...
خطواتها ثابتة رغم كبر سنها ... تقدّمت مني حتى كادت تلاصقني ...
لم أفهم ما دار من حديث بينها وبين رئيس الفرع ... لكنها كانت تتابع حساب شقيقها ... توفيق ... تتابع بدقة عمليات التنزيل ... الأرقام التي سمعتها مفزعة ... وكالات عقارية تودع أموال الإيجارات في حسابه ...
بدأ رأسي يدور ونحن نعود أدراجنا ... لم أنطق بكلمة واحدة لفترة تبدو طويلة ؟؟؟ ... مداخيل الإيجارات في شهر واحد ؟؟؟ تعتبر ثروة ؟؟؟ ...
نعم تلك الطريقة معتمدة للآن في بلدنا ... تزاوج السلطة بالمال الفاسد ... ينتج مالا كثيرا ... لا يهم إن كان فاسدا في بلد يتنفس الفساد ... ليس توفيق وحده المستفيد ... المستكرشون كثر في بلدنا ...
ماكانت أريافا تحيط بالمدن صارت أحياء راقية ... تبدأ الدولة بقرارات تنفّر أصحاب تلك الأراضي عن الفلاحة ... قطع مياه الري القادمة من السدود ... منع حفر الأبار ... الرفع في ثمن البذور والأعلاف ... توريد منتجات تخنق المنتج المحلي ... يخسر الفلاح لسنين عديدة ... تيسر له قروضا من البنك الفلاحي ... و بالطبع يعجز عن تسديدها فيحجز على ممتلكاته وتباع بأبخس الأثمان ...
الكثير من الفلاحين نجو من هذا الفخ بالوقوع في الفخ الآخر ... البيع أقلّ من القيمة ... كذلك وثائق الملكية المزورة والحوز وغيرها ... غابات وجبال وهضاب ...
ما إن تصبح الأرض على ملك الشخصية المنتظرة ... حتى تعود الدولة لتلعب دورها النجس ثانية ... تظم تلك المناطق للخريطة العمرانية ... وتقوم بتهيأتها على حساب المجموعة الوطنية ... طرقات شاسعة وشبكات الماء والكهرباء والتصريف ... وبقدرة الفساد القادر تصبح منطقة راقية يتكالب الناس لسكناها ... وتتضاعف الثروات ...
المصيبة الكبرى أن تلك الإجرائات لم تنعكس على ضواحي المدن ... الفلاحون بالداخل ... خزّان التغذية للبلاد ... نفروا الفلاحة من كثرة الخسائر ... هجرو أرضهم ونزحو للمدن ومن كان يجمع سنبل القمح صار يجمع قوارير البلاستيك ... وطبعا فرطو في أراضيهم للأغنياء ... لكنهم إستعملوها في الفلاحة هذه المرّة ... فلاحة عصرية بقروض لا تسترد من مال المجموعة الوطنية ...
هذا غيض من فيض ... نحن نعيش عبيدا لعصابة من الفاسدين ... والمحظوظ هو الذي يركب ركبهم ... ثار الشعب على هذا الوضع فإستبدل فاسدا قد شبع ... بفاسدين تضوروا جوعا فتوحّش الفساد ... بين قديم يعرف الطريق وجديد متلهف لملأ الجزائن
وصلنا العمارة ... فتحت باب المصعد لصعود تلك السيدة ثم عدت لمكاني ... سيارة الدكتور غادرت ... شعرت بالراحة ... غيابه سيمنحني ليلة حمراء دافئة بين فخذي سهام ... تسللت لباب المطبخ ... إشتقت لها ... ربما قبلة حارة أو لمسة سريعة تبرّد ناري ... لكنه مغلق ... ولا حركة تجيب طرقي الخفيف ...
مرّ ذلك اليوم ثقيلا على قلبي ... العصر يعلن قرب إنتهاء النهار ... قدوم حافلة المدرسة والجلبة التي أحدثتها زينب وزياد ... إبنا أمل ... زينب صارت تعاملني بحنان عجيب ... تجري نحوي تعانقني تقبلني ...
برودة نسمات المساء حبستنا في مدخل العمارة ... مطالبات لحوحة منهما أن أروي لهما قصّة ... عقلي مشغول بغياب سهام ... رحت أختلق أحداثا لقصة مشوهة مقتبسة من عدة قصص ... الطفلان يتابعان بإهتمام وعيني تطارد أي خيال يقترب من باب العمارة ...
فقط سيّارة أمل هي التي توقفت ... قدومها قابله الأولاد بإمتعاض كون القصّة لم تنتهي ... نظرة أمل نحوي بتعجّب ... " إنتي تسحر ؟؟؟ " .. لم أفهم ما تقصده عن سحري ... ردت بنظرة أشبه بالمتاهة " أولادي عمرهم ما كانو هكا" ...
ثم سحبت إبنيها من بين يدي بعنف وصعدت لشقتها ... قارب المغيب ... لم تعد سهام ولا زوجها ... هل سافرا ؟؟؟ ... لا قالت أن زوجها مشغول ؟؟؟ ... هل ندمت على علاقتنا ... أبدا فأثار أضافرها لا تزال توسم صدري وكتفي ... أظلمت الدنيا ... وأظلمت عيني ... صعدت للسطح ... وقفت طويلا مستندا على سوره ... أحرقت سجائر كثيرة مطاردا أي نور سيّارة يقترب من الحي الهادئ ... علّها تأتي لكن أبدا ... بدأت أشعر بالبرد ... برد المساء الشتوي وبرد غياب من أحببت ... وصقيع الفظول القاتل أين ذهبت ...
دخلت الغرفة ... أخشاب السرير عارية ... تذكّرت تلك الحشية التي ألفت إقامتها فوق السطح ... تسلّقت لجلبها ... دون تفكير إنصب نظري على الشباك ... النور يسطع منه مأكدا أن زجاجه السميك مفتوح ... جلست طويلا أصطاد حركة داخل البيت ... أخيرا مرّت ... دخلت أمل للحمام ... وقفت طويلا أمام المغسل ... تأملت شعرها المنسدل ... لبسها الخفيف ... لماذا تخفي جمالها وراء كل تلك الملابس عند خروجها ...
مكوثي في الظلام منحني فرصة مراقبتها دون أن تضبطني ... تلك الصورة الوردية القادمة من المربع الصغير سلّت غياب سهام ... دون أن أشعر سحبت سيجارة وأشعلتها ... نور الولاعة الصغير كشف وجودي ... رأيت رأسها يقترب من الشبّاك ... ثم هربت مسرعة داخل شقتها ...
لطمت وجهي مرار ندما على قلّة حذري ... ألقيت الحشيّة بعنف على الأرض وكدت أن أقفز لاحقا بها ... نظرة وداع لمسرح رغبتي الصغير ... أمل تعود للحمام .. وقفت طويلا أمام الشباك كأنها تتأكد من وجودي ... كاد قلبي يقفز من مكانه طربا ...
بدأت بفتح أزرار قميصها ... خرجت عيني من مقلتيها ... صدرها النافر تحت سوتيانة لونها غامق لم أتبينه من المسافة ... لكن بياض جلدها يعكس نور مصابيح الحمام ... إستدارت بظهرها كأنها تطلب مني أن أفتح مشبك سوتيانها بعيني ... جلد ناعم أبيض ...رفعت رأسها للأعلى وقوست لوحتي كتفها لتسهيل التخلّص من المشبك ...
ألتفت نحوي ... كرتان من اللحم الطري تتدليان كقمرين في سماء ليلي الأسود ... توقفت لثواني عن الحركة ... هي تريدني أن أنظر لا شكّ ... إنحنت تنزع بنطلون بيجامتها ... شعرها المنسدل وحده كفيل بتغطية صقيع ليلي ... ثم إستوت واقفة ... قطعة قماش مثلّثة داكنة تغوص بين فخذين لا يمكن أن أخطأ إكتنازهما ...
إلتفت بظهرها ثانية ... دائرتا مؤخرتها البيضاء تدعوني للغوص فيهما أستخرج لآلئها المكنونة ... قبل أن تخلع كيلوتها سمعت صوت خطوات على السطح ... وصوت ينادي " منذر ... منذر فينك " قفزت من فوق السطح مرعوبا ... لكني حزين ... قطعت رغبتي قبل بدايتها ...
حبيبة وفريال تقفان أمامي وقد أفزعهما صوت سقوط الحشية الثقيلة على السطح .... حبية تستر نفسها بإيزار قطني و فريال تلتحف روبا صوفيا ناعما ... سحبتاني من يدي لداخل الغرفة ...
لم أصدّق نفسي ... خلت شوقهما جذبهما نحوي ... لكني أحبطت ... بدأتا تسألاني عن سرّ مرافقتي لأخت توفيق ... أحسست بشيء غريب بينهما ... لقد تجاهلتاني وواصلتا مغامرتهما بدوني ... لا شك وهذا مؤكد ...
أحسست بخيانتهما لي ... كذبت عليهما ... خلقت قصّة مغايرة عما حدث صباحا ... تركتاني لوحدي ... كلهن متماثلات ... حبيبة وفريال ... حتى سهام تاهت هذه الليلة دون إشارة ... بدأت أستشعر المرارة تغزو حلقي ... سحبت الحشية وإستلقيت أراجع كل ما حدث ...
أمل
-----------------------------------------------------------------------
ما الذي يحدث لي ؟؟؟ ... ماذا فعل بي هذا الشاب ... كل مبادئي هدمت في ساعات ... ما رأيته كان صحيحا ... رأيت فريال وحبيبة تدخلان غرفته ... أحسست بالغيرة منهما ؟؟؟ ... تخيلتهما ينعمان بأحضانه ... مجرّد التفكير بذلك يثيرني ... نعم يثيرني ... من يترك سيّدة وشابة مثل حبيبة ويرابط فوق السطح في هذا الجو البارد ... قد خيّر النظر لجسدي على التمتع بجسديهما ؟؟؟
لكن مالذي سحبهما نحوه ... سيدّة محترمة مثل فريال تقامر بسمعتها وترافق خادمتها لوكر ذلك الشاب ... لا بد أنه يخفي بين طيّات ثيابه ما يستحق المغامرة ...
بت ليلتي أتلوى رغبة وشوقا وغيرة وغيضا ... ما إن بزغ الفجر حتى رابطت بالحمام ... لا أعلم من يرقاب من ؟؟ ... نظري منصب فوق سطح العمارة ... طال إنتظاري ... لا حركة فيه ... بدأت الصورة تتوضح ... ألوان الحيطان تظهر جلية تأكّد أن شمس هذا اليوم ستهزم الغيوم ... كدت أنسحب لتحضير فطور الطفلين ... حتى لمحته يتحرّك فوق السطح ... راقبته يتمطى يطرد كسل النوم ... يرفع يديه للأعلى ... يقف على حافة أصابعه ... المسافة لم تسمح لي بالوصول لهدفي ...
خيبة أمل أصابتني وهو يتوجه نحو باب السطح ... يبدو أن فريال وحبيبة سحبت منه كل رغبة في الليل ... شعوري بالغيرة منهما أحرق قلبي ... أطفأت النور وأشعلته مرّات عديدة ... حركة يائسة مني علّه ينتبه لوجودي ... وإنتبه ...
الشبّاك مفتوح ... رأيته يتسلّق بخفة وسرعة ليربض فوق سطح الغرفة ... دون مقدمات هزمت خجلي .. لا أعلم هل هي رغبة أم غيرة ... نزعت ملابسي بسرعة ودخلت تحت الدش .. عارية أمام ناظريه ... كل جزء في جسدي يدعوه للتملي ... للتمتع ... متعة أن تشعري أنكّ مرغوب فيكي لا تضاهيها متعة ... نظراته أعادت الروح لرغبتي ... لا بل نفخت فيها روحا لم تكن فيها ... بدأت شفرات كسي تتباعد وحرارتي ترتفع ...
رغم عدم تعودي الأمر لكني تشجعت وليكن ما يكون ... أفرغت نصف قارورة الصابون في يدي ... فركت صدري براغويه الناعمة ... داعبت حلماتي التي أججت نار رغبتي ... يدي تسللّت بين فخذي ... أسندت ظهري للحائط ... رفعت رجلي اليمنى ... ونظرت نحوه مباشرة ... أقسم أني شعرت بعينيه تغوصان بين فخذي ... طارت رغبتي نحوه ... بظري الصلب يرقص طربا بين أصابعي ... لم أغمض عيني ... لكن تخّيلته ... يداه تكتشفان جسدي تغوصان في مؤخرتي تشدني نحوه .... رغبتي لم تمانع طويلا سرعان ما إهتز جسدي ... إنسحبت من الحمام عارية تحت نظره
الخواء الذي يعقب العادة السرية يفسح المجال للضمير أن يشعرك بالندم ... إن حق لي الندم سأندم على سنين القحط الطوال ... حضّرت الطفلين للمدرسة ... وصول الحافلة جعلني أرسلهما لوحدهما ... تبعتهما من الشرفة ... رأيت منذر يوصلهما حتى يركبا ... زينب تلوّح له مودعة ... هذا الشاب أسر الأم وإبنتها معا ...
ما إن إنطلقت الحافلة حتى رفع منذر رأسه للأعلى كأنه يستفسر سرّ غيابي ... ما إن إلتقت عينانا حتى حرّكت سبابتي داعية إيّاه بالصعود ... هكذا دون مقدّمات ... دقيقتان مرّت كالدهر أنتظر قدومه ... أذني تلاصق الباب ... عددت خطواته حتى وصل ...
قبل أن يدق الجرس فتحت الباب ... سحبته من يده الطرية القوية وأغلقت الباب خلفه ... أحسست بتردده ... أنا أصلا كنت أصارع نفسي ... أستجمع قواي كلّها ... أو أتخلى عن قوتي ...
ضغطت بصدري على صدره ... واقفا بيني وبين الحائط ... نظرة في عينيه مباشرة ... إرتجفت شفتانا ... لم أعلم من سحب الآخر نحوه ... وغصنا في قبلة الحياة ...
الجزء الخامس
حرارة إلتقاء الشفتين ... مهل يشوي وجه الرغبة المتجمدة في صدري ... لا أعلم كم لبثت أشرب من رحيقه ... فتحت عيني لثانية ... كانت عيناه مبرقتان من الدهشة ... لم أترك له المجال للتراجع ... كمن تخطف حقها في الحياة أسحب شفته السفلى بين شفتي وأتراجع برأسي للخلف حتى تنفلت مني ثم أعود لأنقض عليها ... أنفاسه بدأت تحرق أنفاسي ... وبدأ قلبي ينبض مع أول حركة من يده ... لامست أنامله الطرية القوية خدي ... إشارة أنه إستجاب لطلب رغبتي الصامت ... يدي تداعب صدره ... أناملي تتحسس حلماته ... عضلات ذراعيه ...
كلتا يديه صارتا تعصران وجهي ... تثبتان حركتي ... كفه القوية تمسك عنقي من الخلف ... تسحبني نحوه .. صارت شفتاه تتحكمان بشفتي ... برودة أرنبة أنفه تزيد لهيب الشوق نحوه ... إحدى يديه سكنت بين شعري وأذني ... لمسات ناعمة دفعتني للإستسلام لخبرته ... سال رحيق شفتينا على ذقوننا ... شممت ريح عرق جسده ... بدأت يدي تتحسس مكان أزرار بدلته ... لم تعاندني سرعان ما إستجابت ... يد تفتح الأزرار والأخرى تلامس اللحم ...
جلد فتي ينبض بالحياة ... عضلات صلبة دقيقة ... إنزلقت يدي من صدره نحو بطنه ... لامست أصابعي حافة بنطاله ... جاذبية غريبة تسحب يدي نحو هدفها ... تلك القبّة التي برزت بين فخذيه ... رعشة أصابت كلينا ما إن لامستها أطرافي
رعشة الصدمة الراضية صدرت عني ... ضغطت براحة يدي على قضيبه المنتصب فزاد عناده ... رغبته المتوقدة صبت جامها على شفتي ... صدري يحترق شوقا للقياه ... ويدي تتحرّق لملامسة ما يخفيه ... الأمر لم يعد يحتاج لمقدمات ... نزعت الروب القطني عن جسدي ... عارية أمامه تماما ... تراجعت للخلف خطوتين ... فسحت المجال له ليتملى في جائزته قبل أن ينالها ... لم يطل وقوفه ... سحبني من يدي نحوه وعاد يشرب رحيق شفتي ... إستسلمت لحركاته ... إستشعرت قبلاته تنزل من شفتي مرورا بذقني لتقطع رقبتي في سير ثابت حتى وصلت مفرق صدري ... تجمّدت حركاتي إلا من آهات إنتزعها من حلقي ... أمسك يدي اليمنى يعيدها بين فخذيه مطالبا بحقّه ...
لم أتردد في تلبية طلبه ... سرعان ما فككت زرار وسلسلة بنطاله ... تحرر ذلك المارد من محبسه ... أحسست أنه سيخرق قماش بوكسره الأبيض ... غاصت يدي بطولها تبحث عن منبته .... جحمه ألهب روحي ... حرارته جمّدت تفكيري ... كيس بيضاته الطرية يتراقص بين أصابعي .... حاولت القبض عليها بيدي لكنها تنفلت من بين أصابعي ... عبثي ألهبه .. نار أنفاسه تحرق صدري ... بدأت أتعب من صبري ... أمسكت حافة زبه الضخم بين أصابعي وقدته نحو الغرفة ... شفتان ملتصقتان ببعض ... لم نهتم بتخبط خطواتنا الزاحفة نحو الباب ... على حافة السرير طال عناقنا ... يدانا تكتشف منابع الرغبة في جسدينا ... عيل صبر كسي ... منذر أطال العبث في صدري ... بدأت الحمم تسيل بين شفرتيه ... كمن تعرف بغيتها دفعته ... وقع على السرير غير متوقع حركتي ... رفعت رجليه قليلا وسحبت بنطاله ... حجم قضيبه الضخم مرسوم تحت القماش الأبيض ... العين لا يمكنها تقدير حجمه ... فقط الكس كفيل بذلك ... دون تفكير فتحت رجليا وبركت فوق فخذيه ... عيناه تتطلعان لما أفعل ... الأمر لا يحتاج لتكهن ... أريد أن أحس بهذا العمود ينغرس داخلي ... خلعت بكسره بعنف من تتشبث بالحياة ...
رفعت مؤخرتي للأعلى قليلا ثم وازيت بين فخذي حتى قبّلت شفرتاي رأس قضيبه إجلالا ... تدور رأس قضيبه الضخم عاند في الولوج لفتحة كسي الضيقة ... في تلك اللحظة خلت أني سأتراجع ... ذلك الشعور بالرهبة ... رغم كل شيء فيبقى ما أفعله خيانة ... شيء جبلت على أنه حرام ...
ربما ملّ منذر الإنتظار ... ربما حرقته الرغبة ... وربما شعر بما أحس ... رفع وسطه للأعلى قليلا ... بدأ رأس قضيبه يخترق اللحم الناعم بين جدران رحمي ... حرارة ذلك الوافد الجديد هدمت كل فكرة للإنسحاب ... أي إنسحاب وأي تراجع ... آهات حارة إنتزعها دخوله فيا ... متعة و رغبة ونار تلهب جسدي ... توقفت قليلا حتى أتعوّد حجم هذا الوحش في رحمي ... سرعان ما إستجاب جسدي ... أمواج من مائي الرطب الحار سهّلت حركته في وسطي ... بدأ منذر يتحرك تحتي ... رغم متعتي لكني وضعت يدي على صدره أمنعه ... كنت أريد أن أقود تلك المعركة ... معركة لم أخطط لها ... فقط تبعت رغبتي لأصل لها ... سأترك رغبتي تقودها .... كسمكة علقت في شباك حريرية رحت أتخبط فوقه ... حجم زبه الكبير لامس مناطق لم أخل أنه يمكن الوصول لها يوما ... عزف أوتار بدأت تصدأ في روحي ... إهتززت ... صوت زحلقة زبه في داخلي تؤكد أن جسدي أثارته تلك اللحظات ... بدأت أرتعش وبدأت حركاته تتسارع ... لم يستسلم لطلبي بالهدوء ... بدأ يرهز صعودا ... دق زبه في رحمي على وزن دفوف حضرة حضر فيها كل أسياد المتعة ... كدرويشة رقصت فوق صومعته .... إرتعشت ودفقت نار رغبتي ... إرتعش وأطفأ لهيبي بماء زاد ناري ...
خارت قواي وسابت مفاصلي ألقيت ألقيت رأسي على صدره ... ونمت ... دقات قلبه منتظمة تؤكد أنه سعيد ... هدوء أنفاسه يؤكّد أنه تعودني ... لامست صدره وتهت بين شعيراته ... لا أعلم كم لبثت ... لكنه بضع اليوم ...
فتحت عيني نظرت في عينيه مباشرة ... ثم غصت في شفتيه في قبلة حب حقيقي ... حب لم أجرّبه قبلا ... ولم أتخيّل أني سأعيشه يوما .... الحرام هو أن أحرم من هذا الشعور
منذر
---------------------------------------------------------
صوت منبه قوي تحت العمارة يدعوني للنزول ... إنتفضت من تحت أمل ورحت ألملم ملابسي ... لم تتحرّك ... يبدو أنها منهكة أكثر مني .... نظرت لها وودعتها بقبلة هوائية وخرجت مسرعا مستفسرا سبب هذا الضجيج ...
شاحنة كبيرة تقف أمام باب العمارة ... عمّال ينزلون منها ... كتب عليها ... شركة نقل الأثاث ... لم أفهم ما يحدث ... هل هناك سكان جدد ؟؟؟ أين سيقيمون ؟؟؟ ...
سيّارة الدكتور تصل لتقف خلفها ... أوامر صارمة للعمال بالتحرّك ... وسرعان ما إقتحموا العمارة ... كالمشدوه والمصدوم ... لم يحتج الأمر تفكير طويلا ... سهام وزوجها سيغادران العمارة سيغيران مكان السكن ... أحسست بالغصة تحرقني ...
لم أتحرّك من مكاني رابطت فيه ... ليس بإختياري إنما مجبرا ... منهك القوى ... كئيب الروح ... مصدوم .... سرعان ما قامت خليّة النمل تلك بتفكيك أثاث البيت ... أثاث كان شاهد على يوم حب سرعان ما تلاشى الأمل في تكراره ...
كنت أراقب كل قطعة تنزل بين يدي العمال علي أجد ريحها فيها ... إبيضت عيناي دمعا عليها ...
ساعات قليلة ونقل كل شيء تقريبا ... رحلت الشاحنة وتلتها سيّارة الدكتور ... صداع شديد أشبه بالغيبوبة أصابني ... لم أفهم ما يحدث لي ... في الأوّل أفقد حبيبة و أيأس من فريال ... فتعوضني الأقدار بسهام ... لم أشبع منها بعد حتى ذابت في طيّات القدر فأتعثّر في أمل دون مقدمات ...
أمل ؟؟؟ ... آخر من كنت أتوقع الوصول لها ... أصلا لم أفكّر في النظر لها ... منذ ساعات كانت تتفانى في تمتيعي ... أو تمتيع نفسها بي ...
غريب أمر قلبي ... أحببت حبيبة وعشقت فريال ... هويت سهام وولهت بأمل ؟؟؟
يوم سرعان ما مرّ ... مشاعر متضاربة وتيه متواصل ... صدمات تتلوه الصدمات ... كلها تصدمني حلوها ومرّها ... عمارة العجب هذه تختزن أسرارا عدّة ...
وصلت حافلة المدرسة ... نزلت زينب وأخوها مسرعين مهرولين مرحبين بي ... غمراني قبلا مطالبين بحقهما في القصّة .. كنت سأبدأ بسردها حين نزلت أمهما تستقبلهما ... لم تستجب لإستجدائهما ... سحبتهما من يديهما وولجت المصعد دون أي نظرة نحوي ...
تجمد الدم في عروقي .... سرقت روحي ثانية ... هل ندمت ؟؟؟ ... ألم أعجبها ؟؟؟ ... كانت تتلوى من المتعة فوقي ... ؟؟؟ ... لما كل هذا البرود ؟؟؟ ... لما كل هذا الغموض ؟؟؟؟ ... كان يمكن أن تبرّد ناري بنظرة ...
قبل أن أستوعب ما يحدث توقفت سيّارة الدكتور أمام الباب ... نزلت سهام ... وجهها أنار ظلمة روحي ... وقع خطواتها وهي تعانق زوجها ويتوجهان نحو باب المصعد يشبه صوت المنشار ينشر ضلوعي ... كيف تعانقه هكذا أمامي ؟؟؟ ...
هل تتصنع السعادة معه ؟؟؟ ... أم تتصنّع الحب معي ؟؟؟؟ .... سرعان ما نستني وسرعان ما أخفاهما باب المصعد ... أردت اللحاق بها ... سحبها من يد زوجها ... نهرها سؤالها عما تفعل وعما فعلت وعما فعلنا ؟؟؟ ... لكني تماسكت ...
تهت وتاهت أفكاري ... خرجت أستنشق الهواء في الخارج ... الجو أصبح يخنقني ... لم أعلم كم مضى علي من وقت في الهم والغم حتى رأيتهما يخرجان ... حركة متعالية من الدكتور تأمرني بالقدوم ...
هرولت نحوه لم أركز في كلامه ... كنت أبحث عن نظرة في عين سهام أحدد بها قراري ... لكنها كانت تغرس رأسها تداعب هاتفها ... قضي الأمر ...
وضع الدكتور في يدي مفتاحين ... ولفة من الأوراق النقدية ... قال بصوت عالي .. " هكا خالصين " ... خالصين ؟؟؟؟ ... لا أبدا ... أنا مدين لك ؟؟؟ ... وزوجتك مدينة لي ..؟؟؟
صوت ضحكهما غلب صوت هدير المحرّك ... ضحكة أنهت أمالي ... أغمضت عيني متحاشيا الدوار الذي أصابني ... فقدت سهام للأبد ...
دقائق طويلة مرّت عليا في اللامكان واللازمان واللاشعور ... وقعت لفّة النقود من يدي فإنتبهت من غفلتي ... مبلغ ضخم ...
دخلت العمارة ... صعدت لشقّة سي توفيق ... فتحت لي حبية الباب متعجبة ... نبرة تنهرني بها معاتبة قدومي ... كرهتها كما كرهت سهام ... كيف نسيتا ما بيننا بسهولة ...
لويت شفتي وبصوت عالي أعلمتها أني أبحث عن سي توفيق ... صوت أخته من الداخل سمح لي بالدخول ... في الصالون ... فوق نفس الكنبة التي غاصت عيني بين فخذي فريال فيها وجدته مستلقيا ... رغم نحول جسمه لكنه يبدو بخير ...
أجلت النظر فيها ... لقد تركوا بعض الأثاث ... نصف الصالون ... تلفاز معلّق على الحائط ... غرفة النوم كما هي تقريبا ... بعض أواني بالمطبخ ... وبعض المناشف في الحمام ... كيف سأتخلّص منها ؟؟؟ ... الأموال بجيبي أنستني ألم جرح سهام ...
سحبت تلك اللفة ... عددت أوراقها ... ألف دينار ؟؟؟ ... إيجار شهر ؟؟؟ ... لم أصدق يدي وعيني وعقلي ... خفت ورعبت ... أردت العودة لبيت سي توفيق والتخلّص من تلك التهمة ...
فتحت باب الشقة وهممت بالخروج ... زينب تناديني بصوتها البريء ... إلتفت خلفي لأجدها في لباس نومها ... إستغربت وجودها ... أمسكت يدي وتعلقت بي تريدني أن أرفعها ... عانقتها ... همست في أذني قائلة ... " إيجا باش تحكيلنا قصة قبل ما نرقدو " ... لم أصدقّ ما أسمع ... أفهمتني وهي تمطرني قبلا أنهما أقنعتا أمهما بأن أتولى مهمة قصة قبل النوم ...
نزلت السلّم وهي تتعلّق برقبتي ... دخلنا من باب المطبخ ... كل مشاعر الكون تتصارع في صدري ... هندسة العمارة تجعل البيوت متشابهة ... قادتني الطفلة لغرفتهما تكاد تطير من الفرحة ... لم ألمح أمهما لكني سمعت صوتها تتحدّث في الهاتف ..
غرفة جميلة فخمة مزينة برسوم على الحائط ... فئران وبط ... أبطال رسوم متحرّكة ... البنت تنام يمينا والولد يسارا ... سريران متشابهان ... سحبت كرسيا من مكتب يدرسان عليه ... وبدأت أروي لهما القصّة ... بطل أسطوري يهزم الأشرار ... البنات يعجبهن الأبطال ... منذ الصغر يتخيّلنه فارس الأحلام ... والأولاد يتخيلون انفسهم هم الأبطال ... لن أحبط آمال الجيل القادم ... علّهم يغيرون الواقع ... لم تنتصف قصتي بعد حتى هدأت أنفاسهما ... إنسحبت بعد أن تأكّدت من نومهما ...
وقفت مترددا قليلا ... لم أرى أمل ولم أسمع صوتها ... مجرّد وجودي ببيتها دفع قضيبي للإنتصاب ... خيّرت الإنسحاب من باب المطبخ ... يبدو أنها لا تريد أن تقابلني ثانية ... خطوت أوّل خطوة نحوه ...
الباب مفتوح ... المطبخ يبدو مظلما إلا من نور خفيف ... دخلت لأصدم بمشهد لا يوصف ... طاولة الطعام منمقة عليها أطباق طعام رائحته تستفز جوعي ... شمعتان تبعثان نورا ورائحة تسحر الروح ... أمل تقف أمامي ...
شعرها منسدل حتى كتفيها ... تلف جسدها بقميص نوم أسود شفاف يطلّ من تحته صدرها النافر الضخم يعانق السماء في سوتيانة سوداء ... فخذاها المدوران يقبضان على مثلث قماش يستر كسها الضخم في خجل ... رائحة عطرها تدغدغ أنفي ...
تسمّرت مكاني ... كانت تنظر للأرض في حياء ... حياء الراغبة المتمنعة ... دون كلام سحبت كرسيها وجلست تطلب مني الجلوس قبالتها ... كل ما في هذا الجو مغري ... لا يمكنني مقاومة رغبات بطني وأنفي وصدري ... سحبت الكرسي وجلست ...
عشاء رومانسي تحت ضوء الشموع ... رأيت دمعة تتسلل من عينيها ... رق قلبي لها ... أنا سريع الوقوع في الحب ... سحبتها من يدها ... وقفت تنظر في عيني مباشرة كأنها تتسائل عما أريد أن أفعل بها ... قبّلت وجنتها ... جبينها ... حضنتها حتى كدت أحشرها في صدري ... داعبت شعرها وداعبت يداها ظهري ... مصصت شفتيها أعدت لهما الروح ... رطبت جفاف صدرها ... لم يعاندني السوتيان فسرعان ما إنسحب تاركا المجال لشفتي ترضعان حلمتيها ... بدأت ركبها تهتز ... أجلستها على الكرسي ... فتحت فخذيها ... خلعت كيلوتها ... كانت تنظر لحركاتي غير مستوعبة ...
قبّلت نعومة جلد فخذيها ... صعود حنون ... وصلت بينهما ... مخزن الأسرار ... رائحة قوية جذّابة ... ملمس ناعم خشن يداعب لساني ... غصت بين شفرتيها ... لثمت بضرها ... طعم مالح مسكّر .. كل الأضداد تجتمع هناك ... بدأت أمل تتمتع بما أفعل ... إستسلمت وألقت برأسها للخلف ... يد تمسك حافة الكرسي أن لاتقع من فوقه ويدها الأخرى تداعب صدرها ...
الطبيعة وازت آهاتها بدفقات رغبتها ... بدأت ترتعش ... ترفع رجليها للأعلى ثم تطبق بفخذيها على رقبتي ... شربت روح رغبتها ... عصير قطّرته من سنين جوعها ... لم أشبع منها ولم تصل بغيتها ... فتحت بنطالي وتخلّصت من كل ملابسي في ثواني ... لم تترك لها الوضعية الفرصة لتفهم ما يحدث ... غرست قضيبي ببطئ بين شفرتي كسها ... رحبت به بآهات زلزلت سكون المطبخ ... بدأت أتحرك للخلف والأمام ... فقط رأسه داخلها ... قصدت أن أستفز رغبتها أكثر ... ثم أدخل جزءا آخر منه وأواصل الحركة ... كل مسام جسدها تفتحت ... كل فتحاتها تجاوبت ... ألقت برأسها للخلف ... نصف ظهرها على الكرسي ... شعرها يلامس الأرض ورجلاها تعانقان السماء ... وضعية بهلوانية طارت معها روحها ... إرتعشت وإهتزت ... صرخت وتلوت ... دفقت نار أحرقت قضيبي ...
لم أبلغ نشوتي وطارت بها نشوتها ... كنت أشعر بالغيرة ... رغم سعادتي ... خارت قواها ... سحبتها لتقف ... وضعت يدي على كتفها ... بركت على ركبتيها أمامي ... زبي المدهون برحيق شهوتها يلامس شفتيها ... يبدو أنها قرفت من ذلك ... دون تردد دفعت قضيبي بين شفتيها ... قبّلته تلعق رحيق رغبتها من فوقه ... ما إن دخل رأسه فمها الرطب ... لم أتمالك نفسي ... قذفت مائي داخل فمها ... كل النساء تقرف من ذلك ... تراجعت للخلف ... مصدومة ... خشيت أن تكره صنيعي فتنفرني ... سحبتها من يدها لتقف وقبّلت شفتيها ... مزيج رباعي من ريقنا وماء كسها وماء زبي بين شفتي ... جاهدت نفسي أن لا أفرغ ما في بطني ...
مفارقة غريبة ... قرف ممتع ... دخلنا نستحم سويا ... جسمها المدوّر الناعم يتراقص أمامي ... أحسست أنها ترغب في المزيد لكن جسدي لم يستجب ... لقد فرغت كلّ رغباتي ... رغم أني أردت الإنسحاب لكنها أصرّت أن أبيت عندها ...
سرير وثير وحضن دافئ ... نمت كنوم الرضع بين أحضانها ... صوتها يهدهدني ...
مع زقزقة أوّل عصفور تجرّأ وإقتحم هذا الحي ... أحسست بيدها تهز صدري لأستيقظ ... مثقلا ثملا من سكرة الحب ... أفرغت ما خزنته كليتاي طوال الليل ... التبوّل صباحا ممتع كممارسة الجنس ... لا ينتهي .. رفعت رأسي نحو شبّاك الحمام ...
غسلت وجهي وفتحته ... نظرت نحو سطح غرفتي ... البارحة في نفس التوقيت ... كنت أربض هناك ... واليوم أنا هنا ... لا أحد يعلم غدا أين سأكون ... عمارة العجب هذي ؟؟؟
أمل ودعتني من باب المطبخ كزوجة حنونة توصل زوجها المنطلق للعمل ... قبّلتها طويلا ثم أغلقت الباب ... ما إن خطوت خطوة نحو الأسفل حتى صعقت ... وقع خطوات تقفز نزولا في السلّم ... لم أجد بدا إلا من الهرب ... أحدهم ضبطني ... أو كاد ...
نزلت بأقصى سرعتي ... وقفت لاهثا أمام باب العمارة ... نظرت خلفي مرارا .. أقنعت نفسي أني كنت أتخيّل ... كذبت على نفسي وصدقتها .... بدأت أمسح مدخل العمارة ... أمسكت الخرطوم وبدأت بالرش أمامها ... الأمر غير ضروري ... لكني كنت ألهي نفسي بأي شيء يبعدني عن التفكير في موضوع الخطوات على السلّم ...
صوت فتح باب العمارة خلفي ... إلتفت ... السيدة سهير ... ساكنة الشقة رقم ثلاثة ... لم أعرفها ... لقد غيّرت لون شعرها ... وقصّته ... ملابس رياضية ضيقة ... صدرها يظهر تحتها بكل تفاصيله ... تبان مطاطي يظهر تكوّر كسها بينه ... سمعات تتدلى من أذنيها .. مرّت بجانبي ... لم أصدّق أذني لقد صبّحت عليا ...
لا أعلم هل سمعتني وأنا أرد عليها أم لا ... فقد إنتبهت من غفوتي بعد أن تجاوزتني بأمتار ... وقفت مشدوها والماء ينصب من الخرطوم حتى شكّل بركا كبيرة في الطريق ... رحت أراقبها تجري ... كل ما فيها مثير ... إهتزاز ردفيها ... تأرجح ثدييها ... تموّج شعرها ... حمرة خدودها ... كانت تمر أمامي مركزة في جريها كأني غير موجود ... لا أعلم كم مر عليا من الوقت ... وجود الجمال حولي يعطّل ساعة عقلي ... أنهت حصة رياضتها ودخلت العمارة ...
مرّت الأيام تباعا ... أبيت عند أمل ... أنهل من جسدها وتشبع من جسدي ... تعودتها ... نكتها ونكت حبيبة وسهام فيها .... فقط فريال هي التي لم تبرد ناري نحوها ... لكن قربي من سي توفيق منعني ... صرت أرافقه يوميا في جولة أدفع به كرسيه ذي العجلات ... كان لطيفا معي ... يحدثني ... وأسليه ... أضحكه ... أخته كذلك صارت أكثر لطفا معي ... فقط فريال هي التي تحوّلت ... سهام تمتع عيني بجمالها يوميا وهي تمارس رياضة الجري ...
زينب وزياد صارا يعاملاني كوالدهما ... أنيك الأم و أربي الأولاد ... لم ينقصني فقط أن أنفق عليهم ... ثلاث أسابيع مرّت كالحلم ... أصلا إكتسبت فيها بعض الوزن وتورّد وجهي ...
كنت أتجوّل يوما أدفع كرسي سي توفيق مستغلين بعض الدفئ المنسلّ من أشعة الشمس ... حين تذكّر أمر الشقة رقم 5 ...
بدأت أفكّر بالأمر ... ذكرت أني رأيت بعض الإعلانات معلّقة على عواميد الهاتف تعلم بوجود شقق مفروشة ... تطلّب الأمر مني شراء هاتف جوّل وخط خاص بي ... هذا وحده يعتبر إنجازا بالنسبة لي ... توجهت لمحل إعلامية طبعت بعض الأوراق ... ورحت ألصقها في الأرجاء القريبة ...
مرّت أيام لم يتصل بي أحد ... كما أن أحد العابثين يتعمّد نزع ملصقاتي ... بدأت أخاف من هذا العرض ... وضبّت الشقة ... لم يكلفني الأمر كثيرا فما تركه الدكتور يكفي لأي مقيم ... ثمن هاتف بسيط وخط ... لكن أن أدفع شهريا إيجار شقّة لا يسكنها أحد فهو ظلم ....
طبعت أوراق عديدة وعزمت أن ألصقها في كل الأحياء المجاورة ... نهضت مبكرا تاركا أمل تغط في نوم عميق بعد مجهود ليلة وردية حارّة ... رحت أتسلّق الأعمدة محاولا أن ألصق إعلاناتي أبعد من أن تصلها يد ذلك العابث البغيض ... كالقرد متعلّقا بعمود الهاتف ... أحاول تثبيت حركتي ... صوت ضاحك يصلني من الخلف ..
نعومة الصوت أربكت حركتي فإنزلقت لأقع أرضا فزاد ضحكها ... رفعت رأسي أكتشف مصدر الصوت ... وجهها مؤلوف لي ... الفتاة التي خلتها يابانية منذ قدمت للشقة لم أرها خلتها رحلت في غفلة مني ...
وقفت أنفض الغبار عن ثيابي والحرج عن روحي ... نظرت في عينيها مباشرة ... ضحكتها تسحرني رغم كونها تسخر مني ... مدت يدها لتسلّم عليا ... تسمرت مكاني حتى ضجرت إنتظار يدي ...
شيماء
-------------------------------------------------------------
ما إن دخلت تلك الشقّة صحبة منذر حتى تهاطلت عليا الذكريات ... بواب لا يعرف الشقق المفروشة ... وأنا لم أستطع تذكّر عدد الشقق التي دخلتها ... الأمر ليس أرقاما فحسب كل شقة فيها ذكرى فيها حكاية فيها ألم وأمل ضائع ...
رغبة شديدة في التدخين تهزني ... لكني صمدت ... مشكلتي بدأت من التدخين ... قالت أمي يومها أنه بداية طريق الإنحراف ... كنت في السادسة عشر ساعتها ... أوّل سيجارة تقاسمتها مع خليل ... خليل حبيبي الأوّل ... أو الثاني ... لا أعلم ... تلميذة مراهقة ... أغلب البنات في معهدنا يدخّن ... فلأجرّب ... طلبت من خليل في خلوة خلف سور المعهد أن يجلب سيجارة ... بدأت بسيجارة وإنتهت هنا ... أحاول التخلّص من الإدمان ... رغم أن الطبيبة أكّدت لي شفائي لكن روحي لم تشفى ...
الموضوع تطوّر بسرعة ... فشلت في البكالوريا ثلاث مرّات ... كنت تلميذة مشاغبة ... جميلة ... فاتنة ... الكل أكّد لي ذلك ... ذكريات المعهد ردمت بالهم الذي تلاها ...
قادمة من شبه مدينة بالشمال ... عرف بناتها بجمالهن الفائق ... كنت إحدى أكثرهن جمالا ... عائلة شبه فقيرة ... الأب متقاعد ... الأم تعمل بمشغل خياطة ... شقيقة صغرى لم تنجح في شيء ... إخوة كثر من زيجات أبي السابقة ...
في سن العشرين إقتحمت الجامعة محملة بآمال كثيرة ... ليست كآمال البنات الراغبات في النجاح وتحقيق الذات ... كنت أريد الإنطلاق للعالم ... أتخلّص من الرقابة ... أدخل عالم السهر والخروج واللبس والحفلات ... أجنحة مقصقصة بسبب الفقر ...
لم أدرس ولم أهتم بالدراسة ... فقد خبرت كيف أستغلّ جمالي لتأثير على المدرسين ... بدأت القصة في المبيت ... شلّة بنات قادمات من كل أنحاء البلد ... كنت الأكثر إشعاعا بينهن ... تحلّق حولي أكثرهن جنونا ... صداقة عنيفة سريعة عجيبة جمعتنا ... لكن جمعنا الفقر ... هو ليس فقرا بالمعنى الحقيقي ... لكن طموحاتنا أكثر من قدراتنا ... الكافيهات الفخمة ... الملابس الراقية ... مثلا التنقل من المبيت لضفاف البحيرة وحده كفيل بإستنزاف مصروف أسبوع لجميعنا ... وطبعا أينما توجد الطالبات يوجد طالبو الرغبة ... أولاد الجامعة لا يلبين رغباتنا ... حتى الأغنياء منهم ... يمتلك سيارة أو سيارة والده ... إن صرف على السهرة اليوم فلن يقدر غدا ...
شربت أغلى الكوكتلات ... دخلت أرقى الملاهي ... كان إجتماع شلّتنا وتحلّقنا ببعض يمثل حماية لنا ... عرفت رجالا كثرا ... البداية كانت برجل متزوّج ... إبن مدينتي ... يعمل تاجرا للطيور وحيوانات الزينة ... كان يوفّر لي مصروفا أسبوعيا ... هاتفا راقيا ... مقابل بعض القبل ... أحضان و جنس غير مكتمل ... المهم أن أحافض على عذريتي ...
سريعا ما ملّ مني .. من تعود الجنس الحقيقي لن يرضى بنصفه مع كمية الإثارة في ... إختلفنا ... قطعنا علاقتنا بطرقة عنيفة ... كنت آخذ منه المال ونصرفه معا كشلّة ... إقامتي بالعاصمة وبعده عني جعلني أتعوّد كثرة العشاق ... تعرّفت برجل آخر ثلاثيني ... غني ووسيم ... كان خارجا من قصّة حب فاشلة ... وجدت فيه كل ما أطلب ... وأعطيته ما أريد نصف الجسم ونصف الجنس ... ثم آخر وآخر ...
إستعملت الرجال كمصرف ... وإستعملوني كجسد ... نصف جسد ... وجدت الحنية في بعضهم لكني لم أبالي ... سرقتني تلك الأضواء وتلك الروح الجديدة ... تخيّلت نفسي أذكى من الجميع ...
كثيرا ما خدعنا رجالا ... نتحرّش بهم ... نغريهم ... نأخذ أموالهم مقابل وعود بسهرات ... سهرات لم يحصلو عليها ... نجمع منهم الأموال وننفقها على شلتنا ذكورا وإناث ... لاهم كانو ذكور ولا نحن كنا إناثا ... حيونات تهيم بلا هدف ... لم أكن الإستثناء ولا حتى شلتي ... الكل كان هكذا ... فلنقل الأغلبية ...
ضاقت بي العمارة ... منذر ذهب لعمله .... شقة أخي فارغة ... روحي فارغة ... والذكريات تنهمر على رأسي ...
غيّرت ملابسي وخرجت من الحي ... أسير بلا هدف ... بغير هدى ... روح ثائرة مخنوقة ... لا أعلم كم فرسخا قطعت ...
" منعرج خطير" ... وقفت طويلا أمام تلك الإشارة ... تذكّرت دروس تعلّم السياقة ... دروس دفع وليد ثمنها ... قال أنه يريد أن أذكره كلما أدرت مفتاح سيّارة يوما لأقودها ... وليد ... رجل تعرّفت عليه في معترك الرجال ... كان أحدهم ... لم أهتم به ... رغم كونه أسر روحي ... رجل يعيش من أجل الجنس وبالجنس لكن الجنس لا يعنيه ... يأكل ليقوي قدرته الجنسية ... لا تفلت منه مؤخرة في الطريق ... يفهم في كل شيء ... يكتب في الجنس والأدب والسياسة ... صاحب شركة إعلانات ... يتكلّم سبع لغات وكل ****جات ...
دخوله في حياتي كان سريعا ... وخروجه أسرع ... لكني لن أنساه ... عرفته يوما في إحدى التظاهرات السياسية ... مذ رآني بادرني بالكلام ... دعاني للعشاء ... طلب مني أن أهرب معه لعالمه ... ثم لا أعلم لماذا إختفى ...
دخل حياتي ثانية لا أعلم لماذا ولا كيف ... رسالة وصلتني منه يريدني في عمل ... كنت أعيش فقرا وفراغا لا محدود ... إنسحب كل الرجال بعد يأسهم من جسدي ... رأيت أنه فرصة لكسب بعض المال ... الملابس ... ربما هاتف ... صديقتي أعلمتني يوما أنه أحد المرفهين ... طمعت فيه ... رغم أني تجاهلت موعده الأوّل لكنه أصّر ... قابلته ... شكله جذّاب رغم أثر السنين ...
غلّف لقائنا بعرض عمل ... خدعة معروفة للجميع ... البطالة تضع الفرائس أمام أرباب العمل على طبق ... رغم تيقنه من عدم قدرتي أن أفيده في شيء في عمله لكنه واصل علاقته بي ...
كنت مللت الإقامة في بيتنا ... الجامعة لم تفتح أبوابها بعد ... إشتقت لأجواء العاصمة والسهر ... طلبت منه أن يؤجر لي شقة أسكنها ... وفعلا فعل ... لا أعلم كيف قبلت روحي ذلك ... دعوت عشيقي ... أحد أفراد الشلّة ... نعم دعوته للشقة التي أجرها عشيقي الأخر وأنفقت عليه من أموال أخذتها من وليد ... صعقت يوم أعلمني أنه رآني معه ليلتها ... لكنه واصل علاقته بي ... كيف سمحت له رجولته بذلك ؟؟؟ ... لا أعلم من يفتقد للرجولة منهما ... من تقبّل أن تنفق عشيقته ماله على ليلة حمراء مع عشيق آخر ؟؟؟ أم الذي أكل وسهر ونام بمال رجل غيره ؟؟؟ .. الرجال عندنا يصعب فهمهم ...
أنفق عليا بسخاء لكني لم أنل منه شيئا ... كان يدفع متذمرا ثمن مشروباتي الغالية ... كنت أعتقد ان ذلك يرفع مستواي ... كان دائما يؤجّل طلباتي في شراء ملابس أو حلي أو غيرها ... راوغني كثيرا رغم كرمه معي ... قال يوم إفترقنا أنه لا يدفع مقابل شيء يتمتع به غيره ...
كان كثير الكلام لدرجة لم أعد أقدر أن أتابع حديثه فيها ... متزوّج ويعشق زوجته لكنه يخونها .... كنت أستمع لمكالمتهما على الهاتف يراجعان ذكريات ليلة الأمس الحمراء و يعدّان لتلوين القادمة بالصبغة القانية ... لكنه يقبّلني بنهم ... ويشتهي جسدي ....
عشيقاته كثر نسي أغلبهن ... حدثني عن خلود ... حبيبة رسمت جرحا في قلبه ... أحسست من كلامه عنها أنه أحبها .... ولا يزال يحبها ... يحب زوجته ويحب عشيقته التي تركته ويحبني ... نعم أحبني ... أحسست ذلك قبل أن يصارحني ...
عشت معه أسبوعين فقط ... أذهلتني قدرته على حلّ المشاكل ... شبكة معارف لا تحتاج سوى لمكالمة هاتفية لتقضي شؤونك ... قال قبل فراقنا بيوم ... و كنت قد فتحت له جزءا من أسراري ... فتاة لعوب لكني لست عاهرة ... أنام في أسرّة الرجال جميعا ولا ينام أحدهم معي ... كنت مغرورة ... كلمة لم يزل صداها في أذني ... إقتباس من قصيدة نزار القباني ... " إختاري القحب أو اللاقحب " ... قال أن ما أفعله يصورني في عين الناس كقحبة ... فلماذا لا أقحب ؟؟؟ الكل يراني كذلك...
" منعرج خطير" ... أوقف سيّارته قرب علامة طريق ... كنا عائدين من مدينة طبرقة مساءا ... كان ينصحني كأنه أبي ... يلاعبني كصديقي ... ويعانقني كحبيبي ... أردت أن أقبّله لكنه رفض ... قال أني سببت له الألم في بيضاته ... لم أفهم ما يقصد ... طلب مني أن أبتعد عنه قليلا ليقيّم موقفه مني ... وأقيّم موقفي منه ... فقط كنت أهتم لما سأجنيه منه ... قال أن هدفه الوحيد هو جسدي ... فعليا أن أختار ....
حظّك لن يقف معك طويلا ... هكذا ودعني ... جملة لخّصت كل ما تلاه في حياتي ... فتى مقرف في حينا إقتنع بكوني قحبة ... أنا أقنعت الجميع بتصرفاتي كوني كذلك ... تحرّش بي ... أزعجني ذلك ... إتصلت بوليد وصوّرت له أني كنت سأتعرّض لإغتصاب ... ترك عيد ميلاد إبنه من أجلي ... إستنفر كل معارفه من اجلي ... لكني أغلقت هاتفي في وجهه ... رصاصة الرحمة في علاقتنا القصيرة ... إختفى من حياتي بسرعة كما ظهر بسرعة ...
أنا رخيصة لا همة لي ... لم أبالي بأحد لا هو لا من قبله ... وفعلا إنسحب ستر الحظ لي ... تعرّفت بشاب غني ... أغراني وفّر لي كل طلباتي ... ثم أوقعني ... أدمنت المخدرات ... بعت كل شيء ... عذريتي ... شرفي ... جسدي ... حتى ذاب جمالي وإنصرف الجميع عني .. حتى الشلّة تفرّقت هذه نجحت والأخرى سافرت وتلك تعمل .. والأخرى تزوّجت ... لم ينجدني منهم أحد ... أخ لي من الأب فقط ... صرف على علاجي ... زوجته هي السبب ... تحبني مذ رأتني ... إشتقت لأمي أريد زيارتها ...
عدت للشقة مثقلة بهمومي ... وجدت رغدة زوجة أخي تنهي تمريناتها الرياضية ... حزمت حقيبة صغيرة وأخبرتها أني سأزور أمي لأيّام ...
رغدة
--------------------------------------
رغم حزني لمفارقة شيماء لبيتنا ... لكن شيء ما في داخلي يرقص طربا ... الشقة خالية هذه الليلة فقط أنا وشاشة التلفاز ... إشتقت لأفلام البورنو ... بدأ كسي يتحرّك شوقا لهذه اللحظة ...
الجزء السادس
---------------------------------------------------------------
ودّعت شيماء بتلويحة من يدي وأنا أراقبها تركب التاكسي من شرفة المنزل .... جلت بنظري في أرجاء الحي الهادئ ... إحدى السيدات تجلس في شرفتها في العمارة المقابلة لي ... تترشف قهوتها بهدوء ... هدوء أشبه بالحزن ... كل جدران هذا الحي تختزن مشاعر وحكايات ... أسرار و قصص ...
لا أعلم ما أصابني هذه الأيام ... فتور ... برود ... لا رغبة لي في شيء ... قدوم شيماء للإقامة في بيتنا أسعدني ... كدت أطير من الفرح بدخول شخص جديد في حياتي ... علاقة زوجي بعائلته شبه منعدمة ... منذ تناقشنا في موضوع أخته ونظرتي له تغيّرت ... لم يقبل بمساعدتها إلا بعد إصراري ... كنت أحبه ... أحب فيه صموده ومثابرته ... خروجه من الفقر نحو الغنى ... إجتهاده ونجاحه ... كانا سبب موافقتي الإرتباط به ... عرفته في المطار ... كان عائدا من رحلة دراسة طويلة ... مقعدانا كانا متجاورين ... رحلة طويلة سلاني فيها حديثه ... وجدت فيه الرجل الذي يمكن أعتمد عليه ... الرجل الذي يمكن أن أعتبره سندا لي ... أحببته دون تأجيل ...
لم يحدثني عن عائلته أبدا ... كأنه جزء أسود يجب محوه من سجلّ حياته ... حفل الزفاف لم يحضر فيه أحد من أهله ... كنت اعتقد انه وحيد في هذه الدنيا ... لكن بدأت الصدمات تتالى ... إخوته كثر ... والده مزواج ...
الصدمة الثانية يوم تعرّفت بشيماء ... وجهها يدلّ إدمانها ... جسدها نحيل وعيناها بلا روح ... لا أعلم كيف أصررت أن يتكفّل بعلاجها ... رفضه و إصراره وغضبه مني أني تعرّفت بأهله جعلاني أعيد التفكير بعلاقتي به .... رجل يعيره إرتباطه بأهله لا يعتبر رجلا ؟؟؟ ... لا يمكن ان يكون سندا لي ... تشققت صورته في قلبي .... فقرهم ليس عيبا ... و أخطائهم هو أولا أن يسترها لا أن يستحي منها ... بدأت أخشى على نفسي منه ... من تخلّى عن أهله سيسهل عليه التخلّي عني يوما ... أنا التي مانعت الزواج حتى تزاوجت الثلاثين ... إرتبطت به لأني توهمت أني أحببته ... تصدّع ذلك التمثال الذي نحته خيالي له ...
صبرت طويلا على شبه عجزه الجنسي ... علاقة قصيرة تنتهي قبل بدايتها ... حتى صار يخجل من معاشرتي ... دفئ الحب والسعادة بيننا جعلتني أصبر ... عدت سيرتي الأولى ... أفلام البورنو ... رغم توفرها بكثرة على شبكة النت لكنها لا تستهويني ... ذلك الإنتظار حتى ساعة متأخرة من الليل ... تلك الآهات الخافتة الصادرة عن بطلات تنكحن على شاشة تلفاز كتمت صوته و أفرغت فيه رغبتي ...
سحبت كرسيا وجلست أتمتع ببعض دفئ الشمس أغمضت عيني ... وتهت في التفكير ... حتى غالبني النوم ... نعاس ولا نعاس ... جسدي يرفض الحركة ...
صوت منبه أيقضني ... فتحت عيني مثقلة وجسدي منهك من أثر النوم على الكرسي ... حافلة المدرسة تقف أمام العمارة ... نزل طفلان منها ... هرولا نحو بواب العمارة يعانقانه ويلاعبانه ... المشهد شدني ... مالرابط بينهم ؟؟؟
... خلعا محفظتيهما وبدأ يجريان خلفه ... مرّة يرفع البنت في السماء ومرّة يمسك الولد من يديه ويلف به لفات تجعله يصرخ طربا ... وجودهم بعث روحا في الحي الصامت ... صخب وضحك ... البواب يلعب كطفل صغير ... يجيد تسلية الولدين ... كنت أصنّف تصرّفاته كإجتهاد منه لكسب بعض المال ... رقصت روحي طربا للعبهم ... أردت أن أنزل وأشاركهم ... أريد إستعادة طفولتي ... حوالي الساعة والصخب الجميل يملأ الجو ...
جارتي أمل تخرج من باب العمارة ... نادت إبنيها ... تذمرهما واضح من حركاتهما لكنهما إنصاعا لأمرها ... شيء ما شدني لما يحدث في الأسفل ... السيدة أمل تتحدث مع البواب ... نظرتهما لبعض ... قربهما من بعض بتلك الطريقة شدني ... كانا واقفين كحبيبن ... لن تخطأ عيني ذلك ...
سرعان ما إنسحبت هي وسرعان وما إنسحبت أنا ... دخلت شقتي ... روح ثقيلة تخنق أنفاسي ... عاد زوجي من عمله ... تقبّل خبر مغادرة أخته بترحاب شديدة ... يعتبرها إثما فرض عليه حمله ... سرعان ما تعشى ... هاتف يرن من شلّة الصيد مطالبين إياه بسرعة الإلتحاق ...
خرج وتركني لوحدي ... صرت أعشق غيابه ... رغم سنوات الزواج ... رغم الحب ... موقفه من عائلته غيّر نظرتي له ... دخلت غرفة النوم ... تعطّرت وتزينت .. وقفت طويلا أمام المرآة ... سرّحت شعري الناعم حتى إنسدل على كتفي ... روب حريري وردي شفاف ... سوتيانة ترفع صدري للأعلى ... بطني المسطّحة بدأت تتكوّر ... منظرها يزعجني ... لكني أبقى جميلة ... فخذايا الناعمان المكتنزان يجاهدان لرفع مؤخرتي المكتنزة ... كيلوت وردي مشبك شفاف ... يحضن كسي الناعم بحنان ...
دخلت المطبخ ... فشار وفواكه جافة وعصير ... نظرت للساعة ... العاشرة ليلا ... بقيت ساعة على بدأ موعد بث الفيلم ... قصّتي مع أفلام البورنو تعود لعقدين .. بداية الألفية الثانية ... إنتشار اللواقط الرقمية ... وقتها لم يكن للنت رواج ... كنت في الثانية والعشرين طالبة و أسكن في بيتنا ... للتخلّص من إزعاجي ولتوفير ظروف النجاح ... أبي وضع كل مستلزمات ذلك في غرفتي في الدور العلوي لفيلتنا ... تلفاز .. ثلاجة ... وطبعا لاقط حديث ... لن أنسى أبدا أوّل مشهد وقعت عليه عيني ... زب أحمر طويل بين شفتي فتاة ... خفقان قلبي يستذكر تلك اللحظة للآن ...
أدمنت الفرجة وأدمنتني ... خلت أن الزواج سيعوض عني ... الممارسة ستنسيني الفرجة لكن عبثا ... اليوم مع كثرة المواقع لم أجد كفايتي ... تلك اللحظات الطويلة و أنت تنتظر بداية الفيلم ... تلك الإشهارات المثيرة ... جينيريك الفيلم كأنه إقتراب موعد الدخلة ... تلك الأماني عن فيلم مثير ... مرّات يستجيب مشرفو القنوات لأمانيك ومرّات يخيب ضنّك بإختياراتهم ...
إجتهدت وأنفقت مالا للحصول على جهاز لاقط يفك شفرة تلك القنوات .. كثرة غياب زوجي عن البيت منحني فرصة التمتع ليلا ... رغم ندمي صباحا على مجهود السهر .... إستقلت من عملي ... نعم سأتفرّغ لتلك الرغبة ... المشاهدة ...
بدأ الفيلم ... سيدة في منتصف الأربعينات تعيش وحيدة ... منذ مدّة طويلة لم أشهاد فيلم فيه قصّة ومشاعر ... أغلبها صارت تركّز على الفعل الجنسي ... قدوم جارة لتسكن بجانبها خفف وحدتها ... جارتها لها إبن مراهق ... شاب أشقر جميل ومطيع ومهذّب ... أعجبت به وتمنته ... مشهد علق في بالي طويلا ... جارها ينظّف حديقتهم ... وهي تداعب نفسها من خلف ستارة الشبّاك ... داعبت صدري معها ... دغدغت بطني لحركاتها ... حشرة أصابعي في كسّي مع آهاتها ... عشت تجربتها ... لكن هي حصلت على هدفها في الفيلم وأنا إرتعشت وحيدة ...
الساعة الثانية ليلا ... الكل نيام ... فراغ وخواء يعوي في صدري ... نومي طيلة النهار منع جفوني أن تنطبق ... إستحممت ... دخلت المطبخ ... هربت من الصالون ... أحسست أن أثاثه يشهد على إثمي ... غرفة النوم تذكرني بخيانتي لزوجي ... خيانة معنوية ... أن أعيش خيالات مع غيره ... حتى وإن كان بطلا أسطوريا ...
صارعت جفوني عقارب الساعة ... عبثا داعبها النوم ... الثالثة والنصف ... سرعان ما لحقتها الخامسة والنصف ... إنتفضت من شبه مرقدي ... جسدي نشيط رغم كل شيء ... غيّرت ملابسي ... ملابس رياضية ... حذاء رياضي ... مؤخرتي بارزة تحت قماشها الرمادي ... شددت شعري للخلف ... منذ مدّة لم أجري في الشارع ... ممارسة إحدى الجارات للجري شجعني على ذلك ... الرياضة في البيت لا جدوى منها ...
خرجت من باب المطبخ ... الشارع شبه مظلم ... لا حركة فيه ... وقفت على حافة أصابعي ... رفعت يدي للأعلى ... الهواء المنعش يملأ صدري ... كمحرّك سيّارة ملأ وقودا ... قلبي يدقّ بعنف مطالبا بسرعة الحركة ....
بدأت أهرول بخطوات خفيفة ... طفت بالحديقة المدوّرة بالحي عدّة مرّات ... بدأ جسدي يتحمّس وروحي تنطلق ... نور أشّعة الشمس يضيء الأرجاء ... زدت سرعتي ... وزادت سعادتي ... الرياضة تنفض عن روحك الغبار أكثر مما تبعث النشاط في جسدك ...
بدأت أشعر بالتعب ... العرق يتصبب من جسدي ... دخلت العمارة ... وجدت باب شقتي مغلقا من الداخل ... نسيت أني خرجت من باب المطبخ ... سلّم النجدة مظلم ... ما إن خطوت خطوتي الأولى حتى أنارت فوانيسه ... بواب العمارة ينزل منه جاريا... جسم بشري يلاصق حائط العمارة أفزعه وجودي ... فنزل يجري السلالم ... سهير جارتنا ؟؟؟ ... لن تخطئها عيني ...
مالذي يحدث في سلالم العمارة ... سهير والبواب ؟؟؟ ... هل ما يفكر به جنون عقلي صحيح ... هل وهل ؟؟؟ دخلت شقتي وألف سؤال يخنق عقلي ... سهير ؟؟؟ ... و البواب ... ملأت حوض الإستحمام بالماء الساخن علّه يغسل تفكيري ...
منذر
----------------------------------------------------------------------------
كنت متأكدا ... إحدى ساكنات العمارة تراقبنا ... إحداهن كشفت سرّنا ... بدأ الرعب يسري باردا في أوصالي ... وإن يكن ؟؟؟؟ ... لا أحد له الحق في الحكم على تصرّفاتي ... ماذا لو تسببت في فضيحة لأمل ... حبي لها ضاعف من عذابي ... يجب عليا تدبّر أمر هذا المتلصص ... لا هذه المتلصصة ... رائحة العطر النسائي تفوح من حيطان السلّم ... لكن من تكون ...
مرّت صبيحة ذلك اليوم ثقيلة جدّا ... لا حركة بالعمارة كأنها غير مسكونة ... زينب وزياد لم يغادرا المنزل ... عطلة نصف الخريف ... أسبوع راحة من المدارس ... لم تبدأ الدراسة بعد حتى أتت العطلة ... ثم سرعان ما ستلحق الثانية ...
قمت بكل ما يتطلّبه العمل البسيط ... ربضت باب العمارة ... روحي تشتهي قهوة سوداء ... توجهت نحو الكافيه ... أشعلت سيجارة ... وترشفت رشفة قهوة ... جيبي يهتز بعنف شديد ... هاتفي يرن ... أحد المهتمين بالإعلان يستفسر عن مكان وجود الشقّة ... يبدو من لكنته أنه ليس تونسي ... أو تونسي من أهل الجنوب ... واعدني أنه سيقدم بعد نصف ساعة ....
سعادتي بنجاح فكرة شيماء جعلتني ممتنا لها ... سيّارة بيضاء تحمل علامة منجمية ليبية ... زبوني الأوّل كان ليبيا ... أبشر وجهه لما رآني ... قال أنه سعيد بتعامله مع شاب مثله ... سيجعل تفاهمنا سهلا ... لم يناقشني في موضوع الأجرة ... أجرّ مني الشقّة لمدّة أسبوع ... وضع في يدي مبلغ 500 دينار ... وخمسون دينارا بقشيشا لي ... سعدت بذلك المبلغ ... رغم أنه لم يهتم بما تحتويه الشقّة من أثاث ... أخذ مني مفتاح الشقة وطار بسيّارته ...
من فوري توجهت لشقّة سي توفيق منتصرا ... وضعت بين يديه نصف ديني الذي فرضه علينا إتفاقنا ... رغم تهلل وجهه وسعادته بي لكنه يبدو متعبا جدا ... إعتذر عن عرضي بمرافقته في جولة تعيد الدفء لضلوعه ...
خرجت من عنده حزينا لحاله ... هو سبب وجودي بهذه العمارة ... هو سبب تغيير حياتي ... ما إن فتح باب المصعد حتى وجدت زينب تبحث عني ... تعلّقت برقبتي تمطر خدي بقبلات لزجة ... " ماما حاجتها بيك " .... رافقتها لشقتهم ... وجدت أمل وقد غيّرت ملابسها وأمامها بعض الحقائب ... طلبت مني أن أساعدها في نقلها للسيّارة ... أمل وولداها سيقضيان العطلة في بيت حماها ... بعيدا في أحد المزارع بالأرياف ...
خبر نزل على صدري كالصاعقة ... أسبوع بلا أمل ... بلا حب ... بلا جسد ... رافقت عيني الولدين يلوحان لي مودعين بيديهما من خلف زجاج السيّارة ... غاب شكلهما عن عيني وسكن الفراغ صدري ثانية ...
بركت كجمل مثقلا بهمه في صحراء جفافه ... تهت بغيابها ... تعودتها وأدمنتها ... قدوم السيّارة الليبية بعث حركية في المكان بل ضوضاء ... نزل الشاب يرافقه شاب آخر يبدو من لهجته أنه إبن بلده ... ثلاث فتيات ينزلن من الأبواب الخلفية ... ضحكهن المائع ملأ المكان ... عدّة أكياس أكل وخمر وغيرها ... الأمر واضح ... عهرهن يبدو على وجوههن ... ملابسهن .... أحسست بالغيرة ... ليست غيرة المشاعر بل الغيرة على فتيات تجمعني بهن نفس الجنسية ...
سرعان ما غاب الركب في المصعد ... شقّة مفروشة ... هي شقّة دعارة لا ريب ... مرّ ذلك اليوم كئيبا ... كنت خائفا من قدوم الليل ... ليالي طويلة تعودت فيها وجودي بين أحضان أمل ... علاقتي بها صنعت توازنا في نفسي .... منذ مدّة لم أبت في غرفتي ... سرير خشن بارد لا روح فيه ... عبثا حاولت النوم ... الشقة المفروشة تبدو هادئة ... الحي يبدو ساكنا سكون الموت ...
قاربت الساعة منتصف الليل ... لم أعد أطيق البقاء لوحدي ... شلّة المراهقين تقتحم الكافيه ... لا أعلم السبب لكني أردت بعض الرفقة ... غيّرت ملابسي ... وتأنقت ولحقتهم ... كنت أهم بدخول الكافيه حين سحبني صوت همهمة ووقع كعوب عالية بالقرب مني ... تراجعت ... تبعت مصدر الصوت ... نفس الشابتين الذين تعودت مراقبتهما من فوق السطح تتلصصان ... إقتربتا من سيّارة سوداء تقف غير بعيد ... ما إن دلفتا فيها حتى دار محرّكها وطارت .... وقفت مصدوما وقد تجمّدت عروقي ... السيارة مألوفة ... بل أعرفها معرفتي بخطوط كف يدي ... سيّارة أحد ساكني العمارة ... شقيق شيماء ... زوج رغدة .... ماذا يفعل معهما ؟؟؟؟ ... الأمر واضح ...
عدت أدراجي للمقهى ... جلست تائها ... كعادته إقترب مني دجو ... وجوده يكلفني بعض السجائر لكن حديثه أخرجني من فراغي ... يتحدّث كثيرا ولا يقول شيئا ... فقط يتحدّث ...
مرّت سهرتي طويلا ... إنسحب الجميع من المقهى مع طلوع الفجر ... لم أرد العودة للعمارة ... قمت بجولة خارج الحي ... لا أعلم السبب لكني أردت معرفة هوية الفتاتين ... ربضت بالقرب من المكان الذي وقفت فيه السيّارة قبل قليل ... إختبأت عن الأنظار ... لم يطل صبري ... سرعان ما توقّفت العربة ... فتح البابان ... الأمامي والخلفي ... قبلة وداع حارة طبعتها إحداهن على شفتي السائق في حين داعبت الأخرى كتفه ... زوج رغدة ... الصدمة الثانية هذه الليلة ... إحدى الفتاتين هي أخت دجو ... رحت أتمرّغ على بطني في عشب الحديقة ساخرا من نفسي ... تذكّرت تلك المحاضرة حول الأخلاق وحسن السلوك ... نفاق ... النفاق والكذب سمة هذا العصر ... تنصح أخاها و تفعل أشنع من فعله ... تصاحب رجلا متزوجا ... رجل متزوج بسيدة كرغدة ويخونها ... بدأ الصداع يؤلم رأسي ...
توجهت نحو باب العمارة وركبي مثقلة ... الباب عاند ليفتح ... يبدو أن هناك عطل بأجهزة الحماية ... توجهت نحو الباب الخلفي وفتحت قفله بصعوبة ... صعدت السلّم متوجها لغرفتي بحثا عن مفتاح صندوق التحكم ... خلعت حذائي المتسخ ببعض الطين .... السلّم مظلم ... نظام الحماية مرتبط ببعض ... الأنوار لا تعمل إلا بفتح البوابة ... كنت أسير محاذرا السقوط في الظلمة ... لا أرى شيئا ... أضع يدي محاذاة الحائط أتحسس الطريق ... توقفت طويلا أما باب مطبخ أمل ... لكن لا أمل ...
صعدت بضع درجات نحو الطابق العلوي ... أصابعي تلامس الحائط البارد تهتدي طريقها معتمدة عليه ... فجأة لامسة يدي جسدا طريا ... دافئا ... دون شعور أمسكت أصابعي به ... غاصت فيه ... جسم طري ناعم .... قبل أن أتبيّن ما هو دوى صراخ في أذني ... صوت إمرأة أفزعها وجودي ... رعبي منعني من معرفة مصدره ... الصدمة والخوف جعلاني أزحف للأعلى هروبا منه ... قبل أن يعود سكون صدى صوت الصرخة كنت قد إبتعدت بضع درجات ...
سمعت وقع خطوات وباب يفتح ... الظلمة والرعب منعاني من معرفته ... كنت أحاول الوقوف ... ركبي تصطك بفعل الصدمة والخوف ... حاولت التماسك ومواصلة الصعود نحو نور السطح ... وضعت يدي على الحائط ... شعر ناعم وقعت خصلاته بين يدي ... قبل أن يلحقني صوت الصراخ ثانية .... كنت قد وصلت السطح ... هاربا لاهثا ... مرعوبا ...
لم أفهم ما يجري ... دخلت غرفتي ... أخذت مصباحي ومفتاح صندوق التحكم ونزلت محاذرا ... نور المصباح يسبقني يطمئنني أن الأشباح غادرت .... أشباح تتعطّر بأرقى العطور ... الأمر بدأ يتوضح ... هناك من يتلصص على علاقتي بأمل ؟؟؟ ... ليست واحدة بل إثنتان ....
شيماء
-------------------------------------------------------------
برود قاتل يحرق صدري ... أمي إستقبلتني كمن إستذكرت ذنبا لا يغفر له ... أختي الصغرى كذلك إبتعدت عني ... أبي سلّم عليا بحرارة الثلج ... الكل صار يتحاشاني ... سمعة ملطخة بكل الأوصاف ... تاريخ مظلم وحاضر أسود ومستقبل مجهول ...
غربة قتلتني في غرفتي ... تخلّصت من حقائبي وملابسي ... فقط تلك الذكريات ... ذكريات تعبث ببقايا عقل هدمته المخدرات ... أحلام طفولة عبثت بها خطواتي قبل أيدي القدر ... سفينة خشبية تكاد تبحر فوق خزانتي ... أغمضت عيني وغاص عقلي في أمواج ذكرياتها ...
سفينة خشبية تفنن عامل في صناعتها ... مزينة بأصداف سواحل طبرقة ... بعض المرجان يزيّن صواريها ... أنا أصررت على وليد أن يشتريها لي ... على غير عادته وافق ... تمطت شفتاي العابستان لذكرى تلك الجملة التي قالها للبائع وهو يشتري لوحا مزركشا لتقطيع اللحم ... " أن تعدلو " ...
البائع فهم أني عشيقته ... السفينة لي و اللوح المزركش لزوجته ... شخص عجيب ... كل من قابلتهم في حياتي يثيرون العجب ... تهت في نومي ... نوم متقطّع ... أحلام وذكريات ... الغريب في الأمر أن ضميري لا يؤنبني ... رغم كل ما أوقعت نفسي فيه من مصائب لكن شيئا ما يدفعني للمواصلة ... مواصلة ماذا ؟؟؟ وإلى أين ؟؟؟
يومان ثقيلان مرا عليا في بيت أبي ... أبي لا ينظر في وجهي ... يكلمني من تحت ضرسه ... أمي ترمقني بتلك النظرة التي تسمع فيها عبارة " قتلكش ؟؟؟ " مع كل رمشة ... تهت وتاه بي السبيل ... حزمت حقائبي وركبت سيّارة أجرة في إتجاه العاصمة ... أغمضت عيني ... ذكريات أوّل سفرة عند إلتحاقي بالجامعة تغطي حلقي بالمرارة ...
أمسكت هاتفي ... قلّبت كل الأسماء المسجّلة فيه ... إما قطعت علاقتي بهم و إما قطعوا علاقتهم بي ... كل البنات غيّرن أرقامهن ... شلّة وتفرّقت ... طيور وهجرت أوكارها ... أو عادت لها .... خوفي من أن تتلاطمني أمواج قدري ثانية دفعني غصبا نحو شقّة أخي ...
خطى مثقلة نحو باب العمارة ... منذر يستقبلني مستبشرا مبشّرا ... قال أن إعلاني آتى أكله ... الشقة مؤجّرة و العديد يتصلون به للإستفسار ... رغم كل شيء أحسست ببعض السعادة ... مددت يد العون تجاه أحدهم ...
وضعت حقائبي في غرفة خصصتها زوجة أخي لي ... البيت يبدو هادئا ... أخي يعمل لكن رغدة يفترض بها أن تكون بالبيت ... أحسست بالتعب لكن لا رغبة لي بالنوم ... أعددت قهوة سوداء لنفسي علّها تعيد توازن عقلي ... دخلت الصالون ... فتحت التلفاز علي أجد شيئا أتيه فيه ... أي صور أدفن فيها ذكرياتي وألمي ...... الصوت يسبق الصورة ... قبل أن أتبيّن ما يجري على شاشته الضخمة السوداء ... صوت آهات صم أذني ... لم أصدّق نفسي ... قناة أروبيّة للجنس ...
ربما رغدة وقعت عليها خطأ ... وأهملت ذلك ... صورة لقضيب رجل يدكّ فرج سيّدة ... آهاتها تصمني ... تحرقني ... أمسكت جهاز التحكّم أردت أن أهرب من تلك الصورة بتغييرها ... كل القنوات متشابهة ... فيها ما سخنت حركاتها ومنها ما يزال ينتظر قدوم ليل ... إعلانات ... صور أرقام هواتف وردية ...
صدمة شديدة هزتني ... ليست الصور هي السبب بل من كان يتابعها ... أخي لا يشاهد التفاز أصلا ... ورغدة لا يبدو عليها ذلك ... هل هو تقصير من أخي ... أو هي رغبة تختزنها في صدرها ... هي عادة لم تنسها بالتأكيد ...
صوت ضجيج خفيف قرب باب المطبخ قطع خيوط تفكيري المتهرئة .. أغلقت التلفاز بسرعة خشية حرج قد أقع فيه ... أمسكت فنجاني وهرولت نحو المطبخ كأني لم أبرحه ... وجه رغدة الأحمر بفعل المجهود البدني يتصبب عرقا يطّل من فتحة الباب ... كادت تصرخ رعبا لوجودي المفاجئ ... إرتباكها دفع مرافقتها للدخول ... سهير جارتنا بالعمارة ... سيّدة صادفتها تجري مرّة أو مرّتين ...
سهير
------------------------------------------------
دخلت شقتي والنار تحرقني ... لم أعلم السبب ... مجرّد تعرّفي برغدة غيّر حياتي ... أعاد تلك الرغبة في صدري ثانية ... إنجذابي للأنثى ... لست سحاقية لكن تلك الرغبة تراودني منذ سنين ... رغبة كبتها طويلا ... في الدراسة خشيت أن أخسر صديقاتي بسببها ... زواجي في سنّ مبكّر منعني من التجربة ...
رغبة حاولت ردمها في رفوف الذاكرة عبثا ... رغم إجتهاد زوجي في إسعادي لكنها لم تفارقني ... خلت نارها خبت لكنها إشتعلت أوّل ما إكتشفت أن رغدة تتلصص على ما يحدث في شقة أمل ... شيء ما دفعني للتقرّب منها ... إهتمامها بالرياضة فتح الباب أمامي ... كنت أخطط أن أجس نبضها في تجربة أنثوية .... لكن سقوط هذه الصبية من سماء القدر في طريقي بعثر كياني ... نظرتها المتفحّصة لجسدي ... سحبت تفكيري نحوها ...
راجعت تلك الدقائق القليلة في ذاكرتي بالتفصيل ... صوتها الناعم ... حشرجة صدرها ... إرتعاشة أصابعها ... عينها التي تفحّصت جسدي ... كلها إشارات إلتقطتها روحي العطشة ... لكن ربما هو تفسير خاطئ لحركات عادية ... جسدي ينتفض كلّما تذكّرتها ...
غصت في مياه الحوض الساخنة ... علّ حرارة مائها تطفئ حريق جسدي ... كمراهقة تنتظر موعد مع حبيبها ... فتحت خزانة ملابسي ... وضعت كل ما أملك على السرير ... إخترت طقما جميلا ... قميص أبيض بأزرار وردية ... تنورة وردية ... جوارب بيضاء شفافة ... تعمدّت ترك زرارين مفتوحين ... مفرق صدري يطلّ منهما بفخر ... تنورتي تبدو طويلة نوعا ما .... تلامس ركبتي ... طويتها من الوسط حتى صارت تناصف فخذي الأبيضين ... حذاء بكعب عالي ... يزيد في إستدارة مؤخرتي ... عطر أنثوي أخّاذ ... سعادتي لا تقارن بسعادة زوجي لما أعلمته بموضوع السهرة في بيت الجيران ... قال أن التعارف الإجتماعي مع الجارات سيخرجني من حالة الفراغ التي أعيشها ... أصلا خرج مسرعا لشراء بعض المرطبات والحلويات كهدية لمضيفتي ...
لا أعلم كيف تجرّأت ... علبة ملابس داخلية لم تعد مقايسها تناسبني ولم أستعملها قبلا ... حملتها معي في كيس مزركش ... خطوات قليلة ووقفت أمام باب شقّة رغدة .... إهتزّ قلبي مع دقّي للجرس ...
فتحت رغدة الباب ... لم تكلّف نفسها ... لباس بيت عادي رغم تأنقها ... قادتني للصالون مرحّبة ... طاولة مزيّنة بكل أصناف الأطياب عصائر ... فواكه ... مكسّرات ... كل ما يلزم لسهرة فتنة نسائيّة ... شعرت بالحرج لتأنقي المبالغ فيه ...
جلست رغدة بجانبي تردّ على مجاملتي حول ذوقها في إختيار الأثاث ... كدت أنطق من شوقي ... مستفسرة عن سرّ غياب شيماء ... لكنها أطلّت ... فستان أبيض قصير ... صدرها الناعم يتأرجح مع كلّ خطوة تخطوها نحوي ... إنزلاق القماش على جلد فخذيها الأبيضين يشير لنعومتهما ... تأنقها يؤكّد أحاسيسي ... إهتمت بشكلها من أجلي ...
سلام حار غمرتني به ... أسرتني ... سرقت وجداني وخطفت روحي ... كانت مركز البهجة في جلستنا ... سرعان ما ألفتها وألفتني ... إنسجامنا بدا واضحا منذ اللحظة الأولى ... إستغلّت خروج رغدة لتأخذ مكانها ... جاورتني ... شممت ريح عطرها الخفيف الأخّاذ ... سعد أنفي بقربها وحزنت عيني ...
جلوسها بجانبي جعل التملي في تفاصيل وجهها أصعب ... لكن عيني كانت تسترق النظر لركبتيها ... لبضع الإنشات من جلد فخذيها الأبيضين ... لا أعلم كيف تجرّأت ... وضعت كيس الهدية بين يديها ... كأنها فهمت من حركة أن الأمر يجب أن يبقى سرّا بيننا ... قبل أن تعود رغدة من المطبخ ... كانت قد إنسحبت من الصالون تخفي الكيس وراء ظهرها ... طاردت عيني إهتزاز ردفيها ...
كمن تنتظر نتيجة تحليل طبي ... توقف قلبي ... جاهدت نفسي للتظاهر بكون حالتي عادية مع عودة رغدة تحمل طبقا من الفواكه ... قدومها لم يخرجني من حالتي ... كيف ستتقبّل شيماء هديتي ... الأمر يبدو عاديا ... هدية حميمية من صديقة جديدة ... لكن ليس هذا ما أقصده ... طعم مموه ألقيته نحوها ... علّها تلتقطه ...
أطلّت برأسها من باب الصالون ... وجهها تغيّر ... لا يمكنني تجاهل تظاهرها ... لم تكن عادية ... حمرة إعتلت وجنتيها ... رغم كل شيء فهي تبدو جذّابة آسرة ... عادت للجلوس مكانها تقابلني ... لكنها تغيّرت ... كلماتها تائهة ... فقط تساير بعض الكلمات في حواري مع رغدة ... إنتهت آمالي بوضعها مخدّة سترت بها فخذيها ... فهمت رسالتي ورفضتها ... بدأ الندم يقضم أطراف صدري ... فجأة دوي سيّارة إسعاف قطع جلستنا ... خرجنا مسرعات مفزوعات ... وقوف السيّارة أمام باب عمارتنا زاد رعبنا ... دقائق ورأينا المسعفين يهرولون بسرير ... سي توفيق حالته حرجة ... رحلت زوجته و أخته خلفه بسرعة جنونية ... الأمر يبدو خطيرا ...
منذر
----------------------------------------------------------
خلع قلبي لمنظر سي توفيق ... وجهه الأصفر يؤكّد موته القريب ... أوّل مرّة أرى سكّان العمارة متجمهرين ... الكل صار يفهم في الطّب ... بين مطمئن و متشائم ... كثرت التوقعات ... أنا كنت متأكدا من موته القريب لا أعلم السبب ... لأول مرّة أشعر أني أنتمي لهذا العالم ... رحت أروي على الموجودين قصّة وقوعه تلك الليلة في الطيّن يوم عرفته ... شيماء و سهير يتابعن حديثي بإهتمام بالغ ... رغدة تنظر في عيني مباشرة لكن متأكّد أنها لا تسمعني ... فقط زوج سهير كان يجادلني ... جدال بين ساكن وبواب يجب الإذعان فيه ... درس طويل حول مخاطر كسر الحوض في ذلك السن ...
كنت أتظاهر بالإهتمام لشرحه ... لكن طرف عيني يلمح تلك النظرات من رغدة ... طال الوقوف ... ثم إنسحب أربعتهم ... نظرة وداع لهم قبل إغلاق باب المصعد ... نظرة مباشرة من عين رغدة في عيني ... جمعت كل حروف قواميس لغات العالم ... لكني لم أقدر على تفسيرها ....
لم أستطع النوم ليلتها ... قلق بالغ وأرق مضاعف ... غياب أمل عني ... برودة السرير الخشن ... و الأدهي تلك النظرة ... كلانا يعلم أن الآخر كشف سرّه ... هي تتلصص عليا و أنا ضبطتها ... ربما هي من لامست يدي صدرها في ظلمة السلّم ...
تحسست أصابعي بصدري ... فجأة تربعت رغدة على عرش رغبتي ... تراجعت أمل بغيابها لتحضر هي بنظرتها ... لأوّل مرّة لا يخفق قلبي خوفا بل خفق حبّا ... نعم أنا هكذا ... لا أعلم السر لكني سريع الوقوع في الحب ...
ذكريات مغامراتي مع حبيبة ... فريال ... سهام ... أمل ... كلّها إجتمعت لتشجعني على الإقدام ... هن يعتبرن أصعب منها ... كنت أخال الوصول إليهن مستحيلا ... فجأة مجنت أحلامي ... مجون ما بعده مجون ... ضوء السيّارة الأحمر يعلن مغادرة زوجها مع عشيقتيه ... العمارة خالية إلا منهم ... من تجمعوا حولي قبل قليل ... سكّان الشقة رقم إثنان مسافرون ... فقط الشابان الليبيان ينعمان بسهرة حمراء ...
هممت بنزول الدرج ... جرذ مقرف صارعت لقتله مرارا يعترضني ... عاد أدراجه مفزوعا لخطواتي ... تسلّحت بمكنسة كانت فوق السطح ورحت أطارده ... ضربات عديدة أخطاته فيها ... النور المفاجئ بعثر خطواته توقّف في الطابق الثاني غير مدرك أين يذهب ... المكنسة تلاحقه كقدره المحتوم ...
بدأ يقضم يائسا باب مطبخ الشقة 3 ... هممت بضربه حين فتح الباب فجأة ... ملجأ غير متوقّع أنقذه مني ... صراخ عنيف دوّى بالمكان ... صوت صراخ لكن الحنجرة رجالية ... زوج سهير الذي سحبه الضرب والخبط على السلّم ... فتح الباب ليمرّ الجرذ بين قدميه ويدخل للمطبخ مختبأ خلف الثلاجة ... كمن شاهد غولا هرب لداخل شقّته وأغلق الباب يحدثني من خلفه ... أوامره تصلني متكررة تأكّد فزعه ... الجرذ المصاب لم يعد يقدر على الحركة ... ضغطت عليه بطرف يد المكنسة حتى نزف آخر رعشة من روحه ...
أمسكت القارض من ذيله ... ما إن أعلمت رجل البيت بإنتهاء المهمة القتالية حتى فتح الباب بحذر مبالغ فيه ... حركة دعابة مني ... صرخة فجأة " شد شد " ... إعتقد أن الجرذ لا يزال حيّا ... هرب مسرعا نحو الصالون ... ضحك شديد رغم نعومة الصوت دوى بالممر ... مدام سهير التي كانت تقف وراء زوجها ... تضحك ساخرة من جبنه ... نبرة ناهرة تخرج منه ... أحرجه الموقف ... رجل يخشى فأرا ...
إنسحب زوجها مكسورا ... وإنسحبت متحسّرا على رجولته ... شيء طبيعي ... تربية المدن ... أين منه وأين منا ... ولدنا نطارد الخنازير البرية ... نصارع الذئاب ... لم يسلم من مطارداتنا الصاخبة كائن حي ... الطيور في أعشاشها ... الأرانب في أوكارها ... الجراد ... كل ما يتحرّك كان هدفا للهو صبانا ... خرجت تحت أنظار مدام سهير ... رفعت صدري للأعلى فخورا بنصري المزعوم ... لا أعلم السبب شعرت أني متميّز عن زوجها .... ما إن خطوت الخطوة الأولى خارج باب المطبخ وقبل إغلاقه ... أنار السلّم المظلم ... عينان تراقبان وجهي ... مدام رغدة تنظر في عيني مباشرة ... نظرة عتاب وصدمة و ألف تحليل يمكن أن تقرئها من تلك النظرة ... حاولت الإبتسام في وجهها لكن ردّة فعلها كانت أسرع ... أغلقت الباب في وجهي بعنف شديد ...
إنتهى الأمل في النوم تلك الليلة ... فكر وأفكار لا تفكّر ... تاه عقلي ... مالذي يحدث ؟؟؟ ... ما هذه العمارة العجيبة ... أي قدر قادني نحوها ... جلست على حافة سريري تائه الفكر والروح ...
رغدة
---------------------------------
كنت متأكدة منذ قدومه أنه شخص غير عادي ... وجهه الوسيم ... جسمه المتناسق ... شبابه ... عنفوانه ... روحه المرحة البسيطة ... نعم كنت متأكدة ... أن إحداهن ستسحبه نحوها ... إحداهن ... وليس كلّهن ... حبيبة التي تعمل في شقة صاحب العمارة ... زوجته ... سهام زوجة النائب ... أمل المحجّبة ... والآن سهير ؟؟؟؟ ....
رأيته يخرج من شقتها ... لم أقدر على الإختباء كعادتي ... ما الذي جذبه فيهن ولم يجده فيا ؟؟؟ ... بدأت النار تحرق صدري ... نار غيرة أو نار قهر أو نار عمر ضائع ... لم أفهم سرّ إهتمامي به ... مالذي وجده فيهن ولم يجده فيا ... راقبته لأيّام ... تجرّأت وبادرته بالتحيّة ... لم يهتم بي ... هل هن أجمل مني ... هل إنتهت جاذبيتي ؟؟؟ ... هل سرقتني سنين العمر ؟؟؟ ... وقفت طويلا أمام المرآة ... جسدي الفاتن لازال فاتنا ... أهتم بنفسي ... ربما بعض الماكياج قد يزيد جاذبيّتي ... هل أدخل المنافسة ؟؟؟ ... القائمة طويلة ؟؟؟ ...
سهير ؟؟؟ ... تدخلها بيتها وزوجها هناك ؟؟؟؟ ... ماهذا الجبروت ؟؟؟ ... ما هذه القوّة ؟؟؟ .... حرقني ذلك السؤال الأزلي ؟؟؟ ما يمتلك هذا الشاب كي تغامر سيدات المجتمع بسمعتهن من أجل الفوز به ....
أحسست أن قائمة المنافسات طويلة ... بدأت روحي تهدأ ... سأخرج هذا الموضوع من عقلي ... سأتركه لمن خيّرهن عني ... سهير ... لا تزيد عني شيئا ... نفس العمر تقريبا ... تشبهني جسديا لحد بعيد ... ربما أنا أجمل منها ... صرت أكرهها ... بل أمقطها ... غيرة وسكنت روحي ...
طلع فجر ذلك اليوم بعد ليلة مضنية من الحرقة ... عاد زوجي محملا بصيد وفير ... إستحم ودخل يسرق ساعات نوم قليلة قبل ذهابه للعمل ... صرت أحسده على هوايته الجديدة ... أنا منحوسة أصلا .... إهتمامي الحديث بالرياضة ... ملأ بعض الفراغ في روحي ... لكن حظي السيء أوقعني في طريق سهير ... هي مغرمة ومختصّة في هذا الميدان ... قررت التراجع عن كل وعودي لها ... صوت طرق خفيف على باب المطبخ ... سهير تنتظرني حسب موعدنا لحصة جري صباحيّة ...
فتحت الباب بهدوء وتثاقل ... وقفت عند الباب ... يدي التي تستند على حافته تمنعها من الدخول ... ليتها تتلقى إشارات وجهي العابسة وتنسحب من حياتي ... تمتعي لوحدك بمنذر لم أعد أريده ولا أريد معرفتك ... رغم كل شيء قابلت إعتذاري عن صرف نظري عن موضوع حصص التنشيط الرياضي التي تواعدنا حولها .... بلباقة شديدة رغم نظرة عينها الحزينة المستفسرة ....
شيماء حاولت إعادة العلاقات بيننا عبثا ... رغم تعديدها لمحاسن جارتنا لكني كنت أتملّص من مقابلتها ثانية ... لا أعلم هل قابلتها شيماء في غيبتي ... لا أعتقد ذلك فشيماء ترابط بالبيت ... منذ أيّام لا تبرحه .... جفاف أصاب روحي ...
شيماء
------------------------------------------------
لم أجد تفسيرا مقنعا لما يحدث ... رغدة فجأة إنقلبت ألف درجة ... هل لاحظت أن سهير قدّمت لي هدية سريّة ... هديّة هزت روحي وكياني ... ملابس داخلية نسائيّة جذابة ... تزيد جمالي ... بعثت في روحي شيئا جديدا ... هدية تبدو عادية لو كنت مقبلة على الزواج ... لو أننا تبادلنا الهدايا قبلا .... لكن هكذا منذ أوّل تعارف ... الأمر يحتاج تفسيرا ...
أيّام طويلة مرّت لم أجد فيها جوابا لأسئلة سكنت عقلي ... هل إلتقطت إشارتها بتردد سليم ... أم أن سنوات التيه جعلتني أفسّر كل تقرّب مني أنه رغبة في جسدي ... جسدي الذي بدأ يتعافى من شحوب الإدمان ... وروحي التي رطبتها تلك القطرة الندية من سهير .. لم يهتم بي أحد بتلك الحنيّة منذ فارقت وليد ... أو منذ خسرته ....
خرجت للشرفة ألتقط بعض أشعة الشمس علّها تنير ظلام روحي ... الحي هادئ لا حركة فيه ... سحبت كرسيا ووضعت يدي على خدي وأسندت مرفقي على حافة سوره وتهت في التفكير ... شريط ذكريات وردية سحبني ... تذكّرت وليد ... مهندس الجنس ... مدرّس الرغبة ... مرشد الأرواح ... يعشق مراقبة المؤخرات ... شيء جمعنا ببعض رغم تباعد القدرات ... كان يعرف بمجرّد النظرة من مارست الجنس الخلفي ممن فتحتها سليمة ... بنطلونات الجينز الضيقة تساعده على ذلك ... لم يعلمني سر تلك القدرة لكني كنت أصدّقه ...
إبتسمت غصبا عني لذكريات طريفة بدأت تمطر عقلي ... يوما ما كنت أمازحه ... قلت له أني أفكّر أن أصبح سحاقية ... شجعني على الأمر ... قال أن 80 بالمائة من مشاكلي ستنتهي بذلك القرار ... لم يفسّر لي لكنه شجعني ...
مرارة شديدة أصابت روحي ... ذكرى فقدانه ... عناد وعدم مبالاة كانت السبب في فراقنا .... رحت أدنن رائعة نزار بصوت القيصر ... " لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنّة والنار" ... لكن أيهما الجنّة وأيّهما النار ...
بدأت حركة خفيفة أسفل العمارة ... منذر يقوم بنقل بعض الأكياس ... رحت أراقب حركته السريعة والنشيطة ... شيء ما سحبني للنزول... حديثه يسليني ... روحي تتوق لبعض التسلية ... هرولت نحو باب المصعد ... إختبأت قرب الباب ... قمت بإفزاعه بقرصه من جنبه وهو يدخل باب العمارة ... ضحكت طويلة من ردة فعله ... ضحك لضحكي ... الضحك علاج الروح ...
عرض عليا شرب قهوة أو عصير بالكافيه في الحي ... لم أمانع رغم أني كرهت تلك الأماكن ... قال أنه مدين لي بالكثير ... فكرة الإعلان كانت فاتحة خير كثير له ... سعدت لكلامها وطربت لسعادته ....
رافقته متأبطة ذراعه ... رفع صدره وكتفيه للأعلى مقلدا حركات فرسان القرون الوسطى ... دفع الباب و إنحنى يطلب مني الدخول بلباقة لم أتوقعها منه ... ديكور الكافيه جميل ...
رغدة
------------------------------------------------
لم أصدّق عيني ... شيماء تعانق منذر هكذا في الشارع ... دون حرج ... لمساتهما .... ضحكتهما ... أقسم أن وشوشتهما وصلتني .... من شبّاك غرفتي راقبتهما ... إرتفعت حرارتي ... منذر هذا مطلب كل الإناث ... لكنه يتجاهلني ... سألحقهما بالمقهى ... سأحارب من أجل حقي ...
سهير
------------------------------------------------
مالذي يحدث ... شيماء ترافق منذر للكافيه ... إنسجامهما لا تخطاه عين ... خلتها تبادلني نفس المشاعر ... مرارة الخيانة تسكن روحي ... خيبة أمل وجرح عميق نزف في قلبي .... لكنها فرصة لا يمكن تفويتها .... فرصة الإلتقاء بشيماء بعيدا عن عين رغدة ... رغدة التي تغيّرت معي دون سبب ... سألحقهما بالمقهى ....
منذر
----------------------------------
جلست شيماء بوجهها البشوش أمامي في المقهى ... سأكون كريما معها ... أوّل مرّة أرافق فتاة لمكان عام ... أصلا النادل صدم لوجودنا ... فرصة لتحسين صورتي أمام الجميع ... فرصة لتعويض ذلك النقص أمام من كنت أراهم يدخلون أزواجا وأنا وحيد ... فرصة تقرّبني من رغدة ... تساعدني على فهم سر تلك النظرة ...
الجزء الأخير
---------------------------------------------------------------
موسيقى خفيفة تصدر من جهاز التلفاز ... وجود نادلة سمراء من أصل إفريقي بعث جوا جديدا في الكافيه ... ما إن وضعت طلبات منذر وشيماء على الطاولة .... حتى دفع باب الكافيه .... سهير تدخل متأنقة كأنها مدعوة لمهرجان سينمائي ... وقفت تستطلع المكان الذي زارته أوّل مرّة ... توجهت نحوها النادلة السمراء ... حركتها جعلت رقبة شيماء تلتفت نحوها ... خفق قلبها بقوة لمنظرها ... جميلة متأنقة في فستان أزرق قصير ... صوت كعبها العالي تزامن مع حركة ترحيب من شيماء ... توجهت نحوهما ومنذر يبتلع ريقه بصعوبة .... سحبت كرسيا مرحبة بهما ...
سرعان ما قدّمت لها النادلة طلبها وإنسحبت .... لم يبدأ حوار الشفاه بعد وإنطلق حوار العيون ... منذر الذي فهم بحكم خبرته القصيرة أن هناك أمر غير طبيعي بين الأنثيين ... بدأ يشعر بالحرج كان وجوده يمنع إنطلاق فضفضة نسائية بينهما ... بدا يعبث بهاتفه يحضّر لإنسحاب ... قبل أن ينهض من مكانه ويترك لهما الفرصة فتح باب الكافيه ... رائحة العطر الفوّاح تسبق صاحبته ... رغدة تدفع الباب البلوري بخجل ... خجل من يكتشف المكان ... أسرعت النادلة نحوها تبرز إجتهادها في عملها ... سرعان ما إستقبلتها الأيدي الملوحة ترحابا ... رغم بعض الإمتعاض لكن الوجوه إبتسمت ... إلتحق بالطاولة ... كانت تنظر بإستنكار لتبرّج سهير ... منافسة غير معلنة بدأت بينهما ... رغدة قررت خوض الحرب ... حوار بارد وبسيط بينهم ... الوحيد الذي لم يستسغ ما يحدث كان منذر ...
كعادة الكافيه في نفس هذا الوقت ... لا زبائن فيه سواهم ... النادلة السمراء إقتربت من المجموعة .... إقتراح منها بلغة فرنسية بلكنة إفريقية ... قابل الجميع بترحاب يكسر عنه ملل الصمت ... إقترحت أن تعلّمهم لعبة ... هي لعبة أشبه بالطاولة المعروفة في المشرق ... تعتمد النرد ... و بعض الأحجار الملونة بالأبيض والأسود ... ترمي النرد وتتقدم في مسلك مرسوم على لوح مزركش ... كلما تقدّمت تنقص من أحجار خصمك ... عند النهاية يقع عد الأحجار المربوحة من الخصم ... على جانب اللوح ... قائمة للأرقام والأحكام ... يجب تنفيذ الحكم ...
تحلّق الجميع بإهتمام يتابعون شرح الفتاة للعبة ... لم يتطلّب الأمر مجهود كثيرا ... سرعان ما إستوعب الجميع القوانين ... اللعبة تلعب أزواجا أو أفرادا ... بدأ اللعب يحمى مع توجيهات الفتاة ... مع حماسة اللعبة تركز إنتباه الجميع ... كل له هدف ... الفوز ... الفوز في اللعبة أو بأحد اللاعبين ... كما في كل لعبة ... الهوى وما يشتهيه القلب يتحكّم في مسارها ... شيماء التي تعاطفت مع حظ سهير العاثر ... تعاطفها جعل مسيرة حظ رغدة يتراجع ... منذر الذي سحبه قلبه لمساعدة رغدة ... الأمر صار أكثر وضوحا تصريح على الشرف بالإنجذاب مغلّف في قالب تنافس ودي ...
إنسحبت الفتاة السمراء ... لقد تعلّم زبائنها قواعد اللعبة ... بدأ الصخب والضحك يصدر عن طاولتهم ... ضحك الأطفال وصخب المراهقة .... روح جميلة حفت بالمكان ... السعادة بدت على الجميع ... لا تستطيع تفسير سبب السعادة ... هل هو جو المزاح السائد بينهم ... أو التصريح المبطن بالتعاون ... أزواج ... أزواج ...
تكررت لعبتهم مرات ومرّات ... متعة من جرّب شيء لأوّل مرّة يجعلك تدمنه ... لم يبالي أحدهم بالجوع أو بالوقت ... فقط الضحك و المنافسة غلبت على المكان ... أكثر من أربع ساعات من الضحك كان يجب أن تنتهي بما ينغص الصفو أو يوضح الرؤية ....
وقوف سيّارة أمام العمارة سحب نظر منذر نحوها ... رجل غريب يدخل العمارة ... يقف أمام الباب يفتحه ... إنطلق منذر مهرولا نحوه تاركا مرافقاته دون إستئذان ... قطع الحديقة جريا ... لحق الرجل ينتظر السلّم ... رجل قصير القامة ... لحية خفيفة بيضاء تزيّن وجهه الذي يبدو وقورا ...
تعجّب الرجل من وجود منذر مشدود النظر نحوه ... لسبب غير مفسّر لم يرتح أحدهم للآخر ...
غريب أمر قلبك يا منذر سرعان ما تحزن وسرعان ما تفرح ... سرعان ما تحب وسرعان ما تنسى ... لم يتمالك نفسه بعد ... صوت كعب عالي ينقر الأرض خلفه ...
لم تسعفه صاحبة الخطوات أن يكتشف من هي ... سهير تقرصه من جنبه وتصدر صوت قبلة من شفتيها ... قبل أن يدرك من هي إختبأت داخل المصعد ... صوتها يصله مع إغلاق بابه ...
- بكرة في نفس المعاد ... في الكافيه
موعد ... كمرهم أخفى أثار جرح عودة زوج أمل لينهي علاقتهما لوقت طويل ... صعد السطح يبحث عن ملجأ يرتب فيه أفكاره ... ذلك الهياج الناجم عن كثرة التفاعلات النفسية ... كان يشعر بصدره كحبة دواء تذوب في كأس ماء ... يغلي لتصدر بالوناته ... غليان بارد ... لم يستطع تحديد مشاعره ... عدم القدرة على ذلك يؤثر أكثر من المشاعر نفسها ...
كان يراقب رأس زوج أمل يتحرّك تحت العمارة ... ذهابه وجيئته تؤكّد أنه يبحث عنه ... الحمير هي من تحمل الأثقال ... تركه يئن تحت ثقل بعض الحقائب التي عانى لوضعه في سيّارته ... كروح خبيثة يراقب صلعته من الأعلى ... الشر يبعث السعادة في الروح أحيانا ...
إختفت السيارة حاملة معها أمل منذر في أمل ... إلتفت خلفه ... أشعل سيجارة ونفث في دخانها آخر نبضة حب و شوق لها ... كلقطة سينمائية محترفة ... إنطفأت صورة أمل وأنارت صورة رغدة ... بدأ يزن الأمر في عقله ... " بكرة في نفس المعاد " ... كلمة خرجت من شفاه سهير لكنها تعلمه بموعد مع رغدة ...
قبل المغيب بقليل رن هاتفه ... صوت غريب بلكنة غريبة ... شاب يسأل عن الشقّة المفروشة ... موقعها ... عدد غرفها ... توفرها ... اللكنة الليبية ... يسألون عن كل شيء إلا السعر ... أعلمه الشاب أنه قادم بعد نصف ساعة ...
شعور بالسعادة لتحقيق بعض المكاسب ... لكنها فرصة لا يجب أن تضيع ... نزل مسرعا نحو شقة رغدة ... دق الجرس ... دقائق قليلة وفتحت صاحبة البيت الباب ... ثوب منزلي حريري يستر برفق جمال صدرها النافر ... الخبرة تكسبك الجرأة ... أطال النظر حتى إحمرّت خدود رغدة ... غاص في مفرق صدرها ... قبل أن يتكلّم بحركة تبدو عفوية عدّل مكان قضيبه ... حركة يده سحبت نظر رغدة نحوها ... إنفتاح عينيها الناعستين يؤكد صدمتها ... أو ربما راحتها ... أو رغبتها ... لم يترك لها المجال ...
تقدّمت شيماء تقطّب حواجبها مستغربة وجوده ... راح يؤلّف قصّة عن حاجته لها للتفاوض حول تأجير الشقة وأنه لا يجيد ذلك وأنها بحكم شخصيتها القوية سترفع المبلغ ... الموضوع أعجب شيماء ... ووجودها سمح لرغدة أن تركز أكثر بين فخذي منذر ... القبة تبدو بوضوح خلف القماش الخفيف لبنطلونه ...
لم تسمع كلمة واحدة مما دار عند باب شقتها ... لم تنتبه إلا وشيماء تهرول داخل الشقة ... عادت العيون لتتقابل ثانية ... لم تهربا من بعضهما هذه المرّة ... قالتا كل شيء ... أعلنت الرغبة المشتركة ... نصف خطوة تفصل بينهما ...
تقابلت العيون طويلا ... بدأت الشفاه ترتعش تحضيرا للقاء ... أغمضت رغدة عينيها ... إما إستسلاما أو خوفا من الإستسلام ... أحس منذر بذلك قلبه ينسحب نحوها قبل جسده ... هم بالتقدم منها وأخذها في حضنه لكن صوت خطى شيماء تهرول نحوهما ... كحة صغيرة منه إنتبهت بعدها رغدة لما يحصل ...
نظرة إستغراب بدت على محياها ... كأنها إستشعرت ما يحدث ... أمسكت بذراع منذر وقادته برفق متوجهة نحو باب المصعد ... بعد خطوتين إلتفتت للخلف وغمزت بعينها ... ثم تمسكت جيّدا بذراع منذر ...
نار وإشتعلت بجسد رغدة ... لم تتمالك نفسها ... نار الرغبة تأكل جسدها ونار الغيرة تأكل روحها ... ما سرّ تلك الغمزة وما كل هذا التقارب بين شيماء ومنذر ؟؟؟؟ هل هو السنّ ؟؟؟ هل يمكن آن تكون أخطأت تفسير شعور منذر تجاهها ...
أغلقت باب شقتها و دفنت رأسها بين كتفيها مهزومة ... شكل القبة بين فخذي منذر يسحبها ... ما هذا الجنون الذي يحيط بها ؟؟؟ جنون يقابل بالجنون ... توجهت نحو غرفة نومها ... لبست لبسا رياضيا ... رغم بساطته تبقى جذّابة فيه ... نظرت لنفسها في المرآة قطرة عطر فاحت بها الغرفة وفاحت معها روحها ...
دقيقة وكانت قد إلتحقت بمنذر وشيماء عند الباب الكبير ... قبل أن تسلّم عليهما رن هاتف منذر ... صوته وهو يرشد المتحدث لمكان العمارة يؤكد توتره ... خرج يلوح بيده وباليد الأخرى يمسك هاتفه ... أقلّ من دقيقة وإنتهى هدير محرّك سيارة رباعية الدفع ... لوحة منجمية ليبية ...
نزل شاب في أول الثلاثينات ... تولت شيماء أمره ... صدق منذر في إختياره ... النساء أنجع في المفاوضات المالية ... زجاج العربة المعتم يستر من يركب داخلها ... وضع الشاب مبلغا يبدو ضخما في يد شيماء ... ثم عاد لسيارته ... فتحت الأبواب نزل صديق له يبدو من ملابسه أنه إبن بلده ... ثلاث شابات في أول العشرينيات هذا إن تجاوزنها ينزل من المقاعد الخلفية ... إحداهن تمسك بيده كرّاسات وكتب ... منظرها أدهش رغدة ... حقيبة ملابس و عدة أكياس تصدر منها قرقعة زجاجات الخمر ... ضحكات دوت بالمكان من إحداهن ... لكن التي تمسك الكتب تبدو خجلة متوترة ...
قادهم منذر نحو المصعد ... ثم للشقة ... شيماء تعد الأموال بتأني ... رغدة بدت شاردة الذهن ...
سرعان ما عاد منذر ... توجه مباشرة نحو شيماء ... وضعت في يده نصف المبلغ وأخفت الباقي ... قالت أنه نصيبها وحقها ... شبه شجار بدأ بينهما حين وصلهما صوت سهير من الأعلى ....
- إتخانقو في الشارع وفرجوا فينا الناس ... إطلعو إتخانقو عندي بدل ما أنا زهقانة ...
دعوة لم يستطع أحد رفضها ... شيماء التي صار تواجدها بجانب سهير يبعث فيها دفئا عجيبا ... منذر الذي وجد شلّة تؤنس وحدته ... رغدة التي تطارد حلمها رغم شرودها ...
فتحت سهير الباب مرحبة ... كانت تلبس قميصا طويلا حتى منتصف فخذيها ... حمالاته لا تستر نصف صدرها ... شعرها مشدود للأعلى ... هكذا دون حرج إستقبلت ضيوفها ... فقط منذر ... وقف طويلا عند الباب مترددا ... يد سهير تسحبه من معصمه بقوّة
- أدخل ما تخافش زوجي مسافر ومش راجع غير بعد أسبوع
قلب شيماء تلقى الخبر راقصا ... دخل الجميع للصالون ... رغم تعوده مرافقتهم منذ ساعات لكن منذر يشعر بتوتر ... جلس في كرسي منفرد في حين جلست شيماء ورغدة بجانبه على الكنبة ...
وقت قصير مر ثقيلا حتى دخلت سهير تحمل طبقا عليه واجب الضيافة ... لم تدع أحدا لمد يده ... هو عرف في بلدنا يعني أنك صاحب البيت ... الضيوف فقط من يدعون بإلحاح ...
رغدة : آسفة كنت سارحة ... كنتو بتقولو إيه ؟؟؟
سهير : لا أبدا عملنا مشروع تربية دواجن والبيض فقس وإنت مش هنا ؟؟؟
رغدة : آسفة ... ما كنتش مركزة ؟؟؟
شيماء : (وقد وضعت يدها على كتفها مهتمة بحالها) مالك يا حبيبتي ؟؟؟
رغدة : بصراحة مصدومة
سهير : مصدومة ؟؟؟ سلامتك ؟؟ من إيه ؟؟؟
رغدة : بصراحة مش عارفة أقولكم إيه ؟؟؟
شيماء : مكسوفة مننا ؟؟؟
رغدة : تقدري تقولي كده
سهير : يبدو إنو الموضوع كبير
هم منذر بالإنسحاب ... شعر أن وجوده بين ثلاث نساء هو السبب ... كلام رغدة أصابه بالحرج ... لكن رغدة التي خافت أن يغيب عن ناظريها إسترسلت في الحديث
صمت أذانه ... لم يعي ما يفعل لو رفع نظره نحوها ستضبطه رغدة وشيماء ... ولو أشاح به أضاع تلك الفرصة ... بدأت حرارته ترتفع وبدأت حرارة النقاش بينهن تزداد ... هجوم شيماء و سهير عليها جعلها تخسر النقاش ... كما في اللعبة سهير وشيماء دائما يشكلان فريقا ... قرصة حارة في ذراعه من أصابع رغدة تنبهه
الساعة تقارب التاسعة ... تفرّق الجميع للإستعداد للسهرة الموعودة ... تأنّق منذر قدر ما إستطاع ... روحه يصرعها الوجل ... وجل من سيسهر أوّل مرة في مكان كان يخيّل له أنه حرّم دخول أمثاله ... ووجل من وضع القدر في طريقه حبا جديدا ... فريسة جديدة ...
شيماء التي إقتنعت تمام الإقتناع أن سهير تراودها ... وسهير التي إستشعرت تقبّل شيماء لإشاراتها ... نصف ساعة وكان الجميع أمام باب العمارة ... تلصصهم يؤكد أن الجميع مقتنع أنه يفعل شيئا غير مقبول ...
محرّك سيّارة سهير يهدر معلنا بدأ المغامرة السرية ... أصرّت شيماء على الركوب بجانب سهير من الأمام ... رغدة تجاور منذر في الكرسي الخلفي .. تنورة قصيرة سوداء و قميص أبيض ... جوارب مشبّكة ... حذاء أسود بكعب عالي ... رائحة عطرها وحدها تعني دعوة للإغتصاب ...
ما إن قطعت السيارة مسافة قصيرة ... حتى إلتفتت شيماء للحديث معهما ... قابلت سهير حركتها بنبرة ناهية ... " سيبهم في حالهم وركزي معايا " ... كلمتها كانت إشارة أن لرغدة الحرية من رقابة الجميع ... فتحت أزرار معطفها القصير و تراجعت للخلف قليلا ... إنحسرت تنورتها للخلف ... جزء صغير من فخذها الأبيض يلمع بحرية بين قماش التنورة والجوارب ...
كوابل رصاص ينزل على عيني منذر مع مراوحة الظلمة والنور تحت وقع سرعة السيارة بين عواميد التنوير العمومي ... رغم إنتصاب قضيبه لكنه لم يشعر بالحرج ... بل بالعكس شعر بالنشوة والفخر لما لم وجه رغدة تركز بين فخذيه ...
لم يدم شروده طويلا ... سحبته رغدة من ذراعه ليلتصق بها .. نظرة بسيطة من طرف عين سهير في المرآة الداخلية للسيارة لتضع يدها الناعمة على فخذ شيماء العاري ... قبل توقف السيارة أمام باب المطعم ... كشفت النوايا بين الجميع ...
فتحت الأبواب ونزل الجميع ... نور مشع يعلن عن إسم المكان ... هو ليس مطعما تقليديا ... المطاعم السياحية أشبه بالكابريهات ... الوقت يعتبر مبكرا ... تقدّم حارس ضخم بشع الخلقة والخلق يرحب بهم ... منظره أرعب رغدة التي دون شعور أمسكت بذراع منذر بحثا عن الأمان ... صلابة عضلة ذراعه فجّرت آخر أحجار التردد في صدرها ... كحركة عند وتقليد تعلّقت سهير بذراع شيماء ... دخل الجميع الباب ضاحكين ...
النور الخفيف لم يمنع منذر من التملي في ديكورات المكان ... طاولات شبه متلاصقة ... أنوار رعّاشة ترقص بين جفنيه ... نظرة تردد علت وجه سهير ... لم يعجبها المكان ... تقدّم كبير المشرفين منهم مرحبا بإشراق في وجهه ... قادهم نحو درج صغير ... أربع درجات ووجدت المجموعة نفسها في مكان يبدو منعزلا ...
راحة علت وجه سهير ... جلست الشلة متاقبلين حسب الفرق ... عينا منذر لم تفارقا وجه رغدة ... نسي وجود الأخرتين ... هي طبيعة العلاقات ... لو أردت الوصول لهدفك عليك التركيز فيه ... سرعان ما بدأت الحركة حول الطاولة ... كؤوس وأصحن ... ألوان طعام تبدو لذيذة ... توقّف النادل يناقش سهير حول نوع الخمرة ... منذر تراجع متفاديا إحراج عدم الخبرة ... شيماء التي تعتبر الأكثر إرتيادا لهذه الأماكن ... إختارت زجاجة شامبانيا فاخرة ...
إكتملت عناصر اللعبة ... الرغبة والكبت والإنجذاب ... الحرية والجو الجميل ... و المحفّز ... ترددت رغدة كثيرا قبل أن تدفع بمحتوى الكأس دفعة واحدة في حلقها مقلّدة أخت زوجها في صنيعها ... حرقة حلقها بانت في وجنتيها ... نفس ****يب أحرق منذر لكنه تماسك ...
بضع لقمات و كأسان وبدأت العقول تفسح مجال الحرية للأفواه أن تعبّر عما يختلجه القلب ...
مع إنتهاء الجميع من الأكل ... بدأ الضجيج يملأ المكان ... الفرقة الموسيقية تعدّل أوتارها لتبدأ في دغدغة وسط السكارى ... توالت الأنغام ... و الرقصات والراقصات ... نظر شيماء وسهير مركز على المسرح وما يحصل فيه ... رغدة لا ترى شيئا غير عيني منذر ... مع خلو الطاولة من الأواني ... فقط بعض كؤوس الشراب ... العقول غابت بها ... تشابكت أصابع اليدين تعوض كلمات الشفاه ... رغدة التي أحرقت الرغبة قلبها ... كل تلك الذكريات مع شاشة تلفازها سكنت عقلها ... أرادت فقط التأكد من شيء ... خلعت حذائها برفق ... حرّكت قدمها تجاه منذر .. لامس إصبعها الأكبر كعبه ... بدأت رجلها تزحف نحو الأعلى .. لامست فخذه الأيسر ... نظر في عينها مستفسرا ... حركت رأسها برفق أني أقصد ما أفعل ... سرعان ما إستجاب لها .. باعد بين فخذيه ... أمسك آه كانت ستفلت منه مع ملامسة قدمها لكيس بيضاته ... بدأت قدمها تزحف للأعلى أغلقت عينيها ... لم تعد تسمع ... كبتت أنفاسها لتفسح المجال لقدمها أن تركّز... عضّت شفتها السفلى تستمتع بالحرارة تصلها من أسفل قدمها ... وضعت رجلها بطولها على قضيبه ... فتحت عينيها بدهشة مسرورة مما وجدت ... هذا ما كانت تبغي ...
غياب سهير وشيماء عنهما سمح لها بإتخاذ قرار ... غمزت منذر وأشارت بيدها أن يجب أن ينسحبا ... تظاهرت بالسكر ... قالت أنها لم تعد تستطيع البقاء ... تذمّر شديد منهما ... السهرة لم تبدأ بعد إقترح منذر إصطحابها للمنزل بسيارة تاكسي ... رغم عدم تقبّل شيماء للموضوع لكنها فرصة أن تنفرد بسهير ...
وضعت رغدة يدها على رقبة منذر متظاهرة بالسكر ... حضنها من وسطها ... حركة عضلات بطنها زادت لهيب رغبته ... إنسحبا من وسط الجموع الراقصة نحو الباب ... قبل خروجه بقليل ... وجه زوج رغدة يطل مصطحبا صديقتيه ...
متر واحد يفصلهما ولم يلحظ أي منهما الآخر ... الرغبة تعمي الأحاسيس ... فقط منذر من يدرك حقيقته و يريد سبر أغوار حقيقتها لم يقم بأي حركة تجلب الإنتباه ... دقيقة وإختفت بهما التاكسي ...
رغم إبتعادهم عن الجميع لم تبتعد عنه رغدة ... أنفاسها تحرق رقبته ... يدها تعبث بفخذيه ... أناملها الرقيقة تصعد من مستوى ركبته حتى بين فخذيه ... ثم تنسحب ... عذابه الممتع لم يدم طويلا ... سرعان ما دخلت التاكسي بوابة الحي ... قبل إقترابها من العمارة ... تجمّع كبير للسيارات ... رجال ونساء يقفون قرب الباب ... سيارة إسعاف تغلق أبوابها تهم بالمغادرة ... وجود هذا الجمع جعل رغدة تنسحب بسرعة نحو السلالم تداري حالة سكرها وعريها ... إلتفتت تنظر لمنذر آملة اللحاق بها ... هم بذلك لكنه سأل أحد المسعفين عما حدث ... كلمة وقعت كالرصاص في قلبه " سي توفيق تعيش إنت " ... لم يشعر و لم يتذكر كيف قفز الدرج صعودا مرّ بجانب رغدة كأنه لا يراها ... باب شقة سي توفيق مفتوح ... صوت نحيب خفيف من بعض النسوة ... هرول نحو غرفة النوم ... وجه فريال الساحب يؤكد الخبر ... أخت سي توفيق تجلس بجانب رأس جثّة شقيقها ... تمسك إطار خشبيا لصورة... تقدّم من جثّة سي توفيق ... قبّل رأسه وبكت عيناه ... حب لم يعلم سرّه ... شعور إستغربه الجميع منه ... أغلب الحاضرات لا يعرفنه ... فقط أخت سي توفيق حضنته ... بكى في صدرها ... مسح دمع عينيه بصعوبة ... رأسه بين يديها و الإطار ملقى على حافة السرير ... قطع أنفاسه طويلا ... حال التركيز ... هز رأسه كثير ليطرد سكره ... صورة قديمة وقع نظره عليها ... سي توفيق وزوجته الأولى و شابة في العشرين تقف بينهما مبتسمة ... صمت طويلا مركزا في الصورة ... ثم صرخ باكيا " ماما ... شتعمل أمي في تصويرة مع سي توفيق ؟؟؟ "
الطابق الرابع( السطوح)
" أمي هذا السندويتش غير لذيذ " ... جملة إلتقطتها عصافير بطني ... تبعت مصدرها ... ولد صغير يجاور أمه ... شورت وقميص عليها رسوم متحرّكة ... مربع أصفر بعيون زرقاء يرتدي شورت بني وحذاء أسود ...
كثرة تذمّره تنبأ بإقتراب الفرج لإعتصار أمعائي ... كل حواسي ترقب الحركة على المقعد المجاور لي ... لم يخب تقديري ... العادة التونسية الأصيلة في التخلّص من شيء غير مرغوب ... سيدة في بداية الثلاثينات تبتعد تمسك يد إبنها ذي السبع أو الست سنين ... خطوات واثقة ثابتة حثيثة توهم الناس أنها لم تفعل شيئا ...
إلتقاتة حذرة منها تراقب ما تركته على المقعد ثم نظرة عن يمين وشمال وإنطلقت مسرعة لتبتعد عن مكان جريمتها ... جرائم قوم عند قوم ولائم ... قفزت بسرعة للمقعد المجاور ... يدي تتسلّل بحذر وخجل تتحسس الكيس البلاستكي المهمل على خشب المقعد ...
مجموعة من الفتيان يملأ صراخهم المكان أجّلت معرفة نتيجة غنيمتي ... نصف سندويتش قضمه الطفل بإهمال ... فتحته ... لم أنظر ما بداخله ... المهم أن يملأ بطني .... رفعت رأسي للجهة المقابلة في الطريق ... علبة عصير صغيرة مهملة على حافته ... مقاومتها لهبّات الرياح الخفيفة تؤكّد إحتوائها على كمية منه ... الجوع علمني قوانين الفيزياء ...
تأبّطت حقيبتي الصغيرة وكيس الأكل ... خطوات ثابتة قطعت بها الطريق وبسرعة إلتقطت العلبة وهربت من ذلك المكان .... خشيت عينا فضولية تتبعني فيزيد الإحراج في ربط عقدة تخنق روحي الهامدة أصلا ...
حديقة البلفيدير في العاصمة هي المتنفّس الأخضر الوحيد لأهلها ... حديقة الحيوان ... كنت أسمع بها ... أردت الدخول لكن الحارس طلب مني دفع الثمن ... أصلا كل ما تبقى لي هي ورقة ذات 20 دينار أخفيتها بعناية حتى موعد الحافلة للعودة لقريتي ...
أصلا هي لا تغطي مصاريف عودتي ... كنت أخطط لركوب الحافلة للعودة للمدينة القريبة ثم سأمشي على قدمي للعودة لبيتي ... يكفيني ما نلت من مغامرتي هذه ... أسبوعان أتخبّط فيهما بين الشوارع علي أجد عملا ... فلم أجد ما أسد به جوعي سوى ما تجود به القمامة أو ما يهمله أحدهم ... حبست دمعة قهر تتسلل من جفني ...
شجرة فارعة في المساحة الخضراء المجانية حول الحديقة كانت ملجئي ... جلست تحتها أتناول ما تركه لي ذلك الطفل ... بدأت أصارع نفسي أن لا تقرف منه ... رشفات من العصير الذي تغيّر طعمه من اثر تركه في الشمس ...
هدأ جوع بطني ... وبدأت حرب ضميري ... ألم اقلّ لك لا تذهب ؟؟؟ ليتك سمعت الكلام قبل مغامرتك ؟؟؟ ليتك بقيت في القرية ؟؟؟ كنت ستوفّر ما أنفقت في رحلتك هذه ؟؟؟ ستعود خالي الوفاض ... ستثقل روحك من سخرية الجيران منك ؟؟؟
أسنان عم صلاح الصفراء وهو يضحك من خيبتي كأنياب دراكولا تثقب أوردتي ... صلاح ذلك الرجل الذي يفهم كل شيء سيجعلني محور جلساته تحت الشجرة وهو يلعب الخربع¨ة... لعبة شعبية تلعب بالحجارة ... يقول صلاح دائما أنه بطل العالم فيها ...
حركة خفيفة على العشب بجانبي جعلتني أرفع رأسي ... عصفور الدوري المعروف عندنا بالبضويش أو البزويش ... يلتقط فتات الخبز الذي تساقط من لمجتي الملتقطة ...
دورة الحياة مضحكة في هذه العاصمة ... إلتقاط الفتات ... لم أصل أصلا لأتساوى مع هذا العصفور ... هو بنى عشا يأوي له عند الليل ... أنا لم أنم منذ مدّة ... لا البرد ولا الخوف ولا الرصيف سمحى لي بذلك ...
صوت طنين أفزع الطير ... رجل يبدو شخصا محترما من ملابسه يضغط على مفتاح سيّارته التي إشتعلت أنوارها مرحبة به وأصدرت صوتا تعلمه انه تحت أمرها ... يده تمسك الهاتف يتحدّث بطريقة صارمة ... ملامح وجهه المنزعجة تؤكّد انه يكلّم زوجته ...
أغلق الباب ورحل ما إن دار المحرّك ... رائحة سيجارة تدغدغ أنفاسي متحدية روائح عوادم السيّارات .. سيجارة شبه مكتملة على حافة الرصيف ... هدية أخرى تجود بها هذه المدينة الكريمة ... تبا ...
زحفت على مؤخرتي حتى وصلت لها ... إلتقطتها ... مسحت مبسمها ... ثم قبّلتها ... شفتاي تعصرانها بشوق ... أوّل أنفاسها بعثت شبه غيبوبة في رأسي لم أدخّن منذ 4 أيّام ... أسندت ظهري للشجرة ونظرت للأعلى ...
سخيفة هي أحكامك أيها العالم ... أصلا أنا هربت من قريتي منزعجا أن لا شيء فيها سوى الشجر ... نمت على العشب ونظري يعانق أوراقها في صراعها الأزلي مع أشعة الشمس ... لا الأوراق إستسلمت وتركتها تمرّ ولا الأشعة تراجعت عن محاولتها الإختراق ...
تركت معركتهم الأبدية وأرجت نظري أتابع أغصانها ... حروف كثيرة ... عهود حب رسمت بحد السكاكين على لحائها .... تشهد على لحظات إختلسها عشّاق كثر ... شجرة تجاوز سنها المائة ... كلّ الأشجار هنا هكذا ...
نظام غرسها وترتيبها ليست من إنتاج فكر عربي ... مخلّفات الإستعمار ... أصلا كل شيء هنا مخلّفات الإستعمار ... مستشفيات ... ثكنات ... طرقات ... سكك الحديد ... الجسور ... ماذا فعلنا بعد 60 سنة من الحكم الذاتي لا شيء ...
رحت أراجع صراع المرحومين .... عمّ بوشوشة الع¨ومي ... الع¨ومي هي التسمية الشعبية لعملاء فرنسا ... وعم فتّاح المناضل ... بوشوشة كان جنديا في الفيلق الإفريقي للجيش الفرنسي ... ثم عمل عند معمّر فرنسي حتى جلت القوات عن أرضنا ... المعمّر باع أرضه الخصبة لبوشوشة ... وصار ملكا على أهل القرية ....
و فتّاح كان مناضلا ... فلاقا ... مقاوما ... رفع السلاح في وجه الإستعمار ...
أبناء عمومة ... جمعها الدم ... الشبه ... لقب العائلة وفرّقهما الموقف ...
متعة القرية كانت لما يشتدّ الصراع بينهما ... صراع إمتدّ أكثر من خمسين سنة ... إنتهت الحرب وإنسحبت فرنسا ... وتصالحت الحكومات ونصف شباب القرية هاجر إليها ... وشركاتها إنتصبت عندنا وسلبت خيرنا .... ومعاركهما لم تنتهي ...
بوشوشة يتقاضى تقاعدا من الحكومة الفرنسية يكفي لإطعام كل سكّان القرية سنتين ... وفتّاح كرّمته تونس بوسام وبطاقة علاج مجّاني في مستشفى يبعد عن مقرّ سكناه مسافة يقطعها في نفس التوقيت الذي تتمكن الطائرة من الوصول فيه من قرطاج لباريس ...
ربما كنت أستحسن كلام بوشوشة عن ما تركه الإستعمار ... تورّد وجهه وصحته الجيدة وهو الذي قارب القرن أكبر دليل ... ربما لو لم تفارقنا فرنسا لكان حال شباب هذا البلد أحسن حالا ...
فتّاح كان ينفعل وتخرج قذفات اللعاب من فمه الأسود ... متهما بوشوشة وأمثاله بالطحين ... الطحين هي أرذل الصفات في الرجل التونسي ... تهمة تطير معها الرقاب لو لم يتراجع قائلها ... الطحّان ... هو الخائن سياسيا ... والديوث إجتماعيا ... والواشي أمنيا ...
عذرا أصدقائي بالمشرق ... فنحن لا نعجن خبزنا بالطحين ... بل إستعرنا الإسم من فرنسا ليصبح الفارينة ... مفارقة عجيبة أن فرنسنا الكلمة ... وإتهمنا من يتعامل مع فرنسا بالطحين ... لا يمكن تفسيره سوى بالطحين ...
مؤخرات الفتيات تهتز جيئة و ذهابا ... يمكنك معرفة الدرجة الإجتماعية لفتاة من خلال ليونة مؤخرتها ... نتيجة مغامرتي أني صرت خبيرا في المؤخرات ...
قلب كبير يشقه سهم تتقاطر منه قطرات ددمم ... حروف بالفرنسية ... حافظ + فاطمة = حب للأبد ... فاطمة ؟؟؟؟ فاطمة التي كسرت قلبها يوم ودعتها عند البئر منذ أيّام ... تعلّقت بقدمي ألا أذهب ...
شعرها الأصفر وعيناها الزرقاوان ... كل أهل قريتنا على تلك الشاكلة ... ملامحنا أروبية سرقت طبيعتنا القاسية منها الجمال ... العرق الأشقر متواجد بكثرة في تونس ... لا أحد يعرف مصدره ... إذا أردنا الفخر ننسب أنفسنا للأندلس .. وإذا أردنا الإنتساب أكثر لهذا التراب تاريخيا ننسب أنفسنا للموحدين الوندال ... أثارهم لا تزال تشهد على حضارتهم في قريتنا ...
بينما يتهمنا البعض الآخر بأننا أحفاد زنا جدّاتنا مع جيوش الغزات يوما " أولاد العسكر " ... أو ضحية إغتصاب قراصنة بيض لهن يوما ... لكن الأكيد أننا منذ قرون ونحن هكذا ... جلود محروقة وعيون زرق وشعر أصفر .... خليط عجيب ...
فاطمة هي الوحيدة التي كان جلدها أبيض ناصعا ... كيف لا وهي حفيدة بوشوشة الغني من إبنه الوحيد ... ووريثته الوحيدة أيظا ... المستوى الإجتماعي يؤثر على منسوب الجمال ...
فاطمة ... ؟؟؟ العشق الممنوع ؟؟؟ هي تحبني فعلا ؟؟؟ لم أقدر يوما أن أحبها ؟؟ ربما توقيا من كسرت قلب يعرف صاحبه أن لا مستقبل لتلك العلاقة ...
تلك الدمعة التي أحرقت خدّها وأنا أتركها وحيدة عند البئر مسرعا الخطى لألحق بسيّارة النقل الريفي ... تلك الورقة النقدية التي دسّتها في يدي كانت آخر لمست بيننا ... وهي آخر ما أملك ...
قالت لي لو عدت يوما أن أجلب لها قصص " عبير" الرومانسية ... طريقة جميلة كي لا تجرح كرامتي ... بدأ صوتها يهدهدني ... حركات الطيور بجانبي تدغدغ جفوني ... النسيم يسحبني لعالم آخر ... أغمضت عيني وتهت في نوم عميق ... أحلام إختلطت بكل الأصوات حولي ... منبهات و صراخ ودوي محركات كلها كانت مؤثرات صوتية في حلمي معدوم الملامح ...
صوت غلق باب سيّارة بعنف ورجل يسب الميكانيك ومن إكتشفه ... فتحت عيني وقد بدأت النسمات الباردة تخز عظامي ... رجل يقارب الخمسين يصارع سيّارة نقل بيضاء ... تبدو اكبر منه سنا ...
نظرت للسماء ... الليل أسدل ستاره ... موعد الحافلة ... محطة باب سعدون ... ضاع أملي في العودة ... بدأ قلبي يفقد نبضه رعبا من ليلة أخرى في هذه المدينة التي لا تريد تركي ... صوت مؤدّب يعيدني للواقع " شباب ... ممكن مساعدة ... يرحم والديك "
إقتربت منه مستفسرا طلبه .... قال فقط دفعة بسيطة تساعد العجلات على الدوران لكي يشتغل المحرّك ... ركب شاحنته ... وضعت حقيبتي في الصندوق الخلفي لها ... وإستجمعت ما بقي في من قوّة ودفعت العربة ... بدأت سرعتها تزيد ليمتلأ حلقي بدخان أسود كثيف تزامن مع صوت محرّكها الذي زعزع صمت المكان ...
أخرج يده من شبّاك الشاحنة ... مناديا بأعلى صوته ... " يرحم والديك " ... لم أسترجع أنفاسي من أثر السعال و****اث حتى غابت السيّارة عن المكان ... الحقيبة ؟؟؟ ملابسي ؟؟؟
بدأت بالجري ورائه ككلب يطارد طائرة ... توقّف في إشارة حمراء ... زادت سرعتي للحاق به ... ما إن قاربت الوصول له حتى إخضرّت الإشارة ... أصوات المنبهات تربك خطواتي ...
أرجل تطارد شاحنة ... كسباق مداومة غير متكافئ... لم تجعلني الإشارات أسلّم أمري ولا هي مكنتني من اللحاق به ... بدأت خطواتي تثقل بفعل الإنهاك وبفعل الربوة التي كان الطريق يشقها ...
ضاعت الشاحنة وضاعت حقيبتي ... توقفت أسترجع أنفاسي ... خنقتني العبرة ... كل شيء ضاع ... بدأت أمشي على غير هدى ... الطريق شبه مقفرة ... لكن الأنوار تسمح لي بالرؤيا ...
المكان يبدو فخما ... أسوار عالية تحجب ما ورائها ... الطريق تعتبر جيّدة مقارنة بباقي أرجاء المدينة ... بدأت أتسلّق تلك الربوة ... وصلت لنهايتها ... نزل يبدو فخما جدا ... علامة إتجاه تشير أنه الشيراتون ... إسمه فقط يرعبني .... خفت من نظرات الحارسين ... فأسرعت الخطى مبتعدا عنهما ...
وقفت أنظر حولي ... يمكنني رؤية كل أرجاء المدينة ... على إمتداد البصر تصلك أضواء المنازل ... أنوار حمراء وخضراء رفافة ... هذه لشركة والأخرى إعلان ... عن يساري يقع مبنى ضخم ... مبنى التلفزيون ... كان يوما ما مخصصا لإحتضان الجامعة العربية أيّام القطيعة العربية مع مصر ... ثم بعودة العرب لها وعودتها لهم ... بقي مهجورا لسنوات حتى حوّلته تونس لمبنى التلفزيون ... بجانبه تقبع وزارة الخارجيّة ... إنقلبت تضاريس المكان فصارت خطواتي نزولا أسرع فأسرع لكن دون وجهة ...
مفترق طرقات ... إشارات لا تشير لشيء ... فقط من يسكن تلك المنطقة يمكنه أن يفهمها ... ومن يسكنها لا يحتاج إشارات ... الفكر التونسي العبيط ...
علامة إتجاه كبيرة تشير للمطار ... وضعت يدي في جيبي أداعب ورقة النقود ... نعم سأقطع تذكرة للذهاب للندن ويتبقى معي ما يمكنني من بدأ مشروع هناك ...
إختلطت دموع اليأس بضحكات السخرية ... لكني لم أتوقف ... قدمي بدأت تؤلمني ... المكان الخالي أشعرني بالوحشة ... سيّارات تطير بجانبي تمنعني حتى التسلية في وجوه راكبيها ... قطعت الطريق بحثا عن حي سكني ... يمكنني من إفتراش أحد أرصفته بشكل من الآمان ...
كحالة بلدنا في فصل الخريف بدأت السماء تجود بخيرها .. تهاطل حمما عليا ... كنت أسعد دوما بهطول المطر لكن في هذا الظرف وفي هذا المكان ... بدأت ألعن حظي ... لم أجد مكانا ألجأ له ...
لا مفرّ من الجري ... الحقيقة سواء أن تجري أو أن تسير أو تقف ... لن تخطأك أسهم المطر ... لكني واصلت الجري ... إختلط الدمع بالمخاط مع سيل الماء المنهمر على رأسي ...
ما إن قفزت فوق الحاجز الحديدي للطريق السريعة مقتربا من إحدى العمارات أختبأ فيها ... حتى توقف المطر ... نظرت للسماء أعض شفتي السفلى ... كأني أهدد السماء بالإنتقام من تآمرها عليا ...
لم أتمالك نفسي من الضحك ساخرا من حظي العاثر ... خلعت قميصي أعصره علّه يجف قليلا ... حذائي الرياضي الفخم تحوّل لونه من الأبيض إلى البني بفعل الطين ... جواربي القصيرة صارت سوداء حتى إختفت ماركتها ... بنطالي الرياضي الرمادي إلتصق بلحمي حتى صار يخزني ...
أروع إستقبال تودعيني به يا قبلة الطامحين ... حتى فرصة النوم على رصيف صلب حرمت منها ... قطعت ذلك الشارع الهادئ ... الماء منحصرا بين قدمي والحذاء يصدر صوتا مع كل خطوة كالمكاء ... المكاء هو الصوت الذي يصدر عندما تنفخ بين راحتيك ... نسميه في تونس " تَعْفيط " ... وهي حركة سخرية من غيرك حينما يفشل في شيء ... تضع يدك مقابلا شفتيك وتُعَفّط عليه ونضحك لفشله ...
أنا لم يكفيني تعفيط العالم من حولي ... حتى تطاردني السخرية كلما خطوت ... وجدت حديقة عمومية كبيرة مهملة أمامي ... خلتها ستكون ملجأي لهذه الليلة ... جلست على أحد المقاعد الإسمنتية ... خلعت حذائي أعصر جواربي ...
بدأ الصقيع يقضم أظافري ... رجفة شديدة سرت في مفاصلي ... أغمضت عيني متخيّلا دفء سريري ... علّ الخيال يغالب مرارة الواقع ... صوت هزّ كياني ... بوم ناعقة تقف عند رأسي ... عيناها الصفراوان تراقبان حركاتي ... رقبتها تلف متابعة ما أفعل ...
أصلا أنا أتشائم منها ... أقرف من شكلها ويرعبني وجودها ... كل ذكريات خرفات الرعب التي روتها جدّتي في طفولتي تجسّدت أمامي .... بدأت مسامي جلدي تتحوّل لشوك جارح مع نعيقها .... جواربي في الحذاء وقميصي على كتفي ... ورحت أتسحّب هربا من الروح الشريرة التي تسكنها ... هكذا حدثتني جدتي يوما وجدتي لا تكذب ...
قالت أن الجن تسكن فيها ... تنعق جالبة الخراب ... إبتعدت عنها قليلا ... لحقني صوتها المفزع ... رفعت رأسي رأيتها تحط على عمود بجانبي ...
الأمر صار مؤكدّ الجن سينهي مغامرتي في هذا البلد الغريب ... حثثت الخطى علها ترحمني ... لكنها تصر على مطاردتي ... بدأت الصورة تتضح ... هي جلبتني لمصيدتها ... فكرة ترك القرية ... الملابس التي أرسلها لي حاتم إبن عمي من الخارج بعد طول خصام ... خاتم أمي الذي رهنته عند صلاح لأتمكّن من السفر ... كل التفاصيل تؤكّد أنها من تنسيق قوة عجيبة ...
هذا النحس الذي طاردني منذ قدومي ... ضياع ملابسي ... عينا ذلك الرجل صاحب الشاحنة تشبه عيني البوم ... لم يكن رجلا ... كان روحا ... كان جنيّا ... بدأت أحث الخطى مبتعدا عن الأشجار القليلة في الحديقة ...
كنت أتوقع ان تغرس مخالبها في رقبتي ... ساحة مظلمة وسط الحديقة لا شجر فيها ... هربت نحوها ... إن كان يجب أن تهاجمني فل تهاجمني في مكان مفتوح ... رجل لرجل ... وجها لوجه .... إستبسال الموت ... بدأت أسرع الخطى محاولا العودة لمكان مأهول ...
كتفيا تثقلان كل ما ولجت أكثر ... الأرض تحوّلت لطين زلق بفعل المطر ... قدمي تغوص فيها حتى الكعبين ... يد صلبة تقبض على قصبة رجلي ... توقفت لا إراديا ... كنت أستشعر ملمسها البارد يطبق على كاحلي ...
عجز لساني على نطق الشهادة ... حتى يدي عجزت عن رسم الصليب ولا رقبتي تحرّكت للخضوع على شريعة موسى ... توقّف الدم في عروقي سأموت كافرا ... أردت الفرار ... حاولت الجري لكنها كانت تمسكني ... الطين والرعب والبرد منعاني من الهرب ... تعثّرت قدمي ووقعت على وجهي أشرب من طين الأرض ... نظرت خلفي ... إن كنت سأموت فلأمت وعيني تنظر ...
يد قوية لا تزال تمسك بقدمي ... رجل عجوز يحاول الزحف نحوي ... آهات ألم تصدر من حلقه المتحشرج ... يريد أن يقول شيئا ... هل هو بشر أم البومة تجسّدت لي كذلك ...
رفعت جسدي الممرغ في الطين محاولا الوقوف ... كلمات قليلة تخرج من حلق الشيخ ... " أرجوك ساعدني ... بيتي ليس بعيدا من هنا " ... كنت أنتظر أن يترك قدمي لأنطلق هاربا ...
وقفت متأهبا للفرار عندما لحقتني كلماته " عاوني يرحم والديك " ... البوم أسلمت ... نعم القادر القدير قادر على كل شيء ... وضعت يدي بين إبطي الشيخ ساعدته في الوقوف ... بدأ ألمه يتحوّل لصراخ ... صراخ يؤكد انه كائن حي مصاب ...
جاهدت حتى خرجنا من بركة الطين تلك ... وصلنا حافة الطريق ... الشيخ مصرّ أن أجلب له كيسا وقع منه ... تركته جالسا على الحافة وعدت أبحث عن طلبه ... فرصة للهرب لا يخزني الضمير بعدها ... وجدت فردة حذائي التي كنت سأنساها...
كيس به بعض المعدّات ... تؤكّد انه سمكري ... لعنت الفقر الذي فرض على هذا الرجل العجوز العمل في مثل هذا السن وتلك الظروف ... عدت إليه ... حملته على ظهري ... لم يكن ثقيل الوزن لكني كنت منهكا ...
أنيني بدأ يصل أذنه ... كان يعتذر مني عما سببه لي ... يمينا وشمالا ... للأمام ... كنت أتّبع إشاراته ... شارع طويل في آخره دائرة تحيط بها عمارات ... ليست عمارات تقليدية ... ثلاث طوابق مزينة بالشرفات المدورة ...
كلها متشابهة ... وصلنا أمام باب إحداها ... باب بلوري سميك مغلق ... بجانبه لوحة إلكترونية عليها أرقام ... طلب مني الضغط على أرقام معيّنة ففتح الباب ... لقد عشت هذا المشهد يوما ...
أحد أفلام نادي السينما بالمعهد ... نفس التفاصيل عندما حطّت السفينة الفضائية ... دخلت الباب ... كنت متأكدا .... هي سفينة فضاء لا ريب ... أنوار خافتة عجيبة أنارت بمجرّد وصولنا ... رائحة المعقمات في كل مكان ... بعض النباتات موضوعة على أركان الفسحة المدوّرة ...
باب معدني تعلوه شاشة كتب عليها الرقم صفر ... تقدمت منه حسب طلب من يركبني ... ضغطت على زر به شكل معيّن مقلوب ... فتح الباب ... دخلت مترددا وقد جف الدم في عروقي ... حسب طلب الشيخ ضغطت على الرقم ثلاثة ...
أغلق الباب وبدأت رحلت الرقي للسماء ... لقد طارت السفينة ... واحد ... إثنان ... ثلاثة ... رعبي من حركة الصعود أنساني ثقل حملي ... توقف التابوت المقدّس بعد رجة خفيفة وفتح الباب ... ممر عريض .. تلمع أرضيته المرمرية ... يتوسطه بابان ... ما إن خطونا خارج الصندوق وأغلق الباب حتى إشتعلت الأنوار من تلقاء نفسها ...
فمي فتح عن آخره ... المبنى فخم لدرجة أني عجزت عن تخيّل رابط واحد بين هذا الرجل وذلك العالم ... لا بد أنه يشتغل حارسا أو معينا في إحدى الشقتين ... بدأت السير بخطى مثقلة من الحمل في تفكيري ... الباب رقم 6 ... باب خشبي بني عريض ... عريض لدرجة لم أتقبّلها ...
دققت الجرس ... كنت أسمع خطوات قادمة نحوي ... أردت أن ألقي ذلك الرجل وأهرب ... غير أني لا أعرف طريق العودة ... فتح الباب لتطلّ منه سيدة تضع وشاحا على رأسها .... تلف وسطها بمنديل غسل الأواني ... الخادمة ... لا بدّ أنه زوجها ...
نظرت لي متعجبة من وجود شيء على شاكلتي في ذلك العالم العجيب ... كلمات صارعت لكي تخرج من فمي " أصلي لقيت زوجك واقع على الأرض " ...
رفعت المرأة عينها ... إصفرّ وجهها ... لتتركني واقفا عند الباب صارخة ... " مادام فريال ... مادام فريال ... إلحقي سي توفيق "
سي توفيق ؟؟؟ هذا الشيء الذي أحمله إسمه السي توفيق ؟؟؟ هو إسم توفيق وحده يعتبر غريبا على شكله ناهيك لو ربط بالسيادة ...
بدأت أكتشف ما يظهر لي من محتويات البيت ... أثاث فخم ... لم أتبينه بعد حتى هجمت عليا سيدة ... شعرها أحمر ... وجهها أبيض ناصع ... شفتاها حمراوان على شكل هلال ... تنقصه نجمة على أنفها ونرفع شعار الجمهورية ....
هجومها أربكني وشكلها ولهفتها ... " توفيق خير ... مالك ؟؟؟ " ... لم تنتظر أن يجيبها زوجها ... هجمت عليا مرعوبة ... " عملت فيه إيه ؟؟؟ حصلو إيه ؟؟؟ " وكادت أن تنشب أظافرها في وجهي ...
لولا خشيتي أن يموت ذلك الرجل فأعدم بتهمة لم أرتكبها ... لألقيته من على ظهري وصفعت صفاقتها ... بصوت ثابت " أنا لقيته واقع على الأرض في الحديقة ... هو طلب مني أوصله هنا ... لو حتخدوه خدوه ..وإلا حأسييه وأمشي " ...
تراجعت حدة نظراتها نحوي ... أفسحت لي المجال للدخول ... كدت أنزلق من نعومة رخام الأرضية ... بدأت المرأة تقودني في الممر ... كنت أنظر للأرض خجلا وتعبا ... غرفة نوم تضاهي مساحتها ساحة مدرستنا ... سرير أبيض مدور يتوسطها ...
حاولت وضع الرجل المصاب عليه ... جاهدت أن لا أزيد ألمه ... أجلسته بعناية ... أردت أن أرفع رجليه من على الأرض ... لعبة صوفية بنية على شكل كلب تقبع فوق السرير ... دفعتها بيدي لأفسح المجال له ... بدأت تعوي هاربة من حركتي ... ثم كثر نباحها ...
هو كلب حقيقي ... عالم عجيب بكل ما فيه ... كلب لا يتجاوز حجمه راحة يدي ... تذكّرت كلاب قريتنا ... يمكن أن يبتلعه أحدهم وهو يتثائب ...
صوت مفزوع يصلني من داخل الغرفة ... السيدة تحدّث الطبيب ... تؤكد عليه سرعة القدوم ... الثاني كذلك ... ثم الثالث ... نعم ثلاث أطباء ... " سي توفيق متاع زبي هذا" شكله كمتسوّل ... إستنفرت وزارة الصحة لأجله ...
كثرة الأثاث والديكور بالغرفة منعني من إكتشاف كل تفاصيلها ... لم يبالي بوجودي أحد ... إسورة ذهبية على طاولة السرير تغمزني أن أسرقها ... لن يهتم أحد ثم سأنسحب ... هممت بذلك لكني خفت ...
فريال الصهباء هذه لم تترك هاتفها ... لم يبقى سوى الرئيس ومبعوث السلام بليبيا لم يعلما بالحادث ... إنسحبت من الغرفة ... باب الشقة مفتوح ... أسرعت الخطى هربا من ثقل الغربة في هذا المكان ... فتاة حمراء صغيرة تقف مشدوهة وقد أفزعت الجلبة نومها ... رعبها من وجود أحد أهل الكهف أمامها منعها من الصراخ ... لم أفهم سبب نظرتها ...
وقفت أمام صندوق الزمن ... ضغطت على الزر ... فتح الباب بسرعة ... وقفت أمامه ... ترددت كثيرا في الدخول ... خفت أن أخطئ في شيء فأحبس داخله ... إنتظرني حتى ملّ الوقوف فأغلق أبوابه نحوي ...
إلتفت يمينا وشمالا ... إشارة خضراء عليها رسم رجل يجري ... " خروج النجدة " ... النجدة ... النجدة ... هكذا كانت تصرخ روحي مهرولا نحوه ... سرداب مظلم أنار إحتراما لهيبة قدومي ... سلالم طويلة نزلتها قفزا هربا ... وصلت الباب ... مغلق وعاند محاولاتي لفتحه ... يفتح بالرقم السري ... لا أعلم السر لكني تذكّرته ...
شممت هواء الحرية المنعش ... كدت أسجد على الأرض مقبلا إياها شكرا على السلامة ... الحي هادئ جدا ... ضوء خفيف يرمش بهدوء " مقهى الملوك 24/24" ... نعم أنهم الملوك ... لا شك في ذلك .... من يسكن هذا المكان لا يكون سوى ملكا ...
تقدّمت منه ... مكان مفتوح ... فيه بشر ... لا يهم إن كانوا من سكان المكوكات الفضائية المهم أن أشعر بالأمان حتى نهاية هذه الليلة ... ومع أوّل ضوء سأرحل ... غابتي ..والأغنام ... الحياة في قرية أبسط بكثير ... لا تجوع فيها ولا تظمئ... لا خوف عليا ولا يحزنون ...
إقتربت من الباب ... جرّتان كبيرتان عن يمين ويسار الباب ... جلست القرفصاء بجانب أحدهما ... مغص بدأ يقطع أمعائي ... نعم هذا ما ينقص لتختم آلام هذه الليلة ... الأكل من القمامة ... العصير الفاسد ... الرعب ... الصقيع في القدمين ... كلها إجتمعت لتستخرج من بطني إسهالا يستحيل تأجيل نتيجته ...
لم أجد من بد سوى المقامرة ودخول المقهى ... دفعت الباب الذي رسمت عليه كلمت ... إدفع ... لم ينتبه أحد لدخولي ... بضعة شباب يتابعون مقابلة كرة قدم في الطرف الآخر من العالم ...
بابان أحدهم عليه رسم رجل والآخر امرأة ... هو الحمام لا ريب ... دفعت باب الرجال ... الأنوار في هذه البقة من المجرّة كلها تعترف بقيمتي ...تنير لمجرّد قدومي ... الحمام من كثرة أناقته وفخامته إستحيت أن أقضي حاجتي فيه ...
لكن الطبيعة هزمتني ... ذهب الألم وشفيت وعوفيت ... كنت انوي الخروج متسللا كدخولي ... منظر مرعب في المرآة ... خنزير خرج من حصة تمرّغ في الطّين ... لست أنا حتما ... هي صورة إشهارية عن مضار شرب مياه المستنقعات لا شك ...
حرّكت يدي .. قفزت ... إنه أنا للأسف ... إقتربت من الحوض ... الماء كما النور .. يقدّر وجودي ... الحنفية تعمل من تلقاء نفسها ... غسلت يدي ... تحوّل لون الحوض للأصفر ... الصابون متوفّر ... تخلّصت من الطين على وجهي الماء الساخن شجعني بعث الروح في أوصالي ...
بجانب الباب ... صندوق معدني كبير ... أثارني سبب وجوده ... كنت سأخرج لكن رغبتي في إكتشافه جذبتني ... مررت يدي فوقه بجانبه ... ما إن وضعت يدي تحته حتى نفخ .. أرعبتني الحركة المفاجأة ... هواء حار لفح يدي ...
فكرة لا تخطر على بال الجن الساكن في البومة نفسها ... خلعت ثيابي ... غسلتها في الحوض ... الماء موجود والصالون متوفر بكثرة .... ثم إستعملت المجفف لتجفيفها ... معتزا بذكائي ... لا أعلم كم إستهلك تخفيف حذائي من جهد ذلك الجهاز .... أفرغت حاوية المناديل ... ملأتها بالماء الساخن وإستحممت ... أصلا رحت أفرك لحمي مستخرجا الوسخ خيوطا وكورا ...
تأكدت قبل خروجي أني لم أسبب ضررا لأحد ... كل شيء عاد كما كان ... فتحت الباب برفق .. متأهبا للتسلل ... الكل مركز مع المقابلة ... كافيه لا عمّال فيه ... نصف خطوة تفصلني عن الباب وأهرب ... سأنعم بدفئ ونظافة نسيتها ...
ما إن وضعت يدي على الباب ... حتى قابلتني مجموعة من الشباب من الجنسين ... هم داخلون وأنا خارج ... جلبتهم وضوضائهم سحبت نظر النادل الذي تقدّم مستقبلا الركب ببشاشة ...
وجودهم منعني من الخروج كما أن آثار البلل على ملابسهم تأكّد أن المطر سيعاود حملته على رأسي ثانية ... ترددت في الخروج ... النادل لم يفهم أين كنت ... إعتقد أني وافد مع الوافدين ... فتبعتهم حسب أمره ... يعني مالذي يمكن أن يحدث ؟؟؟؟
ملابسي نظيفة وشكلي مقبول ... وسني ليس بعيدا عن سنّهم ... تحلّق الجمع حول طاولة ... فجلست قربهم ... النادل يشير من وراء المصرف ... " قهوة الأولاد كي العادة " ... إشارات بالموافقة من الجميع ...
حشرت رأسي بين كتفي خوفا أن يكتشفني ... رحت أتابع التلفاز كأني أفهم ما يجري ... أذني تلتقط دبيب النمل ... عينا ذالك الشاب لم تخطأ وجودي ... تقدّم مني مسرعا كأنه يطارد هدفا كاد يفلت منه ...
وقف يسألني عن طلبي ... وضع أمامي ورقة عليها عدة رسوم .... تحسست تلك الورقة النقدية الندية في جيبي كأني أودعها ... أملي الأخير في العودة لقريتي ذهب قربانا لكرامتي ... نظرت على الطاولة ... المشروبات .... سعر القهوة 1.5 دينار ... الحلويات تتراوح بين 1 و 5 ... الأسعار تبدو مقبولة ...
عملا بالمثل التونسي الشهير " إلي مات على شبعة لا قام " ... نقص مليم واحد من ثمن التذكرة سيحرمني حق العودة ... إذن فلتكن نهاية مميزة لهذه الليلة العجيبة ... طلبت منه قهوة كبيرة بالحليب ... وقطعتي كيك بالشكولاطة ... وعلبة سجائر ...
نعم ... سأنفق كما ينفقون ... أكلت وشربت ودخّنت ... بل صرت أصفّق وأتقهر وأتابع مقابلة كرة القدم ... نعم هم ليسو أحسن مني ...
شبعت بطني ... أجّلت التفكير في مصيري ... جلت بنظري في صفوف الحاضرين ... ملابس فخمة رغم كونها عجيبة ... سراويل ممزقة ... بنات تدخن الشيشة ... فتيان أهملوا قص شعرهم .... أعمارهم لا تتجاوز الثامنة عشر لو أسرفت في التقدير ...
الساعة الثانية ونصف فجرا ... ماذا يفعلون ؟؟؟ ... أكيد أنهم تسللو خلسة من بيوتهم ... قرب المقهى من المباني ... جعله وكرا لهم ... مجموعات مجموعات يتحلّقون حول طاولات ... النادل يعرفهم بالإسم ويبدو أنهم متآلفون معه ... فكّرت بسؤال النادل إن كان بإمكانه إيجاد عمل لي ؟؟؟
ماذا سأعمل هنا ؟؟؟ وأين هنا هذه ؟؟؟ لا الناس تشبه الناس ولا المباني تشبه المباني ؟؟ لولا الكلام الذي يشبه لهجتنا لتيقنت أني خرجت من القارة أصلا ... طبقة غنية ثرية حاكمة متحكمة نأت بنفسها وذويها عن الخراء المنتشر في البلاد ...
سأذكر هذه الليلة ... ربما ستكون إحدى نوادري عندما أكبر وأصبح بعمر صلاح ... سأرويها للشباب وسيعجبون بي .. تستحق ما أنفت فيها ...
إنتهت المقابلة ... خرج الجميع ... بقيت أنا والنادل وشاب آخر ... صوت المطر يؤجل مغادرتنا ... آذان الفجر يؤكد لي أني لم أهاجر ولم أترك أرض الوطن ... على أقل تقدير في المحيط المغاربي ... عيني مركّزة على التلفاز أداعب سيجارة لم أشعلها ...
رفعت عيني فرأيت ذلك الشاب ينظر نحوي ... كأنه يتابعني ... خفت منه ؟؟ لا أدري لماذا شعوري بالنقص أمامهم يحرجني ... أشحت بنظري ... لكني كنت اشعر بعينيه تراقباني ... وإن يكن ... كما قال عادل إمام إن كنت أملك ثمن ما أستهلك فليسو خيرا مني ...
نظرت في عينه مباشرة فكأنما غمزت صنارته ... وضع إصبعيه حول شفتيه يطلب سيجارة ... إنكساره أمامي جعل قلبي يرقص طربا ... أشرت برأسي بالموافقة ... حمل فنجان قهوته وإقترب مني مبتسما على حياء ... النادل رسم بسمة سخرية على وجهه ...
جلس قبالتي ... مددت له السيجارة ... أشعلها ... تبسم لي وقال " يرحم والديك " ... إسمه يوسف ... يدرس بالجامعة لكنه لا يريد المواصلة ... جسمه نحيل جدا ... أصابعه ترتعش ... يسكن هنا ... له أختان واحدة أكبر والثانية أصغر ...
إن كنت أطلقت العنان لشهوتي في الإنفاق ... فلن أكبح جماح كذبي ... رحت أروي خرافات عن حياتي وسبب قدومي لهذا المكان ... أصلا أنا لم أصدّق نفسي لكنه صدّقني ...
بدأ النور يطغى على الكون ... حركة بعض السيّارات تنطلق ... تقدّم منا النادل يطالب بحقه ... مددت له الورقة النقدية ... نظر في عيني يوسف ... " دجو ؟؟؟ كيف العادة ؟؟؟ حسابك ثقل برشة ؟؟؟ " ....
ورطتي بالكذب وإنكسار عيني دجو ... جعلتني أطلب من النادل أن يأخذ ثمن قهوته أيظا... هي تناكت تناكت ... أقل شيء أترك إنطباعا في ذاكرة هذا الشاب ... أعاد لي بضع قطع نقدية ... تغيّر وجهه لما أخذتها منه ...
وخرجت ... كنت أخطط لشراء بعض الخبز و الجبن وقارورة ماء والعودة على قدمي للقرية ... 170 كلم لا غير ... ثلاث أيّام سيرا ...
فقط سؤال واحد أطرحه ؟؟؟ أين أنا ؟؟؟ ... من أين أذهب إلى أين ؟؟؟ ... لحقني دجو يشكر كرمي معه .. أردت أن أسأله ؟؟؟ ... لكني خجلت ... قطعنا الشارع ... نافورة هامدة ملأ المطر حوضها ...
ودعني عندها وإنصرف داخلا لإحدى العمارات ... مررت من أمام العمارة التي يسكنها سي توفيق ... وقفت أنظر لشرفاتها المدورة أودع ليلة ستؤثث ذاكرتي لسنين ... صفّارة سيّارة إسعاف تهز المكان وتربك حركاتي ...
تسبقها سيّارة أخرى تبدو غالية جدا ... نزلت مدام فريال منها على عجل .. وجهها أصفر والحزن يبدو على محيّاها .... وإلتحقت بالمسعفين اللذان فتحا الباب الخلفي للعربة ... سي توفيق مات ...
أردت أن ألقي نظرة الوداع على من كان سببا في أحداث هذه الليلة ... سرير طبي كامل ... إقتربت منه غير آبه ... سمعت صوت أحد المسعفين ... " لاباس سي توفيق ما تخافش " ... لم يمت ...
نظرت في عينيه ... لا أدري كيف نطقت متسائلا " سي توفيق لاباس ؟؟؟ " ... نظر في عيني مستغربا ... وأمسك يدي ... كان المسعفان يدفعان عجلات السرير وهو ييسحبني ... نفس قوّة الضغط على قدمي ... ليلة أمس ...
دخلنا العمارة ... باب المصعد ... الطابق الثالث ... باب الشقة ... الممر ... غرفة النوم ... حتى وصلنا لسريره لم يترك يدي ... جرّني معه عنوة وسط دهشة مدام فريال ... إنسحب المسعفان ... بقيت أنا وهو والمدام ... لم يترك يدي رغم إغلاق عينيه ...
كل ما حاولت سحب يدي منه ... نطق جهاز يطن عند رأسه ... حركة من يد فريال تمنعني من تكرار المحاولة ... سحبت كرسيا وأجلستني عليه ... كنت أنظر لمظهر هذا الشيخ ؟؟؟
سي توفيق ؟؟؟ هل يعقل ؟؟؟ شكله لا يتطابق مع المكان ولا مع سكانه ؟؟؟ مثلي تماما ؟؟؟ خرجت فريال تحدّث الخادمة ... وجهه بدا مألوفا ... ربما هو مجرّد شعور بالرحمة نحوه ... بدأ ضغط أصابعه يخف عن معصمي ... تسللت يدي بحذر ... إنتظرت قليلا أراقب الجهاز عله يطن ثانية ... على أطراف أصابعي خرجت أتسلل ...
رغم حذري فقد سحبت خطواتي مدام فريال لتقابلني في الممر ... أصابعها وعيناها تسألني عما حدث ... وضعت كفي تحت خدي مشيرا أنه نام ... أبشر وجهها لكنها دخلت لتتأكد من صحة كلامي ... بدأت أسرع الخطى نحو الباب ...
قبل وصول يدي لمقبضه لحقني صوت صارم رغم همسه " وين ماشي ؟؟ " ... تسمرت مكاني ... كدت أن أرفع يدي للأعلى مستسلما ... ركبي إضطربت ... نظرت خلفي ... مدام فرال تحث الخطى نحوي ...
- إنت رايح فين ؟؟؟
- ماشي
- ماشي رايح فين ؟؟
- (أنا نفسي لا أعرف إجابة لسؤالها) مروّح ...
- معلش مش حأقدر أسيبك تروّح ؟؟؟
- (لم أفهم معنى كلامها) ليه يا مدام هو أنا عملت إيه ؟؟؟
- مش الموضوع ... ما أقدرش أسيبك غير لما يفيق سي توفيق
- (سي توفيق متاع زبي) .. ليه ؟؟؟
- قلتلك مش حأقدر وخلاص ... لما يفيق ويقلكّ روح تروح
- لكن ...
- ما لكنش
يبدو أن وجودي أزعجها ... أو ربما إحتقرت هيئتي ... وضعت أمامي بكل صفاقة طبق به بعض البسكويت وكأس به مشروب ساخن ... لم تمتد يدي نحوه حتى دخلت سيدة المنزل ... شعرها الأحمر الناعم يتدلى فوق كتفيها ... مكياج أسود خفيف يغطي أثر السهاد في عينيها ... وجهها عاد لإشراقة يوم أمس ... خدودها توردت قليلا ... شفتاه الحمراوتان ترسمان إبتسامة خفيفة ... رقبتها الطويلة يزينها عقد من المرجان الأحمر ...
منعني الحرج وجلوسها أن أتملى في باقي جسدها ... كانت تركز مع حركاتي ... نظرات عينيها جعلتني أتجمّد ... خشيت أن اخطأ حركة فتجعلني محطّا للسخرية في هذا العالم ...
كل شيء في هذا العالم غريب ... المباني ... الأثاث ... الديكورات ... حتى السكّان ليسو مثلنا ... ربما أنا لست مثلهم ...
أحست المدام بالثقل على صدري ... ربما برز ذلك على وجهي دون أن أعلم ... تبسمّت شفتاها ربما لتشعرني ببعض الألفة ...
- إنت ما شربتش الشاي بتاعك ...
- (نظرت للكأس متعجبا ... هل هو شاي ... أين منه من الشاي في القرية بقوة تسعين حصانا ... كل شيء هنا غريب) ... حاظر حأشرب
- ما قلتليش حضرتك تبقى مين ؟؟؟
- حضرتك أنا إسمي منذر ؟؟
- تشرفنا يا سي منذر .. أنا فريال مرات سي توفيق (صدمت لما علمت أنها زوجته كنت أعتقد أنها إبنته) ... ودي حبيبة .. بتشتغل معانا وزي أختي ( لم تلتفت حبيبة حتى للتحية ... أعجبني قول تعمل معنا ... لم تقل تعمل عندنا)
- تشرفنا يا هانم ...
- عمرك كام سنة ؟؟؟
- قريب حأعمل عشرين سنة
- (فتحت عينيها مندهشة ... ) طيب ما قلتليش إنت تعرف سي توفيق منين ؟؟؟
- الحقيقة يا هانم أنا ما أعرفوش ... كنت معدي بالصدفة ولقيته واقع على الأرض ... فكان واجب إني أساعده ...
- هو حضرتك إلي جبتو إمبارح ... (فتحت عينيها دهشة تتطلّع في شكلي بوضوح)
- أيوة يا هانم ؟؟؟؟
- (لم تتمالك نفسها عن الضحك ... فعلا شكلي ليلة أمس يدفع للسخرية) ... تصدق ما عرفتكش ...
- ماهو الطين ... والمطر ... دي كانت ليلة ...
- إحكيلي ...
كانت تضع يديها على فمها ... تحبس صوت ضحكها من طرافة كلامي وأنا أروي كيف إستحممت في دورة المياه ... وكيف إكتشفت ذلك الصندوق الذي نشّفت تحته ملابسي .... عيناها الناعستان تقطران نعومة ودموعا سببتها الكحة من كثرة الضحك ... حتى حبيبة الكئيبة دخلت معنا في الجو ...
إحساسي أن أجدت الحديث جعلني ألعب دور المهرّج ... سألتني عن أهلي وقريتي ... تأثّرت لما علمت أني يتيم وفقير معدم ... بدأت يدي تتحسس الطبق ... قطعة بسكويت غمستها في الشاي جعلت فريال تسقط أرضا من على الكرسي من كثرة الضحك .قبل وصول القضمة لفمي ....
حركة غبية جعلتني أغرق في الحرج ... حرج لم أستطع كتمه ... أحست المدام بما يعتريني ... عدّلت جلستها وأصابعها تمسح الدمع عن أطراف عينيها ...
- يخرب عقلك إنت مشكلة ...
- هي المشاكل مش حابة تسيبني ... (أحسست أني إن واصلت ستتحوّل الطرافة لسخرية) ... هو سي توفيق عنده إيه ؟؟؟ ... أتمنى يكون بخير
- (رفعت حاجبيها للأعلى كأنها تتمنى مثلي) ... كسر في الحوض ... وداه موضوع مش سهل خصوصا في السن داه وإنت عندو السكّر والقلب والضغط ...
فصل فيه واحد وأربعون تلميذا ... منذ إلتحاقهم بمقاعد المدرسة ... تعرف مستقبلهم من مهنة ذويهم ... من سيفشل معروف ومن سيواصل أيضا ... ومن عاند مصيره سينسحب من وسط الطريق ...
مجانية التعليم ... أكبر كذبة روج وهمها للشعب ... التعليم كما هو في عهد الحسينيين ... لأبناء الأغنياء فقط ... سينجحون غصبا عن الكل ... وأبناء الفقراء ربما يفلت أحدهم من كمّاشة الفشل ... لكنه لن ينجح ... حتى وإن توج بشهادة وعمل .... فهو لن ينجح
كيف كنت سأنجح ... أربعة آلاف متر بين الجبال أقطعها يوميا حافي القدمين للوصول للمدرسة ... جهاد لا يتحمّله أعتا الرجال ... أصلا وصولي للثانوي إعتبرته معلمتي إنجازا ...
الثانوي ؟؟؟ ... مرارة ذكرياته تخنقني ... جائع في بطني ... أنتظر ما يجود به مطبخ مبيت المعهد ... برد وغربة ووحشة في الليل ... زده ما يفعله القيمون فينا ... من يستسلم لدعوتهم الليلية ينال كل رعاية ... ومن يرفض .... لا علينا ...
لقد درست في أشرس فرق أمن الدولة ... وهذه الصهباء تريدني أن أفهم كلامها بالفرنسية ...
أغلب الحصص قضيتها في آخر الفصل أقف على رجل كالبجعة ووجهي للحائط ... ثم تلومني الأستاذة على نيل أضعف الدرجات ... عدالة السماء ستنتقم لي ... ربما إنتقمت
كانت صورة فريال الجميلة تتحرّك أمامي وصور أخرى من الماضي القريب تشوش البث في عقلي ... طنين الجهاز سحب فريال وحبية جريا نحو غرفة النوم ... لحقتهما بخطى مثقلة ... هل أفاق سي زبي هذا وأطلق سراحي ...
كانت فريال تمسك يده بحنان شديد ... تربت على كتفه بحركات خفيفة ... حبيبة تعدّل وضعية نومه خوفا أن تنفلت إحدى الآلات المعلّقة في كل جزء من جسده ... عيناه الزرقاوان ترمقاني بتملي ثابت ... حرّك يده اليسرى بصعوبة ... رفعها للأعلى وحاول جاهدا تحريك أصابعه ...
فريال وحبيبة تنظران نحوي ... فهمت أنّه يريدني أن أقترب ... إقتربت منه ... أمسك يدي يتحسسها ... جلده شبه بارد كبرودة الموت ... لكن أصابعه قوية ضغط على معصمي ثانية ... وأغمض عينيه ... طنين الجهاز بدأ يخف ...
أعتقد أن نبضي يؤثّر على الجهاز ... هكذا قال صلاح يوما وهو يمرر يده على لاقط مذياعه ... فتتحسّن جودة الصوت ... كنت أظن هذا سحرا ... صلاح المبارك دمه إيجابي ... كل البشر يمكنهم فعل ذلك .. مادامت نوعية دمهم إيجابية ... الجهل مرتع للدجل ...
تسللت فريال من جانبه ... تفتح درج في الحائط ... ما خلته حائطا إتضح أنه خزانة ... كيف لي أن أعرف وجدتي كانت تضع ملابسها في صندوق خشبي ... وملابسي فوقه ...
خرجت فريال وتبعتها حبيبة وتركتاني حبيس قبضة هذا الشيخ المسكين ... رغم كونه مصابا فإني لم أسامحه على ما تسبب لي به ... بدأت الآلة تهدأ ونفسه ينتظم ... فتح عينيه ... لا أعلم كم لبث يتطلّع في وجهي ... حتى عيني تعبت من متابعته ...
بدأت شفتاه تتحرّك ... لم يصلني صوت لكنني كنت متأكّدا أنه يتكلّم ... حاولت فهم ما يقول ... صعب عليا ذلك ... رحت أتابع حركة شفتيه ... لم أفهم ... قرّبت أذني منه ... خلت أنه سيطلق سراحي ... كلمة من قاضي تنفيذ العقوبات هذا وأكون خارج أسوار هذا العالم العجيب ...
جاهدت كي تلتصق أذني بشفته ... وقفت على رجل وسويت الأخرى ويدي على حرف السرير الطبي ... خشيت أن أتسبب في مصيبة لتلك الآلات ... كالواقف على حبل غسيل أوازي نفسي ... ألم في جنبي بسبب شد عضلي في بطني ... رجلي بدأت تنمّل ...
إقتربت أذني من فمه ... لكنه صمت ... بعد كل هذا الجهد ؟؟؟ ... رجعت لمجلسي ... فعاود الكلام ... نفس العملية تكررّت ... كلما إقتربت منه بعد مجهود بهلواني يصمت ... أنهكتني المحاولات ...
أخيرا نطق ... " ي.." ... " ر" ... ثم يصمت يلتقط انفاسه ... " ير" ... ير ماذا ؟؟؟ يرحل ؟؟؟ يريد ؟؟؟؟ ... بعد جهد مضني وأنا على وضعية الصلب المعكوس تلك ... نطق
" يرحم والديك " وأغمض عينيه ... يلعن والديك على والدين إلي جابوك ... أكثر من الساعة أجاهد أن أفهم ما يقول ... رحمة لوالدي ....
لا أحد من أبناء آدم جمع رحمات لوالديه مثلي ... كل من يريد شحن كمية من التبن يناديني ... ثم ينقدني أجرا جزيلا ... يرحم والديك ... كل عمليات صب الخرسانة بقريتنا شاركت فيها رحمة للوالدين ... بذرت الحبوب ... جمعت التين الشوكي ... رعيت الأغنام للجميع ... نقلت الماء من البئر للبيوت ... ضاعت حقيبة ملابسي ...
رحمة للوالدين ... أعتقد أني أبي يرفرف بجناحين بين قصور جناته ... جلست على الكرسي ورفعت رأسي للأعلى ... " إتنعّم إنت فوق ... وأنا بأشتغل عليك من تحت " ... هذا واجب الإبن البار ... أنا لا أعرف أبي أصلا ... قالوا أنه توفي قبل مولدي بأيّام ... وقع عليه بئر قديم في منطقة الآثار ... كان يحفره متوهما وجود كنز به ...
حتى أمي لا أذكرها ... جدتي قالت أنها توفيت وعمري سنتان ... ثم لحقتهم جدتي قبل بلوغي العاشرة ... وعشت أصارع وحدي ... حقيقة لم أصارع ... بإستثناء عذاب الذهاب للدراسة فحياتي كانت بسيطة لا عذاب فيها ...
من ضاقت ملابسه عليه يتبرّع لي بها ... الخبز والطعام ليسا بالمعضلة ... الغابة تجود أحينا بغلال تكون طعامي ... الأطفال تتقاسم معي الحلوى التي كنا نتسابق للحصول عليها من شاحنة تأتي أسبوعيا تزود القرية بما يلزمها ....
إستسلم سي زبي هذا للنوم ... نظرت في ديكور غرفة النوم ... سرير مدوّر يملأ نصف الغرفة ... خشب صلب ... يبدو ثمينا ... الخزانة تحيط الغرفة من ثلاث جهات تغطي كل جدرانها ...
صورة كبيرة معلّقة ... مدام فريال وسي توفيق ... صورة الزفاف ... تقف أمامهما تلك البنت الصغيرة ... عجبا ... أول مرّة أشاهد طفلا حضر زفاف أبويه ... لم أفكّر كثيرا ... أطلقت أصابعه معصمي ...
تسللت بعد أن تأكدّت من نومه ... البيت هادئ لا حركة فيه ... تسللت بخطى بطيئة نحو الباب ... ما إن وضعت يدي على القفل ... حتى لحقني صوت حانق ... " فين ماشي ؟؟؟ " .... مسلسل prison break هذا لن ينتهي ... لن أفلت من مركز إيقافي ...
حبيبة تتمطى طاردت كسل قيلولة ... لباسها الأبيض تسلّق رجليها للأعلى ... بياض جلدها يضاهي بياض لباسها ... قالت وهي تفك مشبكا تعدّل شكل شعرها المنكوش ...
- إنت رايح فين ؟؟
- مروّح ...
- مروّح فين ؟؟؟
- (لم أجد الإجابة ثانية) خارج ...
- (هزّت رأسها بالنفي) إستنى لما تيجي مدام فريال ... ما تجيبليش الكلام ...
- (أنتظر فريال أن تعود ... وفريال تنتظر توفيق أن يفيق ) طيب أروح أشتري حاجة وأرجع
- (هزّت رأسها بالنفي ثانية) حتشتري إيه ؟؟
- لا أبدا أصلي جعت ... حآكل حاجة وأرجع ... أوعدك ...
فتحت صندوقا آخر ووضعت فيهما ... بدأت رائحة الطعام تداعب أنفي متسللة من باب ذلك الصندوق ... أنا في الفضاء لا ريب ... كل شيء بالأزرار ... أين النار والحطب ... الأغنياء عندنا يطبخون بالغاز ... والأقل فقرا بالبترول ... لكن نطبخ في الصناديق هذه أعجوبة لو شهدها صلاح سيمضي تسع سنين يتحدث عنها والجمع مشدوهون ...
وضعت أمامي طبقا فيه بعض الزيتون ... هريسة فلفل ... شيء أبيض لا هو بالزبدة ولا بالجبن ... ثم طبق فيه خبز مدور لا يتجاوز حجمه أصابعي ... ثم لحقتني بطبقين ...
الأوّل فيه شيء مستدير يشبه اللحم يسبح في ماء أحمر ... لم أفهم شكله حتى أستوعب إسمه الذي قالته .... والثاني فيه بطاطا مهروسة وبقدونس وفلفل ... نسميه التسطيرة أو الكفتاجي ...
وقفت طويلا أنظر لأطباق الأكل ... أريد العودة للديار ... حتى الأكل هنا عجيب ... مددت يدي وقطعت قطعة خبز ... الخبز يعتبر لقمة واحدة بالنسبة لخبزنا ...
غمست بحذر ... في كل الأطباق معا ... بدأ لساني يستسيغ الطعم بوجل ... نزول أوّل لقمة في حلقي جعل أهل جهنّم ببطني يتسلقون حلقي طلبا للمزيد ... رغم غرابة الشكل لكن الطعم لذيذ ... لم يتبقى سوى الأطباق لإلتهامها ...
حبيبة تنظر لي بتعجّب شديد ... وضعت كأس شاي أمامي وإنسحبت ... ثقلت عيني ... قلّة النوم وثقل بطني دفعا أجفاني للنعاس ... صوت مفتاح يدور عند الباب يؤكّد أن حبسي سيطول ...
ألصقت ثلاث كراسي ببعض وإستخدمتها كفراش ... فراش يعتبر وثيرا لمن تعوّد النوم على الرصيف ... غريب أمر هذا البيت كأنك تعيش في عالم منفرد ... لا منبهات سيّارات ... لا ضجيج ... لا ضوضاء من أي نوع ... هدوء النوم في جبل قريتنا ... لا أحينا صوت حفيف الأعشاب أو طير يصل سمعك عندما تتوسد الأرض ...
أطعمت من جوعي وآمنت من خوفي ... فنمت ... سبات ... غيبوبة ... راحة عجيبة في بيت غريب ... أنا أصلا غريب عن كل شيء ... لم أشعر أني أنتمي للعاصمة منذ قدومي ... ولم تنتمي قريتي لي منذ ولدت ...
حلم جميل رأيت فيه جدتي الحنونة ... تهدهدني ... تحضنني ... شباب فاشل يحن لطفولة معذّبة ... يدها الناعمة تهز كتفي بخجل ... صوتها صار عذبا لما ماتت ... الموت يعيدنا لأصلنا ... يجردنا مما حصّلناه في دنيانا ...
فتحت عيني ... جدتي تحوّلت لحورية في الجنة ... أغمضت عيني مستنكرا ذلك ... جدتي تدخّن ... تشم النفّة ... أعتقد أنها لم تركع يوما ... ربما هي حسنات تربيتها لي من جعلها تتمتع بتلك المكانة المرموقة في النعيم ... تحوّل تربيتها على كتفي لهزّات شبه عنيفة ... صوتها يعلو شيئا فشيئا ...
جاهدت نعاسي ... فتحت عيني ثانية ... خصلات من الشعر الأحمر تدلى على كتفها الأبيض الجميل ... لا تشبه جدتي أبدا ...
مدام فريال ؟؟؟ أين أنا ؟؟؟ ... تبسمت السيدة المحترمة خجلا أو كانت تكبت ضحكة سخرية مني ... قفزت من مخدعي مرعوبا ... ماذا أفعل هنا ؟؟ ... تراجعت المدام للخلف ... وقفت أنظر للأرض ثم للسقف ...
- منذر ... الساعة عشرة ؟؟؟
- ياه الوقت إتأخر ؟؟؟ (لم انتبه أني نمت كلّ تلك الساعات) ...
- لازم تروّح .. عشان داه وقت نوم ؟؟؟
- أروّح ؟؟؟
- أيوة روح نام ؟؟؟ وتعالى الصبح ؟؟ لعل سي توفيق يكون فاق ؟؟؟
- أروح وأرجع الصبح ؟؟؟؟ أروح على فين وأجي إزاي ؟؟؟
- أوف نسيت إنك مالكش مكان تنام فيه ؟؟
- (أحسست بالحرج يخنقني) مش مشكلة يا مدام حأتصرّف
فتحت حبيبة باب الشقة وأمرتني بإتباعها ... توجهت نحو المصعد ... ثم نحو خروج النجدة ... أخيرا ... كنت أهم بالنزول ... لكن حبيبة وضعت رجلها في المدرج للأعلى ... صعدت درجتين ... كنت مصدوما لما يحصل ... لم أنتبه أن فخذيها العاريين زادا عريهما بفعل صعودها ...
كنت أتمطى خلفها ... أضع يدي وراء رقبتي أمطط عضلات ظهري التي تضررت من النوم على الكراسي ... لم أنتبه أن بقية إنتصاب نومي لا تزال بارزة تحت بنطلوني ...
لم أنتبه إلا ونظراتها تطبق على رقبتي تريد خنقي ... آشارت بيدها تأمرني بإتباعها ... صعدت تلك الدرجات القليلة مطأطأ الرأس كأسير حرب لم تنطلق رصاصته فيها بعد ... ستتهمني حبيبة بقلّة الأدب ...
شعور بالخزي يخز صدري ... هي حركة عفوية ... لم أقصد ذلك ... هو حظي النحس من صوّرني بتلك الصورة ...
صعدنا لسطح العمارة ... فتحت حبيبة غرفة صغيرة على السطح ... أشعلت النور وتركتني هناك دون كلمة ...
دخلت الغرفة ... كراتين كثيرة مكدّسة بها ... سرير يئن من ثقل أكياس وضعت عليه ... باب صغير في طرفها ... يفتح على حمام صغير ... رغم إهمالها فإن هذه الغرفة تبدو فخمة ...
المهملات الملقاة بها جعلتها تضيق بحركتي ... تركتها ... قررت نزول السلّم والهرب ... لكني تراجعت ... أين سأذهب في هذا الليل ... سأؤجّل هربي ... سأنتظر أشعّة الشمس الأولى ...
بدأت أجيل النظر في الأفق ... وضعت مرفقي على حافة سور السطح وتاه نظري ... عمارات متراصفة بدقّة ... تتساوى في الإرتفاع ... تشّكل دائرة ... تتوسطها حديقة بها تلك النافورة المعطلة ... النافورة تشكل محور لأربع طرق متقاطعة تشق الحي في الإتجاهات الأربعة ...
هذه العمارة تتوسط هذا المركّب السكني ... لا يحتاج الأمر لفطنة حتى تكتشف أن سكّانه هم علية القوم ... هدوء السطح والطقس الهادئ فسحا لي المجال في التفكير ... تفكيري البسيط ...
فتّشت في جيبي ... علبة سجائري قاربت على النفاذ ... أشعلت سيجارة وبدأت أنفث توتري في دخانها ... صوت خطوات خفيفة تجرح صمت المكان رفعت رأسي ... في الجهة المقابلة ... فتاتان أو سيدتان تتسللان من باب العمارة ...
لم أتبين وجوههما ... لكني فخذيهما يطلان من تحت ملابسهما القصيرة ... الأكيد أن أمرا جللا جعلهما يخرجان هكذا بملابس النوم ... يسيران ملاصقين للحائط ... خطوات سريعة حذرة نحو العمارة الأخرى ... همتهما في المشي وحذرهما ... جعلتني أركّز فيما يحدث ...
إقتربتا من الطريق المؤدية نحو الشرق ... نور أحمر أنار فجأة ... ثم إختفى الجميع ... ركبتا سيّارة كانت تنتظرهما ... ربما تعملان ليلا في مستشفى ... أخلاقهما منعتهما من إزعاج السكّان ... فتسللتا حذرتين ...
أيقظتني لسعة جمرة تطايرت من سيجارتي ... كنت أهم بترك مكاني ... مجموعة من الشباب بدأت تتجمّع ... هذا يخرج من اليمين ... وتلك من اليسار ... الأخرى من الشمال وهذه من الجنوب ... سلام غريب بطرق القبضات أو بضرب الأرجل ...
بدأ تسللهم نحو الكافيه ... نعم إنهم شلّة الأنس الذين قابلتهم ليلة أمس ... أنهوا دروسهم وخرجوا يروحون عن أنفسهم ...
قطرة مطر شديدة البرودة ثقبت أم رأسي ... نظرت للسماء التي تلبدت فجأة ... ليلة ماطرة أخرى ... هرعت لداخل الغرفة أحمي نفسي من بلل قد يعيق هروبي ...
جاهدت كي أفسح مجالا يسمح لي بالجلوس بين الأكياس ... تقرفصت فيه ... لم أترك مجالا لعقلي بالتفكير ... سأنتظر الفجر وأترك هذا العالم الغريب لأهله الأكثر غرابة ...
بعض الدفء... وأغمضت عيني متخيّلا كمية السخرية من أهل القرية ورموزها ... سخرية صلاح ستكون أرحم من الأكل من القمامة ... فقط هي فاطمة التي أشعر بالغثيان كلّما ذكرتها ... لا يهم إن كانت تحبني كما تقول فستغفر لي فشلي ...
رفعت رأسي أتفقد محتويات الغرفة ... فكرة مجنونة سكنت عقلي ... ربما إحدى هذه الكراتين تحتوي كتبا ... لو وجدت بها بعض القصص سأحفظ كرامتي أمام فاطمة ... صورة وجهها وهي تستقبلني منتصرا بهديتها بعثت في روحي نشاطا لم أعهده ...
فتحت الصندوق الأوّل أفرغت محتواه ... كتب دراسية قديمة لأحد أبناء سكان العمارة ... خطّه جميل ... أعداده تؤكد أن أبناء الأغنياء دائما متفوقون ... رغم خيبة أملي لكني لم أستسلم ... أعدت تنظيم محتوياتها وفتحت الثانية ... نفس الشيء ... كنت أعيد رصف تلك الكراتين فوق بعضها لأفسح المجال لحركة أكثر راحة ...
كدت أقفز من الفرحة ... ألف ليلة وليلة ... رسالة الغفران ... الحي اللاتيني ... عدّة عناوين لكتب كبيرة الحجم ... ليست روايات عبير لكنها تفي بالغرض ... أن تخطأ الهدف خير من أن لا تصيب شيئا ...
رحت أبحث عن كيس أضع فيه غنيمتي ... أفرغت ما كان موضوعا على السرير ... لعب قديمة ... ملابس ***** ... ملابس كثيرة ... خاب أملي أن أحدها لا يناسبني ... رحت أعيدها بعناية ... تناقص حجمها ... فرغ السرير كليّا ...
فتحت خزانة إكتشفت وجودها بعد تنظيم الغرفة ... ملابس تبدو كملابس الشرطة ... كمية هائلة من الأجهزة الإلكترونية القديمة ... مسجلات ... لواقط فضائية ... خيوط ووصلات لا تحصى ...
لم أصدّق عيني وأنا أشاهد ورقة صغيرة مطوية ... ورقة ذات عشرين دينارا ... كنت متأكد أنها ورقة مزيفة من مخلّفات دروس أحد الأطفال ... رفعتها قبالة الفانوس ... هكذا كان يفعل صلاح وهو يتأكد من سلامة الأموال عند إتمامه لأحد صفقات التبن أو الفحم أو بعض الخراف ...
حركة لا أعرف نتيجتها لكني أقنعت نفسي أنها سليمة ... وضعت الكتب في كيس يبدو متينا ... دسست الورقة النقدية مع بعض القطع المتبقية ... صوت الفجر يأتي بعيدا من إحدى المآذن ...
هممت بتنفيذ خطتي بالهرب ... بعض السحب لازالت تلقي بحممها الباردة ... من يسرق كتابا يسرق ثوبا ... فتحت الخزانة ... إخترت بدلة من الملابس المعلّقة فيه ... قماشها المتين سيحمي ملابسي من البلل ... سألبسها حتى ينتهي المطر ثم أتخلّص منها ...
نظرت لنفسي في مرآة صغيرة ... بللت شعري وسرّحته ... أشبه ضباط الشرطة في الأفلام الأمريكية ... أشرت بسبابتي لصورتي في المرآة ... منذر 007 ... هههه ليس أحسن مني ...
قطعت السطح محاذرا البرك للكبيرة المتجمعة فيه ... السلّم ثم الباب وأصبح طليقا ... ما إن وضعت قدمي على الدرجة الأولى حتى أضيء الفانوس ... وقع القدام سبق الصورة ... رجل أصلع ... حواجب بيضاء ... عينان يقطر الدم من حمرتهما ... معطف أسود ... يحمل بين يديه الصلبتين عصى طويلة ...
توقف قلبي رعبا ... بدأ يصعد السلّم نحوي ... خطواته الواثقة ونظرته المباشرة في عيني تنذر أن أمري إنتهى ... تجمّدت مفاصلي مع يقيني بعدم وجود منفذ ... إقترب مني وعينه الحمراء ترمقني بنظرات يمتزج شررها بوميض البرق ...
رفع عصاه للأعلى ...ألقيت الأكياس ووضعت يدي على وجهي متحفزا لضربة تهوي على أم رأسي ... صوت ضحكة مبحوحة جعلتني أفتح عيني ... دفع العصا بين يدي ... وسحبني من مرفقي ...
لم أجد بدا من الإستسلام ... سحبني نحو أنبوب تصريف المياه ... ووقف خلفي ... لم أفهم ما يريده مني ... هل سيرميني من السطح ؟؟؟ وقف دون حراك ... لم تطل حيرتي ... صوت جوهري ثابت يعكس الشخصية القوية لصاحبه ...
" ماهو لوكان سي توفيق سمع كلامي .. ماكناش نوصلو لهذا " ... نظرت في عينيه مستفسرا عما يقول ... " قتلو من أوّل الصيف نظفها " ... زادت حيرتي ... أجابني بحيرة أشدّ ... " الحلقوم ... المجاري ... ميزاب الماء " ...
لم أنتظر أوامره وبدأت أحشر العصا في فتحة الأنبوب ... مع كلّ حركة مني بدأ الماء يسيل ببطئ ... تزايدت سرعة حركتي فتزايدت سرعة الماء ... بدأت البرك تنحسر بسرعة .... كنت أنفّذ أوامره دون كلام ...
وقف وسط السطح ينظر لنتيجة عملي ... " شفت ... خدمة متاع نصف ساعة كانت ترتحنا ملي جرى .. " لم ينتظر سؤالي عما جرى ... " إيجا ورايا فيسع " ... فيسع كلمة تدلّ على السرعة ... لا أحد يعلم مصدرها في لهجتنا لكن الشعب كلّه يقولها ...
بفيسع شديدة نزل السلم وأنا أتبعه ... الممر المؤدي لبيت سي توفيق ... الشقة رقم 5 ... فتح الباب وأمرني بالدخول خلفه ... نفس هندسة بناء شقة سي توفيق ... غير أن أثاثها يفوقه فخامة بمرّات ...
ريقي إستعصم أن ينزل في حلقي ... قلبي يدق غير أني لا أسمع نبضه ... تبعته حتى دخلنا المطبخ ... بركة كبيرة من المياه يسبح فيها المطبخ ... هو ليس مطبخا بل مختبر طبي ... مد ممسحة في يدي ... " فيسع وما تعملش حس ... الجماعة مازالو راقدين " ...
لم أجد بدا من تطبيق أوامره ... نفذت أمره بسرعة ودون ضوضاء كما قال ... يجب عدم إزعاج الجماعة ... من هم الجماعة ؟؟؟ ... متى ينتهي هذا الكابوس ... ماذا أفعل هنا ...
نشّفت أرضية المطبخ ... رخام أسود فخم يزّينه ... نعم يبنون مطبخا بالع¨رانيت الأسود سعر المتر فيه بألف دينار ليقطع عليه البصل بألف مليم ... الأغبياء ... عفوا الأغنياء ...
وقفت أنظر لمحتوى ما سمّاه مطبخا ... دخل الأصلع ثانية ... " شفت ؟؟؟ عاجبك إلي جرالي " ... وذهب نحو صندوق يشبه ما سخّنت حبيبة به الطعام ... سحبه من مكانه وضعه في يدي ... " لوكان ضربنا الضو ... شتنفعني إنت وإلا السي توفيق متاعك " ... كانت عيني تعتذر منه ... كأني أنا من تسببت في نزول المطر .... وسببت خطر أن تصعقهم الكهرباء ....
وضع تلك الآلة في يدي ... وضع يده في جيبه ... أخرج ورقة من جيبه ... وضعها في يدي قائلا " يعطيك الصحة ... يرحم والديك " ... أخيرا ... أجر مضاعف ... والدي في السماء وأنا على الأرض ...
كنت أهم بالخروج غير مستوعب ما أفعل ... يدي تحمل آلة التسخين ... وأصابعي تمسك بالورقة النقدية الزرقاء ... إقتربت من الباب ... كدت أخرج منه ... صوت يلحقني ...
" إيجا هنا وين ماشي ؟؟؟ " ... إلتفت خلفي وقد خنقني الضجر من هذه الجملة التي تمنعني من الحرية كلما إقتربت منها ... وضع في يدي الأخرى ورقة مكتوب عليها بقلم وورقة نقدية ... أمرني أن ألبي طلباته بسرعة قبل أن يفيق الجماعة ...
خرجت مسرعا من باب الشقة ... نزلت السلالم جريا ... خرجت من باب العمارة ... بدأت أفكّر بالهرب بجدية ... أملك ثمن تذكرة الحافلة و ما أشتري به القصص ... مازالت الفكرة تتخمّر في رأسي حتى لحقني صوت من الأعلى ...
" يلى ماعادش وقت ... هذيكا حطها غادي تو تهزها البلدية " ... رحت أجري نحو إتجاه إصبعه مطيعا أمره ... ألقيت الصندوق بجانب مقلب قمامة عند مدخل المركب السكني ... وضعت يدي في جيبي ... ورقة نقدية من فئة 10 دينارات مكافأة على جهدي ... وورقة عليها طلبات مكتوية بالفرنسية ...
أنا قدراتي في الفرنسية محدودة وخطه يصعب قراءته ... بدأت أجري لأجلب طلباته ... لكن من أين ؟؟؟ ... وأين أتجه ؟؟؟ ... رجل يدفع عربة حديدية وضع داخلها بعض المهملات ... كراسي بلاستيكية محطمة وسطل وأشياء أخرى ...
صبّحت عليه بأدب ... شكله ولهجته تؤّكد أنه من عمال البلدية ... أكيد أنه يجول هذه الشوارع ويعرفها جيّدا ... مددت له الورقة مستفسرا عن مكان بيع تلك الأشياء ... تملى فيها ببطئ ثم أشار لي أن أتجه يمينا ... على بعد 200 متر توجد مخبزة ...
رغم تعجبي من أن المخبزة تبيع الدواء .. لكني أرشدته لمكان وجود آلة التسخين ... مسرعا نحو هدفي سعيدا بوجود هذا الرجل الطيب الذي ساعدني في التخلّص من طلبات الأصلع هذا ...
وضعت عاملة تبدو ودودة طلباتي في كيس ... أرجعت لي الباقي ثم طرت عائدا للعمارة ... إستوقفني الرجل وهو يقلّب الآلة ... قال بصوت ثابت " ما تسواش أكثر من 10 " ...
نظرت إليه مندهشا ... صار يقسم بكل المقدّسات أنها لا تساوي أكثر من ذلك ... وضع عشرة دنانير في يدي قائلا " خلينا ناكلو معاك خبزة " .... ووضع الآلة في عربته وإنصرف غير مبالي من دهشتي ... البلدية هنا تدفع لك ثمن قمامتك ... خضراء أنت يا تونس ...
دسست الورقة في جيبي وعدت أهرول ... الأصلع في الشرفة يشير لي بمواصلة الركض بتحريك قبضتيه ... صعدت السلّم قافزا ... وجدته ينتظرني عند الباب ... مددت له الكيس وأردت إرجاع الباقي له ...
ربّت على كتفي ليمنعني ... لم أنطق بعد حتى فتح باب شقّة سي توفيق ... حبيبة التي غمرتها الدهشة من وجودي ... من الزي الذي ألبسه ... من وقوفي أما بيت جارهم ... سؤال توجهت لي به عبر تقطيب حاجبيها ونطقت ...
- صباح الخير دكتور ...
- صباح الخير بنتي ... يعطيكم الصحة ... قتلو سي توفيق العمارة يلزمها بواب
- .... ( صدمة حبيبة لم تصل لصدمتي... بواب ؟؟؟ ... أنا ... لم يجب أحدنا)
- إيه سي توفيق كبر وصحته ماعادش متاع خدمة ؟؟؟
- إيه الموضوع ؟؟؟ إيه إلي إنت لابسو ؟؟؟
- أصل بردت باليل والدنيا مطر ... لقيت دول مرميين فوق لبستهم ...
- وبعدين ؟؟؟
- طلعلي الراجل داه ... وخلاني نظّفت السطح والمواسير ..وبعدين المطبخ في شقته وبعدين بعثني أشتريله طلبات ... بس
- بس ... بس ( وراحت تضرب كتفي كطفل ضبطته أمه يلعب في الرمل )
أخبرتها حبيبة بما جرى ... تحوّل لونها للأصفر ... وضعت جبينها بين كفيها من هول المصيبة ... بدأت أفتح أزرار السترة ... كنت سألقي بها أرضا ..وأصرخ في وجهيهما أني مغادر ... لا أحد يمتلك حق إحتجازي وإهانتي هكذا ...
- تمشي تروح فين ؟؟؟؟ بعد ما دبستنا فيك ؟؟؟؟
- يا سلام هو انا عملت إيه ؟؟؟ أنا راجع بلدنا وإنتو إتصرّفو ؟؟؟
- يا سلام وحأنقول للدكتور ماجد إيه ؟؟؟
- قولولو الحقيقة ؟؟؟
- بالبساطة دي ... نقلو إن إحنا دخلنا راجل غريب العمارة وكمان بات فيها ... ويعرف الرقم السري للبوابة ... عاوزو يعملنا مصيبة ...
- مش مشكلتي ؟؟؟
- لا يا حبيبي مشكلتك ؟؟؟ زي ما دبستنا فيك تريحنا منك
- إزاي
مدام فريال أسعدها الخبر ... حبيبة أيضا تبدو سعيدة لغرض ما ... أنا فقط لم أكن سعيدا ... لا أعلم السبب ...
غيّرت المدام ملابسها ... نزلت معي في المصعد ثانية ... راحت تفهمني طبيعة عملي ... تنظيف المدخل ... العناية بالنباتات ...
مراقبة الدخول ليست مهمة لا يدخل إلا السكان عبر الرقم السري والزوار يفتح لهم مضيفوهم من الأعلى ... إخراج القمامة ... مهام تبدو بسيطة ... يمكنني النوم في غرفة السطح ...
سعيد بمهمتي الجديدة ... شهر أو شهران يؤجلان مواجهتي لأهل القرية ... سيمنحانني فرصة لإختلاق كذبة مقنعة عن سبب فشلي ... سأوّفر بعض المال من عملي ... البلدية ستدفع لي ثم ما يلقيه هؤلاء ...
وضعت كرسيا ... أمام العمارة ... أمسك عصى بيدي ... كحارس ضيعة ... بدأت بذور أحلامي تنبت ... وبدأت أراقب الخارجين من العمارة ... عرض أزياء يمر أمامي ... الميني جيب ... الصدور المفتوحة ... وجودي دفع همهمة في حناجر الثلاثة أزواج الخارجين .... كان الدكتور آخر المغادرين ... قمت من مجلسي إكبار له ... قابل حركتي بإبتسامة جامدة .... كان يقف مفسحا المجال لمرأة تبدو إبنته ... شعرها أسود وتلبس معطفا أسود يغطي رقبتها حتى أسفل قدميها ...
فتح لها الباب وإنتظر حتى تجلس ... منعني وقوفه خلفها أن أتملى وجهها ... دار مسرعا ليركب من الجهة الأخرى ... زجاج السيّارة القاتم يستر ما بداخله ... إحترمت هذا الدكتور ... حريص على شرفه ...
إنطلقت السيّارة ... كنت أتابع حركة عجلاتها ... توقفت بجانبي حافلة ... الرسوم التي نزينها تدلّ على أنها لإحدى المدارس ... ما إن توقفت حتى فتح الباب ... ولد وبنت متقاربان في الأعمار لم يتجاوزا العاشرة ... ملابسهما تشبه ما تلبسه تلك الرؤوس المطلة من نوافذ الحافلة ...
ستنجحان يا ولداي ... المدرسة تأتي لكما لتنقلكما ... نفس الوضعية بالنسبة لأترابكما في قريتي ... أصلا كنا نصل المدرسة لا نعي شيئا من فرط التعب ...
الباب البلوري يفتح ... سيّدة ***** تخرج منه ... تجاوزتني بخطوتين ثم تراجعت نحوي ... سيدة في منتصف الثلاثينات على ما يبدو ... ***** تستر رأسها بخمار ... ملابسها الطويلة تستر جسدها .. وجهها الجميل مزين بمكياج خفيف ...
إنهزمت نظراتي المتفحصة أما نظرة عينها الثاقبة ... تقدّمت نحوي وتوقفت تسألني ... كنت أغرس عيني في الأرض خوفا منها لا أدري لماذا ... خشيت على مهنتي الجديدة ...
- صباح الخير ... إنت الموظف الجديد
- تحت أمرك يا هانم ...
- إسمك إيه ؟؟؟
- منذر سعادتك
- طيب يا منذر .. عاوزة أطلب منك خدمة
- أمرك يا فندم
- إحتمال أتأخّر النهاردة في الشغل ... شفت الأتوبيس إلي لسة ماشي ( أشرت برأسي بالموافقة ) ... لما يرجع أرجوك تخلي الأولاد معاك شوية ... هما مؤدبين ومش حأتخّر ... كلها نصف ساعة ...
- أمرك يا فندم ؟؟؟
بدأت مؤخرتي تقرصني من الجلوس ... قمت أتمطىّ ... بدأت أتمشى أمام باب العمارة مقلدا الحرس الإنجليزي ممسكا بعصاي ... أنظر لإنعكاس صورتي في بلور الباب ... أقدّم التحية العسكرية لنفسي ثم أواصل خطواتي ...
أسعدتني لعبتي الجديدة ... روحة وجيئة ... تسلية جميلة ... شكلي جذّاب في البدلة ... ليتني إلتحقت بالجيش كرائد ... رائد يروي لي قصص مدهشة عن مغامرته ... رائد الذي رافقني طيلة طفولتي و مراهقتي ... تطوّع بالجيش كجندي ... إسمه ورتبته لا يتقابلان .... هرب من الفقر للفقر ...
خط أحمر صغير يزيّن كتف بدلته الخضراء ... والده صار يرفع رأسه عاليا فخورا بإنجاز إبنه ... أنا أصررت أن أواصل التعليم ... حلمت أن تزيّن نجمة كتفي يوما ... إحباطي لا يوصف لما تيقنت إستحالة إلتحاقي بالأكادمية العسكرية ... إبن من أنت حتى تصبح ضابطا في بلدنا ... هكذا هي حياتنا ... مستقبلك يرسم مذ كنت تتخبط في خصية والدك ....
ليتني تبعت رائد ... طموحي أكبر منه ... ثم ماذا ... لا نجحت في هذا ولا ذاك ؟؟؟؟
بدأت أتجوّل بين العمارات ... علني أجد زميلا أتسلّى معه وأفهم طبيعة هذا المكان ... سبع أبواب متشابهة خالية ... كلّها تفتح بنفس الطريقة ... بدأ الجوع يقرصني ... تذكّرت تلك المخبزة ... واجهاتها تسيل اللعاب ... وجه البائعة يسر القلوب ... سأضحي بقليل من المال لأشبع بطني وأسرّ قلبي ...
لم أفهم أي إسم مكتوب على المعروضات ... المهم لم أحرج نفسي ... إخترت لونين لفتهما لي البائعة البشوشة ... ثم إنصرفت ... قبل وصولي لمدخل المركب ... شاحنة البلدية تقف أمام الباب تفرغ الحاوية الخضراء ...
لقد وضعت فيها أكياس ستعود عليا بالمال الوفير ... العمال يتسلّقون جوانب العربات ... والسائق يهم بالإنصراف ... رحت أزفّر وأصرخ عليهم بالتوقف ... إحمرّت فوانيسها الخلفية كما إحمرّت عينا العاملين وهما يسمعان سؤالي " فين ماشيين ؟؟؟ ما خلّصتوش " ...
الحمرة الأكثر كانت على وجنتي خجلا وأنا اسمع أحد العمال يرد على جوابي لسؤاله عن الثمن الذي يتوجب عليهما دفعه ... " ما خلصتوش حق الزبلة ... " ... نظر لصاحبه وإنفجرا ضاحكين ... صوت أحدهما يصرخ على السائق يأمره بالإنطلاق ...
" إمشي ... إمشي ... هاو واحد جبري ينيك في أمه عالصباح " ... الجبري هو الإسم الذي يطلقه أهل المدن على القادم من وراء الإشارات ... ما يغيض أن الذي نعتني بالجبري ... يبدو من شكله ولهجته أنه نازح من إحدى مجاهل الأرياف ...
أنا جبري ... هل تفقد تلك الصفة بحكم الأقدمية ... آلمتني عنصريته ... كما آلمتني خيبة أملي في تحصيل المال من القمامة ... لماذا دفع لي ذلك الرجل ثمن ما أخذه ... سؤال طاردني حتى منتصف النهار ...
لا أحد يعود للغذاء في بيته ... المركب زاد هدوئه ... كنت تائها في هذه التجربة ... تلفحني بعض أشعة شمس هذه الظهيرة ... أغمضت عيني متوسدا مرفقي على حافة الكرسي ... الفراغ من حولي جعلني أغط في النوم ...
صوت يدخل حلمي الملخبط ... كائن فضائي ينادني بالإسم ... " منذر ... منذر " .. فتحت عيني ضاحكا من حلمي ... لحقني نفس الصوت ثانية ... منذر منذر ... إلتفت يمينا وشمالا ... نظرت للأعلى ... للأسفل ... لا أحد هنا ...
بدأت أشك في سمعي .... " منذر فينك ؟؟؟ " صوت ممزوج بحشرجة يأتيني من قرب الباب ... بدأت أتبع مصدره ... وقعت على أربع عاجزا عن الزحف هربا ... الحائط يتكلّم ...
" منذر إنت فين ؟؟ " مربع قرب الباب يكلّمني ... أكبر كذبات صلاح لم تصل لهذا الخيال ... كنت أتحسس الحائط باحثا عن مصدره متأكدا أني لا أزال أعي ... لمست أصابعي أحد الأزرار ...
صوت شديد القوة يصدر منه " وين كنت عندي ساعة نلوّج عليك ؟؟ " ... لم أفهم ماذا أقول ؟؟؟ .. لماذا يبحث عني الحائط منذ ساعة ؟؟ ماذا يريد مني وأنا لم أفارقه .... " أنا هنا ما عندي وين مشيت " ... " باهي إطلعلي حاجتي بيك " ... أين سأصعد ... الحائط يريدني ... " فين نطلع ؟؟؟ ... " للدار ؟؟؟ هاني نستنى فيك ؟؟؟ " ...
تلقف عقلي البسيط أن ذلك جهاز إستدعاء ... حبيبة أو المدام تنادياني ... لا أحد يعرف إسمي غيرهما والدكتور وتلك السيدة ... تشجعت وركبت المصعد ... الأمر ليس معقدا فقط إضغط على الزر المناسب للطابق ...
وجدت حبيبة تنتظرني عند الباب ... وضعت في يدي قائمة طلبات وورقات نقدية ... طلبت مني الذهاب بسرعة للمغازة لجلبها ... كولد مطيع خرجت أجري ... متوجها للمغازة ... أين المغازة ؟؟ أين موقعي من خريطة الكون ...
صوّر لي ذكائي الخارق أن المغازة لن تبعد عن المخبزة ... وفعلا صدقت توقعاتي ... المغازة وحدها عالم آخر ... لن أنسى كمية الإحراج التي تعرضت لها ...
ماوكلي شخصيا يجري بين رفوفها المزينة بكل ألوان الأشياء ... تبيع كلّ شيء ... رحت أقلّد أحد الزبائن ... حبيبة دخلت قلبي ... تكتب بالعربي ... خطها واضح وطلباتها مفهومة ... أشياء أعرفها ... طماطم فلفل ... دجاج ...
خرجت مثقلا بالأكياس ومصدوما من إكتشافي الجديد ... وضعت حملي على طاولة المطبخ ... حشرت حبيبة القطع النقدية المتبقية في جيبها ... يئست أن تجود بشيء منها ... فقراء نسلب بعضنا ...
حافلة المدرسة تقف أمام الباب ... السائق سلّمني الطفلين وإنصرف ... بدأت دموع البنت تنهمر بمجرّد علمها أنهما سينتظران معي ... عبثا حاولت ترضيتها ... رقصت ... قفزت ... أخرجت لساني ... وضعت إبهامي في أذني ونفخت حلقي ... كف يد الطفل تنزل هاوية على خدي المنتفخ ...
وإنفجرا ضاحكين ... لا يهم المهم أن لا تأتي والدتهما وتتهمني بسوء معاملتهما ... تورمت خدودي من الضرب ... هربت للحديقة أمام العمارة مازحا معهما ... لم ينتهي الطفل من متعته في ضربي ...
هددته إن لم ينتهي أني سأخبر والده ... تلك الكلمة في قريتنا تساوي حكم الإعدام لطفل أساء التصّرف مع من هو أكبر منه ... دمعت عيني عندما وضعت الطفلة يديها في محزميها تهزهما نكالة بي " بابا عند *** " ...
يتيمان مثلي ... عانقتهما دون أن أشعر ... ثنيت ركبي لأوازي طولهما ... إنسحبت البنت وتعلّقت بظهري ... وقعت أرضا ... كنت أقلّد حركة الحمار وهي تركب ظهري ... ضحكها وسعادتها جعلاني أنسى الذل ...
ملائكة الجنة ... ويتيمان ... أجري سيكون سخيا لقاء معروفي فيهما ... أمسك أخوها العصى التي أستعملها للحراسة ... راح يشوي مؤخرتي ضربا وهو يقول " إر... تعتع" أقسم أن جدهما كان فلاحا ... حركة حشر العصا في مؤخرة الحمار ليزيد السرعة لا يعرف سرّها إلا من كان فلاحا إبن فلاح ...
العرق يمد لسابع جد ... والعصا بدأت تمتد سبعة أذرع في مؤخرتي ... صوت محرّك سيارة يقف بجانبي ... أنهى تعذيبي ... " ماما جات ... ماما جات " ... كدت أن أعانقها بدل عنهما سعادة بوصولها ...
نظرت في وجهي ... خدودي الحمراء ... عيوني المبللة بدموع الألم ... لم أتمكن من إمساك يدي لتخفيف الألم عن مؤخرتي ... إقتربت منها مؤديا تحية إنهاء المهمة ...
- أرجو إن الولاد ما تعبوكش ؟؟؟
- لا أبدا ؟؟؟ دول ملايكة ؟؟؟ (زبانية صغار)
- متشكرة قوي يا ... قلتلي إسمك إيه ؟؟؟
- منذر ...
- متشكرة يا منذر ... (وضعت في يدي ورقة نقدية نظير خدمتي)
كدت أصفع نفسي ألف مرّة ... ربما هي تخفي عن ولديها سر موت والدهما ... ليتني صمت ... تلك النظرة جعلتني أفكّر بطريقة تجعلني أعرف كلّ أسرار السكّان حتى لا أقع في مأزق جديد ... كيف كنت سأعرف ؟؟؟ ... البنت هي من أخبرتني بذلك ؟؟؟
عاد السكّان تباعا مع إقتراب الظلام ... بدأ التعب ينهكني ... والجوع ... قرعت جرس بيت فريال ... طلبت منها أن تعلمني بمواعيد العمل المضبوطة ... المسكينة راحت تشرح لي بالتفصيل ... العمل ليس شاقا ولا يتطّلب جلوسي طوال الوقت بالباب ... كل شيء هنا إلكتروني لو إحتاجني أحد سيناديني بالإنترفون ... جهاز المناداة ... واحد عند الباب والثاني بالغرفة ...
صعدت السلّم لغرفتي وقد تورمت قدماي ... حكة وألم في مؤخرتي بسبب عبث الصبي بها ... نزعت ملابسي ... دخلت الحمام ... قطعة صابون تعود للعهد البونيقي ملتصقة بأرضه كانت وسيلة نظافتي الوحيدة ...
تخلّصت من رائحتي ... غسلت ثيابي ... وكل ثياب الحارس السابق ... نظرت لبوكسري المهترء... كل ثقب فيه يشهد على سنين العشرة بيننا ... لففت وسطي بفوطة وجدتها بين المهملات ... حملت كدس الثياب أريد نشرها ...
لا يوجد حبل غسيل هنا ... ربطت بعض الأسلاك من الخزانة ببعض ... إستعملت صندوقا خشبيا أعتلي عليه لربط السلك بعمود حديدي ... كنت أهم بنقله للجهة الأخرى ... حين رفعت رأسي ليصدم نظري بركبتين مدوّرتين ... يعلوهما فخذان بيض مدورة ... ناعمان كالثلج ... يستر وسطهما شورت أسود يغوص في مفرق منتفخ بينهما ...
هززت رأسي علي أفيق من حلمي ... وجه عابس ... عينان صارمتان غاضبتان تنظران نحوي ... شعرها أسود لدرجة لا تصدّق ... الألوان هنا كلها بتقنية HD... ليست كما تعودت رأيتها ... لم أفهم بعد ما يجري ... حتى سمعت صوتها العذب الرقراق رغم تصنعها الغضب ...
- إنت مين ؟؟؟
- أنا منذر البواب (طبعا ليس اللاعب السابق)
- وبتشتغل هنا من إمتى ... ؟؟؟
- من البارح ...
- إنت بقى إلى قطعت الإرسال عن التلفزيون ؟؟
- ( أنا أحقر من ان أتمكّن من فعل ذلك) لا يا هانم ؟؟
- أمال هو مش بيشتغل ليه ؟؟؟
فهمت بالنظر أني لو أعدته مكانه سأصلح ما أفسدته بغير قصد ... أعلمتها أن تنزل وتتأكد إن كان الموضوع قد سوي ... رحت أراقب إهتزاز ردفيها الطريين وهي تتمشى أمامي ... لا يمكنني المقاومة ...
وضعت الصندوق تحتي وعدت لما بدأت فيه ... محاولا الوصول لمسمار أعلى حائط غرفتي ... واقفا على أطراف أصابعي ... صورة الركبتين لا تفارقان عيني ... إنتصاب بدأ يدغدغ قضيبي ... لم أستسلم لتلك المتعة بعد ... صوت من خلفي بعث رعبا في نفسي جعلني أسقط أرضا ...
ضحكها ملأ المكان ... السيدة تنحني على ركبتيها وتمسك بطنها تضحك من منظري ...خدودها البيضاء تورّدت ... عيونها الناعسة تبللت أجفانها ... حاولت الوقوف لكن الفوطة إنسحبت من وسطي ... إعتقدت أني أدركتها قبل أن أتعرى ...
حركة شفتي السيدة وتغيّر ملامح وجهها يؤكدان العكس ... سترت نفسي مرتبكا خجلا خائفا مرعوبا مشدوها ... لففت الفوطة من جديدة ... نبرة صوتها تغيّرت ... ذبذبات تغيّر مسار حيتان العنبر في أقصى الأرض ...
- آسفة علي حصّلك ... كنت عاوزة أقلّك إن الإرسال رجع خلاص ...
- ما كانش فيه داعي تتعبي نفسك ... كنت حأفهم لوحدي لو ما رجعتيش ...
- باين عليك ولد ذكي ... يا ....
- منذر يا فندم ...
- طيب يا منذر ... أنا مدام سهام إلي ساكنة في الشقة 5
- تشرفنا يا هانم
- إبقى عدي عليا شفني إن كنت عاوزة حاجة ...
لم أتحرّك من مكاني لمدة يمكن أن تكون أنهت فيها حلقة مسلسلها المفضل ... هي زوجة الدكتور ... الجماعة شخصيا ؟؟؟؟ ... محضوض هو ذلك الأقرع بهذه التحفة ... إن كانت يدها ناعمة هكذا فكيف هو الباقي ؟؟؟
قبل أن أنتبه من سكرتي ... ضربت خدي بكفي ... أكيد أنت تحلم ؟؟ ... سيدة بمكانتها لا يمكن أن تنجذب نحوك ... هي لا تراك أصلا في قائمة المخلوقات .... ربما هي طبيعتها هكذا ... خنقت كل أفكاري خوفا من مصير مجهول لو تبعت أي فكرة منها ...
بدأت أنشر ملابسي ... صوت يأتي من باب السطح يناديني ... حبيبة تصعد لتقدّم العشاء ... وقفت طويلا تتأمل شكلي والفوطة ملفوفة بوسطي ... ما خلّفته فيا شظايا سهام بدأ يبرز بين فخذي ...
لم تكن تحتاج لتصعد عندي ... كان يمكن أن تعلمني بذلك عبر الإنترفون ... تقدّمت مني تتملى في صدري العاري ... دخلت غرفتي معجبة بالتنظيم الذي قمت به ... إنحنت تضع طبق الطعام على الطاولة ... طالت فترة إنحنائها عن اللازم ...
إلتفت للخلف تتأكّد أني أراقبها ... كشفتني رغم حذري ... خلتها ستوبخني ... تبسّمت ثم خرجت تجيل النظر في الأفق ... وضعت يديها على سور السطح ... تأخرت برجليها قليلا وفتحتهما ... بان عري فخذيها من فتحة تنورتها ...
نظرت في عيني وقالت ... " المنظر من هنا جميل جدّا …إنت بتسهر وإلا بتنام بدري "
الجزء الثاني
الطابق الثالث (الشقة رقم 6)
نزلت السلّم المؤدي للممر ... بمجرّد أن أضاءت أنواره تلقائيا أفقت من غفوتي ... ماذا دهاني ؟؟؟ ... بمثل هذا الإبتذال ؟؟؟ أنا حبيبة التي كانت أقدام الرجال تحفى لنيل بسمة من شفتيها ... لم أفهم ما حدث لي ...
فتحت باب الشقة ... مدام فريال تطلّ من باب غرفتها ... لتطمئن أني أنا القادمة ... توجهت المطبخ بعد أن بادلتها الإبتسامة ... وضعت إبريق الماء يغلي فوق النار ... وجلست ... لا شيء في عقلي يعمل ...
رفعت رأسي أتملّى في تفاصيل المطبخ ... أنا من أمضت عمرها كلّه في المطابخ ... تلك الإبتسامة الحنونة التي ودعتني بها أمي وهي تمسح دمع عينيها ... صوت محرّك السيّارة يبعد صورتها عني ... أبي يعدّ ورقات نقدية كانت ثمن بيعي ... لم يهتمّ حتى بوداعي ...
نظرة ذلك الرجل وهو يلتفت من المقعد الأمامي ينهرني عن البكاء لن أنساها ما حييت ... بنت الإثني عشرة سنة تخطف من حضن أمها لتقودها هذه العجلات لمصير مجهول ... لم أكن وحدي ولم أكن الإستثناء ... كل بنات قريتي ... كل بنات جهتي ... كان هذا مصيرهن ...ما إن تبلغ إحدانا الثانية عشر خريفا حتى تقاد للسخرة ... نعم إنها سخرة وليست عملا ... مقاول العاملات يأتي للقرية يختار الأنسب ... يدفع أجر سنة لوالدها ... ثم يعرضها على إحدى البيوت الغنية للعمل كمعينة منزلية ... الحظ فقط هو من يتحكّم في مستقبلك ...
حظي أوقعني في بيت سيّدة مجتمع ... بل سيّدة كل المجتمعات ... كنت سعيدة جدا بملابسي الجديدة ... لن أنسى أوّل إغتسال لي في بانيو الحمام ... أول مرّة آكل في صحن خزفي ... سيدتي الأولى كانت حنونة جدّا ... نفس حنية من يربي خروفا ليذبحه في العيد ... إهتمام شديد بنظافتي و أكلي ومظهري ... أمي نفسها لم تكن بتلك الدرجة من العناية بي ... ولا أبي الذي وئدني ... نعم هي نفس الفكرة السائدة منذ الجاهلية ... لكنها صارت توفّر بعض المال ... أشهر طويلة وسيدتي الجديدة تعلّمني الطبخ ... إعداد المرطبات ... إستعمال معدّات التنظيف ... الآلات ... لم تكن تنجب ... هي أصلا لم تتزوّج لتنجب ... حتى خلت أنها ستتبناني ... حنيتها كانت بهدف فعل الخير ... رحت أتفانى في تنفيذ ما تطلبه مني ... سريعا ما تعلّمت وكنت سعيدة بذلك ... هي كذلك كانت سعيدة ... كانت تتفاخر بي أمام صديقاتها الكثر ...
كانت عضوا بارزا في عدّة منظمات خيرية ... حقوق المرأة ... حقوق الطفل ... حقوق الطبقات الهشة ... بدأت تتخلّى عن مساعدتي ... كنت أظنّ أنها تثق بي ... كلمات الإطراء كانت ترطّب جفاف قلبي ... بدأت أنسى أهلي ... قريتي ... دجاجاتي ... عروستي الخشبية التي تركتها وحيدة قرب الموقد تتدفى ...
كنت أضع الأطباق المنمّقة أمام الحاضرات في صالون بيت السيدة ... كنت أقف قرب الباب أراقب حركاتهن المنمقة ... كلامهن الشيّق ... لبسهن الراقي ... زينتهن ... شعرهن ... لا يشبهن نسائنا في شيء ... لا يشبهن بعضهن ... يتنافسن في تفاصيل بسيطة ... الضحكة ... مسك الفنجان ... قضم قطة حلويات ... عشقت أصابعهن تداعب سجائرهن ... هن عالم آخر ... كل واحدة منهن عالم ...
مرّت سنتان ونصف وأنا في ذلك البيت ... أنام على حشيّة بالمطبخ لكني أنام دافئة مطمئنة ... آكل لوحدي بالمطبخ لكني بطني لا تقرصني من الجوع ... ألبس القديم لكنه يستر جسدي كما أن شكلي صارا جميلا ... أشقى طول النهار في التنظيف والتضييف لكني أنام مرتاحة البال ... تآكلت ذكريات صغري إلا من مشهد الوداع ذاك ...
" يجب علينا الضغط على الحكومة لسن قانون يحمي الأطفال " ... " يجب الضغط لمنع تشغيل القصّر " ... " يجب توفير مناخ يحمي حقوق المرأة " ... " الطبقات الهشة هي برنامج عملنا في السنة المقبلة " ... شعارات كانت تدغدغ أذني ... تتشدّق إحداهن بها ثم تنهرني لأجلب لها كأس شاي أو أفرغ مطفئة رماد سجائرها الفخمة ...
ألست **** ؟؟؟ ... ألست من الطبقات الهشّة ؟؟؟ ... أصلا أن أكثر الناس هشاشة ... بدأت ملامح جسدي تنحت ... كنت ككل صبية سعيدة ببروز صدري ... تدور فخذي ...
لأوّل مرّة أفتح خزانة سيدتي ... كانت تحاضر لينال المعدمون حقوقهم ... وتعدم حقي بإحتجازي في بيتها .... إخترت فستان قصيرا ... حذاءا بكعب عالي يزيد في تدوّر مؤخرتي الصغيرة ... سوتيان رفع صدري للأعلى ... كيلوت ناعم يدغدغ رغبتي أن أتحوّل لإمرأة ...
كاد قلبي يرقص فرحا لنعومة شعري ... عطر أخّاذ يسبقني ... تجرّأت ودخلت الصالون ... جلست في مقعد السيدة ... أخذت سيجارة من علبتها ... وضعتها بين إصبعي ... وضعت رجلا على رجل ... رحت أقلّد كل واحدة منهن ... ناديت على الخادمة بلهجة التعالي ...
لا إحداهن تزيد في قدرتها عني شيئا سوى أنّها ولدت في مناخ سمح لها بالتعالي على الناس ... أشعلت السيجارة ... أوّل نفس أزهق روحي ... إنحشر في رئتي ... سعالي وصل صداه الأفق ... إحمرّ وجهي من الإختناق ... وتوقّف قلبي عن النبض ... رعبا ...
سيدتي تقف أمامي في باب الصالون ...
صفير بخار الإناء جذب نظري ... سكبت كأس شاي ... عدة لطاولتي بعد أن تأكدت أن مدام فريال نامت ... وضعت يدي على خدي أتحسس أثر تلك الصفعة التي هوت بها سيدتي الأولى على خدّي ... لا يمكن لعقلي أن يمحو شدة غضبها ... حنقها ... عنفها وهي تنزع عني ملابسها ... مزقتها ... أحرقتها في برميل الفضلات بالحديقة ... لتتخلّص من نجاستي الملتصقة بها ...
عينيا تورّمت من شدة البكاء ... فخذاي تلونت بالأزرق والبنفسجي من أثر الركل والسحّل ... عقوبة لا إنسانية ... ثلاث أيّام أجول في البيت عارية ... إنتهاك لكل الأعراف الدولية من سيدة تطالب بحق الدود أن يعيش بسلام ...
كرهتها ... لم أعد أطيق تواجدي بجانبها ... رائحة سجائرها صارت تخنقني ... عطرها صار يطبق على صدري ... آخر الأسبوع موعد جلسات نفاق سيدات المجتمع ... أرسلتني بعد إنتهاء عقوبة العري القصري لشراء لوازم الإستقبال ...
تظاهرت بمغص شديد ... دخلت صيدلية ... صاحبها شيخ طيب جدا ... أعطاني علبة دواء ... قال أن قطرة واحدة لمدة يومين بمعدل ثلاث مرات يوميا ستقضي على حالة الإمساك التي أعانيها .... أنفقت عليها كل مدخراتي البسيطة ...
أخفيتها بين ثنيات صدري ... تعانق حنقي ورغبتي في الإنتقام ... إجتهدت مبتسمة سعيدة متحمّسة ... لم أبالي بقولها " ريت روحك كيف تعقال وتخدم على روحك ما أحلاك " ... نعم أن أحلى منكن جميعا ... لكني لن أكون عاقلة ولن أعمل عندك ثانية ...
تجمعت حلقة النفاق تلك ... الصالون معطّر وأرضيته تلمع ... مخداته مرصوفة بدقة ... أعددت الشاي والبسكويت ... دموعي تنسكب مع قطرات الدواء في كل كوب ... تسعة ... عشرة ... خمسة عشر ... عشرون ... لا أعلم كم سكبت .... لكني أفرغت محتوى العلبة في كل الفناجين ... أفرغت قهري وإحساسي بالنقص معها ...
أغلقت باب الحمام بالمفتاح من الداخل وتسللت من شبّاكه الصغير ... أغلقت باب البيت من الخارج ... وجلست قرب شبّاك الصالون ... أشعلت سيجارتي الثانية ... لم أسعل ... بل ضحكت ... تقلّصت عضلات بطني زهوا على صوت صراخهن ... الطرق على الباب بدأ يهمد ... الأصوات بدأت تخفت معلنة إستسلامهن لأثر الدواء ...
تجاوزت باب الحديقة ... تخيّلتهن يسبحن في قرف بطونهن في كلّ ركن ... هذه حقيقتهن ... مقرفات ... هذا أصلكن ومنبتكن ...
جلت المدينة لأوّل مرّة ... فراشة حرّة ترفرف ... يمامة منطلقة تحلّق ... غزال تقفز ... روحي تخلّصت من سجنها ...
أمسكت كأس الشاي بقوّة حتى كاد زجاجه يتحطّم بن كفي ... ألم شديد ... إهتز صدري ... هززت رأسي لطرد تلك الصورة ... تلك الرائحة ... ذلك الشيخ الذي توسّمت فيه الخير ... ظننته سيساعدني ... لكنه سلبني روحي قبل جسدي ...
قام من فوقي ولم يلتفت ورائه ... تركني تحت سلّم تلك العمارة ... أنزف جرح كرامتي من بين فخذي ... دمي إختلط بقرفه .... نعم لم أصل للسادسة عشرة وأنهكت وانتهكت ... عرفت حينها أن سجن العمل خير من حرية العذاب ... كرهت الرجال ... كرهت الحياة ...
مسحت دمعة تسللت من عيني ... أحرقت مسام خدي ... أشعلت سيجارة أطفأ بها شموع ذكرياتي الحلوة ... نعم بعض السعادة مرّت يوما ما في حياتي ... ثاني البيوت التي عملت بها ... كانت عائلة عادية ... ليسو بالاثرياء لكنهم ميسورون ... زوجان يعملان ... ولد وبنت ... البنت في مثل سني والولد أكبر مني بسنتين ... دفئ غمرتني به تلك العائلة ... لكني كنت أبيت في المطبخ ....
رافقتهم في رحلاتهم ... ألبس مثل بنتهم ... أطفأت شموع أعيادهم ... جالست سهراتهم ... شاركتهم فرحهم وحزنهم ... بل وقرارتهم .... والد حنون وأم لطيفة ... أخت محببة ... عائلة متكاملة ... نسيت معهم حزني وهمي ...
تجرّأت ... نعم تجرّأت ... شاب في الثامنة عشر ... وصبية في بيت واحد ... أحببته ... نعم أحببته وهو عشقني ... رافقت سهراته وهو يراجع للبكالوريا ... شجعته ... وشجعني ... إكتشفته وإكتشفني ... علّمته وتعلّمت فيه ...
ليالي طويلة كان جسدي مكافئة لإجتهاده وجائزة لصبري ... حب جارف غمرنا ... إختلسنا ليالي طوال ... قبلات حارّة ... لمسات حارقة ... سريره الصغير ... مكتب دراسته … كل الأماكن وكل الوضعيات ... الممكن وغير الممكن ...
حب جارف أخذني ... وسرقه ... سنة طويلة رائعة ... سطّرنا فيه كتابا لا تقرئ حروفه ... عشت فيه وعاش بي ... شجعته وأنعشني ... نموت فيه ونضج في ...
رفرفت بي أجنحة السعادة يوم دوت زغاريد نجاحه ... غيابه ترك في قلبي فراغا وفي جسدي عطشا وفي روحي تيها ... ثلاث أشهر وعشرة أيّام لم تكحّل رموشي بصورته ... شممت ملابسه ... حضنت مخدّته ... تغطيت بلحافه على ريحه تعيد لي بصري ... بحثت عن خياله في كل أرجاء البيت ...
لن أنسى ذلك اليوم الذي رن فيه جرس البيت ... حبيبي واقف أمامي ... بدلة الأكاديمية العسكرية غيّرت ملامحه ... لونه إكتسب سمرة ... عينه تشع حياة ... عضلاته رسمت تحت ملابسه ...
تركته في حضن أمه وخرجت دون التفاتة ... قرار صعب ومر مرارة العلقم ... وئدت حبي له ... وعدني بالزواج ... كنت أثق في وعده ومتأكّدة من وفائه به ... صورته وهو يضع قدمه على أولى خطوات مستقبله أيقظتني ... أنا مني حبيب شامخ واثق الخطوة يمشي ملكا ... هو يستحق من هي أحسن مني ... لا تقل شئنا فإن القدر شاء ...
حب مبتور ... مبتور كأحلامي ... عشر سنين لم تفارق أثار قبلاته شفتي ... عشر سنين لازلت أسمع كلمات غزله تطرب قلبي ... حب كلوحة فسيفساء لم يؤثر فيها الزمن ... شامخة شموخ قصر الجم ... محفورة في صخر قلبي كقصور مطماطمة ... تزودني بالروح كحنايا ماء زغوان تسقي حدائق قرطاج ...
تقلّبت بين أحضان ألف رجل ... غرقت في ماء شهوتهم ... ألف رجل بألف لون ... لا أحد يشبه حبيبي ... لا غنيهم ولا معدمهم ... لا كبيرهم ولا شابهم ... صحراء روحي تبللت بمجرّد أن نطق هذا القروي المعدم إسمه "منذر" ...
لن أستطيع إقناع نفسي بسبب وجيه ... لماذا ركّزت في كلامه والمدام تحاوره ... بسيط مثلي منطلق كحبيبي ... مقهور كقهري وحالم كحلم الماضي الجميل ...
تلك الصورة وذلك الرسم وهو يلبس بدلة الحارس ... وقفة شامخة ... عين منكسرة ذكرتني بعين حبيبي يوم داعبت حلمة صدره أوّل مرّة ... أوّل لمسة حب ...
فقط لو قال " نعم سأسهر" ... لكنت الآن أعلّمه من أين تأكل المرأة .... سأعلّمه كما تعلّم فيا الكثير غيره .... لكنه إعتذر بالتعب ... إعتذار جعلني أتراجع ... تراجعت حتى ذكرت لبن أمي ندما ...
ربما هكذا أحسن ... لقد تعجّلت راهنت بحياتي الهادئة في بيت فريال .... زوجها شيخ مريض ... لا خوف منه بل الخوف عليه ... إبنتها كالبلسم لا يسمع لها صوت ... أوّل بيت أسكنه ولا أفترش أرض مطبخه ...
غرفة خاصة ... معاملة جيّدة ... فريال سيدة طيّبة أكثر من اللزوم أحيانا ... يكفي أنها تفني شبابها تعتني بزوجها رغم فارق السن ... مغامرتي مع هذا الشاب الغريب يمكن أن تهدم قصر أحلامي هذا ... رغم حنقي لرفضه عرضي لكني أغلقت باب غرفتي سعيدة بالنتيجة ... أطفأت النور ...
إستلقيت على فراشي أريح رجلي من تعب الوقوف طيلة اليوم ... رفعت رأسي لأعلى السقف أراقب أشعة فوانيس تتراقص قادمة من بعيد ... شفاهي تتبسم فخرا بنصري ... بإفلاتي من فخّ تلك الخادمة ...
لم أنسى نظرة عينها وهي تضع الباقي في جيبها بالمطبخ ... هي أقدم مني بالعمارة ... تعرف كلّ التفاصيل .. تحسدني على ما أجنيه من الخدمات البسيطة ...
خدعة قديمة ... تطلب مني السهر معها ثم تتهمني أني كنت قليل الأدب أو حاولت معها شيئا ... تعتقد أني غرّ صغير ... لكن هيهات ... صلاح حدثنا بألف قصّة حصلت معه هكذا ... سأحاول أن أتجنبها ولنرى ما يكون ... على أثر تلك الفكرة أغمضت عيني ... لا أعلم كم الساعة لكني أريد النوم ... سريري يسحبني ... وجفوني تثقل ... المكان مريح ... فقط تلك الكراتين هي التي تزعجني ... تخنق براح الغرفة ....
على صوت الفجر فتحت جفوني ... نشاط عجيب يملأ صدري ... رغبة في الحياة تشدني ... بللت وجهي طاردا أثر نعاس يرسم على عيوني ... خرجت أتسحب عاريا ألتقط ملابسي من على السلك بالسطح ...
ضوء سيّارة يمر على حافة سور السطح ... مددت رأسي مستطلعا الأمر ... الفتاتان رجعتا من عملهما ... تخرجان منتصف الليل وتعودان فجرا ... عدت لغرفتي شاكرا قبّلت قطعت خبز بقيت في طبق العشاء ... حالك أحسن من حال بعض الأغنياء ... أقل شيء أنت تنام ليلا كبقية الخلق ...
قضمت تلك القطعة أخدع بها عصافير بطني ... غسلت الأطباق ... ربما تستعملهم حبيبة ضدي إن تركتهم على حالهم ... الإهمال ربما يكون ورقتها الثانية لمحاولة طردي ... نزلت أتفقد مدخل العمارة ... نظّفت الأرضية ... المدرج الخارجي ... رويت بعض النباتات ... لمّعت زجاج الباب ... جلست انتظر نداء الدكتور ... الوقت تأخّر ولم يصح من نومه بعد ...
ربما هو يوم راحته ..وإن يكن ألن يطلب مني شيئا ... ألن يعطيني شيئا مقابل الخدمة ؟؟؟ بدأت حسابتي تتلخبط وقرص الشمس يصارع بعض الغيوم ... حركة السكان بدأت تنشط ... ندمت على ساعات نوم أهدرتها عبثا ...
خرج ثلاث أزواج دفعة واحدة لم يكن الدكتور أحدهم ... لم أركز في وجوههم رغم أن حناجرهم أكثرت من الهمهمة ... همهمة إختفت بدوي محركات سيّارتهم ...
سؤال واحد يشغل تفكيري ... أين الدكتور ؟؟؟ سيّارته غير موجودة ؟؟؟ ربما غادر مبكرا ... طبيعة عمله صعبة ... ربما حالة مستعجلة تطلّبت مغادرته ...
قطع توقف حافلة المدرسة تفكيري ... العفريتان ينطلقان بأدب شديد من باب العمارة مباشرة نحو الحافلة التي غادرت مخلّفة رائحة عجيبة ...
السيدة المحجبة تخرج دون الإلتفات نحوي ... لم توصني بالعناية بأطفالها ... يوم عمل مثقوب لا بقشيش فيه ... خاب أملي ...
كعادة هذه الرقعة السحرية ... الفراغ القاتل ... فراغ بدأ يصرخ في بطني ... داعبت بعض القطع النقدية في جيبي ... ربما سأنفق القليل لتدليل نفسي ... توجهت نحو المخبزة ... قابلتني البائعة البشوشة بوجه ألف قدومي ...
وجهها بلل جفاف الغربة في صدري ... أخذت ما إشتهت نفسي وإنصرفت حرجا من عينيها اللتان تتبعاني ... في آخر الطريق لمحت عربة ذلك الرجل ... ينظر يمينا وشمالا ... إبتسمت في وجهه أداري خجلي من جهلي ... رد الإبتسامة مصبحا عليا ...
- صباح النور ... ماعندكش حاجة للبيع اليوم ؟؟
- حاجة كيف شنوة ؟؟؟
- أي حاجة تصلح ... آلات كهربائية ... كتب قديمة ... ملابس ... بلاستيك ؟؟؟
- (... كأنه يصف الكراتين بالغرفة ... رحت أفكّر ولم أردّ عليه ... )
- شبيك ساكت ؟؟؟
- لا شي ... كنت نفكّر ... تعدى غدوة الصباح تو نشوف شعندي
- نجيك غدوة .... أما على شرط عاوني في السوم ... خليني ناكل معاك خبزة
- لا إطمن مش حنختلف في السعر ... تعالى بكرة بس ...
رجعت لمكاني قرب باب العمارة ... لا شيء في هذا المكان يتحرّك ... لا أحد يحتاجني ... صعدت للسطوح ... تأمّلت المكان ... الأفق كلّه جامد ... إلا من طائرة تشق طريقها عبر السحاب ...
دخلت الغرفة وبدأت أسحب الكراتين خارجها أرصفها تحت الحائط ... قسّمتها أكداسا حسب محتوياتها ... الكتب لوحدها ... الملابس القديمة لوحدها ... اللعب في مكان آخر... آلات كهربائية قديمة لا تحصى ... مسجلات ... تلفزيون قديم ... لواقط فضائية ... بالإضافة لكيلمترات الأسلاك الكهربائية ...
كنت منهمكا بلف شبكة من الأسلاك ... أصابع تزيّنت أظافرها بطلاء أحمر تقف أمامي ... رفعت رأسي تدريجيا ... قدمان متينتان ... قصبتا رجل متوازيتان ... ركبتان مدورتان يتلامس جلدهما الناعم مع قماش أبيض ...
رفعت رأسي فجأة وقد تملّكني الرعب ... حبيبة تقف أمامي تراقب ما أفعل ... إلتقت عيني المرتعشة بعينها المكتشفة ... كنت انتظر النهاية من شفتيها ... شفتاها اللتان إبتسمتا لي ...
تلك البسمة أعادت الدم لعروقي ... نهضت أقف على قدمي ... تقابلت عينانا ... لم أستطع الكلام فبادرتني هي ...
- صباح الخير ... فاش تعمل ؟؟؟
- لا أبدا ... كنت بنظّف الغرفة ... أصل الكراتين مش بتخليني أتحرّك على راحتي
- أحسن حاجة عملتها ... قلتلهم من بكري تخلصو منها
- يعني أعمل فيها إيه ؟؟؟
- لوّحهم ... أرميهم في مكب الزبلة وإرتاح ورتحني ...
- يعني والسكان مش حينزعجو لو رمتهم ...
- ينزعجو ليه ... دول مرميين هنا من قبل ما أجي أشتغل هنا ... أصلا هما بتاكثرو لوحدهم ... كل سنة بيزيدو ...
- لو حابة كده ... تحت أمرك (كنت سأطير من الفرحة أن الأمر كان بتلك السهولة)
- باهي إيجا حاجتي بيك في قضية ...
- تحت أمرك ... كل طلباتك أوامر
- بطّل الأدب المبالغ فيه داه (ضربتني على كتفي بلطف وسبقتني للسلّم ضاحكة)
ورقة صغيرة من الطلبات الكثيرة ... وورقة نقدية ... طرت نحو المغازة ... تجوّلت في تلك النواحي إكتشفت السوق ومحلات الجزارة ... الخضروات ... هي تشبه الأسواق التي رأيتها في أرجاء العاصمة في الأحياء الشعبية ... لكنها نظيفة ومرتبة أكثر ...
رجعت بسرعة البرق سعيدا بنجاحي ... وضعت الطلبات على الطاولة والباقي ... لم أفكّر في الحصول على قطعة منه ... تنازلت عنه لحبيبة ... وصعدت للسطح ... أخرجت كل محتويات الغرفة ...
لحقتني حبيبة تحمل سطلا وممسحة ... أصّرت أن تنظّف هي الغرفة بيديها ... لم أستطع إقناعها رغم محاولاتي ... إنشغلتُ في ترتيب الكراتين بينما تركتها تعمل ...
سمعتها تناديني من الداخل ... وقفت طويلا أراقب شكلها ... تنورة سوداء قصيرة يكتنز لحم فخذيها الطريين تحتها ... تيشرت أبيض شفاف تطلّ من تحته حلمات صدرها البنية دون خجل ... لقد تخلّصت من الميدعة البيضاء التي كانت تخفي جمالها تحتها ...
جمالها هزم خوفي منها ... أطلت الوقوف عند الباب ... لم تستمع ركبي لطلباتي عقلي بالتحرّك ... طلبت مني أن أنظف بعض بقايا العنكبوت في أركان السطح ... قالت أني أطول منها وسيكون الأمر سهلا ...
إستعنت بذلك الصندوق لأعتلي عليه ... بدأ الصندوق يرتجف من تحتي ... كدت أقع من فوقه ... تقدّمت حبيبة وسندتني خوفا عليا ... يدها تلامس بطني ... حرارة جسدي بدأت ترتفع كالحمى ... دون أن تشعر لامست أصابعها حلمة صدري ...
إرتعاش الصندوق تحتى كان أهون من رعشة القشعريرة التي هزتني ... تسع على سلّم رشتر عطّلت عمل أعضائي ... أنهيت تنظيف ذلك الجزء بسرعة ... نزلت متحاشيا أن ألتصق بها أكثر ... حاولت جاهدا أن لا أرتعش في بقية أرجاء الغرفة ... لم أرد على أسئلتها لم أسمعها أصلا ... الحرارة ولّدت طنينا أصمني ...
إحمّر وجهي وإحترقت خدودها ... حملت معداتها وإنصرفت ... لم تودعني ولم تكلّمني ... كنت متأكدا أنها ستغضب مني ... إنتصاب قضيبي لا يمكن أن لا تكون قد لاحظته ... غصصت بمرارة الخجل ... ماذا ستقول عني ؟؟؟ ...
مرت بقية ذلك اليوم و ضميري يخزني كلما تذكّرت ذلك الموقف ... حبيبة سيدة محترمة ... أكبر مني سنا بكثير ... ربما أنا أخطات التقدير ... هي تتقرّب مني كأخ صغير يونس وحدتها ... ربما تشعر أننا ننتمي لنفس الطبقة ... لم تكن تريد الشرّ لي ... ولا يمكن أن تنظر سيدة بجمالها وفي سنّها لمن هو مثلي ...
إنتظرت قدومها ليلا ... عبثا ... لم تناديني حتى لأخذ طبق العشاء ... عقوبة صارمة منها على فعلتي ... لم أفعل شيئا بمحض إرادتي ... لمساتها البريئة هي من فعلت بي ذلك ... أغمضت عيني محاولا النوم ... بطني الفارغة بدأت تقرصني ... ندمت على فعل لم أرتكبه
خنقني الندم حتى طار النوم من عيني ... السيدة فريال تشاهد التلفاز في الصالون ... هي أيظا تفكّر ... دخلت المطبخ دون إحداث جلبة ... وضعت كأس الشاي على الطاولة ... وتهت في التفكير ...
بدأت أجلد نفسي على تسرّعي ثانية ... كيف يراني ذلك الشاب ... كنت قررت صرف النظر عنه ... من تجاهلني في المرة الأولى لن يرضخ في الثانية ... لم أستطع كبح جماح نفسي ... نظراته لقدمي أثارتني ... هدمت كل سدود المقاومة في روحي ... نظراته وهو يرمقني في غرفته تخرق صدري ... رعشته أول ما لمست يدي صدره ... هي نفس الحركة التي صدرت عن حبيبي منذ سنين خلت ... تلك القبة تحت بنطاله سحرتني ... سحبت عقلي وتفكيري ...
بين منذر هذا ومنذر ذاك ... أشعلت سيجارة ... وحاولت عدم التفكيرفيه ثانية ... هل سأقدر ؟؟؟... هو يمرّ أمامي في كل مكان ... وجوده أصبح يأسرني ... وضعت يدي على خدي ورحت أتخيّل ليالي حمراء نذكي نارها معا ... في كل مكان ... في السرير ... في المصعد ... على السلّم ... تلك القبة تخفي كنزا ثمينا ...
لم أستوعب بعد أن ذلك الشاب الصغير يرفضني ... ألم أعجبه ؟؟؟ ... لا أبدا لقد رأيت قضيبه ينتصب تحت بنطاله ؟؟؟ ربما كنت أتخيّل ؟؟؟ أحرقتني الأسئلة ولسعتني جمرة عقب سيجارتي ...
رفعت رأسي من على الطاولة ... مدام فريال تنظر لي بحنيّة مستفسرة عن سبب حالتي ... رأسها يطلّ من باب المطبخ ... تقدّمت نحوي بخطوات هادئة ... سحبت كرسيا وجلست تقابلني ...
- مالك يا حبيبية فيه إيه ؟؟؟
- حتى شي ؟؟؟ عادي ؟؟
- إيه هو إلي عادي ؟؟؟ بقالك يومين ساكتة ومبلّمة وحزينة ؟؟؟
- شي ... حاسة روحي مخنوقة شوية ؟؟؟
- خير ؟؟؟ إحكي يمكن أقدر أساعدك ؟؟؟
- إنت إلي فيك مكفيك ؟؟؟ باش نزيدك همي معاه ؟؟؟
- إنت مش بتقولي إني أنا زي أختك ؟؟ همنا هم واحد
- مش هذا الموضوع ... إنت مهمومة خلقي ... مش ناقصتني ...
- يا بنت إحكي ... فيكي إيه ؟؟؟
- قتلك شي ... تخنقت من الوحدة والفراغ ... الروتين ...
- يعني وكل داه حسيتيه من يومين ؟؟؟
- مش بالضبط ... بس إحساس بالوحدة خانقني
- طب ما تخرجي تغيري جو ؟؟؟
- أخرج ؟؟؟ أروح فين ؟؟؟
- وين يجي ؟؟؟ إمشي أعمل دورة في الأسواق ؟؟ أعمل قهوة ؟؟ شوف العباد ؟؟؟
- إنت تعرفي إني ما بحبش الأسواق والقهاوي ... وكمان أنا ما بعرفش حد أرحله
- هو لو خرجتي بس مرّة حتتعودي ... حتعرفي ناس ... وكمان البيت مش محتاج إنك تقعدي فيه على طول ...
- لا لا سيبني هكا ... تو نتعوّد و وبعد نوحل ...
- لا عادي .. كان تحب تخرج ... تنجم تخرج وقت تحب ...
- طيب ما تيجي نخرج مع بعض ؟؟؟
- يا سلام ... وتوفيق نسيبو مرمي هنا لوحده ؟؟؟
- صح هي مشكلة ...
- الواضح إنها مشكلتك إنتي ومش حابة تتكلمي ... أقوم أنام ....
كنت على قاب قوسين أن أخبرها لكني تراجعت ... علاقتي بمدام فريال شبه رسمية رغم أنها سيدة ودودة ... ربما تقاربنا في السن فرض ذلك ... لكن لم أتخيّل أن أشاركها مشاعري ... هي ليست مشاعر ... هي رغبة تتقد كلما نظرت في وجهه ...
ربما أسترجع ذكرياتي مع حبيبي فيه ... الشوق لحضن دافئ ... لعضلات شابة ... للمسات تستكشف الدنيا بين ثنايا جسدي ... شعور عجزت عن تفسيره لنفسي فكيف سأشرحه لغيري ... أنا أصلا لم أشارك أبدا في حياتي أحدا في ما أحس ...
جرفني التفكير ... يجب إنهاء الأمر ... سأحاول أن أغلب رغبتي وينتهي الموضوع ... سأعود كما كنت فلا فريال تنزعج ... ولا منذر يضطرب ... ولا أنا أتألّم ....
لكن هل سأقدر ... إستجمعي قوتك ... أنت التي تركت حبيبها وغادرت دون وداع ... أنت التي عافرت الزمن وغالبت أمواج الحزن ... ربما هو الفراغ العاطفي والجسدي من يقودني .... تركت المطبخ ... ودخلت غرفتي ... تخلّصت من ثيابي كلّها .... ودلفت سريري .... أستجدي نوما ينقذ عقلي من التفكير
أغمضت عيني محاولة النوم ... شيء ما يبدو غير طبيعي في ما يحدث ... حبيبة متغّيرة منذ أيّام ... منذ إصابة توفيق وهي على غير طبيعتها ... تائهة تفكّر ... فيما تفكّر .... كنت متأكدة من يوم دخلت بيتي أنها تعمل لصالح إخوة توفيق ... لم تترك البيت لحظة منذ دخولها .... تراقب حركاتي ... تتابع دخولي وخروجي ... لم تأخذ يوم راحة ... إصرارها على رفض عرضي بالخروج للتنزه وتغيير الجو يؤكد شكوكي ...
هي موفدة من قبل أحد إخوة توفيق ... تتجسس عليا ... تنقل أخباري لهم ... إصرار توفيق على تعيينها معينة في البيت رغم أني لم أطلب منه يوما ذلك ... منذ دخلت البيت وأنا متوترة .... لم أجد معها وسيلة ... لصالح من تعمل ؟؟؟؟
سؤال لم أجد له إجابة ... كنت دائمة ودودة معها أعاملها كأخت علّها تميل لصالحي ... خلت أن كرمي معها سيجعل ولاءها لي ... لم أنجح بعد في ما أخطط له ...
ضوء رفاف يخرق ظلمة الغرفة .... رفعت عيني للسقف ... رائحة الأدوية التي طالما خرقت أنفي ... نفس الرائحة منذ دخولي لهذا البيت منذ 5 سنوات ... نفس الدهان والأثاث والألوان ...
توفيق ينام في سريره الطبي ... نصف حياتي معه في المستشفيات ونصفها أمرّضه في البيت ... لم يكن يوما سيّئا معي ... رغم بخله لكنه لم يحرمني من شيء يقدر على توفيره ... الملابس ... العطور ... المجوهرات ... لكن ما نفعها ... لمن تتزين المرأة إن لم يجاورها رجل ... رجل يهز كيانها ... يرجّ دمها ... تئن تحته ... يخرق هدوء جسدها يلهب نارها ... نار لم تزل تشتعل بداخلي منذ طلاقي من زوجي الأوّل ...
كان رجلا ... أو لنقل ذكرا بحق ... ليالي طويلة لم أجد فيها الفرصة لإراحة رجليا من التعلّق في السقف ... رغم كل ما فعله بي فإني أحن إليه ... أموالي وبيتي وكل ما ورثته عن أهلي ضاع وراء مغامراته ... بورصة ومشاريع فاشلة ... مطعم ثم كافيتيريا ثم مقاولات ... بددت وراء أفكاره مالا لا يحصى ولا يعد ... كان يقودني بزبه ... نعم بزبه .... لم أكن أستطيع رفض طلباته ... كنت أخشى أن أحرم من تلك المتعة ... متعة لم أذق مثلها رغم مغامراتي العديدة قبله ...
تقلّبت على سريري أشيح بوجهي عن شبه جثّة توفيق ... نظرت نحو الشباك ... نور خفيف يجاهد ليخترق ستائره ... نور إشارة بنفسجية شفاف ... نفس النور الذي إنعكس على قميصه الأبيض يوم قابلته أوّل مرّة ... في علبة ليلية ... حياتي كانت ملاهي وعلب ليلية ... كافيهات وطاعم والشلّة ....
أفيق من نومي عند العشاء ... أتقابل مع شلّة بنات من طينتي ... نذهب لأحد الكافيهات ... ندخّن ... نأكل ... نسهر حتى يقترب منتصف الليل ... ثم نلج ملهى ليلي صرنا أحد أعمدته ... طاولة خاصة بنا تتصدّره ... نشرب حتى نثمل ... نرقص حتى ننهك ثم أفيق لأجد نفسي بين أحضان شاب ... شباب الملاهي أغلبهم من الطبقة الراقية ... رخويات في شكل بشر ... نحن رخويات وهم رخويات ... لا نعمل لا ندرس لا نفكّر ... فقط نصرف ما يجنيه أهلنا ...
مروره أمامي يعانق فتاة أجنبية سحرني ... كرهتها ... وعشقته ... حفت رجلي للوصول له ... شاب صلب ... يدرس ويعمل ويسهر ويخرج ويجتهد ... يمتعن عمل التبزنيز ... دولاب كامل كان يدور حول السياحة أيام كانت عندنا سياحة ... شبّان يعتمدون الوسامة طريقا ... يتعرّفون على الأجنبيات ... يتقنون كل لغات العالم نطقا ... يتقربون منهن ... يقضمون أموالهن ... يوفرون لهن ما جئنا لبلدنا بحثا عنه ....
جاذبية عنيفة جعلتني ألتصق به ... عضلاته صلبة ... رقبته متينة ... أكتافه عريضة .... وسيم لدرجة لا تقاوم ... لم يقاوم عرضي بالزواج منه ... لم يمنعني أحد رغم أن الكل عارضو ذلك ... كنت أعشق تراب رجليه ... فوضع التراب على رأسي ...
ينيكني ليل نهار ... متعة نيك الليل تنسيني خيبة نيك النهار ... في الليل ينيك جسدي وفي النهار ينيك أموالي ... ثروة كنت أتباهى أمام صديقاتي بأنها لا تنفذ ... لكني أخطأت هن لم يكن صديقات و ثروتي تبددت ... ذابت ... أحرقتها نيران عشقي لرجل مغرور غبي ... لكنه كان رجلا ... بالمعنى الجسدي ...
يوم نطقت القاضية حكم الطلاق وصلني إعلان من محكمة أخرى بالحجز على قصر والدي ... نعم قصر بأتمّ معنى الكلمة ... لم يكن هناك من بد سوى الطلاق ... إنتهت الأموال وفشلت مشاريعه تباعا ... فإنتهى الحب ... وبالطبع إنتهى الجنس ... كثيرا ما سمعت أن ملايين الرجال حطّمتهم أزبارهم ... أنا فقط من دمرها كسّها ... كسي الذي إقتصرت علاقتي به الآن للدخول للحمام ... رغم أن ناره لا تنطفئ ... إنتقام منه تركته يشتعل ... يغلي ... علّه يتوب .... لم يقف بجانبي أحد ... تخلّى عني العالم ... فقط توفيق هو من ساندني ... لم أجد حلا سوى الزواج به ... وإن كنت يوما أناديه عمي ... كان صديق والدي ... وإن كانت ثروته لا توازي ثروة أبي لكنه من أثرياء القوم ... زواجي منه كان لحفظ ماء الوجه أمام المعارف ... لكني سيرتي بقيت تلاك في جلساتهم ... إعتزلتهم رويدا رويدا ... ثم إعتزلت العالم ...
هذه هي حياتي ... من تبعت قلبها لترضي كسّها ... خسرت كلّ شيء ... زوج عجوز و إبنة تذكرني بخيبتي مع زوجي الأوّل ... لقد فشل في كل شيء حتى في أن يزرع في بطني بذرة سليمة ... مشاكل ذهنية ومشاكل في النطق ...
منذ تعكّر حالة توفيق بدأ إخوته يتحلّقون حوله ... يحومون حولي ... لو علموا أنه تنازل لي عن كلّ ممتلكاته ستكون نارا وأضرمت حولي ... من سيقف معي ضدّهم ... توفيق لم ينجب رغم تعدد زيجاته سوى بنت تركته وهربت بعد إنتحار أمها منذ أكثر من عشرين سنة ... عاهدته أني سأحافظ على ثروته لحين عودتها لو عالجه الموت ... عهد قطعته أمامه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ... لكن بمجرّد آن أمضى ذلك العقد حتى نسي ملك الموت مهمته ... أصلا صار يقوم بأعمال الصيانة بنفسه ويمارس رياضة المشي ... ومادام حيا يمكنه التراجع في العقد ... وإن مات موت غير طبيعي لن يتهم أحد غيري بقتله ... صرت مرعوبة من ذلك ... إخوته ذوو نفوذ وأنا وحيدة لا سند لي ...
هكذا سرقت سنوات عمري وأنا أمرّضه وأحرص عليه ... فجأة دخلت حبيبة هذه حياتي ... لم أضبطها تفتش أوراقي ... لم أرى منها ما يؤكد شكوكي لكني متأكدة أنها موفدة مدسوسة عليا من قبل إخوته ... لم أفهم لماذا ؟؟؟ لا سبب مقنع رغم أن تصرّفاتها كلّها طبيعية لكني أشك فيها ... نور أحمر يضيء من سرير توفيق يعلمني أن كيس السائل المغذي يكاد ينفذ ... قمت متثاقلة لتغييره ... لون توفيق شاحب جدّا ... كسر في الحوض مع كلّ تلك الأمراض لن ينجو منها ... ولن أترك ذلك الشاب يغادر حتى أتأكد أن كل شيء سينتهي لصالحي ... هو من أحضره مصابا ... شاهد إثبات ونفي لصالحي ... كاميرات المراقبة تؤكّد ذلك ... إن حوّل إخوته القضية لقتل من أجل الإرث ... سيحمل هو وزرها أو يؤكد سلامة موقفي ... مسكين ...
لست شريرة لكنها آخر رصاصة في جيبي ... حقيقة أتمنى أن ينتهي الأمر بسلام ... لا أريد الضرر لأحد ... كلما ذكرت إقتراح حبيبة بأن نعينه حارسا بالعمارة ... يرقص قلبي طربا ... لا هذه العمارة ولا مثيلاتها تحتاج حارسا ... هذا ما قاله توفيق عندما طرد الحارس السابق ... لكني وافقت ... وجوده ضروري إلى أن ينتهي الأمر ...
فقط هي حبيبة من أخشاها ... أه لو تفتح قلبها لي ... لو تصارحني بما يخططون ضدي ... سأكافئها حتى تنسى الفقر ... لكني لا أضمن ولائها ... أصلا أنا لا أصدّق أنها معينة منزلية رغم براعتها في عملها ... لكن عينيها تقول أنها من طينة أخرى ... تراقبني بعين ثاقبة ... تتملى في كل تفاصيلي ...
إحترت ماذا أفعل ... لمن ألجأ ... من يريح قلبي ... رحت أجول بممر البيت ... دخلت الصالون ... المطبخ ... غرفة إبنتي ... ملاك مسكين ينام غير مبالي بما يعتريني ... جثة هناك وجسد بلا روح هنا ... دخلت سريرها ... هي جميلة رغم كلّ شيء ... تخيلوا أمّا لم تسمع كلمة ماما ... وزوجة بلا زوج ... وغنية بلا ثروة ... ما هذا الوضع ... أغمضت عيني .... صوت الفجر يحث الكون على النهوض ...
على صوت ينادي من مئذنة بعيدة فتحت عيني مثقلا بأفكار حوّلت سريري لأشواك ... ذكرى ما فعلته بحبيبة أو ما فعلته بي قض مضجعي لم أستطع النوم إلا النزر اليسير ... عليا إصلاح الأمر ... يجب أن أصالحها ... يجب أن أجد طريقة للإعتذار ... لم أفعل شيئا قصدا ... هي إمرأة ناضجة وستفهم ... قمت متكاسلا ... بعض الماء البارد على وجهي أطرد به كسلي ... لبست ثيابي وخرجت ... حملت الكراتين ... وضعتها تباعا أمام المصعد في الطابق الثالث ... عيني تراقب باب شقة فريال ... تمنيت خروج حبيبة لتنهي ألمي ... سأعتذر منها ... سأقبّل قدميها أن تسامحني ...
تطلّب مني إخراج الكراتين وقتا وجهدا طويلا ... نقلتها قرب مدخل المجمع ... وعدت أرابط مكاني ... الشمس برزت في السماء ولم يخرج احد من العمارة ... ولا من العمارات الأخرى ... لم أفهم السبب ...
لمحت صديقي تاجر الخردوات يقف قرب باب المجمع ... هرولت نحوه ... إستبشر بوجودي بعد يئس ... راح يقلّب ما وضعته أمامه ... بدأ بالآلات الكهربائية ... يضعها ثم يكتب في ورقة صغيرة ... رصفها بعناية ... ثم كراتين الملابس .. ثم الألعاب ... حاول جاهد إيجاد مكان للكتب والأوراق ...
راح يعد ويحسب ... يجمع ويضرب .. بدا وجهه يتقطّب ويعبس قليلا ... ظننت أني بضاعتي لم تعجبه ...
- شبي خويا ؟؟؟ لاباس ؟؟؟
- لا لا مافيش حاجة ؟؟؟
- شايف وجهك تبدّل ؟؟؟ شفما ؟؟؟
- لا أبدا ما فيش حاجة ؟؟؟ بس في مشكلة صغيّرة ...
- شفمّا ؟؟؟
- أصلي ما كنتش عامل حسابي في السيولة الكافية (سحب من جيبه رزمة أوراق نقدية وراح يعدها ... وضعها في يدي) دول 300 دينار ... والباقي حأدفعو على مرتين ثلاثة ... موافق ؟؟؟
- (لويت شفتي أن لا ضرر ... أصلا كنت مصدوما من قيمة تلك الخردوات) خوذ راحتك خويا ... الناس بوجوهها
- أصلا إنت وشك أحسن من فلوس الدنيا ... بكرة أوزن الكتب وأبيعها واحاسبك ... وعشان موقفك ده مش حآخذ نسبتي ...
- وحدك يا معلّم ... تحب نحضرلك حاجة أخرى
- مش دلوقتي ... خليني أتصرّف في دول ونتحاسب وبعدين نشوف
- مشات معاك
بدأت بطني تقرصني من الجوع ... الحي فارغ إلا من ظلي .. ركضت نحو المخبزة ... المال يعطيك جناحين ... روحي تطير فرحا ... قابلتني البائعة بسرور العادة ... كانت لوحدها ... إخترت بعض المرطبات ... لفتها لي ... جوعي دفعني لقضم أحدها ... أشارت لي بالبقاء لتناول فطوري ...
قدّمت لي كأس عصير من وعاء يدور أمامها ... وجهها جميل ... قصيرة القامة ... مملوءة قليلا لكنها ليست سمينة ... إستغلّت إنعدام الزبائن في ذلك الوقت وتقدمت نحوي تسألني من أكون ... حصّة تعارف قصيرة ... إرتحت لتلك الفتاة ... شعرت بالألفة نحوها ... ربما لتقارب الوضعيات ... تذكّرت حبيبة ... يجب الإعتذار لها ... هدية قيمة ربما تنسيها ما حصل ... تجرّأت وسألت صديقتي الجديدة ... قالت بخجل أن علبة مكياج وزهرة تفي بالغرض ... ربما علبة شكولاطة ... أنكرت إقتراح العطر ... قالت أنه يفرّق الأحبة ... خرجت معي ترشدني لمحلّ سأجد فيه ضالتي ...
توجهت نحوه ... سكان العمارة في سبات ... اليوم عطلة نهاية الأسبوع ... لا أحد يعمل ... دخلت المحل المحدد ... روائح شموع عطرة تسحر القلوب ... بائعتان أنيقتان ... استقبلتاني بترحاب رغم إمتعاضهما من شكلي .. طرحت عليهما طلبي ... وضعت إحداهن أمامي صندوقا على شكل قلب حب أحمر ... كريمات ترطيب ... مكياج ... علبة عطر صغيرة ... قالت أن سعره مناسب ... لم أهتم ... المهم أن يعجب حبيبة وتسامحني ...
دفعت ثمنه ورحت أراقب دقة عمل البائعة وهي تغلّفه ... همهمات ساخرة مني وصلتني رغم حذرهما وأنا أغادر ... رجعت للحي طائرا من الفرحة ... إعترضتني سيدة تجري ... لباس رياضي رمادي مخطط بالأسود .... وجهها شديد البياض رغم حمرة قليلة على الخدود بسبب الجري ... سمّاعات تتدلى من أذنها ... صدرها يهتز مع كلّ خطوة تخطوها ... إهتزاز دغدغ ما بين فخذي ... تنفست الصعداء عندما مرّت بجانبي ولم تلاحظ وجودي أصلا ... إن كانت الخادمة كلّفتني ربع ما أملك علّها ترضى ... هذه ربما أبيع إحدى كليتي ولا أوفي ثمن إرضائها ... يجب إيجاد حل لقضيبي هذا ...
صعدت للغرفة وصورة الثديين يهتزان أمام عيني ... أخفيت الهدية ورجعت أرابط قرب الباب ... جلست على الكرسي أراقب تلك الفاتنة تلف ركضا حول الحديقة ... إهتزت الدنيا من حولي مع إهتزاز ثدييها وهي تقفز درجات السلّم قرب الباب ... عينان ناعستان رمقتني بهما وصوت عذب وصل مبتسما لأذني " صباح الخير " ... تصلّب لساني ... ربما نطقت بالرد على تحيتها وهي في بيتها ... إبتسامة سحرتني .... جلد أبيض ناصع حرق بصري بمرور زندها الطري أمامي ... من تكون ؟؟؟ لم أرها سابقا ؟؟؟ أين تقيم بالعمارة ؟؟؟ ... صوت نداء من الجهاز أفزعني ... حبيبة تطلب مني الصعود ... دخلت الشقّة وجلا ... قابلتني ببرود شديد ... هي تدبّر لي أمرا ... قالت أن اليوم يوم عطلة يمكنني الراحة قليلا ... ثم وضعت في يدي ورقة طلبات من السوق ... قالت أنها ليست مستعجلة ...
خرجت وقد ملأني الرعب ... حبيبة تدبّر لي أمرا يجب معالجة الموقف .... ساقتني قدمي لا أدري أين ... كنت كأطفال تلك القصّة أعلّم طريق عودتي بعلامات خشية الضياع ... على مسافة ليست بالبعيدة ... يسكن بعض الشعب ... أناس مثلنا ... جلبة وضوضاء ... حركة وحركية ... صراخ ولعب ... مقاهي تنصب كراسي على ناصية الطريق ... وجوه روّادها مشققة أكثر من أرصفة الطرق ...
توقّفت كثيرا أمام محلّ حلاّق ... شعري طال حتى صار يؤلمني ... بعض شعيرات بدأت تغزو ذقني ... كان المحلّ فارغا ... لم أشعر إلا بصوت يسحبني للداخل ... ثلاثيني يستقبلني بترحاب شديد ... نبرة صوته أقرب للأنثى منها للرجل ... أجلسني على الكرسي ... بدأ يمطط عضلاتي ... حركات يديه الرقيقة لا تعكس القوة الكامنة في أصابعه ... إستسلمت له غصبا عني ... فقط طلبت منه أن يحسن عمله ... تهلل وجهه لثقتي به ...
أعمل المقص وآلة القص في شعري ... موس الحلاقة يمر على جلد خدي ... قناع أسود على وجهي ... *** وطين وروائح تدخل منخاري ... طال عذابي تحت يديه ... رفعت رأسي من المغطس محاولا إرضاء فضولي مطلا من تحت المنشفة التي يمسح بها شعري ... أتم تسريح شعري وتثبيته بمادة لزجة ...
لم أعرف نفسي ... وسيم وجميل ... هكذا قال الحلاّق ... وقفت طويلا أمام المرآة أراقب التغيير في وجهي ... تغيير أسعدني ... سعادتي قادتني لمحلّ ملابس غير بعيد ... أسلوب جميل وخبيث إعتمدته ... من لا يعرف ما يفعل يترك غيره يفعل له ... فقط إمدح ذوق الآخر وسترى العجب ... هكذا كان البائع يتفانى في توليم الملابس على قياسي وذوقه ... أسعاره مقبولة رغم أن بضاعته جيّدة ... أعطاني كيسا فيه شمبو وعطر وآلات حلاقة وصابون ومثبت شعر ... لا أعلم السبب لكنه قال أنها هدية من المحلّ ... طرت للبيت مثقلا بأكياسي وأكياس طلبات حبيبة ... ما جنيته صباحا أنفقته مساءا ... لم يتبقى لي سوى ثمن علبة سجائر ... إشتريتها وإنتهى موضوع المال ... رغم فلسي كنت سعيدا ... دخلت شقّة فريال ... حبيبة مشغولة بالمطبخ ... لم تلتفت نحوي ... وضعت الطلبات فوق الطاولة ... وخرجت مسرعا ... صعدت غرفتي قفزا ...
نزعت ملابسي إستحممت ... أوّل مرّة أستعمل الشامبو ... شعري ناعم جدا ... وجهي ناعم جدّا ... حلقت إبطي ... نظرت ما بين فخذي ... غابة من الشعر الكثيف ... لم يتبقى سواك ... سأحلقك ... كانت هذه أوّل مرّة ... دهنت المكان بالصابون جيّدا إستعملت آلة الحلاقة بحذر ... أعتقد أن الشعر كان يقلل من حجم قضيبي ... تغيّر شكله كما تغيّر شكل صاحبه ... تنشّفت ... لبست بوكسرا جديدا ... ودعت ثقوب الزمن في القديم ... تيشرت أبيض عليه رسم نسر لمّاع ... بنطلون أسود من القطن ... جوارب بيضاء ناصعة ... إستعملت المثبت سرّحت شعري ... تعطّرت ... وقفت أمام المرآة ... عضلات صدري بارزة كتفاي مشدودان للأعلى رقبتي ناعمة نعومة الحرير ... شعري منسدل على جنب كبطل أفلام إيطالي ... كرة صغيرة بين فخذي ... لم أهتم للأمر ... حتى مؤخرتي شكلها جميل ...
حملت الهدية مستجمعا شجاعتي ... ضغطت الجرس ... ثواني الإنتظار مرّت عليا دهرا ... صوت حبيبة يأتي منزعجا لما علمت أني بالباب ... عيناها في الأرض غضبا مني ... بدأت ترفع رأسها ... فمها يفتح تصاعديا مع نظرها ... تراجعت خطوة للوراء ويدي خلف ظهري ...
- يخرب بيتك ما عرفتكش ؟؟؟
- شقوّلك فيا ؟؟؟
- يخرب عقلك ؟؟؟ دا إنت بقيت مز يا ولد
- مش لهاك الدرجة ... شوية ريق وبرّة
- وبقيت تعرف تتكلّم كمان ...
- مالى شتحسابني ... (لم انتظر ردّها ... سحبت الهدية من خلفي ووضعتها بين يديها)
- إيه دي ؟؟؟ (لم تأخذ العلبة من يدي بعد)
- هدية مني ليك ؟؟؟
- (حرّكت رأسها مستفسرة عن السبب) بمناسبة إيه ؟؟؟
- لازم بالمناسبة ... هدية ... البارح في الـ...
رجعت للمقهى ... حملت فنجان قهوتي ... جلست قرب التلفاز ... أشعلت سيجارة ورحت أتابع برنامج وثائقيا عن الغابات ... شخص يبني بيتا من الشجر والتحدي هو أن يعيش أسبوعا دون مساعدة ... ما يعتبره تحديا هو الحياة اليومية لأهل قريتي ... دخل رجلان أصلعان يبدو أنهما مهمان ... طلبا من النادل تغيير القناة ... قناتنا الوطنية الثانية تنقل مداولات مجلس الشعب ... الحق يقال أن الشعب لم يعد يجد مجلسه في مجلسه ... رحت أتابع دون إهتمام ... بدأت ذكريات ذلك العناق الحميم تسرقني ... خفق قلبي بقوّة لما تذكّرت مدام سهام ... هل رأتني أعانق حبيبة ؟؟؟ ... لو أخبرت مدام فريال سنكون كلانا في الشارع صباح الغد ... ندمت على إنفاق كل مالي ... القهوة بدأ طعمها يصبح اكثر مرارة ... رفعت رأسي للتلفاز ... وجه مألوف يلقي كلمة ... كلامه يبدو ناريا ... يهاجم الجميع ... الحكومة والمعارضة والشعب معا ... نعم إنه هو ؟؟؟ الدكتور ... ساكن الشقة 5 ... زوج سهام ؟؟ ... هل هو نائب موقّر ... مباشرة لعبت أحلام اليقظة في رأسي ... ربما لو تقرّبت منه سيساعدني بحكم موقعه لإيجاد عمل قار ومسكن آخر ...
بدأت شمس هذا النهار العجيب تغرب ... منتشيا بشكلي الجديد ... رحت أجول بجانب الحي ... أكتشف المكان ... أو ربما أسمح للمكان أن يكتشفني ... بعض أحياء جهة الجنوب تشبه حينا ... نعم العمارة في تونس لم تتخلى عن طابعها الفينيقي ... وسط المدينة هو مركز الأعمال والمال ... السواحل تجتمع فيها قصور الحكام ... الأطراف شرقيها وجنوبيها للأعيان ... الشمال مسكن العمال وصغار الموظفين ... الغرب مسكن الفقراء والمقابر ... يعني موتى وهم أحياء ... إشارة جميلة للمستقبل وجيرة هادئة ...
رجعت العمارة ... لا حركة فيها ... كأن أهلها هجروها ... صعدت السطح تأمّلت الشمس وهي تغرب ثم دخلت غرفتي ... رتبت ملابسي الجديدة في الخزانة ... وضعت مستلزمات الحمام في مكانها ... نظرت لنفسي في المرآة ألاف المرّات ثانية ... كأني أتعرّف على نفسي من جديد ... بعض الملابس وتسريحة ... غيّرت شكل وقلبت كياني ... تذكّرت عناق حبيبة .... تنهدّت وأغلقت الباب ....
أغلقت الباب بقوّة ... قلبي يخفق بسرعة ... خوف وشوق وسعادة ... كلّها إجتمعت لتثير نبضي ... الدم يغلي في عروقي ... أوّل مرّة في تاريخي يقدّم احدهم لي هديّة ... هديّة أسرت قلبي كما أسرني شكله الجديد ... تسريحته ... ملابسه ... عضلاته ... رائحته التي ألهبت رغبتي لما عانقته ... هديته كانت بسبب ما حصل أمس ... هو تفاعل مع لمساتي ... ضحكت من نفسي وأن أتذكّر رعشة جسده بين يدي ... ولد قوي لكن تنقصه الخبرة ... دخلت المطبخ أحمل الهديّة ... فتحت غلافها ... شكل قلب الحب الأحمر لا يمكن تفسيره أني كنت مخطأة في الحكم عليه ... منذر تجاوب معي منذ البداية ... ربما خجله وقلّة تجربته جعلته يصدني ... ثم فكّر وقرر ... عندما إتخذت قرارا بتجاوز الموضوع من أصله ... أجده يقف أمامي متأنقا بعين حالمة يقدّم لي هدية ... تجاوب معي ... لا يهم إن كان متاخرا ... أحسست بإنتصاب قضيبه يحتك بأسفل بطني ... إشتعلت نار الرغبة في عروقي ...
أنهيت أعمال المنزل بسرعة ... المدام كعادتها تشغل نفسها بالتلفزيون ... أعددت العشاء ثم
دخلت الحمام ... نظّفت جسدي ... نفضت غبار السنين عنه ... أزلت بعض الشعيرات عن جلدي ... هذّبت شعر كسي ... إهتممت بحلاقته ... لبست أحسن ما عندي ... كيلوت حريري أبيض ... سوتيان يرفع همة صدري للأعلى .... فستان طويل رمادي ... فتحتان طويلتان حتى منبت الفخذين عن يمين وشمال ... تركت أزرار فتحة صدره مفتوحة ... سأفتح صدري للحياة ثانية ...
سرّحت شعري ... إستعملت الماكياج الجديد من علبة الهدية ... قطرات من العطر الجديد الأخّاذ تحت رقبتي ... وضعت أطباق العشاء فوق إناء كبير وفتحت باب الشقّة كفراشة يسحبها الضوء ... تقدّمت بخطى ثابتة في الممر ... نظرت لباب الشقّة المقابلة ... كأني أطمئن أن لا يفتح ثانية ويفسد عليّا فرحتي ... وضعت قدمي اليمنى على أوّل درجات السلّم المؤدي للسطح ... بدأ قلبي يخفق بقوّة ... لم أعلم السبب ... ربما خشيت أن يصدني منذر ثانية ... قررت أن أنتظر حتى يبادرني بحركة .... إشارة تؤكّد رغبته في ... لن أحرج نفسي مرّة أخرى... وصلت باب السطح ... طاولة وكراسي ... أوّل مرّة أجدها هنا ... باب غرفته مغلق ... وضعت الأطباق على الطاولة ... تقدّمت بخطى مترددة ... صارعت قبضتي التي أبت أن تطرق الباب ... لكنها إستسلمت أخيرا... صوت خافت يأتيني من الدّاخل ... إنفتح الباب قليلا ... عينا منذر تفتحان عن آخرهما وهو يتملّى في وجهي ... بدأ يكتشف جسدي من فوق الثياب ... إحمرّت وجنتاه لما تقابلت أعيننا ... حبس الكلام في حلقه ... أحسست بما يشعر به ... فبادرته بالكلام ...
- يلى تعالى إتعشى ... إنت ما جعتش ...
- ... أنا شنموت بالجوع ... جيت في وقتك
- (سحبته من يده نحو الطاولة ... إنتفض جسده لما لمست راحته) تعرف فكرة حلوة إنك عملت القعدة دي فوق السطح ... جبتها منين ...
- القهوة إلي مقابلة العمارة ... بدلو الديكور ... ياخي لقيت هاذي عجبتني ...
- ههه أقصد الفكرة ... مش الطاولة ...
- هههه الفكرة ... عندي ألف فكرة وفكرة ... غير الظروف ما تسمحش
- بكره الظروف تتغيّر (سحبت الكرسي وجلست أقابله) تسمحلي أونسك ...
- تي أنا يحصلي الشرف إنك تقعد معايا ...
- يا سلام ؟؟؟ ليه بقى ؟؟
- وحدة كيفك ... أناقة وزين وعين وقد
جلس على سريره بينما سحبت أحد الكراسي ... جلست أقابله على بعد نصف متر منه ... أمسكت كأس شاي دافئ بين يدي ... خيبة أمل تعلو وجهه حين إختفى مفرق صدري بفعل تغيير الجلسة ... سرعان ما دبت الحياة في عروقه عندما وضعت رجلا على رجل ... إنحسر الفستان كاشفا كل قدمي وفخذي العاريين أمامه ... لم يجد مكانا يهرب عينيه من نور الجلد الأبيض أمام عينيه ... أحسست بحرجه ... يده تسلل بين فخذيه بحذر يعدّل وضع قضيبه ... راح يسألني عن سكّان العمارة ... محاولة ذكية منه لتغيير الموضوع ... أفرغت جعبة المعلومات له ... أعلمته بكل ما أعلم عنهم ... أعمالهم أصولهم ... أموالهم ... علاقاتهم ...كل ما أعرفه وضعته أمامه ... كنت أحكي له ويداه لا تنفكان تفركان بين فخذيه ... إنتهت فترة جس النبض ... هو يريد ما أريد لماذا العذاب ... وقفت وتوجهت للحمام كأني أغسل يدي ... عند عودتي لم أجلس على الكرسي بل جلست بجانبه ... كنت أواصل حديثي رغم مفاجأته لم يتحرّك ولم يعترض ... بدأت أزحف تدريجيا لألتصق به ... تلك السنتمترات القليلة كانت كمحيط يفصل بيننا ... تلامس جلد فخذي العاري بقماش بنطلونه الناعم ... أوّل لمسة كانت زلالا هز كيانينا .... وضعت يدي على كتفه ... بدت كحركة عفوية بين صديقين مقربين ... وضع رأسه في الأرض ... بدأت أناملي تمر بين خصلات شعره الناعمة ... نعومة جرحت صبري ... مررت إصبعي على رقبته ... على أذنيه ... كان يقبض بعضلات فخذيه على ما بينهما كأنه يحاول حبس مارد يريد الإنطلاق ... واصلت تعمّد تعذيبه ... أو تعزييب نفسي ... بدأت يدي تداعب عضلات ذراعيه ... ثم صدره ... لم يجد حلا سوى أن حشر يديه بين فخذيه ... بدأ الإنتفاخ يرسم تلك قبّة فوق القماش .... لم أعد أنظر لوجهه كنت أستشعر رغبته من مكمنها مباشرة ... بدأت الخيمة في الإرتفاع ... إرتفاع يؤكد علو كعب وتدها ... من فارقت مشهدا كهذا منذ سنين لا يمكنها أن تصبر أكثر ... دون مقدمات ... تسللت يدي نحو قضيبه ... إنتفض لحركتي وزلزل كياني مع أوّل لمسة ... دائرة صلبة ناعمة بين سبابتي وإبهامي ... حاول منعي بيديه ... لكن حركتي الخبيرة جعلته يستسلم ... رحت أعصر رأس زبه بين أصابعي ... ألقى بيديه للخلف ... ونظر للأعلى مستمتعا بما يحدث .... لم أتمالك نفسي ... نار تشتعل بين أصابعي تحرق ما بين ضلوعي وفخذي في آن واحد ....تسللت يدي تحت بنطلونه ... ملمس اللحم باللحم له مفعول مختلف ... روحي تتوق لأكتشف ما أداعب ... دون تردد شجعني عليه إستسلام منذر لعبثي ... أنزلت بنطاله حتى الركبتين ... منظر ذلك الوحش المنحوت تحت قماش البوكسر يأسر نظر المرأة لسنين تمنع عينيها أن ترمش فيهما خشيت أنت تضيع المتعة لحظة ... دائرة الرأس كبرعم زهرة ضخمة فوق غصن صلب برزت عروقه ... نحت عجيب نحتته الطبيعة ... العين تلهب الرغبة ولا تطفئها ... سحبت مطاط البنطلون برفق ... إنتفض ذلك المارد للأعلى ... تحرره من قماش البوكسر أسر نظر عيني التي كادت تقلع من محجريها ... أنا الخبيرة في الرجال ... لم أرى مثيلا لهذا من قبل ... منذر الذي إستسلم لمداعبتي لقضيبه لم يقل كلمة ... فقط تقاسيم وجهه تؤكّد أنه متمتع ... قربت وجهي من زبه ... لفحتني حرارته ... رائحته أسرتني ... شممت ريحه التي أعادت للهفتي بصرها ... مررت لساني ...تذوّقت قطرة زيت الحياة تطلّ من فتحت رأسه ... قبلته ... لحست وريده الأزرق ... خنقته فزادا تشبثا بالحياة ... شفتاي تلثمان رأسه ... لساني يبلل عطش روحي في جسده ... رضعت رحيق الحياة بلعابي ... بدأت أنفاسه تتصاعد ... خفت أن تنتهي الجولة قبل بدأها ... تراجعت للخلف ... فتحت أزرار فستاني ... فككت صدري من محبس سوتياني ... إنطلق ثدي طالبا قبلة الحياة ... نظرت في وجه منذر الذي لم يفهم مالمطلوب ... دون تفكير هجمت على شفتيه ... الأنثى الجائعة تلتهم فريستها ... شفتاه تاهتا في حركة لساني ... سرعان ما تعوّد ... وسرعان ما تعلّم ... لسانه يخبر لساني أني تأخّرت كثير في التعبير عن رغبتي ... رحيقنا إمتزج ... سحبت يده تداعب ثدي ... أصابعه المبتدئة تعبث في حلماتي ... هنا الخبرة تخنق المتعة ... الأصابع المتشوقة للمعرفة والإكتشاف ... تصل لكل مسامي جلدي ... رفعت ظهري قليلا وألقمته إحدى حلمتي ... لسانه اللزج يجول على غير هدى في صدري ... أحيانا عدم معرفة الطريق خير من تتبع خطوات تحفظها ... إشتعلت نار جسدي ... قضيبه بدأ يرتفع للأعلى شامخا متحديا ... عادت يدي تصارعه ... إنتفخ بين يدي ... دعكته راحتي فإزداد عنادا ... لم أذكر كيف تخلّصت من فستاني ... ولا أين ألقيته ... وقفت أمام منذر لا يسترني إلا قماش الكيلوت ... نظرة عينيه تتابع حركتي ... تخلّصت من ستاري ... أبواب الرغبة مفتوحة منذ فكّرت فيه ... ستائر الشوق تباعدت لتفسح المجال لشعاع الشبق يتسلل إلى رحمي ... حمم تتدفق معلنة نشاط بركان الرغبة في داخلي .... دفعت منذر ليستلقي على السرير ... فتحت رجليا ليفتح باب المتعة على مصرعيه ... رأس زبه يطرق دون هدى ... لامس مؤخرتي جوانب كسي ... وضعت يدي قرب كيس بيضاته أثبت حركته ... ثم بدأت بالنزول فوقه ... طرف رأسه المدببة كسهم يخرق جانبي كسي ... يلضم جرحا لم يندمل منذ عهد ... بدأت حركتي بالسرعة مع ألم لذيذ ممتع ... ألم شق طريق نسيت الخطوات خريطتها فيه ... كأرض تشتاق للحرث ... بدأت صعودا ونزولا ... غزت طلائع زبه أراضي في رحمي لم يصلها مستكشف قبلا ... وضعت يدي خلفي ... لا يزال الكثير من قضيبه خارجي ... شوقي ولهفتي لا يرويها إلا أن يكون كلّه في داخلي ... مع إختلاط ماء رغبتي بلعابي على جسم قضيبه ... إستسلمت لجاذبية الأرض والكون ... غُرس زبه فيا حتى لامست مؤخرتي فخذيه ... صرخة ألم ممتع دوّت في الفضاء ... صرخة أطلقتها وكبتها هو ... سرعان ما تعودت جنبات كسي حجم هذا الفارس المغوار ... ترحيب شديدي بقدومه بدفقات من الماء الحار اللزج ... لزوجة سرّعت الحركة الميكانيكية ... الأمر مجهد لكنه ممتع ... رحت أرفع مؤخرتي في حركة صعود ونزول محورها قضيبه المثبت لجسدي ... بدأ يتجاوب معي ... عكس رهزه في ... إشتعلت ناري ... يداه تعبثان في صدري ... شفتي تبحث عن شفتيه ..عن رقبته عن أذنه ... أريد إلتهامه كلّه ... أنفاسي الحارة دفعته لحركة أقوى وأكثر عنف ... عنف تكرهه المرأة إلا في هذه الحالة ... إنقباض في عضلات ردفي وأسفل فخذي ... رعشة شديدة بدأت تهزني ... مع رعشتي زادت حركته ... آهات تنطلق دون رقابة من صدري ... لم أعد أحتمل ... قفزت بجانبه على السرير أتلوى كذيل سحلية قطع وترك وحيدا ... نظرت في عينيه ... إستغربت ما حدث ... أوّل رجل أعرفه في حياتي ... أصل لذروة النشوة وهو لا يزال ينتظر ... أحسنهم قدرة كان يجهد نفسه أن يعدّل توقيته معي ... هذا العجب لم أشهده قبلا
نظرة عينيها أحرجتني ... إحراج لم يفارقني منذ صعودها ... إصرارها على البقاء معي وقت العشاء ... نظراتها التي تطاردني ... كنت سعيدا أن هديتي أعجبتها ... لم أستطع كبت جماح عيني أن تنغرس في صدرها ... كنت خائفا أن تفسّر حركاتي خطأ ... تلك الحكة العجيبة التي أمسكت بين فخذي ... ندمت على حلاقة شعر عانتي ... لهيب يحرق جلدي ... حاولت جاهدا التظاهر أني بخير لكني لم أوفّق ... رأيت عينها تتبع يدي كل ما حاولت حك الإلتهاب ... فخذها الأبيض الناعم ... ملمس ثدييها الطري وهي تلتصق بصدري ... إشتدت الحرقة بين فخذي ... إعتقدت أنها فهمت ما أعانيه فأنزلت يدها تكتشف علّتي ... خلتها ستساعدنا لكنها أنقذتني ... كم من خطأ كان نتيجته أحلى من الصواب ... لكن هذه النظرة الأخيرة تقتلني ... هي أشبعت رغبتها مني ... أنا لم أنتهي بعد ... ستتهمني بقلّة الرجولة ... يجب أن أتصرّف ... يجب أن لا أخسر مصدر المتعة الوحيد هذا ...متعة إكتشفتها ولن أفرّط فيها ... لحم طري ... حرارة رحمها أعادت الدفء في أطراف عمري التي قضمها الصقيع ... نظرة في عينيها متحديا ... لن أتركها تظن أني لست بالرجل ... وضعت يدي تحت رقبتها وسحبت رأسها نحوي ... غطست في بحر شفتيها الطريتين ... رائحة عطرها الممزوج بعرقنا تستفز رغبتي ... داعبت حلماتها ... تصلّبت كحصى طريق وعرة ... نزلت بيدي أتحسس لزوجة ما بين فخذيها ... أعاجيب الطبيعة تكمن هناك ... مزيج من الخشونة اللينة والرطوبة الحارة ... نعم هناك تجتمع الأضداد ... بدأت آهاتها تتصاعد ... تريد المزيد ... أنا أريد أكثر ... لا أعلم ماذا أفعل لكن زبي سيهتدي لطريقه لوحده ... بركت فوقها ... فتحت رجليها ورفعتهما للأعلى ... كمن يعرف طريق عودته ... بدأ رأس زبي يشق طريقه... لم أعلم أن الوضعية هي السبب أم شيئ آخر ... فتحة متعتها تعاند دخول الوافد ثانية ... عناده زاد إصراري ... ضغطت بمؤخرتي عليها ... بدأت شفرتاه تستسلم ... بدأ قضيبي يخترق اللحم الرطب الحار ... كلما دخل قليلا عانقته جوانب رحمها ... دخول الفاتحين قابلته آهازيج الرغبة من آهات صدرها ... كمدرجات ملعب تفانى المشجعون في إلهاب المنافسة ... آهات ترتفع تشد أزري أن أزيد ... كلما طعنتها لضم جرحها ... أنين السرير القديم إختلط بآهاتها وأنفاسي ... صوت متوازن يعجز أمهر الملحنين على توزيعه ... بدأت ناري تغلي ... إنتفخ قضيبي ... حمم تتحضر للإنطلاق ... رعشة أسفل ظهري ورعشتها تلتقطها مسام بطني من جلد بطنها ... خاب أملي عندما دفعتني لأقذف خارج رحمها ... سيل عارم من ماء شهوتي يشوي جلد صدرها وبطنها ... وقفت طويلا أتملى تلك اللوحة ... نهدان مفروشان فوق بطن مدورة تحتها رسم مثلّث غامق ... أغمضت عينيها ترتاح ... نمت بجانبها ... حلم جميل هو ما عشته في الواقع ...
رائحة عطرها تدغدغ أنفي ... مددت يدي أتحسس مكانها ... السرير فارغ ... لا أحد بجانبي ... هل كنت أحلم أم هو واقع لونها أحلى من ورد الخيال ؟؟؟ ... ككلب صيد شممت المخدة ... الغطاء ... رائحتها تلتصق بها لكنها رحلت ...
حكة شديدة تلهب بين فخذي ... دخلت الحمام ... الطقس بارد والماء بارد ... برودة شدت عظامي ... على مرآة المغسل صورة قلب ... خطّته حبيبة بإصبعها ... لم أكن أحلم ... نور يتسلل تحت الباب ... صوت خفيف يصلني من جهاز الإتصال ... الشقة رقم 5 ... صوت الدكتور يطلب مني النزول بسرعة ...
وجدته عند الباب هامسا ... وضع ورقة في يدي ونقودا ... طلباته مجابة بسرعة ... هرولت نحو المخبزة ... تغيّر وجه البائعة البشوش لما دخلت ... لم أفهم سبب تغيرها معي ... مجهود ليلة ساخنة دفعني أن أتجرّأ وأشتري ما يسد جوعي بمال الدكتور ... لم يطالب بالباقي بل دخل محاذرا إحداث جلبة ... ألصقت خدّي بباب بيت فريال ... عل أذني تلتقط دبيب قدم حبيبة ... حبيبتي ... الكل نيام ... خشيت أن لا أكون أحسنت الأداء ... يجب أن أراها ثانية لأتأكد ... لا... لا ... رسم القلب يؤكّد أني قمت بما يجب ...
أتممت كل أعمال الصباح ... نظّفت وسقيت الورد ... رابطت مكاني ... صوت عجلات العربة يصلني من باب المجمع ... صديقي التاجر يلوّح لي ... هرولت نحوه ... وضع في يدي مبلغ ثلاثين دينار ... قال إنها ثمن الكتب ... ثم وضع ورقتين من فئة عشرين متمنيا أن أصبر قليلا حتى يكمل الباقي ... أنا لا أعرف بكم هو مدين لي ... لكني كنت سعيدا ... ساعدته في وضع تلك الكراسي والطاولات ... عاهدني أن يدفع الباقي كلّه مع بعض بعد أسبوع فقبلت ... أصلا الأمر جيّد بالنسبة لي هكذا ...
غادر السكان تباعا ... صبّحت عليهم جميعا ... لم يرد أحدهم سوى بحركات من الرأس ... صوت حبيبة المحبب يأتيني طالبا الصعود ... دخلت الشقة وجدتها بالمطبخ ... لم أعلم كيف تجرّأت وضعت يدي على مؤخرتها وقرصتها ... تألّمت بدلال ... ثم همست بأذني " مش هنا ... شتفضحنا " ... كلماتها برّدت ناري وأشعلتها في آن ... جولاتنا ستستمر ...
طرت نحو المغازة تحيطني الزهور والقلوب الحمراء تتطاير حولي ... وضعت الطلبات ... حبيبة وحيدة في المطبخ تجرّأت وأعدت قرص مؤخرتها ... وهربت منها ... حركة إصبعي تشير أني أنتظرها ليلا فوق السطح ... لو أمكنني سحب قرص الشمس الذي إستعصم أن يتحرّك لفعلت ... أعتقد أن الأرض توقفت عن الدوران ... قرص الشمس ثبت عند العصر ... طال الوقت ... حافلة المدرسة تقف ليقفز منها القردان الصغيران ... دخلا مسرعين للعمارة ... نظرت فلم أجد سيّارة أمهما ... صعدت ورائهما ... صوت بكائهما لما وجدا باب بيتهما مغلقا جعلني أرأف بحالهما ... رافقاني سعيدين حتى مدخل العمارة ... بدأت حفلة التعذيب ... حمارهما البشري جاهز للركوب ... صوت ضحكهما سحب بعض الرؤوس الصغيرة من العمارة المجاورة ... الولد الذي إنزعج لعدم وجود العصى شوى جلد مؤخرتي بكف يده ... حال أهون من حال ... صوت محرّك السيارة أنهى عذابي ... " ماما جات " ... نظرت الأم نحوي ... كأنها تشكرني ... فتحت حقيبتها ووضعت في يدي قطعة نقدية ... كدت أرفضها لكني تذكّرت ذلي فقبلتها ... رافقت ولديها وإختفت ...
حلّ الليل وإقترب الموعد ... موعد إنتظرته وتحضّرت له ... إستحممت .. لبست بوكسرا جديدا ... وتيشرت فوقه ... سرّحت شعري وتعطّرت ... رتبت سريري ... فراشنا ... طال إنتظاري ... الوقت يعاندك عندما تتلهف لسرعة مروره ... بدأ سكون الليل يطبق على المكان الساكن أصلا ... قضيبي إنتصب لمجرّد سماع خطوة حبيبة على السلّم ... تركتها تسير أمامي ... لم تلاحظ أني إختفيت بجانب الباب ... تلك الميدعة البيضاء خيّبت أمالي ... لا يهم الغلاف فأنا أعشق المحتوى ... وضعت طبق العشاء على الطاولة ... قبل أن تلتفت بحثا عني ... كنت فاجأتها بحضن من الخلف ... قبل أن تشهق من الصدمة ... وضعت يدي تحي إبطيها والأخرى تحت فخذيها وطرت بها للغرفة ... كانت تتمنع بدلال وتضرب صدري ... ألقيتها على السرير بعنف ... فتحت أزرار ميدعتها البيضاء ... طقم ثنائي بنفسجي يلمع بلمعان جلدها الناعم ... طبق يسيل اللعاب ... شربت ريق شفتيها حتى أجهدت أنفاسها ... قبلة طويلة بطول عطشي ... إرتويت ورويت ... عضت في صدرها ... شربت الحنان وسقيت الحنية ... لا أذكر كيف طار مشبك سوتيانها لتفتح شبابيك صدرها على مصرعيها ... يدي تسللت لما بين فخذيها ... كم عشقت تلك الرطوبة الحارة ... النعومة الخشنة ... بدأت يدها تتسلل تبحث عن قضيبي ... لمسة بسيطة من أناملها الناعمة ... ووجدت نفسي عاريا ... عري بعري ... تخلّصت من كيلوتها ... فركت زبي بأطراف كسها ... مررت أسفل جسمه بين شفرتيها ... كيس بيضاتي عانق فتحته ... آهاتها تطلب بداية إنهاء الأمر ... خرس العالم إجلال لصوت رغبتنا ... إمتزجت آهاتنا ... أحرقت أنفاسنا برد ليل الخريف ... إهتزّت وإهتززت دفقت وقذفت ... أكلنا ولم نشبع ... ليلة ستسجّل في تاريخ العشّاق ....
طعم الليلة الثانية يختلف عن الأولى ... والثالثة عن الثانية ... تعلّمت فيها وتعلّمت منها ... جرّبت وإكتشفت وإختبرت ... تداولت ليالينا ... رغم الروتين إلا أن حياتي صارت بطعم آخر ... الجنس كالبهارات في الحياة ... يغيّر الطعم ويزيد من لذة التناول ...
في النهار كالعادة ... عمل بسيط .... أشغال قليلة ... وليل دافئ ... نور يسطع من سطح العمارة معلنا للكون عشقا لا ينضب ... نعم صرت أحب حبيبة ... نسيت العالم بين فخذيها ... تغذيت من رحيق رغبتها ... تعالجت بإكسير شبقها .... حتى وجهي تورّد وجلدي صار أنعم ... نعومة الحياة تؤثّر في الجسد ... هي كذلك عادت لها نظارتها ... بدأت ثروتي تتكاثر ... ما أجنيه من عطايا السكّان ... صرت أقوم بكل أعمال أهل الحي ... تجارة الخردوات إزدهرت بدخولي بقية العمارات ... حقيقة لم أعد أعلم بما يدين لي التاجر ... يضع الأوراق في يدي ثم يقول سنتحاسب فيما بعد ... فيما بعد يجد دفعة جديدة وهكذا ... لا يهم ... أين بدأت وأين أصبحت ...
أكل لذيذ وصحي تتفنن حبيبة في إعداده .... لبس أنيق ... حلاقة دورية ... عطر ... قهوة مجانية لقاء خدمات بسيطة ... أكثر أحلامي تفاؤلا لم تصل لهذا الحد ... إكتسبت خبرة في المكان ... تشغيل الآلات ... مجالسة الأطفال ... التنظيف ... إعتنيت بحديقة الحي ... نظفت حوض النافورة لكني عجزت عن تشغيلها ... زرعت الأشجار ... كنت أسرقها من حدائق الأحياء المجاورة ... صرت معروفا لدى الجميع .... والأهم أني صرت أعرف كيف تتمتع المرأة ... هكذا كانت حبيبة تقول لي ...
" إنت كنز ونزلتلي من السماء " ... تلك هي الحقيقة .... وجود منذر غيّر شكل حياتي ... صرت أهتم بنفسي بالدنيا ... رجل متكامل ... حنون وقوي ... بسيط وخبير ... دافئ وصارم ... والأهم ... قضيب تحلم الأميرات بالحصول عليه ... رغم أخذه لزمام المبادرة لم أنزعج .... صرت أكثر نشاطا في أعمال البيت ... فقط لا أريد أن تلاحظ المدام شيئا ... تعكّر حالة سي توفيق تطلّب نقله للمصحّة ... صار غيابها أكثر بحكم مبيتها بجانبه ... هذه المرأة تخجلني بتفانيها ... غيرها وفي وضعها ووضع زوجها لكانت تتمتع من حضن لحض دون رقيب ...
وجود ذلك الرقيب المزعج في حياتي أثقل كاهلي ... صرت أعدّ حركاتي .. أخشى أن تفسّر حبيبة أي حركة مني خطأ ثم تنقلها لمن وظفها من أقارب زوجي ... لم أجد طريقة أتقرّب بها منها ... أفهم فيما تفكّر ماذا تريد وماذا يريد من أرسلها لي ... فكّرت بطردها ... أي تعلّة والسلام ... لكني تراجعت ... يكفيني ما سببته من ضرر لنفسي كي أخطأ في حق غيري ...
لم يكن ينقصني سوى مرض توفيق هذه الأيّام ... لو تركته بالمستشفى وحيدا ربما أفاق بين براثن إخوته ... وترك حبيبة لوحدها بالمنزل سيمكنها من تفتيش كل متعلقاتي بحرّية ... أغلقت عيني مثقلة ... رائحة الدواء والمعقمات صارت لا تفارقني ... المصحة الفخمة رغم ما توفره من سبل الراحة لكني أتوق للنوم في سريري ... فجأة خطف خاطر عقلي ... ماذا لو وجدت حبيبة العقد ... إطلّعت على كل تفاصيله ... بنوده ... لو أخبرت مشغليها إنتهى أمري ... كنت أنتظر طلوع النهار على أحر من الجمر ...
إنتهى إنتظاري الطويل ... غادر كل السكّان إلى أعمالهم ... كنت أنتظر نداء حبيبة بالصعود ... إشتقت لها ... أكلة السمك ليلة أمس أتت أكلها صبيحة هذا اليوم ... الرغبة تهزني هزا ... قضيبي يكاد ينفجر ... لا يمكنني الصبر حتى الليل ... لا أقدر على الإحتمال ... لا أحد بالشقة غيرها ... مالضرر لو جربنا مرّة خلال النهار ... جربنا كل الوضعيات وكل الأماكن ... بقيت تجربة النهار ...
تلك التجربة الوحيدة التي لم أخضها ... خاطر غريب سكن عقلي ... صور مدام فريال في ألبوم قديم ... ملابس بحر ... ميني جيب ... صديقاتها جميلات ... العناق والقبلات تؤكّد أن هن كن مقربات إلى أبعد الحدود ... لكن هل ما خامرني صحيح .... رغم تقلبي في البلاد والبيوت ... مارست الجنس مع جميع أصحاب العمل ... شباب وكهول وشيوخ ... لم أخض تلك التجربة أبدا ... إمرأة مقابل إمرأة ... صورة لمدام فريال قبل سنين خلت على شاطئ البحر تأسر تفكيري ... لم تفارقني ... بدأ عقلي يدور ومسام جلدي تتفتح ... أنا أحب مدام فريال لكن ... أنا لم أجرّب شعورا كهذا قبلا ... وهي سترفض بكل تأكيد ... فكرة لم تزل تتخمر برأسي حين رن جرس الباب ... منذر يقف أمامي مبتسما ... تلك النظرة أعرفها في عينيه جيّدا ... حضنني بيمناه ويساره تغلق الباب خلفه ... " شتعمل يا مهبول ؟؟؟ ... لم يجبني ذلك المجنون ... دفعني بحنية ويده التي خبرت تفاصيل جسدي تداعب ما بين فتحتي ... إلتهبت نار رغبتي الموقدة أصلا ... لم أجد بدا من الإستسلام ... دون مقدمات ولا مقبلات ... وقف منذر خلفي ... وضعت يدي على الطاولة ورأسي مقابل الباب ... فتحت رجلي ... يده الناعمة تداعب فتحة كسي ثم تنشل كيلوتي الصغير ... لم يمنحني فرصة للكلام ... بدأ رأس زبه الضخم يطرق باب فرجي ... حلاوة الطعن جعلتني أستسلم ... أوّل مرّة أنتهك حرمة بيت مشغلتي ... لكنه إنتهاك لذيذ ... حركات سريعة قوية ثابتة من مؤخرة منذر ... تلك الوضعية أعشقها أحس بقضيبه يطرق سقف رحمي ... يعصر سحب ماء رغبتي من عليائها ... رفعت رأسي للأعلى ... عيناي تبحثان عن الخلاص في السقف ... ركبي ترتعش وقفت على أطراف أصابعي لأفسح المجال لزب منذر بحرية الحركة .... بدأت أصعد سلّم الرغبة ...وصلت ذروة النشوة .... أهات أبواب النعيم تفتح أمامي ...
فتحت الباب وجلة متوجسة خيفة أن تكون حبيبة تفتش خزانتي ... العقد أخفيته في المكان الوحيد الذي لن تبحث فيه ... المطبخ ... خلعت حذائي حتى لا تسمعني ... سآخذ العقد وأخفيه في صندوق بالبنك ... وصلت باب المطبخ لأتسمّر هناك ... منذر يقف وراء حبيبة ... نصف ظهرها عاري ... الطاولة ترتج تحتها ... رأسها مرفوعة للأعلى ... عيناه مقلوبتان للخلف ... منذر يغلق عينيه متعة ... نفس الوجه كنت آراه في مرآتي وزوجي الأوّل يفعل بي ما يفعله منذر بحبيبة ... لم أعي ما أفعل ... وقفت متسمرة مكاني ... لم أصرخ فيهما ولم أهرب ... لم أشأ قطع متعتهما ... أنا أعلم الناس بالمتعة ... أنا أكثرهم شوقا لها ... آهات حبيبة تخز لأذني ... تهز صدري ... عيناها تشبهان عيني يوم كنت مثلها سابقا ... حاولت الإنسحاب لكن منذر فتح عينيه ... إنسحب للخلف رعبا لينسلّ قضيبه من داخل حبيبة مرتجا أمامي ... إنفتحت عيوني دهشة أو رغبة ... وضعت يدي على وجهي أداري ردة فعلي ... هربت نحو غرفتي ... خفت منهما نعم خفت ...
قتلني الخوف ومدام فريال تخفي وجهها قرفا مني ... نظرت لحبيبة المسكينة تحاول لملمة ملابسها ... نظرنا في عيني بعضنا ... قضي الأمر علينا مواجهة مصيرنا ... سأتحمّل المسؤولية إما تسامحنا المدام أو سأطرد لوحدي ... حبيبة لا ذنب لها ...
الذنب كلّه ذنبي ... أنا الراشدة الخبيرة ... راودت هذا الشاب ... كان يمكن أن امنعه من إتباع هواه بتدنيس حرمة بيت سيدتي ... سأتحمّل المسؤولية ... سأخبرها بكلّ شيء ... أنا المذنبة ... لا بد من مصارحتها ... هي إمرأة متفهمة وستقدّر ... ستفهمني ...
لم أفهم ما حدث لي ... المفروض أن يهربا هما خجلا بفعلتهما .... هربت أخفي وجهي الذي قطعا كان سيفضح مكنون صدري ... وإن يكن ... فرصة لوضع حبيبة تحت جناحي ... سأتفهمها و أقرّبها مني حتى تسرّني بكل ما تعرف عن خطط أهل زوجي ... صورة وجهها أمامي وهي تستمتع لا تفارقني ... طرق خفيف على الباب ... خرجت محاولة تصنّع الغضب ... نظرت في عيني حبيبة التي ملأها الدمع ... وجه منذر غاب عنه الدم فتحوّل لأصفر ليموني ... سأمسك بزمام الأمور ... سأوجه حبيبة للإنضواء تحت لوائي ...
- فريال : خير ؟؟؟ عاوزين إيه ؟؟؟
- منذر : مدام إحنا آسفين وطمعانين في كرم حضرتك تسامحينا ...
- حبيبة : مدام فريال .. أنا عشت سنين خدّامة تحت رجليكي ما تفضحنيش ... أرجوكي
- فريال : أسامحكم ؟؟؟؟؟
- منذر : إحنا طمعانين في كرم حضرتك .
- حبيبة : إنت قلبك حنين وأكيد حتسامحينا ....
- فريال : أكيد ؟؟؟
- منذر : عشمنا في حضرتك ...
- حبيبة : يا مدام أنا السبب منذر ما لوش ذنب ...
- منذر : لا يا مدام أنا السبب ... حبيبة ما لهاش ذنب
- فريال : طيب إتفقنا أنا هي المذنبة إني قطعت عنكم متعتكم مش كدا ...
- منذر : لا ياهانم العفو ... إحنا غلطانين من ساسنا لراسنا ...
- فريال : إنت تخرص خالص ... إنزل شوف شغلك تحت وإياك تتحرك من مكانك غير لما أندهلك .... وإنت تعالي ورايا عالصالة ...
- فريال : طيب أنا حأسامحكم ... ومتفهمة وضعكم
- منذر : داه جميل ومش حأنساهولك طول عمري
- حبيبة : داه العشم يا مدام ...
- فريال : بس على شرط ...
- منذر وحبيبة في سوط واحد : أمرك يا هانم
- فريال : من اليوم ورايح ما فيش سطح ...
- منذر : يعني إيه يا مدام ...
- فريال : يعني من الليلة حتتعشى هنا ومش حتطلع السطح غير لما حبيبة تنام ؟ كل حاجة لازم تبقى تحت عيني ... فاهمين
- منذر وحبيبة في سوط واحد : أمرك يا هانم
- فريال :ما هو انا مش مستعدّة حد يقفشكم في السطح ... وتبقى فضيحتي بجلاجل ...
- حبيبة : بس ياهانم إنتي بتباتي في المصحة ... جنب سي توفيق
إجتمعنا ثلاثتنا على العشاء ... منذر إهتم بإطعام إبنتي ... على غير عادتها سمعت كلامه وهدأت فوق ركبته ... فائدة أخرى لم أتوقعها ... سهرنا جميعا أمام التلفاز ... رغم أن حبيبة ومنذر كانا محرجين لكني سعدت بوجودهما بجانبي ... الونس جميل حتى لو كان بالغصب ... بدأ التثائب يثقل جو السهرة ... أطلقت سراحهما ... وحاولت النوم ...
وضعت رأسي على سريري ... موازنة لما حصل هذا اليوم ... كدت أخسر وضيفة وأتسبب لتلك المسكينة في فضيحة وأحمل ذنبها ما حييت... قرار الفصل بيننا أزعجني لكنه خير من فصلنا سويا ... السهر في بيت سي توفيق ممتع رغم ثقل الجو ... مسامرتهما خير من التقلّب على الفراش لوحدي ... لكن هل سأقاوم ؟؟؟
ليتني قاومت رغبته ... لو أجلّنا تلك الجولة السريعة ... لكنت الآن بين أحضانه ... حضنت المخدة وحاولت النوم ... حال أهون من حال ... بما أن مدام فريال لم تطردنا فبمرور الوقت ستخف مراقبتها ... كم هي عظيمة تلك المرأة ... حبي لها يزداد يوما بعد يوم ...
مرّت الأيّام تباعا ... منذر يقوم بعمله اليومي بنشاط ... بعض المال يجنيه من هنا وهناك ... حبيبة على حالها ... تعمل ما يجب فعله ... فريال بدأت تتعود وجودهما بجانبها طوال الوقت ... صارت تحس أن حبيبة أقرب لها من قبل ... توفيق على حاله ... لا هو حي ولا هو ميت ... سهرات السمر بدأت تصبح أكثر ألفة ... منذر ينعش الجو بحكاياته الطريفة عن قريته والمغامرات فيها ... فريال صارت تضحك ملأ شدقيها ... تجالسهما في طاولة الطعام ... تقاسمهما الشاي ... تدخن معهما ... شيئا فشيئا ذهب الحرج بينهم ... كانت حبيبة تجتهد في أصناف الأكل ... منذر بدأ يحلو شكله أكثر ... العز يظهر على الخدود ... لكن الجفاف بدأ يغزو صدره وصدر حبيبة ... أسبوعان بلا لقاء وهما من تعودا الجنس يوميا ولمرات متعددة ... ليلة السبت كانت باردة ... الكل يلزم منزله ... السماء لم تبخل بمائها ... أغرقت الٍأرض بكرمها ... رياح عنيفة تهز الشبابيك ... صفير عالي ... البنت الصغيرة نامت بصمت العادة على فخذ منذر ... كعادة ليالي الشتاء بتونس ... قليل من الريح وصاعقة واحدة تغرق كلّ أحيائها في الظلام ... بنية تحتية هشة لبلد هش ... حتى الأحياء الراقية متصلة بشبكة تزود الجميع فقيرهم وغنيهم ... عبثا أنفقوا على كل تلك التجهيزات في غياب الكهرباء .... الظلمة تغمر غرفة الصالون ... طنين آلات سرير سي توفيق تصم الآذان ... تدخّل سريع من فريال ... عدّلت تزويد الآلات فخفت ضجيجها ... شمعة كبيرة تنير الصالون ... الجو ينبأ بنهاية العالم ... حاول منذر الإنسحاب لكن فريال منعته ... قالت أنها تخاف الظلمة ... وجوده بالبيت سيشعرها بالأمان كما أن الغرفة فوق السطح ستكون باردة ... قرار لا يقبل المناقشة ... رغم محاولته التملّص لكنها رفضت رفضا قطعيا ... حبيبة فرشت أرضية الصالون بحشيات متلاصقة ... رغم حرج منذر من الوضعية الغريبة المفروضة عليه ... تخلّصت مدام فريال من روبها ... لم يسعفه نور الشمعة الخفيف وسرعة حركتها من تصوير اللقطة في ذاكرته ... إختفت تحت اللحاف القطني الناعم ... حبيبة فعلت كسيدتها ... هو فقط دخل السرير بملابسه ... ثم تخلّص منها بخجل ... بوكسر مطاطي وصدره عاري ... نعومة الغطاء بعثت الدفء في أوصاله ... طلبت منه فريال أن يروي لها قصّة ... الظلمة ونور الشمعة لا يتماشى معها سوى قصص الرعب ... إسترجع ما ترويه جدّته عن الجن والعبيثة والرهبان ... جمعها كلّها في قصة واحدة ... مع صفير الريح وتراقص ضوء الشمعة بدأ الرعب يدب في أوصال السيدتين ... فريال تزحف لتلتصق بحبية وحبيبة يسحبها جلد منذر الناعم ... إنتصفت القصّة ... ونصف الفراش خاوي ... ثلاثتهما على حشية واحدة بغطاء واحد ... نار حبيبة تلتهب ... منذر عن يسارها يشوي جلده الحارق قلبها ... وفريال عن يمينها ... يلامس طرف ثديها صدر سيدتها ... كلحم يشوى على جانبين ... خرست أذناها عن سماع قصة منذر ... بدأت فريال تخاف بحق ... إلتصقت أكثر بحبيبة ... حركة غير محسوبة العواقب مررت يدها تحت رقبة سيدتها وحضنتها ... تفاعلت معها فريال بأن أسندت خدها على كتف حبية ... أنفاسها الحارة تلفح قبة ثدييها الأيمن ... أطلق منذر العنان لخياله مستجيبا لرغبة المدام رغم رعبها بالمواصلة ... حبيبة التي تاهت بين نارين ... تسللت يدها لتبحث بين فخذي منذر ... إرتعش المسكين من حركتها المفاجأة ... لكنه إستسلم لمداعبة حبيبته ... بدأ كلامه يتقطع مع جولات أنامل حبيبة على طول قضيبه ... فريال التي إلتقطت ما يحدث أرادت إنهاء الأمر ... سحبت روبها ولفت به نفسها ... وإستأذنت للذهاب للحمام ... قبل مغادرتها الصالون ... برق شديد أنار الكون ... وصوت رعد زلزل زجاج النوافذ ... صرخت من خوفها تنادي منذر الذي هب مسرعا لمساعدتها ... حمل الشمعة ووقف عند باب الحمام كحارس لها ... تاركين حبيبة لوحدها بالصالون ... عند عودته لاحظت فريال إنتصاب قضيبه ... نحت جميل تحت القماش المطاطي ... تعثرت خطاها محاولة إخفاء صدمتها ... وضع منذر الشمعة بمكانها ... ودخل مكانه مرتجفا من البرد ... بعض الدفء وصله ... إلتصق بحبيبة ليصدم أنها خلعت سوتيانها ... كاد الدم يتجمد في عروقه ... فريال التي تخلّصت من روبها ... عادت لمكانها ... وضعت رقبتها على ذراع حبية وأخفت وجهها بالغطاء مستندة صدرها ... إحترق خدها بحرارة الجلد ... لم تتحرّك ولم تصدّق ... ثدي حبيبة عاري أمام عينها ... صمتها دفع حبيبة لمزيد الضغط على رقبتها لتضمها ... حلمتها اليمنى تتصلّب مقابلة شفة سيدتها ... وواصل منذر حكايته ... يدها تعبث بزب منذر والأخرى بدات تتحس جلد ظهر فريال ... فريال لم تمانع ... يد حنونة دافئة تهدهدها ... كطفلة صغيرة أغمضت عينيها وإستسلمت لما يحدث ... صوت منذر ولمسات حبيبة سحبتها لشبه النوم ... نومها حسبته حبيبة تشجيعا ... بدأت يدها تنزل تدريجيا متبعة فقرات ظهرها ... وصلت لمنطقة الحوض ... حركات دائرية خفيفة بأطراف إصبعها على الجلد الناعم سحبت تنهيدة حارقة من صدر فريال ... تنهيدة فهمها منذر على أنها نفس نوم ... تجرّأ ومرر يده بين فخذي حبيبة صعودا ... لم يعترضه شيء ... حبيبة عارية ... لا مجال للخوف أو التردد ... مرر أصابعه بين شفرتي كسها ... حركة إرتعشت معها حبيبة ليرتج صدرها وتستقر حلمتها فوق شفتي فريال ... لمسة صلبة على شفتيها الناعمتين دغدغتهما ... مدت لسانها تلحسهما فلامس حلمة ثدي حبيبة التي فهمت حركتها إستجابة ... تسللت يدها بحذر تفتح مشبك صدرها ... فريال التي سرقها النوم لم تتحرّك ... بدأت يد حبيبة تداعب جانبي صدرها اللين ... تفاعلت فريال لحركتها وإلتصقت بصدر حبيبة ... تلامس النهدان فإشتعلت نار الخادمة ... أهملت زب منذر الذي يتفانا في فرك كسها ... يد تداعب ظهرها والأخرى تدغدغ بطنها ... سحبت الغطاء تدريجيا ... على ضوء الشمعة منذر يرى نصف جسد سيدته العلوي عاريا ... ويد حبيبة تداعب خياطة كيلوتها الأسود ... لحم طري ناعم لم يعتده ... وضع يده تحت مؤخرة حبيبة وأدارها ناحية سيدتها .. رفع رجلها اليسرى للأعلى ... وبدأ يدغدغ شفرتي كسها بقضيبه وعينه تلتهب بمشهد جسد فريال ... ضغط ببطئ ليحشر رأس زبه المنتفخ بينهما ... آه عنيفة أفلتت من حلق حبيبة لتفتح فريال عينيها مدهوشة ...
- فريال بتعملو إيه ؟؟ يا ولاد الكلب ... (وقفزت من مكانها تجلس على حافة الكنبة قرب رأس حبيبة تغطي صدرها العاري بيديها )
- حبيبة : (بفزع شديد) مالك يا مدام ؟؟؟ ما كنتي مستمتعة ؟؟؟
- فريال : مستمتعة بإيه يا ولاد الكلب ...
- حبيبة التي بدأ الرعب يهزها : آسفة يا مدام ... كنت فاكرة ...
- منذر : (مرعوبا ومفكرا بالإنسحاب) آسفين يا مدام .. إعتبري ما فيش حاجة حصلت
" هو إلي حصل حصل ... كملو ... أنا عارفة إنكم مشتاقين لبعض ..." نظر منذر في عين حبيبة غير مصدقين ما حدث ... وضعت فريال يديها على كتفي فريال التي كانت تبرك على ركبتيها أمامها وسحبتها للأسفل ... نظرت في عين منذر آمرة " يلى كملو ... إعتبروني مش موجودة ... مش كنتو فاكريني نايمة... إعتبروني نايمة " ... لم يفهم منذر ما المطلوب هل هو فخ أم هو حقيقة ما تبغي ... حبيبة التي تراجعت بمؤخرتها للخلف ... أمسكت زب منذر كانها تنتقم من رفض فريال لها ... هي أصلا لم تحس بكل تلك المداعبات ... لم تلاحظها ... كانت نائمة ....
وضعت زبه بين شفرتي كسّها ... وضغطت للخلف ... منذر الذي إستجاب بغير وعي ... دفع وسطه للأمام لينغرس زبه دفعة واحدة داخلها ... آه عنيفة هزت جدران الغرفة ... إنقلبت عينا حبيبة للأعلى وعضت شفتها من ألم الرغبة ... تلك النظرة هزّت كيان فريال ... نار سرت بين مفاصلها ... تفتحت مسامها وتباعدت شفرات كسها ...
فريال جالسة على حافة الكنبة ... تفتح رجليها الموضوعتين على الأرض ... حبيبة تبرك على ركبتيها ورأسها بين فخذي سيدتها ... منذر يثني ركبتيه يحشر زبه في كس حبية ... عيناه تبتهمان صدر فريال العاري ... عينا فريال تحترقان بمشهد وجه حبيبة التي تغرس عينيها بين فخذي سيدتها ...
خط مستقيم جمع كل الرغبات المستحيلة ... بدأ منذر يرهز خلف حبيبة ... زبه الصلب يخرق نعومة جنابات كسها الرطب ... عيناه تتمنيان صدر فريال ... يدا حبيبة تمسكان بقصبتي أرجل المدام كوتدي تثبيت من أثر رهز منذر خلفها ... فريال التي تاهت في إنعكاس متعة خادمتها على وجهها ... بدأت يدا حبيبة تزحف للأعلى ... لم تتحرّك فريال رغم أنها شعرت بهما ... أصابعها تصل فوق الركبتين ... وسط فخذها تغوص في لحمهما ... أغمضت عينيها وألقت بظهرها للأسفل لتسلّم كسها لشفتي حبيبة ...
قماش الكيلوت لم يمنع لسانها أن يعزف على أوتار رغبتها ... بضرها الطري يسبح في لعاب حبيبة ... يرقص معانقا شفتيها ... توقّف الزمن وإنهارت الحدود ... إجتمعت كل الطبقات على خط واحد .... المتعة لا تعترف بقيود ... دوّى الرعد ممتزجا بآهات ثلاثية متزامنة ... زخّات المطر تسيل فوق ظهر حبيبة وعلى صدر فريال منطلقة من حميم رغبة منذر ... أودية رحيق الشبق تختلط بزبد ريق المتعة على شفتي حبية ... فريال تطبق برجليها على رقبة خادمتها تحبس رأسها بين فخذيها للأبد ...
نور ساطع يتلوه رعد هزّ الأرض ... ما بدأ بالرعد إنتهى به ... عاد التيار الكهربائي ... أنارت الغرفة ... الخدود حمراء ... رائحة النيك تعبق بالمكان ... العرق يتصبب من اثر معركة طويلة ... إلتقت العيون بلا كلام .. لا حركات ... لا رمشة واحدة بين ثلاثتهما ... أجساد عارية غارقة في ماء الشهوة ... طنين عنيف يصم الآذان قادما من سرير سي توفيق ...
الجزء الثالث
الطابق الثالث ( الشقة 5)
هرولت مدام فريال نحو غرفة نومها ... تلفلف جسدها النصف عاري بروبها الحريري ... بدأت أجهزة الإنذار على السرير الطبي تزداد طنينا ... سي توفيق أفاق من غيبوبته ... دخلنا مسرعين خلفها ... عيناه صفراوان ... لونه شاحب للغاية لكن لسانه بتحرّك بطلاقة ... نظر في وجهي مستغربا وجودي ... أعلمته مدام فريال بكل التفاصيل ... منذ أمطرت تلك الليلة حتى قبل أن تمطر في هذه ... هز رأسه شاكرا معروفي .. لم يحتج ولم يحترز على تعييني كحارس للعمارة ... لكنه لم يسعد للخبر ... نظر في وجهي طويلا كأنه يتذكّر ما حصل تلك الليلة ... شيء غريب يجذبني نحوه ويجذبه نحوي ...
أراد النزول من سريره لكن فريال منعته ... كسر الحوض لم يجبر بعد ... الساعة تشير للسادسة صباحا ... وصلت سيّارة الإسعاف والطبيب والمدلكون ... فريق طبي كامل ... حبيبة تكفّلت بإخفاء آثار جريمة ليلة أمس ... أنا كنت أتابع الحركات الخبيرة للطبيب يتفقد جسد سي توفيق ... لوى شفتيه وهو ينظر لمدام فريال التي صارت ترتعش خوفا ... إبتسم في وجه سي توفيق يطمئنه ...
تجاوز الخطر لكنه لن يستطيع المشي ثانية إلا بعد مدة طويلة وعلاج طويل ... ملامح إستسلام توفيق للقدر رسمت على وجهه ... لكن الحزن إعتراه ... الموت أهون من العجز ... كرسي دوّار ... الحل الوحيد للحركة ... هو كرسي بالعجلات ... سرعان ما تم الإتصال بمن يحظره ... ربما هو محضوض .... لو إختلط عجزه بفقره لكان الحال غير الحال ... مع ضوء الصباح الأوّل إنسحبت أتبع الطبيب وطاقم الإسعاف ...
ما حصل ليلة أمس لن يفارق مخيلتي للأبد ... لحم فريال ... نوعية أخرى ولون مختلف ورغبة لا تقاوم ... لحم الهوانم كما يقول إخوتنا المصريون ... الغلال الناضجة تحت الظل ... بياض جلد ثدييها وحمرة حلمتيها تحرقان قلبي ... تدور صرتها الوردية وسط بطنها البيضاء كقمر يسطع في سماء ليلة صيف ... وقفت طويلا أمام المصعد ... لم أحدد إتجاهي ... هل أصعد ... أم أنزل ... بقائي في مكاني سيسمح لي بمواصلة العلاقة والتمتع بجسد حبيبة ... وصعودي سيعتبر مخاطرة كبرى ... مدام فريال ؟؟؟ ... هل أحاول التسلّق للوصول لها ... ربما أسقط فتكسر رقبة أحلامي ...
قطع صوت فتح الباب خلفي ضياعي وتيهي ... صوت خافت أعادني لحجمي ... أوامر لا تقبل النقاش من الدكتور ... رغم هدوئه وإنخفاض صوته ... لكنه أعادني للواقع ... أعادني لحجمي ... أنا بواب ... حارس ... لو أردت إصباغ الفخامة على عملي سأقول مسؤول أمن ... لن أصل لمستواهم حتى لو طرت ...
أسرعت ملبيا طلب الدكتور من المخبزة ... راجعت كلمات السيد زيّان وهو ينصح عادل إمام في فيلم المتسوّل ... " أي وحدة بتاعة غرزة ... بتبيع حمص الشام ... بتبيع ذرة ... بتلم سبارس بتتمناك " ... ذلك هو التقسيم العادل ... تذكّرت يوم قَتلت كلبة الرعي الألمانية الخاصة بعم بوشوشة كلبا بلديا شاردا ... أراد معاشرتها فقتلته ... حتى الكللابب لو لم تقتنع بك ... لم تنظر لك بعين الإعجاب ستقتلك ... أصلا أنت لم تصدّق في بداية الأمر أن حبيبة الخدّامة قد أعجبت بك ... لولا توفّر تلك الظرفية العجيبة لم تكن لتحلم أصلا أن تنظر لك ... حبيبة الخادمة ؟؟؟ ... حبية ؟؟؟؟ حقا أين ذهب كل ذلك الحب ؟؟؟ ... حب ؟؟؟؟ هو لم يكن حبا ؟؟؟ ... هو نفس شعور الرضيع الجائع ... يعشق الحليب منذ ولادته لكن بمجرّد أن يتذوق الأطعمة الأخرى يتخلّى عنه .... بل يصبح تناوله عقوبة بالنسبة له كلما تواصل نموه ...
نظرة عتاب رمقتني بها البائعة التي تعودت بشاشتها ... لم أفهم سببها ومغزاها ... وضعت طلباتي أمامي وإنشغلت بغيري ... رجعت غير مدرك لطريقي ... خطواتي لا تتحاشى البرك المنتشرة على الطريق ... تشهد على سخاء السماء ليلة أمس ... ليلة سخية بكل ما فيها ... جسد مدام فريال لا يفارق نظري ... وجدت الدكتور ينتظرني عند الباب ... أخذ مني طلباته وأنسحب بهدوء شديد .... لم أفهم بعد سبب حرصه على عدم إحداث جلبة ... أتممت أعمال الصباح الباكر ... حفظتها وأتقنتها ... لا تحتاج عقلا أو مجهودا ... فقط عضلاتي تتحرّك لوحدها ...
خرج زوجان مسرعان ... كأنهما يطاردان شيئا ... ثم تلاهما آخران ... توقّفت حافلة المدرسة ... طار القردان الصغيران نحوها ... لحقتهما أمهما التي صبّحت عليا على غير عادتها ... ثم خرج الدكتور لوحده ... أين زوجته ؟؟؟ مدام سهام ؟؟؟ ... ربما لا تعمل هذا اليوم ... خلت ساحة الحي من أي أثر ... لم أنتظر نداء حبيبة ... صعدت ودققت الجرس ... إستقبلني وجه حبيبة ... وجه جامد لم أفهم من نظراته شيئا ... تبعتها نحو المطبخ ... خطواتها ثابتة على غير العادة ... أردافها لا تهتز ... بدأت ألوم نفسي على خواطري ... ربما إستشعرت رغبتي في فريال فغضبت مني ... لكني لم أغضب منها ... لم أشعر بالغيرة وهي تحتسي خمر الرغبة بين فخذي المدام ... المدام تأمرني بالإنسحاب بيديها ... تراجعت حتى الباب ... لم أفهم ما حدث ؟؟؟ ماذا يحاك في الشقّة من خلفي ... هل أمرهم سي توفيق بطردي ؟؟؟ ... لكنه لم يعترض على وجودي باكرا ...
عدت لأجلس مكاني ... كل شيء جامد إلا عقلي ... كل محركاته تدور ... فكّرت في كل شيء ... وضعت كل الإحتمالات ... وإن يكن ... ؟؟؟ ... فراق مؤلم ... ؟؟؟ ... ضاقت بي الدنيا ... " صباح الخير" ... كلمة أخرجتني من دوّامة التفكير ... رفعت رأسي مستكشفا مصدرها ... " دجو" ... ذلك الشاب الذي سامرته أوّل ليلة في المقهى ... أول لقاء كثانيه ... وضع إصبعيه مقابل شفتيه يطلب سيجارة ... رغم إنزعاجي منه لكني أردت أن أتحدّث مع أي أحد ... وضعت يدي في جيبي وطلبت منه أن يحضر علبة سجائر وقهوة من المقهى في الطرف المقابل ... ذهب مهرولا ... خطواته وهو يهرول لتلبية طلبي أشعرتني بالغبطة ... الخادم يأمر سيده ... العزري أقوى من سيده ... هكذا كانت جدتي تصف مثل هذه المواقف ...
مجرّد شعوري بالتفوق عليه أخرجني من حالتي ... ذلك التفوق تجسّم في بقائي جالسا على الكرسي بينما هو برك على الأرض ... على حافة السلّم ... فهمت الآن لما الملوك تضع عروشها فوق درجات ... أن ترى رقاب الناس تحتك شعور بالعظمة لا يقاوم ...
راح يؤنس وحشتي ذلك الصباح ... حقيقة لم أفهم ما هي مشكلته بالتحديد ... هو لا يعجبه شيء في حياته ... يسكن عمارة فخمة ... أهله من علية القوم ... لكنه مفلس دائما هكذا فهمت ... يشحت السجائر ... النادل يسخر منه ويذلّه بسبب ديونه ... قضمت حكاياته ساعات الصباح الثقيلة ... وإستنزفت علبة سجائري الجديدة ... ثمن باهظ مقابل نفخ الخصيتين الذي سببه لي ... إنسحب مع وقوف سيّارة عند بوابة عمارتهم ... لم أتبيّن من نزل منها لكنه هرول نحو بيته دون وداع ولا شكر ...
لم أزل أراقب خطواته حتى توقفت أمام العمارة سيّارة صفراء ... سيّارة تاكسي ... نزلت منها سيّدة عجوز رغم محاولتها رتق فتق السنين على جسدها بالكريمات والملابس ... يبدو أنها من طبقة بورجوازية متأصّلة ... البورجوازيون لا يركبون التاكسي ... وقفت تنظر للعمارة بتملّي ... وضع السائق حقائب أمام الباب وإنسحب ... لم تعطني الفرصة لأسألها عن بغيتها ... أمرتني بلهجة مفزعة أن أحمل حقائبها واللحاق بها ... كانت تعرف كود فتح الباب ... ربما هي من سكّان العمارة وكانت مسافرة قبل قدومي ... لم تخبرني حبيبة عنها ... كتفاي تؤلماني وذراعي تئن بثقل حملي ... عيناها تعكس إشمئزازها من ركوبي معها في المصعد ... الطابق الثالث ... تخيّلت أنها من عائلة الدكتور ... لكنها توجّهت نحو الباب 6 ... بيت سي توفيق ...
نظرة الصدمة على وجه حبيبة و إصفرار وجه فريال بقدومها تؤكدان حبهما لها ... أخت سي توفيق ... دخلت مستعجلة نحو غرفة أخيها ... رغم أني لا أعرفها لكن نبرة التمثيل و التملّق في كلامها لا يخطئها الأصم ... راحت تشكر السماء على عنايتها به ... معتذرة عن عدم زيارته داعية عمن كان السبب في منعها ... فريال بالتأكيد ... التأكيد وصل من لوي شفتيها بعد هذه الجملة .... لم تمنحني فرصة إكتشاف أسرار أكثر ... طردتني من البيت ... نبرة متعالية مليئة بالإحتقار وهي تأمرني بالإلتحاق بعملي ...
ككلب أجرب طرد من أمام **** ... إنسحبت وصدري يعوي ألما ... هذا ما كان ينقصني ... أصلا مجرّد أن يفيق سي توفيق من غيبوبته سيقلل من فرص إجتماعي بحبيبة ويعدم فكرة الوصول لفريال نهائيا ... ومع وجود عجوز النحس بحقائبها الثقيلة ... نظرت لزبي وقلت له ... " نحن مقدمون على سنين جدب وقحط " ... أنا لم أزرع ولم أخزن ما أواجه به القحط ... لا في سنبله ولا مطحون ... أصلا لازلت أتعلّم الحرث ... وسنوات الخصب إنتهت في ليلتها الأولى ...
قرار بتأجيل كل اللقاءات الودية والرسمية ... هكذا أبلغتني حبيبة ما جاء على لسان المدام ... قالت أن وجود العجوز وحالة توفيق يستحيل معها أي نوع من التواصل ... فقط الطعام ... يمكنني أخذه من باب المطبخ سرّا ...
باب المطبخ هو نفسه باب النجدة ... يمكن الوصول إليه من السلالم ... ثقل صدري بهذا القرار ... هكذا هو الإنسان ... أصلا طموحي كان إيجاد مكان أنام فيه .. ولما وجدته صرت أطمح لعمل ... ولما عملت صرت أبغي المآنسة ... ولما ونست تعثّرت في الجنس ... ولما خبرته صرت أبغي غير حبيبة شريكا ... والأدهى أني صرت أشتهي زوجة صاحب العمارة ....
مدام فريال ... لست مخطأ ... كانت تنظر لزبي وانا أحشره في حبيبة ... نظرتها كانت تؤكّد أنها تريده وتشتهيني ... ربما هي رغبة طائشة زائلة ... لو كان غير ذلك لما إتخذت مثل هذا القرار ....
قرار كان يجب إتخاذه ... أصلا لم أستوعب ما حصل ... كيف سمحت لهما بممارسة الجنس في بيتي وأمام عيني ... رغبة شديدة تملكتني وأنا أرى إنعكاس متعة حبيبة على عينيها ... متعتها التي نقلتها لي بلسانها ... وهي تداعب بين فخذي ... إنتفض قلبي لذكرى تلك الدقائق ... لسان حبيبة هز وجداني ... كنت أنتظر الشوط الثاني لأطالب بحقي في ذلك القضيب الضخم الشاب ... قضيب أضعت عمري للحصول على أقلّ منه ... هكذا دون **** يرقص شامخا أمامي ... ليتني لم أتردد ... ليتني مددت يدي ولمسته ... خفت أن تفسّر رغبتي بأنه ضعف منهما ... خصوصا وأني لم أضمن ولائهما بعد فقررت تأجيل تلك الجولة قليلا ... تأجيل قطعت عودة النور القيام به ... ثم حالة توفيق زادت في مدّته ... وأخير قدوم هذه العجوز ... فسخ التاريخ منه ليؤجل لأجل غير مسمى ... لن أضيع ما صبرت لأجله سنين مقابل رغبتي مرّة أخرى ... لن أسمح لحبيبة أن تتمتع لوحدها ثانية .... يجب إتخاذ هذا القرار ....
رغم أنّه قرار ظالم لكني لم أنزعج ... شيء ما تغيّر في بمجرّد ملامسة لما بين فخذي فريال ... صرت أتوق للمزيد معها ... أين ذهبت كل تلك الرغبة وذلك الحب لمنذر ... لم يكن حبا ... هي محاولة لإسترجاع ما خطفته مني الظروف و السنين ... لكن ما ذنب ذلك الفتى سيفطر قلبه ... قدوم العجوز أعطاني فرصة لتأجيل إصدار حكم الإعدام على علاقتنا ... لكنه سيحرمني من متعة لم تبدأ بعد مع فريال ... كيف سأحتمل ...
لا أحد يحتمل ذلك ... أن تصبر على الجنس وأنت لم تمارسه عذاب لا يقارن بأن تحرم منه بعد أن تعودّته ... هكذا مرّت تلك الليلة طويلة جدا ... تقلّبت على سريري حتى سئمت أنينه ... خرجت للسطح ... تأمّلت النجوم ... تأمّلت الأضواء ... رفعت عيني للسماء وألقيتها تعانق الأفق ... صدر فريال يرسم في كل شيء ... أسرني ... حرق فؤادي ... أغمضت عيني أحرق صدري بأنفاس سيجارتي الأخيرة ... تخيّلتها ... تخيلتنا ... وجها لوجه ... عروس جميلة ... وإن يكن عمرها أكثر من نصف عمري ... فارق الطبقات يوازي فارق العمر ... مهاترات أكذب بها على نفسي ... ألقيت عقب سيجارتي ... رحت أراقب مصير جمرته التي يقودها تيّار الهواء ... كذلك أنا ... يقودني تيّار بلا قدرة على التحكّم ... ضاق صدري وضاق بي السطح ... نظرت للجهة المقابلة ... دجو يدخل المقهى ... ثم تبعته الشلّة ... صدى ضحكاتهم الخفيفة يصلني ... لن أسهر لوحدي ...
غيّرت ملابسي ... تأنّقت وتعطّرت ... نزلت المصعد مسرعا ... هرولت نحو المقهى ... إستقبلني النادل بترحاب ... جلست في ركن لوحدي ... لم يلبث دجو إلا وإلتحق بي ... لا يهم ما يسببه حديثه لي من إنتفاخ لكنه سيسليني ... سينسيني ألمي وفراغي ... لم يشعل سيجارته الأولى إلا وصوت يأتي من خلفه ...
صوت سحب رقابنا قصرا أن تلتفت إليه ... وجه أنثوي جميل ... شابة في الخامسة والعشرين ... سحبت الكرسي وجلست دون إذن ... وكأني غير موجود راحت تقرّعه على أفعاله ... تعدد هفواته أمامي ... لم تتحرج من وجودي ولا من حمرة الخجل على وجهه ... درس في حسن السلوك تابعت كل فصوله بإهتمام ... هي أخته الكبرى ومنزعجة من تصرّفاته ... تريده أن يكون ولدا مطيعا يفخر به أهله .... طال الدرس و طال الحوار ... كنت أترشّف قهوتي مستمتعا بهذا البرنامج الإجتماعي على أرض الواقع ... لم يتجاوب يوسف مع أخته ... حاول إقناعها بتركه لحاله لكنها إستماتت ... سحبته من يده بقوّة ... يبدو انه خشي أن ينتبه له الباقون فإنسحب حفاظا على ماء وجهه ....
أكبرت تلك الشابة ... حريصة على مستقبل أخيها ... مؤيداتها وطريقتها في الكلام أقنعتني أنا الذي لا علاقة لي بالموضوع ... وضعت يدي على خدي وتهت في التفكير ... لكل طبقة مشاكلها ... ولكل بيت أسراره ... سئمت الوحدة وتذكّرت مصيبتي فقررت العودة ... توقف المصعد عند الطابق الثالث ... قست الممر جيئة وذهابا ... نظرت لباب الشقة 6 مرارا ... قلبي يغني بحزن موال أغنية " وأني مارق مرّيت ... جنب أبواب البيت " ... قلبي لا يزال يسكن هناك رغم صدور الحكم بنفيه قبل أن يستقرّ ... جررت خطى خيبتي نحو السّلم ... ما إن وصلت قدمي للدرجة الأخيرة حتى سمعت صوتا عجيبا ... كأن أحدا يتحرّك فيه ... هل هي حبيبة ؟؟؟ ... لا صوت أشبه بمحرّك المصعد ... مددت رأسي من باب السطح متحفّزا إما للقتال أو الهرب والصراخ .... السطح فارغ ... جلت بعيني رغم بعض الظلمة لكن لا أحد فيه ... الصوت قادم من طرفه .... إحدى تلك الأواني البيضاء تتحرّك ... جميعها تتجه نحو الشرق إلا أحدها يخرق صف وحدتها ويتحرّك تلقائيا نحو الغرب ...عقلي البسيط لم يستوعب ما يحدث ... لكن الأمر غير عادي ...
دخلت غرفتي ... صارعت النوم حتى هزمته وإستسلمت له ... روتين الصباح كالعادة ... لبيت طلبات الدكتور ... نظّفت وسقيت وقلّمت وألقيت ... فطرت وجلست ... ودّعت السكّان كلّهم ... قررّت التقرّب أكثر من الدكتور ... ربما يكون طوق نجاة لي إذا طرأ أمر في بيت سي توفيق ... أو ربما يكون فرصة لتغيير وضعيتي نحو الأفضل ... أمضيت طول النهار أفكّر وأخطط كيف أتقرّب منه أكثر ... سأنظّف سيارته ... بيتهم بدون خادمة ... سأقدّم خدماتي مجّانا ... شخصية سياسية بارزة مثله يجب تملّقها ...
قبل المغيب بقليل ... توقّفت سيّارة تاكسي أمام العمارة ... كاد قلبي يتوقّف رعبا ... ما هي المصيبة الجديدة التي ستفد علينا ... تركّز نظري على الباب الخلفي ... شعر أنثى يطل من خلف بلور الشبّاك ... فُتح الباب ونزلت فتاة في منتصف العشرينيات ... شعر بني ناعم يلامس رقبتها البيضاء مشكلا نصف دائرة حولها ... حواجب كالهلالين المعكوسين منمقان بدقة شديدة ... عينان ضيقتان يؤكدان وجود الدم الآسوي في عروقها ... أنف مدببة تعلو شفتين ورديتين بلونهما الطبيعي ... أسنانها الأمامية ناتئة قليلا للأمام تدفع شفتها العلي للفوق ... ترتدي قميصا حريريا خفيفا أبيض عليه رسوم ريشة سوداء ... ريشة تدغدغ صدرها النافر رغم صغر حجمه للأعلى ... تحته بنطلون جينز أزرق ... فرض إرتفاع مؤخرتها على جيبيه الخلفيين التوجه لليمين واليسار ...
نور وسطع فجأة في عيني ... إنحنت تحاسب السائق من خلف الشباك ... تكورت مؤخرتها التي جلعت قلبي يقفز محاولا الفرار من ضلوعي ... وقفت من مجلسي محاولا أن أخفي نظراتي قبل أن تكشفني ... إنسحبت التاكسي مخلّفة ورائها سحابا من الدخان وأكداسا من الحقائب ... وكأنه لا يكفيها ما أحدثه وجودها بكياني حتى تزيد نار عذابي .. تبسمت فأشرق بياض أسنانها ... زادتها تلك الفتحة بين سنيها الأماميتين نورا ... أغمضت عيني وهززت رأسي محاولا أن أفيق من حلمي ... قبل أن أفتح عيني بادرتني بالتحية ... تتكلّم بلساننا ... خلتها يابانية أو بطلة إحدى المسلسلات الكورية المترجمة .... وقفت دون حراك كصنم أمامها ... كنت أرى شفتيها تتحرّكان لكني لا أسمع ... حركة من يدها أمام عيني مباشرة وكلمة تخرج بلحن رقيق من شفتيها " أوأو " ... أفقت من سكرتي بجمالها ... لكني لم أتحرّك ...
" تنجّم تطلّعهم معايا ... ثقال برشة عليا " ....
كم الحنان في نبرة صوتها يجعلني أحمل الجبال وأصعد بها للسماء ... رغم أن حقائبها كانت ثقيلة لكني تحاملت ... قوة غريبة سكنتني ... حملتها كلّها دفعة واحدة وسبقتها للمصعد ... رصفتها بجانب بعض ... أفسحت لها المكان لتدخل ... وجود الحقائب جعلنا نتلاصق تقريبا ... مددت يدي للضغط على الزر رقم واحد حسب طلبها ... أدارت كتفيها لتمنحني حرية الحركة ... إحتك صدري بحلمة صدرها ... صعد الدم لرأسي مع تلك اللمسة الحنونة ... أكاد أنفجر ... لا أعلم سبب حمرة وجهي أهو الخجل من إنتصابي أم شيء آخر ...
حاولت أن تساعدني في حملي لكني رفضت ببسالة ... سبقتني للممر ... لو كنت أعمى ستعيد هزات ردفيها لي بصري ... لم أعلم أهي حاسة لدى المرأة تمكنها من إكتشاف متلصص يمشي خلفها ... أم هي ثقة في ما تملك جعلتها تلتفت فجأة لتضبطني بالجريمة المشروعة ... مؤخرة كهذه يعاقبك القانون لو لم تتمتع بالنظر لها ...
أدارت وجهها ... أقسم أني أحسست بها تبتسم ... وقفت أمام الشقة رقم 2 ... فتحت محفظة يديها ... قبل أن تتم فتحها نطق لساني " لا لا مش لازم ... هذا أقلّ واجب " ... سحبت سلسة المفاتيح وفتحت باب الشقّة ... ثم سحبت الحقائب للداخل وودعتني بنظرة قتلتني حرجا ... يا ليتني كنت ترابا ...
عدّت للمصعد ... أغلق الباب ... نظرت لنفسي في مرآته ... لطمت خدي على حمقي ... خلتها ستقدّم لي بقشيشا ... لم أرد أن تشعر أني أقلّ منها ... فتأكدت أني أحمق غبي ... لطمت وجهي وبدأت بالصراخ ... خرجت من باب العمارة يقضم الندم أطراف صدري ويجرح الحرج داخله ... أمسكتني الغصة ... جلست على الكرسي أضع جبيني على أصابعي ... من تكون تلك اللوحة ؟؟؟ ... الشقة واحد ؟؟؟ ... صاحبة البيت أصغر من أن تكون أمّها وهي أبعد بالشبه من أن تكون أخت صاحبه ؟؟؟ لا يهم فقد خسرت كل نقاطك قبل البداية ...
صوت فرامل سيّارة تقف أمامي ... فتح باب التاكسي في نفس اللحظة التي رفعت فيها رأسي ... الفردة اليمنى لحذاء بكعب عالي أبيض تحط على الأرض ... جوارب سوداء شفافة تعلو حتى منتصف الفخذ ... فخذ أبيض إنحسر عنه قماش تنورة زرقاء قصيرة ... الفردة الثانية تجتهد للخروج من السيّارة ... إرتفعت الرجل اليسرى للأعلى قليلا ... مثّلث قماش كيلوت رمادي يصوب نحو عيني كرصاصة قناص ... عشر جزء من الثانية سيرسم صورة تسكن خيالي لسنين ... تجمدت حركات الكون كلّه ... إلتقت فردتا الحذاء ببعض متجاورتين ... ركبتان متاسقتان تغالطين العين بقماش الجوارب الشفافة ... فجأة نزل الستار على المشهد ... معطف طويل أنهى لقاء عيني بأجمل ما رأت ...
جف حلقي وعينان تراقباني مشدوهتين ... السيدة سهام زوجة الدكتور ... تضع بعض أكياس المشتريات على الأرض ... لم تقدر ركبي على حملي وذبذبات ذلك الصوت الحنون تدغدغ أوتار رغبتي ... " إيجا هز معايا ... شتقعد تتفرّج فيا برشة " ...
إنتهى أمري لقد ضبطتني أختلس النظر لها ... قفزت نحوها وحملت عنها الأكياس كلّها ... تنفيذا لأصول الإتيكيت .. تركتها تسير أمامي ... خشيت أن تضبطني أتلصص على مؤخرتها فيقضى على أحلام الوصول لزوجها ... فغرست عيني في الأرض ... كدت أسجد شكرا لحظي أني أفلت من الرصاصة حين إلتفت ووجدتني أنظر للأرض ...
يبدو أن أيّامي صارت معدودة بهذه العمارة ... وجهها تحوّل للون الأسود غضبا من فعلتي ... كأن المصعد صار يزحف صعودا ... عيناها تخنقانني رغم أنها تشيح بنظرها للإتجاه الآخر ... توقف المصعد ... جاهدت نفسي أن لا أنظر لخلفيتها المبهرة ... لم أفهم سرّ غضبها ... إعتقدت أن أدبي سيمثل إعتذارا عن قلته الغير مقصودة وهي تنزل من التاكسي ... وجهها زاد سوادا ...
وضعت الأكياس أمام باب الشقة وهممت بالهرب ... ما إن خطوت خطوتين حتى لحقني صوتها الذي يبقى عذبا رغم غضبها ... " إيجا هنا وين ماشي ؟؟ " ... تراجعت نحوها مطيعا أمرها بالعودة ... فتحت حقيبة يدها ... لم أتحرّك حتى أتبيّن ما ستفعله ... مرارة إحراجي قبل قليل لم تزل تغطي حلقي ... سحبت كيس نقودها ... وضعت في يدي ورقة نقدية ... " عيشك يا مدام ... مش لازم ... هاذي خدمتي " ...
نظرت في عيني نظرة إحتقار و كره ... نطق حلقها بغلّ حارق ... " إجري جيب زوز خبزات وباكو مالبورو أبيض " ... قبل أن يصل المصعد للطابق السفلي ... نزفت خدودي دما من كثرة لطمي لها ... كل تلك التفاعلات النفسية دفعتني للجري ... أن تحرج نفسك مرّتين في وقت قصير وبنفس الطريقة .... شيء لا يحتمل .... إنقباض وتقلّص في كل عضلات جسدي ... أفرغت حالتي في الجري ... وضعت الخبزتين وعلبة السجائر ... بين يديها ... لم أرفع رأسي فيها وهي تقف عند الباب ....
خنقتني الغصة ... وخنقت نفسي ... صعدت لغرفتي ... أجرّ قدمي ... الماء البارد تبخّر بفعل حرارة وجنتي ... كل تصرّفاتي خاطئة ... لم أتعلّم شيئا رغم الثلاث أسابيع التي مرّت عليا في هذه العمارة ... أشعلت سيجارة ووقفت قرب سور السطح ... الأواني البيضاء كلّها في إتجاه واحد ... ذلك الطبق قرر التوبة والعودة لصف إخوته ...
نزلت أسفل العمارة ... رغم أنه ليس هناك من داعي لذلك لكني لزمت مكاني ... ثم رحت أجول كل الحي ... كطواف أغسل به ذنوبا إرتكبتها عيني ... لم أرفعها من الأرض ... طفت وجلت وطفت وجلت ... حتى تعبت قدمي ...
صعدت غرفتي غيّرت ملابسي ... نزلت عبر سلّم المطبخ ... تسلّمت طبق عشائي من حبيبة ... نظرت في عينيها مستجديا حضورها ... مرارة هذا اليوم يجب أن تغسل بشيء من الحنان ... إشتقت لحبيبة ... لأي حبيبة كانت ... لم تعدني بشيء ... خاب أملي ... شحن جنسي و مرار خيبة وفراغ ... لم أستطع الأكل ...
نزلت للشارع ... خرجت من الحي ... تجوّلت حتى تعبت قدمي ... دخلت مقهى شعبي في حي الفقراء ... لا أحد يهتم ... صراخ وسباب وشتم ... لعب ورق ... عراك ... دخان الشيشة يغطي المكان كسحب ... وضع النادل قهوتي أمامي ... وقف ينتظر ثمنها ... في مثل هذا الحي يجب عليه التصرّف بهكذا فضاضة لتتجنّب الخسارة ... الأمر اكثر من عادي أن يهرب زبونك دون سداد ... تركني سعيدا بما أعطيته ... أشعلت سيجارة ورحت أندب حمقي ... غريب أمر نفسية الإنسان ... عندما تجلد نفسك ... يتحفّز فيك شيء يدافع عنك ... كمحكمة داخلية ... لسان دفاع ولسان إدعاء ... مرافعة الدفاع بعثت في شيئا من الأمل ...رجل عجوز يدخن سجائر مهرّبة يسعل حتى كادت رئتاه تخرج من حلقه ... ترك رقعة بصاق صفراء على الأرض أمامي .... تركت ذلك المكان بضوضائه وقرفه ورائحته ...
في الطريق نطق لسان الإدعاء ثانية ... مجرّد أسابيع قليلة في حياة الرفاهة جعلتك تقرف ممن هم أشبه بك ... تخيّل كيف يراك سكان العمارة ... مدام فريال ... مدام سهام ... اليايانية التونسية هذه ... ناهيك عمن يمرون بجانبك ولا يرونك ... ضع قدميك على الأرض ولا تحلم ...
ما إن وضعت قدمي على السطح ... نور غرفتي مضاء ... هل تركت الباب مفتوحا عند خروجي ؟؟؟ ... لا يمكن ؟؟؟ هناك من فتحه وأشعل النور ... حبيبة ؟؟؟ هل إستجابت لدعوتي ؟؟؟ ... كنت متأكدا أنها لن تصبر على فراقي ... خرقت الهدنة وصعدت ... مجرّد تخيلها معي دفع إنتصابي على أشدّه ...
دخلت الباب ... مؤخرة مرفوعة للأعلى ... ورأسها على السرير ... هي هكذا تعودت الترتيب ... لم تجدني فراحت ترتب الفراش ... تحضيرا لمعركتنا ...
وقفت خلفها ... وضعت يدي على وسطها ... سحبتها نحوي و غرست زبي بين جانبي مؤخرتها ... فركت رأسه بينهما ... قبل أن أنطقي بشوقي لها ... أفلتت من يدي ... رأس يطلّ من خلف كتفيها ... عينان تشتعلان نارا ... مدام سهام ؟؟؟؟
توقف الدم في عروقي وقلبي عني النبض والأرض عن الدوران ... تفتحت عيناها على آخرها مصدومة مما فعلت ... أراد لساني التحرّك معتذرا ... " أنا آسف كنت فاكر... " ... فجأة تداركت نفسي ... سأفضح نفسي و أفضح حبيبة ... وقفت تعدّل ملابسها ... غرست عيني في الأرض والحرج يقتلني ... صدق المثل التونسي " تقدّم تجي في الواد ... توخّر تجي في حجر عبشّة ... (سبق وأن أعلمتكم أني لا أعلم من هو عبشّة وجاري البحث عنه) ... لو إعترفت سأناك ولو صمت سأناك ... بما أني مناك من الناحيتين ... سأحفظ سرّ حبيبة وأتحمّل وزر تسرعي بنفسي ...
نظرت مدام سهام في عيني مباشرة ... سهام عديدة إخترقت قلبي ... لم اعرف أين أذهب وماذا أفعل ... دفعتني بعنف لأفسح المجال لها للخروج من الباب ... مرّت أمامي بسرعة البرق ... ألقيت بنفسي على السرير منهكا ... لا يمكن لقلبي الصغير أن يحتمل كل هذا التقريع ... لطمت ضميري .. إخرس فلست مذنبا في شيء ... هو القدر يدفع تجربتي في هذه العمارة لنهاية سريعة ... تبا لك من حظ ...
مجرّد تخيّل منظري وأنا أقف مطأطأ رأسي أمام الدكتور وهو يقرّعني ... يقرّعني ... سيعدمني ... تحرّشت بزوجة نائب موقّر ... سأدفن في السجن على أقلّ تقدير ... مصير أسود بسواد هذا الليل الثقيل ...
هل سيكتفي بطردي ... يستحيل ... سيشتكى للشرطة ... سأنال جزاء سنمار منهم ... ثم سيسلّط القاضي عليا أقصى عقوبة ... لن يقبل أحد إعتذاري ... المرّة السابقة نجوت بأعجوبة من مدام فريال ... هذه المرّة الوضع مختلف ... لا زوجها عجوز ولا مقعد ... ولم تعتدني أو أتقرّب منها حتى يدفعها جنون رغبتها نحوي ...
فريال نفسها لم تندفع نحوي ... جرذ مثلي سيلوث قداستهم ... ما الحل ؟؟؟ جبت السطح جيئة وذهابا ... الساعة لم تتجاوز التاسعة والنصف ... سألملم أدباشي ... لا أحد يعرف هويتي الكاملة ولا عنواني ... يفيقون غدا فلن يجدوني ... غيابي سيحلّ كل المشاكل ... لا أعتقد أن شخصية مهمة كالدكتور سيلوث سمعته من أجلي ... سأهرب وينتهي الأمر ....
دخلت الغرفة ... لملمت ملابسي الجديدة ... حشرتها بسرعة في كيس قماش ... سحبت ثروتي الصغيرة من مخبأها ... عددتها قاربت الألف دينار ... تكفي لشراء عنزات أرعاها بالقرية ... وأعود سيرتي الأولى ... يبدو أن هذه المدينة لا تتقبل وجودي ... دخلت الحمام أتخلّص من ألم إسهال سببه الرعب ... إسهال أبى أن يتركني أرحل ... كلّما وصلت الباب دفعني للعودة للحمام ... فرغت بطني لكن أمعائي لا زالت تعتصر ... ركبي بدأت ترتعش ... لم أعرف ما أصابني ... فترت عضلاتي .... جاهدت نفسي للوقوف ... أي تأخير سيفسد خطتي للهرب ... وقفت أجاهد نفسي ... نظرت لنفسي في مرآة الحمام ... لوني أصفر ... عيناي غائرتان ... إقتربت من باب الغرفة ... وقفت عنده قليلا ... قبل إطفاء نورها رحت أجيل النظر بين أرجائها كأني أودّعها ... ما إن أطفأت النور حتى وصلني مربع ضوء قادم من باب السلّم ... ظلّ رأس طويل يزحف نحو رجلي ... جف حلقي وتوقّف قلبي ... ما هي المصيبة القادمة نحوي ... رفعت رأسي أتبع الظل الطويل ... إنتهت رجلاه بحذاء منزلي نسائي ... رفعت عيني تدريجيا ... جزء صغير من جلد أبيض يعكسه نور السلّم الخفيف ... قماش حريري لروب منزلي أبيض ... رفعت رأسي لأصدم بعيني سهام تخرق نظري بسهام عينيها ... دمعت عيني رعبا دون رغبة مني في البكاء ... حاولت إخفاء دماء عيني بأن لحقتها في طرف مقلتي قبل أن تفلت ...
لم أجد ما أقول ولا ما أفعل ... كنت انتظر وصول ظل زوجها نحوي ... غرست عيني في الأرض أرتّل كل الأذكار التي أعرفها مودعا الدنيا ... سكرة الموت جعلت أقدامي تضطرب ... أصابني الصمم والعمى معا ... لا أدري كم لبثت ... فجأة إلتقطت أذني ذبذبات صوت عذب ... صوت لا غضب فيه رغم جدّيته ....
" شوفلي الفيشة بتاع سلك التفزيون وقعت تحت سريرك " ...
لم أصدّق أذني ... كنت أنتظر إطلاق الرصاص علي ... لم أتحرّك ... حتى نهرني الصوت آمرا بسرعة التحرّك ... لم أفهم ما المطلوب لكني ألقيت كيس ملابسي من يدي ... دخلت غرفتي أبحث عن الفيشة ... رعبي ورهبتي وإرتباكي انسياني إشعال الأنوار ... رغم الظلمة فقد تحسست يدي مكانها... قطعة معدنية صغيرة ... تقدّمت من مدام سهام التي لازالت تقف عند الباب ... أمسك القطعة المعدنية بحذر بين سبابتي وإبهامي ... ركبي تصطك كلّ ما تقدّمت خطوة منها ... وقفت أمامها مكسور العين ... ومددت لها الفيشة وبقيت أنتظر ... لم تأخذها من يدي ... بقيت تنظر لي أهتز أمامها كفرخ سقط من عشّه ...
" مدادهالي شنعمل بيها ؟؟؟ تحرّك رجعلي الإرسال المسلسل قريب يبدى "
أرجع الإرسال ؟؟؟ ... نعم سأفعل ؟؟؟ ... سأرجع الإرسال ... سأغيّر مدار القمر الصناعي ... ولو إستوجب الأمر ... سأمثّل لها المسلسل لو فاتتها منه لقطة ... المهم أن لا تخبر زوجها ... زحفت على ركبي نحو الطبق اللاقط ... وجدت السلك ملقى على الأرض ... جاهدت رعشة يدي حتى ثبتُ الفيشة على السلك ... إن إستجاب السلك لي أوّل الأمر ... لكن حشره في ذلك الثقب الضيق على رأس أعلى الطبق .. يتطلّب تركيزا لا أمتلكه ... رعشة يدي وإرتجاف ركبي من الرعب و ما خلّفه الإسهال في عضلاتي ... زده وقوف مدام سهام خلفي ... لم أوفّق رغم تكراري المحاولة ... ضجرت مدام سهام من إنتظاري ...
- شبيك ؟؟؟ لتو ما كمّلتش ؟؟؟
- لا قريب نكمّل ... ما لقيتش النقبة ؟؟؟
- (دوى ضحكها بالمكان ... لم أفهم السبب ... كلمة الثقب هي السبب) تقريب عندك مشكلة مع النقُب ...
- (ضحكها أعاد لي جزء من الطمأنينة ... صوتها العذب برّد نار رعبي ... على وقع كلماتها إنحشر السلك النحاسي في الثقب الضيق ... لم أعلم كيف خرجت تلك الكلمة من فمي ) هاني حشيتهولك يا مدام ... .
أزعجتها قلّة أدبي قبل قليل وأضحكتها زلّتي العفوية ... لم أتمالك نفسي عن الضحك ... تركتني مشدوها وإنسحبت نازلة السلّم ... لم تزل تضحك من اللقطة الطريفة ... حتى غاب خيالها عني ... راحة شديدة شعرت بها ... سعادة من أفلت من حبل المشنقة ... دخلت غرفتي مرتعشا ... كلما تذكّرت تلك الكلمة إنتفظت ضاحكا ... ضحك ممزوج بالسعادة ... بدأت بطني تقرصني ... تريد تعويض ما خسرته بسبب الإسهال ... تناولت عشاءي ... حتما لن يكون العشاء الأخير ....
فتحت باب الشّقة أشهق من الضحك ... عفوية هذا الشاب تأسرني ... بسيط لدرجة الغموض ... رغم أنه منذ تعيينه حارسا بالعمارة لم يرفع نظره في ... لكنه اليوم كان مختلفا .... فتحت التلفاز ... مسلسلي التركي اليومي بدأ منذ قليل ... فاتتني منه بضع لقطات ... لم أغضب من الأمر ... على غير العادة ....
الشقة فارغة ... هادئة كعادتها ... هدوء أقرب للموت ... ماجد لا يحدث صوتا ... منذ إرتبطت به وهو هادئ ... هادئ في كلّ شيء ... هدوء أقرب للرتابة ... هو يظن انه بذلك يوفّر لي الراحة ... لكني أفتقد ونسه ونفسه ... صوت عالي ... موسيقى عالية ... ضجيج ... عنف ... إنطلاق ؟؟؟ ...
لم يكن هكذا وهو يلقي علينا الدروس ... صوته كان يهز أرجاء المدرّج ... يل الجامعة ككل الكل كان يهابه ... شخصيّة قوية ... يلسع أذاننا بنقده اللاذع ... كنا وكأن الطير تحط على رؤوسنا وهو يلقي كلماته الفصيحة علينا ... أستاذ في العلوم السياسية والقانون الدستوري ... لم يتجرّأ أحد من الطلبة على التغيّب عن حصّة واحدة له ... أحيانا بعض طلاّب الإختصاصات الأخرى يتسللون للنهل من معارفه ... كان متزوّجا ... سيّارته القديمة تقف أمام الجامعة ... الكل يعرفها ... تلك السيّارة كانت سببا في معرفتنا ... تعطّلت به في يوم ماطر ... كنت رفقة زميلتي نمضي بعض الوقت في مقهى ...
توقّفت بجانبه بسيّارتي رباعية الدفع ... كنت ساعاتها أغيٍّر السيارات ... كما الأحذية والرجال ... مانع في الركوب معنا ... أقسمنا له أننا لا نخبر أحدا ... مذ جلس بجانبي ... أحسست أنه مختلف ... رجل من طينة أخرى ... صارم ... قوي ... يتكلّم بطريقة يصعب تقليدها ... حتى عندما يمزح .... مزاحه يختلف ... أذكر أني لم أنم ليلتها ... شخصيته سكنت روحي ... سيطرت على تفكير ... قادت حركاتي كلعبة يتحكّم بخيوطها .... المحاضرة القادمة ... الكل يغرس رأسه يكتب ما يمليه من تعليمات ... إلا أنا ... ثلاث ساعات لم أمسك قلمي لأخط كلمة ... لم أبعد عيني عن عينيه ... طاردته أينما حلّ ... كل ما وقعت عينه في عيني تلبك وتلعثم كلامه ... أحسست أن سهامي أصابته ...
سرعان ما وصلته رسائلي ... جذبه جمالي ... موقعي ... نسبي ... ثروتي .... تخلّى عن زوجته الأولى ... فكرة الإرتباط برجل أكبر مني سنا ... مطلّق ... فقير ... كانت بمثابة القفز من أعلى المئذنة للوقوع في قاع البئر ... مانع الجميع ذلك ... مجلس العائلة طردني من دائرة الحظوة ... لا يهم كنت أحبه حبا لم أقدر على كبح جماحه ...
ثم بدأت الصدمات .... إكتشفت أنه لم يكن دكتورا هو معيد بالكليّة ... خمسة عشر سنة لم يرتقي فيها درجة ... إنسان بلا طموح ... فاشل على جميع النواحي ... إحساسه بالنقص أمامي يخنقه ... لا يرفع صوته بالبيت ... أكلت أطراف أصابعي ندما .... خسرت كلّ شيء ... وحظيت به هو ... قرار متسرّع مني وطمع متزايد منه ... عملت موظفة بالمحكمة ... موظفة إدارية بشؤون الموظفين ... أنا التي كانت تنفق بلا حساب صرت أقسّم الراتب الشهري ... هذه للكراء وهذه للطعام ... دفعته للنجاح نكاية بنفسي ... صبرت فقط كي اثبت لأهلي أني على حق ...
بعد الثورة وفي خضم تلك التخمة السياسية ... إستعملت إحدى معارفي ليصل لشاشة التلفاز ... الكل كان يحلل ويناقش ساعتها ... أنا أوصلته وهو تألّق .... سرعان ما نجح في الإنتخابات وصار نائبا ... بارك أهلي زواجي حينها ... بعد خمس سنين .... خصوصا وأن ثروتنا تشوبها عدّة شبهات ... صهرهم المحقور سابقا صار سندا لهم ... بدأت الهدايا تتهاطل عليه ... سيّارة ... شقّة ... قطعة أرض ... فجأة صار نسخة مقيتة من أبي ... فاسد جديد بنكهة ثورية .... أبي كان فاسد بطعم وطني ... ذهبت كلّ تلك المثل التي صدّع بها أذني يوما ... رغم ذلك بقي تحت حذائي ... لا يكح إذا كنت موجودة ... حتى النفس يحاول كتمه ....
كم جلدت نفسي وأنا أتابع خطبه الرنانة عن الفساد والفاسدين ... لم يتغيّر شيء سوى أن الثورة فتحت الباب لكل الرعاع أن يتسلّقوا السلطة فتزاوجت سلطتهم بالفساد القديم ... رعاع كانوا سابقا يزحفون تحت الأرض ثم تحولوا لأبطال الورق والكلام ... فقط من لم يرضخ لهم وقع حسابه على فساده ...و بالتأكيد الكل خضع ...
أمر غريب أن يصدر هذا الكلام من بنت أحد سادة الفساد ... لم أكن أبالي بأحد في الماضي ... في عائلتنا كل شيء مباح ... الخمر ... التدخين ... المخدرات ... الزنا ... لا حدود ... كنت أمقط تلك الحياة .... ربما إستقامة ماجد سابقا هي التي شدتني له ... رجل بطعم آخر ورائحة أخرى ...
كم صرت أمقط رائحته ... منذ وئدت تلك الرضيعة وأنا أمقطه ... إحدى العاملات بالوزارة طلبت مني أن أتوسط عند زوجي أن يجد سريرا لإبنتها في مستشفى الأطفال ... حقّك في العلاج في تونس يمر عبر التدخلات ليصبح منة عليك الشكر من أجلها .... منظومة صحية هي إحدى ضحايا الفساد ... بل أبرزها ... وفعلا فعل ... كان صديقا لمزود وزارة الصحة بالأدوية ....
توقف قلب الشعب يوما ... مجزرة في حق الملائكة ... دواء فاسد تسبب في وفاة رضع قادهم فقر ذويهم لمستشفى تشرف عليه الدولة ... لجئوا لها ... فأرسلتهم لمن يحميهم أكثر منها ...
لن أنسى أبدا عين تلك العاملة وهي تتخبط وراء شاشة التلفاز ... أنجبتها بعد 18 سنة من العقم ... قالت أنها باعت كل شيء ... حرمت نفسها من كل شيء لتجمع ثمن عملية تلقيح صناعي ... زوجها يرتجف كاليتيم ... قامت الدنيا ولم تقعد ساعتها ... برامج .... إذاعات ... جرائد ... الشعب كلّه يصرخ ... ثمّ هدأ كل شيء ... حكومتنا تعاملنا كصيّاد الذئاب ... الرصاصة الثانية تنسيك الأولى ... مصيبة وراء مصيبة حتى نسينا من أين بدأ الألم ...
لا أعلم أيحق لي أن أتكلّم بصيغة الجمع .. هل أنا من الشعب ... أم من الحكومة ؟؟؟ ... هل أنا ضحية أم مسؤولة .... حب ماجد لي جعله يسرني أنه يمسك دليل إثبات على تورّط شركة صديقه في إهمال تسبب في فساد الدواء ... التستر على الفساد يدرّ المال الوفير ... المكافأة ... فيلا فخمة بصدد البناء في حي فخم ... مبروك عليا ددمم الأطفال ... فهمت الآن لماذا حرمتني السماء من القدرة على الإنجاب ... ربما هي طريقة السماء في محاربة الفساد ... لا نتكاثر ربما ننقرض ... أنجع حلّ ... حتى لو إنقرضنا سينبت غيرنا ...
من المذنب حقا ؟؟؟ الشعب هو من يختار الفاسدين ... ديمقراطيتنا يشهد بها العالم ... العملية نزيهة وشريفة... لكن الطرفين هما الفاسدان .... المرشحون والشعب ... صبيحة هذا اليوم قدّمت إستقالتي من الوزارة ... لن أعمل ثانية ... سأنفق كل ما يجمعه ماجد من الفساد ... في الفساد ... سأمتّع الشعب ...
مذ وقفت سيّارة التاكسي أمام العمارة وكياني المبعثر تشقلب رأسا على عقب ...تلك النظرة الثاقبة من منذر الشاب هذا بين فخذي تثقب قلبي ... لم أفهم السبب ... ألف عين وألف قضيب غاصت فيه قبل زواجي ... لكن هذه العيون الزرقاء تختلف ... لها طعم آخر ولون آخر ... سرعان ما خاب أملي لما أشاح بوجهه عن مؤخرتي ... كل العيون تتوجه لها إلا هذه البحرية ... هل يعقل أن يكون يحب خادمة فريال لهذه الدرجة ؟؟؟
... من خطفت أستاذا من زوجته يمكنها خطف بواب من الخادمة ... لكنه يتجاهلني ... كدت أخنقه بالمصعد ... صببت جام غضبي عليه ... رغم قسوتي معه وقف صامدا أمامي ... صموده هز كياني ... هزم كبريائي ... تجاهله لي يخنقني ... مكثت أراقب بيت فريال ... حبيبة لم تسلل للسطح كعادتها ولا هو دخل شقتها ... قررّت الصعود سأستعمل سلك التلفاز كتعلّة تفسّر تلصصي ... السطح فارغ ... دفعت باب غرفته بحذر ... الغرفة خالية ... أشعلت النور ... لا أحد هناك ... بقعة دائرية على لحافه ... لن تخطأها عيني ... هي مائه لا شك ... قرّبت أنفي أتشمم رائحتها ... فجأة غرس بين فردتي مؤخرتي تلك العضلة الضخمة ... لم أفهم ما عليا فعله ... دفعته وهربت لشقتي ... روحي تتصارع ... صراع بلا نتيجة ... المصيبة أن الإرسال مقطوع عن التلفاز ... ما سيسليني تلك الليلة ... صعودي للسطح ثانية كان بعد مجهود حاولت فيه أن أتمالك نفسي ... لن أكون فريسة سهلة له ... ليس منذ المرّة الأولى ... صعدت السلّم والرهبة تملأني ... وعدت والضحك يخنقني ... عجيب هذا الفتي ... مستسلم و ممانع ... مطيع وعنيد ... صلب وناعم ... بارد لدرجة محرقة ...
منذ رأيته وهو يعانق حبيبة قرب الباب وأنا متأكّدة أن شيء مريبا يحصل بينهما ... ليس مريبا بل هو طبيعي ... إمرأة وحيدة وشاب صغير ... دخوله العمارة كان فجأة ودخوله عقلي كان بترتيب ... لا أعلم أهو ترتيبي أم ترتيب الأقدار ... مذ رأيته على السطح ... تلك الفوطة القديمة ... صدره العاري ... عضلات منمقة من صنع الطبيعة ... لا قصد فيها ... وضوح غامض ... شرارة وقدحت في صدري ... عفويته ... لم أعلم ما السبب ... محاطة بخيرة الرجال ... روائح عطرة وملابس فخمة ... ربما هو شوق من تعودّت الأكل الفخم لتذوق سندويتش شعبي على قارعة الطريق ...
ليلة طويلة مرّت عليا ... ما حدث قد حدث ... لا مجال للتراجع ... ولا مجال للتقدّم ... سأتبع خطوات القدر ... لكني لن أحاول تغيير الطريق ولا عرقلة تلك الخطوات ... الفرصة تأتي مرّة واحدة ... ربما هي فرصته ؟؟؟ أو فرصتي ؟؟؟
فرصة لا يمكنني تفويتها .... مدام سهام لم تغضب مني ... لم تطردني ... لم تنزعج من هفوتي بل ضحكت في وجهي ... ضحكة أنارت روحي ... المصباح الخفيف في الغرفة يرسم ظلي على الحائط ... مسحت فمي ونظّفت مكان الطاولة ... أشعلت سيجارة وخرجت للسطح ... ثلث الليل لم يمضي بعد ... حبيبة لم تأتي وفريال تاهت ... عجوز النحس هذه ... قدومها لم يكن في الوقت المناسب أبدا ... عرقلت خطوات لم تخطى بعد في طريقنا ...
طريق حياتي يجب أن يبدأ عبرها ... زوجها شخصية مرموقة وسيساعدني ... هو يبدو شخصا ودودا لكن دفعة من زوجته سيجعله يلبي طلبي ... طلب بسيط ... حقي في عمل يحفظ كرامتي ... كرامة تولد فينا ثم سرعان ما تسرق ... دولتنا تعاملنا كمتسوّلين ... نستجدي حقنا في التعليم ... حقنا في نقل مريح ... حقنا في تسلّق درجات طموحاتنا ... حقنا في الأكل ... في الأمن ... في الصحة ... الحياة لم تعد حقا بل منة يمنون بها علينا ...
ألقيت بظهري على الفراش ... رفعت نظري للسقف ... عنكبوت صغيرة يجاهد لبناء بيت في ركنه الأيسر ... تابعت حركاتها ... بدأت عيني تثقل تدريجيا ... تقلّبت على جانبي مقابلا الحائط ... تكاسلت عن إطفاء النور ... إنعكاس ظلي على الحائط رسم تموجات كجبال الأفق في قريتنا ... مخلفات الدهن التي نحتتها إسطوانة دهان مستعجل على الحائط ... تتشكّل في خيالي وجوها ورسوما ... هذه وجه سيدة ... *** ... عنزة ... جبل ... نجمة ... لعبة ممتعة سرقت تفكيري المنهك ...
أجري بين سفوح الجبال في قريتنا ... أطارد قنفذا صغيرا ... دخل في أكمة خضراء ... تبعته ... مدام فريال تقف أمامي متأنقة تلبس فستان عرس أبيض ... فستان عجيب ... صدرها الأبيض يطلّ منه بحلمتيه الورديتين عاريا ... حبيبة بلباس رحالي رسمي أسود ترفع الخامة الشفافة عن وجهها ... تنظر لوجهها مباشرة ... القنفذ بلباس شيخ المدينة يعلنهما زوجين حتى يفرقهما الموت ... تقابلت شفتاهما في قبلة الزواج الكاثوليكي ... بكت عيني حتى وقعت دموعي بين حجري ... مدام سهام في روب حريري أبيض شفاف يمنعني من التملي في جسدها ... خارجة من تحت الطاولة التي يخط عليها القنفذ بنود عقد الزواج ... وجهها يبتسم لي ... همست في أذني " ما تكبرش كرشك باش ما تموتش بالشرّ " ... أنا بطني ليست كبيرة ... لست طمّاعا ... رغم أني ميت من الجوع منذ ولدت ... زغردودة بربرية تصم أذني ... فاطمة فوق شجرة صنوبر تطالع رواية كعادتها لكنها تبكي ... سرب ذئاب يعوي مرددا صوت زغاريدها ... ثديان يهتزان خلفه ... يطاردانه ... تلك السيدة التي قابلتها تجري في ساحة الحي يوما ... تمرّ أمامي بسرعة البرق تريد اللحاق بثدييها ... نظرت في وجهي وحركت أصابعها دائريا ... مرّة أخرى ... فرصة أخرى ... وقت آخر ... ما تقصد ...
تلك الفتاة اليابانية ... عارية تمارس اليوغا بين قدمي فريال التي ذابت بين شفاه حبيبة ... ثلاث نساء لم أحدد ملامحهما تبركن تحت قدمي ... تركعن تحتي ... إحداهن وقد غطّت رأسها تخرج حديدة من بين فخذيها وتهوي بها على خصيتي ... رغبة شديدة في التبوّل ... أمسكت زبي وتبوّلت على وجههما ... سعيد بتخلصي من الألم ... من القهر ... تبوّلت عليهن جميعا ... حتى القنفذ القديس ... رششت مائي على الجميع ... عمّدت رؤوسهم ... تطهرت من ذنوبهم ....
فتحت عيني مستغربا هذا الحلم العجيب ... الحلم الوحيد الذي تحقق في حياتي هو أني تبوّلت في فراشي ... قفزت من مكاني مفزوعا ... غارقا حتى الإبطين في القذارة ... رائحة الشياط تعمي العيون ... فضيحة سريّة ... يجب تفاديها ... هرولت نحو الحمام ... خلعت ملابسي وفتحت ماء الحنفية عليها .... كأني أخدع نفسي بأن الماء هو سبب بللها ... إغتسلت ولبست ملابسي ... نظرت لحشية السرير ... مبلولة حتى صارت تقطر من تحتها .... نزعت اللحاف وألحقته بالملابس تحت الحنفية ... يجب إخراج الحشية لتجف تحت نور الشمس ... لكن الرائحة ستبقى ... سحبتها حتى وسط السطح ... سطل من الماء وبعض الصابون وتخلّصت من عطر الغفلة ...
يجب إخفائها حتى لا يكتشف امري زائر للسطح ... لم أجد حلا سوى سطح الغرفة ... جاهدت لرفعها وقد تضاعف وزنها بفعل الماء ... أنهيت مهمتي الشاقة وقد بدأت الشمس تسطع ... كنت أهم بالنزول ...
نظرة بسيطة على اليمين ... شبابيك صغيرة متراصفة فوق بعض ... أحدها ينبعث منه نور ... زجاجها الصلب يخفي ما بداخلها ... شكل جسد يتحرّك خلفها ... يرفع يديه للأعلى ثم ينحني ... ينزع تيشرت عن لحمه ... ثديان بارزان منه ... هي أنثى ... حسب ترتيب الشبابيك هي شقّة في الطابق الثاني ... لكن هي أيهما ... الثالثة أو الرابعة ... دخلت صاحبة الجسد تحت الدش ... فهمت ذلك من ضباب كثيف شكّله بخار الماء الساخن على البلّور البارد ... مشهد ضبابي لكنه شدني لمتابعته ... تمركزت فوق السطح أتابع حركات مموهة ... غسل للشعر ... فرك طويل للثديين ... طول فترة الإنحناء تؤكد عناية بغسل الرجلين أو ما بينهما ...
أطلقت العنان لخيالي ... قضيبي الذي خنقه البعد إنتصب على أشدّه ... وضعت يدي أداعبه برفق ... وتهت ... فارقت أرض الواقع رفعني محرّك الحلم البخاري بقوة 60 حصانا للسماء ... وقعت من سطح الغرفة متفاديا أن تكشفني صاحبة البيت عندما فتحت الشباك فجأة ... حاولت الوقوف متألّما ... عظامي تكسّرت ... سقوط حرّ من علو منخفض على أرض صلبة ... كرة صغيرة خلف أذني بدأت تدفع لتذكرني بحقها في الألم ...
محاولا إكتشاف الأضرار في جسدي ... وقفت و أنيني يملأ المكان ... صوت رنين من جهاز المناداة في الغرفة ... الشقة 5 تريد خدمة ... نزلت أعرج وألعن حظي والدكتور معا ... مدشدش الجسد ... تائه الفكر ... وقفت أمام الباب ... فتح ببطئ وهدوء كالعادة ... وجه مدام سهام يطلّ بخجل وأثار النوم على عينيها ... سحبتني من يدي بعنف للداخل ... توقّف قلبي ... حركة غير متوقعة منها ... ما تريد مني ؟؟؟
لصقت الحائط أنظر للأعلى منتظرا حركتها الثانية دون نفس .... تخيّلتها ستضع يدها على صدري وتداعب قضيبي ... أو هكذا تمنيّت ...
" تفهم في الماء ؟؟؟ " ... جملة لم أستسغها ولم أفهم مقصدها ... نظرة نحوها مندهشا ... وجهها دون رتوش لكنه رائع ... أثار النوم على عينيها ... شعرها منكوش ... تيشرت أخضر قصير تطلّ منه ذراعاها الناعمتان من كتفيها حتى معصميها .... حلمات صدرها موجّهة نحوي كمنظومة صواريخ ... صرّة بطنها مكمشة تسحب جلد بطنها العاري بين التيشرت والبنطلون الحريري ... لم أتمالك نفسي ولم أستطع النطق ... الحلم والتبوّل والشباك والسقوط ... كل هذا ينتهي في ممر بيت مدام سهام الشبه نائمة أمامي .... لا شي يعمل في عقلي ...
- قتلك تفهم في الماء ؟؟؟
- أفهم فيه إزاي ؟؟؟
- تعرف ترجعلي الماء يمشي ؟؟؟
- أرجعو يمشي فين ؟؟؟
- إنت مازلت راقد ؟؟؟ الماء مقصوص ؟؟؟ تعرف ترجعو ؟؟؟
- مش عارف بس هو في السطح موجود ... غريبة يقطع عن البيت هنا بس ؟؟؟
- أدخل شوف ؟؟؟ رجعلي الماء ماعادش بكري باش نخرج ....
دخلت الباب ... لم أقدر أن أدوس أرضيته بقدمي ... هو أصلا ليس بالحمام ... لا يمكن تشبيهه بشيء ... غرفة واسعة مغلّفة بسيراميك مزركش ترى إنعكاس وجهك عليه ... أرضية رخامية تحسبها لجّة من نقائها ... حوض كبير بدرجات في جانبه الأيمن ... مغسل مدور في يساره ... كرسي حمام مزركش بجانبه ... مصعد كهربائي أمامي ... أو ثلاجة ؟؟؟ ...
حنفياته مذهبة ... وقفت لا أعلم كم من الوقت لكني متأكد أن عضلات وجهي آلمتني من كثرة فتح فمي دهشة ... كيف سأصلح الماء هنا ؟؟؟ هل هي متأكدة أنه كان يوجد هنا ماء قبلا ؟؟؟ ... تقدّمت محاذرا السقوط وسهام تراقب حركاتي المتوجسة من خلفي ... وضعت يدي على حنفيّة المغسل ... نظرة لكفي قبل ذلك خشية تلويثه ... لا ماء فيها ... أصلا الماء يستحي للوصول إليها ... أجلت نظري في الأرجاء ... معرض لعلب الصابون والشانبو والكريمات في خزانة بلورية ... ومحلّ لبيع الفوط والمناشف والبشاكير بجانبه ...
الماء يأتي عبر القنوات بكل تأكيد ... تبعت أحدها خلف المصعد ... لم أجد شيئا ... كيف الحل لإيجاد العطب في هذه المتاهة ... علبة صغيرة تحت خزانة الصابون مثبتة في الحائط ... تبدو كعداد أو شيء مماثل ... فتحتها فيها زر أحمر والأخر أخضر ... ما إن لامست الأخضر حتى سمعت صوت غرغرة في الأنابيب ... أنبوب مثبت على الحائط إنطلق كثعبان هائج ... يقذف الماء بقوة في كل ركن من الحمام ... وقفت مصدوما ثواني أراقب حركته ... تلك الثواني كانت كافية لأستحم من شعري حتى قدمي ... صوت صارم من حلق سهام الحنون ... " إزرب سكرو ... سكرو " ... نظرت نحوها وهي تشير لحنفية مثبتتة في الحائط فوقه ... دفعتان إضافيتان رشني بهما ذلك الأنبوب المجنون حتى تمكنت من إخماد روحه ... ملابسي إلتصقت بجسدي ...
تقدمت مني مدام سهام معتذرة وقد بدت مبتسمة من طرافة الموقف ... قالت أنها فتحت الحنفية ونسيت إغلاقها بما أن الماء مقطوع ... أرضية الحمام صارت بحيرة صغيرة ... بعض القطرات تتساقط من حيطانه الناعم زاحفة كحلازين خرجت تستقبل ندى الفجر ... هي فرصة وقدّمت لي على طبق ... بعض الخدمات المجّانية ستقربني من مدام سهام وبالتالي أحقق هدفي مع زوجها ...
خرجت مسرعا نحو المطبخ ... صرت أعرف مكان حفظ أدوات التنظيف من المرّة السابقة ... سرعة عودتي منعت كلمات أن تخرج من حلق سهام التي إندهشت من فعلي ... قبل أن تنتهي دهشتها ... بدأت أنشف حيطان الحمام ... ثم أشفط الماء بالممسحة من الأرض ... دخلت تغسل وجهها تتخلّص من أثار النوم ... جاهدت رقبتي ألا تستدير نحو المغسل لتسترق النظر لها ... لكن جاذبية الحرير على تلك المؤخرة قادرة على تغير مسار الطائرات في عليائها ...
طول الفترة التي قضتها تعتني بفرك وجهها بأنواع الصابون العديدة ... سمح لي بأن أشبع رغبتي الشقية ... سحبت منشفة وخرجت تتقي بقع الماء على الأرض ... تمشي على أطراف أصابعها ... إرتفعت مؤخرتها للأعلى فإرتفعت القبّة على بنطالي ...
سعدت أن وجهها كان مخفيا وراء المنشفة ... لم تلحظ ما أصابني منها ... بدأ إلتصاق تيشيرتي بلحمي يزعجني ويعيق حركتي ... خلعته وشمّرت سروالي ... صدري عاري وقصبتى رجلي كذلك ... كنت أشبه بمن يتأهب لقطع وادي... بدأت أركّز على عملي محاولا تناسي رغبتي ... نعومة رخام الأرضية صعّبت الأمر عليا ... رفعت عيني أبحث عن شيء أنشّفه به ...
سهام تقف قرب الباب تضع مرفقها على حافته وقبضتها تحت خدّها ... لم تغيّر ملابسها ... أفزعني وجودها الشبه مفاجئ ... كانت تراقب حركاتي بعين ثابتة ... خشيت أن لا يعجبها صنيعي ... فطلبت منها " ما عندكمش خيشة ؟؟؟ " ... لم تجبني إلا بعد تكرار الجملة ثلاث مرّات ... غابت لدقيقة في المطبخ ثم مدّت لي ممسحة قماشية إستخسرتها في مسح الأرض من فخامتها ... ثم إنسحبت ... للمطبخ ....
دخلت المطبخ هربا من حرجي ... وجود هذا الشاب النصف عاري أمامي في بيتي لوحدنا يلهب ناري ... خدودي إحمرّت لتعكس حرارة جسدي ... لن أتبع خطوات القدر ولن أمنعها ... بل أنا من سيسطرها ... لن أترك هذه الرغبة المجنونة تحرق روحي ... يحب أن لا أتركه يخرج ... رغبتي به تحرقني ... وبنطلونه يعكس رغبته بي ...
وضعت إيناء الحليب على النار ... بعض البسكويت والحلويات ... الزبدة ومعجون التوت ... حمّصت بعض الخبز البائت ... أعددت طاولة الإفطار لأوّل مرّة في حياتي ... إحساس جميل بأني سيدة بيت ... الدلال في بيت أبي منعني وإنبطاح زوجي جعله خادما لي ... أفيق فأجد فطوري حاضرا ... هذا حدث تاريخي سببه وجود منذر بجانبي ...
أتم عمله بالحمام وقف أمامي يحمل تيشرته وحذائه المبلولين ... يطلب الإذن بالإنصراف أو إن كانت لي طلبات أخرى ...
- وين ماشي ؟؟؟ إيجا حاجتي بيك ؟؟؟
- أمرك ياهانم ...
- أقعد على الكرسي
- (رأيت يده ترتعش وهو يسحب الكرسي خوفا ثم جلس ) أمرك ...
- شتخرج حوايجك مبلولة ؟؟؟ ما يزيش ما مزبلتك
- لا بهدلة ولا حاجة يا مدام ... داه واجب ...
- (نظرت في عينه أتطلّع ما يقصد فلم أفهم ) هات حوايجك نغسلهملك
- (كاد يقفز من مجلسه حرجا لطلبي) لا لا يا هانم مش مشكلة حأغسلهم لوحدي
- هات برك ... شنغسلهم بيدي أنا ؟؟؟
تجرّأ ومدّ يده يقضم بعض ما قدّمت له ... جوعه أطلق يديه تلتهمان ما أمامه ... إكتفيت أنا بفنجان القهوة ... وضعت يدي على خدي ومرفقي على الطاولة أراقب صمته ... عيناه تتحاشيان النظر لي ... هل حبيبة أجمل مني ... هل يحبها ... ألم يثره جسدي ؟؟؟ ...
بدأت نار أخرى تلتهب في صدري وهو يتحاشى النظر لي ... كدت أنطق وأفسح عما يختزنه صدري ... فجأة سمعت صوت باب الشقة يفتح ... ماجد عاد ؟؟؟ ... أمر غير معقول ... أسبوع الجلسات في البرلمان يبيت في النزل مع زملائه ... ما الذي آتى به ؟؟؟ مصيبة لو ضبط منذر في البيت معي ..... أمرت منذر بالخروج من باب المطبخ ... تركته يستعد لذلك وهرولت للممر مرعوبة ...
قفزت من مكاني مرعوبا من هذه المصيبة ...لو ضبطني زوجها هكذا نصف عاري سأعدم على المكان ... صوت مدام سهام ترحّب به مستغربة عودته يصلني من الممر يؤكد أنه على بعد خطوتين مني ... فتحت باب المطبخ ... لم يكن باب المطبخ بل باب الثلاجة ... صوته يؤكد أنه في عتبة الباب ... أجلت عيني باحثا عن المفرّ ... بعيد عني ... سيضبطني ... فحشرت نفسي بسرعة في الثلاجة وأغلقت الباب من الداخل ...
هي ليست ثلاجة بل شاحنة نقل بضائع ... بركت متقرفصا في جزء صغير متحاشيا إحداث جلبة ... أحسست بتنهيدة الراحة تخرج من صدر سهام أننا لم نضبط ... دخل زوجها للمطبخ مستغربا ما تفعل ...
حشوة للأعماق من سهام عندما أعلمته أن الحمام فاض وقد قامت بتنشيفه لوحدها ... حشوة حارة منها جزاء لعملي ... آخرة خدمة الغز علقة على رأي المثل المصري ... المصيبة أن هذا الأقرع وضع الأواني في آلة التنظيف ... ونظفها بنفسه معتذرا لسهام عن الجهد الذي بذلته ... لم ينتبه لملابسي في الغسّالة ولا لكون الآواني تكفي شخصين ... ولا حتى لوجودي أسفل الثلاجة وهو يعيد بعض العلب لها ...
فقط سهام تغيّر لونها للأسود رعبا ... أُغلقت الثلاجة في وجهي وغاب الصوت ... بدأت برودة جدرانها تخز ضلوعي والظلمة تطبق على روحي ... تابوت فرعوني بارد ... بقايا البلل على صدري و هذا البرد وإنعدام القدرة على التنفس ... إنتهى أمري ... لو صرخت ضبطت ولو سكت قتلت ...
صوت غلق الباب الخارجي بقوّة يؤكّد نهايتي ... نور ساطع وظلّ رأس سهام تسحبني من يدي وتفتح باب المطبخ وتدفعني خارجا ... لم أتمالك نفسي ... ألم السقوط ... والبرد والجلوس متقرفصا في درج الثلاجة ... كل ما في يؤلمني ... لم أستطع تقويم عمودي الفقري إلا بصعوبة ... صوت صراخ يأتيني من السطح ... الدكتور يناديني ... قفزت الدرجات قفزا رغم الألم ... عيناه تشتعلان غضبا وسط وجهه الأحمر البغيض ... صلعته الصفراء يخرج الدخان منها ... ما إن لمحني حتى أسرع نحوي أمسك رقبتي يخنقني ...
- وين كنت سي الشباب ؟؟؟
- (إبتلعت ريقي بصعوبة) كنت بنظف السلّم ؟؟؟
- شنيّة العملة إلي عملتها ؟؟؟؟
- (رأيت ملكي الحساب يتأهبان ... لقد ضبطني ) عملت إيه يا باشا ؟؟؟
- مش عارف روحك شعملت ؟؟؟
- (بدأت قبضة يده تضغط بعنف) مش عارف ... بس آسف لو غلط في حاجة ...
- (دفعني بقوة حتى إرتطم رأسي بالحائط من الخلف ... نفس مكان الكرة التي نبتت فيه عندي سقوطي) آسف ... شنعمل بيه الأسف متاعك ؟؟؟
- (بركت على ركبتي أبكي ألما) يا باشا هو أنا عملت إيه بالضبط
- (لو زاد صمته قليلا كنت سأعترف أني كنت مختفيا في ثلاجة بيته) يعني شبيك ما تشوفش المدام كان تستحق حاجة ؟؟؟ متكبّر علينا سيادتك ؟؟؟
- (بدات أتنفس قليلا ماسحا دموعي) أنا كنت فاكركم مسافرين ... مش في البيت
- (بلهجة سخرية مني) مسافرين ؟؟؟ مش في البيت ؟؟؟ (نظر في عيني بعنف ) من هنا لقدّام ... كل يوم تشوفها تستحقش حاجة وتنظف البيت وتغسل الماعون وكان لزم تحضرلها العشاء
تحاملت على نفسي حتى دخلت الغرفة ... إصاباتي تؤلمني وروحي تنزف ... جلست على حافة السرير أضغط بيدي على مكان الألم في رأسي ... دموعي تنهمر ... كرهت هذا الرجل حتى وددت قتله ... هذه حقيقتهم ... متعالون متكبرون ... نحن العبيد وهم الأسياد ...
غرقت في دموعي ... حين خلت أن الحياة تفتح شفتيها تنوي التبسم لي ... أسقى كلّ هذا العلقم ... ما ذنبي ؟؟؟ .... بدأت ألعن العمارة بساكنيها على الحي على العاصمة على البلد بأسرها ... ربما هو عقاب السماء لي ... لم أفعل شيئا يستحق هذا ...
ربما هو عقاب على علاقتي بحبيبة ؟؟؟ ... لا بل رغبتي في مدام فريال هي السبب ... الأكيد أنه طموحي ... كنت أنوي التقرّب منه ليرفعني فلطمني ... رسالة واضحة أن ألزم حدودي ... لو ضبطني عنده في الشقة لقتلني ... مجرّد أنه توهم أني قصّرت في خدمة زوجته كانت نتيجتها هكذا ... يجب أن أراجع حساباتي ... لكن لا يحق له أن يشتم أمي ...
صوت خطوات يأتي من بعيد ... تصعد السلّم ببطء ... صرت أرتعب من قدوم أحدهم ... هل هو الدكتور عاد ليكمل صب جام غضبه ... لو كان هو سأكسر يديه وألقيه من السطح ... وليكن ما يكون ...
نار الغضب تشتعل في صدري ... رفعت رأسي لألمح مدام سهام تقف عند باب السطح ... صوتها الحنون الخافت يناديني ... موجة الغضب منعتني أن أرد ... باب الغرفة يقابل باب السطح ... رفعت رأسي لألمحها تقدم نحوي ... وقفت عند الباب طويلا تنتظر أن أرفع رأسي وأنظر لها ... عيناي تلتصقان بالأرض كأنهما موثقتان نحوها ... صوتها الحنون يطفئ ألسنة غضبي ...
- تسمحلي أدخل ؟؟؟
- (لم أرد عليها ... فقط ذلك النفس الثلاثي المتتالي الذي يصعد من الصدر عندما تحاول إنهاء البكاء قبل الأوان ... إهتزاز صدري أحرجني أمامها ... الرجال لا تبكي )
- إنت زعلان مني ؟؟؟ ... تسمحلي أتكلّم معاك ؟؟؟
- (صوتها العذب ونبرة صوتها المكسورة هزمت كبريائي) على أساس من حقي أمنعك ... ما هو أحنا لعبة عندكم ... أعملو فينا شتحبو ...
وضعت يدها على كتفي العاري ... ثم بدأت تداعب شعري كأم حنون ... لا بل كصديقة مقرّبة ... لم يربّت احد على أحزاني من قبل ... لم أشعر بتلك الحنية والحنان سابقا ... أصابعها اللينة تدغدغ جلدة رأسي تغوص في خطواتي ... حاولت كبت نحيبي إحتراما للمساتها فلم أقدر ... فإنفلت غصبا عني زفرة حارقة إهتز لها صدري ... وإهتز لها كيانها ... أظافرها تغوص في رأسي .. كأنها تحاول إقتلاع الذلّ من ذاكرتي ...
- أنا آسفة ... أنا السبب ... بس ما كانش قدّامي حل آخر ...
- ... (حاولت الرد لكن ليونة يديها على رأسي جمّدت شراييني)
- ياه للدرجة دي زعلان مني ؟؟؟ هو ماجد عملّك إيه ؟؟
- (رغم كل ذلك الحنان وتلك الأنوثة مجرّد ذكر إسمه أمامي أشعل نار غضبي فإنفجرت في وجهها ) لا ماعمل شي ... مزبلني ... طيحني في القاع ... ضربني بكفوف ... ضربني بساقو ... سبلي أمي ... (لم أعلم كيف إنتفضت من جانبها رفعت عيني في عينها وإنطلق كلامي كالرصاص ... أنا واقف وهي جالسة منكسرة على حافة السرير) شوف يا مدام ... أنا صحيح زوالي وفقير ... لكني عشت وتربيت راجل ... مش خاطر عندكم نفوذ وشوية فلوس باش تستعبدونا ... ورحمة أمي إلي راجل سبها ... غير قدّرت إنه راجل كبير وفي عمر المرحوم بابا ... كنت كسّرتلو يديه وطيشتو من فوق السطح ...
- (أرادت الكلام لكني كنت أسبق منها ) ....
- (توجهت نحو خزانة الملابس وبدات أجمع ممتلكاتي) ... يلعن بو الخبزة إلي تخلّف الذّل .... نروح لبلادي ... نسرح بالمعزات ولا خبزتكم المرّة ...
هي تقولّ " يزي " وأنا أقول " سيّب " ... لا أنا توقّفت وإكتفيت ولا هي أطلقتني .... يداها الناعمتان لن تقدرا على كبح حركتي طويلا حتى لو تساهلت معها في نزال ودي ... حركة بسيطة مني وإنفلت من قبضتها ... إلتفت نحوها ... عيني تنظر في عينها مباشرة ... أمسكت يديها بقوّة ... ضغطت على أصابعها حتى سمعت طرقتهما في كفي ... عينها بدأت تلمع من دمع سببه الألم ... لا أدري كيف تجرّأت ودفعتها بعنف على السرير ... كنت انوي إبعادها عني ...
سقطت على السرير بقوة ... رباط روبها القطني إنفك بفعل الصراع الطويل بيننا ... إنفرد روبها القطني الناعم تحتها على السرير ... صدرها الأبيض الناعم مفرود أمام عيني ... جسدها الطري عاري أمامي إلاّ من كيلوت أزرق صغير ... فخذان مدوران وقصبتا رجل كعيدان المرمر ... أذهلني المنظر ... السياق كلّه لا يحتمل إلا إتجاها واحدا ... لم أشعر بنفسي إلا وقد إرتميت فوقها ... وضعت يدي على معصميها أشلّ حركتها ... غاصت شفاهي في رقبتها ... كنت أتوّقع مقاومة منها ... لكنها لم تتحرّك ... إغتصاب ناعم ... قرّبت شفتي الساخنتين بفعل الغضب من شفتيها ... لم تستجب ولم تشح بوجهها لتمنعني ... عقلي توقّف عن التفكير ... لن أفسّر شيئا ولن أقرأ عواقب خطوتي ... فل يكن ما يكون .... رحت أقبّل رقبتها نزولا بعنف ... عنف الجائع ... عنف السجين ... عنف الفقير ...هو عنف الثائر لا ريب ... وصلت شفتاي لمفرق صدرها ... مفرق لا فرق في إختيار الإتجاهات فيه ... هو سراط سواءا سقط عن يمينه أو شماله وجدت النعيم ... نعيم رضعت عسله من حلمتها الوردية ... تصلّبت وإنطلقت تعانق لساني أوّل ما لامستها ... إرتخاء عضلاتي يديها جعلني أطلق سراح معصميها ... يدي اليمنى تداعب ثديها الأيسر تعصر الخمر من نعومته ... خمر وصلتني رائحتها الفوّاحة من تحتها ... رائحة جذبت فمي ليزحف زحفه المقدس نحو بطنها ... طاف لساني بصرّتها ....وخزت الرائحة أنفي أكثر سرعان ما لبيت النداء ... بركت أرضا على ركبي ... غطس رأسي بين فخذيها ... قماش الكيلوت الناعم يبدو خشنا أمام نعومة جلدها ... دوائر قاتمة تؤكّد أن العسل فاض من شمع شفرتي كسها ... بضر صغير ناتئ تحت القماش الناعم ...
لم أخلع عنها الكيلوت ... مزقته بأسناني ... كذئب جائع في ليلة شتاء قارس ... عواء زعزع أركان الغرفة أوّل ما وصل طرف لساني للمفرق الوردي ... مفرق يزداد حمرة كلما غصت فيه ... كأنهر عسل مهل نار جحيم الجنة ... شفتاي عذّبت بضرها ... سحبته للأعلى .. عضضته بعنف ... حركت رأسي كسمكة تريد التخلّص من خيط صنّارة ... كلما صارعته سحبني نحوه ...
بدأت تخرج عن حيادها ... أصابعها الناعمة تحيط برأسي ... تقبض على رقبتي .. تريد حشر رأسي داخلها ... بطنها تهتز ... صدرها يرتفع للأعلى ... تواتر حركتها أنبأني أني أحسنت عملا ... قلّدت حركة حبيبة مع فريال مع لمسة ذكورية ريفية عنيفة ... إختلط لعابي بلبن جحيم رغبتها ...
توقفت فجأة وإنسحبت للوراء ... كنت أحرّك رجليا بعنف للتخلّص من بنطلوني حين رفعت رأسها من على السرير مستفسرة في خجل عن سبب توقفي ... عيناها الخجلتان إنفتحتا عن آخرهما ... قضيبي موجه نحوها كرمح يتأرجح ... أعتقد أن شفتيها أرادت الحركة ... لكني أمسكت برجليها من الأسفل ورفعتهما للأعلى متلاصقتين ... دون مقدّمات ودون إعتراض ... إنغرس قضيبي دفعة واحدة داخل كسّها ... حرارة جدران رحمها إلتقت بنيران الغضب والرغبة في دمي ... حركات سريعة دخولا ونزولا ... تقوسّت بطنها معها لترفعها للأعلى معتمدة على كتفيها ... صدرها مال يمينا ويسارا ... وضعت رجليها على كتفي ... وأمست بوسطها ... ضغط مضاعف في حركة عكسية ... طعن عنيف يدك رحمها ... كنت أستشعر حركتها من وقع ضرب كعب رجلها على كتفي ... حركات إهتزازية تزيد في عنفي ... بدأت آهاتها المكتومة تنفلت مع زلزلة أصابت جسدها ... كذبيحة تتخبط بين يدي ... أنا تعمّدت كتم آهاتي ... كتمت آهاتي وأفرغت رغبتي ... أفرغت كبتي وقهري ... جوعي وذلي ... نعم السيطرة لها طعم آخر ... سيل لبني يندفع نحو وجهها ... صدرها ... بطنها ... بين فخذيها ... ماء الرغبة المقدّسة يعمد خصلات شعر على جبينها ...
تراجعت خطوتين للوراء ... الحالة الطبيعية للإنسان ... يساورك الندم بمجرّد إنتهاءك من المتعة ... الغضب أول الفعل و الندم آخره لم يتركا لي الفرصة للتملي في جسدها الغض الطري ... حملت خوفي وهربت من أمامها تركتها مضرجة بماء رغبتينا وإنسحبت ... لم أجد مخرجا وأنا عاري سوى الحمام ...
لم يعد هناك مجال للتراجع ... لقد وقع ما وقع ... سأنتظر النتيجة .... فتحت ماء الدش ودخلت تحته بسرعة غير مبالي بغليان دمي وتجمّد الماء .... حركة خفيفة تأكّد أنها بعثت من مرقدها ... وقع خطواتها يقترب مني ... رأسها يطلّ من باب الحمام ...
وجهها جامد لا حركة فيه ... خمسة عشر سنة سجنا على أقلّ تقدير مع الرحمة والتخفيف ... طال صمتها وموتي ... نظرت نحوي طويلا قاستني من الأعلى للأسفل ... لم تتغيّر ملامحها .... ثم إنسحبت ... كاد يدركني الموت قبل أن يصلني صوتها ...
" الماء في الحمام عندي سخن ... بس تعالى من باب المطبخ ... "
على كلماتها عاد النبض لقلبي ثانية ... قبل أن أتحسس صدري لتأكّد أنه فعلا ينبض ... أطّل رأسها من باب الحمام ثانية ... أشارت بكف يدها اليمنى وبسبابة اليسرى ووسطها للرقم سبعة .... قبل أن أستفسر عن الأمر إنسحبت ... فراغ كبير أصابني لغيابها عني لثواني ... قبل مغادرتها باب الغرفة ....
" الساعة سبعة بالضبط ... بس من باب المطبخ مش من باب الثلاجة "
الجزء الرابع
سهام
---------------------------------------------
نزلت من سلّم السطح ... كل خطوة أخطوها للأسفل تصعد بروحي للسماء ... نزول المنتصر ... كفريق هزم في المباراة لكنه ترشّح للدور المقبل ... أهداف سجّلها منذر في شباك رغبتي ... لكنها رفعت رصيدي من النقاط ... مفارقة عجيبة وغريبة ...
فتحت باب الشقة بعجل ... سرعة من تريد الإنفراد بنفسها ... أغلقته خلفي وإستندت بظهري عليه ... أغمضت عيني أسترجع ذكريات ملحمتي القريبة ... كل تلك القوة في الفعل منه والإستسلام مني ... كل جزء في جسدي صار عبدا له ... خلعت الروب ... ودخلت غرفتي ... وقفت أمام المرآة أتأمّل جسدي ... بقايا مائه المقدّس تلتصق بجلدي ... على رقبتي ... حلمات صدري ... بطني ....
خلعت كيلوتي وقرّبته من أنفي ... أثار أسنان منذر التي نحتت رسما في صخر عمري ... قشعريرة أصابت جلدي لمجرّد ذكرى تلك اللحظات القريبة ....
إستلقيت على سريري وأغمضت عيني .... لم أنم ولم أصحو ... ذلك الشعور الجميل بالإستسلام يرفعني ... يمنحني جناحين أرفرف بهما في جنّة المتعة ... متعة من حصلت على جائزتها دون تعب .... ما كنت أراه بعيدا صار من الماضي ... بعض الأخطاء تكون نتيجتها أصوب من الصواب ... لولا تدخّل ماجد في سيرورة الحركة لكنت الآن أخطط لإستدراجه ... غضبه وما فعله بمنذر جعل الموضوع يسير بشكل مختلف لكني وصلت لما أريد ... يجب أن أشكر ماجد على ذلك ... هدية من الحجم الثقيل أهدانيها دون قصد ... لم أستطع النوم ... ولم أستطع متابعة التفكير ... دخلت الحمام ... كطفلة خلعت عنها ملابس العيد غصبا ... أزلت ما تركه منذر على جلدي ...
نظرت للساعة ... لم تتجاوز العاشرة ... ليتني سبّقت الموعد ... ساعات الإنتظار طويلة ... غيّرت ملابسي عشرات المرّات ... مثارة حتى ****يب ... كمراهقة تنتظر لقاء حبيبها أوّل مرّة ... رغم أن رائحته لم تفارق أنفي إلا منذ ثواني ... لففت نفسي بروب منزلي ... وخرجت للشرفة ... المنظر جميل ... والطقس رائع ... أشعة الشمس تداعب مسام جلد وجهي ورقبتي ... تبعث فيهما الحياة التي زرعها منذر في شراييني منذ قليل ...
رحت أراقب الحي الساكن لا حركة فيه ... لا شيء سوى بعض الأعشاب الخضراء تداعبها نسمات صباح خريفي إستعار يوما من الربيع ... نور سطع في قلبي ... منذر يجول بالحي ... حركته نشيطة ... يحمل الأكياس يضعها في مقلب القمامة ...صوت مكنسته يعزف على أوتار قلبي سنفونية الخلود العاشرة ... يعرج قليلا ... يبدو أن ماجد قد كان عنيفا معه ... شعره الأشقر الناعم يعكس نور الشمس ليرسم طريقي ... مكافأة أنت يا منذر ... آخرة صبري ... أي صبر بل هو صوم ... صوم على شريعة مجهولة .... نفس الطعم يجعلك تملّ ... وإن كان لذيذا ... ناهيك لو كان دون بهارات كطعم ماجد ...
بدأت حالة من الرهبة تسكن قلبي ... ذلك الإنقباض الذي يزيد ألم الإنتظار مرارة ... خشيت أن يتراجع منذر ... ربما يعاتبه ضميره ... ربما يعتريه الخوف مما فعل فلا يأتي ... لم أشبع منه ... لم أتذوقه ... مراقبتي له تزيد في عذابي ... لم أعد قادرة على الصبر ...
دخلت البيت ... كجارية تعد الجلسة تنتظر قدوم سيّدها ... نظّفت الصالون ... فرشت غرفة النوم ... مسحت الأرضية ... خلت ان تلك الأعمال ستخفف توتري ... لكن هي آماني ؟؟؟ كنت أرى صورته في كل مكان ... حتى صرت أهز رأسي لطردها ... فتحت الثلاجة ... لا شيء يصلح للطبخ ... كل شيء معلّب ... كرهت الاكل الجاهز ... و الجنس الجاهز ... أريد أن أتمتع بإعداده ...
قائمة طويلة من الطلبات ... لحم وخضار وفواكه ... كل ما يلزم سيدة بيت لتعد سهرة لرجلها ... نعم هو رجلي منذ الآن ... ضغطت على زر جهاز المناداة ... لم يصلني صوت منذر من تحت ... لم يجبني بدأ قلبي يرتجف خوفا ... كنت متأكدة أنه سيتراجع سيخاف عواقب فعلته ... سيخشى سطوتي والأدهى سيخاف زوجي ...
منذر
-------------------------------------------------------------------
زوجها سيقتلني لو ضبطني ... هي لم تمانع ... لم تقاوم إغتصابي لها ... إستسلامها جعل للفعل طعما آخر ... بدأت أوصالي ترتجف وأنا أضغط على زر المصعد ملبيا ندائها ... كنت متأكدا أنها غلطة ستندم عليها ... ربما ستنتقم مني .... على أقلّ تقدير ستسوي الأمر معي كأن شيئا لم يكن ... ربما هي أمنية مني ... الميزان تكافئ ... هو ضربني وأنا إغتصبت زوجته ... لن تواصل علاقتها معي ... أي علاقة ... بواب يغتصب إحدى سيدات المجتمع الراقي ... ويطمع أن تواصل معه ... لكنها طلبت مني الحضور مساءا ... الأكيد أنها كانت مجرّد نشوة عابرة ... تلك الساعات التي أمضتها لوحدها كفيلة أن تعيد فيها حساباتها ...
خطوات ثقيلة متثاقلة ... تمنين لو طالت المسافة بين باب المصعد وباب الشقّة ... إرتعشت أصابعي وأنا أضغط على زر الجرس ... ثواني طالت كالسرمد ... أطلّ رأس سهام من فتحة الباب الضيقة ... نظرة لوم وعتاب رمقتني بها ... كاد قلبي يتوقف رعبا ... لم أشعر إلا بيدها الناعمة تسحبني بقوة من ياقة قميصي للداخل ... تغيّر الزمن و النور والمكان جعلني أغمض عيني للحظات ... قبل أن أدرك ما يحصل وصلني صوتها العذب ...
مش قتلك ماعادش تجيني من الباب هاذا ؟؟؟
أمال أجي منين ؟؟؟
من الباب لآخر ؟؟؟ هو مش مسكّر ... كيف تحب تجي إيجا من غادي
أحب آجي ؟؟؟
إنت ما تحبش تجي أحذايا ؟؟؟
لا مش القصد ... بس الدكتور ...
(رمقتني بنظرة سخرية حنونة) يا خوّاف ...
(تلك النظرة إستفزّت كرامتي ... وأعتقد انها قصدت ذلك) إلي خاف نجا (وغمزتها وعضضت شفتي السفلى) ...
لا ما تخافش ... اليوم عندهم جلسة مسائلة الحكومة ومش باش يرجع إلا غدوة
يعني إيه ؟؟؟؟
يعني ؟؟؟؟ يعني ؟؟؟ (أخفضت رأسها حياءا ... لم يكن حياءا بل كانت تركّز نظرها على أسفل بطني )
(نظرتها وحدها كفيلة برفع نسبة همّة جيوشنا العربية ... إستعد ذلك الطليع تطبيقا لتعليمات عينيها ... رغم غرابة الموقف لكنه مثير) ... يعني إيه ؟؟؟
يعني ... طول الليل حأكون لوحدي ؟؟؟
طب النهار ؟؟؟؟
لم أعلم كيف سحبتني نحوها ... حركة سريعة سحبت بها رباط روبها الحريري ... كأني أراها لأوّل مرّة ... ستارة نافذة راقية إنفتحت يمينا ويسارا ... تفتحت عيناها عن آخرهما ... نظرة تقطر رغبة ودلالا ... بياض جلدها يشع لينير ممر شقتها ... غضروف رقبتها يتراقص صعودا ونزولا يعكس أنها تجاهد لإبتلاع ريقها ... صدرها النافر جمد تحت سوتيانها الأسود الشفاف ... شبكة سوداء تلّف قبتي لحم طري أبيض ... ربما حركتي أو رغبتها قطعت عنها النفس ... كانت تنظر في عيني مباشرة ... تلك الرجفة الخفيفة على شفتيها كريشة صيّاد تستفز أعتى الأسماك للإبتلاع الطعم ...
غرّ مثلي يتلبك في خطواته الأولى في الجنس ... لن يقاوم كل هذا الإغراء ... الجنس لا يخضع لمنطق ... ولا لعلم ولا لتخطيط ... قدرة تضعها الطبيعة في مكان ما في عقلك تقودك دون وعي ... هجمت على تلك الشفتين كقرش جائع منذ خلق ... تلامس شفتي الجائعة بطرف شفتيها الناعمتين ... الجاذبية وحدها تتكفّل بتعديل الوضعيات ... حركة بسيطة من رقبتها وهي تلف يديها بأسفل رقبتي ... وضعت الشفتين متقابلتين ... لا أعلم هل كنت أرتوي منها أو أسقيها ... يداها الناعمتان تعبثان في شعري كأصابع **** أضاعت خاتم زواج أمها على رمال الشاطئ ... تجول دون هدى لكنها تصل لبغيتها ...
لم أعلم كيف إنزلق الروب الناعم عن جسدها ... لم تهتم لمكان وقوعه ... بل ساعدتني في التخلّص من مشبك سوتيانها ... كنت لا أزال أهتم بشفتيها حين تراجعت للخلف قليلا ... أصابعها تتحرّك بسرعة عجيبة تفتح أزرار قميصي ... كأنها هي من خاطتها وفصّلتها ... تعرف مكانها دون إرشاد مغمضة العينين وشفتاها تعصران رغبتي بين شفتي ... فجأة إلتصقت حلماتها الصلبة الناعمة ... نعم الطبيعة وضعت كلّ التناقضات في جسد المرأة ... وتفننت في نحت جسد سهام تحديدا ... حلماتها تخزني في صدري تستحث همتي أن أواصل ... تسللت يدي لأسفل ... أمسكت تلك المؤخرة بكلتا يدي ... عصرتهما كغريق يتشبّث بآخر أمل له بالحياة ... سحبتها نحوي ... بدأ قضيبي يتوق للحرية من محبسه ... فركته بين فخذيها ... حركة ثلاثية لو تدربنا عليها سنين لن نتقنها بتلك الدقة ...
أصابعها تفتح أزرار بنطلوني وأصابعي تغوص بين قماش كيلوتها المشبّك تسحبه للأسفل ... آهات مزدوجة خرجت من صدرينا عبر أنوفنا ... حرارتي أحرقتها وحرارتها أثلجت حنقي الأبدي ...
لم أعلم كيف تخلّصت من ملابسي ... عاري تماما ملتصقا بمركز حرارة الكون بين يدي ... زبي يضطرب بين أصابعها ... كأنه يشكرها على صنيعها مكتفيا بذلك مطالبا بالمزيد ... فتحت عيني أبحث عن ملجأ ... عن مكان مناسب أنهي فيه هذه اللحظات الوردية ... أو أبدأها ...
باب الصالون بعيد ... وباب الغرفة موصد ... أحسست أني لو تحرّكت سيتغيّر طعم تلك اللحظة ... ستتغيّر رائحة تلك المتعة ... ستخفت حرارة تلك الرغبة ... وضعت يدي على وسطها ورفعتها للأعلى ... كانت كالريشة بين يدي ... **** صغيرة تتعلّق برقبة أبيها تستشعر الأمان ... شفتها تورّمت من الإحتكاك الناعم .... رحيقها سال على ذقني ... حلمتها تلتصق بصدري ... زبي يدق أبواب مفرق مؤخرتها ... حرارة ماء شهوتها يصليه نعيما ... وضعت يدي تحت مؤخرتها وهي متعلّقة برقبتي ... رفعتها للأعلى قليلا ... رأس زبي عرف طريق مدفنه ... سائر لحتفه طوعا كإنتحاري أقسم على أحد الخيارين ... النصر أو الإستشهاد .... نصرك وإستشهادك سواء ...
بدأت شفرات كسّها تتباعد معانقة طرف رأس زبي ... ما إن إستشعرت أن نصف حجم رأسه بدأ يشوى في حرارته ... حتى تركت يدي من تحت مؤخرتها ... دون مقدّمات إنغرس قضيبي بأكمله فيها ... آه عنيفة دوّت بالمكان ... خلت أن زبي المائل أفقيا سيخرق بطنها ويخرج منها ... أظافرها إنغرست في كتفي من خلف ... ألم ... أم متعة ؟؟؟ ... كنت أشعر أنها تحترق بين يدي ... أسندت ظهري للحائط ... لأحافظ على توازني ثم بدأت بالحركة ... أمسكتها من مؤخرتها ... ورحت أرفعها للأعلى والأسفل في حركة ميكانيكية مضبوطة الإيقاع والتوقيت ... زبي كالجذع المعقوف يغوص في زيت رغبتها ... بدأت ركبها تهتز ... وركبي تنساب ... بدأت أنسلّ تدريجيا حتى جلست أرضا ... ثم مددت رجليا وهي فوقي لا تجد من زبي فرارا ولا تبغيه ... تركتها تتولى الأمر ... كجنيّة تهتز فوق حرمه ... مؤخرتها الطرية تضرب فخذي ثم تهرب منها للأعلى ... بدأت أهتز ... وبدأت ترتعش ... رعشتها منعتها من مواصلة الحركة ... ألقت برأسها على صدري ثم ذابت ... روحي إنسحبت مع دفق مائي ...
ثقل رأسها على صدري لكن قوانا خارت ... على موكيت الممر كانت جولتنا الأولى ... نعم ما قبلها لا يحتسب ... أحسست بحبها برغبتها بشبقها بعطشها بجوعها يرويني ... نامت على صدري ونمت على البلاط ... سهام أفلتت من قوس حذرها ...
رفعت عينيها تنظر في عيني ... غرست أصابعها في رأسي تداعب شعري ... بدأ زبي يتراجع مفلتا من قبضة شفرتي كسها الرطبتين ... قامت متثاقلة من فوقي كأنها لا تبغي الفراق ... إنحنت تلتقط روبها من على الأرض ثم إلتفتت نحوي ... كنت أتبع جلد مؤخرتها الناعم ... لم أنتبه إلا وهي تختفي داخل الحمام ... كنت ألملم شتات روحي ... ما خلته إنتقام كان عربون حب يبدو أنه سيطول ... إغتصاب كدخلة شعبية ... فتح بابا تزيّن ما بداخله باللون الوردي ... صوتها الناعم يدعوني من الداخل ... خطوات سريعة كطير تجذبه دودة في فخ حريري ...
رغوات الصابون وروائحه تسحر أنفي تسحب روحي ... شعرها الأحمر يلقي بإنعكاسه الوردي على الماء ... حركة المائي تخلق دوائر كدوامات تسحب عيني ... تنويم مغنطيسي ... جاذبية الكون كلّها لا توازي جاذبية حركة إبهامها يدعوني للتقدّم ... لم أدرك نفسي إلا وأنا أقفز بجانبها في الحوض الساخن ... حرارة الماء لا تعادل حرارة ريقها ونحن ننهل القبلات ... هذه المقابلة تحتاج شوطا ثالثا وربما عديد الركلات الترجيحية ...
خرجت مثقل الخطوات ... منهك الحركات ... فقط قلبي يطير مرفرفا في الأرجاء ... نزلت لأرابط باب العمارة ... طعم اللحم البورجوازي لا يقارن ... صدق المصريون في وصفهم " لحم الهوانم " ... لا وصف أصدق منه ... جلست على الكرسي ورفعت رأسي للأعلى وأغمضت عيني ... روحي تحلّق فوق السحاب ... سعيد ... كلمة لا تكفي لوصف غبطتي ... الشمس تميل للعصر تعلن قرب موعدنا هذه الليلة ...
فجأة توقفت حافلة المدرسة ... نزل القردان الصغيران بصخبهما المعتاد ... هما إعتادا وجودي وانا إعتد وجودهما ... لكن حالتي لا تسمح بتسليتهما كالعادة ... منهك القوى ... طلبت منهما الجلوس بجانبي ... لم يتقبلا الأمر في البداية ثم وافقا مرحبين بإقتراحي أن أروي لهما قصّة ...
من تربى على يد جدتي ... سيكون حكواتيا لامعا ... قصّة أمي سيسي والقط (هي شخصية أسطورية لا علاقة لها بأحد حكام هذا الزمن) ... سيدة عجوز تكنس أمام البيت فوجدت قطعة نقود ... إشترت بها لحما وطبخته لإبنها فسرقه منها القط ... قصّة طريفة يعرفها كل الشعب إلا هاذين الطفلين ... إرتخاء أعصابي جعلني أرويها بطريقة أعجبت الطفلين ... يبدو أن شغفهما لم ينتهي بنهاية قصّتي ... كنت سأبدأ قصّة جديدة لكن سيّارة والدتهما توقفت أمام العمارة ... لم ينطلقا مسرعين نحوها مرحبين كعادتهما ... إنزعاج شديد بدى على وجهها ... رغم محاولتها التضاهر بعكس ذلك ... أمسكت يد إبنها الصغير وسحبته عنوة نحو باب المصعد ... أوّل مرّة أراها بتلك الحالة ....
سيّدة جميلة ... السيدة أمل .... هي الوحيدة في هذه الأنحاء التي تضع خمارا ... وجهها الأبيض يزداد تألقا تحت سواد غطاء رأسها ... عيناها الكستنائيتين على شكل قلبي لوز ... رموش سوداء داكنة تزينهما ببعض الماسكرا الخفيفة ... أنف مثلّث يتوسط وجنتيها الورديتين ... ويعلو شفتين حمراوتين ... رغم لبسها الواسع لكنه لم يستطع أن يخفي حجم صدرها الضخم ... لم أركز في سبب غضبها ... كل تفكيري كان منصبا في الجزء الثاني من هذا اليوم هذه الليلة الموعودة ...
أمل
--------------------------------------------------------------------
ليلة طويلة أخرى ... وحدة قاتلة ... حتى الولدان صارا أكثر إزعاجا ... منذ إنتقلنا لهذا الحي وأنا أشعر بالوحدة ... وحدة طالما رافقتني ... طفولتي المدللة عشتها وحيدة لا إخوة لي ... تربية صارمة ... أبعدتني عن الجميع ... عائلة ملتزمة حد النخاع ... كل شيء محرّم ... صديقاتي سيشوهن سمعتي بتصرفاتهن ... هكذا وصفت أمي علاقتي بهن ... من باب المدرسة لباب البيت ... والخروج يكون برفقة العائلة ...
أغلقت باب الغرفة بعد أن إطمئننت أن الولدين يراجعان دروسهما ... ضاق بي البيت على وسعه ... وحدة خانقة ... تخلّصت من حجابي من ملابسي ... وقفت طويلا أتملى شكلي أمام المرآة ... خطوط داكنة أسفل ظهري ... تعكس تغييرات في وزني ... مخلفات الحمل ... و فترة طويلة من اليأس ... يأس جعلني أدمن الطعام حتى تضاعف وزني ... ثم تداركت ... لم أعد لشكلي الطبيعي ... لكن شكلي صار جميلا ... تدور تضاريس جسدي يعكس ذلك ...
ما فائدة الجمال والجاذبية .... زوج بعيد لم أره منذ سنتين ... ملحق بالسفارة في الأراضي المقدّسة ... زواج أكثر من التقليدي ... والده خطبني من والدي ... قالت أمي أنه الأنسب لي ... ربما كان هذا صحيحا لو أني عاشرته وعرفت أخلاقه ...
زواج مرّت عليه إثنتا عشر سنة ... ولا زلت أشعر أنه غريب ... العري عيب ... حتى لو تعريّت أمام نفسك ... هكذا أوصتني أمي ... أسلاك شائكة زرعت على الحدود بيني وبين جسدي ... لففت نفسي بروب خفيف وإستلقيت على السرير ...
ألبوم صور زفافي يطل خجلا من رف يزين حائط الغرفة ... ذكريات لا ذكرى فيها ... وجوه لا ملامح فيها ... مشاعر لا أشعر بها ... خالد يبدو وسيما في الصور ... فستان زفاف أبيض لا يضهر منه سوى وجهي الأبيض ... وجه لا يعكس أي شعور ولا يحمل أي تعبير ...
ذكرى الليلة الأولى ... الرجل الأوّل ... القبلة الأولى ... الخيبة الكبرى ... خيبة من أجلت كل شيء لتلك اللحظة ... أوّل قبلة ... أوّل لمسة ... أول حضن ... أوّل رجل في حياتي ... دخلة لا روح فيها ... ككل النساء ذكراها لا تفارقني ... لكنها ذكرى مرّة ... فعل سريع ولا مبالات ... زواج كحكم بالسجن المخفف ... عزباء وأم لولدين ...
العزاء الوحيد هو أنه يجتهد لأجل مستقبله ومستقبل أولاده ... عمله في الخارجية يدر أموالا تكفي الجميع ... كثيرا ما طالبني هو واهلي بترك العمل .... لست بحاجة له ... هم يظنون ذلك ؟؟؟ ... العمل كان متنفسي الوحيد ... فرصتي الوحيدة للخروج من الأسر ... تسليتي الوحيدة ...
دخلت الحمام ... وقفت طويلا أمام الشباك الصغير ... ركزت نظري على السطح ... صدمت صباحا حين إكتشفت أن سطح غرفة السطح يطل على شبّاك حمامي ... أي مهندس رسم مخطط هذه العمارة ... أين درس الهندسة ...
أشعلت النور وأطفأته مرارا ... خلت أن تلك الإشارة ستسحب ذلك المتلصص الصغير ... لم أفهم شعوري ولم أتقبّله ... إثارة أن تكتشفي أن أحدهم يجهد نفسه بالتسلّق لذلك المكان لمراقبة جسدك كفيل وحده برفع منسوب الرغبة المنفجرة أصلا ... ألف سؤال طرحته هذا اليوم على نفسي ... هل كنت أنا المقصودة ؟؟؟ ... ربما كان يتلصص على غيري من الجارات ؟؟؟ ... في ذلك التوقيت كلّهن يكنّ في الحمام ... لا فقد وقعت عيني في عينه ... رغم المسافة أحسست بها ... لكن ما السبب ؟؟؟ مالذي دفعه لذلك ... حتى لو كان فظوله وشغفه لجسد مرأة مبررا بالنسبة لشاب في سنّه ... لكن لست أجملهن ...
وقفت أمام المرآة طويلا في حمام المكتب ... هذا الموقف سكن تفكيري ... هل أنا جذّابة ؟؟؟ سؤال لم أطرحه على نفسي قبلا ... مجرّد طرحه يعتبر إثما تجلد الروح بسببه ... تربية صارمة وتفكير عقيم ...
لم أستسغ لقمة من طعام العشاء ... لم أبالي بدموع الولدين وهما يخلدان للنوم دون قصّة ... أوّل مرّة أتفرّغ فيها لنفسي ...
دخلت غرفة النوم تطيّبت ... رطبّت جلدي بمراهم فوّاحة ... رائحتها تدغدغ الرغبة مرورا بخياشيمي ... وقفت طويلا أمام المرآة ... جسد أبيض جميل ... شعر أسود ناعم ... صدر كبير تئن بثقله كتفاي ... بطني هي الوحيدة التي شوّهت المنظر ... مؤخرتي رغم بعض الترهلات لكنها تبدو جذّابة ... جذابة لمن ؟؟؟ ... لا أحد يراني ... لباس " محتشم " فرض عليا فرضا ...
حتى في البيت رغم خلوه كنت أخاف العري ... كأن جسدي خطأ يجب عليا مداراته ... هذه اليلة لم تكن عادية ... لم ألبس شيئا ... عارية إلا من رغبتي تلفني ... نور خفيف ينبعث من فانوس بحانب السرير ... تتراقص تحت سلطته ظلال الأثاث ... ستارة النافذة ترقص في خجل مستجيبة لنغمات النسيم المتلصص من فتحات الشبّاك ...
نسيم يداعب مسام جلدي ... يبعث قشعريرة تتشوّك معها الشعيرات المجهرية على جسدي ... إستلقيت وقمت ... تقلّبت ... كمن تصارع النوم عبثا ... عقرب ساعة على الحائط يتحرّك ثابتا ... صوته صار يوازي دقات قلبي ... وضعت يدي على صدري أتصنت عزفه ... سنفونية حزينة تتخللها تنهيدة تحرق الظلوع ...
السرير البارد صار يشوي صبري ... كسجين إنفرادي رحت أجول الغرفة ... نعم عارية ... صدري يهتز ومؤخرتي تتأرجح ... مثّلت بظلي على الحائط مسرح الظلام ... هكذا حياتي هي ... إنعكاس مظلم لواقع مكبوت ... الكل يراني سعيدة ... لم أهتم يوما كيف يراني الناس ...
ولم أرى نفسي يوما ... فتحت كل الأدراج محاذرة أن يفيق أحد الطفلين ... مزاجي معكّر أصلا دون شغبهما ... فتّشت كل ملابسي ... لا روح ولا رائحة فيها ... فتحت خزانة خالد ... عبق الكمكمة يفوح منها ... كحياتي معه ... ركن لا يدخله النور ...
علبة صغيرة مغلّفة على شكل هدية ... كانت الحل الأمثل بالنسبة له للتعويض عن غيابه الطويل عني ... هي أوّل صدمة وآخرها ... زب إصطناعي ... فتحت العلبة ... شكل ذلك الشيء غريب لكنه جذّاب ... خليط سحري من مادة بلاستيكية لينة ... دقة تصميمه تجعل يشبه الحقيقي كثيرا لكنه بلا روح ... أصلا الحقيقي الذي جرّبته كان بلا روح ...
وضعت العلبة على السرير ووقفت طويلا أتملاها ... رجل يهدي زوجته قضيبا صناعيا للتعويض عن غيابه ... ألا يعتبر ذلك خيانة مني أو دياثة منه ؟؟؟ ... جسم غريب يخترق حرمة جسد زوجته برضاه ؟؟؟ ... هو رضي بذلك لكني لم أرضى ... سخرت منه كثيرا ... غروره ورجولته المزعومة جعلته يختار حجمه أقرب لحجم قضيبه ... ربما كي لا أكتشف شيئا جديدا في جسدي أو جسده ...
تهت في تلك الفكرة ... أليست تحيلا على الأخلاق ... أليست مراوغة للعرف والدين ... في النهاية ستعتبر خيانة ... كيف وصلت تلك الفكرة لرأسه ... أمسكت ذلك القضيب بين يدي قلّبته ... شممت ريحه ... تحسست روحه ... لم أشعر به ولم يجذبني ... ألقيته بعيدا عني وأغمضت عيني ... أصارع النوم حتى يطلع الفجر ...
منذر
--------------------------------------------------------------------
مع نور الفجر أطلقت سهام سراحي ... ليلة لن أنساها ما حييت .... حب ورغبة ونعومة ودفئ ... هكذا هي الحياة ... أو هي الجنّة ... كل ما فيها جميل ... رائحتها ... ملمسها ... نعومة جلدها ... حرارة جسدها ... طعم ريقها ... بقايا ماء شهوتها على شفتي ... أثار أحمر شفاهها على رقبتي ... خربشة أظافرها على كتفي ... لوحة رسمتها في حياتي ستتصدّر جدارية بطولاتي للأبد ...
فقط هو ذلك المجهود الذي بذلته ... لا أحد يمكنه أن يقوم بما قمت به أنا اليوم ... صعدت درجات السلّم لاهثا منهكا ... لكني طائر مرفرف سعيد ... جلست على حافة آخر درجة قرب باب السطح ... أحداث أربع وعشرون ساعة ... خوف و رغبة ... حزن وسعادة ... إغتصاب ونعومة ... حقد وحب ... جوع ونهم ... كل تناقضات الكون بين فجرين ... فجر الأمس وفجر اليوم ...
تحاملت ووقفت رغم إنهاكي ... لقد سحبت سهام عروقي ... توقّفت طويلا أنظر للسماء ... سحب داكنة تعلن إنتصاف فصل الخريف ... برودة هذا الصباح أكبر دليل ... فتحت باب غرفتي ... ضربت رأسي بكفي عندما رأيت أخشاب السرير عارية ... لقد نسيت تماما أني وضعتها على السطح لتنشف ... مجرّد تذكّر المعانات لتسلّق السطح تجعل مفاصلي تئن تلقائيا ...
جاهدت نفسي لأضع الصندوق الخشبي قرب الحائط ... ذراعي لم تستجيبا لرغبتي في التسلّق إلا بعد جهد ...الإجهاد جعلني أستلقي على الحشية بعد أن تأكدت من جفافها ... برودة قماشها من أثر ندى الفجر البارد بعثت قشعريرة في جسدي ... أشعلت سيجارة ... نفثت دخانها لكن مشاعري لم تنفث معها ... شيء ما يخنقني ...
البالونات الوردية ترتفع في الهواء خارجة من صدري ... روحي ترتعش مع كل ثانية أذكرها ... ما حصل مع سهام لا يوصف ...
بدأت أشعة الشمس الخجلة تصارع بعض سحب الصباح ... شيء من الدفئ يسري بين أوصالي المرتخية ... رفعت رأسي بجهد ... نظرت للأفق ... الصباح ينادي الكادحين ... كذلك الطامعين والراغبين ...
سحبني نور الشبّاك الصغير ... خيال جسد تلك المرأة تحت مياه الدش ... صورة مبهمة كظل فاتح ... الملامح غير واضحة لكنه مثير ... نمت على بطني وكفاي تسندان خدي ... نظري مركّز على تلك الشاشة الصغيرة ... شعور ممزوج بين الإرتخاء و الفتور ... لكن مشهدها مثير ... غريبة تلك الإثارة المبكرة لمن أمضى ليلة كليلتي ...
طالت فترة إستحمامها عن المتوقع ... طالت فترة تنشفها ... وترطبها ... تسريحها ... لا أعلم السبب لكن المشهد أثارني ... المجهود الجسدي وكثرة الإنفعلات النفسية ليوم أمس عطّلت كل آليات التفكير ورد الفعل في عقلي ...
دون مقدمات وفي حركة مفاجأة فتحت النافذة الصغيرة ... تقابلت عينانا لثواني ... لم أستوعب الموقف ولم أتحرك ... السيدة أمل تضبطني أتلصص عليها وهي تستحم ... نظرت في عيني مباشرة ... أعتى المنجمين يعجزون أمام تفسير تلك النظرة ...
ثواني أصبت فيها بالشلل ... شلل ممزوج بفتور العظلات ... الغريب في الأمر أني لم أخشى النتيجة ... تلبك الأمعاء الذي يستشعر المصائب لم يصبني ... فلم أتحرّك ...
أشعلت سيجارة وجلست مقرفصا ركبي تحت ذقني وعيني مسمّرة بذلك المربّع ... أين كانت أمل تقف منذ دقائق ... سحب وردية تحيط بعيني ... نفس ذلك الشعور الذي يعقب إستيقاضك من النوم بعد سكر طويل ... ثمالة الجنس أقوى من ثمالة الخمر ....
دقائق وسحبتني الحركة ثانية ... السيدة أمل تدخل الحمام كأنها تبحث عن شيء ... دون مقدمات رفعت نظرها نحوي ... أقسم أني رأيت حاجبيها يرتفعان للأعلى ... رغم بعد المسافة ... أغلقت الشبّاك في وجهي بعنف ... لم يبدأ قلبي في الخفقان رعبا ... حتى فتح ثانية ....
طال تحديقها بي ... ثم إنسحبت ... إنسحابها جعلني أفيق من غفوتي ... سيبدأ السكان في المغادرة ... قفزت من السطح ... لم أعلم كيف ردت الروح في عظلاتي ثانية ... دقيقة وكنت متهندما واقف باب العمارة كعادتي ... الغريب في الأمر أن المغادرين فقط هم الأزواج ... ربما هو يوم عيد للنساء ... لم تغادر إحداهن ... فقط هي أمل ...
فتح باب المصعد ... كنت أمسح أرضية المدخل ... تلك الثواني كانت أصعب من ألم الولادة ... تقابلت العينان دون خجل .. لم أعلم من أين أتتني الشجاعة ... لم أنزل عيني للأرض إنكسارا كعادتي ... بل حدّقت فيها ... غاصت نظراتي في عينيها حتى داعبت أوتار خجلها ... فإنسحبت عيناها هي ...
حركة قماش الخمار المحيط بوجهها تدلّ أنها تبسمت ... سحبت ولديها من يدهما محاولة جرّهما للخارج ... إنفلتت البنت من يد أمها وهرولت نحوي ... فاتحة ذراعيها ...
" عمي منذر شتحكيلنا قصّة اليوم " ... بركت على ركبتي معانقا إيّاها ...
" عينيا ليكم " ... مع تلك الكلمة رفعت نظري من الطفلة نحو والدتها ... إلتقت العينان ثانية ... هزيمة أخرى منها ... أشاحت بنظرها مبتسمة ... سحبت الولد من يده نحو باب العمارة ... " أيا زينب مكانش نمشي ونخلّيك " ... إنسحبت الطفلة ... قبل اللحاق بأمها ...طبعت قبلة على يديها ونفختها ... قلّدت فعلها ... في نفس الوقت الذي إلتفتت فيه السيدة أمل للتأكد من لحاق إبنتها بها ... فإستقبلت الأم القبلة الهوائية ...
قطبت حاجبيها للأسفل وعضت شفتيها ... كأنها تقول لي " عيب " ... هززت رأسي محاولا تفادي الصدمة في عقلي ... لم يلحق نظري خيالهم وهم يركبون السيّارة التي سرعان ما توارت خارج الحي ...
لم أفهم ما يحدث ... السيدة أمل ؟؟؟؟ ... هل يعقل ؟؟؟ ... متدينة ... متحجبة ... ملتزمة ؟؟؟ ... لكنها أرملة ؟؟؟ ... هل هي الوحدة ؟؟؟ ... لم أجد تفسيرا لتلك الحركات البسيطة المفاجأة ؟؟ ...
وقوف سيّارة الدكتور أمام العمارة منعني من التفكير ... كنت أتظاهر بالعمل بتنظيف المدخل ... صوت خطواته الثابتة أعاد ذكرى إهانته لي ... إمتلأ صدري غيضا وهو يمر بجانبي ... لم يتظر نحوي إحتقار لي ... مع صوت طنين باب المصعد معلنا إغلاقه ... ألقيت الممسحة على الأرض و ضربت كفي بمرفقي ... " عصبة ليك " ...
لقد إنتهكت حرمة بيتك ... لقد ركبت زوجتك ... مرّة غصبا ... ومرّات بطلبها ... مهما تسلّقت سلّم المجد والرقي الإجتماعي ... فرجولتي غلبت رجولتك ... فحولتي أشد من فحولتك ... وبشهادة رسمية موثقة من زوجتك .... لكن ما الذي أتى به اليوم ؟؟؟ ... سهام قالت انه سيغيب أيّاما ؟؟؟
عقلي لم يستوعب ما يحدث ... سهام وليلتها الحمراء ... أمل ؟؟؟ ... والتصرفات غير المبررة من كلينا ؟؟؟ ... باب المصعد أخرجني من تفكير الذي لم أفكّره ...
تلك العجوز المقيتة ... أخت سي توفيق ... تقف أمامي ترمقني بعين ثابتة ... أجالت نظرها تتفقد ما قمت به ... نظرة رضا في وجهها برّدت نار حنقي عليها ... وجودها حرمني من حبيبة ... ومنع وصولي لفريال ... لكنه فتح باب سهام وشباك أمل ...
خطواتها ثابتة رغم كبر سنها ... تقدّمت مني حتى كادت تلاصقني ...
- شإسمك إنت ؟؟؟
- (نبرة صوتها أدهشتني ... بعض الرقة فيها) منذر حضرتك ؟؟؟
- إيجا معايا منذر ؟؟؟
- ما قتليش إنت منين ؟؟؟
- لو قلتلك مش حتعرفي ؟؟؟
- ههه علاش ؟؟؟
- بلادنا مش عالخريطة ؟؟؟
- لكن أنا نعرف تونس لكل ؟؟؟
- بلادنا مستحيل تعرفها ؟؟؟
- جرّب ؟؟؟
- أنا من قرية صغيرة في الشمال ؟؟؟
- سجنان ؟؟؟
- (دهشت من دقة تصويبها) مش بعيدة عليها ؟؟؟
- ريت كيف قتلك نعرف تونس الكل ؟؟؟
- لا عندك الحق ... أنا آسف
لم أفهم ما دار من حديث بينها وبين رئيس الفرع ... لكنها كانت تتابع حساب شقيقها ... توفيق ... تتابع بدقة عمليات التنزيل ... الأرقام التي سمعتها مفزعة ... وكالات عقارية تودع أموال الإيجارات في حسابه ...
بدأ رأسي يدور ونحن نعود أدراجنا ... لم أنطق بكلمة واحدة لفترة تبدو طويلة ؟؟؟ ... مداخيل الإيجارات في شهر واحد ؟؟؟ تعتبر ثروة ؟؟؟ ...
- شبيك ساكت ؟؟؟
- لا عادي .. مش حابب أزعجك ؟؟؟
- كإنك مصدوم ... (وقفت فوقفت لوقوفها ... حركت إصبعها مشيرة لكل العمارات والبنائات المجاورة ) هذي الكل ملك لتوفيق ...
نعم تلك الطريقة معتمدة للآن في بلدنا ... تزاوج السلطة بالمال الفاسد ... ينتج مالا كثيرا ... لا يهم إن كان فاسدا في بلد يتنفس الفساد ... ليس توفيق وحده المستفيد ... المستكرشون كثر في بلدنا ...
ماكانت أريافا تحيط بالمدن صارت أحياء راقية ... تبدأ الدولة بقرارات تنفّر أصحاب تلك الأراضي عن الفلاحة ... قطع مياه الري القادمة من السدود ... منع حفر الأبار ... الرفع في ثمن البذور والأعلاف ... توريد منتجات تخنق المنتج المحلي ... يخسر الفلاح لسنين عديدة ... تيسر له قروضا من البنك الفلاحي ... و بالطبع يعجز عن تسديدها فيحجز على ممتلكاته وتباع بأبخس الأثمان ...
الكثير من الفلاحين نجو من هذا الفخ بالوقوع في الفخ الآخر ... البيع أقلّ من القيمة ... كذلك وثائق الملكية المزورة والحوز وغيرها ... غابات وجبال وهضاب ...
ما إن تصبح الأرض على ملك الشخصية المنتظرة ... حتى تعود الدولة لتلعب دورها النجس ثانية ... تظم تلك المناطق للخريطة العمرانية ... وتقوم بتهيأتها على حساب المجموعة الوطنية ... طرقات شاسعة وشبكات الماء والكهرباء والتصريف ... وبقدرة الفساد القادر تصبح منطقة راقية يتكالب الناس لسكناها ... وتتضاعف الثروات ...
المصيبة الكبرى أن تلك الإجرائات لم تنعكس على ضواحي المدن ... الفلاحون بالداخل ... خزّان التغذية للبلاد ... نفروا الفلاحة من كثرة الخسائر ... هجرو أرضهم ونزحو للمدن ومن كان يجمع سنبل القمح صار يجمع قوارير البلاستيك ... وطبعا فرطو في أراضيهم للأغنياء ... لكنهم إستعملوها في الفلاحة هذه المرّة ... فلاحة عصرية بقروض لا تسترد من مال المجموعة الوطنية ...
هذا غيض من فيض ... نحن نعيش عبيدا لعصابة من الفاسدين ... والمحظوظ هو الذي يركب ركبهم ... ثار الشعب على هذا الوضع فإستبدل فاسدا قد شبع ... بفاسدين تضوروا جوعا فتوحّش الفساد ... بين قديم يعرف الطريق وجديد متلهف لملأ الجزائن
وصلنا العمارة ... فتحت باب المصعد لصعود تلك السيدة ثم عدت لمكاني ... سيارة الدكتور غادرت ... شعرت بالراحة ... غيابه سيمنحني ليلة حمراء دافئة بين فخذي سهام ... تسللت لباب المطبخ ... إشتقت لها ... ربما قبلة حارة أو لمسة سريعة تبرّد ناري ... لكنه مغلق ... ولا حركة تجيب طرقي الخفيف ...
مرّ ذلك اليوم ثقيلا على قلبي ... العصر يعلن قرب إنتهاء النهار ... قدوم حافلة المدرسة والجلبة التي أحدثتها زينب وزياد ... إبنا أمل ... زينب صارت تعاملني بحنان عجيب ... تجري نحوي تعانقني تقبلني ...
برودة نسمات المساء حبستنا في مدخل العمارة ... مطالبات لحوحة منهما أن أروي لهما قصّة ... عقلي مشغول بغياب سهام ... رحت أختلق أحداثا لقصة مشوهة مقتبسة من عدة قصص ... الطفلان يتابعان بإهتمام وعيني تطارد أي خيال يقترب من باب العمارة ...
فقط سيّارة أمل هي التي توقفت ... قدومها قابله الأولاد بإمتعاض كون القصّة لم تنتهي ... نظرة أمل نحوي بتعجّب ... " إنتي تسحر ؟؟؟ " .. لم أفهم ما تقصده عن سحري ... ردت بنظرة أشبه بالمتاهة " أولادي عمرهم ما كانو هكا" ...
ثم سحبت إبنيها من بين يدي بعنف وصعدت لشقتها ... قارب المغيب ... لم تعد سهام ولا زوجها ... هل سافرا ؟؟؟ ... لا قالت أن زوجها مشغول ؟؟؟ ... هل ندمت على علاقتنا ... أبدا فأثار أضافرها لا تزال توسم صدري وكتفي ... أظلمت الدنيا ... وأظلمت عيني ... صعدت للسطح ... وقفت طويلا مستندا على سوره ... أحرقت سجائر كثيرة مطاردا أي نور سيّارة يقترب من الحي الهادئ ... علّها تأتي لكن أبدا ... بدأت أشعر بالبرد ... برد المساء الشتوي وبرد غياب من أحببت ... وصقيع الفظول القاتل أين ذهبت ...
دخلت الغرفة ... أخشاب السرير عارية ... تذكّرت تلك الحشية التي ألفت إقامتها فوق السطح ... تسلّقت لجلبها ... دون تفكير إنصب نظري على الشباك ... النور يسطع منه مأكدا أن زجاجه السميك مفتوح ... جلست طويلا أصطاد حركة داخل البيت ... أخيرا مرّت ... دخلت أمل للحمام ... وقفت طويلا أمام المغسل ... تأملت شعرها المنسدل ... لبسها الخفيف ... لماذا تخفي جمالها وراء كل تلك الملابس عند خروجها ...
مكوثي في الظلام منحني فرصة مراقبتها دون أن تضبطني ... تلك الصورة الوردية القادمة من المربع الصغير سلّت غياب سهام ... دون أن أشعر سحبت سيجارة وأشعلتها ... نور الولاعة الصغير كشف وجودي ... رأيت رأسها يقترب من الشبّاك ... ثم هربت مسرعة داخل شقتها ...
لطمت وجهي مرار ندما على قلّة حذري ... ألقيت الحشيّة بعنف على الأرض وكدت أن أقفز لاحقا بها ... نظرة وداع لمسرح رغبتي الصغير ... أمل تعود للحمام .. وقفت طويلا أمام الشباك كأنها تتأكد من وجودي ... كاد قلبي يقفز من مكانه طربا ...
بدأت بفتح أزرار قميصها ... خرجت عيني من مقلتيها ... صدرها النافر تحت سوتيانة لونها غامق لم أتبينه من المسافة ... لكن بياض جلدها يعكس نور مصابيح الحمام ... إستدارت بظهرها كأنها تطلب مني أن أفتح مشبك سوتيانها بعيني ... جلد ناعم أبيض ...رفعت رأسها للأعلى وقوست لوحتي كتفها لتسهيل التخلّص من المشبك ...
ألتفت نحوي ... كرتان من اللحم الطري تتدليان كقمرين في سماء ليلي الأسود ... توقفت لثواني عن الحركة ... هي تريدني أن أنظر لا شكّ ... إنحنت تنزع بنطلون بيجامتها ... شعرها المنسدل وحده كفيل بتغطية صقيع ليلي ... ثم إستوت واقفة ... قطعة قماش مثلّثة داكنة تغوص بين فخذين لا يمكن أن أخطأ إكتنازهما ...
إلتفت بظهرها ثانية ... دائرتا مؤخرتها البيضاء تدعوني للغوص فيهما أستخرج لآلئها المكنونة ... قبل أن تخلع كيلوتها سمعت صوت خطوات على السطح ... وصوت ينادي " منذر ... منذر فينك " قفزت من فوق السطح مرعوبا ... لكني حزين ... قطعت رغبتي قبل بدايتها ...
حبيبة وفريال تقفان أمامي وقد أفزعهما صوت سقوط الحشية الثقيلة على السطح .... حبية تستر نفسها بإيزار قطني و فريال تلتحف روبا صوفيا ناعما ... سحبتاني من يدي لداخل الغرفة ...
لم أصدّق نفسي ... خلت شوقهما جذبهما نحوي ... لكني أحبطت ... بدأتا تسألاني عن سرّ مرافقتي لأخت توفيق ... أحسست بشيء غريب بينهما ... لقد تجاهلتاني وواصلتا مغامرتهما بدوني ... لا شك وهذا مؤكد ...
أحسست بخيانتهما لي ... كذبت عليهما ... خلقت قصّة مغايرة عما حدث صباحا ... تركتاني لوحدي ... كلهن متماثلات ... حبيبة وفريال ... حتى سهام تاهت هذه الليلة دون إشارة ... بدأت أستشعر المرارة تغزو حلقي ... سحبت الحشية وإستلقيت أراجع كل ما حدث ...
أمل
-----------------------------------------------------------------------
ما الذي يحدث لي ؟؟؟ ... ماذا فعل بي هذا الشاب ... كل مبادئي هدمت في ساعات ... ما رأيته كان صحيحا ... رأيت فريال وحبيبة تدخلان غرفته ... أحسست بالغيرة منهما ؟؟؟ ... تخيلتهما ينعمان بأحضانه ... مجرّد التفكير بذلك يثيرني ... نعم يثيرني ... من يترك سيّدة وشابة مثل حبيبة ويرابط فوق السطح في هذا الجو البارد ... قد خيّر النظر لجسدي على التمتع بجسديهما ؟؟؟
لكن مالذي سحبهما نحوه ... سيدّة محترمة مثل فريال تقامر بسمعتها وترافق خادمتها لوكر ذلك الشاب ... لا بد أنه يخفي بين طيّات ثيابه ما يستحق المغامرة ...
بت ليلتي أتلوى رغبة وشوقا وغيرة وغيضا ... ما إن بزغ الفجر حتى رابطت بالحمام ... لا أعلم من يرقاب من ؟؟ ... نظري منصب فوق سطح العمارة ... طال إنتظاري ... لا حركة فيه ... بدأت الصورة تتوضح ... ألوان الحيطان تظهر جلية تأكّد أن شمس هذا اليوم ستهزم الغيوم ... كدت أنسحب لتحضير فطور الطفلين ... حتى لمحته يتحرّك فوق السطح ... راقبته يتمطى يطرد كسل النوم ... يرفع يديه للأعلى ... يقف على حافة أصابعه ... المسافة لم تسمح لي بالوصول لهدفي ...
خيبة أمل أصابتني وهو يتوجه نحو باب السطح ... يبدو أن فريال وحبيبة سحبت منه كل رغبة في الليل ... شعوري بالغيرة منهما أحرق قلبي ... أطفأت النور وأشعلته مرّات عديدة ... حركة يائسة مني علّه ينتبه لوجودي ... وإنتبه ...
الشبّاك مفتوح ... رأيته يتسلّق بخفة وسرعة ليربض فوق سطح الغرفة ... دون مقدمات هزمت خجلي .. لا أعلم هل هي رغبة أم غيرة ... نزعت ملابسي بسرعة ودخلت تحت الدش .. عارية أمام ناظريه ... كل جزء في جسدي يدعوه للتملي ... للتمتع ... متعة أن تشعري أنكّ مرغوب فيكي لا تضاهيها متعة ... نظراته أعادت الروح لرغبتي ... لا بل نفخت فيها روحا لم تكن فيها ... بدأت شفرات كسي تتباعد وحرارتي ترتفع ...
رغم عدم تعودي الأمر لكني تشجعت وليكن ما يكون ... أفرغت نصف قارورة الصابون في يدي ... فركت صدري براغويه الناعمة ... داعبت حلماتي التي أججت نار رغبتي ... يدي تسللّت بين فخذي ... أسندت ظهري للحائط ... رفعت رجلي اليمنى ... ونظرت نحوه مباشرة ... أقسم أني شعرت بعينيه تغوصان بين فخذي ... طارت رغبتي نحوه ... بظري الصلب يرقص طربا بين أصابعي ... لم أغمض عيني ... لكن تخّيلته ... يداه تكتشفان جسدي تغوصان في مؤخرتي تشدني نحوه .... رغبتي لم تمانع طويلا سرعان ما إهتز جسدي ... إنسحبت من الحمام عارية تحت نظره
الخواء الذي يعقب العادة السرية يفسح المجال للضمير أن يشعرك بالندم ... إن حق لي الندم سأندم على سنين القحط الطوال ... حضّرت الطفلين للمدرسة ... وصول الحافلة جعلني أرسلهما لوحدهما ... تبعتهما من الشرفة ... رأيت منذر يوصلهما حتى يركبا ... زينب تلوّح له مودعة ... هذا الشاب أسر الأم وإبنتها معا ...
ما إن إنطلقت الحافلة حتى رفع منذر رأسه للأعلى كأنه يستفسر سرّ غيابي ... ما إن إلتقت عينانا حتى حرّكت سبابتي داعية إيّاه بالصعود ... هكذا دون مقدّمات ... دقيقتان مرّت كالدهر أنتظر قدومه ... أذني تلاصق الباب ... عددت خطواته حتى وصل ...
قبل أن يدق الجرس فتحت الباب ... سحبته من يده الطرية القوية وأغلقت الباب خلفه ... أحسست بتردده ... أنا أصلا كنت أصارع نفسي ... أستجمع قواي كلّها ... أو أتخلى عن قوتي ...
ضغطت بصدري على صدره ... واقفا بيني وبين الحائط ... نظرة في عينيه مباشرة ... إرتجفت شفتانا ... لم أعلم من سحب الآخر نحوه ... وغصنا في قبلة الحياة ...
الجزء الخامس
حرارة إلتقاء الشفتين ... مهل يشوي وجه الرغبة المتجمدة في صدري ... لا أعلم كم لبثت أشرب من رحيقه ... فتحت عيني لثانية ... كانت عيناه مبرقتان من الدهشة ... لم أترك له المجال للتراجع ... كمن تخطف حقها في الحياة أسحب شفته السفلى بين شفتي وأتراجع برأسي للخلف حتى تنفلت مني ثم أعود لأنقض عليها ... أنفاسه بدأت تحرق أنفاسي ... وبدأ قلبي ينبض مع أول حركة من يده ... لامست أنامله الطرية القوية خدي ... إشارة أنه إستجاب لطلب رغبتي الصامت ... يدي تداعب صدره ... أناملي تتحسس حلماته ... عضلات ذراعيه ...
كلتا يديه صارتا تعصران وجهي ... تثبتان حركتي ... كفه القوية تمسك عنقي من الخلف ... تسحبني نحوه .. صارت شفتاه تتحكمان بشفتي ... برودة أرنبة أنفه تزيد لهيب الشوق نحوه ... إحدى يديه سكنت بين شعري وأذني ... لمسات ناعمة دفعتني للإستسلام لخبرته ... سال رحيق شفتينا على ذقوننا ... شممت ريح عرق جسده ... بدأت يدي تتحسس مكان أزرار بدلته ... لم تعاندني سرعان ما إستجابت ... يد تفتح الأزرار والأخرى تلامس اللحم ...
جلد فتي ينبض بالحياة ... عضلات صلبة دقيقة ... إنزلقت يدي من صدره نحو بطنه ... لامست أصابعي حافة بنطاله ... جاذبية غريبة تسحب يدي نحو هدفها ... تلك القبّة التي برزت بين فخذيه ... رعشة أصابت كلينا ما إن لامستها أطرافي
رعشة الصدمة الراضية صدرت عني ... ضغطت براحة يدي على قضيبه المنتصب فزاد عناده ... رغبته المتوقدة صبت جامها على شفتي ... صدري يحترق شوقا للقياه ... ويدي تتحرّق لملامسة ما يخفيه ... الأمر لم يعد يحتاج لمقدمات ... نزعت الروب القطني عن جسدي ... عارية أمامه تماما ... تراجعت للخلف خطوتين ... فسحت المجال له ليتملى في جائزته قبل أن ينالها ... لم يطل وقوفه ... سحبني من يدي نحوه وعاد يشرب رحيق شفتي ... إستسلمت لحركاته ... إستشعرت قبلاته تنزل من شفتي مرورا بذقني لتقطع رقبتي في سير ثابت حتى وصلت مفرق صدري ... تجمّدت حركاتي إلا من آهات إنتزعها من حلقي ... أمسك يدي اليمنى يعيدها بين فخذيه مطالبا بحقّه ...
لم أتردد في تلبية طلبه ... سرعان ما فككت زرار وسلسلة بنطاله ... تحرر ذلك المارد من محبسه ... أحسست أنه سيخرق قماش بوكسره الأبيض ... غاصت يدي بطولها تبحث عن منبته .... جحمه ألهب روحي ... حرارته جمّدت تفكيري ... كيس بيضاته الطرية يتراقص بين أصابعي .... حاولت القبض عليها بيدي لكنها تنفلت من بين أصابعي ... عبثي ألهبه .. نار أنفاسه تحرق صدري ... بدأت أتعب من صبري ... أمسكت حافة زبه الضخم بين أصابعي وقدته نحو الغرفة ... شفتان ملتصقتان ببعض ... لم نهتم بتخبط خطواتنا الزاحفة نحو الباب ... على حافة السرير طال عناقنا ... يدانا تكتشف منابع الرغبة في جسدينا ... عيل صبر كسي ... منذر أطال العبث في صدري ... بدأت الحمم تسيل بين شفرتيه ... كمن تعرف بغيتها دفعته ... وقع على السرير غير متوقع حركتي ... رفعت رجليه قليلا وسحبت بنطاله ... حجم قضيبه الضخم مرسوم تحت القماش الأبيض ... العين لا يمكنها تقدير حجمه ... فقط الكس كفيل بذلك ... دون تفكير فتحت رجليا وبركت فوق فخذيه ... عيناه تتطلعان لما أفعل ... الأمر لا يحتاج لتكهن ... أريد أن أحس بهذا العمود ينغرس داخلي ... خلعت بكسره بعنف من تتشبث بالحياة ...
رفعت مؤخرتي للأعلى قليلا ثم وازيت بين فخذي حتى قبّلت شفرتاي رأس قضيبه إجلالا ... تدور رأس قضيبه الضخم عاند في الولوج لفتحة كسي الضيقة ... في تلك اللحظة خلت أني سأتراجع ... ذلك الشعور بالرهبة ... رغم كل شيء فيبقى ما أفعله خيانة ... شيء جبلت على أنه حرام ...
ربما ملّ منذر الإنتظار ... ربما حرقته الرغبة ... وربما شعر بما أحس ... رفع وسطه للأعلى قليلا ... بدأ رأس قضيبه يخترق اللحم الناعم بين جدران رحمي ... حرارة ذلك الوافد الجديد هدمت كل فكرة للإنسحاب ... أي إنسحاب وأي تراجع ... آهات حارة إنتزعها دخوله فيا ... متعة و رغبة ونار تلهب جسدي ... توقفت قليلا حتى أتعوّد حجم هذا الوحش في رحمي ... سرعان ما إستجاب جسدي ... أمواج من مائي الرطب الحار سهّلت حركته في وسطي ... بدأ منذر يتحرك تحتي ... رغم متعتي لكني وضعت يدي على صدره أمنعه ... كنت أريد أن أقود تلك المعركة ... معركة لم أخطط لها ... فقط تبعت رغبتي لأصل لها ... سأترك رغبتي تقودها .... كسمكة علقت في شباك حريرية رحت أتخبط فوقه ... حجم زبه الكبير لامس مناطق لم أخل أنه يمكن الوصول لها يوما ... عزف أوتار بدأت تصدأ في روحي ... إهتززت ... صوت زحلقة زبه في داخلي تؤكد أن جسدي أثارته تلك اللحظات ... بدأت أرتعش وبدأت حركاته تتسارع ... لم يستسلم لطلبي بالهدوء ... بدأ يرهز صعودا ... دق زبه في رحمي على وزن دفوف حضرة حضر فيها كل أسياد المتعة ... كدرويشة رقصت فوق صومعته .... إرتعشت ودفقت نار رغبتي ... إرتعش وأطفأ لهيبي بماء زاد ناري ...
خارت قواي وسابت مفاصلي ألقيت ألقيت رأسي على صدره ... ونمت ... دقات قلبه منتظمة تؤكد أنه سعيد ... هدوء أنفاسه يؤكّد أنه تعودني ... لامست صدره وتهت بين شعيراته ... لا أعلم كم لبثت ... لكنه بضع اليوم ...
فتحت عيني نظرت في عينيه مباشرة ... ثم غصت في شفتيه في قبلة حب حقيقي ... حب لم أجرّبه قبلا ... ولم أتخيّل أني سأعيشه يوما .... الحرام هو أن أحرم من هذا الشعور
منذر
---------------------------------------------------------
صوت منبه قوي تحت العمارة يدعوني للنزول ... إنتفضت من تحت أمل ورحت ألملم ملابسي ... لم تتحرّك ... يبدو أنها منهكة أكثر مني .... نظرت لها وودعتها بقبلة هوائية وخرجت مسرعا مستفسرا سبب هذا الضجيج ...
شاحنة كبيرة تقف أمام باب العمارة ... عمّال ينزلون منها ... كتب عليها ... شركة نقل الأثاث ... لم أفهم ما يحدث ... هل هناك سكان جدد ؟؟؟ أين سيقيمون ؟؟؟ ...
سيّارة الدكتور تصل لتقف خلفها ... أوامر صارمة للعمال بالتحرّك ... وسرعان ما إقتحموا العمارة ... كالمشدوه والمصدوم ... لم يحتج الأمر تفكير طويلا ... سهام وزوجها سيغادران العمارة سيغيران مكان السكن ... أحسست بالغصة تحرقني ...
لم أتحرّك من مكاني رابطت فيه ... ليس بإختياري إنما مجبرا ... منهك القوى ... كئيب الروح ... مصدوم .... سرعان ما قامت خليّة النمل تلك بتفكيك أثاث البيت ... أثاث كان شاهد على يوم حب سرعان ما تلاشى الأمل في تكراره ...
كنت أراقب كل قطعة تنزل بين يدي العمال علي أجد ريحها فيها ... إبيضت عيناي دمعا عليها ...
ساعات قليلة ونقل كل شيء تقريبا ... رحلت الشاحنة وتلتها سيّارة الدكتور ... صداع شديد أشبه بالغيبوبة أصابني ... لم أفهم ما يحدث لي ... في الأوّل أفقد حبيبة و أيأس من فريال ... فتعوضني الأقدار بسهام ... لم أشبع منها بعد حتى ذابت في طيّات القدر فأتعثّر في أمل دون مقدمات ...
أمل ؟؟؟ ... آخر من كنت أتوقع الوصول لها ... أصلا لم أفكّر في النظر لها ... منذ ساعات كانت تتفانى في تمتيعي ... أو تمتيع نفسها بي ...
غريب أمر قلبي ... أحببت حبيبة وعشقت فريال ... هويت سهام وولهت بأمل ؟؟؟
يوم سرعان ما مرّ ... مشاعر متضاربة وتيه متواصل ... صدمات تتلوه الصدمات ... كلها تصدمني حلوها ومرّها ... عمارة العجب هذه تختزن أسرارا عدّة ...
وصلت حافلة المدرسة ... نزلت زينب وأخوها مسرعين مهرولين مرحبين بي ... غمراني قبلا مطالبين بحقهما في القصّة .. كنت سأبدأ بسردها حين نزلت أمهما تستقبلهما ... لم تستجب لإستجدائهما ... سحبتهما من يديهما وولجت المصعد دون أي نظرة نحوي ...
تجمد الدم في عروقي .... سرقت روحي ثانية ... هل ندمت ؟؟؟ ... ألم أعجبها ؟؟؟ ... كانت تتلوى من المتعة فوقي ... ؟؟؟ ... لما كل هذا البرود ؟؟؟ ... لما كل هذا الغموض ؟؟؟؟ ... كان يمكن أن تبرّد ناري بنظرة ...
قبل أن أستوعب ما يحدث توقفت سيّارة الدكتور أمام الباب ... نزلت سهام ... وجهها أنار ظلمة روحي ... وقع خطواتها وهي تعانق زوجها ويتوجهان نحو باب المصعد يشبه صوت المنشار ينشر ضلوعي ... كيف تعانقه هكذا أمامي ؟؟؟ ...
هل تتصنع السعادة معه ؟؟؟ ... أم تتصنّع الحب معي ؟؟؟؟ .... سرعان ما نستني وسرعان ما أخفاهما باب المصعد ... أردت اللحاق بها ... سحبها من يد زوجها ... نهرها سؤالها عما تفعل وعما فعلت وعما فعلنا ؟؟؟ ... لكني تماسكت ...
تهت وتاهت أفكاري ... خرجت أستنشق الهواء في الخارج ... الجو أصبح يخنقني ... لم أعلم كم مضى علي من وقت في الهم والغم حتى رأيتهما يخرجان ... حركة متعالية من الدكتور تأمرني بالقدوم ...
هرولت نحوه لم أركز في كلامه ... كنت أبحث عن نظرة في عين سهام أحدد بها قراري ... لكنها كانت تغرس رأسها تداعب هاتفها ... قضي الأمر ...
وضع الدكتور في يدي مفتاحين ... ولفة من الأوراق النقدية ... قال بصوت عالي .. " هكا خالصين " ... خالصين ؟؟؟؟ ... لا أبدا ... أنا مدين لك ؟؟؟ ... وزوجتك مدينة لي ..؟؟؟
صوت ضحكهما غلب صوت هدير المحرّك ... ضحكة أنهت أمالي ... أغمضت عيني متحاشيا الدوار الذي أصابني ... فقدت سهام للأبد ...
دقائق طويلة مرّت عليا في اللامكان واللازمان واللاشعور ... وقعت لفّة النقود من يدي فإنتبهت من غفلتي ... مبلغ ضخم ...
دخلت العمارة ... صعدت لشقّة سي توفيق ... فتحت لي حبية الباب متعجبة ... نبرة تنهرني بها معاتبة قدومي ... كرهتها كما كرهت سهام ... كيف نسيتا ما بيننا بسهولة ...
لويت شفتي وبصوت عالي أعلمتها أني أبحث عن سي توفيق ... صوت أخته من الداخل سمح لي بالدخول ... في الصالون ... فوق نفس الكنبة التي غاصت عيني بين فخذي فريال فيها وجدته مستلقيا ... رغم نحول جسمه لكنه يبدو بخير ...
- لاباس يا ولدي ؟؟؟
- لا أبدا ... الدكتور ترك الشقة ؟؟
- متأكّد ؟؟؟ ...
- أيوة ... ودي المفاتيح ... (وضعت المفاتيح على المنضدة أمامه ودسست يدي في جيبي لأضع الأموال لكنه سبقني بالكلام) ...
- أحسن .. أنا ما كنتش نهضمو ... ملايكته رزينة (المرادف لدمه ثقيل)
- ... (لم أجد ما أقول فأنا أمقته)
- باهي برى نظّفها ومن غدوة شوف حد آخر يسكن فيها (ثم سكت قليلا كأنه يراجع حساباته) ... ما جبدلكش عالفلوس
- ... (كانت الأوراق النقدية بين أصابعي ... كنت سأسحبها )
- هو دافع شهرين ضمان ... وعندو شهر مش خالص ؟؟؟ ... بول عليه ...
أجلت النظر فيها ... لقد تركوا بعض الأثاث ... نصف الصالون ... تلفاز معلّق على الحائط ... غرفة النوم كما هي تقريبا ... بعض أواني بالمطبخ ... وبعض المناشف في الحمام ... كيف سأتخلّص منها ؟؟؟ ... الأموال بجيبي أنستني ألم جرح سهام ...
سحبت تلك اللفة ... عددت أوراقها ... ألف دينار ؟؟؟ ... إيجار شهر ؟؟؟ ... لم أصدق يدي وعيني وعقلي ... خفت ورعبت ... أردت العودة لبيت سي توفيق والتخلّص من تلك التهمة ...
فتحت باب الشقة وهممت بالخروج ... زينب تناديني بصوتها البريء ... إلتفت خلفي لأجدها في لباس نومها ... إستغربت وجودها ... أمسكت يدي وتعلقت بي تريدني أن أرفعها ... عانقتها ... همست في أذني قائلة ... " إيجا باش تحكيلنا قصة قبل ما نرقدو " ... لم أصدقّ ما أسمع ... أفهمتني وهي تمطرني قبلا أنهما أقنعتا أمهما بأن أتولى مهمة قصة قبل النوم ...
نزلت السلّم وهي تتعلّق برقبتي ... دخلنا من باب المطبخ ... كل مشاعر الكون تتصارع في صدري ... هندسة العمارة تجعل البيوت متشابهة ... قادتني الطفلة لغرفتهما تكاد تطير من الفرحة ... لم ألمح أمهما لكني سمعت صوتها تتحدّث في الهاتف ..
غرفة جميلة فخمة مزينة برسوم على الحائط ... فئران وبط ... أبطال رسوم متحرّكة ... البنت تنام يمينا والولد يسارا ... سريران متشابهان ... سحبت كرسيا من مكتب يدرسان عليه ... وبدأت أروي لهما القصّة ... بطل أسطوري يهزم الأشرار ... البنات يعجبهن الأبطال ... منذ الصغر يتخيّلنه فارس الأحلام ... والأولاد يتخيلون انفسهم هم الأبطال ... لن أحبط آمال الجيل القادم ... علّهم يغيرون الواقع ... لم تنتصف قصتي بعد حتى هدأت أنفاسهما ... إنسحبت بعد أن تأكّدت من نومهما ...
وقفت مترددا قليلا ... لم أرى أمل ولم أسمع صوتها ... مجرّد وجودي ببيتها دفع قضيبي للإنتصاب ... خيّرت الإنسحاب من باب المطبخ ... يبدو أنها لا تريد أن تقابلني ثانية ... خطوت أوّل خطوة نحوه ...
الباب مفتوح ... المطبخ يبدو مظلما إلا من نور خفيف ... دخلت لأصدم بمشهد لا يوصف ... طاولة الطعام منمقة عليها أطباق طعام رائحته تستفز جوعي ... شمعتان تبعثان نورا ورائحة تسحر الروح ... أمل تقف أمامي ...
شعرها منسدل حتى كتفيها ... تلف جسدها بقميص نوم أسود شفاف يطلّ من تحته صدرها النافر الضخم يعانق السماء في سوتيانة سوداء ... فخذاها المدوران يقبضان على مثلث قماش يستر كسها الضخم في خجل ... رائحة عطرها تدغدغ أنفي ...
تسمّرت مكاني ... كانت تنظر للأرض في حياء ... حياء الراغبة المتمنعة ... دون كلام سحبت كرسيها وجلست تطلب مني الجلوس قبالتها ... كل ما في هذا الجو مغري ... لا يمكنني مقاومة رغبات بطني وأنفي وصدري ... سحبت الكرسي وجلست ...
- الأولاد رقدو ؟؟؟
- زي الملايكة ... أصلا ما كملتلهمش القصّة ...
- مش قتلك راك تسحر ؟؟؟
- نسحر ؟؟؟
- أه ؟؟؟ من يوم الأولاد ما عرفوك وهما تبدلو ...
- تبدلو ؟؟؟
- أي ... زينب تقرى دروسها وترقد ... حتى زياد ماعادش يبول في فرشو ... وجودك بدّل حياتنا ...
- (أعجبتني إشارتها ) حياتكم ؟؟؟
- (أطرقت برأسها كأنها خجلت مما فعلنا صباحا) ... حياتنا الكل ... من يوم ما زوجي سافر وأحنا وحدنا ... وجودك غيّر فينا برشة حاجات
- سافر ؟؟؟
- أي سافر ... يخدم في سفارة تونس في السعودية ؟؟؟
- (فتحت فمي دهشة ... السعودية ؟؟؟ ... كنت أضنه ميتا ؟؟؟ ... الولد قال أن والده عند *** ... أخيرا عرفت عنوان الخالق ... سأرسل دعائي على العنوان الجديد .) بصراحة كنت فاكرو متوفي ... آسف ...
- من غير أسف ... هو أصلا مش حي ... مش موجود في كيان أسرتنا
عشاء رومانسي تحت ضوء الشموع ... رأيت دمعة تتسلل من عينيها ... رق قلبي لها ... أنا سريع الوقوع في الحب ... سحبتها من يدها ... وقفت تنظر في عيني مباشرة كأنها تتسائل عما أريد أن أفعل بها ... قبّلت وجنتها ... جبينها ... حضنتها حتى كدت أحشرها في صدري ... داعبت شعرها وداعبت يداها ظهري ... مصصت شفتيها أعدت لهما الروح ... رطبت جفاف صدرها ... لم يعاندني السوتيان فسرعان ما إنسحب تاركا المجال لشفتي ترضعان حلمتيها ... بدأت ركبها تهتز ... أجلستها على الكرسي ... فتحت فخذيها ... خلعت كيلوتها ... كانت تنظر لحركاتي غير مستوعبة ...
قبّلت نعومة جلد فخذيها ... صعود حنون ... وصلت بينهما ... مخزن الأسرار ... رائحة قوية جذّابة ... ملمس ناعم خشن يداعب لساني ... غصت بين شفرتيها ... لثمت بضرها ... طعم مالح مسكّر .. كل الأضداد تجتمع هناك ... بدأت أمل تتمتع بما أفعل ... إستسلمت وألقت برأسها للخلف ... يد تمسك حافة الكرسي أن لاتقع من فوقه ويدها الأخرى تداعب صدرها ...
الطبيعة وازت آهاتها بدفقات رغبتها ... بدأت ترتعش ... ترفع رجليها للأعلى ثم تطبق بفخذيها على رقبتي ... شربت روح رغبتها ... عصير قطّرته من سنين جوعها ... لم أشبع منها ولم تصل بغيتها ... فتحت بنطالي وتخلّصت من كل ملابسي في ثواني ... لم تترك لها الوضعية الفرصة لتفهم ما يحدث ... غرست قضيبي ببطئ بين شفرتي كسها ... رحبت به بآهات زلزلت سكون المطبخ ... بدأت أتحرك للخلف والأمام ... فقط رأسه داخلها ... قصدت أن أستفز رغبتها أكثر ... ثم أدخل جزءا آخر منه وأواصل الحركة ... كل مسام جسدها تفتحت ... كل فتحاتها تجاوبت ... ألقت برأسها للخلف ... نصف ظهرها على الكرسي ... شعرها يلامس الأرض ورجلاها تعانقان السماء ... وضعية بهلوانية طارت معها روحها ... إرتعشت وإهتزت ... صرخت وتلوت ... دفقت نار أحرقت قضيبي ...
لم أبلغ نشوتي وطارت بها نشوتها ... كنت أشعر بالغيرة ... رغم سعادتي ... خارت قواها ... سحبتها لتقف ... وضعت يدي على كتفها ... بركت على ركبتيها أمامي ... زبي المدهون برحيق شهوتها يلامس شفتيها ... يبدو أنها قرفت من ذلك ... دون تردد دفعت قضيبي بين شفتيها ... قبّلته تلعق رحيق رغبتها من فوقه ... ما إن دخل رأسه فمها الرطب ... لم أتمالك نفسي ... قذفت مائي داخل فمها ... كل النساء تقرف من ذلك ... تراجعت للخلف ... مصدومة ... خشيت أن تكره صنيعي فتنفرني ... سحبتها من يدها لتقف وقبّلت شفتيها ... مزيج رباعي من ريقنا وماء كسها وماء زبي بين شفتي ... جاهدت نفسي أن لا أفرغ ما في بطني ...
مفارقة غريبة ... قرف ممتع ... دخلنا نستحم سويا ... جسمها المدوّر الناعم يتراقص أمامي ... أحسست أنها ترغب في المزيد لكن جسدي لم يستجب ... لقد فرغت كلّ رغباتي ... رغم أني أردت الإنسحاب لكنها أصرّت أن أبيت عندها ...
سرير وثير وحضن دافئ ... نمت كنوم الرضع بين أحضانها ... صوتها يهدهدني ...
مع زقزقة أوّل عصفور تجرّأ وإقتحم هذا الحي ... أحسست بيدها تهز صدري لأستيقظ ... مثقلا ثملا من سكرة الحب ... أفرغت ما خزنته كليتاي طوال الليل ... التبوّل صباحا ممتع كممارسة الجنس ... لا ينتهي .. رفعت رأسي نحو شبّاك الحمام ...
غسلت وجهي وفتحته ... نظرت نحو سطح غرفتي ... البارحة في نفس التوقيت ... كنت أربض هناك ... واليوم أنا هنا ... لا أحد يعلم غدا أين سأكون ... عمارة العجب هذي ؟؟؟
أمل ودعتني من باب المطبخ كزوجة حنونة توصل زوجها المنطلق للعمل ... قبّلتها طويلا ثم أغلقت الباب ... ما إن خطوت خطوة نحو الأسفل حتى صعقت ... وقع خطوات تقفز نزولا في السلّم ... لم أجد بدا إلا من الهرب ... أحدهم ضبطني ... أو كاد ...
نزلت بأقصى سرعتي ... وقفت لاهثا أمام باب العمارة ... نظرت خلفي مرارا .. أقنعت نفسي أني كنت أتخيّل ... كذبت على نفسي وصدقتها .... بدأت أمسح مدخل العمارة ... أمسكت الخرطوم وبدأت بالرش أمامها ... الأمر غير ضروري ... لكني كنت ألهي نفسي بأي شيء يبعدني عن التفكير في موضوع الخطوات على السلّم ...
صوت فتح باب العمارة خلفي ... إلتفت ... السيدة سهير ... ساكنة الشقة رقم ثلاثة ... لم أعرفها ... لقد غيّرت لون شعرها ... وقصّته ... ملابس رياضية ضيقة ... صدرها يظهر تحتها بكل تفاصيله ... تبان مطاطي يظهر تكوّر كسها بينه ... سمعات تتدلى من أذنيها .. مرّت بجانبي ... لم أصدّق أذني لقد صبّحت عليا ...
لا أعلم هل سمعتني وأنا أرد عليها أم لا ... فقد إنتبهت من غفوتي بعد أن تجاوزتني بأمتار ... وقفت مشدوها والماء ينصب من الخرطوم حتى شكّل بركا كبيرة في الطريق ... رحت أراقبها تجري ... كل ما فيها مثير ... إهتزاز ردفيها ... تأرجح ثدييها ... تموّج شعرها ... حمرة خدودها ... كانت تمر أمامي مركزة في جريها كأني غير موجود ... لا أعلم كم مر عليا من الوقت ... وجود الجمال حولي يعطّل ساعة عقلي ... أنهت حصة رياضتها ودخلت العمارة ...
مرّت الأيام تباعا ... أبيت عند أمل ... أنهل من جسدها وتشبع من جسدي ... تعودتها ... نكتها ونكت حبيبة وسهام فيها .... فقط فريال هي التي لم تبرد ناري نحوها ... لكن قربي من سي توفيق منعني ... صرت أرافقه يوميا في جولة أدفع به كرسيه ذي العجلات ... كان لطيفا معي ... يحدثني ... وأسليه ... أضحكه ... أخته كذلك صارت أكثر لطفا معي ... فقط فريال هي التي تحوّلت ... سهام تمتع عيني بجمالها يوميا وهي تمارس رياضة الجري ...
زينب وزياد صارا يعاملاني كوالدهما ... أنيك الأم و أربي الأولاد ... لم ينقصني فقط أن أنفق عليهم ... ثلاث أسابيع مرّت كالحلم ... أصلا إكتسبت فيها بعض الوزن وتورّد وجهي ...
كنت أتجوّل يوما أدفع كرسي سي توفيق مستغلين بعض الدفئ المنسلّ من أشعة الشمس ... حين تذكّر أمر الشقة رقم 5 ...
- قلي ؟؟؟ ياخي ما لقيتش حد يسكن في دار الدكتور لتو ؟؟؟
- بصراحة .. فيه كذا واحد شافوها وما رجعوش ؟؟؟ وكمان في مشكلة ؟؟؟
- مشكلة ؟؟؟
- أيوة ؟؟؟ أصل الدكتور ترك أثاث في الشقّة ؟؟ ومش عارف أعمل إيه ؟؟؟
- ما دام الموضوع هكا يعني ماعادش مستحقو ؟؟؟
- يعني أتصرّف فيه ؟؟؟
- أقلك على حل ؟؟؟
- حلّ ؟؟؟
- أجرها مفروش ؟؟؟
- مفروش ؟؟؟
- أعمل إعلان ؟؟؟ و أجرها باليوم أو الجمعة ؟؟؟
بدأت أفكّر بالأمر ... ذكرت أني رأيت بعض الإعلانات معلّقة على عواميد الهاتف تعلم بوجود شقق مفروشة ... تطلّب الأمر مني شراء هاتف جوّل وخط خاص بي ... هذا وحده يعتبر إنجازا بالنسبة لي ... توجهت لمحل إعلامية طبعت بعض الأوراق ... ورحت ألصقها في الأرجاء القريبة ...
مرّت أيام لم يتصل بي أحد ... كما أن أحد العابثين يتعمّد نزع ملصقاتي ... بدأت أخاف من هذا العرض ... وضبّت الشقة ... لم يكلفني الأمر كثيرا فما تركه الدكتور يكفي لأي مقيم ... ثمن هاتف بسيط وخط ... لكن أن أدفع شهريا إيجار شقّة لا يسكنها أحد فهو ظلم ....
طبعت أوراق عديدة وعزمت أن ألصقها في كل الأحياء المجاورة ... نهضت مبكرا تاركا أمل تغط في نوم عميق بعد مجهود ليلة وردية حارّة ... رحت أتسلّق الأعمدة محاولا أن ألصق إعلاناتي أبعد من أن تصلها يد ذلك العابث البغيض ... كالقرد متعلّقا بعمود الهاتف ... أحاول تثبيت حركتي ... صوت ضاحك يصلني من الخلف ..
نعومة الصوت أربكت حركتي فإنزلقت لأقع أرضا فزاد ضحكها ... رفعت رأسي أكتشف مصدر الصوت ... وجهها مؤلوف لي ... الفتاة التي خلتها يابانية منذ قدمت للشقة لم أرها خلتها رحلت في غفلة مني ...
وقفت أنفض الغبار عن ثيابي والحرج عن روحي ... نظرت في عينيها مباشرة ... ضحكتها تسحرني رغم كونها تسخر مني ... مدت يدها لتسلّم عليا ... تسمرت مكاني حتى ضجرت إنتظار يدي ...
- أنا شيماء ... شإسمك إنتي ؟؟؟
- (مددت يدي خجلا) أنا منذر ؟؟؟
- أنا نعرفك ؟؟؟ مش إنتي بواب العمارة متاعنا ؟؟؟
- لا أنا بواب العمارة متاع سي توفيق
- هههههه نقصد العمارة إلي نسكنو فيها ؟؟؟
- هكا تولي صحيحة ؟؟ أنا هو
- فاش قاعد تعمل ؟؟؟
- نعلّق في الأوراق هاذم ؟؟
- (خطفت الأوراق من يدي تقرأها ثم إنفجرت ضحكا) وهي مازالت ناس تعمل إعلانات ورق ؟؟؟
- إمالى شيعملو ؟؟؟
- هبطها عالإنترنات ؟؟؟
- (نعم أنزلها على الإنترنات .. شيء جميل ؟؟ ... مالإنترنات هذا ؟؟؟) نهبطها فين ؟؟؟
- هههههههه ما تقليش ما تعرفش الإنترنات ؟؟؟
- للأسف ما مشيتلوش قبل ؟؟؟ تنجم تقلي فين تو نمشيلو ؟؟؟
شيماء
-------------------------------------------------------------
ما إن دخلت تلك الشقّة صحبة منذر حتى تهاطلت عليا الذكريات ... بواب لا يعرف الشقق المفروشة ... وأنا لم أستطع تذكّر عدد الشقق التي دخلتها ... الأمر ليس أرقاما فحسب كل شقة فيها ذكرى فيها حكاية فيها ألم وأمل ضائع ...
رغبة شديدة في التدخين تهزني ... لكني صمدت ... مشكلتي بدأت من التدخين ... قالت أمي يومها أنه بداية طريق الإنحراف ... كنت في السادسة عشر ساعتها ... أوّل سيجارة تقاسمتها مع خليل ... خليل حبيبي الأوّل ... أو الثاني ... لا أعلم ... تلميذة مراهقة ... أغلب البنات في معهدنا يدخّن ... فلأجرّب ... طلبت من خليل في خلوة خلف سور المعهد أن يجلب سيجارة ... بدأت بسيجارة وإنتهت هنا ... أحاول التخلّص من الإدمان ... رغم أن الطبيبة أكّدت لي شفائي لكن روحي لم تشفى ...
الموضوع تطوّر بسرعة ... فشلت في البكالوريا ثلاث مرّات ... كنت تلميذة مشاغبة ... جميلة ... فاتنة ... الكل أكّد لي ذلك ... ذكريات المعهد ردمت بالهم الذي تلاها ...
قادمة من شبه مدينة بالشمال ... عرف بناتها بجمالهن الفائق ... كنت إحدى أكثرهن جمالا ... عائلة شبه فقيرة ... الأب متقاعد ... الأم تعمل بمشغل خياطة ... شقيقة صغرى لم تنجح في شيء ... إخوة كثر من زيجات أبي السابقة ...
في سن العشرين إقتحمت الجامعة محملة بآمال كثيرة ... ليست كآمال البنات الراغبات في النجاح وتحقيق الذات ... كنت أريد الإنطلاق للعالم ... أتخلّص من الرقابة ... أدخل عالم السهر والخروج واللبس والحفلات ... أجنحة مقصقصة بسبب الفقر ...
لم أدرس ولم أهتم بالدراسة ... فقد خبرت كيف أستغلّ جمالي لتأثير على المدرسين ... بدأت القصة في المبيت ... شلّة بنات قادمات من كل أنحاء البلد ... كنت الأكثر إشعاعا بينهن ... تحلّق حولي أكثرهن جنونا ... صداقة عنيفة سريعة عجيبة جمعتنا ... لكن جمعنا الفقر ... هو ليس فقرا بالمعنى الحقيقي ... لكن طموحاتنا أكثر من قدراتنا ... الكافيهات الفخمة ... الملابس الراقية ... مثلا التنقل من المبيت لضفاف البحيرة وحده كفيل بإستنزاف مصروف أسبوع لجميعنا ... وطبعا أينما توجد الطالبات يوجد طالبو الرغبة ... أولاد الجامعة لا يلبين رغباتنا ... حتى الأغنياء منهم ... يمتلك سيارة أو سيارة والده ... إن صرف على السهرة اليوم فلن يقدر غدا ...
شربت أغلى الكوكتلات ... دخلت أرقى الملاهي ... كان إجتماع شلّتنا وتحلّقنا ببعض يمثل حماية لنا ... عرفت رجالا كثرا ... البداية كانت برجل متزوّج ... إبن مدينتي ... يعمل تاجرا للطيور وحيوانات الزينة ... كان يوفّر لي مصروفا أسبوعيا ... هاتفا راقيا ... مقابل بعض القبل ... أحضان و جنس غير مكتمل ... المهم أن أحافض على عذريتي ...
سريعا ما ملّ مني .. من تعود الجنس الحقيقي لن يرضى بنصفه مع كمية الإثارة في ... إختلفنا ... قطعنا علاقتنا بطرقة عنيفة ... كنت آخذ منه المال ونصرفه معا كشلّة ... إقامتي بالعاصمة وبعده عني جعلني أتعوّد كثرة العشاق ... تعرّفت برجل آخر ثلاثيني ... غني ووسيم ... كان خارجا من قصّة حب فاشلة ... وجدت فيه كل ما أطلب ... وأعطيته ما أريد نصف الجسم ونصف الجنس ... ثم آخر وآخر ...
إستعملت الرجال كمصرف ... وإستعملوني كجسد ... نصف جسد ... وجدت الحنية في بعضهم لكني لم أبالي ... سرقتني تلك الأضواء وتلك الروح الجديدة ... تخيّلت نفسي أذكى من الجميع ...
كثيرا ما خدعنا رجالا ... نتحرّش بهم ... نغريهم ... نأخذ أموالهم مقابل وعود بسهرات ... سهرات لم يحصلو عليها ... نجمع منهم الأموال وننفقها على شلتنا ذكورا وإناث ... لاهم كانو ذكور ولا نحن كنا إناثا ... حيونات تهيم بلا هدف ... لم أكن الإستثناء ولا حتى شلتي ... الكل كان هكذا ... فلنقل الأغلبية ...
ضاقت بي العمارة ... منذر ذهب لعمله .... شقة أخي فارغة ... روحي فارغة ... والذكريات تنهمر على رأسي ...
غيّرت ملابسي وخرجت من الحي ... أسير بلا هدف ... بغير هدى ... روح ثائرة مخنوقة ... لا أعلم كم فرسخا قطعت ...
" منعرج خطير" ... وقفت طويلا أمام تلك الإشارة ... تذكّرت دروس تعلّم السياقة ... دروس دفع وليد ثمنها ... قال أنه يريد أن أذكره كلما أدرت مفتاح سيّارة يوما لأقودها ... وليد ... رجل تعرّفت عليه في معترك الرجال ... كان أحدهم ... لم أهتم به ... رغم كونه أسر روحي ... رجل يعيش من أجل الجنس وبالجنس لكن الجنس لا يعنيه ... يأكل ليقوي قدرته الجنسية ... لا تفلت منه مؤخرة في الطريق ... يفهم في كل شيء ... يكتب في الجنس والأدب والسياسة ... صاحب شركة إعلانات ... يتكلّم سبع لغات وكل ****جات ...
دخوله في حياتي كان سريعا ... وخروجه أسرع ... لكني لن أنساه ... عرفته يوما في إحدى التظاهرات السياسية ... مذ رآني بادرني بالكلام ... دعاني للعشاء ... طلب مني أن أهرب معه لعالمه ... ثم لا أعلم لماذا إختفى ...
دخل حياتي ثانية لا أعلم لماذا ولا كيف ... رسالة وصلتني منه يريدني في عمل ... كنت أعيش فقرا وفراغا لا محدود ... إنسحب كل الرجال بعد يأسهم من جسدي ... رأيت أنه فرصة لكسب بعض المال ... الملابس ... ربما هاتف ... صديقتي أعلمتني يوما أنه أحد المرفهين ... طمعت فيه ... رغم أني تجاهلت موعده الأوّل لكنه أصّر ... قابلته ... شكله جذّاب رغم أثر السنين ...
غلّف لقائنا بعرض عمل ... خدعة معروفة للجميع ... البطالة تضع الفرائس أمام أرباب العمل على طبق ... رغم تيقنه من عدم قدرتي أن أفيده في شيء في عمله لكنه واصل علاقته بي ...
كنت مللت الإقامة في بيتنا ... الجامعة لم تفتح أبوابها بعد ... إشتقت لأجواء العاصمة والسهر ... طلبت منه أن يؤجر لي شقة أسكنها ... وفعلا فعل ... لا أعلم كيف قبلت روحي ذلك ... دعوت عشيقي ... أحد أفراد الشلّة ... نعم دعوته للشقة التي أجرها عشيقي الأخر وأنفقت عليه من أموال أخذتها من وليد ... صعقت يوم أعلمني أنه رآني معه ليلتها ... لكنه واصل علاقته بي ... كيف سمحت له رجولته بذلك ؟؟؟ ... لا أعلم من يفتقد للرجولة منهما ... من تقبّل أن تنفق عشيقته ماله على ليلة حمراء مع عشيق آخر ؟؟؟ أم الذي أكل وسهر ونام بمال رجل غيره ؟؟؟ .. الرجال عندنا يصعب فهمهم ...
أنفق عليا بسخاء لكني لم أنل منه شيئا ... كان يدفع متذمرا ثمن مشروباتي الغالية ... كنت أعتقد ان ذلك يرفع مستواي ... كان دائما يؤجّل طلباتي في شراء ملابس أو حلي أو غيرها ... راوغني كثيرا رغم كرمه معي ... قال يوم إفترقنا أنه لا يدفع مقابل شيء يتمتع به غيره ...
كان كثير الكلام لدرجة لم أعد أقدر أن أتابع حديثه فيها ... متزوّج ويعشق زوجته لكنه يخونها .... كنت أستمع لمكالمتهما على الهاتف يراجعان ذكريات ليلة الأمس الحمراء و يعدّان لتلوين القادمة بالصبغة القانية ... لكنه يقبّلني بنهم ... ويشتهي جسدي ....
عشيقاته كثر نسي أغلبهن ... حدثني عن خلود ... حبيبة رسمت جرحا في قلبه ... أحسست من كلامه عنها أنه أحبها .... ولا يزال يحبها ... يحب زوجته ويحب عشيقته التي تركته ويحبني ... نعم أحبني ... أحسست ذلك قبل أن يصارحني ...
عشت معه أسبوعين فقط ... أذهلتني قدرته على حلّ المشاكل ... شبكة معارف لا تحتاج سوى لمكالمة هاتفية لتقضي شؤونك ... قال قبل فراقنا بيوم ... و كنت قد فتحت له جزءا من أسراري ... فتاة لعوب لكني لست عاهرة ... أنام في أسرّة الرجال جميعا ولا ينام أحدهم معي ... كنت مغرورة ... كلمة لم يزل صداها في أذني ... إقتباس من قصيدة نزار القباني ... " إختاري القحب أو اللاقحب " ... قال أن ما أفعله يصورني في عين الناس كقحبة ... فلماذا لا أقحب ؟؟؟ الكل يراني كذلك...
" منعرج خطير" ... أوقف سيّارته قرب علامة طريق ... كنا عائدين من مدينة طبرقة مساءا ... كان ينصحني كأنه أبي ... يلاعبني كصديقي ... ويعانقني كحبيبي ... أردت أن أقبّله لكنه رفض ... قال أني سببت له الألم في بيضاته ... لم أفهم ما يقصد ... طلب مني أن أبتعد عنه قليلا ليقيّم موقفه مني ... وأقيّم موقفي منه ... فقط كنت أهتم لما سأجنيه منه ... قال أن هدفه الوحيد هو جسدي ... فعليا أن أختار ....
حظّك لن يقف معك طويلا ... هكذا ودعني ... جملة لخّصت كل ما تلاه في حياتي ... فتى مقرف في حينا إقتنع بكوني قحبة ... أنا أقنعت الجميع بتصرفاتي كوني كذلك ... تحرّش بي ... أزعجني ذلك ... إتصلت بوليد وصوّرت له أني كنت سأتعرّض لإغتصاب ... ترك عيد ميلاد إبنه من أجلي ... إستنفر كل معارفه من اجلي ... لكني أغلقت هاتفي في وجهه ... رصاصة الرحمة في علاقتنا القصيرة ... إختفى من حياتي بسرعة كما ظهر بسرعة ...
أنا رخيصة لا همة لي ... لم أبالي بأحد لا هو لا من قبله ... وفعلا إنسحب ستر الحظ لي ... تعرّفت بشاب غني ... أغراني وفّر لي كل طلباتي ... ثم أوقعني ... أدمنت المخدرات ... بعت كل شيء ... عذريتي ... شرفي ... جسدي ... حتى ذاب جمالي وإنصرف الجميع عني .. حتى الشلّة تفرّقت هذه نجحت والأخرى سافرت وتلك تعمل .. والأخرى تزوّجت ... لم ينجدني منهم أحد ... أخ لي من الأب فقط ... صرف على علاجي ... زوجته هي السبب ... تحبني مذ رأتني ... إشتقت لأمي أريد زيارتها ...
عدت للشقة مثقلة بهمومي ... وجدت رغدة زوجة أخي تنهي تمريناتها الرياضية ... حزمت حقيبة صغيرة وأخبرتها أني سأزور أمي لأيّام ...
رغدة
--------------------------------------
رغم حزني لمفارقة شيماء لبيتنا ... لكن شيء ما في داخلي يرقص طربا ... الشقة خالية هذه الليلة فقط أنا وشاشة التلفاز ... إشتقت لأفلام البورنو ... بدأ كسي يتحرّك شوقا لهذه اللحظة ...
الجزء السادس
---------------------------------------------------------------
ودّعت شيماء بتلويحة من يدي وأنا أراقبها تركب التاكسي من شرفة المنزل .... جلت بنظري في أرجاء الحي الهادئ ... إحدى السيدات تجلس في شرفتها في العمارة المقابلة لي ... تترشف قهوتها بهدوء ... هدوء أشبه بالحزن ... كل جدران هذا الحي تختزن مشاعر وحكايات ... أسرار و قصص ...
لا أعلم ما أصابني هذه الأيام ... فتور ... برود ... لا رغبة لي في شيء ... قدوم شيماء للإقامة في بيتنا أسعدني ... كدت أطير من الفرح بدخول شخص جديد في حياتي ... علاقة زوجي بعائلته شبه منعدمة ... منذ تناقشنا في موضوع أخته ونظرتي له تغيّرت ... لم يقبل بمساعدتها إلا بعد إصراري ... كنت أحبه ... أحب فيه صموده ومثابرته ... خروجه من الفقر نحو الغنى ... إجتهاده ونجاحه ... كانا سبب موافقتي الإرتباط به ... عرفته في المطار ... كان عائدا من رحلة دراسة طويلة ... مقعدانا كانا متجاورين ... رحلة طويلة سلاني فيها حديثه ... وجدت فيه الرجل الذي يمكن أعتمد عليه ... الرجل الذي يمكن أن أعتبره سندا لي ... أحببته دون تأجيل ...
لم يحدثني عن عائلته أبدا ... كأنه جزء أسود يجب محوه من سجلّ حياته ... حفل الزفاف لم يحضر فيه أحد من أهله ... كنت اعتقد انه وحيد في هذه الدنيا ... لكن بدأت الصدمات تتالى ... إخوته كثر ... والده مزواج ...
الصدمة الثانية يوم تعرّفت بشيماء ... وجهها يدلّ إدمانها ... جسدها نحيل وعيناها بلا روح ... لا أعلم كيف أصررت أن يتكفّل بعلاجها ... رفضه و إصراره وغضبه مني أني تعرّفت بأهله جعلاني أعيد التفكير بعلاقتي به .... رجل يعيره إرتباطه بأهله لا يعتبر رجلا ؟؟؟ ... لا يمكن ان يكون سندا لي ... تشققت صورته في قلبي .... فقرهم ليس عيبا ... و أخطائهم هو أولا أن يسترها لا أن يستحي منها ... بدأت أخشى على نفسي منه ... من تخلّى عن أهله سيسهل عليه التخلّي عني يوما ... أنا التي مانعت الزواج حتى تزاوجت الثلاثين ... إرتبطت به لأني توهمت أني أحببته ... تصدّع ذلك التمثال الذي نحته خيالي له ...
صبرت طويلا على شبه عجزه الجنسي ... علاقة قصيرة تنتهي قبل بدايتها ... حتى صار يخجل من معاشرتي ... دفئ الحب والسعادة بيننا جعلتني أصبر ... عدت سيرتي الأولى ... أفلام البورنو ... رغم توفرها بكثرة على شبكة النت لكنها لا تستهويني ... ذلك الإنتظار حتى ساعة متأخرة من الليل ... تلك الآهات الخافتة الصادرة عن بطلات تنكحن على شاشة تلفاز كتمت صوته و أفرغت فيه رغبتي ...
سحبت كرسيا وجلست أتمتع ببعض دفئ الشمس أغمضت عيني ... وتهت في التفكير ... حتى غالبني النوم ... نعاس ولا نعاس ... جسدي يرفض الحركة ...
صوت منبه أيقضني ... فتحت عيني مثقلة وجسدي منهك من أثر النوم على الكرسي ... حافلة المدرسة تقف أمام العمارة ... نزل طفلان منها ... هرولا نحو بواب العمارة يعانقانه ويلاعبانه ... المشهد شدني ... مالرابط بينهم ؟؟؟
... خلعا محفظتيهما وبدأ يجريان خلفه ... مرّة يرفع البنت في السماء ومرّة يمسك الولد من يديه ويلف به لفات تجعله يصرخ طربا ... وجودهم بعث روحا في الحي الصامت ... صخب وضحك ... البواب يلعب كطفل صغير ... يجيد تسلية الولدين ... كنت أصنّف تصرّفاته كإجتهاد منه لكسب بعض المال ... رقصت روحي طربا للعبهم ... أردت أن أنزل وأشاركهم ... أريد إستعادة طفولتي ... حوالي الساعة والصخب الجميل يملأ الجو ...
جارتي أمل تخرج من باب العمارة ... نادت إبنيها ... تذمرهما واضح من حركاتهما لكنهما إنصاعا لأمرها ... شيء ما شدني لما يحدث في الأسفل ... السيدة أمل تتحدث مع البواب ... نظرتهما لبعض ... قربهما من بعض بتلك الطريقة شدني ... كانا واقفين كحبيبن ... لن تخطأ عيني ذلك ...
سرعان ما إنسحبت هي وسرعان وما إنسحبت أنا ... دخلت شقتي ... روح ثقيلة تخنق أنفاسي ... عاد زوجي من عمله ... تقبّل خبر مغادرة أخته بترحاب شديدة ... يعتبرها إثما فرض عليه حمله ... سرعان ما تعشى ... هاتف يرن من شلّة الصيد مطالبين إياه بسرعة الإلتحاق ...
خرج وتركني لوحدي ... صرت أعشق غيابه ... رغم سنوات الزواج ... رغم الحب ... موقفه من عائلته غيّر نظرتي له ... دخلت غرفة النوم ... تعطّرت وتزينت .. وقفت طويلا أمام المرآة ... سرّحت شعري الناعم حتى إنسدل على كتفي ... روب حريري وردي شفاف ... سوتيانة ترفع صدري للأعلى ... بطني المسطّحة بدأت تتكوّر ... منظرها يزعجني ... لكني أبقى جميلة ... فخذايا الناعمان المكتنزان يجاهدان لرفع مؤخرتي المكتنزة ... كيلوت وردي مشبك شفاف ... يحضن كسي الناعم بحنان ...
دخلت المطبخ ... فشار وفواكه جافة وعصير ... نظرت للساعة ... العاشرة ليلا ... بقيت ساعة على بدأ موعد بث الفيلم ... قصّتي مع أفلام البورنو تعود لعقدين .. بداية الألفية الثانية ... إنتشار اللواقط الرقمية ... وقتها لم يكن للنت رواج ... كنت في الثانية والعشرين طالبة و أسكن في بيتنا ... للتخلّص من إزعاجي ولتوفير ظروف النجاح ... أبي وضع كل مستلزمات ذلك في غرفتي في الدور العلوي لفيلتنا ... تلفاز .. ثلاجة ... وطبعا لاقط حديث ... لن أنسى أبدا أوّل مشهد وقعت عليه عيني ... زب أحمر طويل بين شفتي فتاة ... خفقان قلبي يستذكر تلك اللحظة للآن ...
أدمنت الفرجة وأدمنتني ... خلت أن الزواج سيعوض عني ... الممارسة ستنسيني الفرجة لكن عبثا ... اليوم مع كثرة المواقع لم أجد كفايتي ... تلك اللحظات الطويلة و أنت تنتظر بداية الفيلم ... تلك الإشهارات المثيرة ... جينيريك الفيلم كأنه إقتراب موعد الدخلة ... تلك الأماني عن فيلم مثير ... مرّات يستجيب مشرفو القنوات لأمانيك ومرّات يخيب ضنّك بإختياراتهم ...
إجتهدت وأنفقت مالا للحصول على جهاز لاقط يفك شفرة تلك القنوات .. كثرة غياب زوجي عن البيت منحني فرصة التمتع ليلا ... رغم ندمي صباحا على مجهود السهر .... إستقلت من عملي ... نعم سأتفرّغ لتلك الرغبة ... المشاهدة ...
بدأ الفيلم ... سيدة في منتصف الأربعينات تعيش وحيدة ... منذ مدّة طويلة لم أشهاد فيلم فيه قصّة ومشاعر ... أغلبها صارت تركّز على الفعل الجنسي ... قدوم جارة لتسكن بجانبها خفف وحدتها ... جارتها لها إبن مراهق ... شاب أشقر جميل ومطيع ومهذّب ... أعجبت به وتمنته ... مشهد علق في بالي طويلا ... جارها ينظّف حديقتهم ... وهي تداعب نفسها من خلف ستارة الشبّاك ... داعبت صدري معها ... دغدغت بطني لحركاتها ... حشرة أصابعي في كسّي مع آهاتها ... عشت تجربتها ... لكن هي حصلت على هدفها في الفيلم وأنا إرتعشت وحيدة ...
الساعة الثانية ليلا ... الكل نيام ... فراغ وخواء يعوي في صدري ... نومي طيلة النهار منع جفوني أن تنطبق ... إستحممت ... دخلت المطبخ ... هربت من الصالون ... أحسست أن أثاثه يشهد على إثمي ... غرفة النوم تذكرني بخيانتي لزوجي ... خيانة معنوية ... أن أعيش خيالات مع غيره ... حتى وإن كان بطلا أسطوريا ...
صارعت جفوني عقارب الساعة ... عبثا داعبها النوم ... الثالثة والنصف ... سرعان ما لحقتها الخامسة والنصف ... إنتفضت من شبه مرقدي ... جسدي نشيط رغم كل شيء ... غيّرت ملابسي ... ملابس رياضية ... حذاء رياضي ... مؤخرتي بارزة تحت قماشها الرمادي ... شددت شعري للخلف ... منذ مدّة لم أجري في الشارع ... ممارسة إحدى الجارات للجري شجعني على ذلك ... الرياضة في البيت لا جدوى منها ...
خرجت من باب المطبخ ... الشارع شبه مظلم ... لا حركة فيه ... وقفت على حافة أصابعي ... رفعت يدي للأعلى ... الهواء المنعش يملأ صدري ... كمحرّك سيّارة ملأ وقودا ... قلبي يدقّ بعنف مطالبا بسرعة الحركة ....
بدأت أهرول بخطوات خفيفة ... طفت بالحديقة المدوّرة بالحي عدّة مرّات ... بدأ جسدي يتحمّس وروحي تنطلق ... نور أشّعة الشمس يضيء الأرجاء ... زدت سرعتي ... وزادت سعادتي ... الرياضة تنفض عن روحك الغبار أكثر مما تبعث النشاط في جسدك ...
بدأت أشعر بالتعب ... العرق يتصبب من جسدي ... دخلت العمارة ... وجدت باب شقتي مغلقا من الداخل ... نسيت أني خرجت من باب المطبخ ... سلّم النجدة مظلم ... ما إن خطوت خطوتي الأولى حتى أنارت فوانيسه ... بواب العمارة ينزل منه جاريا... جسم بشري يلاصق حائط العمارة أفزعه وجودي ... فنزل يجري السلالم ... سهير جارتنا ؟؟؟ ... لن تخطئها عيني ...
مالذي يحدث في سلالم العمارة ... سهير والبواب ؟؟؟ ... هل ما يفكر به جنون عقلي صحيح ... هل وهل ؟؟؟ دخلت شقتي وألف سؤال يخنق عقلي ... سهير ؟؟؟ ... و البواب ... ملأت حوض الإستحمام بالماء الساخن علّه يغسل تفكيري ...
منذر
----------------------------------------------------------------------------
كنت متأكدا ... إحدى ساكنات العمارة تراقبنا ... إحداهن كشفت سرّنا ... بدأ الرعب يسري باردا في أوصالي ... وإن يكن ؟؟؟؟ ... لا أحد له الحق في الحكم على تصرّفاتي ... ماذا لو تسببت في فضيحة لأمل ... حبي لها ضاعف من عذابي ... يجب عليا تدبّر أمر هذا المتلصص ... لا هذه المتلصصة ... رائحة العطر النسائي تفوح من حيطان السلّم ... لكن من تكون ...
مرّت صبيحة ذلك اليوم ثقيلة جدّا ... لا حركة بالعمارة كأنها غير مسكونة ... زينب وزياد لم يغادرا المنزل ... عطلة نصف الخريف ... أسبوع راحة من المدارس ... لم تبدأ الدراسة بعد حتى أتت العطلة ... ثم سرعان ما ستلحق الثانية ...
قمت بكل ما يتطلّبه العمل البسيط ... ربضت باب العمارة ... روحي تشتهي قهوة سوداء ... توجهت نحو الكافيه ... أشعلت سيجارة ... وترشفت رشفة قهوة ... جيبي يهتز بعنف شديد ... هاتفي يرن ... أحد المهتمين بالإعلان يستفسر عن مكان وجود الشقّة ... يبدو من لكنته أنه ليس تونسي ... أو تونسي من أهل الجنوب ... واعدني أنه سيقدم بعد نصف ساعة ....
سعادتي بنجاح فكرة شيماء جعلتني ممتنا لها ... سيّارة بيضاء تحمل علامة منجمية ليبية ... زبوني الأوّل كان ليبيا ... أبشر وجهه لما رآني ... قال أنه سعيد بتعامله مع شاب مثله ... سيجعل تفاهمنا سهلا ... لم يناقشني في موضوع الأجرة ... أجرّ مني الشقّة لمدّة أسبوع ... وضع في يدي مبلغ 500 دينار ... وخمسون دينارا بقشيشا لي ... سعدت بذلك المبلغ ... رغم أنه لم يهتم بما تحتويه الشقّة من أثاث ... أخذ مني مفتاح الشقة وطار بسيّارته ...
من فوري توجهت لشقّة سي توفيق منتصرا ... وضعت بين يديه نصف ديني الذي فرضه علينا إتفاقنا ... رغم تهلل وجهه وسعادته بي لكنه يبدو متعبا جدا ... إعتذر عن عرضي بمرافقته في جولة تعيد الدفء لضلوعه ...
خرجت من عنده حزينا لحاله ... هو سبب وجودي بهذه العمارة ... هو سبب تغيير حياتي ... ما إن فتح باب المصعد حتى وجدت زينب تبحث عني ... تعلّقت برقبتي تمطر خدي بقبلات لزجة ... " ماما حاجتها بيك " .... رافقتها لشقتهم ... وجدت أمل وقد غيّرت ملابسها وأمامها بعض الحقائب ... طلبت مني أن أساعدها في نقلها للسيّارة ... أمل وولداها سيقضيان العطلة في بيت حماها ... بعيدا في أحد المزارع بالأرياف ...
خبر نزل على صدري كالصاعقة ... أسبوع بلا أمل ... بلا حب ... بلا جسد ... رافقت عيني الولدين يلوحان لي مودعين بيديهما من خلف زجاج السيّارة ... غاب شكلهما عن عيني وسكن الفراغ صدري ثانية ...
بركت كجمل مثقلا بهمه في صحراء جفافه ... تهت بغيابها ... تعودتها وأدمنتها ... قدوم السيّارة الليبية بعث حركية في المكان بل ضوضاء ... نزل الشاب يرافقه شاب آخر يبدو من لهجته أنه إبن بلده ... ثلاث فتيات ينزلن من الأبواب الخلفية ... ضحكهن المائع ملأ المكان ... عدّة أكياس أكل وخمر وغيرها ... الأمر واضح ... عهرهن يبدو على وجوههن ... ملابسهن .... أحسست بالغيرة ... ليست غيرة المشاعر بل الغيرة على فتيات تجمعني بهن نفس الجنسية ...
سرعان ما غاب الركب في المصعد ... شقّة مفروشة ... هي شقّة دعارة لا ريب ... مرّ ذلك اليوم كئيبا ... كنت خائفا من قدوم الليل ... ليالي طويلة تعودت فيها وجودي بين أحضان أمل ... علاقتي بها صنعت توازنا في نفسي .... منذ مدّة لم أبت في غرفتي ... سرير خشن بارد لا روح فيه ... عبثا حاولت النوم ... الشقة المفروشة تبدو هادئة ... الحي يبدو ساكنا سكون الموت ...
قاربت الساعة منتصف الليل ... لم أعد أطيق البقاء لوحدي ... شلّة المراهقين تقتحم الكافيه ... لا أعلم السبب لكني أردت بعض الرفقة ... غيّرت ملابسي ... وتأنقت ولحقتهم ... كنت أهم بدخول الكافيه حين سحبني صوت همهمة ووقع كعوب عالية بالقرب مني ... تراجعت ... تبعت مصدر الصوت ... نفس الشابتين الذين تعودت مراقبتهما من فوق السطح تتلصصان ... إقتربتا من سيّارة سوداء تقف غير بعيد ... ما إن دلفتا فيها حتى دار محرّكها وطارت .... وقفت مصدوما وقد تجمّدت عروقي ... السيارة مألوفة ... بل أعرفها معرفتي بخطوط كف يدي ... سيّارة أحد ساكني العمارة ... شقيق شيماء ... زوج رغدة .... ماذا يفعل معهما ؟؟؟؟ ... الأمر واضح ...
عدت أدراجي للمقهى ... جلست تائها ... كعادته إقترب مني دجو ... وجوده يكلفني بعض السجائر لكن حديثه أخرجني من فراغي ... يتحدّث كثيرا ولا يقول شيئا ... فقط يتحدّث ...
مرّت سهرتي طويلا ... إنسحب الجميع من المقهى مع طلوع الفجر ... لم أرد العودة للعمارة ... قمت بجولة خارج الحي ... لا أعلم السبب لكني أردت معرفة هوية الفتاتين ... ربضت بالقرب من المكان الذي وقفت فيه السيّارة قبل قليل ... إختبأت عن الأنظار ... لم يطل صبري ... سرعان ما توقّفت العربة ... فتح البابان ... الأمامي والخلفي ... قبلة وداع حارة طبعتها إحداهن على شفتي السائق في حين داعبت الأخرى كتفه ... زوج رغدة ... الصدمة الثانية هذه الليلة ... إحدى الفتاتين هي أخت دجو ... رحت أتمرّغ على بطني في عشب الحديقة ساخرا من نفسي ... تذكّرت تلك المحاضرة حول الأخلاق وحسن السلوك ... نفاق ... النفاق والكذب سمة هذا العصر ... تنصح أخاها و تفعل أشنع من فعله ... تصاحب رجلا متزوجا ... رجل متزوج بسيدة كرغدة ويخونها ... بدأ الصداع يؤلم رأسي ...
توجهت نحو باب العمارة وركبي مثقلة ... الباب عاند ليفتح ... يبدو أن هناك عطل بأجهزة الحماية ... توجهت نحو الباب الخلفي وفتحت قفله بصعوبة ... صعدت السلّم متوجها لغرفتي بحثا عن مفتاح صندوق التحكم ... خلعت حذائي المتسخ ببعض الطين .... السلّم مظلم ... نظام الحماية مرتبط ببعض ... الأنوار لا تعمل إلا بفتح البوابة ... كنت أسير محاذرا السقوط في الظلمة ... لا أرى شيئا ... أضع يدي محاذاة الحائط أتحسس الطريق ... توقفت طويلا أما باب مطبخ أمل ... لكن لا أمل ...
صعدت بضع درجات نحو الطابق العلوي ... أصابعي تلامس الحائط البارد تهتدي طريقها معتمدة عليه ... فجأة لامسة يدي جسدا طريا ... دافئا ... دون شعور أمسكت أصابعي به ... غاصت فيه ... جسم طري ناعم .... قبل أن أتبيّن ما هو دوى صراخ في أذني ... صوت إمرأة أفزعها وجودي ... رعبي منعني من معرفة مصدره ... الصدمة والخوف جعلاني أزحف للأعلى هروبا منه ... قبل أن يعود سكون صدى صوت الصرخة كنت قد إبتعدت بضع درجات ...
سمعت وقع خطوات وباب يفتح ... الظلمة والرعب منعاني من معرفته ... كنت أحاول الوقوف ... ركبي تصطك بفعل الصدمة والخوف ... حاولت التماسك ومواصلة الصعود نحو نور السطح ... وضعت يدي على الحائط ... شعر ناعم وقعت خصلاته بين يدي ... قبل أن يلحقني صوت الصراخ ثانية .... كنت قد وصلت السطح ... هاربا لاهثا ... مرعوبا ...
لم أفهم ما يجري ... دخلت غرفتي ... أخذت مصباحي ومفتاح صندوق التحكم ونزلت محاذرا ... نور المصباح يسبقني يطمئنني أن الأشباح غادرت .... أشباح تتعطّر بأرقى العطور ... الأمر بدأ يتوضح ... هناك من يتلصص على علاقتي بأمل ؟؟؟ ... ليست واحدة بل إثنتان ....
شيماء
-------------------------------------------------------------
برود قاتل يحرق صدري ... أمي إستقبلتني كمن إستذكرت ذنبا لا يغفر له ... أختي الصغرى كذلك إبتعدت عني ... أبي سلّم عليا بحرارة الثلج ... الكل صار يتحاشاني ... سمعة ملطخة بكل الأوصاف ... تاريخ مظلم وحاضر أسود ومستقبل مجهول ...
غربة قتلتني في غرفتي ... تخلّصت من حقائبي وملابسي ... فقط تلك الذكريات ... ذكريات تعبث ببقايا عقل هدمته المخدرات ... أحلام طفولة عبثت بها خطواتي قبل أيدي القدر ... سفينة خشبية تكاد تبحر فوق خزانتي ... أغمضت عيني وغاص عقلي في أمواج ذكرياتها ...
سفينة خشبية تفنن عامل في صناعتها ... مزينة بأصداف سواحل طبرقة ... بعض المرجان يزيّن صواريها ... أنا أصررت على وليد أن يشتريها لي ... على غير عادته وافق ... تمطت شفتاي العابستان لذكرى تلك الجملة التي قالها للبائع وهو يشتري لوحا مزركشا لتقطيع اللحم ... " أن تعدلو " ...
البائع فهم أني عشيقته ... السفينة لي و اللوح المزركش لزوجته ... شخص عجيب ... كل من قابلتهم في حياتي يثيرون العجب ... تهت في نومي ... نوم متقطّع ... أحلام وذكريات ... الغريب في الأمر أن ضميري لا يؤنبني ... رغم كل ما أوقعت نفسي فيه من مصائب لكن شيئا ما يدفعني للمواصلة ... مواصلة ماذا ؟؟؟ وإلى أين ؟؟؟
يومان ثقيلان مرا عليا في بيت أبي ... أبي لا ينظر في وجهي ... يكلمني من تحت ضرسه ... أمي ترمقني بتلك النظرة التي تسمع فيها عبارة " قتلكش ؟؟؟ " مع كل رمشة ... تهت وتاه بي السبيل ... حزمت حقائبي وركبت سيّارة أجرة في إتجاه العاصمة ... أغمضت عيني ... ذكريات أوّل سفرة عند إلتحاقي بالجامعة تغطي حلقي بالمرارة ...
أمسكت هاتفي ... قلّبت كل الأسماء المسجّلة فيه ... إما قطعت علاقتي بهم و إما قطعوا علاقتهم بي ... كل البنات غيّرن أرقامهن ... شلّة وتفرّقت ... طيور وهجرت أوكارها ... أو عادت لها .... خوفي من أن تتلاطمني أمواج قدري ثانية دفعني غصبا نحو شقّة أخي ...
خطى مثقلة نحو باب العمارة ... منذر يستقبلني مستبشرا مبشّرا ... قال أن إعلاني آتى أكله ... الشقة مؤجّرة و العديد يتصلون به للإستفسار ... رغم كل شيء أحسست ببعض السعادة ... مددت يد العون تجاه أحدهم ...
وضعت حقائبي في غرفة خصصتها زوجة أخي لي ... البيت يبدو هادئا ... أخي يعمل لكن رغدة يفترض بها أن تكون بالبيت ... أحسست بالتعب لكن لا رغبة لي بالنوم ... أعددت قهوة سوداء لنفسي علّها تعيد توازن عقلي ... دخلت الصالون ... فتحت التلفاز علي أجد شيئا أتيه فيه ... أي صور أدفن فيها ذكرياتي وألمي ...... الصوت يسبق الصورة ... قبل أن أتبيّن ما يجري على شاشته الضخمة السوداء ... صوت آهات صم أذني ... لم أصدّق نفسي ... قناة أروبيّة للجنس ...
ربما رغدة وقعت عليها خطأ ... وأهملت ذلك ... صورة لقضيب رجل يدكّ فرج سيّدة ... آهاتها تصمني ... تحرقني ... أمسكت جهاز التحكّم أردت أن أهرب من تلك الصورة بتغييرها ... كل القنوات متشابهة ... فيها ما سخنت حركاتها ومنها ما يزال ينتظر قدوم ليل ... إعلانات ... صور أرقام هواتف وردية ...
صدمة شديدة هزتني ... ليست الصور هي السبب بل من كان يتابعها ... أخي لا يشاهد التفاز أصلا ... ورغدة لا يبدو عليها ذلك ... هل هو تقصير من أخي ... أو هي رغبة تختزنها في صدرها ... هي عادة لم تنسها بالتأكيد ...
صوت ضجيج خفيف قرب باب المطبخ قطع خيوط تفكيري المتهرئة .. أغلقت التلفاز بسرعة خشية حرج قد أقع فيه ... أمسكت فنجاني وهرولت نحو المطبخ كأني لم أبرحه ... وجه رغدة الأحمر بفعل المجهود البدني يتصبب عرقا يطّل من فتحة الباب ... كادت تصرخ رعبا لوجودي المفاجئ ... إرتباكها دفع مرافقتها للدخول ... سهير جارتنا بالعمارة ... سيّدة صادفتها تجري مرّة أو مرّتين ...
- رغدة : قتلتني بالفجعة ... وقتاش جيت
- شيماء : لسّة واصلة ... أصلي مللت القعدة في بيتنا قلت أجي أرخّم عليكي ... ماكنش قصدي أخضّك
- رغدة : لا أبدا ... إنت تعرف إنه وجودك بحذايا يسعدني ... لكن ما توقتعش نلقى شكون في الدّار
- شيماء : (نظرت لصديقتها بتفحّص مبالغ فيه ... ثم نظرت لرغدة ) مش تعرفينا بصاحبتك ؟
- رغدة : (تملّكها الحرج) ... يعطيني ... الفجعة نساتني نعرفكم ببعضكم ... شيماء لوزتي (أخت زوجي) ... سهير جارتي وصاحبتي الجديدة ..
- سهير: نتشرّفو (بحياء شديد غير مبرر)
- شيماء : وبيك أكثر ... بس إزاي جارتك وصديقتك الجديدة ؟؟؟؟ إنت إنتقلت هنا جديد ؟؟؟؟
- سهير : (بصوت متلبّك) لا بالعكس ... أنا أوّل وحدت سكنت العمارة ... لكن الفرصة ما واتاتش باش نتعرفو على بعضنا
- شيماء : طيّب ما إحنا فيها ... تعالي إسهري معانا الليلة ... ونتعرّف ببعض أكثر ...
سهير
------------------------------------------------
دخلت شقتي والنار تحرقني ... لم أعلم السبب ... مجرّد تعرّفي برغدة غيّر حياتي ... أعاد تلك الرغبة في صدري ثانية ... إنجذابي للأنثى ... لست سحاقية لكن تلك الرغبة تراودني منذ سنين ... رغبة كبتها طويلا ... في الدراسة خشيت أن أخسر صديقاتي بسببها ... زواجي في سنّ مبكّر منعني من التجربة ...
رغبة حاولت ردمها في رفوف الذاكرة عبثا ... رغم إجتهاد زوجي في إسعادي لكنها لم تفارقني ... خلت نارها خبت لكنها إشتعلت أوّل ما إكتشفت أن رغدة تتلصص على ما يحدث في شقة أمل ... شيء ما دفعني للتقرّب منها ... إهتمامها بالرياضة فتح الباب أمامي ... كنت أخطط أن أجس نبضها في تجربة أنثوية .... لكن سقوط هذه الصبية من سماء القدر في طريقي بعثر كياني ... نظرتها المتفحّصة لجسدي ... سحبت تفكيري نحوها ...
راجعت تلك الدقائق القليلة في ذاكرتي بالتفصيل ... صوتها الناعم ... حشرجة صدرها ... إرتعاشة أصابعها ... عينها التي تفحّصت جسدي ... كلها إشارات إلتقطتها روحي العطشة ... لكن ربما هو تفسير خاطئ لحركات عادية ... جسدي ينتفض كلّما تذكّرتها ...
غصت في مياه الحوض الساخنة ... علّ حرارة مائها تطفئ حريق جسدي ... كمراهقة تنتظر موعد مع حبيبها ... فتحت خزانة ملابسي ... وضعت كل ما أملك على السرير ... إخترت طقما جميلا ... قميص أبيض بأزرار وردية ... تنورة وردية ... جوارب بيضاء شفافة ... تعمدّت ترك زرارين مفتوحين ... مفرق صدري يطلّ منهما بفخر ... تنورتي تبدو طويلة نوعا ما .... تلامس ركبتي ... طويتها من الوسط حتى صارت تناصف فخذي الأبيضين ... حذاء بكعب عالي ... يزيد في إستدارة مؤخرتي ... عطر أنثوي أخّاذ ... سعادتي لا تقارن بسعادة زوجي لما أعلمته بموضوع السهرة في بيت الجيران ... قال أن التعارف الإجتماعي مع الجارات سيخرجني من حالة الفراغ التي أعيشها ... أصلا خرج مسرعا لشراء بعض المرطبات والحلويات كهدية لمضيفتي ...
لا أعلم كيف تجرّأت ... علبة ملابس داخلية لم تعد مقايسها تناسبني ولم أستعملها قبلا ... حملتها معي في كيس مزركش ... خطوات قليلة ووقفت أمام باب شقّة رغدة .... إهتزّ قلبي مع دقّي للجرس ...
فتحت رغدة الباب ... لم تكلّف نفسها ... لباس بيت عادي رغم تأنقها ... قادتني للصالون مرحّبة ... طاولة مزيّنة بكل أصناف الأطياب عصائر ... فواكه ... مكسّرات ... كل ما يلزم لسهرة فتنة نسائيّة ... شعرت بالحرج لتأنقي المبالغ فيه ...
جلست رغدة بجانبي تردّ على مجاملتي حول ذوقها في إختيار الأثاث ... كدت أنطق من شوقي ... مستفسرة عن سرّ غياب شيماء ... لكنها أطلّت ... فستان أبيض قصير ... صدرها الناعم يتأرجح مع كلّ خطوة تخطوها نحوي ... إنزلاق القماش على جلد فخذيها الأبيضين يشير لنعومتهما ... تأنقها يؤكّد أحاسيسي ... إهتمت بشكلها من أجلي ...
سلام حار غمرتني به ... أسرتني ... سرقت وجداني وخطفت روحي ... كانت مركز البهجة في جلستنا ... سرعان ما ألفتها وألفتني ... إنسجامنا بدا واضحا منذ اللحظة الأولى ... إستغلّت خروج رغدة لتأخذ مكانها ... جاورتني ... شممت ريح عطرها الخفيف الأخّاذ ... سعد أنفي بقربها وحزنت عيني ...
جلوسها بجانبي جعل التملي في تفاصيل وجهها أصعب ... لكن عيني كانت تسترق النظر لركبتيها ... لبضع الإنشات من جلد فخذيها الأبيضين ... لا أعلم كيف تجرّأت ... وضعت كيس الهدية بين يديها ... كأنها فهمت من حركة أن الأمر يجب أن يبقى سرّا بيننا ... قبل أن تعود رغدة من المطبخ ... كانت قد إنسحبت من الصالون تخفي الكيس وراء ظهرها ... طاردت عيني إهتزاز ردفيها ...
كمن تنتظر نتيجة تحليل طبي ... توقف قلبي ... جاهدت نفسي للتظاهر بكون حالتي عادية مع عودة رغدة تحمل طبقا من الفواكه ... قدومها لم يخرجني من حالتي ... كيف ستتقبّل شيماء هديتي ... الأمر يبدو عاديا ... هدية حميمية من صديقة جديدة ... لكن ليس هذا ما أقصده ... طعم مموه ألقيته نحوها ... علّها تلتقطه ...
أطلّت برأسها من باب الصالون ... وجهها تغيّر ... لا يمكنني تجاهل تظاهرها ... لم تكن عادية ... حمرة إعتلت وجنتيها ... رغم كل شيء فهي تبدو جذّابة آسرة ... عادت للجلوس مكانها تقابلني ... لكنها تغيّرت ... كلماتها تائهة ... فقط تساير بعض الكلمات في حواري مع رغدة ... إنتهت آمالي بوضعها مخدّة سترت بها فخذيها ... فهمت رسالتي ورفضتها ... بدأ الندم يقضم أطراف صدري ... فجأة دوي سيّارة إسعاف قطع جلستنا ... خرجنا مسرعات مفزوعات ... وقوف السيّارة أمام باب عمارتنا زاد رعبنا ... دقائق ورأينا المسعفين يهرولون بسرير ... سي توفيق حالته حرجة ... رحلت زوجته و أخته خلفه بسرعة جنونية ... الأمر يبدو خطيرا ...
منذر
----------------------------------------------------------
خلع قلبي لمنظر سي توفيق ... وجهه الأصفر يؤكّد موته القريب ... أوّل مرّة أرى سكّان العمارة متجمهرين ... الكل صار يفهم في الطّب ... بين مطمئن و متشائم ... كثرت التوقعات ... أنا كنت متأكدا من موته القريب لا أعلم السبب ... لأول مرّة أشعر أني أنتمي لهذا العالم ... رحت أروي على الموجودين قصّة وقوعه تلك الليلة في الطيّن يوم عرفته ... شيماء و سهير يتابعن حديثي بإهتمام بالغ ... رغدة تنظر في عيني مباشرة لكن متأكّد أنها لا تسمعني ... فقط زوج سهير كان يجادلني ... جدال بين ساكن وبواب يجب الإذعان فيه ... درس طويل حول مخاطر كسر الحوض في ذلك السن ...
كنت أتظاهر بالإهتمام لشرحه ... لكن طرف عيني يلمح تلك النظرات من رغدة ... طال الوقوف ... ثم إنسحب أربعتهم ... نظرة وداع لهم قبل إغلاق باب المصعد ... نظرة مباشرة من عين رغدة في عيني ... جمعت كل حروف قواميس لغات العالم ... لكني لم أقدر على تفسيرها ....
لم أستطع النوم ليلتها ... قلق بالغ وأرق مضاعف ... غياب أمل عني ... برودة السرير الخشن ... و الأدهي تلك النظرة ... كلانا يعلم أن الآخر كشف سرّه ... هي تتلصص عليا و أنا ضبطتها ... ربما هي من لامست يدي صدرها في ظلمة السلّم ...
تحسست أصابعي بصدري ... فجأة تربعت رغدة على عرش رغبتي ... تراجعت أمل بغيابها لتحضر هي بنظرتها ... لأوّل مرّة لا يخفق قلبي خوفا بل خفق حبّا ... نعم أنا هكذا ... لا أعلم السر لكني سريع الوقوع في الحب ...
ذكريات مغامراتي مع حبيبة ... فريال ... سهام ... أمل ... كلّها إجتمعت لتشجعني على الإقدام ... هن يعتبرن أصعب منها ... كنت أخال الوصول إليهن مستحيلا ... فجأة مجنت أحلامي ... مجون ما بعده مجون ... ضوء السيّارة الأحمر يعلن مغادرة زوجها مع عشيقتيه ... العمارة خالية إلا منهم ... من تجمعوا حولي قبل قليل ... سكّان الشقة رقم إثنان مسافرون ... فقط الشابان الليبيان ينعمان بسهرة حمراء ...
هممت بنزول الدرج ... جرذ مقرف صارعت لقتله مرارا يعترضني ... عاد أدراجه مفزوعا لخطواتي ... تسلّحت بمكنسة كانت فوق السطح ورحت أطارده ... ضربات عديدة أخطاته فيها ... النور المفاجئ بعثر خطواته توقّف في الطابق الثاني غير مدرك أين يذهب ... المكنسة تلاحقه كقدره المحتوم ...
بدأ يقضم يائسا باب مطبخ الشقة 3 ... هممت بضربه حين فتح الباب فجأة ... ملجأ غير متوقّع أنقذه مني ... صراخ عنيف دوّى بالمكان ... صوت صراخ لكن الحنجرة رجالية ... زوج سهير الذي سحبه الضرب والخبط على السلّم ... فتح الباب ليمرّ الجرذ بين قدميه ويدخل للمطبخ مختبأ خلف الثلاجة ... كمن شاهد غولا هرب لداخل شقّته وأغلق الباب يحدثني من خلفه ... أوامره تصلني متكررة تأكّد فزعه ... الجرذ المصاب لم يعد يقدر على الحركة ... ضغطت عليه بطرف يد المكنسة حتى نزف آخر رعشة من روحه ...
أمسكت القارض من ذيله ... ما إن أعلمت رجل البيت بإنتهاء المهمة القتالية حتى فتح الباب بحذر مبالغ فيه ... حركة دعابة مني ... صرخة فجأة " شد شد " ... إعتقد أن الجرذ لا يزال حيّا ... هرب مسرعا نحو الصالون ... ضحك شديد رغم نعومة الصوت دوى بالممر ... مدام سهير التي كانت تقف وراء زوجها ... تضحك ساخرة من جبنه ... نبرة ناهرة تخرج منه ... أحرجه الموقف ... رجل يخشى فأرا ...
إنسحب زوجها مكسورا ... وإنسحبت متحسّرا على رجولته ... شيء طبيعي ... تربية المدن ... أين منه وأين منا ... ولدنا نطارد الخنازير البرية ... نصارع الذئاب ... لم يسلم من مطارداتنا الصاخبة كائن حي ... الطيور في أعشاشها ... الأرانب في أوكارها ... الجراد ... كل ما يتحرّك كان هدفا للهو صبانا ... خرجت تحت أنظار مدام سهير ... رفعت صدري للأعلى فخورا بنصري المزعوم ... لا أعلم السبب شعرت أني متميّز عن زوجها .... ما إن خطوت الخطوة الأولى خارج باب المطبخ وقبل إغلاقه ... أنار السلّم المظلم ... عينان تراقبان وجهي ... مدام رغدة تنظر في عيني مباشرة ... نظرة عتاب وصدمة و ألف تحليل يمكن أن تقرئها من تلك النظرة ... حاولت الإبتسام في وجهها لكن ردّة فعلها كانت أسرع ... أغلقت الباب في وجهي بعنف شديد ...
إنتهى الأمل في النوم تلك الليلة ... فكر وأفكار لا تفكّر ... تاه عقلي ... مالذي يحدث ؟؟؟ ... ما هذه العمارة العجيبة ... أي قدر قادني نحوها ... جلست على حافة سريري تائه الفكر والروح ...
رغدة
---------------------------------
كنت متأكدة منذ قدومه أنه شخص غير عادي ... وجهه الوسيم ... جسمه المتناسق ... شبابه ... عنفوانه ... روحه المرحة البسيطة ... نعم كنت متأكدة ... أن إحداهن ستسحبه نحوها ... إحداهن ... وليس كلّهن ... حبيبة التي تعمل في شقة صاحب العمارة ... زوجته ... سهام زوجة النائب ... أمل المحجّبة ... والآن سهير ؟؟؟؟ ....
رأيته يخرج من شقتها ... لم أقدر على الإختباء كعادتي ... ما الذي جذبه فيهن ولم يجده فيا ؟؟؟ ... بدأت النار تحرق صدري ... نار غيرة أو نار قهر أو نار عمر ضائع ... لم أفهم سرّ إهتمامي به ... مالذي وجده فيهن ولم يجده فيا ... راقبته لأيّام ... تجرّأت وبادرته بالتحيّة ... لم يهتم بي ... هل هن أجمل مني ... هل إنتهت جاذبيتي ؟؟؟ ... هل سرقتني سنين العمر ؟؟؟ ... وقفت طويلا أمام المرآة ... جسدي الفاتن لازال فاتنا ... أهتم بنفسي ... ربما بعض الماكياج قد يزيد جاذبيّتي ... هل أدخل المنافسة ؟؟؟ ... القائمة طويلة ؟؟؟ ...
سهير ؟؟؟ ... تدخلها بيتها وزوجها هناك ؟؟؟؟ ... ماهذا الجبروت ؟؟؟ ... ما هذه القوّة ؟؟؟ .... حرقني ذلك السؤال الأزلي ؟؟؟ ما يمتلك هذا الشاب كي تغامر سيدات المجتمع بسمعتهن من أجل الفوز به ....
أحسست أن قائمة المنافسات طويلة ... بدأت روحي تهدأ ... سأخرج هذا الموضوع من عقلي ... سأتركه لمن خيّرهن عني ... سهير ... لا تزيد عني شيئا ... نفس العمر تقريبا ... تشبهني جسديا لحد بعيد ... ربما أنا أجمل منها ... صرت أكرهها ... بل أمقطها ... غيرة وسكنت روحي ...
طلع فجر ذلك اليوم بعد ليلة مضنية من الحرقة ... عاد زوجي محملا بصيد وفير ... إستحم ودخل يسرق ساعات نوم قليلة قبل ذهابه للعمل ... صرت أحسده على هوايته الجديدة ... أنا منحوسة أصلا .... إهتمامي الحديث بالرياضة ... ملأ بعض الفراغ في روحي ... لكن حظي السيء أوقعني في طريق سهير ... هي مغرمة ومختصّة في هذا الميدان ... قررت التراجع عن كل وعودي لها ... صوت طرق خفيف على باب المطبخ ... سهير تنتظرني حسب موعدنا لحصة جري صباحيّة ...
فتحت الباب بهدوء وتثاقل ... وقفت عند الباب ... يدي التي تستند على حافته تمنعها من الدخول ... ليتها تتلقى إشارات وجهي العابسة وتنسحب من حياتي ... تمتعي لوحدك بمنذر لم أعد أريده ولا أريد معرفتك ... رغم كل شيء قابلت إعتذاري عن صرف نظري عن موضوع حصص التنشيط الرياضي التي تواعدنا حولها .... بلباقة شديدة رغم نظرة عينها الحزينة المستفسرة ....
شيماء حاولت إعادة العلاقات بيننا عبثا ... رغم تعديدها لمحاسن جارتنا لكني كنت أتملّص من مقابلتها ثانية ... لا أعلم هل قابلتها شيماء في غيبتي ... لا أعتقد ذلك فشيماء ترابط بالبيت ... منذ أيّام لا تبرحه .... جفاف أصاب روحي ...
شيماء
------------------------------------------------
لم أجد تفسيرا مقنعا لما يحدث ... رغدة فجأة إنقلبت ألف درجة ... هل لاحظت أن سهير قدّمت لي هدية سريّة ... هديّة هزت روحي وكياني ... ملابس داخلية نسائيّة جذابة ... تزيد جمالي ... بعثت في روحي شيئا جديدا ... هدية تبدو عادية لو كنت مقبلة على الزواج ... لو أننا تبادلنا الهدايا قبلا .... لكن هكذا منذ أوّل تعارف ... الأمر يحتاج تفسيرا ...
أيّام طويلة مرّت لم أجد فيها جوابا لأسئلة سكنت عقلي ... هل إلتقطت إشارتها بتردد سليم ... أم أن سنوات التيه جعلتني أفسّر كل تقرّب مني أنه رغبة في جسدي ... جسدي الذي بدأ يتعافى من شحوب الإدمان ... وروحي التي رطبتها تلك القطرة الندية من سهير .. لم يهتم بي أحد بتلك الحنيّة منذ فارقت وليد ... أو منذ خسرته ....
خرجت للشرفة ألتقط بعض أشعة الشمس علّها تنير ظلام روحي ... الحي هادئ لا حركة فيه ... سحبت كرسيا ووضعت يدي على خدي وأسندت مرفقي على حافة سوره وتهت في التفكير ... شريط ذكريات وردية سحبني ... تذكّرت وليد ... مهندس الجنس ... مدرّس الرغبة ... مرشد الأرواح ... يعشق مراقبة المؤخرات ... شيء جمعنا ببعض رغم تباعد القدرات ... كان يعرف بمجرّد النظرة من مارست الجنس الخلفي ممن فتحتها سليمة ... بنطلونات الجينز الضيقة تساعده على ذلك ... لم يعلمني سر تلك القدرة لكني كنت أصدّقه ...
إبتسمت غصبا عني لذكريات طريفة بدأت تمطر عقلي ... يوما ما كنت أمازحه ... قلت له أني أفكّر أن أصبح سحاقية ... شجعني على الأمر ... قال أن 80 بالمائة من مشاكلي ستنتهي بذلك القرار ... لم يفسّر لي لكنه شجعني ...
مرارة شديدة أصابت روحي ... ذكرى فقدانه ... عناد وعدم مبالاة كانت السبب في فراقنا .... رحت أدنن رائعة نزار بصوت القيصر ... " لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنّة والنار" ... لكن أيهما الجنّة وأيّهما النار ...
بدأت حركة خفيفة أسفل العمارة ... منذر يقوم بنقل بعض الأكياس ... رحت أراقب حركته السريعة والنشيطة ... شيء ما سحبني للنزول... حديثه يسليني ... روحي تتوق لبعض التسلية ... هرولت نحو باب المصعد ... إختبأت قرب الباب ... قمت بإفزاعه بقرصه من جنبه وهو يدخل باب العمارة ... ضحكت طويلة من ردة فعله ... ضحك لضحكي ... الضحك علاج الروح ...
عرض عليا شرب قهوة أو عصير بالكافيه في الحي ... لم أمانع رغم أني كرهت تلك الأماكن ... قال أنه مدين لي بالكثير ... فكرة الإعلان كانت فاتحة خير كثير له ... سعدت لكلامها وطربت لسعادته ....
رافقته متأبطة ذراعه ... رفع صدره وكتفيه للأعلى مقلدا حركات فرسان القرون الوسطى ... دفع الباب و إنحنى يطلب مني الدخول بلباقة لم أتوقعها منه ... ديكور الكافيه جميل ...
رغدة
------------------------------------------------
لم أصدّق عيني ... شيماء تعانق منذر هكذا في الشارع ... دون حرج ... لمساتهما .... ضحكتهما ... أقسم أن وشوشتهما وصلتني .... من شبّاك غرفتي راقبتهما ... إرتفعت حرارتي ... منذر هذا مطلب كل الإناث ... لكنه يتجاهلني ... سألحقهما بالمقهى ... سأحارب من أجل حقي ...
سهير
------------------------------------------------
مالذي يحدث ... شيماء ترافق منذر للكافيه ... إنسجامهما لا تخطاه عين ... خلتها تبادلني نفس المشاعر ... مرارة الخيانة تسكن روحي ... خيبة أمل وجرح عميق نزف في قلبي .... لكنها فرصة لا يمكن تفويتها .... فرصة الإلتقاء بشيماء بعيدا عن عين رغدة ... رغدة التي تغيّرت معي دون سبب ... سألحقهما بالمقهى ....
منذر
----------------------------------
جلست شيماء بوجهها البشوش أمامي في المقهى ... سأكون كريما معها ... أوّل مرّة أرافق فتاة لمكان عام ... أصلا النادل صدم لوجودنا ... فرصة لتحسين صورتي أمام الجميع ... فرصة لتعويض ذلك النقص أمام من كنت أراهم يدخلون أزواجا وأنا وحيد ... فرصة تقرّبني من رغدة ... تساعدني على فهم سر تلك النظرة ...
الجزء الأخير
---------------------------------------------------------------
موسيقى خفيفة تصدر من جهاز التلفاز ... وجود نادلة سمراء من أصل إفريقي بعث جوا جديدا في الكافيه ... ما إن وضعت طلبات منذر وشيماء على الطاولة .... حتى دفع باب الكافيه .... سهير تدخل متأنقة كأنها مدعوة لمهرجان سينمائي ... وقفت تستطلع المكان الذي زارته أوّل مرّة ... توجهت نحوها النادلة السمراء ... حركتها جعلت رقبة شيماء تلتفت نحوها ... خفق قلبها بقوة لمنظرها ... جميلة متأنقة في فستان أزرق قصير ... صوت كعبها العالي تزامن مع حركة ترحيب من شيماء ... توجهت نحوهما ومنذر يبتلع ريقه بصعوبة .... سحبت كرسيا مرحبة بهما ...
سرعان ما قدّمت لها النادلة طلبها وإنسحبت .... لم يبدأ حوار الشفاه بعد وإنطلق حوار العيون ... منذر الذي فهم بحكم خبرته القصيرة أن هناك أمر غير طبيعي بين الأنثيين ... بدأ يشعر بالحرج كان وجوده يمنع إنطلاق فضفضة نسائية بينهما ... بدا يعبث بهاتفه يحضّر لإنسحاب ... قبل أن ينهض من مكانه ويترك لهما الفرصة فتح باب الكافيه ... رائحة العطر الفوّاح تسبق صاحبته ... رغدة تدفع الباب البلوري بخجل ... خجل من يكتشف المكان ... أسرعت النادلة نحوها تبرز إجتهادها في عملها ... سرعان ما إستقبلتها الأيدي الملوحة ترحابا ... رغم بعض الإمتعاض لكن الوجوه إبتسمت ... إلتحق بالطاولة ... كانت تنظر بإستنكار لتبرّج سهير ... منافسة غير معلنة بدأت بينهما ... رغدة قررت خوض الحرب ... حوار بارد وبسيط بينهم ... الوحيد الذي لم يستسغ ما يحدث كان منذر ...
كعادة الكافيه في نفس هذا الوقت ... لا زبائن فيه سواهم ... النادلة السمراء إقتربت من المجموعة .... إقتراح منها بلغة فرنسية بلكنة إفريقية ... قابل الجميع بترحاب يكسر عنه ملل الصمت ... إقترحت أن تعلّمهم لعبة ... هي لعبة أشبه بالطاولة المعروفة في المشرق ... تعتمد النرد ... و بعض الأحجار الملونة بالأبيض والأسود ... ترمي النرد وتتقدم في مسلك مرسوم على لوح مزركش ... كلما تقدّمت تنقص من أحجار خصمك ... عند النهاية يقع عد الأحجار المربوحة من الخصم ... على جانب اللوح ... قائمة للأرقام والأحكام ... يجب تنفيذ الحكم ...
تحلّق الجميع بإهتمام يتابعون شرح الفتاة للعبة ... لم يتطلّب الأمر مجهود كثيرا ... سرعان ما إستوعب الجميع القوانين ... اللعبة تلعب أزواجا أو أفرادا ... بدأ اللعب يحمى مع توجيهات الفتاة ... مع حماسة اللعبة تركز إنتباه الجميع ... كل له هدف ... الفوز ... الفوز في اللعبة أو بأحد اللاعبين ... كما في كل لعبة ... الهوى وما يشتهيه القلب يتحكّم في مسارها ... شيماء التي تعاطفت مع حظ سهير العاثر ... تعاطفها جعل مسيرة حظ رغدة يتراجع ... منذر الذي سحبه قلبه لمساعدة رغدة ... الأمر صار أكثر وضوحا تصريح على الشرف بالإنجذاب مغلّف في قالب تنافس ودي ...
إنسحبت الفتاة السمراء ... لقد تعلّم زبائنها قواعد اللعبة ... بدأ الصخب والضحك يصدر عن طاولتهم ... ضحك الأطفال وصخب المراهقة .... روح جميلة حفت بالمكان ... السعادة بدت على الجميع ... لا تستطيع تفسير سبب السعادة ... هل هو جو المزاح السائد بينهم ... أو التصريح المبطن بالتعاون ... أزواج ... أزواج ...
تكررت لعبتهم مرات ومرّات ... متعة من جرّب شيء لأوّل مرّة يجعلك تدمنه ... لم يبالي أحدهم بالجوع أو بالوقت ... فقط الضحك و المنافسة غلبت على المكان ... أكثر من أربع ساعات من الضحك كان يجب أن تنتهي بما ينغص الصفو أو يوضح الرؤية ....
وقوف سيّارة أمام العمارة سحب نظر منذر نحوها ... رجل غريب يدخل العمارة ... يقف أمام الباب يفتحه ... إنطلق منذر مهرولا نحوه تاركا مرافقاته دون إستئذان ... قطع الحديقة جريا ... لحق الرجل ينتظر السلّم ... رجل قصير القامة ... لحية خفيفة بيضاء تزيّن وجهه الذي يبدو وقورا ...
تعجّب الرجل من وجود منذر مشدود النظر نحوه ... لسبب غير مفسّر لم يرتح أحدهم للآخر ...
- هو حضرتك رايح فين ؟؟؟
- طالع شقتي ... عندك مانع ؟؟؟
- هو حضرتك ساكن هنا ؟؟؟
- إنت مين عشان تسألني ؟؟؟
- عفوا أنا منذر حارس العمارة ؟؟؟
- (غمغم الرجل) مالقوش حمار ثاني يشغلوه ...
غريب أمر قلبك يا منذر سرعان ما تحزن وسرعان ما تفرح ... سرعان ما تحب وسرعان ما تنسى ... لم يتمالك نفسه بعد ... صوت كعب عالي ينقر الأرض خلفه ...
لم تسعفه صاحبة الخطوات أن يكتشف من هي ... سهير تقرصه من جنبه وتصدر صوت قبلة من شفتيها ... قبل أن يدرك من هي إختبأت داخل المصعد ... صوتها يصله مع إغلاق بابه ...
- بكرة في نفس المعاد ... في الكافيه
موعد ... كمرهم أخفى أثار جرح عودة زوج أمل لينهي علاقتهما لوقت طويل ... صعد السطح يبحث عن ملجأ يرتب فيه أفكاره ... ذلك الهياج الناجم عن كثرة التفاعلات النفسية ... كان يشعر بصدره كحبة دواء تذوب في كأس ماء ... يغلي لتصدر بالوناته ... غليان بارد ... لم يستطع تحديد مشاعره ... عدم القدرة على ذلك يؤثر أكثر من المشاعر نفسها ...
كان يراقب رأس زوج أمل يتحرّك تحت العمارة ... ذهابه وجيئته تؤكّد أنه يبحث عنه ... الحمير هي من تحمل الأثقال ... تركه يئن تحت ثقل بعض الحقائب التي عانى لوضعه في سيّارته ... كروح خبيثة يراقب صلعته من الأعلى ... الشر يبعث السعادة في الروح أحيانا ...
إختفت السيارة حاملة معها أمل منذر في أمل ... إلتفت خلفه ... أشعل سيجارة ونفث في دخانها آخر نبضة حب و شوق لها ... كلقطة سينمائية محترفة ... إنطفأت صورة أمل وأنارت صورة رغدة ... بدأ يزن الأمر في عقله ... " بكرة في نفس المعاد " ... كلمة خرجت من شفاه سهير لكنها تعلمه بموعد مع رغدة ...
قبل المغيب بقليل رن هاتفه ... صوت غريب بلكنة غريبة ... شاب يسأل عن الشقّة المفروشة ... موقعها ... عدد غرفها ... توفرها ... اللكنة الليبية ... يسألون عن كل شيء إلا السعر ... أعلمه الشاب أنه قادم بعد نصف ساعة ...
شعور بالسعادة لتحقيق بعض المكاسب ... لكنها فرصة لا يجب أن تضيع ... نزل مسرعا نحو شقة رغدة ... دق الجرس ... دقائق قليلة وفتحت صاحبة البيت الباب ... ثوب منزلي حريري يستر برفق جمال صدرها النافر ... الخبرة تكسبك الجرأة ... أطال النظر حتى إحمرّت خدود رغدة ... غاص في مفرق صدرها ... قبل أن يتكلّم بحركة تبدو عفوية عدّل مكان قضيبه ... حركة يده سحبت نظر رغدة نحوها ... إنفتاح عينيها الناعستين يؤكد صدمتها ... أو ربما راحتها ... أو رغبتها ... لم يترك لها المجال ...
- متأسف على الإزعاج ... بس كنت عاوز شيماء في موضوع
- خير ؟؟؟ (حشرجة صوتها تدلّ أنها ليست على ما يرام) ...
- طبعا خير بس عاوزها في كلمتين .. إذا سمحتي .. وإذا سمحت ...
- شيماء ... شيماء ...
تقدّمت شيماء تقطّب حواجبها مستغربة وجوده ... راح يؤلّف قصّة عن حاجته لها للتفاوض حول تأجير الشقة وأنه لا يجيد ذلك وأنها بحكم شخصيتها القوية سترفع المبلغ ... الموضوع أعجب شيماء ... ووجودها سمح لرغدة أن تركز أكثر بين فخذي منذر ... القبة تبدو بوضوح خلف القماش الخفيف لبنطلونه ...
لم تسمع كلمة واحدة مما دار عند باب شقتها ... لم تنتبه إلا وشيماء تهرول داخل الشقة ... عادت العيون لتتقابل ثانية ... لم تهربا من بعضهما هذه المرّة ... قالتا كل شيء ... أعلنت الرغبة المشتركة ... نصف خطوة تفصل بينهما ...
تقابلت العيون طويلا ... بدأت الشفاه ترتعش تحضيرا للقاء ... أغمضت رغدة عينيها ... إما إستسلاما أو خوفا من الإستسلام ... أحس منذر بذلك قلبه ينسحب نحوها قبل جسده ... هم بالتقدم منها وأخذها في حضنه لكن صوت خطى شيماء تهرول نحوهما ... كحة صغيرة منه إنتبهت بعدها رغدة لما يحصل ...
نظرة إستغراب بدت على محياها ... كأنها إستشعرت ما يحدث ... أمسكت بذراع منذر وقادته برفق متوجهة نحو باب المصعد ... بعد خطوتين إلتفتت للخلف وغمزت بعينها ... ثم تمسكت جيّدا بذراع منذر ...
نار وإشتعلت بجسد رغدة ... لم تتمالك نفسها ... نار الرغبة تأكل جسدها ونار الغيرة تأكل روحها ... ما سرّ تلك الغمزة وما كل هذا التقارب بين شيماء ومنذر ؟؟؟؟ هل هو السنّ ؟؟؟ هل يمكن آن تكون أخطأت تفسير شعور منذر تجاهها ...
أغلقت باب شقتها و دفنت رأسها بين كتفيها مهزومة ... شكل القبة بين فخذي منذر يسحبها ... ما هذا الجنون الذي يحيط بها ؟؟؟ جنون يقابل بالجنون ... توجهت نحو غرفة نومها ... لبست لبسا رياضيا ... رغم بساطته تبقى جذّابة فيه ... نظرت لنفسها في المرآة قطرة عطر فاحت بها الغرفة وفاحت معها روحها ...
دقيقة وكانت قد إلتحقت بمنذر وشيماء عند الباب الكبير ... قبل أن تسلّم عليهما رن هاتف منذر ... صوته وهو يرشد المتحدث لمكان العمارة يؤكد توتره ... خرج يلوح بيده وباليد الأخرى يمسك هاتفه ... أقلّ من دقيقة وإنتهى هدير محرّك سيارة رباعية الدفع ... لوحة منجمية ليبية ...
نزل شاب في أول الثلاثينات ... تولت شيماء أمره ... صدق منذر في إختياره ... النساء أنجع في المفاوضات المالية ... زجاج العربة المعتم يستر من يركب داخلها ... وضع الشاب مبلغا يبدو ضخما في يد شيماء ... ثم عاد لسيارته ... فتحت الأبواب نزل صديق له يبدو من ملابسه أنه إبن بلده ... ثلاث شابات في أول العشرينيات هذا إن تجاوزنها ينزل من المقاعد الخلفية ... إحداهن تمسك بيده كرّاسات وكتب ... منظرها أدهش رغدة ... حقيبة ملابس و عدة أكياس تصدر منها قرقعة زجاجات الخمر ... ضحكات دوت بالمكان من إحداهن ... لكن التي تمسك الكتب تبدو خجلة متوترة ...
قادهم منذر نحو المصعد ... ثم للشقة ... شيماء تعد الأموال بتأني ... رغدة بدت شاردة الذهن ...
سرعان ما عاد منذر ... توجه مباشرة نحو شيماء ... وضعت في يده نصف المبلغ وأخفت الباقي ... قالت أنه نصيبها وحقها ... شبه شجار بدأ بينهما حين وصلهما صوت سهير من الأعلى ....
- إتخانقو في الشارع وفرجوا فينا الناس ... إطلعو إتخانقو عندي بدل ما أنا زهقانة ...
دعوة لم يستطع أحد رفضها ... شيماء التي صار تواجدها بجانب سهير يبعث فيها دفئا عجيبا ... منذر الذي وجد شلّة تؤنس وحدته ... رغدة التي تطارد حلمها رغم شرودها ...
فتحت سهير الباب مرحبة ... كانت تلبس قميصا طويلا حتى منتصف فخذيها ... حمالاته لا تستر نصف صدرها ... شعرها مشدود للأعلى ... هكذا دون حرج إستقبلت ضيوفها ... فقط منذر ... وقف طويلا عند الباب مترددا ... يد سهير تسحبه من معصمه بقوّة
- أدخل ما تخافش زوجي مسافر ومش راجع غير بعد أسبوع
قلب شيماء تلقى الخبر راقصا ... دخل الجميع للصالون ... رغم تعوده مرافقتهم منذ ساعات لكن منذر يشعر بتوتر ... جلس في كرسي منفرد في حين جلست شيماء ورغدة بجانبه على الكنبة ...
وقت قصير مر ثقيلا حتى دخلت سهير تحمل طبقا عليه واجب الضيافة ... لم تدع أحدا لمد يده ... هو عرف في بلدنا يعني أنك صاحب البيت ... الضيوف فقط من يدعون بإلحاح ...
- سهير : قلولي بقى كنت بتخانقوا ليه ؟؟؟
- شيماء : أنا حأحكيلك و إنت احكمي ... بسلامة إستنجد بيا عشان أتفاوض على أجرة الشقة ... أنا أجرتها بضعف ثمنها ... وبسلامتو عاوز ياكل عليا عرقي ...
- سهير : (نظرت معاتبة منذر بدلال ) صحيح الكلام داه
- منذر : لا أبدا ... بس ينفع عرقها يكون كل المبلغ ؟؟؟؟
- شيماء : (بعصبية غير مبررة) إنت مش أخذت أجرة الشقة ؟؟؟ ... الباقي مالكش فيه ؟؟؟
- سهير أحست أن الخصام سيصبح جديّا) طيب إنتم مش حكمتومني ؟؟؟
- منذر وسهير بصوت واحد : أحكمي ؟؟؟
- سهير : حطي الفلوس هنا (و أشارت للمنضدة رغم إنزعاج شيماء لكنها إستجابت) ... داه مبلغ محترم ... طيب إيه رأيكم نخرج نسهر برة ... نصرفه وننهي النزاع
- شيماء : (بسعادة مفرطة ) موافقة
- منذر: (بخجل شديد) إلي تشوفوه ...
رغدة : آسفة كنت سارحة ... كنتو بتقولو إيه ؟؟؟
سهير : لا أبدا عملنا مشروع تربية دواجن والبيض فقس وإنت مش هنا ؟؟؟
رغدة : آسفة ... ما كنتش مركزة ؟؟؟
شيماء : (وقد وضعت يدها على كتفها مهتمة بحالها) مالك يا حبيبتي ؟؟؟
رغدة : بصراحة مصدومة
سهير : مصدومة ؟؟؟ سلامتك ؟؟ من إيه ؟؟؟
رغدة : بصراحة مش عارفة أقولكم إيه ؟؟؟
شيماء : مكسوفة مننا ؟؟؟
رغدة : تقدري تقولي كده
سهير : يبدو إنو الموضوع كبير
هم منذر بالإنسحاب ... شعر أن وجوده بين ثلاث نساء هو السبب ... كلام رغدة أصابه بالحرج ... لكن رغدة التي خافت أن يغيب عن ناظريها إسترسلت في الحديث
- رغدة : بصراحة منظر البنت إلي طلعت الشقة مش قادرة أنساه
- سهير : أنهي بنت ؟؟؟
- رغدة : البنت إلي طلعت الشقة المفروشة قبل شوية
- سهير : مش فاهمة منك ولا حاجة ؟؟
- شيماء : أنهي وحدة فيهم ؟؟؟
- رغدة : إلي كانت شايلة الكتب
- سهير : مالها
- رغدة : شكلها و نظرة عينيها مش قادرة أنساهم ... حسيت إنها مش عاوزة تطلع
- شيماء : (بكل ذكريات حزنها) لو ماكانتش حابة تطلع ما كانتش جات من أصلو
- سهير : مش ممكن تكون مجبرة ؟؟؟ عندها ظروف
- شيماء : لو على كده ... بكرة حتتعود وبعدين هي من بقية أهلك عشان تشيلي همها ... كل فول يتلهى في نواره
- رغدة : بس قلبي واجعني عليها وعلى أمثالها ... بنات زي الورد يجرى فيهم كل داه
- سهير : واجعك ليه ؟؟؟ هما صغيرين ؟؟؟ كل واحد حر في حياته ومسؤول على تصرفاته
- رغدة : أنا من زمان والموضوع داه شاغلني ... مش لاقيالو تفسير
- شيماء : موضوع إيه ؟؟؟
- رغدة : العلاقة بين بنات تونس والليبيين ؟؟؟
- سهير : و إيه الغريب في داه ؟؟؟
- شيماء : ممكن قصدها السبب ؟؟؟
- رغدة : أيوة ؟؟؟ السبب إيه إلي يخلي بناتنا تترمي بالسهولة دي في أحضانهم
- سهير : الفلوس طبعا
- رغدة : مش متاكدة ؟؟؟
- شيماء : يعني حتكون قصة حب ؟؟؟ الموضوع واضح ... هو جاي من بلدهم جايب معاه تحويشة سنة والا سنتين عشان يتمتع بيها ... تلقفو الوحدة منهم تسحبهم منو في يومين ويروح حاسس نفسو بطل وهي حاسة نفسها أميرة
- رغدة : طيب ومين الكسبان في كده ؟؟؟
- سهير : منذر طبعا ؟؟؟
- منذر : (أفاق من صدمته حول موضوع النقاش) أنا ؟؟؟
- سهير : طبعا إنت ... الموضوع داه أصبح محرّك إقتصادي ... شقق مفروشة ... تاكسيات ... فواكه جافة خمرة ... حركية إقتصادية
- رغدة : مش مرتاحة لكلامك
- سهير بس دي هي الحقيقة ... في دول إقتصادها قايم على الحكاية دي .. إحنا فشلنا حتى في داه
- رغدة : مش فاهمة ؟؟؟
- سهير : في دول منظمة الموضوع وبتكسب منو ... إحنا كله في الممنوع و الممنوع بيأدي لطرق ملتوية ... مثلا في بنات بتشتغل مع البوليس هما بينضملهم المواعيد ... وفي بنات مع البوابين .. وفي بنات مع سواق التاكسي ... حركية يا بنتي
- رغدة : طيب ليه مع اليبيين دونا عن غيرهم ؟؟؟
- شيماء : على أساس في سواح غيرهم بيجولنا ؟؟؟
- رغدة : فيه الألمان ؟؟؟ الروس ؟؟؟ الرومان ؟؟؟؟
- شيماء : طيب دول أغلبهم بنات ؟؟؟ نصيب الشباب بتاعنا بقى هههههههه
- رغدة : مش مقتنعة بردو
- شيماء : شوفي حبيبتي ... الشباب الليبي مش بيقدر يتمتع في بلدو بحكم ظروفهم وطبيعة المجتمع عندهم .. فلما يجي هنا هو في مخو ما فيش غير هدف واحد ... و البنات إلي هنا حتقبض منو قد إلي حتقبضو مالتوانسة عشرة آلاف مرّة ... وممكن اكثر ... فعشان كده بيترمو بسهولة قدّامهم ...
- رغدة : طيب لو فرضنا ... ليه ما بيعملوش كده مع شبابنا ...
- سهير : أولا شوفي أشكالهم فيه تونسي يرضى يبصلهم ؟؟؟ المعزة وأختها ... هما إتعودو على كده سيبك إنت ...
- شيماء : سهير كلامها صح ... من النادر تلاقي وحدة حلوة وجذّابة معاهم ... ولو حصل حتدفعو ثمن عملية نقل كلية ... فهما يبوسو إيديهم إنهم بياخدو فلوس أصلا ... وهو يروح لبلدهم فاكر إن كل البنات عندنا كده ... فلوس وملابس وأيفونات ... في حين هي أصلا هنا ماحدش بيشوفها
صمت أذانه ... لم يعي ما يفعل لو رفع نظره نحوها ستضبطه رغدة وشيماء ... ولو أشاح به أضاع تلك الفرصة ... بدأت حرارته ترتفع وبدأت حرارة النقاش بينهن تزداد ... هجوم شيماء و سهير عليها جعلها تخسر النقاش ... كما في اللعبة سهير وشيماء دائما يشكلان فريقا ... قرصة حارة في ذراعه من أصابع رغدة تنبهه
- رغدة : إنت سايبني لوحدي ضدّهم
- منذر : (بإرتباك شديد) إلي تقوله رغده هو الصح
- سهير : بس هي ما قالتش حاجة ...
- منذر : (محاولا لعب دور المازح) بس هي ديما على حق ... حتى لو ما تلكمتش ...
الساعة تقارب التاسعة ... تفرّق الجميع للإستعداد للسهرة الموعودة ... تأنّق منذر قدر ما إستطاع ... روحه يصرعها الوجل ... وجل من سيسهر أوّل مرة في مكان كان يخيّل له أنه حرّم دخول أمثاله ... ووجل من وضع القدر في طريقه حبا جديدا ... فريسة جديدة ...
شيماء التي إقتنعت تمام الإقتناع أن سهير تراودها ... وسهير التي إستشعرت تقبّل شيماء لإشاراتها ... نصف ساعة وكان الجميع أمام باب العمارة ... تلصصهم يؤكد أن الجميع مقتنع أنه يفعل شيئا غير مقبول ...
محرّك سيّارة سهير يهدر معلنا بدأ المغامرة السرية ... أصرّت شيماء على الركوب بجانب سهير من الأمام ... رغدة تجاور منذر في الكرسي الخلفي .. تنورة قصيرة سوداء و قميص أبيض ... جوارب مشبّكة ... حذاء أسود بكعب عالي ... رائحة عطرها وحدها تعني دعوة للإغتصاب ...
ما إن قطعت السيارة مسافة قصيرة ... حتى إلتفتت شيماء للحديث معهما ... قابلت سهير حركتها بنبرة ناهية ... " سيبهم في حالهم وركزي معايا " ... كلمتها كانت إشارة أن لرغدة الحرية من رقابة الجميع ... فتحت أزرار معطفها القصير و تراجعت للخلف قليلا ... إنحسرت تنورتها للخلف ... جزء صغير من فخذها الأبيض يلمع بحرية بين قماش التنورة والجوارب ...
كوابل رصاص ينزل على عيني منذر مع مراوحة الظلمة والنور تحت وقع سرعة السيارة بين عواميد التنوير العمومي ... رغم إنتصاب قضيبه لكنه لم يشعر بالحرج ... بل بالعكس شعر بالنشوة والفخر لما لم وجه رغدة تركز بين فخذيه ...
لم يدم شروده طويلا ... سحبته رغدة من ذراعه ليلتصق بها .. نظرة بسيطة من طرف عين سهير في المرآة الداخلية للسيارة لتضع يدها الناعمة على فخذ شيماء العاري ... قبل توقف السيارة أمام باب المطعم ... كشفت النوايا بين الجميع ...
فتحت الأبواب ونزل الجميع ... نور مشع يعلن عن إسم المكان ... هو ليس مطعما تقليديا ... المطاعم السياحية أشبه بالكابريهات ... الوقت يعتبر مبكرا ... تقدّم حارس ضخم بشع الخلقة والخلق يرحب بهم ... منظره أرعب رغدة التي دون شعور أمسكت بذراع منذر بحثا عن الأمان ... صلابة عضلة ذراعه فجّرت آخر أحجار التردد في صدرها ... كحركة عند وتقليد تعلّقت سهير بذراع شيماء ... دخل الجميع الباب ضاحكين ...
النور الخفيف لم يمنع منذر من التملي في ديكورات المكان ... طاولات شبه متلاصقة ... أنوار رعّاشة ترقص بين جفنيه ... نظرة تردد علت وجه سهير ... لم يعجبها المكان ... تقدّم كبير المشرفين منهم مرحبا بإشراق في وجهه ... قادهم نحو درج صغير ... أربع درجات ووجدت المجموعة نفسها في مكان يبدو منعزلا ...
راحة علت وجه سهير ... جلست الشلة متاقبلين حسب الفرق ... عينا منذر لم تفارقا وجه رغدة ... نسي وجود الأخرتين ... هي طبيعة العلاقات ... لو أردت الوصول لهدفك عليك التركيز فيه ... سرعان ما بدأت الحركة حول الطاولة ... كؤوس وأصحن ... ألوان طعام تبدو لذيذة ... توقّف النادل يناقش سهير حول نوع الخمرة ... منذر تراجع متفاديا إحراج عدم الخبرة ... شيماء التي تعتبر الأكثر إرتيادا لهذه الأماكن ... إختارت زجاجة شامبانيا فاخرة ...
إكتملت عناصر اللعبة ... الرغبة والكبت والإنجذاب ... الحرية والجو الجميل ... و المحفّز ... ترددت رغدة كثيرا قبل أن تدفع بمحتوى الكأس دفعة واحدة في حلقها مقلّدة أخت زوجها في صنيعها ... حرقة حلقها بانت في وجنتيها ... نفس ****يب أحرق منذر لكنه تماسك ...
بضع لقمات و كأسان وبدأت العقول تفسح مجال الحرية للأفواه أن تعبّر عما يختلجه القلب ...
- رغدة : تعرفو إني أوّل مرة أدخل مكان زي داه في تونس ؟؟
- شيماء : أنا متأكدة إنها مش حتكون آخر مرّة ليكي ههههه
- سهير : بس المكان من هنا أحلى ؟؟؟ و إلا إيه يا منذر ؟؟؟
- منذر : أنا متهيألي حأسكن هنا ...
مع إنتهاء الجميع من الأكل ... بدأ الضجيج يملأ المكان ... الفرقة الموسيقية تعدّل أوتارها لتبدأ في دغدغة وسط السكارى ... توالت الأنغام ... و الرقصات والراقصات ... نظر شيماء وسهير مركز على المسرح وما يحصل فيه ... رغدة لا ترى شيئا غير عيني منذر ... مع خلو الطاولة من الأواني ... فقط بعض كؤوس الشراب ... العقول غابت بها ... تشابكت أصابع اليدين تعوض كلمات الشفاه ... رغدة التي أحرقت الرغبة قلبها ... كل تلك الذكريات مع شاشة تلفازها سكنت عقلها ... أرادت فقط التأكد من شيء ... خلعت حذائها برفق ... حرّكت قدمها تجاه منذر .. لامس إصبعها الأكبر كعبه ... بدأت رجلها تزحف نحو الأعلى .. لامست فخذه الأيسر ... نظر في عينها مستفسرا ... حركت رأسها برفق أني أقصد ما أفعل ... سرعان ما إستجاب لها .. باعد بين فخذيه ... أمسك آه كانت ستفلت منه مع ملامسة قدمها لكيس بيضاته ... بدأت قدمها تزحف للأعلى أغلقت عينيها ... لم تعد تسمع ... كبتت أنفاسها لتفسح المجال لقدمها أن تركّز... عضّت شفتها السفلى تستمتع بالحرارة تصلها من أسفل قدمها ... وضعت رجلها بطولها على قضيبه ... فتحت عينيها بدهشة مسرورة مما وجدت ... هذا ما كانت تبغي ...
غياب سهير وشيماء عنهما سمح لها بإتخاذ قرار ... غمزت منذر وأشارت بيدها أن يجب أن ينسحبا ... تظاهرت بالسكر ... قالت أنها لم تعد تستطيع البقاء ... تذمّر شديد منهما ... السهرة لم تبدأ بعد إقترح منذر إصطحابها للمنزل بسيارة تاكسي ... رغم عدم تقبّل شيماء للموضوع لكنها فرصة أن تنفرد بسهير ...
وضعت رغدة يدها على رقبة منذر متظاهرة بالسكر ... حضنها من وسطها ... حركة عضلات بطنها زادت لهيب رغبته ... إنسحبا من وسط الجموع الراقصة نحو الباب ... قبل خروجه بقليل ... وجه زوج رغدة يطل مصطحبا صديقتيه ...
متر واحد يفصلهما ولم يلحظ أي منهما الآخر ... الرغبة تعمي الأحاسيس ... فقط منذر من يدرك حقيقته و يريد سبر أغوار حقيقتها لم يقم بأي حركة تجلب الإنتباه ... دقيقة وإختفت بهما التاكسي ...
رغم إبتعادهم عن الجميع لم تبتعد عنه رغدة ... أنفاسها تحرق رقبته ... يدها تعبث بفخذيه ... أناملها الرقيقة تصعد من مستوى ركبته حتى بين فخذيه ... ثم تنسحب ... عذابه الممتع لم يدم طويلا ... سرعان ما دخلت التاكسي بوابة الحي ... قبل إقترابها من العمارة ... تجمّع كبير للسيارات ... رجال ونساء يقفون قرب الباب ... سيارة إسعاف تغلق أبوابها تهم بالمغادرة ... وجود هذا الجمع جعل رغدة تنسحب بسرعة نحو السلالم تداري حالة سكرها وعريها ... إلتفتت تنظر لمنذر آملة اللحاق بها ... هم بذلك لكنه سأل أحد المسعفين عما حدث ... كلمة وقعت كالرصاص في قلبه " سي توفيق تعيش إنت " ... لم يشعر و لم يتذكر كيف قفز الدرج صعودا مرّ بجانب رغدة كأنه لا يراها ... باب شقة سي توفيق مفتوح ... صوت نحيب خفيف من بعض النسوة ... هرول نحو غرفة النوم ... وجه فريال الساحب يؤكد الخبر ... أخت سي توفيق تجلس بجانب رأس جثّة شقيقها ... تمسك إطار خشبيا لصورة... تقدّم من جثّة سي توفيق ... قبّل رأسه وبكت عيناه ... حب لم يعلم سرّه ... شعور إستغربه الجميع منه ... أغلب الحاضرات لا يعرفنه ... فقط أخت سي توفيق حضنته ... بكى في صدرها ... مسح دمع عينيه بصعوبة ... رأسه بين يديها و الإطار ملقى على حافة السرير ... قطع أنفاسه طويلا ... حال التركيز ... هز رأسه كثير ليطرد سكره ... صورة قديمة وقع نظره عليها ... سي توفيق وزوجته الأولى و شابة في العشرين تقف بينهما مبتسمة ... صمت طويلا مركزا في الصورة ... ثم صرخ باكيا " ماما ... شتعمل أمي في تصويرة مع سي توفيق ؟؟؟ "